السلوك الإجرامي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد :

إن السلوك الإجرامي في نموذج جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد كما حددتها نصوص قوانين العقوبات المقارن تتخذ إحدى صورتين إما الفعل أو الامتناع(1)، الصورة الأولى تكون بالدخول في مسكن الغير أو في مكان الاقامة الخاصة أو في أحد ملحقاته ويتحقق الدخول من سلوك الفاعل بأنه يتم برغم الإرادة الصريحة لمن له الحق في منع الغير من دخول مسكنه أو أن يحدث ذلك الدخول ضد الإرادة الضمنية لمن له الحق، وأن يتم الدخول خلسة، فضلاً عن أنه قد يتم الدخول احتيالاً، أما الصورة الثانية وهي الامتناع فتكون بالبقاء في أي من الأماكن السابقة وتتحقق بأن يحدث البقاء برغم الإرادة الصريحة لصاحب الحق في إخراج الغير ، كما قد يتم البقاء خلسة أو احتيالاً(2). ولكن مما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن هناك وسائل مشتركة تتحقق من خلالها الصورتان ( الدخول اوالبقاء ) ، وهي برغم ذلك الإرادة الصريحة لصاحب الحـق في المسكن ، أو أن يحدث خلسة ، أو عن طريق الاحتيال ، أما الإرادة الضمنية فهي ليست ملموسة إلا في صورة الدخول دون صورة البقاء، وعليه سنشير إلى كل من الصورتين السابقـتين :

الصورة الأولى : الدخول ويقصد به الولوج إلى المكان من أي طريق ، ويستوي في ذلك الدخول من باب المكان أو من نافذة فيه ، بصرف النظر عن الوسيلة المستعملة للدخول ، أي أنه لا أهمية لكون الدخول قد تم باستعمال وسيلة غير طبيعية ، فقد يكون بالتسور أو الكسر أو إستعمال مفتاح مصطنع(3) أو غير ذلك إلا أن بعضهم(4) يشترط في الدخول أن يحدث بطريق غير عادي كالدخول عن طريق النافذة أو المدخنة…الخ . إلا أنه ليس هناك في نص القانون ما يستوجب أن يتم الدخول بطريق عادي أو بطريق غير عادي ، بل يستوجب نص القانون أن يحدث الدخول الفعلي للشخص كاملاً ، وعليه لا يكفي دخول جزء من الشخص فقط كدخول أحد الذراعين أو الساقين أو الرأس من خلال فتحة ما أو من خلال مدخل المنزل ، مما مفاده أن الأعمال المتمثلة في التطلع من خلال النافذة المطلة على الطريق العام لرؤية ما بالداخل ، أو الصعود إلى سطح أحد المنازل للتطفل أو لاستطلاع ما يجري بداخله، أو للتجسس أو للتنصت أو لإزعاج الموجودين فيها فهي تمثل جريمة إقلاق أو إزعاج لصاحب المسكن ولكنها ليست هي التي يتحقق بها الدخول الذي تقوم به جريمة انتهاك حرمة المسكن(5) . أما تحقق الدخول ضد إرادة صاحب المسكن فمن المسلم به قانوناً ان القاعدة العامة في التجريم أن يبنى على اعتبارات تتعلق بالمصالحة العامة والمجتمع ، ومن ثم فإن الجريمة والعقوبة المقررة لها لا تتوقف على إرادة المجني عليه ، على الرغم من أن هناك حالات تكون لإرادة المجني عليه اثار جنائية ، أي يقيد بها المشرع الجنائي القانوني بعض الجرائم ، فقد يتطلب المشرع لقيام الجريمة أن ترتكب ضد إرادة المجني عليه سواء أكانت إرادة رفض صريحة أم ضمنية كما هو الحال في جرائم انتهاك حرمة ملك الغير وجرائم الاغتصاب ، أو كانت معيبة بعيب من عيوب الرضا(6). ولذلك فإن إرادة المجني عليه في جريمة انتهاك حرمة المسكن تقوم بدور رئيسي في إتمام الركن المادي للجريمة، وتخلف هذه الإرادة أو بمعنى آخر ان رضا المجني عليه في هذه الحالة يترتب عليه منع وقوع الجريمة منذ بدئها، مما يحول دونه استمرار الحماية القانونية على المصلحة المعتدى عليها(7) ، فضلاً عن أن الإرادة أمر نفسي لا يعلم بها إلا صاحبها، ولايعلم بها غيره إلا إذا عُبر عنها بأحد مظاهر التعبير(8) وعليه لا أثر لها متى بقيت كامنة في نفس صاحبها ، لذلك يجب لكي يعتد بها القانون ان يعبر عنها(9) ، فالتعبير هو مظهر الارادة الخارجي المحسوس وقد يكون صريحا وقد يكون ضمنياً(10) ، والإرادة الصريحة هي التعبير الصريح الذي يفصح عنه بطريقة مباشرة ، أي بوسيلة تكشف عن الإرادة حسب المألوف بين الناس(11) ، فقد يكون التعبير الصريح بطريق الكلام ، وذلك بإيراد الألفاظ الدالة على المعنى الذي تنطوي عليه الإرادة ، وقد يؤدى باللسان هذه الألفاظ مباشرة ، وقد يؤدي بالوساطة كالمخاطبة الهاتفية أو كإيفاد رسول لا يكون نائباً(12) . ويكون التعبير صريحاً بالكتابة بأي شكل من أشكالها ، كما قد يكون بالإشارة المتداولة عرفاً ، كحركة الرأس التي تدل على الموافقة أو على الرفض، ويكون التعبير صريحاً باتخاذ أي موقف أخر لا تدع ظروف الحال في دلالتها على حقيقة المقصود(13) ، فكما قد تكون الإرادة الصريحة معاصرة للحظة ارتكاب الجاني لفعل الدخول ، فقد تكون أيضاً سابقة لوقوعه ، لذلك فإن فعل الدخول قد يحدث في غياب صاحب المسكن ويعد ضد إرادته الصريحة إذا كان قد أعلنها من قبل، وحينها لا يلزم أن يكون صاحب الحق عالماً بالدخول لحظة حدوثها(14). علاوة على انه يشترط أن تكون الارادة الصريحة قاطعة الدلالة على إرادة الرفض من جانب صاحب الحق في حرمة المسكن ، فإذا كانت الإرادة مبهمة فإن وجودها يعكس الجانب النفسي للشخص ومن ثم تنتفي الجريمة ، مما يقتضي أن تكون لهذه الإرادة قيمة فعلية في منع سلوك الفاعل ، فحرية إنسان في أن يأذن أو يمنع دخول أحد في منزله الخاص ليست لها حدود طالما كانت في غير الحالات التي يجيز فيها القانون ذلك صراحةً ، فبغير هذه الحالات تكون إرادة الإنسان في مسكنه مطلقة ، حتى لو كانت تلك الإرادة تعسفية فلها قيمتها في وصف سلوك الفاعل بعدم المشروعية ، إلا إذا كان هذا السلوك غير متعارض مع إرادة صاحب الحق(15) . أما الإرادة الضمنية فهي التعبير الضمني الذي ينبني على الإرادة بطريقة غير مباشرة أي بوسيلة لا تتفق مع المألوف بين الناس في الكشف عن هذه الإرادة ، ولكن يمكن أن تستنبط منها دلالة التعبير في ضوء ظروف الحال ، و يمكن استنتاجها من تصرفات صـاحب السكن(16) ، كما أن الارادة الضمنية يجب أن تكشف عنها الأفعال والتصرفات الخارجية، فالقانون ظاهرة اجتماعية لاظاهرة نفسـية ، والإرادة الباطنة لا وجود لها إلا في العالم النفسي ، ولو سلمنا بغير ذلك فيجب أن تتجسم في المظهر المادي لها وهو ما يمكن إدراكه(17). إذن فالإرادة الضمنية هي استدلال مباشر من الأفعال والتصرفات التي لا تحتمل تأويلاً في الواقعة محل البحث ، وعليه فهي مظهر للاعلان عن الإرادة ، أما الإرادة المفترضة فهي ليست كذلك بل هي أن يلزم الشـخص موقفاً سـلبياً ، ولذلك فإن الإرادة الضمنـية إرادة كائنة ، في حين ان الإرادة المفترضة قد تكون موجودة أو غير موجودة ، وفي القانون الجنائي يجب أن نعطي قيمة لما هو كائن، وليس لما يجب أن يكون، إذ أن على القاضي في حالة الإرادة المفترضة أن يبحث عن أمر باطني غير مؤكد وغير موجود ، كما أن الاعتراف بقيمة الإرادة المفترضة معناه أن الجاني يسأل عن أمر غير معلوم . ومن خلال استقراء نصوص القوانين المقارنة التي تعالج هذه المسألة يتضح أنها لم تشترط في الدخول أن يكون ضد الإرادة الصريحة أم الضمنية(18) ،لذلك فالفقه(19) يذهب إلى أن المراد بالدخول في هذه الجريمة أن يكون غير مشروع ، استناداً إلى أن هذا مستفاد من صور السلوك في هذه الجريمة وهي الدخول والبقاء بمعنى أنه قد يحدث الدخول ضد الإرادة الصريحة أو الضمنية.

