أحكام الغلط في صفات المجني عليه

المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات

المجني عليه هو الشخص –سواء كان آدمياً أو عاما كان أم خاصاً- الذي يعترف له المشرع بحق من الحقوق الجديرة بالرعاية الجنائية.

والقانون في الأصل يسبغ حمايته الجزائيه على كل شخص بصفه مطلقة من دون تمييز بين شخص وآخر ومن دون أن يستلزم فيه صفه معينة أو مركزاً معيناً. الا أن المشرع –ولغرض معين – قد يخرج عن هذا الأصل ويشترط أن يكون المجني عليه متصفاً بوصف أو صفه أو تكييف معين يميزه ويتحدد به من غيره من الاشخاص، ثم لا تقوم الجريمة إلا بوجوده، إذ لا يقوم القصد الجرمي لدى الجاني إلا إذا كان يعلم علماً صحيحاً بقيام هذه الصفه لدى المجني عليه (1) .

وهذه الصفات أو التكييفات قد تكون ((طبيعية)) وقد تكون ((قانونية)). ومن قبيل الصفات الطبيعية في التشريع الجنائي العراقي صفه ((الأنثى)) التي تقتضيها ضمناً بعض الجرائم، كجريمة الاغتصاب بمواقعة أنثى من غير رضاها بموجب(المادة/393/1عقوبات)، وجريمة الإجهاض في (المواد/417/1 و418/1 و419/1عقوبات) وجريمة خطف أنثى بالإكراه أو بالحيلة على وفق (المادتين/422و423 عقوبات) وقد تتعلق الصفة الطبيعية ((بالسن)) كما هو الحال في الجرائم التي يستلزم المشرع فيها أن يكون المجني عليه ذكراً أو أنثى في سن معين. ومثال ذلك ماورد في نص (المادة/393/2/أ عقوبات)، إذ تعاقب الجاني بعقوبة مشددة إذا كان من وقعت عليه جريمة المواقعة أو اللواطة بالإكراه لم يبلغ من العمر ثمانية عشرة سنة كاملة.

وكذلك (المادة/394/1 عقوبات) التي تعاقب الجاني الذي يواقع في غير حالة الزواج أنثى برضاها أو يلوط بذكر أو أنثى برضاه أو رضاها إذا كان من وقعت عليه الجريمة قد أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة سنة، وتشدد العقوبة إذا كـــــــــــــــــــــــــــــــان من وقعت عليه الجريمة دون الخامسة عشرة سنة كاملة من العمر. وكذلك الحال في الجرائم الواردة في(المادتين/396/2 و 397 عقوبات) والتي يشترط لقيامها أن يكون المجني عليه الذي تعرض للاعتداء لم يتم الثامنة عشرة من عمره. أما (المادة/ 399عقوبات) فقد عاقبت ((كل من حرّض ذكراً أو انثى لم يبلغ عمر أحدهما ثمانية عشرة سنة كاملة على الفجور أو اتخاذ الفسق حرفة أو سهل لها سبيل ذلك)). وقضت (المادة /383/1 عقوبات) بمعاقبة كل ((من عرّض للخطر سواء بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره…).

كما إن (المادة/422 عقوبات) فهي عاقبت كل((من خطف بنفسه أو بواسطة غيره بغير اكراه أو حيله حدثاً لم يتم الثامنة عشرة من العمر)). وقد تتعلق الصفة الطبيعية ((بالجنون أو المرض)) وهو ما أشارت اليه (المادة /383/1عقوبات) آنفه الذكر، والتي تعاقب كل من ((عرضٌ للخطر سواء بنفسه أو بواسطه غيره… شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالتة الصحية أو النفسية أو العقلية)). أما الصفات أو التكييفات القانونية فمثالها صفة ((الموظف أو المكلف بخدمة عامة)) أو صفة ((القاضي)) أو صفة ((عضو مجلس أو هيئة رسمية)) في جرائم الإهانة أو التهديد أو الاعتداء على الموظفين والمكلفين بخدمة عامة في (المواد229-232عقوبات عراقي). وكذلك صفة ((رئيس الجمهورية)) في جرائم الإعتداء بالقتل على رئيس الجمهورية، أو بما لا يبلغ درجة القتل عمداً أو الشروع فيه المنصوص عليها في(المادة/223/1/2 عقوبات).

وصفة ((جريح الحرب)) في جريمة السرقة التي ترتكب اثناء الحرب على الجرحى حتى من الأعداء التي قضت بها (المادة/444/عاشراً عقوبات)، وكذلك (المادة/115/د عقوبات عسكرية) التي نصت على أن((يعاقب بالاعدام كل من آذى جريحاً مرة أخرى بقصد نهب ماله)). وصفة ((الضابط)) في (المادة/83/1 عقوبات عسكري عراقي) التي نصت على أن((كل من اعتدى أو حاول الاعتداء على ضابط ارفع منه رتبة يعاقب بالحبس…)).

