لم يهتم قانون الإثبات العراقي شأنه في هذا شأن تشريعات الإثبات المقارنة(1) ، بإيراد تعريف قانوني للتوقيع – على الرغم من أهميته والنص عليه في مواد عديدة (2) – بقدر اهتمامه بإيراد نص قانوني يبين اشكال التوقيع على المحررات الكتابية الرسمية منها والعادية(3)،مع غياب ملحوظ لمثل هذا الموقف التشريعي الاخير في القانون المدني الفرنسي،اذ لم يبد المشرع الفرنسي ازاء كيفية التوقيع اهتماما برغم ورود التوقيع في أكثر من موضع من مواده القانونية(4).

اولا” :- التعريف بالتوقيع

هكذا انتقلت مهمة تحديد مفهوم للتوقيع الى الفقه الذي تأثر في جانب منه بموقف المشرع متجنبا وضع مفهوم محدد اما رغبة منه في مجاراة المشرع في موقفه السلبي او تحاشيا لوضع تعريف يقيد ما سبق و أطلقه المشرع(5)، في حين اهتم جانبا اخر من الفقه القانوني بصياغة تعريف للتوقيع . وبالفعل اهتم الفقه بأعطاء مفهوم للتوقيع ، يتضح لدى التمعن فيما اورده-الفقه- انه قد اختلف في تحديد الاولوية لمن تكون لشكل التوقيع ام وظيفته ، فقد عرفه احد الفقهاء الفرنسيين بأنه:-

(( كل علامة مكتوبة بخط اليد مميزة وشخصية تساعد على تحديد ذاتية مؤلفها دون شك، وتترجم إرادته في قبول هذا التصرف )) (6)، كما عرفه احد الفقهاء العرب(7) بأنه ((علامة مخطوطة مختصة بشخص اعتاد أن يستعملها للدلالة على رضاه ولهذا لابد أن تكون صادرة عنه ، ومن خطه ، لا ان تكون صادرة عن غيره ، حتى لو كان وكيلا عنه ، لان الوكيل إذا أراد أن يلزم موكله ضمن حدود وكالته كان عليه ان يوقع بأسمه الخاص ويشير إلى صفته ، ويجوز أن يتخذ التوقيع اشكالا مختلفة أهمها الإمضاء الذي يجب أن يشمل الاسم واللقب ومن خط المنسوب إليه )). ويبدو ان من اورد هذين التعريفين سبق وتبنى معيار مادي في تعريف التوقيع ليضحى الاخير عبارة عن علامة شخصية مخطوطة بخط يد صاحبه مما يحتم انزاله على محررمادي ، ويظهرذلك بصورة جلية من خلال اشتراط الصيغة الخطية للتوقيع.

في حين عرف قسم اخر من الفقهاء التوقيع بأنه (( إشارة خطية متميزة وخاصة بالشخص الذي صدرت عنه واعتاد أن يستعملها للإعلان عن اسمه والتعبيرعن أعمال وتصرفات تعنيه ))(8)،كما عرفه احد الفقهاء المصريين بأنه (( كل وسيلة تقوم بوظيفتي التوقيع وهما تعيين صاحبها وانصراف إرادته نهائيا إلى الالتزام بمضمون ما وقع عليه تعد بمثابة توقيع ))(9). ويتضح الفرق بين الاتجاه الأول في تعريف التوقيع الذي يصدق عليه وصف المعيار الشكلي أو الوصفي ومن شأنه حصر مفهوم التوقيع ضمن نطاق مادي معين محدد سلفا وبين الاتجاه الثاني الذي يصدق عليه وصف المعيار الموضوعي أو الوظيفي في تعريف التوقيع ومن شأنه توسيع مفهوم التوقيع ليكون من السعة ليحتوي كل ما يظهر من اشكال مستقبلية للتوقيع وان لم يكن مخطوطا باليد طالما يؤمن وظائف التوقيع(10). على ان كلا الاتجاهين يتفق على ضرورة اقتران التوقيع بميزات وخصائص تعريفية بالشخص الموقع يمكن من خلالها التعرف الى الشخص الذي صدر منه،ولعل هذا ما يسوغ موقف المشرع الفرنسي في عدم إيراد نص قانوني يحدد الشكل الذي يمكن أن يظهر به التوقيع تاركا تقدير هذه المسألة للقضاء الفرنسي(11) ليبت بها حسب قناعاته ، واستقر الأخير في تحديد مفهومه عن التوقيع في كل علامة مميزة وشخصية تتعلق بالشخص نفسه دون غيره ويسمح بالتعرف اليه بسهولة وتظهر إرادته ورغبته الجدية في الالتزام ببنود العقد وان تم انزاله على الورق بواسطة الكاربون(12). لذا نجد انفسنا نميل للاتجاه الثاني، لان الأول(13). ما هو إلا تقرير وتأكيد لما هو كائن مع انطوائه على معنى الرفض لكل ما يستجد من صور التوقيع مستقبلا اذا ما اتخذت أشكالا غير تقليدية للتوقيع اي اننا نجده رأيا” تقليديا” يعول فيه على الأشياء المادية حصرا. في الوقت الذي نجد فيه ان الرأي الثاني قد راعى الحكمة من اشتراط التوقيع على المحررات دون أن يقيد التوقيع بشكل بعينه وبتعذر الحصول عليه يحجب عنه الاعتراف القانوني وتهدر قيمة المحرر الذي ينطوي عليه. وعلى ذلك فالتوقيع تصرف إرادي شخصي يقصد به التعبير عن موافقة الموقع على مضمون المحرر، ولذلك يجب ان يتم من قبل الموقع شخصيا لأنه من الأمور اللصيقة بالشخصية لكن كيف يتم ؟

ثانيا” :- اشكال التوقيع

كان لشكل التوقيع الذي يظهر به للوجود على المحررات حظ أوفر من الاهتمام التشريعي خصوصا في الدول العربية بخلاف المشرع الفرنسي اذ نجد مشرع الإثبات العراقي قد حدد أساليب وطرائق التوقيع على المحرر بأسلوبين فقط(14). معلنا عن رفضه – بحكم الاصل- لأسلوب ثالث أخذت به التشريعات العربية المقارنة وهو (( التوقيع بأسلوب الختم(15))) ليكون التوقيع المعتد به قانونا في العراق هو الذي يتم اما بالإمضاء الشخصي أو ببصمة الإبهام -دون بصمة بقية الأصابع- على ما يبدو لأول وهلة(16) . ومع ان المشرع قد اخذ ببصمة الإبهام إلا انه لم يساو بينه وبين الإمضاء في الحكم إلا بعد استيفاء التوقيع ببصمة الإبهام لأحد ضوابط الاحتجاج به التي تتمثل اما بوضع البصمة بحضور موظف عام أو تمامها بحضور شاهدين يوقعان على المحرر ، وربما انه ما اعتمد مثل هذا النمط من الاحتياطات الإجرائية إلا لأنها توفر مستوى من التيقن والثقة(17). والإمضاء هو الكتابة المخطوطة بيد من تصدر عنه ويشمل عادة الاسم الشخصي والعائلي وقد يقتصر على الاسم فقط أو اللقب فقط، كاملا أو مختصرا كما يشمل كل إشارة أو اصطلاح خطي يختاره الشخص لنفسه بمحض إرادته للتعبير عن صدور المحرر منه والموافقة على ماورد في هذا المحرر والالتزام بمضمونه(18)، على ان يؤخذ معنى ( بيد من تصدر عنه ) على محمل من السعة ليشمل التوقيع الذي يتم او يوضع بيد الشخص مباشرة او بالواسطة كما يحصل احيانا في حالة استخدام الختم كأداة للتعبير عن الرضا والموافقة في التشريعات العربية المقارنة(19)،فالشرط الأساسي هو ان يتم التوقيع بناءا على قناعة وموافقة الموقع بعد علمه وإدراكه تماما للمعلومات والبيانات الواردة في المحرر(20).اما بصمة الإصبع أو بصمة الإبهام – كما في التشريع العراقي – عبارة عن خطوط طولية وعرضية تنتج عن الاثر المترتب على وضع الإصبع على الورق بعد غرسه في مداد ملون وبه يتميز الشخص من غيره اذ من النادر جدا تشابه اثنين في تلك الخطوط(21).

اما الختم(22) فهو اداة ميكانيكية منفصلة تماما عن الشخص الموقع وتضم اسمه الذي لا يشترط فيه ان يكون الاسم الحقيقي للموقع الموجود في بطاقة هوية الأحوال المدنية ، بل يقتصر على الاسم الذي اعتاده الشخص كأسلوب للتوقيع . لهذا السبب نجد أن المشرع العراقي قد تجنب هذا النمط من أساليب التوقيع وحسنا فعل لا مكانية فصله عن صاحبه ومن ثم استعماله بدون موافقة صاحبه بل حتى دون علمه احيانا(23).

_________________

[1] – كقانون الاثبات المصري وقانون البينات الاردني والبينات السوري والاثبات الكويتي.

2- يراجع المواد ( 21 ، 25/1 ، 27/1-2 ، 33/1 -2 ) اثبات عراقي.

3 – جاء بالفقرة الثانية من المادة (21) من قانون الاثبات العراقي النافذ (( اذا لم تستوف السندات الشروط التي استلزمتها الفقرة السابقة فلا يكون لها الاحجية السندات العادية في الإثبات اذا كان ذوو الشأن قد وقعوها بامضاءاتهم او ببصمات ابهامهم )) كما جاء بنص الفقرة الاولى من المادة (25) (( يعتبر السند العادي صادرا ممن وقعه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب اليه من خط او امضاء او بصمة ابهام )) تقابلهما نص الفقرة (2) من المادة (10) ونص المادة (14) من الاثبات المصري كما يقابلهما من تشريع الإثبات الأردني نص الفقرة (2/ب) من نص المادة (6) والمادة (10) .

4 – منها على سبيل المثال المواد (1322 ) الخاصة بالسند العادي ، المادة ( 1325 ) حول العقد الملزم للجانبين وشرط تعدد النسخ ، والمادة ( 1326 ) حول الاعتراف والتعهد بدين .

5 – عايض راشد المري- مدى حجية الوسائل التكنلوجية الحديثة في اثبات العقود التجارية- رسالة دكتوراة- جامعة القاهرة- كلية الحقوق- بدون سنة – ص76

Four editionl Francis Lefebvre/p.1117/ Paris 6- Mercadal ، M.Bathelemy / Droit des affaires / 1995-1996

7- محمد المرسي زهرة- الدليل الكتابي وحجية مخرجات الكومبيوتر في الإثبات في المواد المدنية والتجارية-بحث مؤتمر القانون والكومبيوتر والانترنت 1-3 /5 / جامعة الأمارات العربية المتحدة -ص16

8- وسيم الحجار : الاثبات الالكتروني – منشورات صادر الحقوقية – بيروت -ص134 . وذكر بقاموس روبيير الفرنسي في ان التوقيع هو :-(( علامة شخصية او خطية يضعها الموقع ليؤكد صحة مضمون المحرر وصدق ما كتب بها مع اقراره بتحمل المسؤولية والتزامه بما جاء فيها )) ، ذكرته د. نجوى ابو هيبة / التوقيع الالكتروني (تعريفه ومدى حجيته في الاثبات)-دار النهضة العربية-القاهرة – ص38 .

9- – د. محمد حسام محمود لطفي : استخدام وسائل الاتصال الحديثة في التفاوض على العقود وإبرامها – القاهرة – 1993 – ص12 .

10- كما عرف احد الفقهاء الفرنسيين التوقيع (( بأنه كل علامة توضع على سند تميز هوية وشخصية الموقع وتكشف عن إرادته بقبول التزامه بمضمون هذا المستند وإقراره له)) نقلا عن د. محمد السعيد رشدي- حجية وسائل الاتصال الحديثة في الإثبات- النسر الذهبي للطباعة- مصر- بدون سنة نشر – ص 40

11 Alain Bensoussan / L’informatique et droit l memento – quide/ Tome ll/1994 b25 /Hermes /p.704

12- وهذا ما قضت به محكمة رينيه في احد احكامها

Trib.Civ.Rennes 22 nov. 1975 ،d. 1958 ، 36 note chevalhel

نقلا عن وسيم الحجار-مصدر سابق-ص134 -هامش رقم ( 2 )

13- استاذنا د. عباس زبون العبودي : – شرح احكام قانون الاثبات المدني – دار الثقافة للنشر والتوزيع – الاردن – 1999- ص138 .

14 – يراجع نص المادة ( 25 ) من قانون الاثبات النافذ .

15- تم إلغاء الختم كأسلوب للتوقيع بموجب أول تعديل طرأ على قانون الإثبات العراقي النافذ رقم (107) لسنة 1973 ،استاذنا د.عباس العبودي / شرح أحكام قانون الإثبات المدني / مصدر سابق / ص138 هامش (23)، وكذلك فأن المشرع الفرنسي قد حرم الختم بموجب المرسوم الفرنسي الصادر في سنة 1667 وتبعه بعد ذلك القضاء بحجة انه لا يسمح بالتعيين الدقيق لشخص الموقع . د. محمد حسام محمود لطفي / مصدر سابق/ ص11 .

16- تعرض موقف المشرع العراقي للنقد بسبب اعتماده بصمة الإبهام فقط دون بصمات بقية الأصابع من قبل الفقه العراقي لا لكونه قد جاء مخالفا لموقف تشريعات الاثبات العربية المقارنة التي اعتمدت بصمة الأصابع بدلا من بصمة إصبع الإبهام بل استنادا الى حالة من الوارد جدا وقوعها من الناحية العملية ما لحكم لو كان أصبع الابهام مبتور او معلول او بصم المدين مستعملا غير الإبهام وخفت وتيرة الهجوم على المشرع العراقي حينما اعتبره الفقه ان القيد الوارد في القانون هو قيد وقوعي لا تستثنى منه أصابع اليد الأخرى لا قيد احترازي تخرج عنه بقية أصابع اليد . أ. حسين المؤمن / مصدر سابق / ص 131 .

17- جاء بنص الفقرة الأولى من المادة (42) من قانون الاثبات العراقي النافذ على انه (( إذا أنكر الخصم بصمة الإبهام المنسوبة إليه في السند فلا يعتد بهذا السند إلا إذا اثبت انه تم بحضور موظف عام مختص أو بحضور شاهدين وقعا على السند )) ،كما جاء بقرار لمحكمة التمييز العراقية (( ان الحكم المميز صحيح وموافق للقانون ، حيث تبين للمحكمة ان المميز قد استند في دعواه على سند الكمبيالة المؤرخ في 30 / 11/ 1983 المبصوم ببصمة ابهام …… الى مورث المميز عليها ، وحيث لايعتد بتوقيع السند ببصمة الابهام الا اذا تم بحضور موظف مختص او بحضور شاهدين وقعا على السند وحيث ان السند خال من توقيع شاهدين لذا فلا يعتد به استنادا الى حكم المادة (42) من قانون الاثبات وحيث ان المميز عليها قد حلفت اليمين بالصيغة المقررة ، لذا قرر رد الطعون …….. وتصديق الحكم المميز )) نقلا عن استاذنا د. عباس العبودي-شرح احكام قانون الاثبات المدني- مصدر سابق- ص 139.

18 – يراجع نص المادة (14/1 ) اثبات عراقي ، والمادة (10) اثبات مصري ، والمادة ( ) بينات اردني.

19- كان موقف مشرع الاثبات اللبناني موفقا من استعمال الختم كأسلوب للتوقيع اذ اعتبره توقيع غير كامل واذا حصل واستعمل يجب ان يكون مقرونا بتوقيع صاحبه يراجع نص المادة (150) من التشريع اللبناني .

20 – د. ثروت عبد الحميد : التوقيع الالكتروني – الطبعة الثانية – مكتبة الجلاء الجديدة – المنصورة – 2002 -ص22

21 – لوحظ ان بصمات راحة اليد لا تقل عن بصمات الاصابع من حيث القيمة القانونية اذ ان كل منهما له حجية مطلقة في تحقيق الشخصية ، وهذا ما اخذ به القضاء المصري ـ يراجع قرار لمحكمة النقض المصرية رقم 413 جنائي في 17 – ابريل – 1967- موسوعة الفكهاني-ج2 – ص 98 .

22 -مع ان المشرع الفرنسي حرم استعمال الختم كأسوب للتوقيع بموجب المرسوم الفرنسي الصادر في سنة 1667 ، الا انه عاد واجاز استخدامه على سبيل الاستثناء بموجب القانون رقم (380 – 66 ) الصادر في 16 يونيو 1966 في بعض المواقع كالاوراق التجارية يراجع ( 110/8 ،117 ، 185 ) تجاري فرنسي ، اشار الى هذا الموقف كلا من د. محمد حسام لطفي-مصدر سابق- ص11-12 ، عايض راشد المري : مدى حجية الوسائل التكنلوجية الحديثة في اثبات العقود التجارية – رسالة دكتوراة – جامعة القاهرة – بدون سنة – ص78 ، ود. محمد السعيد رشدي- مصدر سابق- ص43 .

23- استاذنا د. عباس العبودي – شرح احكام قانون الاثبات المدني -مصدر السابق- ص139.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .