مفهوم الشرعية في القانون

عرف فقهاء القانون الدستوري الشرعية على انها الاتفاق مع القواعد القانونية ايا كان مصدرها دستوريا ام تشريعيا وتسيد احكامها على كل من الدولة والافراد سواء كانوا حكاما ام محكومين .

و بمعنى اخر ان الشرعية تعني التزام كل من الدولة والافراد بعدم مخالفة القواعد القانونية مع وجود الجزاء على الاخلال بهذا الالتزام اذ لاضمانة بغير جزاء على المخالفة حيث تتوقف قيمة الالتزام ومدى الايمان به على مدى فاعلية هذا الجزاء ، فالشرعية اذن تعني مبدا سيادة احكام القانون اذ عن طريقهما لايمكن لاي هيئة ان تصدر قرارا فرديا الا في الحدود التي بينها القانون او الدستور .

و تعتبر الشرعية من اهم الضمانات لحقوق وحريات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حيث لاتستطيع الهيئات والحكام ان تفرض القيود على الحريات الا من خلال القواعد القانونية طالما ظلت تلك القواعد القانونية قائمة ذلك لان تحديد حقوق وحريات المواطنين يتم وفقا للقواعد القانونية المقدمة مسبقا من قبل الصفوة الحاكمة ، فضلا عن ان كل مايتعلق في مجال العلاقات المتبادلة بين هيئات سلطة الدولة والمواطنين يفترض بانها تحدد بالقواعد القانونية ، ولهذا فان القواعد القانونية تعتبر بالنسبة لجميع هيئات الدولة والحكام والمواطنين واحدة حيث انهم جميعا ملزمون بصورة متساوية بالخضوع للقانون ولايحق لاي فرد الاخلال بالقانون او الانحراف عن متطلبات الشرعية ذلك لان القانون هو قانون للجميع وهذا مبدا ثابت من مبادئ الدولة القانونية لذا فان اي اخلال بالقواعد القانونية من قبل احدى هيئات الدولة يعتبر عملا مخالفا للشرعية كما انه يعتبر استبدادا يعاقب عليه القانون .

و هناك مبادئ تتحقق بها الشرعية منها : ان كل هيئات الدولة مقيدة في حدود القانون حيث انها لاتستطيع اصدار اي قرار الا من خلال احكام التنظيم القانوني اي في حدود تشريع عام وضع سابقا يسري على الجميع . فضلا عن ان على الهيئة مصدرة القرار ان تراعي التدرج القانوني باتخاذ القرارات والا تكون متعارضة مع قاعدة قانونية اعلى منها وبخلافه تعتبر هذه القرارات باطلة لان احكام القانون يجب ان تكون في نطاق الشرعية الدستورية ومثلها القرار الاداري بالنسبة للقانون كما يجب ان تكون احكام الدستور ذاتها متفقة واحكام المشروعية العليا التي تسمو وتعلو على الدولة والافراد والدستور والمتمثلة بالايديولوجية الحاكمة .

و لضمان الشرعية تعمد الدول الى وضع قيود في القانون الدستوري على هيئات السلطة الحاكمة التي تقوم بتوقيع الجزاء وفرض الطاعة على المواطنين مما يؤدي الى ان تكون هيئات السلطة هي نفسها المطالبة بتوقيع الجزاء على نفسها اذا ما خرجت على القيود التي تفرضها القواعد الدستورية لهذا اقرت بعض الدول ضمانات معينة تكفل حسن تطبيق قواعد القانون الدستوري والتي تحد من محاولة الخروج عليها من جانب هيئات الدولة .