وصفة ((الأمر)) أو ((الما فوق)) أو (( الجنود المكلفين بحراسة الأمر)) في جريمة المقاومة الواردة في نص(المادة/82 عقوبات عسكري عراقي) بقولها((1. كل من منع آمره أو ما فوقه بالقوة أو بالتهديد من القيام بتنفيذ أمر يتعلق بواجباته أو حاول ذلك يعاقب بالحبس…2. يحكم بهذه العقوبة أيضاً اذا وقعت المقاومة على الجنود المكلفين بحراسة الأمر أو الذين اعدوا لهذا الغرض)).

وقد يكون المجني عليه حيوان معين يحدد المشرع صفته ويوفر الحماية الجنائية له للحفاظ عليه، ومثال ذلك ماورد في نص(المادة/483 عقوبات عراقي) بقولها ((يعاقب بالحبس…من قتل عمداً وبدون مقتضى دود القز أو مجموعة من النحل أو أي حيوان مستأنس أو داجن مملوك لغيره…أو أضر به ضرراً بليغاً)).

وهكذا، يستلزم المشرع في هذه الجرائم وما يماثلها توافر وصفاً معيناً في شخص المجني عليه وقت اقتراف الجاني لسلوكه الارادي، إذ يمثل هذا الوصف شرطاً مفترضاً لازماً لقيــام الجريمة وتكامل كيانها الموضوعي. فلا ينسب القصد الجرمي إلى الفاعل إلا إذا علم علماً صحيحاً بقيام ذلك الوصف بمعناه الحقيقي في المجني عليه، الأمر الذي يعني بأن الغلط في هذا الوصف يمكن أن ينفي القصد الجرمي لدى الفاعل.

والغلط اما أن ينصب على أوصاف أو صفات المجني عليه وهو غلط ينفي القصد الجرمي، واما أن ينصب على شخص المجني عليه أو شخصيته وهو غلط لا ينفي القصد الجرمي.

ولما سبق الحديث عن النوع الثاني من الغلط فإن الحديث سيتركز على النوع الأول فحسب. ومن قبيل الشروط المفترضة التي تتصل بالمجني عليه ماورد في جريمة اهانة الموظف أو المكلف بخدمة عامة والقضاة وأعضاء المجالس والهيئات الرسمية أو تهديدهم أو الاعتداء عليهم الواردة في (المادتين/229و230 عقوبات عراقي) وقد ألمحنا اليها آنفاً إذ يلزم لقيامها أن يكون المجني عليه متصفاً- وقت ارتكاب الجاني لسلوكه الاجرامي– بأحدى هذه الصفات، وإلا فلا مجال للحديث عن قيامها.

الأمر الذي يتعين معه للقول بتوافر القصد الجرمي لدى الجاني في هذه الجريمة أن يكون عالماً علماً فعليا ًصحيحاً بصفة المجني عليه بحسب ماورد في الأنموذج القانوني للجريمة، وألا عدت الجريمة قذفاً أو سباً في حق أحد الافراد الاعتياديين في حالة توافر شروطها. وكذلك الحال في جريمة الاجهاض الواردة في (المادة/418/1 عقوبات عراقي)، إذ تنص أنه ((يعاقب بالسجن … من أجهض امرأة بدون رضاها)).

فتستلزم هذه الجريمة لقيامها أن تكون المجني عليها ((أنثى)) وتكون ((حامل)) وقت ارتكاب الجاني لسلوكه الارادي، لذلك فلا يسأل عن هذه الجريمة من تسبب بخطئه في إجهاض امرأة حامل وإن أمكن مسائلته عن جريمة إصابة خطأ، أما إذا تعمد ضربها ولكنه كان يعتقد أن المرأة لم تكن جاهلا فيفضي فعله إلى إجهاضها، فإنه يعاقب عن جريمة ضرب أو جرح أو ايذاء عمدي بحسب الأحوال على وفق ( المواد/412-416 عقوبات عراقي)، ولا يعاقب عن جريمة إجهاض.

ومن قبيل ذلك أيضا جريمة الخطف من غير إكراه أو حيله على وفق نص(المادة/422/الشق الأول عقوبات عراقي )، إذ اشترط المشرع لقيامها وتكاملها أن يكون المجني عليه أو عليها متصفاً – وقت ارتكاب الجاني لفعله – بوصف طبيعي معين هو أن يكون ((حدثاً لم يتم الثامنة عشرة من العمر)). وذلك يعني أن صغر السن لدى المجني عليه أو عليها صار يمثل في نظر المشرع شرطاً موضوعياً مفترضاً لقيام هذه الجريمة، الأمر الذي يلزم معه علم الجاني علماً فعلياً صحيحاً بحقيقة سن المجني عليه أو عليها لحظة الاختطاف، فإذا اعتقد اعتقاداً سائغا غير ذلك فلا ينسب قصد اليه. وفي جرائم أخرى قد يتطلب المشرع في المجني عليه وصفاً هو بمثابة ((حالة نفسية)) معينة يتعين توافرها لديه هي حالة ((عدم الرضا)).

ومثل ذلك ما نصت عليه جريمة الاغتصاب واللواط الواردة في (المادة/393/1 عقوبات عراقي) بقولها :((يعاقب بالسجن…كل من واقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر أو انثى بغير رضاه أو رضاها…)) ،بمعنى أن الجاني إذا أتى فعله برضا المجني عليها أو عليه فلا تقوم هذه الجريمة العمدية الذي يمثل جوهرها انعدام الرضا لدى المجني عليها أو عليه.

ومن ثم فان اعتقاد الفاعل اعتقادا زائفا بتوافر رضا المجني عليها أو عليه اعتماداً على أسباب معقولة، في حين كان الواقع غير ذلك، يكون من شأنه نفي القصد الجرمي لدى الفاعل. وعلى الرغم من أن استعمال القوة أو التهديد يعد قرينة إثبات منطقية على توافر علمه بانعدام الرضا في غالب الأحوال، إلا أنه يمكن أن لايدل ذلك على عدم رضا المجني عليها أو عليه.

فقد يعتقد الجاني اعتقاداً يشوبه الغلط – تقتنع به المحكمة – أن الأنثى لم تكن جادة في تمنعها بل كانت بالحقيقة (راضية) عن فعل الجاني، وإنما كانت تتدلل أو كانت هذه طبيعة ملازمة لها كان الجاني يعلم بها بحكم تجربته معها أو معلوماته عنها (2) .

وكذلك الحال أيضا في جريمة السرقة (3) .التي تقوم الا إذا كان اخراج المال من حوزة المجني عليه قد حصل بغير رضاه، بمعنى أنه يشترط في التسليم حتى يمنع من قيام الإختلاس أن يكون صادراً عن إرادة حرة مميزة من مالك المال أو من له عليه حق الحيازة. فيتعين إذا أن يعلم الجاني بأنه يختلس مال الغير من دون رضاه، ويتحقق ذلك حين يستولي الجاني على الشيء على الرغم من مشيئة صاحبه. بمعنى ان يكون مرتكب الاختلاس عالماً بأنه يغتصب الحيازة من دون رضا صاحبها. وبناءً على ذلك لا يعد الفاعل قاصدا فعل الاختلاس إذا اعتقد بحسن نية أن المالك الحقيقي يأذن له بأخذ الشيء.

فقد يظن الفاعل في ظل ظروف معينة أنه مأذون بأخذ الشيء وإنه يقوم بفعل مباح لا يمثل اغتصاباً للمال دون رضا صاحبه. ومثل ذلك ما لو دعا صاحب بستان أصدقائه للنزهه والطعام في بستانه، فان فعل المدعوين بقطع بعض الثمار وأكلها لا يجعل فعلهم سرقه في ظل الاعتقاد السائد عادة بوجود تصريح ضمني بالقطف من أجل الاكل في مثل هذه العلاقة وتلك الظروف، ولا تقوم السرقة وإن تبين فساد اعتقاده بذلك بشرط أن يتوافر ما يبرر اعتقاده بالإذن (4) .

وهكذا، عُد المشرع ((عدم رضا)) المجني عليه شرطاً موضوعياً مفترضاً لقيام الجريمة، فلا تقوم الجريمة إلا بعلم الجاني وقت ارتكاب الفعل أنه اختلس المال المنقول الممـلوك للغير ((بغير رضا)) مالكه بنية تملكه، فإذا اعتقد اعتقاداً مبرراً –يشوبه الغلط- بأن المجني عليه (راضٍ) عن فعله انتفى القصـــــــــــــــــــــــــد الجرمي لديه.
______________
1- د. فخري عبد الرزاق الحديثي-شرح قانون العقوبات/القسم الخاص-مطبعة الزمان-بغداد-1996-ص279.وينظر : د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات/القسم العام-ط5-مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي-1982-ص566 ود. محمد زكي محمود-آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1967.
-ص173.
2- ينظر في موقف القانون المصري من الموضوع: د.محمد زكي محمود-المصدر السابق-ص173-179
3- السرقة وفق(المادة/439 عقوبات عراقي) هي((اختلاس من مال منقول مملوك لغير الجاني عمداً)).
4- د. حميد السعدي – شرح قانون العقوبات الجديد – ج/2 جرائم الاعتداء على الأموال-ط/2-مطبعة المعارف /بغداد-1976-ص161

إعادة نشر بواسطة محاماة نت