مضمون الانتهاكات الجنائية الدولية

المؤلف : بشرى سلمان حسين العبيدي
الكتاب أو المصدر : الانتهاكات الجنائية الدولية لحقوق الطفل

للتوصل الى مضمون الانتهاكات الجنائية الدولية ،لابد من معرفة معنى الانتهاكات في اللغة وفي القانون ومن ثم لابد لنا ايضا من التعرض الى تحديد متى يشكل السلوك انتهاكا جنائيا خاضعا لقاعدة التجريم والعقاب الدولية وذلك ضمن فرعين نخصص الاول لتحديد معنى الانتهاكات الجنائية الدولية والثاني لخضوع الانتهاك لقواعد التجريم والعقاب الدولية.

الفرع الاول / معنى الانتهاكات الجنائية الدولية
الانتهاك في اللغة العربية: للشيء : اذهاب حرمته .وانتهك فلان الحرمة :تناولها بما لايحلُّ(1). وفي اللغة الانجليزية يعني الانتهاك (Violation) نقضاً او كسراً او تعدياً او مخالفة او اخلالاً (2).

ويعني ايضا خرقاً او تجاوزاً (3). كذلك يعني انتهاك حرمة او اعتداء(4). أما في الاصطلاح القانوني فيعني انتهاك القانون: – “المخالفة للقانون الذي يمس المصلحة العامة كترك اموال الدولة عرضة للتلف أو الضياع أو مخالفة شروط المواقف والسجون بحيث يتعرض الموقوفون والسجناء لمخاطر الاصابة بالامراض أو حرمانهم من حقوقهم الاساسية التي أكد القانون الوطني والدولي على ضرورة تمتعهم بها” (5).

وتنتهك الدولة التزاماً دولياً متى ما كان السلوك الصادر عنها غير مطابق لما يتطلبه منها هذا الالتزام. وفعل الدولة الذي يشكل إنتهاكاً لالتزام دولي هو فعل غير مشروع دولياً بصرف النظر عن كون منشأ هذا الالتزام عرفياً أو تعاهدياً أو غير ذلك(6). فالانتهاكات إذن هي “كل الاعمال المنافية للاتفاقيات والبروتوكول ويمكن أن تؤدي إلى اجراءات إدارية أو تأديبية أو جزائية من طرف الدول المتعاقدة ” (7). مع ملاحظة أن هناك فرقاً بين “الانتهاك” و “عدم التطبيق” .

فالانتهاك هو عدم التزام الدولة بإعمال الحقوق الملزمة بتوفيرها لافراد الشعب من دون أن يكون هذا الالزام مرتبطاً بمدى توافر الموارد المتاحة لها لأن الحق ثابت لا مجال للمناقشة في وجوده وضرورة ونوعية تطبيقه كالحقوق المدنية والسياسية .

أما “عدم التطبيق” فهو عدم التزام الدولة بأعمال الحقوق المرتبط توفيرها بمدى توافر الموارد المتاحة لها لأن تطبيق هذهِ الحقوق مرتبط بأوضاع الدولة الاقتصادية ، الامر الذي لا يشكل فعل الانتهاك المبني على اعمال حق غير مرتبط بتوافر أي شرط أو ظرف مرتبط به ، كالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

فعدم تطبيق الدولة لها لا يشكل انتهاكاً طالما أن ظروفها الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية لا تمكنها من ذلك فعلياً(8). هذا ويكون الفعل غير مشروع دولياً اذا أخل بقاعدة من قواعد القانون الدولي. وقد قالت محكمة العدل الدولية الدائمة في تاريخ 24/ 2 /1932 “في نظر المحكمة: ان مصدر المسؤولية الدولية كامن في خرق القانون الدولي وحده”(9).وعليه فأن الانتهاك الجنائي يشكل جريمة دولية ويعد مصدراً للمسؤولية الدولية وموجباً للعقاب(10).

وفي الفقه الانجلوسكسوني يعد انتهاك احكام القانون الدولي جريمة وفقاً للقانون الدولي ذاته. لذلك يتعين معاقبة مرتكب الجريمة الدولية بالعقوبة التي تقدرها المحكمة(11). وقد نشأت محاكم متخصصة في العديد من الدول لاسيما الدول الاوربية لغرض متابعة مسألة احترام حقوق الانسان وبسبب الانتهاكات البليغة لها واهدارها من مختلف الانظمة السياسية ولاسيما المستبدة منها اذ اصبح البشر الذين يعانون من هذه الانتهاكات نحو (25) مليون شخص بفعل الحروب والاستبداد والظلم من الانظمة الدكتاتورية والتي لم تحترم التزاماتها القانونية(12).

ومن كل ما تقدم يتبين لنا ان الانتهاك الجنائي يعني العمل او الفعل او السلوك غير المشروع ، طالما ورد على التزام عرفي او إتفاقي او أي مصدر اخر من مصادر القانون الدولي التي تشكل قاعدة قانونية دولية ، بما يكوّن جريمة دولية جسيمة. فالجريمة الدولية تعد تأثيماً لسلوك غير مشروع يمثل اعتداء جسيماً على القيم والمصالح العليا للمجتمع الدولي، ومثل هذا السلوك بامكانه ان يهدد بالخطر أي مجال من مجالات القانون الدولي(13). وقد جرت محاولات فقهية عديدة لتعريف الجريمة الدولية ، وبحسب مفهوم كل فقيه لها.

اذ يعرفها الفقيه ” سبيروبولس” مقرر لجنة القانون الدولي في تقريره عن مشروع التقنيين الخاص بالجرائم ضد السلام وأمن الانسانية على اساس ان هذا التقرير يشمل “الافعال التي اذ ارتكبتها الدولة او سمحت بها تعد مخالفات جسيمة للقانون الدولي وتستوجب المسؤولية الدولية” وان “فكرة الجريمة الدولية لا تنطبق الا على افعال ذات جسامة خاصة ويكون من شأنها احداث الاضطراب في الامن والنظام العام للمجموعة الدولية ” (14).

