العقوبات الأصلية المطبقة على الشخص الطبيعي

أولا: عقوبة الحبس

نظرا لطبيعة هذه العقوبة فلا يعقل أن تطبق إلا على المحكوم عليهم أشخاصا طبيعيين وحددت مدتها المادة 01 مكرر من الأمر رقم 03-01 من سنتين (02) إلى سبعة (07) سنوات حبسا، بعد أن كانت من ثلاثة أشهر إلى خمسة سنوات في الأمر 96-22 مما يبين نية المشرع في تشديد قمع جرائم الصرف بتعديل 2003 مع حرصه على إبقاء وصف هذه الجرائم جنحا، و لا شك أن هدف المشرع في تجنيح هذه الجريمة هو تفادي ثقل إجراءات المطبقة على مستوى محكمة الجنايات[1] فحتى يصبح نظام العقوبات وسيلة ناجعة للوقاية من هذه الجريمة و ردعها يقتضي الأمر السرعة في معالجة هذه القضايا على مستوى القضاء ليعطي للعقوبة أثرها الكامل.

ثانيا: الغرامة

وهي عقوبة مستعارة من التشريع الجمركي، وقرر المشرع تطبيقها على المخالف سواء أكان شخصا معنويا أو طبيعيا، إلا أن المشرع فرق بين المبالغ المطبقة على كليهما، إذ تشدد في الغرامة المطبقة على الشخص المعنوي.

فنصت م 01 مكرر من الأمر 03-01 أنه بالنسبة للشخص الطبيعي لا يمكن أن تقل الغرامة عن مرتين قيمة محل المخالفة أو محاولة المخالفة، بالتالي نلاحظ أن المشرع علق مقدار الغرامة على قيمة محل المخالفة وتجنب تحديد مبلغا معينا لها، بل وأكثر من ذلك اكتفى بتحديد حدها الأدنى الذي لا يجوز النزول عنه تاركا في ذلك السلطة التقديرية للقاضي في الحكم بأكثر من هذه القيمة دون وضع أي سقف يتوقف فيه القاضي عند حده[2] . وهو أمر غير سائغ لمخالفته مبدأ الشرعية الذي يفرض أن يكون الحد الأقصى للعقوبة محددا بنص القانون[3] .

كما أن مثل هذا التحديد للغرامة في حدها الأدنى يشكل عائقا على القاضي في تطبيق الظروف المخففة عملا بأحكام المادة 53 ق.ع هذه الأخيرة تجيز في فقرتها الثالثة إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي الغرامة تخفيضها إلى خمسة (05) دنانير تطبيقا للظروف المخففة، بينما المادتين 01 مكرر و05 من الأمر رقم 03-01 بالنسبة للشخص الطبيعي والشخص المعنوي على التوالي تضمنتا عبارة “لا يمكن أن تقل…” توحي بهذه الصيغة الآمرة أنها تستبعد تطبيق الظروف المخففة على الغرامة[4] ولعل للمشرع في اتخاذه هذا الموقف مبرر فيما جاء به عرض أسباب الأمر رقم 03-01 إذ جاء فيه أن من أسباب تعديل الأمر 96-22 تبني نظام عقابي رادع يستبعد فيه تطبيق الظروف المخففة على العقوبات المالية[5].

إذ لم يكن الأمر دائما على هذا الحال حيث اعتبر المجلس الأعلى في قراره الصادر في 07/02/1984 ملف رقم 36446 أن الغرامة التي تنص عليها م425 ق ع و الخاصة بجريمة الصرف التي تكون جناية “غرامة جزائية تخضع لتقدير قضاة الموضوع بحيث إذا أفادت محكمة الجنايات المتهم بالظروف المخففة كما هو الشأن في قضية الحال يجوز لهل أن تنزل بالغرامة في الحدود المقررة بالمادة 53 ق ع …”[6] بالتالي يفهم من هذا القرار أن الغرامة في جريمة الصرف لما تشكل جناية تخضع لتطبيق الظروف المخففة.

و يلاحظ بخصوص طبيعة الغرامة في التطبيق القضائي أنها تارة تعد غرامة جزائية يحكم بها في الدعوى العمومية و تارة أخرى غرامة مدنية يحكم بها لصالح الطرف المدني ومن الأمثلة بالنسبة للحالة الأولى منطوق الحكم الصادر عن محكمة الجنح بوهران المؤرخ في 27/06/2005 الذي قضى “في الدعوى العمومية التصريح بإدانة المتهم…وعقابا له الحكم عليه…و100000.00 د ج غرامة نافذة”[7] و الحكم الصادر عن نفس المحكمة المؤرخ في 04/01/2005 قضى بعقوبة الغرامة في الدعوى العمومية[8]. في حين نجد في القرار الصادر عن مجلس قضاء وهران المؤرخ في 21/12/1999 أن الحكم المستأنف فيه الصادر عن محكمة الجنح بوهران المؤرخ في 16/10/1999 قضى جزائيا على المتهم بشهرين حبس…ومدنيا بإلزام المحكوم عليه بأدائه للطرف المدني إدارة الجمارك غرامة جمركية قدرها…[9] معتبرا بذلك الغرامة حق للطرف المدني.

وفي حقيقة الأمر في كل الأحوال فإن مبالغ الغرامة تصب في النهاية إلى حساب خزينة الدولة بالطريقة التي نظمتها التعليمة رقم 30 الصادرة عن وزارة المالية المؤرخة 17/08/1998 و الخاصة بالقواعد المحاسبية المتعلقة بجرائم الصرف.

ثالثا: المصادرة

تشمل المصادرة مصادرة محل المخالفة وكذلك مصادرة وسائل النقل المستعملة في الغش مثال ذلك الحكم بمصادرة مبالغ العملة الصعبة الغير مصرح بها أمام أعوان إدارة الجمارك أثناء الدخول إلى التراب الوطني و مصادرة السيارة التي نقلت و أخفت العملة الصعبة. وهذه العقوبة مستحدثة في مجال جرائم الصرف منذ صدور الأمر 96/22 .

وبخصوص مصادرة محل المخالفة فإنه بالرغم من أن المشرع لم يحدد ما المقصود بمحل الجنحة بالضبط إلا أن هذا لا يثير إشكالا إذ “لا شك أن القضاء كفيل بالقيام بهذه المهمة التي هي من صميم عمله”[10] .

*حالة استحالة تطبيق المصادرة عينا:

قد مكن التشريع الخاص بجرائم الصرف (م1مكرر و5 من الأمر 03-01) الأعوان المعاينين للمخالفة من حجز الأشياء المراد مصادرتها إلا أنه إذ استحال عليهم ذلك أو لم يقدمها المخالفة لأي سبب كان فيتعين على الجهة القضائية المختصة أن تحكم بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة وتساوي قيمة هذه الأشياء، هذا يفكرنا في تقنية معروفة في قانون الجمارك وهي “بديل المصادرة” الذي يمثل مبلغا ماليا بمثابة غرامة تقوم مقام المصادرة وتحسب على أساس قيمة الأشياء التي كان ينبغي مصادرتها بحيث تساوي قيمتها.

– نور الدين دربوشي ،المرجع السابق، ص 187.[1]

[2] -وهذا خلافا لما ذهب إليه المشرع سابقا إذ حدد في الأمر رقم 96-22 الحد الأقصى للعقوبة وبالتالي يكون المشرع قد أخفق لما تراجع عن موقفه الأول.

[3] – د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، ص187.

[4] – استعمل المشرع نفس الصياغة في م 374ق.ع بخصوص جريمة الشيك الذي استقر قضاء المحكمة العليا بشأنها على عدم تطبيق الظروف المخففة على الغرامة المقررة جزاءا لها والنزول عن الحد الأدنى الذي لا يمكن أن يقل عن قيمة الشيك.

[5] : د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص187.

– المجلة القضائية، عددالأول، سنة 1989 ،قسم المستنادات و النشر للمخكمة العليا،الجزائر،ص 271 .[6]

– انظر الملحف رفم15.[7]

– انظر الملحق رقم 16. [8]

– انظر الملحق رقم 14. [9]

[10] – أ.عبد المجيد زعلاني، المرجع السابق، ص 70.