وهناك تساؤل في هذا المقام هو هل يمكن أن يكون السـكوت تعبيرأ عن الإرادة الضمنية ؟ ، تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أنه يفترض في السكوت وجود صاحب السكن أو علمه بدخول شخص أجنبي في مسكنه ، والقاعدة أن السكوت بمجرده لا يصلح أن يكون تعبيراً عن القبول ، استناداً إلى القاعدة الفقهية ( لا ينسب لساكت قول)(20) ، رغم الاستثناء الوارد الذي تتضمنه القاعدة الفقهية التي تقضي ( أن السكوت في معرض الحاجة بيان)، بمعنى أن السكوت إذ صاحبته ظروف تخلع عليه دلالة الرضاء فأنه يعد قبولاً(21) ، أما إذا تجرد السكوت من أي عامل آخر يكون والعدم سواء، مما يفضل أن يعد رفضاً(22). أما عن تحقق صورة الدخول فقد يتم خلسة عندما يكون دون مسوغ مشروع في مسكن الغير بطريقة لا يمكن أن يراها صاحب الحق في المسكن ، وفي هذه الوسيلة يختار الجاني الظروف واللحظة التي يرتكب في العمل للإفلات من الرقابة العادية لصاحب الحق وهذه الكيفية أو الطريقة لا يشترط فيها استعمال وسائل احتيالية بل يكفي فيها الإفلات من رقابة صاحب الحق في المسكن ، وكذلك لا يشترط لقيام الجريمة في الدخول خلسة أن يتم برغم إرادة صاحب المسكن ، فالدخول خلسة أو عن طريق الاحتيال هي حالات كافية لتحقيق السلوك الإجرامي في الجريمة ، فهما تعادلان حالة الدخول برغم إرادة صاحب الحق ، بمعنى أنه كما يحدث الدخول رغم إرادة صاحب الحق فإنه يحدث خلسة، وقد يحدث بالوسيلتين معاً، كما في حالة الدخول برغم الإرادة الضمنية لصاحب المسكن ، والدخول بهذه الطريقة لا يعد ظرفا مشدداً للجريمة، في الوقت الذي لا ينفى أنهما متميزتان(23) . والطريقة الأخيرة التي قد تتحقق فيها صورة الدخول في مسكن الغير هي الاحتيال وتتمثل في إيقاع المجني عليه في غلط يحمله على أن يعلن عن إرادته بالموافـقة على الدخول ، كإدعاء صفة كاذبة مما يثير الغلط في ذهن صاحب الحق فيعيب الإرادة عن هذا الطريق(24) ، والواقع أن الاحتيال وسيلة للدخول غير المشروع يتساوى مع الدخول خلسة في أن كلاهما يكشف عن الكيفية التي يتحقق بها السلوك الإجرامي ، غير أن الدخول احتيالا يؤدي إلى وجود الرضا المعيب ولا يحدث ضد إرادة صاحب المسكن ، لأن الاحتيال يعيب الإرادة عند التكوين ، فالفعل معاقب عليه لكون الرضا معيباً والرضا بوصفه سببا لانتفاء الركن المادي من شروطه أن يكون غير مشوب بالغش أو الغلط(25) ، فالوسائل التي يتبعها الجاني لتنفيذ سلوكه متنوعة ، ولكن ينبغي أن يكون السلوك المتحقق مالكاً مقومات إحداث النتيجة ، أي ان الفاعلية السببية يجب أن تكون ذات مفهوم موضوعي تراعى فيه الظروف السابقة والمعاصرة واللاحقة للفعل ، كما أن مقياس كفاءة الاحتيال تراعى فيها ظروف المجنى عليه ، ومعيار ذلك هو الرجل المتوسط في مثل ظروف المجني عليه(26).

أما الصورة الثانية : التي يتحقق بها السلوك الإجرامي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد فهي البقاء الذي يتمثل بالامتناع عن الخروج من المسكن أو من مكان الإقامة الخاص أو من ملحقاته برغم إرادة صاحب الحق ، والامتناع يمثل الشكل السلبي للسلوك الإنساني والبقاء المعاقب عليه يجب أن يكون ضد إرادة الرفض الصريحة ، لأن من المسلم به أن البقاء يفترض أن يكون مسبوقا بدخول مشروع ومن ثم فإن الاستمرار في المسكن بعد الدخول يظل مشروعا حتى يصدر صاحب الحق رغبته الصريحة التي تحتم خروج الغريب من مسكنه، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك لحظة لاشك في تفسيرها سواء بالنسبة الى القانون أم بالنسبة الى الفاعل يتحدد فيها أن البقاء أصبح غير مشروع(27) . وإذا كان القانون يعتد بالإرادة الضمنية في حالة الدخول ، فذلك يكون حتى يمكن للمجني عليه أن يعبر عن هذه الإرادة من خلال أفعاله وتصرفاته التي تتعارض مع الدخول في منزله ، في حين إذا علم بوجود الغير في منزله يجب عليه إذا أراد أن يكون بقاؤه غير مشروع أن يعلن إرادته صراحة ، وإذا لم يفعل فعليه أن يتحمل بقاء الغير في منزله ، لأن الامتناع في هذا الحالة غير متوافر والرفض الضمني هنا لا يكفي، على أساس أن جوهر الامتناع هو عدم الإتيان بفعل معين كأن ينتظر القيام به من شخص معين ، غير أن ليس كل حالات الامتناع يأخذها المشرع الجنائي بعين الاعتبار، وخصوصا تلك التي يكون فيها الأمر بالقيام بالفعل الذي كان يجب القيام به قد حدد بمعرفة قاعدة قانونية(28)، ومؤدي ذلك أنه لا يمكن وصف سلوك لفاعل بأنه امتناع إلا إذا كانت هناك إرادة صريحة من جانب صاحب المسكن تلزمه بالخروج منه. وكما يتحقق الدخول خلسة فقد يتحقق البقاء خلسة كذلك ، وتتمثل الصورة عن طريق الإفلات من رقابة صاحب المسكن ويكون ذلك ضد الإرادة الصريحة ، وذلك كأن يتظاهر بالخروج تنفيذا لإرادة صاحب المسكن الصريحة ثم يغافله ويختفي في إحدى زوايا المنزل أو تحت السلم ، وعليه فالتخفي هو وسيلة لتنفيذ السلوك الإجرامي الذي تتحقق به الجريمة ، وهذا بالتأكيد يعود تقدير قيمته الى المجني عليه ورقابته التي تحول دون وقوع الجريمة ، وكذا الحال بالنسبة الى البقاء احتيالاً اذ من شأنه أن يثير غلطاً في ذهن صاحب المسكن الذي يسمح للغير بالبقاء في منزله ، وعليه فالاحتيال وسيلة كافية بذاتها لقيام الجريمة دون اشتراط أن يكون ذلك ضد الإرادة العكسية لصاحب الحق ، ويجب أن يكون موضوعياً وتقدير قيمته يكون بالنسبة الى المجني عليه بما يتفق مع مقتضيات المصلحة القانونية(29) . من خلال ما تقدم يتضح أن السلوك الإجرامي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد تقوم في حالة دخول الجاني ضد الإرادة الصريحة أو الضمنية أو بقائه ضد الإرادة الصريحة ، أو كذلك عن طريق الخلسة أو الاحتيال ، بمعنى أن الدخول أو البقاء خارج هذه الحالات لا يعد جريمة ، غير أن الرأي السائد في الفقه(30) يعد الدخول أو البقاء لقصد غير مشروع تقوم به الجريمة، مما يفترض أن تكون الإرادة عكسية لصاحب المسكن، لأنه إذا كان الدخول أو البقاء على وفق إرادة صاحب الحق ورغبته فلا تطبق أحكام المواد المتعلقة بهذا الخصوص، ولو كان الداخل قد دخل او بقي في العقار بقصد ارتكاب جريمة فيه.