كما وعرفها الفقيه “ جلاسيه” بانها “واقعة اجرامية مخالفة لقواعد القانون الدولي تضر بمصالح الدول التي يحميها هذا القانون مع الاعتراف لها قانوناً بصفة الجريمة واستحقاق فاعلها العقاب ” (15). كما عرّفت بانها “كل مخالفة للقانون الدولي – سواء كان يحضرها القانون الوطني او يقرّها – تقع بفعل او ترك من فرد محتفظ بحريته في الاختيار – مسؤول اخلاقياً – اضراراً بالافراد او بالمجتمع الدولي ، بناء على طلب الدولة او تشجيعها او رضائها- في الغالب- ويكون من الممكن مجازاته جنائياً عنها طبقاً لاحكام ذلك القانون” (16). كذلك عُرِّفَت بانها “ واقعة مخالفة للقانون الدولي تضرّ بالمصالح التي يحميها هذا القانون الذي يضع للعلاقات بين الدول قاعدة من مقتضاها ان تسبغ على تلك الواقعة الصفة الاجرامية أي اقتضاء معاقبتها” (17).

ومن خلال ما عرضناه من تعاريف للجريمة الدولية ، نستطيع ان نستخلص من مفهومها وفي ضوء التطور الحالي(18) في مفهوم الجريمة الدولية ، التعريف الآتي: ” هي كل سلوك ينتهك مصلحة دولية محمية بالقانون الدولي ويخالف الالتزام بقواعده واحكامه، صادر عن شخص من اشخاص القانون الدولي ومقرر لها عقاب”. إذن فما دام السلوك او العمل غير مشروع ومقرر له عقاب ، لذا فأنه يعد انتهاكاً جنائياً ويشكل جريمة. اما اذا كان السلوك او العمل مشروعاً فليس هناك أي انتهاك جنائي مما يستدعينا الى التعرض بالبحث لخضوع الانتهاك لقواعد التجريم الدولية .

الفرع الثاني / خضوع الانتهاك لقواعد التجريم و العقاب الدولية

يقصد بالقاعدة التجريمية الدولية “تلك التي يقررها العرف الدولي بصفة اصلية او تتضمنها الاتفاقات الدولية”(19). وتقتضي دراسة العنصر تحديد قواعد التجريم التي يكتسب الفعل بخضوعه لها الصفة غير المشروعة. وتثور التساؤلات حول جواز اقرار مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون”(20)، وهل له نفس المدلول الذي عليه في القانون الجنائي الداخلي ام له معنى خاص في القانون الدولي الجنائي.

فلكي تعد الواقعة جريمة بموجب القانون الدولي الجنائي، يجب ان يكون بالامكان معاقبة الشخص-معنوياً كان ام طبيعياً-عنها جنائياً وفقاً لاحكام القانون الدولي. فاذا كانت مخالفة القانون الدولي غير مجّرمة او غير معاقب عليها، فلا تعد جريمة دولية، وانما قد تعد مجرد انتهاك او خرق يواجه بالشجب او التنديد الدوليين(21).

إن السلوك الذي يعد إتيانه جريمة في القانون الدولي قد يستمد صفته الإجرامية من العرف او من القواعد الاتفاقية ، فقد كانت الجرائم الدولية وفي معظم الأحوال لا تستند الى قانون مسنون يبين على وجه الدقة الافعال المجرمة والعقوبات المقابلة لها على نحو واضح وشامل لجميع العناصر المكونة للفعل المحظور كما هو عليه الحال في النظام الداخلي، أما الان فقد اصبح الأساس القانوني لتأثيم الفعل يستند اما على العرف او المواثيق الدولية (22).

وغالباً المواثيق الدولية ونتيجة لما كان عليه ، فان عناصر الجرائم الدولية في بعض الاحيان تكون غير واضحة وغير محددة (23)، ومن هنا فأنها تصطدم بمبدأ ” شرعية الجرائم والعقوبات ” الذي يجد ميدانه في القانون المكتوب لا في القانون العرفي (24). ولهذا المبدأ اهميته الواضحة في القانون الدولي الجنائي كما القانون الجنائي الداخلي ، فهو يستند الى اعتبارات العدالة التي لا يمكن ان يهدرها نظام قانوني سليم ، فهو يضع الضمان الاساسي لحقوق الافراد ويقرر لهم الحق في القيام باي فعل طالما لا توجد وقت ارتكابه قاعدة تجرمه ويضمن لهم عدم توقيع أية عقوبة.

فالقانون الدولي لا يمكن ان يهدر اعتبارات العدالة ولا ان يتجاهل حقوق الافراد وحرياتهم الاساسية ، لذا فأن الحقيقة الاولى التي يجب التسليم بها هو ان القانون الدولي الجنائي لا ينكر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لأيمانه بالاعتبارات التي يستند اليها هذا المبدأ (25). الا ان طبيعة القواعد الدولية تجعل لهذا المبدأ احكامه الخاصة في القانون الدولي الجنائي .

فاذا كان هذا المبدأ في نطاق القانون الداخلي يقضي بحصر التجريم والعقاب في النصوص المكتوبة ، فالامر ليس بهذه السهولة في نطاق القانون الدولي الجنائي لان هذا القانون نشأ مرتبطاً بالقانون الدولي العام. وهذا الاخير قد نشأ عرفياً ولم تقنن قواعده بعد، لا بل ان من مصادره السوابق القضائية وآراء كبار فقهاء القانون الدولي كما ذكرته المادة (38-1) من نظام محكمة العدل الدولية . مما يعني ان القاضي الدولي يقع عليه عبء الرجوع الى هذه المصادر إذا ما أراد البحث في مشروعية سلوك ما في نظر القانون من عدمها(26).

قد كانت عملية إسباغ صفة الجريمة على السلوك تتم بنفس الطريقة التي تنشأ بها القواعد الوضعية للقانون الدولي أي بواسطة العرف . فحتى تعرف أي الأفعال تعد جرائم في القانون الدولي الجنائي ، فقد تم الاعتماد على العرف الذي كان هو المصدر الاساسي للقانون الدولي(27). اما اليوم وبفضل التطورات التكنولوجية التي واكبت العصر الحديث وما رافقها من افعال تشكل انتهاكات جنائية في معظمها خطيرة لمساسها بمصالح محمية بموجب القانون الدولي ولسرعة انتشارها بحيث لم يعد من الصحيح الانتظار الى ان يقررها العرف كجريمة دولية ، لذا تصدت الاتفاقيات الدولية لمثل هذه الانتهاكات، مباشرة، بالتجريم والمعاقبة، على سبيل المثال، جرائم الكمبيوتر وشبكات الانترنيت.

ومسألة التجريم عن طريق الاتفاقيات الدولية ليست بالحديثة ، فكثيراً ما تظهر الصفة الجنائية للسلوك في القانون الدولي الجنائي بصورة مكتوبة وذلك في حالة الجرائم الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات والمعاهدات كالتجارة بالرقيق الابيض والاتجار بالنساء والاطفال وتجارة المطبوعات المخلة بالحياء وابادة الجنس البشري وجرائم الحرب .