وتتالف هذه الضمانات القانونية من النصوص التي تضعها الدساتير والتشريعات والتي تحتوي على كفالة اجراء الرقابة على تصرفات هيئات سلطة الدولة وهي تتمثل بصور رقابية متعددة هي : الرقابة السياسية والمتمثلة بالمجالس النيابية باعتبارها رقيبا على الهيئة التنفيذية ، والرقابة الادارية والمتمثلة في كفالة حق التظلم وتقديم الشكاوى من قبل المواطنين الى الهيئة التنفيذية وكذلك هناك الرقابة القضائية والقائمة على اسس كفالة حق التقاضي لكل المواطنين لكي يؤمن لهم امكانية الاستفادة من جميع الحقوق الممنوحة لهم في التشريعات وتلعب النيابة العمومية او الادعاء العام دورا مهما في حماية القوانين من اية تجاوزات حيث انها تقوم في سبيل ذلم بعدة مهمات منها : مراقبة تطبيق القوانين من قبل المؤسسات والمنظمات ومواطني الدولة وكذلك مراقبة اتباع الشرعية في اعمال هيئات التحقيق ومراقبة شرعية وصحة احكام المحاكم في القضايا الجنائية وفي القضايا المدنية وقرارات الهيئة العدلية وهي تلعب دورا مهما في مراقبة شرعية تنفيذ الاحكام واتباع الشرعية في اماكن الحجز والتوقيف .

والواقع يشير الى ان هذه الضمانات القانونية التي تنص عليها الدساتير لضمان تطبيق قواعدها لا تكفي لتحقيق تطبيق هذه القواعد وذلك لان النتائج العملية قد اثبتت ان احترام نفاذ القواعد الدستورية لايتوقف على مقدار ماتحتويه هذه النصوص من جزاءات وضمانات بقدر ما يعتمد على مدى ايمان الشعب وقوة الراي العام في التمسك بها والحرص عليها .

وان هذه النتائج التي افرزها الواقع العملي ادت الى اقرار الفقه ببعض الضمانات غير القانونية التي تتجسد في الضغط الشعبي والاضطرابات والمظاهرات بمعنى الاقرار بحق المواطنين في مقاومة طغيان الحاكم الذي يحدث في حالة الخروج على المبادئ المقررة دستوريا ومخالفتها .

و بالرغم من كل الضمانات القانونية التي تكفل احترام القواعد القانونية الدستورية القائمة فانها قد لاتتسع للتطورات التي تحدث في الجماعة حين يتولد في ضميرها القانوني اتجاه سياسي جديد للانقضاض على النظام القائم وتغييره بالقوة في اغلب الاحيان بل ان هذه الضمانات القانونية قد تكون في بعض الاحيان هي الحاجز في وجه التغيير وانها السلاح الذي يرفعه الحكام في مواجهة من ينادي من المواطنين بالاصلاح فتكون المقاومة عندها نوعا من رد الفعل ضد ماتحاوله هذه الضمانات القانونية و السياسية في حماية الدستور .

ولهذا فان سند المقاومة ضد الهيئة الحاكمة يبتعد عن مجال القانون الوضعي مع ان هناك بعض النصوص التشريعية التي تضمنت النص على تقرير هذا الحق الشعبي منها ماورد في العهد الاعظم الذي صدر في انكلترا عام 1215 والذي قرر ان كل حكم يصدر في المستقبل مخالفا لهذا العهد يعد باطلا ولا اثر له وكذلك ماورد في اعلان الاستقلال الامريكي عام 1776 حيث ورد فيه ان من حق الشعب وواجبه ان يعزل حكومته ويعين حكومة اخرى اذا تبين ان الاولى كانت ترمي الى اخضاع الشعب للاستبداد واخيرا ماجاء في اعلان الثورة الفرنسية عام 1789 من انه توجد حقوق طبيعية غير قابلة للتنازل عنها واعطى لكل فرد حق مقاومة الحكومة بالقوة ونتيجة لهذا فان حماية الدستور وكفالة تطبيق القوانين لا يكمن فقط في الضمانات القانونية بل تشمل ايضا الضمانات الشعبية التي يتوقف عليها الحرص على سلامة تطبيق قواعد القانون الدستوري والقواعد القانونية الاخرى.

المحامية: ورود فخري