الجزاء المترتب عن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الصرف

تطبق كذلك على الشخص المعنوي- كما على الشخص الطبيعي- إذا ما ثبتت مسؤوليته الجزائية عقوبات أصلية مالية و أخرى تكميلية نصت عليها م 05 من الأمر رقم 03-01 .

أولا: العقوبات الأصلية المطبقة على الشخص المعنوي

تستبعد من هذه العقوبات عقوبة الحبس التي لا تتماشى و الطبيعة القانونية للشخص المعنوي، في حين تطبق عقوبتين ماليتين كعقوبات أصلية تتمثل في الغرامة و المصادرة بالطريقة التي تتماشى بها مع طبيعة الشخص المعنوي.

1- الغرامة:

سبق أن أشرنا أن المشرع تشدد في الغرامة المطبقة على الشخص المعنوي ذلك أنه جعل الحد الأدنى للغرامة ضعف الحد الأدنى للغرامة التي يتعين الحكم بها على الشخص الطبيعي حيث لا يمكن أن تقل الغرامة عن أربعة مرات قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة. ويصدر الحكم القاضي بإدانة الشخص المعنوي ممثلا من طرف ممثله الشرعي مثال عن ذلك حكم محكمة وهران المؤرخ 27/06/2005 الذي جاء في منطوقه: “…مع التصريح بإدانة الشخص المعنوي ممثلا من طرف مديره…و عقابا له الحكم عليه بغرامة مالية بمبلغ…”[1]

ويصح تقديم نفس التعاليق المقدمة آنفا بخصوص تحديد الحد الأدنى للغرامة و تطبيق الظروف المخففة المتعلقة بالغرامة المطبقة على الشخص الطبيعي على عقوبة الغرامة المطبقة على الشخص المعنوي لأن الاختلاف الوحيد الموجود بين الغرامتين هي أن الأولى أشد من الثانية و أن الأولى تنفذ على الذمة المالية للمحكوم عليه الشخص المعنوي دون ممثله الشخص الطبيعي- ما لم يتابع و يدان لنفس الجريمة، أما الثانية تنفذ على الذمة المالية للمحكوم عليه الشخص الطبيعي.

2- المصادرة:

و تشمل المصادرة مصادرة محل المخالفة و وسائل النقل المستعملة في الغش أيضا(مثلما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي) وهي كما سبق ذكره العقوبة المستحدثة بمقتضى الأمر 69-22 التي كانت تنص و5/3 منه أ مثل هذه العقوبة لا تطبق على الشخص المعنوي الخاضع للقانون العام و هذا منطي جدا لأن فرض مثل هذه العقوبة عليه قد تحرمه من أداء مهام تكون حيوية للمجتمع أما بعد تعديل الأمر69-22 بالأمر03-01 فإن الفقرة المذكورة أعلاه تم حذفها و ذلك تماشيا مع توقيع المشرع المسؤولية الجزائية على الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص دون غيرها.

كما أنه في حالة استحالة تطبيق المصادرة عينا تستبدل المصادرة بغرامة تساوي قيمة الأشياء التي كان ينبغي مصادرتها.

ثانيا: العقوبات التكميلية الخاصة بالشخص المعنوي

طبقا لنص المادة 05 من الأمر 03-01 يمكن للقاضي أن يصدر إضافة إلى العقوبات الأصلية إحدى العقوبات الآتية أو حتى جميعها وذلك لمدة أقصاها خمسة (05) سنوات:

– المنع من مزاولة عمليات الصرف والتجارة الخارجية: وأما عن المنع من مزاولة عمليات الصرف المنصوص عليها في م 5/2 فإن هو من يشكل عقوبة تكميلية يجوز للقاضي أن يقضي بها بموجب سلطته التقديرية فتظهر في منطوق الحكم القاضي بالإدانة، فيجب عدم خلطه مع تدبير الأمن الإداري البحت الذي يتخذ فيه إجراءات إدارية تحفظية إذ بمقتضى م 08 من الأمر 03-01 يمكن لمحافظ بنك الجزائر من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب وزير المالية أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض اتخاذ التدابير المناسبة ضد المخالف من أجل منعه من القيام بكل عملية أو حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج ترتبط بنشاطاته المهنية، وبالتالي يصبح هذا المنع جزاء وقائي يطبق بطريق إداري على أن ينصب هذا المنع على عمليات الصرف المرتبطة بإحدى نشاطاته المهنية فلا يمكن أن يمس هذا الجزاء العمليات التي لا تدخل في أي نشاط مهني كتحويل العملة الصعبة لأغراض شخصية مثل الدراسة.

ورغم القيود الموضوعة لتطبيق هذا التدبير إلا أن اتخاذه منطويا على خطورة كبيرة إذ يمكن أن يوقع على شخص يفترض فيه أنه لا يزال تحت حماية مبدأ قرينة البراءة ذي المرتبة الدستورية[2] .

إلا أن هذا التدبير يمكن رفعه بنفس الطريقة التي اتخذ بها وذلك في كل وقت وفي جميع الحالات بمجرد إجراء مصالحة أو صدور حكم قضائي، وهذا ما قد يبدو تخفيفا للخطورة التي أسلفنا ذكرها، إلا أن السلطة التقديرية المتروكة لمحافظ بنك الجزائر أو وزير المالية أو ممثليه المؤهلين لهذا الغرض قد يجعل الفترة التي تنقضي ما بين اتخاذ التدبير ورفعه تطول لاسيما بالنظر إلى الطبيعة المعقدة للقضايا في هذا المجال وبحكم الإجراءات ذاتها، وهذا من شأنه تعطيل النشاط المهني للشخص مع كل النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك دون أن تتاح له إمكانية الدفاع عن نفسه.

لا بد الإشارة أن الجزاء المتعلق بمنع مزاولة عمليات التجارة الخارجية، وإن لها علاقة بجزاء منع إجراء عمليات الصرف، فهي تختلف عنه ولا يمكن أن يقضي بها القاضي كبديل لجزاء المنع من مزاولة عمليات الصرف بل عليه الحكم بالعقوبتين إن قدر وجوب تطبيقها.

– الإقصاء من الصفقات العمومية: ويقصد بها أن يستبعد المخالف المدان من كل صفقة تبرمها الدولة ومؤسساتها العامة والمجموعات المحلية وكل المشروعات التي تلجأ إلزاما أو طواعية إلى تطبيق إجراءات قانون الصفقات العمومية.

– المنع من الدعوة العلنية للادخار: وهذه العقوبة لا فعالية لها إلا بالنسبة لمن يلجأ لسوق رؤوس أموال طلبا للتمويل.

– المنع من ممارسة نشاط الوساطة في البورصة.

* مبدأ عدم جمع العقوبات:

هذا المبدأ جاء به المشرع بمقتضى نص م 06 من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم حيث منع تطبيق عقوبات أخرى غير العقوبات التي جاء بها هذا الأمر بالنص على أن ” تطبق على مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج، العقوبات المنصوص عليها في هذا الأمر، دون سواها من العقوبات، بغض النظر عن كل الأحكام المخالفة” وبالتالي يكون قد استبعد تطبيق ازدواجية العقوبات على جرائم الصرف، ذلك تفاديا للنتائج التي ترتبت عن الطابع المزدوج الذي تعرفه جرائم الصرف في بعض مظاهرها، إذ تشكل في آن واحد مخالفة جمركية على الخصوص[3] (مثل مخالفتي الاستيراد والتصدير الغير مشروع )أو مخالفة لتشريعات أخرى فبرزت تبعا لذلك ظاهرة

الغرامة المزدوجة و/أو المصادرة المضاعفة[4]، هذا ما أظهر تضارب بين الأحكام القضائية و تذبذب في موقف المحكمة العليا. حيث أن القضاء كان يرفض النطق بالمصادرة مرتين ولو أن ذلك من الناحية العملية كان ممكن إذا ما اتخذنا إلى جانب المصادرة العينية بمصادرة القيمة البديلة[5].

ونشير أن الأمر لم يكن دائما في اتجاه منع جمع الجزاءات وتشهد على ذلك قرارات المحكمة العليا إذ عرف اجتهادها تغيرات عدة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل.

1- مرحلة عدم الإقرار بالازدواجية: هي الممتدة إلى غاية جوان 1981 إذ كان اجتهاد المحكمة العليا يرفض تطبيق آخر غير قانون العقوبات على جريمتي الاستيراد والتصدير الغير مشروع[6].

2- مرحلة الإقرار بالازدواجية: اعترف فيها المجلس الأعلى بالطابع المزدوج لجريمة الصرف وذلك من خلال حيثيات القرار الصادر في 30/06/1981 رقم 23505-174 والتي جاء كما يلي”عن الوجهين معا، المأخوذين من خرق القانون ولاسيما المادتين 03 و 05 من قانون الجمارك باعتبار أن الأفعال المنسوبة للمدعى عليه تشكل في آن واحد مخالفة للتنظيم النقدي المنصوص عليها في المادة 424 و ما يليها من قانون العقوبات وجريمة جمركية تتمثل في استيراد العملة الصعبة بالتدليس داخل التراب الوطني علما بأنه كان يتعين على المجلس أن يعاقب على الجريمتين طالما أن العملة الصعبة هي بضاعة من البضائع”[7]، وبعد استقرار هذا الاتجاه صار يطبق على مختلف أوجه جرائم الصرف.

3- مرحلة تراجع نسبي: صدر فيها عام 1985 قرارين[8] رفض فيهما المجلس الأعلى ازدواجية جريمة الصرف.

إلى غاية صدور الأمر رقم 96-22 الذي ألغى بمقتضى م11 منه جميع أحكام قانون العقوبات الخاصة بمخالفة التشريع النقدي (م424 إلى م426 مكرر) وحسم الأمر نهائيا في مادته 06 بإخضاع جرائم الصرف لأحكام الأمر 96-22 دون غيرها بصريح النص.

في حين أضاف القضاء وبعض التشريعات من القانون المقارن مثل القضاء الفرنسي والتشريع التونسي في حالة التعدد الصوري لجريمة الصرف تطبيق الجزاءات المقررة لجريمة الصرف بهذا الوصف والجزاءات المقررة لها بوصفها جريمة جمركية.

– انظر الملحق رقم 15 . [1]

[2] – أ. عبد المجيد زغلاني، المرجع السابق، ص 74.

1- قرار المحكمة العليا ملف رقم 335621 المؤرخ في09/09/1999 “..و حيث أنه متى كان كذلك فإن استيراد العملة الصعبة بدون تصريح يشكل فضلا عن جريمة الصرف المنصوص و المعاقب عليها في قانون العقوبات مخالفة من الدرجة الثانية المنصوص و المعاقب عليها في م 322 قانون الجمارك”، المجلة القضائية الأولى، 1996، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، ص 218.

1- قرار المجلس الأعلى ملف رقم 36446 المؤرخ في 07/02/ 1984 “حيث أن (م م) الأب زيادة على مخالفة التنظيم النقدي أحيل من أجل المضاربة في الأسعار المنصوص و المعاقب عليها بالمادتين 42 و 52 من قانون تنظيم الأسعار. وحيث أن محكمة الجنايات بعد ما أدانته من قبل بهذه الجنحة قضت عليه بالحبس و الغرامة من أجل مخالفة التنظيم النقدي فقط و الحال كان يتعين عليها أن تحكم عليه زيادة على ذلك بالغرامة المنصوص عليها بالمادة 52 من الأمر 75 – 23 مؤرخ29- 04- 1975 المتعلق بقانون تنظيم الأسعار و لجمعها وفقا للمادة 42 من الأمر و التي تنص ما يلي : خلافا لأحكام المادة 36 ق ع تجمع الغرامة المنصوص عليها في هذا الأمر مهما كان نوعها”،المجلة القضائية ،العدد الأول،1989،قسم المستندات المحكمة العليا ،الجزائر،ص 271 .

[5] – أ.عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق، ص 75.

[6] – قرار غ.ج (2) 05/12/1978 ملف 15113؛ قرار 27/03/1979 ملف 171449؛ قرار 05/02/1981 ملف 22735 (غير منشورة)

[7] – قرار المجلس الأعلى 30/06/1981 غرف مجتمعة ملف 235005، قراري 09/11/1982 ملف 26182 وملف 26246.

[8] – مجلة الجمارك عدد خاص مارس 1992 ص 52، ملف 34887 وملف 34888.