هذا وان كانت مهمة القانون الاتفاقي– معاهدات واتفاقيات– هو تقرير القواعد القانونية الموجودة فعلاً والتي سبق ان انشأها العرف ، اذ انها تصوغ حالة سابقة عليها ومهمتها الكشف والتوضيح والتأكيد(28)، الا انه اليوم اصبح هو الاساس في التجريم وصياغة القواعد القانونية التي تقرر هذا التجريم من دون الرجوع للعرف لاسيما في الانتهاكات التي تشكل جرائم عصرية .

لا بل اصبح القانون الاتفاقي هو الذي ينشيء العرف اذا ما تواتر العمل باتفاقية معينة حتى بالنسبة للدول غير المصادقة عليها . فضلاً عن ان الكثير من الاعلانات والمبادئ الدولية اصبحت عرفياً ملزمة للدول بفضل تواتر الالتزام بها، على سبيل المثال الاعلان العالمي لحقوق الانسان(29). وحينما يطلب من القاضي تحديد الصفة الاجرامية للفعل فهو يبحث عن قواعد التجريم في العرف الدولي أولاً ثم في مصادر القانون الدولي الاخرى لاسيما الاتفاقيات فان تأكد له خضوع الفعل لهذهِ القواعد اعترف له بالصفة الاجرامية، أما إذا تبين له أن الفعل لا يخضع لها تعين عليه نفي كل صفة إجرامية عنه(30).

وقد نصت المادة (22-1) من نظام روما الاساسي على مبدأ لا جريمة الا بنص بقولها “لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الاساسي مالم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه جريمة تدخل في إختصاص المحكمة “. اذ لا يجوز عدّ أي فعل جريمة مهما كان خطيراً أو قبيحاً الا اذا نص عليه في القانون كونه كذلك والا عدّ هذا الفعل مباحاً حينما لا ينص على تجريمه(31).

وتنص الفقرة (3) من هذه المادة على “لا تؤثر هذهِ المادة على تكييف أي سلوك على انه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج إطار هذا النظام” أي ان هذه الفقرة قد “أكدت ان تحديد الجرائم الداخلة ضمن إختصاص المحكمة فيما تم ذكره في المادة (5) لا يؤثر على تكييف أي سلوك اجرامي يعد كذلك بموجب القانون الدولي ، ذلك انه يبقى على صفته غير المشروعة ويعالج على وفق الاطر القانونية الدولية التي تنص عليه” (32). ومع ذلك بقيت الصعوبة وعدم الدقة واضحة بشأن الشق الثاني من مبدأ وهو “لا عقوبة الا بقانون”.

اذ ان العرف لم يحدد عقوبات الجرائم الدولية كذلك الامر بالنسبة للاتفاقيات عدا عن بعض العقوبات والتي ايضا اكتنفها عدم التحديد والدقة كعقوبة الاعدام التي جاءت في المادة (27) من نظام المحكمة العسكرية الدولية نورمبرج اذ قررت ” للمحكمة ان تحكم على المتهمين الذين تثبت ادانتهم بالاعدام او باية عقوبة اخرى ترى انها عادلة” (33).

كما لاقى هذا الشق من المبدأ صعوبات في اثناء المحاولات التي جرت لتقنين قواعد القانون الدولي الجنائي في اول مشروع لمدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وامنها الذي تولت اعداده وصياغته لجنة القانون الدولي في 1954،اذ لم تحدد فيه العقوبات واجبة التطبيق وانما ترك الامر للمحكمة المختصة وذلك بموجب المادة (5) منه عند حكمها على المتهم بارتكاب أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المدونة،آخذة في الاعتبار خطورة الجريمة.وعلى الرغم من ان اللجنة قد انتهت واعتمدت بصفة مؤقتة مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وأمنها في القراءة الاولى في 12/تموز/1991،الا انها مع ذلك لم تستطع أن تحدد العقوبات بالنسبة للجرائم الدولية التي وردت في المشروع (34).

اما نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية فقد أقر مبدأ “لا عقوبة الا بنص” في المادة (23) منه حينما نص على ” لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة الا وفقاً لهذا النظام الاساسي” ثم حدد العقوبات الواجب فرضها على الجناة الذين يرتكبون الافعال المجرّمة المنصوص عليها في هذا النظام ضمن الباب السابع منه والمتجسدة بالسجن لمدة أقصاها 30 سنة او بالسجن المؤبد وكذلك بالغرامات والمصادرة وجبر الضرر للمجنى عليه الوارد حكمه في المادة (75) من النظام. كما قرر في المادة (80) منه ان ” ليس في هذا الباب من النظام الاساسي ما يمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية او يحول دون تطبيق قوانين الدول التي لا تنص على العقوبات المحددة في هذا الباب”.

نستخلص مما تقدم ان مبدأ الشرعية موجود في القانون الدولي ولكن ليس على النحو المعترف به في القانون الداخلي ، اذ يوجد في صورة اخرى تتفق مع طبيعة القانون الدولي وهي: ان الفعل لا يعد جريمة الا اذا ثبت خضوعه لقاعدة من قواعد القانون الدولي تقرر له هذهِ الصفة ، ولا يتطلب ان تأخذ هذهِ القاعدة شكلاً معيناً بل يكفي مجرد التحقق من وجودها بأنها ” لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قاعدة قانونية دولية” (35).

وتعد هذه القاعدة من المبادئ الاساسية للقانون الدولي الجنائي وهي واجبة الاحترام في القانون الدولي وذلك بحسب ما جاء في المادة (38) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ، وهو مبدأ قائم يجب التمسك به في نطاق القانون الدولي الجنائي، ويمكن استلهام روح هذه القاعدة والتمسك بتطبيقها من خلال المبادئ القانونية المعترف بها .

فأذا ما اضفنا الى ما جاء في مشروع الجرائم ضد السلام وأمن الانسانية (36)،من تحديد لصور الجرائم الدولية ، وما ورد النص عليه من صور الجرائم الاخرى في الاعلانات او الاتفاقيات الدولية ، كذلك ما جاء من تحديد لها في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (37)، اذن لأمكن القول ان القانون الدولي الجنائي قائم في المجتمع الدولي مثلما القانون الجنائي قائم في المجتمعات الداخلية . وان طبيعة المجتمع الدولي ليس لها أي تأثير على فاعلية هذا القانون او على الاهداف التي وجد من اجلها .