__________________

1- كما تنص المادة (428) من قانون العقوبات العراقي على أنه:

1- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين:

أ – من دخل محلاً مسكوناً أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الأحوال التي يرخص فيها القانون بذلك.

ب – من وجد في محل مما ذكر متخفياً عن أعين من له حق في إخراجه منه.

ج – من دخل محلا مما ذكر بوجه مشروع وبقي فيه على غير إرادة من له الحق في إخراجه منه.

2- إذا كان القصد من دخول المحل أو الاختفاء أو البقاء فيه منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه تكون العقوبة الحبس مدة لاتزيد على سنتين وغرامة لاتزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بين غروب الشمس وشروقها أو بواسطة كسر أو تسلق أو من شخص حامل سلاحاً ظاهرا أو مخبأ أو من ثلاث أشخاص فأكثر أو من شخص انتحل صفة عامة أو ادعى القيام بخدمة عامة بالاتصاف بصفة كاذبة ، وتنص المادة (370) من قانون العقوبات المصري والمعدلة بالقانون المرقم (29) لسنة 1982م على : ” كل من دخل بيتاً مسكوناً أو معداً للسكن أو في أحد
ملحقاته أو سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة آخر قاصداً من ذلك منع حيازته بالقوة او ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقي فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مصري” ، في حين نلاحظ أن المادة (347فقرة/1) من قانون العقوبات الأردني تنص على أنه ” من دخل مسكن آخر أو ملحقات مسكنة خلافاً لإرادة ذلك الآخر وكذلك من مكث في الأماكن المذكورة خلافاً لإرادة من له الحق في إقصائه عنها عوقب بالحبس مدة لاتتجاوز الستة أشهر”.

2- ولقد عبرت بعض التشريعات عن مصطلح الاحتيال بمصطلح التدليس صراحة كما جاء في قانون العقوبات المغربي، إذ جاء في المادة (441) من القانون ذاته بأن ” من دخل أو حاول الدخول إلى مسكن الغير، باستعمال التدليس أو التهديد أو العنف ضد الأشخاص أو الأشياء يعاقب… الخ” ، في حين أوردت بعض التشريعات الجزائية مصطلح الاحتيال صراحةكما في المادة (262) من قانون العقوبات الجنائية في سلطنة عمان التي تنص على : ” يعاقب بالسجن من شهر إلى سنتين وبالغرامة من عشر ريالات إلى مائة ريال كل من دخل بيتاً مسكوناً أو مكانا آخر معدا للسكن الشخصي بغير رضا من له الحق في منعه من الدخول أو دخل إلى هذا المكان خلسة أو احتيال”.

3- ينظر : د. حسن صادق المرصفاوي، شرح قانون الجزاء الكويتي/ القـسم الخـاص، بدون مكان نشـر، 1970م، ص 434 ، وكذلك للمؤلف نفسه قانون العقوبات الخاص، 1975م، ص620.

4- Antoliesi، M،anuale didir، pen، parte speciale، 1، 1981، p. 179 .

5- ينظر : د. حامد راشد، الحماية الجنائية للحق في حرمة المسكن (دراسة مقارنة) رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1987م ، ص189.

6- ينظر : د. مامون محمد سلامة ، قانون العقوبات / القسم الخاص ، ج(2) دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1983م ، ص235.

7- ينظر : د. أحمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات/ القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979م، ص321.

8- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، (مصادر الالتزام). بدون مكان نشر، 1952، ص175 فقرة (76).

9- ينظر : د. عبدالودود يحيى، الموجز في النظرية العامة للالتزامات ، بدون مكان نشر ، 1982م ، ص26 وما بعدها.

10- ينظر : د. عبدالمنعم فرج الصدة ، مصادر الالتزام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1984م ، ص82.

11- ينظر : د. عبدالمنعم فرج الصد ة، المصدر السابق ، ص83.

12- ينظر : د. عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،ج(1) نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام ،المجلد الأول ،العقد ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،1981م ، ص175، مضيفاً أن الفقه الإيطالي يعبر عن هذا بأن الإرادة الصريحة قد تكون مباشرة، إذا كانت صادرة من صاحب الحق إلى الجاني مباشرة، أو غير مباشرة إذا كانت عن طريق شخص ثالث أو من خلال وسائل أخرى من شأنها أن تؤدي إلى الغرض نفسه.

13- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، مصدر سابق، ص175.

14- ينظر: د. حامد راشد، الحماية الجنائية للحق في حرمة المسكن، مصدر سابق، ص194.

15- ينظر: د. حامد راشد، المصدر السابق، ص194.

16- ينظر: د. عبدالمنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام، مصدر سابق، ص83.

17- ينظر: د. عبدالرازاق السنهوري، مصدر سابق، ص180.

18- ينظر: المادة(347/1) من قانون العقوبات الأردني والمادة (428فقرة/جـ) من قانون العقوبات العراقي
وقد سبق الإشارة إليهما.

19- ينظر: د.جندي عبدالملك ، الموسوعة الجنائية ، ج(3) ، بدون مكان وسنة نشر ، ص68 ، وينظر :
كذلك د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات/ القسم الخاص، ط(7) دار النهضة العربية،
القاهرة ، 1975م، ص705.

20- ينظر: د. عبدالمنعم فرج الصدة ، مصادر الالتزام ، مصدر سابق ، ص84.

21- ينظر: د. عبدالمنعم فرج الصدة ، المصدر السابق ، ص85.

22- ينظر: د. عبدالرزاق السنهوري ، مصدر سابق ، ص220. ويمكن الإشارة بهذا الخصوص إلى أن السكوت في ظروف معنية يمكن أن يعبر عن الإرادة الضمنية لصاحبه ومثال ذلك علاقة الأب وخاطب ابنته، فلو أن الأول يرفض دخول الثاني لمنزله لسبب ما ، ولكن لظروف سفر الأب لفترة طويلة طلب منه الثاني(الخاطب) من جديد الأذن له بالدخول سواء كان الطلب شفاهاً أم كتابة ، فسكوت الأب يحمل على أنه رفض استناداً إلى أن إرادته السابقة الرافضة تعود الى الحياء في مواجهته، أما إذا كان لهذا الخاطب الأذن بالتردد على المنزل، وبمناسبة سفر الأب طلب منه أن يسمح له بالتردد الى المنزل فترة سفره ، فهنا يكون سكوت الأب رضاء. وعلى ذلك فالسكوت يحتمل أن يكون تعبيراً عن الإرادة الضمنية العكسية من جانب صاحب الحق في الحالة التي يكون مقيداً فيها بإظهار إرادته.

23- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص202. ولذلك قضى بأن دخول الزاني في منزل الزوجية برضاء الزوجة وفي غياب الزوج يعد قد حدث خلسة. وعليه قضت المحكمة الإيطالية، ينظر : المصدر نفسه، ص202 هامش رقم (1). Cass، 6 Maggio 1960، in “Riv، Pen 1961، 11، 651.

24- ينظر : د. عبدالمنعم فرج الصدة ، مصادرا الالتزام ، مصدر سابق ، ص198.

25- ينظر : د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات/ القسم العام ، ط(9) ، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة ، 1974م ، ص 191.

26- ينظر : د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات/ القسم الخاص، المصدر السابق ، ص247.

27- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص206. فعلى سبيل المثال عندما يحدث الدخول لسبب مشروع كالدخول لتوافر حالة الضرورة أو للإغاثة أو للحريق استناداً الى رضاء صاحب الحق في المسـكن، الاستمرار في المسكن بعد الدخول المشروع يظل كذلك مشروعا حتى يعبر صاحب المسكن عن إرادته صراحة برفضه ذلك البقاء، فرفض الخروج منذ تلك اللحظة يصبح ضد إرادة صاحب الحق ومن ثم تقوم الجريمة.

28- ينظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1977م ، ص306 وما بعدها.

29- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص 208.

30- ينظر : د. أحمد أمين، شرح قانون العقوبات الأهلي، ط(2)، دار الكتب المصرية، القاهرة، بدون سنة طبع، ص811-812. وينظر كذلك :- جندي عبدالملك، مصدر سابق، ص283.

السلوك الإجرامي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الموظف العام :

لا يختلف مفهوم الدخول أو البقاء عما سبق بيانه في السلوك الإجرامي لجريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها أحد الأفراد ، ولكن الدخول أو البقاء في هذه الجريمة يجب أن يكون من خلال إساءة استعمال السلطات المتعلقة بالوظيفة ، إلا أن هناك تباينا في موقف القوانين المقارنة في صور التجريم(1) . فالدخول في مسكن الغير يتمثل في عمل إيجابي من جانب الموظف العام اعتماداً على الوظيفة ، وفي غير الأحوال ودون مراعاة الإجراءات المقررة فيه ، أما البقاء فهو الامتناع عن الخروج بعد أداء الواجبات المتعلقة بممارسـة الوظيفة . وتتفق التشريعات على أن الدخول أو البقاء يجب أن يكون غير مشروع بمعنى أن يكون الفعل واقعاً اعتماداً على الوظيفة في غير الأحوال المبينة في القانون أو دون مراعاة القواعد المقررة فيه(2) ، أما أن يكون العدوان واقعاً من الموظف اعتماداً على سلطة وظيفته فهذه مسألة قد تثير الجدل، ليس فقط لصعوبة تفسيرها ، وإنما لدقتها بوصفها شرطا لوصف عدوان الموظف موجهاً ضد الحرية الشخصية(3) ، وعليه يمكن أن يتحقق تجاوز أعمال السلطة إذا لم يراع ممثل السلطة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في القانون ، كضرورة الحصول على إذن سلطة التحقيق لتفتيش المسكن حتى في حالة التلبس ، ولكن قد يحدث تجاوز الموظف لأعمال وظيفته بعمل أو بإجراء ليس قانونيا في ذاته ، أي حالة وقوع العدوان خارج حدود الوظيفة ، ولكي يعد هذا العدوان واقعا اعتمادا على سلطة الوظيفة يجب أن يكون قد وقع بالاستعانة بالإمكانيات الفعلية والواقعية التي تتيحها الوظيفة لمن يشغلها ،أو بمعنى آخر يجب أن يتوافر بين الوظيفة وبين الدخول أو البقاء في منزل الغير رابطة السبب، وانقطاع هذه الرابطة يترتب عليه تطبيق النص الآخر لانتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها أحد الأفراد ، كما لا يتصور وقوع هذه الجريمة من قبل الموظف العام خلسة أو عن طريق الاحتيال لأن هذه الوسائل تدخل في مفهوم إساءة استعمال الوظيفة(4) . ولكن قد يثار التساؤل عما إذا كان يشترط أن يحدث الدخول أو البقاء من جانب الموظف العام برغم إرادة صاحب المسكن أم لا ؟ ، أو بمعنى آخر هل دخول الموظف في غير الأحوال ودون مراعاة الإجراءات المقررة في القانون يؤدي الى عدم مشروعية الفعل أم أنه يشترط أن يحدث ذلك برغم إرادة صاحب الحق في المسكن ؟ .في الواقع إن الرضا يجب أن يكون حراً وغير مشوب بإكراه أو تدليس ، وهو مما لا يتصور في حالة الدخول غير مشروع من قبل الموظف العام في مسكن الغير، لأن الرضا في غالب الأحيان يقع نتيجة إكراه معنوي ، بمعنى أن الإرادة غير حرة ، ومن ثم فالرضا في هذه الحالة يأخذ صفة الإذعان(5) ، وعليه يتبين أن الرضا في جريمة الموظف العام سبب من أسباب انتفاء عدم المشروعية عن الفعل(6) ، فحرمة المسكن من الحقوق التي يجوز التصرف فيها . فكما يكون رضا صاحب الحق نوعا من الإذعان للسلطة ، خشية أو رهبة أو سوء فهم لسلطات الموظف ، يكون ذلك جائزا في حالة الاستغاثة من داخل أحد المنازل أو اذا شب فيه حريق في غياب أصحابه ، أو يكون بإذن من سلطة التحقيق ، وعليه يتضح أن دخول الموظف أو بقاءه برغم إرادة صاحب الحق لا ضرورة له في قيام الجريمة. وباعتقادنا المتواضع أن المغايرة في المعاملة بالنسبة الى التجريم في نموذجي الجريمة الواحدة التي تحمي ذات المصلحة القانونية ، يشوبه النقص من ناحية التنظيم التشريعي ، إذ أنه من غير المنطقي المعاقبة على الدخول والبقاء إذا ارتكب الجريمة أحد الأفراد ، في حين يقصر العقاب على حالة الدخول إذا ارتكبها الموظف العام ، مما دفع بعضهم(7) إلى تسمية الجريمة ” بجريمة دخول مسكن دون رضاء صاحبه ودون ترخيص قانوني ” .

أما من الناحية العملية فإنه كما يمكن أن يحدث الدخول غير المشروع بإساءة استعمال الوظيفة، يمكن أن يتحقق البقاء غير المشروع بإساءة استعمال الوظيفة أيضاً ، كمثال الموظف الذي يبقى عمدا في مسكن الغير دون مسوغ مشروع بعد دخوله القانوني لأداء أحد واجبات وظيفته ، ومن ثم فإن العقاب على الدخول فقط يترتب عليه إهمال العقاب على صورة قد تكون أشد جسامة من الأولى(8). فبعد الإشارة إلى عنصر السلوك الذي يقع من قبل الفرد والموظف بوصفه احد عناصر الركن المادي في جريمة انتهاك حرمة المسكن ، لا بد من الإشارة إلى النتيجة الإجرامية باعتبار أن النشاط لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق النتيجة(9) ، ويقصد بالنتيجة الآثار المادية أو الطبيعية التي تحدث في المجال الخارجي وترتبط مع السلوك برابطة السببية وقد تكون حدثاً طبيعياً أو حدثاً جسمانياً أو حدثاً نفسياً(10) . إن عناصر الجريمة ينص عليها المشرع في النموذج القانوني للجريمة، ومعنى ذلك أن بيان الركن المادي لكل جريمة هو مدى اعتداد المشرع بالنتائج المترتبة على السلوك(11) ، والنتيجة شرط في كل جريمة تامة ويقصد بها الأثر المترتب على السلوك و النتيجة في جريمة حرمة المسكن قد تصل إلى حد الضرر الفعلي بالمصلحة المحمية ، وقد تقف عند مجرد تعريضها للحظر ، وعليه لا يشترط في التغيير الذي يحدثه النشاط الإجرامي في العالم الخارجي أن يصل إلى حد تدمير المصلحة المحمية أو إنقاصها وهو ما يسمى بالضرر وإنما يقتصر على التهديد به أي الخطر(12) . فالنتيجة تكون ضرراً عندما ينطوي على اعتداء على المال أو المصلحة محل حماية القانون ، وهذا الضرر قد يكون مادياً ، وقد يكون معنوياً ، وقد تكون الأضرار المعنوية أشد جسامة من الأضرار المادية وفي الواقع أن ما يلحق حق الإنسان في ممارسة حريته في منزله الخاص هو ضرر معنوي، ينتج من الأثر النفسي الذي يصيب الشخص بصدمة عصبية وتوتر قد يستمر لوقت طويل فيكون تأثيره أكبر من التأثير الذي تحدثه ضربة بجسده قد تسبب له ألما لبعض الوقت ينتهي فيما بعد .

________________

1- تنص المادة(326) من قانون العقوبات العراقي على أنه : ” يعاقب بالحبس و بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة دخل اعتمادا على وظيفته منزل أحد الأشخاص أو أحد ملحقاته بغير رضا صاحب الشأن أو حمل غيره على الدخول وذلك في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك أو دون مراعاة الإجراءات المقررة فيه، ويعاقب العقوبة ذاتها كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أجرى تفتيش شخص أو منزل أو محل بغير رضا صاحب الشأن أو حمل غيره على التفتيش وذلك في الأحوال غير التي يجيز فيها القانون ذلك أو دون مراعاة الإجراءات المقررة فيه” . و تقابلها المادة (128) من قانون العقوبات المصري التي تنص على أن ” إذا دخل أحد الموظفين أو المستخدمين العموميين أو أي شخص مكلف بخدمة عمومية اعتمادا على وظيفته منزل شخص من آحاد الناس بغير رضائه فيما عدا الأحوال المبينة في القانون، أو بدون مراعاة القواعد المقررة فيه يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه مصري ” . وقد رفع الحد الأقصى الغرامة في المادة السابقة بالقانون المرقم (29) لسنة 1982م المشار إليه. وكذلك تنص المادة (181/فقرة 1) من قانون العقوبات الأردني على أن ” كل موظف يدخل بصفة كونه موظفا مسكن أحد الناس أو ملحقات مسكنه في غير الأحوال التي يجيزها القانون، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنين وبغرامة من عشرين ديناراً إلى مائة دينار” . وتنص الفقرة (3) من المادة ذاتها على أنه ” وإذا ارتكب الموظف الفعل السابق ذكره دون أن يراعي الأصول التي يفرضها القانون يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من خمسة دنانير إلى عشرين دينارا، وكل موظف يدخل بصفة كونه موظفا محلا من المحال الخصوصية كبيوت التجارة المختصة بآحاد الناس ومحال إدارتهم في غير الحالات التي يجيزها القانون أو دون أن يراعي الأصول التي يفرضها القانون يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر أو بغرامة لاتزيد على خمسين دينارا ” .

2- وسنشير الى الحالات التي يجوز فيها قانونا دخول المسكن في الفصل الثالث من هذه الأطروحة إن شاء الله.

3- ينظر : د. محمد زكي أبو عامر، الحماية الجنائية للحريات الشخصية، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، ج (27)، القسم الثالث، ص28 . إذ أنه لايوجد صعوبة في تحديد أن العدوان الذي يقع من الموظف في أثناء ممارسة وظيفته يعد واقعاً اعتماداً على سلطة وظيفته، فعلى سبيل المثال: إذا قام أحد ضباط الشرطة في أثناء إجرائه استدلالات في جريمة بدخول منزل شخص دون إذن أو في غير الحالات المقررة قانوناً فإن الفعل الذي يقع من الموظف يكون داخل حدود الوظيفة ولكن فيما يجاوز سلطاتها، لذلك فإن هناك أعمالا قد يقوم الموظف بها وقد تكون صحيحة في ذاتها، ولكن تتحقق الجريمة لاتخاذ العمل في
ذاته وسيلة لها. من ذلك ان يتخذ العمل المسموح به في القانون لتحقيق هدف مختلف، أو بوسائل غير مسموح بها، أو في وقت غير مقرر قانوناً.

4- ينظر : د. محمد زكي أبو عامر،الحماية الجنائية للحرية الشخصية ، مصدر سابق ، ص29 ومبعدها وينظر كذلك : أبو اليزيد علي المتيت، النظم السياسية والحريات العامة، ط(3)، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1982م، ص204.

5- ينظر : محمد علي سالم عياد الحلبي، الحرية الشخصية أثناء التحري والاستدلال، رسالة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة، 1980م، ص12.

6- ينظر : د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات/ القسم العام ، ط(9) ، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة ، 1974م ، ص191. وينظر كذلك : جندي عبدالملك، الموسوعة الجنائية، ج(1)، ص171.

7- ينظر : د. رمسيس بهنام، الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986م، ص287.

8- ينظر : د. حامد راشد، الحماية الجنائية للحق في حرمة المسكن ، دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، 1987م ، ص218.

9- ينظر : د. فخري عبدالرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات/ القسم العام، مطبعة أوفسيت الزمان، بغداد، 1992م ، ص 188.

10- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات/ القسم العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1979م ، ص 125 ومابعدها. فالنتيجة الإجرامية في مفهومها لمادي يمكن أن تنقص بصدد الجرائم ذات السلوك المجرد، وعليه فهي ليست عنصراً أساسياً للركن المادي في جميع الجرائم ولكنها تعد عنصراً أساسياً خاصاً بالنسبة الى الجرائم التي يتطلب فيه المشرع تحقق نتيجة مادية معينة لاكتمال الجريمة في ركنها المادي.

وينظر : بصدد التفرقة بين جرائم الضرر وجرائم الخطر، د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1977م ، ص309. وينظر كذلك : د. عبود السراج ، قانون العقوبات/ القسم العام، ط (5) بدون مكان وسنة نشر، ص194.

11- ينظر : د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات/ القسم العام، مصدر سابق، ص 129، مضيفا أن الصلة وثيقة بين المدلول القانوني والمنطق التحليلي لعناصر الركن المادي وأن التسليم بأحدهما لا يعني إنكار الآخر، غير أن الاتجاه الذي نرجحه هو أن المفهوم المادي للنتيجة هو المفهوم الصحيح والوحيد للعنصرالثاني من عناصر الركن المادي، أما المفهوم القانوني للنتيجة فمجاله عدم مشروعية السلوك ذاته.

12- ينظر : د. أحمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات/ القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979م ، ص 351.

القصد الجرمي في جريمة انتهاك حرمة المسكن :

أ . القصد الجرمي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد :

تعد جريمة انتهاك حرمة المسكن من الجرائم العمدية ، والقصد اللازم لقيامها هو القصد العام بمعنى انه يجب ان يتوافر لدى الجاني العلم والارادة ، وهما عنصران متميزان عن بعضهما لانهما يمثلان لحظتين للنشاط النفسي للفاعل . فاذا تحققا وجد القصد الجرمي ، كما يتطلب النموذج القانوني للجريمة(1) . اما العناصر التي يجب ان يكون الفاعل عالما بها ، فهي ليس كون الواقعة يعاقب عليها القانون بنصوص بل كونها متعارضة مع النظام القانوني للمجتمع(2) ، وعليه يجب ان ينصرف العلم بالموضوع محل الاعتداء ، أي ان القصد الجرمي هو ارادة الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون ، وللحق موضوعه الذي يتعين ان تتوافر خصائص معينة كي يصلح محلا للحق(3) . لذلك يجب ان يكون الجاني عالما بان دخوله او بقاءه في مسكن خاص ، اوفي ملحقاته ، وان هذه الاماكن خاصة بشخص اخر غيره ، له الحق في حرمتها ، ونتيجة لذلك فان الشخص الذي يدخل في منزل معتقداً خطأ بانه يخصه تنتفي عنه الجريمة ومثال ذلك ، الزوج الذي يغيب عن منزله فترة طويلة لسـبب ما ثم يعود اليه ظاناً انه منزله وان زوجته ما زالت تقيم فيه ، في حين انها غيرت المنزل ، فدخوله لا تقوم به جريمة انتهاك حرمة المسكن ، لانه لحظة دخوله لم يكن يعلم ان المسكن خاص بشخص غيره ، ولكن قد تقوم الجريمة اذا بقى في المسكن برغم ارادة صاحبه معتقداً انه ينازعه الحق في المسكن ، لان مجرد اخباره بان المنزل خاص بغيره واستمراره بعد ذلك يتوافر به العلم الذي تقوم به الجريمة(4) . كما يجب ان يكون الفاعل عالماً برد فعل ارادة صاحب الحق في المسكن في الدخول اوالبقاء في منزله سواء اكانت تلك الارادة صريحة ام ضمنية ، لما للعلم بالارادة العكسية لصاحب المسكن من اهمية خاصة نظراً الى ان ارادة الرفض من جانب الحق عنصر في التكوين القانوني للجريمة ، فالارادة الصريحة لا تثير صعوبة في العلم بها ، لانها تعبير واضح وصريح ، في حين تثار الصعوبة في حالة الارادة الضمنية ، التي يستدل عليها من الظروف والافعال والملابسات في الواقعة ، فيجب ان يكون تفسيرها بالنسبة الى الفاعل امراً واضحاً يعطي معنى الارادة التي تقوم بها الجريمة ، ومعيار العلم بها شخصي بحت مرجعه نفسية الجاني نفسه بصرف النظر عن تطابق العلم مع علم الرجل العادي(5) . اما بالنسبة الى العلم بالدخول خلسةً او احتيالاً فيجب ان يكون عالما بانه يدخل او يبقى خفية عن صاحب المسكن وعن طريق افعال احتيالية كاذبة مضلله ، فاذا كان يعتقد صحتها فان قصده الجرمي ينتفي ، أي ان العبرة في ذلك بحقيقة اعتقاد المتهم نفسه ، ولكن هل يشترط العلم بصفة صاحب المسكن ؟ ، في الواقع جريمة انتهاك حرمة المسكن لا يشترط لقيامها صفة معينة في المجني عليه ، أي صفة صاحب الحق ، والقصد الجرمي في هذه الجريمة بعيد عن صفة المجني عليه ، فالجاني يجب ان يكون عالماً بصفة صاحب المسكن ، وهذا الاخير هو الذي يعتد بارادته الصريحة او الضمنية فيما يتعلق بقيام الجريمة(6) . وفي ما يتعلق بالارادة فهي نشاط نفسي اتجه الى تحقيق غرض معين عن طريق وسيلة معينة ، والارادة في الجريمة محل البحث يجب ان تتجه الى ارتكاب السلوك الاجرامي والى النتيجة ، ويقصد باتجاه الارادة الى ارتكاب السلوك ان تتجه ارادة الفاعل الى ارتكاب الفعل اوالامتناع عنه، بمعنى اخر الدخول او البقاء في مسكن الغير او في مكان الاقامة الخاص او في احد ملحقاتهم برغم ارادة صاحب الحق ، او عن طريق الخلسة او الاحتيال . والدخول هو الشكل الايجابي للسلوك والشكل الايجابي عبارة عن الحركات الجسمية للشخص و تظهر في العالم الخارجي بطريقة مادية ملموسة ، ففي هذه الصورة تباشر القوى النفسية للفرد اثارها على الجهاز العصبي الذي يدفع عضلات الجسم الى الحركة بطريقة تتفق مع ارادته (7) ، بمعنى ان الدخول الارادي يجد مصدره في المحرك النفسي الناتج عن الادراك والوعي ، اما البقاء فهو الشكل السلبي للسلوك ، فيلزم ان يكون ارادياً (8)، وارادة الفعل تتمثل في ان القانون يحتم على الشخص الخروج من مسكن الغير اذعاناً لارادة صاحبه ، ولذا فأن عدم القيام بهذا السلوك الواجب هو المظهر الخارجي للامتناع اما قصده الجرمي فيكون في ارادة الفعل الذي اتخذه الشخص بدلا من الفعل الذي كان عليه القيام به(9) . اما مدى اشتراط اتجاه الارادة نحو احداث النتيجة ، فيذهب بعضهم (10) الى ان الارادة تنصرف الى الفعل فقط اما النتيجة فيجب ان يتوقع الجاني او يتصور وقوعها اثراً للفعل ، بمعنى انه لا بد ان يتصور الجاني وقوعها ، لذا يؤيد بعضهم(11) ما سبق على اساس ان القصد الجرمي في الجريمة محل البحث يتحقق بانصراف ارادة الفاعل الى التصرف الجرمي مع العلم بجميع عناصر الركن المادي مع تمثل او تصور النتيجة الاجرامية التي يكون من شان الفعل الاجرامي احداثها . والحجج التي يستند اليها انصار هذا الاتجاه وهي انه لا يتصور اتجاه الارادة نحو احداث النتيجة ، لان حدوثها ثمرة لقوانين طبيعية لا تستطيع الارادة ان تسيطر عليها هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان ارادة النتيجة عاجزة عن توضح ماهية القصد الجرمي في الجرائم التي ينصب فيها التجريم على نفس النشاط بصرف النظر عن نتائجه(12) . ويرى اخرون(13) وهو الراي السائد في الفقه ان الارادة يجب ان تتجه الى احداث النتيجة ، بحجة ان الارادة اساس بنيان القصد الجرمي سواء بالنسبة الى الفعل ام الى النتيجة ، اذ ان ارادة النتيجة هي العنصر المميز للقصد الجرمي عن الخطأ غير العمدي فضلاً عن ان الارادة تتفاوت في قوتها حين تتجه الى النتيجة ، اما العلم فلا تتفاوت درجاته . و يقينا انه لا خلاف في ان النتيجة تعد ارادية متى كانت تمثل الغاية من سلوك الفاعل ، وهو ما يطلق عليه بالنتائج العمدية ، بوصفها تعبر عن النية التي حركت السلوك الاجرامي لتحقيقها ، غير ان القصد الجرمي لا يكتفي بالنتائج المتعمدة ، بل يكتفي بكونها ارادية ، أي اتجهت اليها ارادة الجاني(14) ، فإذا سلمنا بان النتيجة بالمفهوم المادي و الطبيعي هي التغيير الذي يحدثه السلوك في العالم الخارجي وهو ما يعتد به القانون ، فان التغيير الذي يحدثه السلوك الاجرامي في جريمة انتهاك حرمة المسكن هو حدث نفسي يتمثل بحالة الاضطراب الناشئة عن دخول شخص اجنبي وبقائه في منزل الغير ، هو ما يترتب عليه من تقيد وانقاص لحرية الفرد في منزله الخاص ، ويتحقق ذلك في اللحظة ذاتها التي يتحقق فيها السلوك الاجرامي ، لذلك فالنتيجة تعد اراديه اذا اتجهت الارادة الى تحقيق السلوك المتمثل بالدخول او البقاء .

ب. القصد الجرمي في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الموظف العام :

لا تختلف عناصر القصد الجرمي اللازمة لقيام هذه الجريمة عن سابقتها ، بمعنى ان القصد المتطلب لقيام هذه الجريمة هو قصد عام ، وعليه يجب ان يتوافر لدى الموظف العام العلم والارادة ، فبالنسبة الى العلم يجب ان يكون الموظف العام عالما بما سبق ذكره من عناصر في حالة ارتكاب الفرد هذه الجريمة ، اي يجب ان يكون عالما بان دخوله او بقاءه في مسكن او مكان خاص او في احد ملحقاته ، وان هذه الاماكن خاصة باحد الافراد ، كما يجب عليه توقع النتيجة المترتبة على فعله ، لان التوقع هو الاساس النفسي الذي تقوم عليه الارادة . وفضلاً على ما تقدم يجب ان يكون الفاعل عالما ومحيطاً بتوافر صفة الموظف العام من جانبه ، اذ ان انتفاء العلم بصفة الموظف العام ينفي ارتكاب الموظف العام هذه الجريمة ، ولكن لا ينفي ارتكاب الفرد لها (15) ، كما يجب ان يكون الموظف العام عالما بان عمله غير مطابق للقانون بمعنى ان يكون عالما بان دخوله او بقاءه في المسكن في هذه الاحوال دون مراعاة الاجراءات المنصوص عليها في القانون(16) ، او بمعنى اخر ان يكون عالماً باساءة استعمال وظيفته . وتقتضي الاشارة بهذا الصدد الى ان الغلط في الواقع ينفي القصد الجرمي(17) ، لذلك فان جهل الموظف العام وغلطه في السلطات التي تخولها له القوانين بمباشرة وظيفته ( كالجهل بالحدود والمكنات المتعلقة بالوظيفة ) لا يتحقق به جريمة انتهاك حرمة المسكن ، غير ان صور الغلط في الواقع التي تنفي القصد الجرمي لا تزيل عن الواقعة صفتها الجرمية ، ومن ثم لا يمنع ذلك من مسؤولية الموظف ادارياً ومديناً بتعويض الاضرار التي تحدث لصاحب المسكن(18) . اما عن الارادة فهي ان تتجه ارادة الموظف العام الى ارتكاب الفعل او الامتناع ، بمعنى الدخول او البقاء في مسكن احد الافراد اعتماداً على وظيفته ، وفي غير هذه الاحوال ودون مراعاة الاجراءات المنصوص عليها في القانون ، كما انه يجب ان تتجه الارادة الى احداث النتيجة ، والنتيجة في الجريمة محل البحث تعد ارادية متى اتجهت الارادة الى احداث السلوك الاجرامي .

_________________

1- ينظر : احمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات، القسم العام، ط (2)، دار النهضة العربية،القاهرة، 1972م ، ص 465 .

2- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات/ القسم العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1979م ، ص309 .

3- ينظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1977م ، ص 606 ، فقرة 641 .

4- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص250 .

5- ينظر : د. محمد زكي ابو عامر ، الحماية الجنائية للحريات الشخصية ، مصدر سابق ، ص122 .

6- فعلى سبيل المثال قد يتلقى الفاعل اذنا بالدخول من شخص يعتقد انه هو رب الاسرة ، فالقصد الجرمي ينتفي لغلط في اسباب الاباحة ، كما ان صفة الحق في بعض الوقائع تنفي الجريمة ، عندما يعتقد الجاني بانه ينتهك حرمة مسكن الغير لانه ضد ارادة صاحب الحق ، ثم يتضح ان الشخص الذي اعلن موافقته على الدخول كانت له اهلية الرضا ايضاً ، ينظر : د. حامد راشد، الحماية الجنائية للحق في حرمة المسكن ، دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، 1987م ، ص251 .

7- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات / القسم العام ، مصدر سابق ، ص115 .

8- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، جرائم الارتكاب عن طريق الامتناع بالايطالية مترجمة للعربية ، بدون مكان نشر ، 1962 م ، ص36 وما بعدها .

9- للمزيد تفصيلا فيما يتعلق بجرائم الامتناع ، ينظر : استاذنا الدكتور مزهر جعفر عبيد ، جرائم الامتناع، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999م .

10- ينظر : د. عبد المهيمن بكر سالم ، القصد الجنائي في القانون المصري المقارن ، بدون مكان نشر ، 1959 م ، ص114 .

11- ينظر : د. محمد زكي أبو عامر، الحماية الجنائية للحريات الشخصية، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، ج (27)، القسم الثالث ، ص20 وما بعدها.

12- ينظر : د. عبد المهيمن بكر سالم ، مصدر سابق ، ص 83 ، ص 101 .

13- ينظر : د. رؤوف عبيد ، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي ، ط(4) ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1979 ، ص281 . وينظر كذلك : د. احمد فتحي سرور ، اصول قانون العقوبات / القسم العام ، مصدر سابق ، ص455 ، و د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1977م ، ص602، ود. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات/ القسم العام ، ط(9) ، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة 1974م ، ص47 .

14- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات/ القسم العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1979م ، ص304 .

15- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص252 .

16- ينظر : د. رمسيس بهنام، الجرائم المضرة بآحاد الناس ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1990م ، ص290 .

17- ينظر : د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات/ القسم العام، مطبعة أوفسيت الزمان،بغداد، 1992م ، ص281 .

18- ينظر : د. رؤوف عبيد ، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي ، ط(4) ، دار الفكر العربي، القاهرة 1979م ، ص294 . وللمزيد كذلك عن الجهل والغلط ينظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، مصدر سابق، ص701 وكذلك ينظر : د. مامون محمد سلامة ، قانون العقوبات / القسم العام ، مصدر سابق ،ص344.

الركن الخاص في جريمة انتهاك حرمة المسكن :

ان المصلحة المحمية في جريمة انتهاك حرمة المسكن هي احترام حق الانسان في خصوصيته وهي واحدة من اهم مقومات الحرية الفردية(1) ، سواء ارتكب الجريمة احد الافراد ام ارتكبها احد ممثلي السلطة العامة (الموظف العام) ، ولما كانت الحرية قيمة انسانية معنوية، فالمشرع لا يحمي حرية المكان وانما يحمي حرية الانسان ، اذ ان حرية الانسان في اختيار مسكنه وحريته في تغييره مظهراً لحماية الحق لحرمة المسكن ، ومن ثم فان حرية المسكن ترتبط بحرية الفرد في التنقل من مكان الى اخر(2) ، وعلى ذلك فالاعتداء عليها قد يكون نموذجاً بجريمة اخرى غير تلك الجريمة التي تحمي حرمة المسكن بوصفها احد جوانب الحرية الفردية . فضلاً عن ان هناك فارقاً بين المصلحة محل الحماية والهدف من حماية ذلك المحل ، فالمصلحة المتمثلة بالحفاظ على الامن والسكينة والهدوء انما هي نتائج لحماية الحـرية الفردية ، فالحرية الفردية هي محل الحماية في جريمة انتهاك حرمة المسكن ، اما الامن والسكينة والهدوء فهي نتائج لتلك الحماية ، وعليه فوجود الحق في حرمة المسكن ليس رهنا بالقانون ، بل ان حمايته فقط توجب تدخل القانون لاقراره ثم حمايته من الاعتداء عليه ، كما ان حرمة المسكن ليست ضرورة لممارسة جانب كبير من حقوق الانسان فحسب ، بل هي نتيجة لممارسة تلك الحقوق في المكان الخاص(3) . ولتحديد مدلول الركن الخاص في هذه الجريمة يجب امعان النظر الى صاحب هذا الحق، اذ انه حق شخصي يولد مع الانسان ويكتسبه لمجرد كونه انساناً ويبقى محتفظاً به في المجتمع ، ولا يجوز لسـلطة ما ان تنزعه منه ، على الرغم من انه حق نسبي ، بمعنى انه قد يحدث ما يستوجب تقيده بصفة مؤقتة من اجل المصلحة العامة ، الا ان هذا القيد رهن بواقعة معينة ، ويخضع لضوابط محددة ، لذلك الحق في حرمة المسكن لا يمنع من تفتيش المسكن ، متى توافرت ضوابط هذا التفتيش(4) . فضلاً عن ان حرمة المسكن من الحقوق الفردية ، بمعنى ان ممارسة هذا الحق تقتضي ان يترك الانسان منعزلاً في مسكنه ، فلا يتصور ان يتمتع الانسان بحرمة المسكن ما لم يترك وشانه منفردا بحياته واسراره الخاصة التي يريد الا يطلع عليها احد . ولما كان الفاعل في الجريمة هو مرتكب الفعل الذي تتوافر فيه جميع عناصر الركن المادي كما عرفه القانون(5) وفي هذه الجريمة هو كل شـخص ليس له الحق في الدخول او في البقاء في المسكن ، ولكن هناك حالات قد تكون محلاً للجدل ، ومن هنا سنبين صفة الجاني في كل من نموذجي جريمة انتهاك حرمة المسكن :

أ- الجاني في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الفرد :

صفة الجاني في هذه الجريمة محل البحث ركن من اركانها بانتفائها لا تقوم الجريمة ، فعناصر الجريمة هي التي تتحقق بالسلوك الاجرامي للفاعل والتي لا غنى عنها لاكتمال النموذج القانوني لها ، غير ان هناك حالات قد تكون محلا للجدل ، مثل مالك المسكن المؤجر ، فالمؤجر يمنح المستأجر حق السكن فيه ، ثم يكتسب الاخير تبعا لذلك حماية القانون حتى في مواجهة ذلك المالك ، فالساكن له الحق في ممارسة حريته دون ازعاج ، فالقانون لا يحمي الملكية ولا يحمي الاشياء انما يحمي امن الشخص وسـكينته في مكان سكنه ، بوصفها من الوسائل التي تكفل ممارسة حريته الفردية ، ومن ثم لا يحق للمالك دخول هذا المسكن اواحد ملحقاته دون سبب مشروع لذلك كأن يحتفظ بحق مشترك على هذه الملحقات بوصفها ملحقات مسكنه الاخر ، ومن ثم فهي تمثل جزءاً من مسكنه ، وتبعا لذلك لا يمكن ان يكون فاعلا في الجريمة بدخوله او بقائه في أي من تلك الملحقات ، وكذلك الحال بالنسبة الى اجراء الاصلاحات او الترميمات او غيرها(6) ، مما ينص عليه عقد الايجار .اما بالنسبة الى الشريك فينبغي التفرقة بين ان يكون السكن مشتركا بين اكثر من شخص، وبين ان يكون كل شخص ساكن مستقلاً عن الاخر ،

فبالنسبة الى الحالة الاولى : القاعدة ان من له حق الدخول او البقاء في المسكن لا يمكن ان يصبح فاعلا في جريمة انتهاك حرمة المسكن ومثال ذلك : الغرفة التي يستأجرها اكثر من شخص لا يرتكب أي منهم اعتداء على حرمة المسكن طالما انه لم يفقد الحق في السكن فيها ، كما هو الحال في المنزل العائلي(7) .