فضلاً عن ان الافعال التي تقوم عليها جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وغيرها من الجرائم الدولية ، هي من قبيل افعال القتل والضرب والجرح والخطف والاغتصاب وغيرها وهي كلها افعال تجرمها القوانين الجنائية في جميع الدول المتمدنة . ومع ذلك فلكي يحقق هذا المبدأ احتراماً كاملاً وقوة فعالة كما هو عليه في القانون الداخلي ، فأن ذلك يتطلب سن قانون دولي جنائي يتضمن النصوص الكاملة للجرائم الدولية والعقوبات عليها واجبة التطبيق لتحقيق العدالة الجنائية حتى لا يكون من الصعب على القاضي الدولي التحقق من صفة الفعل الاجرامية وتحديد العقوبة المناسبة واسلوب تنفيذها ، ومن جهة اخرى فان الاتفاقيات الدولية تؤدي وظيفة تشريعية الى حد ما ولكنها لا توجه عموماً الى الاجرام الفردي بعد اضطلاع السلطات القانونية الوطنية بالتفسير والتطبيق، اذ تحتفظ الحكومات بالحق النهائي في نبذ الاتفاقيات ولديها الخيار بشرط التفاوض بشأن التحفظات في التخلي عن بعض الاحكام التي ترى انها اشكالية بصفة خاصة .

وفي الحالات الفردية تخضع بعض الامور كتسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة بصفة عامة لتقدير الدولة الذي تمارسه في نهاية المطاف على اسس سياسية وليس قانونية (38).
_______________
1 -فؤاد افرام البستاني-منجد الطلاب-دار المشرق-بيروت-ط10–1970-ص845 ومحيط المحيط للبستاني–المجلد الرابع-باب نهك والعلامة احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي-المصباح المنير-ج1-مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده بمصر-بلا تاريخ طبع-ص300.
2 -الياس انطوان الياس وادوارد أ.الياس-قاموس الياس العصري-دار الجيل –بيروت –لبنان-ط19-1974-ص777.
3- D.Ibrahim I.AL.Wahab-Law Dictionary-Beirut-1972-P.269
كما وتعني عبارة ”Violation of Human Rights” التي ترد في العديد من الصكوك الدولية وشروحات القانون الدولي”انتهاك حقوق الانسان”-نفس المصدر.
4 – Harith SuleimanF aruqi-Faruqi’s law dictionary-librairie du libain-beirut 5th edition-1988.
وقد ورد في معاجم اللغة الانجليزية ان كلمة breach تعني كسر (القانون)او خرقه او نكث او نقض او اخلال او انتهاك (حرمة) او تكدير(سلام).وترد في العديد من الصكوك الدولية كلمتي breach و violation والتي تترجم مرة على انها انتهاك ومرة الثانية على انها خرق او اخلال مما يدل على ان الكلمتين مترادفتين وتعطيان نفس المعنى المقصود الوارد في الصك الدولي وليس معنى مخالف الذي يعد اذا ما ورد في صورته الجنائية بانه جريمة crime التي تعني كل فعل يخالف احكام قانون العقوبات او يكون تعديا على الحقوق العامة او خرقا للواجبات المترتبة نحو الدولة او المجتمع بوجه عام .نفس المصدر.
5 – هذا ما بينته الاسباب الموجبة للقانون رقم (5) لسنة 1987 قانون التعديل الاول لقانون الادعاء العام–الاستاذ عبد الامير العكيلي ود.ضاري خليل محمود–النظام القانوني للادعاء العام في العراق والدول العربية .ص206. كما ميزت هذه الاسباب الموجبة بين “خرق القانون” و”انتهاك القانون” فقد ذكرت أن “خرق القانون” يعني “المخالفة للقانون التي ينتج عنها ضرر جسيم يمس المصلحة العامة ويهدد الشعور بالامن القانوني كالاضرار بأموال الدولة ومخالفة النظام العام كمخالفة قانون الاحوال الشخصية فيما يتعلق بأحكام (الحل والحرمة) نفس المصدر- ص205 وما بعدها.
6- المواد (16و 17) من مشاريع المواد بشأن مسؤولية الدولة -وثيقة الامم المتحدة – الجمعية العامة-A/51/332-P.18 . هذا وقد ورد ذكر “الانتهاك” في العديد من النصوص الاتفاقية منها على سبيل المثال المادة (40) من اللائحة المتعلقة بقوانين واعراف الحرب البرية من اتفاقيات لاهاي لسنة 1907 والتي عدت كل انتهاك جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الاطراف ، إنهاء لها وحق بإستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة. كما وردت كلمة “الانتهاك” في ميثاق الامم المتحدة وذلك في المادة (6) اذ قرر عقوبة لأي عضو من أعضاء الامم المتحدة الذي يمعن في انتهاك مبادئ الميثاق وتتجسد هذهِ العقوبة بقيام الجمعية العامة بفصله من الهيئة بناء على توصية من مجلس الامن. كذلك وردت في المادة (11-4) من البروتوكول الاول الملحق بأتفاقيات جنيف والخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية لسنة 1977 التي تنص على “يعد انتهاكاً جسيماً لهذا اللحق “البروتوكول” كل عمل عمدي أو إحجام مقصود يمس بدرجة بالغة بالصحة والسلامة البدنية أو العقلية لاي من الاشخاص الذين هم في قبضة طرف غير الطرف الذي ينتمون اليه ويخالف المحضورات المنصوص عليها في الفقرتين الاولى والثانية أو لا يتفق مع متطلبات الفقرة الثالثة “. كذلك خصص هذا البروتوكول القسم الثاني منه لاحكام خاصة بقمع الانتهاكات للاتفاقيات ولهذا البروتوكول. وقد عدد في المادة (85-3) الاعمال التي تعد انتهاكات جسيمة (جرائم) اذا اقترفت عن عمد مخالفة للنصوص الخاصة بها في هذا البروتوكول وسببت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة. كما قررت في الفقرة (5) إنه “تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا اللحق “البروتوكول” بمثابة جرائم حرب مع عدم الاخلال بتطبيق هذهِ المواثيق. أما المادة (91) فقررت أن “يسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات أو هذا اللحق ” البرتوكول” عن دفع تعويض اذا اقتضت الحال ذلك ويكون مسؤولاً عن كافة الاعمال التي يقترفها الاشخاص الذين يشكلون جزءاً من قواته المسلحة”. ايضاً ورد “الانتهاك” في المادة (40-1) من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على “تعترف الدول الاطراف بحق كل طفل يدعى أنه إنتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك … ” أي أنه خالف قانون العقوبات بما يعد جريمة. وهذا ما أثبتته الفقرات اللاحقة. كذلك ورد “الانتهاك” في المادة (8-2 / أ ، ب ، ج ، هـ ) من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تنص على “لغرض هذا النظام الاساسي تعني “جرائم الحرب” : أ-/ الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 / آب – أغسطس / 1949 ، أي أيُّ فعل من الافعال التالية ضد الاشخاص والممتلكات الذين تحميهم أحكام أتفاقية جنيف ذات الصلة …” وتعدد أفعال مختلفة تشكل جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي الجنائي” . ب- / الانتهاكات الخطيرة الاخرى للقوانين والاعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي أي أيُّ فعل من الافعال التالية …”. جـ -/ في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي. الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الاربعة المؤرخة 12 / آب – أغسطس / 1949 وهي أيُّ من الافعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكاً فعلياً في الاعمال الحربية بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين القوا سلاحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الاصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب أخر …” . هـ/ الانتهاكات الخطيرة الاخرى للقوانين والاعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي في النطاق الثابت للقانون الدولي ، أي أيُّ من الافعال التالية…”.
7- د.عامر الزمّالي–مدخل إلى القانون الدولي الانساني-منشورات المعهد العربي لحقوق الانسان–ط1–1997-ص83.مع ملاحظة أن ليس كل انتهاك هو جريمة بينما كل جريمة هي انتهاك.وإذ أن الموضوع هو “الانتهاكات الجنائية” اذن فقد تم حصر نوعية الانتهاكات بما يشكل جرائم وليس أية جرائم بل الجرائم الجسيمة أو ذات الخطورة الكبيرة.
8 – باسيل يوسف- دبلوماسية حقوق الانسان المرجعية القانونية والاليات –بيت الحكمة- مطبعة الزمان – بغداد – 2002– ص50 . فاذا إدعت الدولة انها في ظروف اقتصادية صعبة لا تمكنها من اعمال هذهِ الحقوق في حين انها تنفق على الميزانية العسكرية وعلى الارهاب موارد ضخمة عدا عن تبديد الموارد فيما لا ضرورة له فانها لا تعذر في ذلك وتعد منتهكة”.
9 – عمر المحمودي – قضايا معاصرة في القانون الدولي العام – دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان – ليبيا – ط1 – 1986 – ص 95 وما بعدها. هذا ويحدد القانون الدولي الفعل الضار بأنه “الذي يخرق قاعدة قانونية عرفية أو اتفاقية أو غير ذلك” . اما الواجبات القانونية التي يفرضها القانون الدولي على الدول ، فأن الاخلال بها يرتب المسؤولية الدولية على الدول التي اخلت بها وبشقيها-المسؤولية الجنائي والمدني، لذا فقد أصبح هناك إجماع بين فقهاء القانون الدولي على اطلاق اصطلاح “العمل غير المشروع” على كل مخالفة للالتزام الذي تفرضه قاعدة من قواعد القانون الدولي . نفس المصدر – ص74 وص96.
10- تنص المادة (19) من مشاريع المواد بشأن مسؤولية الدول : 1-يكون فعل الدولة الذي يشكل إنتهاكاً لالتزام دولي فعلاً غير مشروع دولياً أياً كان موضوع الالتزام المنتهك . 2- يشكل الفعل غير المشروع دولياً جناية دولية حين ينجم عن انتهاك الدولة التزاماً دولياً من الضرورة لصيانة مصالح أساسية للمجتمع الدولي بحيث يعترف هذا المجتمع بمجمله بان انتهاكه يشكل جناية. 3- رهناً بمراعاة أحكام الفقرة 2 وقواعد القانون الدولي النافذة ، يجوز أن تنجم الجناية الدولية عن جملة أمور منها. (ج) انتهاك خطير وواسع النطاق لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية لحماية البشر كالتزامات حظر الرق والابادة الجماعية والفصل العنصري 4-كل فعل غير مشروع دولياً لا يكون جناية دولية طبقاً للفقرة 2 ،يشكل جنحة دولية”.اما المادة (20) فتنص على “تنتهك الدولة التزاماً دولياً يتطلب منها مسلكاً معيناً حين يكون تصرف هذه الدولة غير مطابق لما يتطلبه منها ذلك الالتزام” .
11- “تنص المادة (450) من كتاب القانون العسكري الانجليزي على ان ” كل جرائم الحرب يمكن ان تكون عقوبتها الاعدام كما يمكن ان تكون عقوبتها اخف من ذلك، والمحكمة هي التي تختار العقوبة التي تتناسب مع درجة الفعل الاجرامي ، وهذا هو الاتجاه الذي اخذت به اتفاقية محكمة نورمبرج لسنة 1945 كما انه نفسه الاتجاه الذي تبنته لجنة القانون الدولي عند وضع مشروع قانون الجرائم ضد سلام وأمن البشرية”.أشار الى ذلك د. عبد الواحد محمد الفار–الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها–دار النهضة العربية–القاهرة–1995 – ص237.
12 – د. منذر الفضل – انتهاكات حقوق الانسان والجرائم الدولية في العراق – بحث منشور على الانترنيت ضمن الموقع:
http://www.eatlaf.com/inside/human
13 – د. عبد الواحد محمد الفار – الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها – دار النهضة العربية – القاهرة – 1995 – ص41.
14 – د.محمد محي الدين عوض-دراسات في القانون الدولي الجنائي–مجلة القانون والاقتصاد–العدد الثاني–1966–ص294 وما بعدها.
15 – نفس المصدر السابق – ص295 .
16 – نفس المصدر السابق – ص296 .
17- د. حميد السعدي – مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي – مطبعة المعارف – بغداد – ط1 – 1971 – ص 133.
18- ان مما يدل دلالة اكيدة على خاصية التطور لهذا القانون ما جاء في مقدمة الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات لاهاي لسنة 1907 الخاصة بقوانين وعادات الحرب البرية ، اذ ذكرت انه في الاحوال التي لم ينص عليها في الاتفاقية فان الشعوب والمحاربين يخضعون لحماية وسلطان مبادئ قانون الامم المتحضرة وقوانين الانسانية ومقتضيات الضمير العام. وعليه فان مفهوم جرائم الحرب او الجرائم ضد الانسانية مثلاً، لم يظلا جامدين خلال العصور وانما تطورا تطوراً كبيراً بحيث اصبحا يشملان وقائع لم تكن لها في الماضي صفة جنائية . ولقد اصبح التطور في نطاق القانون الدولي الجنائي سريعاً وجذريا لأن قواعده تقوم بتأدية وظيفتين هما: – اولاً :- الوظيفة الاساسية التي تشترك فيها قواعد القانون الدولي كافة وهي “مبدأ سيادة القانون الدولي على القانون الداخلي ” الذي يفرض على كل دولة ان تقوم بالتوفيق بين قانونها الوطني وقواعد القانون الدولي . كما ان القانون الدولي الجنائي كثيراً ما يكون مصدر لالتزام الدولة بأتخاذ اجراء معين كما هو الحال بالنسبة لتسليم المجرمين الهاربين اليها بناءً على طلب الدولة التي هرب منها بعد ارتكابه جريمته على اقليمها . وهذا ما اكدته معاهدة فرساي لسنة 1919 وقرارات هيئة الامم المتحدة بهذا الشأن . ثانياً :- وظيفة جديدة ومتطورة وهي مخاطبة القانون الدولي الجنائي للافراد فضلاً عن الدول، ويضع على عاتقها قيوداً وواجبات دولية ويحملهم مسؤولية الخروج على تلك الواجبات ويكونون مسؤولين عن جرائم القانون الدولي ويتحملون تبعة مسؤوليتها الجنائية سواء كانت جرائم دولية بطبيعتها ام جرائم ذات صفة دولية (طبيعة دولية اتفاقية). وقد اكد ذلك المبدأ الاول من مبادئ نورمبرج ” كل شخص يرتكب فعلاً يشكل جريمة في نظر القانون الدولي يسأل عن فعله وعليه ان يتحمل تبعة الجزاء ” د. عبد الواحد الفار – مصدر سابق – ص42 وما بعدها.
19- د. حسنين ابراهيم عبيد – الجريمة الدولية – موسوعة الفقه والقضاء – ج 61 – 1979 – ص13 .
20- يقال ان هذا المبدأ من مواليد الثورة الفرنسية . فقد نص عليه إعلان الحقوق لسنة 1789 في المادتين (5) و(8)، ولكن الاصح أن هذا المبدأ هو من مبادئ الشريعة الاسلامية التي نصت عليه بوضوح في القرآن الكريم في قوله تعالى: “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ” سورة الاسراء – الآية 15 . كذلك قوله تعالى: ” لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ” سورة النساء – الآية 165 – د. ضاري خليل محمود – الوجيز في شرح قانون العقوبات القسم العام – دار القادسية – 1982 – ص 59 . هذا وقد نص على هذا المبدأ في المجال الدولي ضمن الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 في المادة (11 – 2 ) وكذلك قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 في المادة (1) منه .
21 – د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص 438 . ود. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – المحكمة الجنائية الدولية – منشورات بيت الحكمة – مطبعة الزمان – 2003 – ص 145 وما بعدها .
22 – د. عبد الواحد الفار – مصدر سابق – ص 47 .
23- لمزيد من التفاصيل ينظر د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص 450 وما بعدها.
24 – لمزيد من التفاصيل عن هذا المبدأ في القانون الجنائي الداخلي ينظر شروحات القسم العام منه . على سبيل المثال: د.علي حسين الخلف ود.سلطان الشاوي – المبادئ العامة في قانون العقوبات- مطابع الرسالة-الكويت-1982- ص 30 وما بعدها ود.اكرم نشأت ابراهيم – القواعد العامة في قانون العقوبات – مطبعة الفتيان- ط1 – 1998 – ص 79 وما بعدها.
25- – د. اشرف توفيق شمس الدين – مبادئ القانون الجنائي الدولي – دار النهضة العربية – القاهرة –1998 – ص39 وما بعدها . ود. زهير الزبيدي – الاختصاص الجنائي للدولة – ط1 – 1980 – ص 413 .
26 – د. اشرف توفيق – المصدر السابق – ص 41.
27 – د. حميد السعدي – مصدر سابق – ص 264.
28 – د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق– ص 448 و د. زهير الزبيدي – مصدر سابق – ص 413.
29 – تعرف موسوعة الامم المتحدة الاعلان بانه مصطلح دولي في نظام الامم المتحدة يعكس بياناً قانونياً صيغ من حكومات او مجموعة من الحكومات في الامم المتحدة يشير الى توافق على بيان مجمع عليه يظهر في قرارات اعتمدت بالتصويت بالاكثرية.اما المبادئ والقواعد والتوصيات والمعاهدات النموذجية الدولية فيقصد بالمبادئ والقواعد مجموعة الاسس القانونية الموجهة لتطبيق الحقوق الواردة في الاعلانات الدولية لحقوق الانسان في الدول.وتتضمن التوصيات مبادئ او قواعد يوصى بتطبيقها من الدول . اما المعاهدات النموذجية فهي نماذج من القواعد التوجيهية للدول لاخذها في الحسبان عند صياغة اتفاقيات بين الدول تتعلق بقضايا تمس حقوق الانسان وتتمتع المبادئ والقواعد والتوصيات والمعاهدات النموذجية بالقوة القانونية نفسها التي تمتع بها الاعلانات والتي من المعلوم فقهاً واجتهاداً في القانون الدولي ان الاعلانات والمبادئ والقواعد التي تصدر عن الجمعية العامة او المجلس الاقتصادي والاجتماعي،لا تتسم بصفة الالزام القانوني للدول.على ان لهذه الصكوك قوة معنوية لا تنكر.وهي تتيح للدول توجيهاً عملياً في مسلكها . وتتوقف قيم هذه الصكوك على الاعتراف بها وعلى قبولها من جانب عدد كبير من الدول،ويمكن عدها، حتى ولو لم تكن لها صفة الالزام القانوني اعلاناً لمبادئ مقبولة بصفة عامة داخل المجتمع الدولي.وقد عرفت موسوعة الامم المتحدة الاتفاقية بانها مصطلح دولي يعبر عن اتفاق دولي ثنائي او متعدد الاطراف يمكن ان يكون مفتوحاً او مغلقاً للدول الاخرى التي لم تسهم في اعداده.ويرادف مفهوم الاتفاقية تعريف المعاهدة التي عرفتها المادة (2-أ) من أتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 بأنها أتفاق دولي معقود بين الدول بصورة خطية و خاضع للقانون الدولي ، سواء اثبت في وثيقة واحدة او في اثنتين أو اكثر من الوثائق المترابطة ،واياً كانت تسميته الخاصة. ويدرج في نطاق الاتفاقيات الدولية ما أطلق عليه تعبير العهد الدولي. وتتميز الاتفاقيات عن الاعلانات والمبادىء والقواعد والمعاهدات النموذجية، بأن الاتفاقيات تلزم الدول المنضمة اليها. وفي الوقت الذي اعتمدت فيه الامم المتحدة مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي تعد مصدراً لا خلاف بشأنه في القانون الدولي التعاقدي بالنسبة للدول التي تنضم الى هذه الاتفاقيات الا اننا نجد عدداً كبيراً من الصكوك الدولية التي صدرت بصيغة اعلانات او قواعد قانونية لا تتمتع من حيث المبدأ، بقوة قانونية ملزمة للدول ، ولكنها تمارس قوة ضاغطة ادبية وسياسية للقبول بها وتطبيقها وذلك لصدور هذه الصكوك استناداً الى احكام ميثاق الامم المتحدة الذي التزمت الدول به، وتعهدت بموجب المادة 56 منه بالتعاون مع الامم المتحدة لتحقيق الاهداف المنصوص عليها في المادة 55 منه ومنها احترام حقوق الانسان أي ان هذه الصكوك تتمتع بقوة قانونية نابعة من الميثاق نفسه.وكذلك فان الصكوك الدولية لحقوق الانسان حصيلة توافق عالمي بشأن قيم انسانية بدأت تشكل قاعدة امرة قانونية او شبيهة بهذه القاعدة وتتمتع بقوة قانونية ملزمة.لاسيما النصوص المتعلقة بحقوق حرمت الصكوك الدولية تعليق نفاذها في الاوقات جميعها بحيث تشكل هذه الحقوق قاعدة امرة لا يجوز انتهاكها سواء وردت في اعلانات او اتفاقيات دولية وتلتزم بها الدول سواء اكانت منضمة للاتفاقيات الدولية ام لا. كما ان الممارسة العملية لمتابعة تطبيق الاعلانات الدولية لحقوق الانسان ، ولاسيما في اطار الحماية الدولية لحقوق الانسان، قد اثبتت بان القانون الدولي لحقوق لانسان غير التعاهدي ليس قانوناً عرفياً بالمفهوم التقليدي ولكنه يتمتع بقوة الزامية لا تحملها فروع اخرى من القانون الدولي.وقد حصل شبه توافق دولي فقهي على القوة القانونية الالزامية للاعلان العالمي لحقوق الانسان على الصعيدين الوطني والدولي.ينظر في المزيد من التفاصيل:باسيل يوسف–مصدر سابق – ص9 – ص19.
30- لقد اثيرت قضية الشرعية الواجب توافرها قبل ارتكاب الجريمة بصدد محاكمات نورمبرج عندما رد الدفاع التهم الموجهة الى مجرمي الحرب العالمية الثانية بحجة انه لم تكن هناك نصوص وقت ارتكاب هؤلاء المجرمين الجرائم المسندة اليهم . وقد ردت هيئة المحكمة هذا الدفع بقولها في حيثيات الحكم “حقاً ان قاعدة لا جريمة ولا عقوبة الا بنص تفترض وجود نص مسبق على وقوع الفعل ، ولكن لا مجال للتمسك بهذه القاعدة اذا كان هذا الفعل مخالفاً لكل المواثيق الدولية بوضوح وكانت طبيعته يسهل اكتشاف طابعها الضار بمجرد الادراك . فالمانيا الهتلرية تعلم تماماً بان الحرب العدوانية امر مخالف للقانون ومن ثم فالالمان حينما حاربوا كانوا على علم وارادة بحقيقة عملهم الضار ، ولهذا يجب ان يتحملوا عقاب المجتمع الدولي حيالهم ” . كما اشارت المحكمة الى ميثاق باريس والذي يسمى ايضا ميثاق بريان – كيلوج لسنة 1928 واتفاقيات لاهاي المبرمة بصدد الجرائم الماسة بالسلام وجرائم الحرب لسنة 1907 واتفاقيات جنيف للسنوات 1864 و 1929 والى تصريح موسكو لسنة 1943 والذي كان بمثابة انذار في اذاعته بواسطة راديو الحلفاء ووصل الى علم الالمان. ومنذ صدور حكم محكمة نورمبرج اصبح هذا الحكم في ذاته اساساً لشرعية الجرائم الدولية . ينظر د. عبد الرحيم صدقي – مبادئ القانون الدولي الجنائي – القاهرة – 1986 – ص63 وما بعدها . هذا وقد نصت المادة (16) من مشاريع المواد بشأن مسؤولية الدول على “تنتهك الدولة التزاماً دولياً متى كان الفعل الصادر عنها غير مطابق لما يتطلبه منها هذا الالتزام ” اما المادة (17) فتنص على 1- فعل الدولة الذي يشكل انتهاكاً لالتزام دولي هو فعل غير مشروع دولياً بصرف النظر عن كون منشأ هذا الالتزام عرفياً او تعاهدياً او غير ذلك. 2- لا يؤثر منشأ الالتزام الدولي الذي انتهكته الدولة على المسؤولية الدولية التي يستتبعها فعل هذه الدولة غير المشروع دولياً” .ينظر في ذلك وثيقة الامم المتحدة – الجمعية العامة – A / 51 / 332 – ص 18 وما بعدها.
31 – د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – مصدر سابق – ص145 .
32 – نفس المصدر السابق – ص 146.
33- د.محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص 230 و د. زهير الزبيدي–الأختصاص الجنائي للدولة في القانون الدولي –مطبعة الأديب البغدادية –ط1-1980– ص414 .
34 – د . حميد السعدي–مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي– مطبعة المعارف–بغداد –ط1-1971– ص 160 وما بعدها والكتاب الاسود – سياسة استمرار الحصار شكل من اشكال جريمة الابادة الجماعية بحق شعب العراق – بحث مقدم الى الدورة الاستثنائية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب – بغداد 1-3 / تشرين الاول / 1994 – ص41 . هذا ويرى د. عبد الرحيم صدقي –مبادئ القانون الدولي الجنائي –القاهرة –1986 ان حل مشكلة عدم النص على العقوبات ممكن ايجاده في القانون الجنائي الداخلي حيث إنه وفقاً له في حالة خلوّ الجريمة من عقاب واضح يتدخل القاضي الجنائي عن طريق مد التفسير لوضع العقاب لهذه الجريمة قياساً على الجريمة المشابهة لها والتي يوجد نص واضح بالعقاب عليها– ص 65. وهذه الحالة موجودة في تشريعنا العقابي في المادة (13) بشأن الاتجار بالنساء والاطفال اذ لم تقرر لها عقوبة في القانون فتلجأ محاكمنا الوطنية في العقاب عليها الى المواد القانونية الخاصة بجرائم الخطف والاحتجاز (المواد 421 –427) . ينظر في ذلك القاضية رجاء عبد الزهرة – الحماية القانونية للطفل– بحث مقدم لنيل الصنف الثاني من اصناف القضاة –1991 – ص61. ونحن لا نؤيد اتجاه القياس في العقوبات هذا إذ ليس كل الجرائم الدولية تجد مثيلاً لها في القوانين الوطنية فضلاً عن ان لكل جريمة خصوصيتها واحكامها التي تختلف فيها عن الاخرى كذلك لا يجوز القياس في ما ينشيء جرائم وعقوبات غير منصوص عليها . وطالما ان القانون الدولي قد ترك امر تحديد مقدار العقوبة للقاضي ، فأن ذلك يعني انه قرر وجوب المعاقبة مما يعد معه ذلك تطبيقاً لمبدأ شرعية العقوبة لاسيما وانه يوجد الان في الفقه الجنائي الحديث وفي كثير من القوانين الجنائية الوطنية اتجاه عدم تحديد مدة العقوبة ويقصر القاضي حكمه على تقرير إدانة الجاني وايداعه المؤسسة العقابية من دون تحديد مدة الايداع على ان تقيد السلطة المختصة بالتنفيذ بالحد الادنى الذي لا يجوز لها ان تخلي سبيل المتهم قبل انقضائه وبحد أعلى لا يجوز لها بعد ان تبقيه في السجن ، او تقيدها بحد أعلى فقط دون الحد الادنى . ينظر في التفاصيل د. اكرم نشأت ابراهيم–القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن–مطبعة الفتيان–ط1– 998 –ص390 وما بعدها كذلك الشروحات المختصة بعلم العقاب.
35 – ينهض مبدأ الشرعية على اساس حماية الحقوق الفردية تحقيقاً للعدالة ، واذ ان العرف الدولي يتكون تحقيقاً لذات الغاية ويستند الى فكرة العدالة ، لذا فمن المنطقي احترام مبدأ الشرعية مع مراعاة الطبيعة العرفية للقانون الدولي الجنائي . بعبارة أخرى إقرار روح هذا المبدأ في القانون الدولي الجنائي ، مما يؤدي الى عدم جواز محاكمة الشخص عن فعل لا يعده القانون الدولي الجنائي جريمة وقت إقترافه . هذا هو رأي الفقيه “جلاسيه” في حين يرى الفقيه ” بللا ” ان لا يعهد بالحكم في الجرائم الدولية الى محكمة العدل الدولية او الى أي قضاء اخر في المستقبل قبل وضع قانون دولي جنائي للامم يجرّم الافعال بنصوص صريحة . وهو بذلك ينادي بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بمعناه الحرفي . وهذا ما يراه الفقيه “سالدانا” ايضاً عندما وضع مشروعه عن قانون العقوبات الدولي اذ قرر في المادة (3) منه انه لا يمكن الحكم بالادانة على فعل غير منصوص صراحة على انه جناية او جنحة دولية . وفي المادة (4) ان لا يعاقب على أية جريمة دولية بعقوبة لم يكن منصوصاً عليها في تشريع دولي وقت ارتكابها . ينظر في ذلك د. محمد محي الدين عوض –دراسات في القانون الدولي الجنائي– مجلة القانون والاقتصاد–العدد الثاني–1966 ص 45 وما بعدها . ونرى ان مثل هذا التزمت والتشدد في عدم وجوب التجريم والعقاب قبل سّن قانون عقابي دولي ، مسألة خالية من العدالة وفيها إهدار لحقوق الانسانية ، اذ ان مسألة وضع هذا القانون سوف تأخذ وقتاً طويلاً فهل تهدر حقوق الشعوب وحقوق الانسانية الى ان يتم سّن مثل هذا القانون ؟ لاسيما ونحن نرى ان انتهاكات حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق الاطفال بصورة خاصة في تنامي مستمر في عصرنا هذا فهل يجب ان يترك الجناة يفعلون ما يشاؤون بدعوى انعدام قانون عقوبات دولي مشرّع ؟ وهنا نؤكد رأينا بضرورة تشريع هذا القانون ولكن الى حين ان يتم ذلك فان ما موجود من اعراف واتفاقات دولية ومبادئ تفي بشكل كبير بغرض محاولة المحافظة على حقوق الانسانية لو انها طبقت ونُفّذت من دون اعتبارات سياسية وتحكمات دولية ، ان هذه الاعتبارات والتحكمات موجودة وستبقى موجودة ومسيطرة حتى وان كان هناك قانون عقوبات دولي مشرع وذلك لعدم وجود سلطة أعلى من سلطة الدولة تحكم الدول وتنفذ العدالة الدولية فيها.
36 – للاطلاع على نصوص المدونة ينظر : د. عبد الواحد محمد الفار–الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها–دار النهضة العربية–القاهرة–1995 ص52 وما بعدها هامش (3).
37 – جاء في المادة (21) تحديد القانون واجب التطبيق وهو النظام بالدرجة الاساس ثم المعاهدات ومبادئ القانون الدولي وقواعده ثم المبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية شرط عدم تعارضها مع النظام او مع القانون الدولي او مع القواعد والمعايير المعترف بها دولياً ثم السوابق القضائية . اما المادة (22) والمادة (23) فتنصان على مبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات فالمادة (22) تنص على مبدأ لا جريمة الا بنص والمادة(23) تنص على مبدأ لا عقوبة الا بنص. اما المادة (5) من النظام فقد حددت الجرائم التي تختص المحكمة بنظرها اما المادة (77) فحددت العقوبات واجبة التطبيق . ينظر تفاصيل هذه المواد في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
38- وثيقة الامم المتحدة – مؤتمر الامم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين – فيينا – 10 –17 / نيسان /2000 A/conf. p.12 187/3 –

إعادة نشر بواسطة محاماة نت