اما الحالة الثانية : و فيها كل ساكن مستقل عن الاخر في نفس المسكن كالشقة التي تؤجر غرفا لاكثر من شخص ، او كأن يستأجر الشخص غرفة مع احدى العائلات ، فان المكان المخصص لكل شخص يتمتع بحرمة المسكن ، ولذا فان من يدخل المكان المخصص لغيره يرتكب جريمة انتهاك حرمة المسكن(8) ، والمثال على ذلك ايضاً حالة الزوجية ،فالقاعدة ان لا يصبح احد الزوجين فاعلا في جريمة انتهاك حرمة المسكن طالما بقيت العلاقة الزوجية مستمرة ، ولكن في حالة الانفصال بين الزوجين ، يترتب عليه فقدان الحق في المشاركة في المسكن ، ومن ثم فان الزوج الذي ينفرد بمنزل الزوجية يصبح صاحب الحق في حرمته في مواجهة الزوج الاخر ، وفي الوقت ذاته يسري هذا الحكم على منزل الحضانة ، فأنفراد الزوجة بعد الطلاق بمنزل الزوجية بسبب الحضانة انما يسقط معه حق الزوج في دخول المسكن ، ومن ثم يصبح مرتكب الجريمة منتهكاً حرمة المسكن اذا دخله دون اذن زوجته المطلقة او دون مسوغ مشروع (9) .

ب. الجاني في جريمة انتهاك حرمة المسكن التي يرتكبها الموظف العام :

يمكن الاشارة في هذا المقام الى مسألتين ، الاولى ان صفة الجاني في هذه الجريمة ليست شرطاً موضعياً للعقاب ، على أساس ان الشرط الموضعي للعقاب هو كل حدث غير مرتبط بنشاط الجاني وغير مؤكد تحققه في المستقبل ، ولكنه ضروري لاكتمال الشكل القانوني للجريمة والعقاب عليها(10) ، لذا فان صفة الجاني في الجريمة محل البحث ليست حدثاً مستقبلياً بل هي سابقة على الفعل او معاصرة لوقوعه ، وهي صفة مؤكدة في الجاني ، فضلاً عن ان شرط العقاب دائما عنصر خارجي عن السلوك الفردي كما يرتكبه الفاعل ، وجوهري من اجل عقابه ، في حين ان صفة الجاني هنا متعلقة بشخص الفاعل وهي ليست امراً لازماً للعقاب على الفعل ، فعدم توافرها لا يعني عدم العقاب على الفعل ، بل انعدامها يؤدي الى العقاب تحت نص اجرامي اخر(11) . اما المسألة الثانية فهي ان صفة الجاني ركن من اركان هذه الجريمة ، ذلك ان المشرع حينما يستلزم في النص التجريمي الاصلي وقوع الجريمة في ركنها المادي من شخص معين له صفة خاصة ، انما يراعي في ذلك اعتبارات معينة تتعلق بذات الفعل الاجرامي ، أي ان المشرع يقدر خطورة ذلك الفعل ، ويقرر له العقاب بالنظر الى شخص مرتكبه (12) . ومن ثم فان الصفة التي يتخذها الجاني في هذه الجريمة هي صفة الموظف العام(13) ، على الرغم من ان بعض (14) الفقه تردد بشأن تعريف الموظف العمومي بين الاخذ بمفهوم القانون الاداري له ، وبين الاخذ بالمفهوم الواسع باعتبار ان القانون الجنائي له ذاتية مستقلة ، غير ان الراجح في الفقه(15) ان الموظف العام في القانون الجنائي أوسع من تعريف القانون الاداري له ، اذ انه يحدد وفقا للمعيار الموضوعي ، بمعنى ان من يباشر الوظيفة العامة يعد موظفاً عمومياً في عرف المشرع الجنائي بصرف النظر عن العلاقة القانونية التي تربط الشخص بالجهة العامة(16) .

________________

1- ينظر : د. عبد الوهاب العشماوي ، حرمة المسكن وحصانته وقضاء المحكمة الدستورية العليا ، مجلة الامن العام ، العدد (106) ، السنة (27) ، 1984م ، ص 4 .

2- ينظر : د. حمدي عبد الرحمن ، فكرة الحق ، ص 64 .

3- ينظر : د. حامد راشد ، الحماية الجنائية للحق في حرمة المسكن (دراسة مقارنة) رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1987م ، ص109 .

4- راجع الفصل الثالث من هذه الاطروحة.

5- ينظر : د. احمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات، القسم العام، ط (2)، دار النهضة العربية،القاهرة، 1972م ، ص522 ، وينظر: كذلك د. مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات/ القسم العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1979م ، ص86 .

6- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص 178 .

7- ينظر : قرار محكمة النقض الايطالية الذي اشار اليه د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص179 والمتضمن اعتبار الأبنة المتزوجة فاعلاً في انتهاك حرمة المسكن ، لانها دخلته رغم ارادة والديها ، اذ ان حقها في المسكن قاصر على منزل الزوجية .

8- ينظر : د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات، ج(1) دار الفكر العربي، القاهرة، بدون سنة طبع ، ص459 ، وينظر كذلك : د. مأمون محمد سلامة ، الاجراءات الجنائية في التشريع الليبي ، ط (1) ، مطبعة دار الكتب ، بيروت ، 1971م ، ص 494 .

9- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص179-180 .

10- وللتفرقة بين الشروط المفترضة في الجريمة والشروط الموضوعية للعقاب ينظر : في عرض الاتجـاه ، د. عبد العظيم مرسي وزير ، الشروط المفترضة في الجريمة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1983م، ص27 وما بعدها .

11- ينظر : د. حامد راشد ، مصدر سابق ، ص 181-182 .

12- ينظر : د. مامون محمد سلامة ، جرائم الموظفين ضد الادارة العامة في ضوء المنهج الغائي ، مجلة القانون والاقتصاد ، العدد الاول ، السنة (39) ، 1969م ، ص157 .

13- تنص المادة (19/2) من قانون العقوبات العراقي على : ” المكلف بخدمة عامة : كل موظف او مستخدم اوعامل انيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها او الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء واعضاء المجالس النيابية والادارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين (السنديكيين) والمصفين والحراس القضائيين واعضاء مجالس ادارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشات التي تساهم الحكومة او احدى دوائرها الرسمية وشبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت ، وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة باجراء بغير اجر ، لا يحول دون تطبيق احكام هذا القانون بحق المكلف بخدمة عامة انتهاء وظيفته او خدمته او عمله متى وقع الفعل الجرمي اثناء توافر صفة من الصفات المبينة في هذه الفقرة فيه” . كما ان بعض التشريعات تنص صراحة على ان يكون الجاني موظفاً عاماً او مستخدماً ، او مكلفاً بخدمة كما اشارت الى ذلك المادة (128) من قانون العقوبات المصري ، وكذلك المادة (181) من قانون العقوبات الاردني.

14- ينظر : د. عبد المهيمن بكر ، القسم الخاص من قانون العقوبات / الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1976م ، ص 35 . هامش رقم (1) .

15- ينظر : د.سليمان محمد الطماوي ، القضاء الاداري ، (قضاء التأديب) بدون مكان نشر،1971، ص99.

16- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، جرائم الموظفين ضد الادارة العامة في ضوء المنهج الغائي، مجلة القانون والاقتصاد ، العدد الاول ، السنة (39) ، 1969م ، ص 158 .

المؤلف : علي احمد عبد الزعبي
الكتاب أو المصدر : حق الخصوصية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .