مبدأ المشروعية

المشروعية ” هي صفة كل ما هو مطابق للقانون”. وهو مبدأ اساس للتصرف الاداري . حيث تتوافر الضمانات الاساس للفرد وحيث لا تستطيع الادارة بموجبه العمل الا طبقا للقانون. وهذا يعني ان تصرفات الاجهزة التي تتكون منها الدولة، وعلى وجه الخصوص الاجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية لا تتمتع بحماية القانون ولن تكون لها اية قيمة، ما لم تكن متوافقة مع قواعده النافذة، حيث ترسم هذه القواعد حدود التصرف الاداري وان اي تجاوز لهذه الحدود من قبل الادارة يضعها في دائرة المساءلة ويعرض تصرفها الىالاخطار، بمعنى اخر فانه ” لا يجوز للادارة ـ والا كانت مخالفة للقانون، ومنتهكة لاحكامه ـ ان تقوم باي عمل قانوني او مادي الا على وفق القانون وبتخويل منه وعلى وفق الاجراءات الشكلية المحددة فيه تحقيقا للأهداف التي يتوخاها”

وما نعنيه ( بالقانون) هو معناه الواسع، وهو بهذا المعنى يشمل اغلب القواعد ” وليس كلها في كل حال” متى ما كانت عامة ومجردة وأيا كان مصدرها دستوريا أو تشريعيا او عرفيا او قضائيا او اداريا . وهذا ما يجعل من مصطلح المشروعية مرادفا للتنظيم القانوني، وان كان بعض الفقهاء لا يقر بالتعريف الواسع للقانون من حيث كونه مصدرا للمشروعية كالفقيه الذي يحدد خضوع الادارة للقوانين الشكلية فقط.

إن خضوع الادارة للقانون قد يدفع الى الاعتقاد بانها لا تتميز بنظام يختلف من هذه الناحية عن الافراد، الذين يخضعون هم ايضا اليه الا ان المراحل التاريخية التي مرت بها الدولة تؤكد ان لا صحة لمثل هذا الاعتقاد فالدولة اولا كانت فوق القانون هذا من ناحية؛ كما ان الحكومة كانت متحللة من اي خضوع للقواعد وهي لم تصل الى مرحلة خضوعها للقانون الا بعد تحويلها من (دولة بوليس) الى (دولة قانون) من ناحية اخرى.. فمبدأ المشروعية لا يعني خضوع الادارة لقواعد خارجة عنها حسب بل هي الى جانب ذلك تخضع لقواعد تضعها هي بنفسها كالانظمة ولمبادئ صادرة عن قاض من عالم الادارة نفسه هو القاضي الاداري، واخيرا فان تدرج القواعد القانونية يولد تدرجا في السلطات العامة التي تختلف من حيث خضوعها لمبدأ المشروعية بعضها عن بعضها الاخر وهذا ما يجعل لكل من هذه السلطات محتوى متميزا من القواعد القانونية التي تخضع لها.

ان مبدا المشروعية لا يعني مجرد خضوع الادارة الى قواعد خارجية بل هو ايضا شكل من القواعد النفسية ـ مثلاـ ان تضع نصب عينيها تحقيق المصلحة العامة ومن البديهي إدراك ان تحقيق هذا الهدف مسألة لا تدخل ضمن القواعد الخارجية المفروضة على الادارة.

مصادر المشروعية

توطئة

مبدأ المشروعية، بوصفه علاقة بين قواعد محددة وبين النشاط الاداري يدفعنا الى ان نتساءل عن مصادر هذه القواعد فهذه المصادر ـ وهي مصادر القانون والمشروعية معا، على اختلاف تدرجاته ـ هي التي ينبع منها ما يلزم الادارة من قواعد وان تجاوزها او تصرف على خلافها بما يعرض العمل الاداري سواء كان قانونيا أم ماديا الى اللامشروعية ثم الى البطلان. وجريا مع المفهوم الواسع للقانون، فان قواعد هذا الاخير قد تنبثق عن مصادر مدونة او غير مدونة كما انها تتدرج فيما بينها من حيث قيمتها وقوتها الامر الذي يعطي مبدأ المشروعية عنصرا جديدا من الفعالية والحركة.

و في ضوء ما سبق ذكره سنتناول موضوع مصادر المشروعية على النحو الآتي: “المصادر المدونة” للمشروعية ثم “مصادرها غير المدونة”.

المبحث الأول : المصادر المدونة

تقع المصادر المدونة في مقدمة مصادر المشروعية، وهي تنحصر في القوانين الدستورية ثم المعاهدات والاتفاقات الدولية، تليها القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة ثم الانظمة التي تصدر عن الادارة بموجب السلطات الممنوحة لها، وهذا ما سنتناوله هنا بالشرح تباعا.

المطلب الاول: الدستور

تاتي القواعد الدستورية في مقدمة مصادر المشروعية وذلك لانها تعد اسمى من جميع القواعد الاخرى التي تخضع لها الادارة. والسبب في انها تنشأ وتنظم السلطات العامة وتحدد دائرة اختصاص كل منها وتبين كيفية ممارسة هذه الاختصاصات، كما انها تقرر حقوق والتزامات الافراد وحرياتهم واخيرا فانها هي التي تضع الاساس الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.

لكل هذا فالادارة لابد وان تخضع بداهة لهذه القواعد والا تعرض تصرفها الى الالغاء، كما لو قامت الادارة بتنفيذ قانون بامر رجعي من دون نص يسوّغ ذلك فقرارها سيكون مستحق الالغاء بسبب النص الدستوري الذي يحرم تبيطق القانون باثر رجعي، ما لم يقرر القانون ذلك بنص خاص.

القيمة القانونية لإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير:

ترتبط بالدستور نصوص اخرى تتطلب منا معرفة قيمتها القانونية كاعلانات الحقوق وما تتضمنه مقدمات الدساتير [الديباجات] من مبادئ عليا. ان مسالة القيمة القانونية لاعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير كانت محل جدل واختلاف كبير بين الفقهاء، اذ لم يكن هناك اتفاق حول ما اذا كانت تلك النصوص تملك قوة النصوص القانونية. ومن ثم فان خرقها من قبل قرار إداري يؤدي الى بطلان هذا الاخير.

وغالبا ما تسجل الدولة، على اثر ثورة وقيام نظام جديد يختلف عن سابقه من حيث الاسس والمبادئ، قيم المجتمع الجديد ونظمه في وثيقة رسمية يتعرف الشعب من خلالها على فلسفة النظام الجديد وما يثبّت له من حقوق وما يفرضه عليه من واجبات، وذلك لربط جسور الثقة والاستقرار بين السلطة الجديدة والشعب، ومع ذلك تظل تلك الوثائق تثير هي الاخرى مسائل تتعلق بقيمتها وقوتها القانونية بين مصادر المشروعية الاخرى.

وعلى كل حال فانه يمكن تلخيص الاراء التي تناولت هذه المسالة كما يلي :ـ

1ـ يرى جانب من الفقه بان لمقدمات الدساتير واعلانات الحقوق قيمة قانونية تسمو على النصوص الدستورية، بوصفها تتضمن الاسس التي تشيد عليها هذه النصوص وبهذا فهي ملزمة للسلطة التأسيسية التي تقوم بوضع الدستور، ومن باب أولى فهي ملزمة للسلطات المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

2ـ بينما يساوي جانب اخر من الفقه بين النصوص الدستورية وبين مقدمات الدساتير واعلانات الحقوق بسبب ورودها عن ذات المنبع الا هو ادارة السلطة التاسيسية.

3ـ ويميز جانب ثالث بين القواعد القانونية التي تحتويها اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير، فالقاعدة الملزمة لسلطات الدولة اذا ما كانت قابلة للتطبيق المباشر وهي ليست كذلك اذا ما اقتصرت على مجرد توجيهات او اتجاهات فلسفية او برنامج عمل يراد ادراكه وتحقيقه.

4ـ ومن الفقهاء من يجرد اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير من اي قوة الزامية وينكر عليها ان تكون لها قيمة قانونية فهي برأيهم لا تبدو ان تكون مجرد امال وطموحات لواضعي الدستور ولا تتضمن سوى مبادئ فلسفية و سياسية اكثر منها قانونية محددة. ومن ثم لا تعد قواعد قانونية منشئة لمراكز قانونية واضحة المعالم، ظاهرة الحدود، ومن ثم لا تكون مقيدة للسلطات التي ينشئها الدستور ولا يكون لها ازاء هذه السلطات سوى قيمة ادبية.

موقف مجلس الدولة الفرنسي:

خضع موقف مجلس الدولة الفرنسي من مسألة القيمة القانونية لاعلانات ومقدمات الدساتير والمبادئ الواردة فيها الى تطوير كبير، حيث لم يعط مجلس الدولة هذه المبادئ في البدء، قيمة النصوص القانونية المكتوبة وان كان يعترف لها بنوع من الالزام بوصفها اما قواعد عرفية غير مكتوبة او مبادئ قانونية عامة. الا ان موقف مجلس الدولة ـ كما يبدوـ قد تغير منذ قضية Candamine في 7 حزيران 1957. حيث اعترف لاول مرة بالقيمة القانونية للنصوص الواردة في اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير. بوصفها مصدرا لقواعد قانونية مكتوبة لها بذاتها قوة الزامية قانونية، ويترتب على مخالفتها من جانب الادارة بطلان ما تصدره من قرارات للمخالفة لها.

ولكنه على الرغم من أنَّ مجلس الدولة قد وصل الى اقرار القيمة القانونية لاعلانات الحقوق و مقدمات الدساتير والزاميتها فقد كان هذا التردد للمجلس السبب الذي دعا بعض فقهاء القانون العام الى تحديد مرتبة هذه النصوص.

المطلب الثاني: المعاهدات والاتفاقات الدولية

تعد المعاهدات ، او بشكل اعم قواعد القانون الدولي ـ من حيث المبداـ ملزمة للادارة ، بشرط ان تكون القواعد الواردة فيها مصادق عليها من السلطة المختصة في الدولة والمنشورة على وفق الاجراءات القانونية، فهي بهذا التصديق والنشر تصبح جزءا من القانون الداخلي للدولة ومن ثم ستلزم السلطة العامة والافراد على احترامها، ومع هذا فقد تواجه القاضي في هذا المجال بعض المشاكل منها ان تتسم المعاهدة او بعض نصوصها بالغموض، الامر الذي يدعو القاضي الى ان يطلب من وزارة الخارجية التفسير وازالة الغموض، ومنها ما يُخرِج تصرف السلطة العامة من رقابة القضاء بوصفه عملا من اعمال الحكومة، اذا ما ادى تطبيق المعاهدة الى ان يضع العلاقات الدولية في حالة نزاع.

ومن حيث مرتبة النصوص الواردة في المعاهدة او الاتفاق الدولي بين مصادر المشروعية الاخرى فهي تختلف بين دولة واخرى ففي بعض الدول كفرنسا مثلا ـ تحتل مرتبة تسمو على الدستور وهذا ما اورده دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946 في مادته السادسة والعشرين وما اكدته المادة الخامسة والخمسين من دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958، حيث اعطت ا لمعاهدات والاتفاقات المصدق عليها، على وفق القانون بدءا من وقت نشرها ـ قوة اعلى من قوة القوانين.

اما في مصر فهي تحتل نفس مرتبة القوانين العادية ودليل ذلك ما نص عليه دستور الجمهورية المصرية سنة 1956 في مادته(134) مااورده الدستور المؤقت المعلن في 25 اذار 1964 في مادته (125) التي تنص على ان” رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الامة مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون، بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للاوضاع المقررة………”، ثم ان دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 يورد ذات المضمون.

المطلب الثالث :التشريعات العادية

التشريع العادي، هو ما تقرره السلطة التشريعية من قوانين، ولهذا فهو يعرف بمعناه الدقيق بأنه” القواعد الصادرة من الهيئات الخاصة بالتشريع وعلى وفق اجراءات التشريع”، فالهيأة التشريعية تتحدد بحكم تخصصها الدستوري في القوانين العامة التي توضح سياسة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

ويأتي تخصص الهيأة التشريعية بوضع القانون، تجسيدا لمبادئ السيادة الشعبية في الدولة الديمقراطية، بوصفها تضم ممثلي الارادة الشعبية، واعمالا لمبدا المشروعية فانه يتعين على السلطات الادارية في الدولة ان تمارس اعمالها طبقا لما تقضي به القوانين والا تعرض تصرفها المخالف لتلك القوانين، للالغاء لعدم مشروعيته، كما ان التشريعات العادية تظل ملزمة للادراة ما لم تلغ او تعدل على وفق ما يحدده ذلك الدستور.

اما من حيث القاعدة القانونية المقررة من قبل الهيأة التشريعية في سلم تدرج القواعد القانونية في الدولة، فانها تأتي في المرتبة الثالثة التي تلي مرتبةالتشريع الدستوري.

ولمعرفة مدى التزام الادارة بالخضوع الى القانون لابد من ان نبين ابتداء بان هناك من القواعد القانونية ما لا يتلاءم وطبيعة عمل الادارة وانه من البديهي ان لا تلتزم هذه الاخيرة بجميع قواعد القانون وانما فقط التي تتفق وطبيعة عملها الامر الذي يجيز لها ان تستبعد كلية بعض القوانين التي لا تتلاءم ونشاطها الاداري، وتعمل على تطبيق قواعد واحكام اخرى مغايرتتماشى وطبيعة هذا النشاط.

غير ان للادارة ان تتخلى ـ اذا ما تطلب ذلك تحقيق المصلحة العامةـ عن وسائل القانون العام. وتلجا في تصرفها الى وسائل القانون الخاص وعندئذ وفي حدود هذا التصرف تتصف بما يتصف به الافراد العاديين . ولما كانت مهمة الادارة او السلطة التنفيذية بصفة عامة تتجسد بادارة المرافق العامة والاشراف على حسب سيرها بهدف اشباع الحاجات العامة، وان هذه المهمة ترسم اطارها العام قواعد التشريع العادي، فانه من الطبيعي ان تخضع وظيفة السلطة التنفيذية لوظيفة السلطة التشريعية فيما تصدره من قرارات تنظيمية او فردية، ومن البديهي فان من يقوم بالتنفيذ ليس له منطقيا ان يخالف ما يقوم بتنفيذه.

وتجدر الاشارة بان التزام السلطة التنفيذية لا يقتصر على مجرد اعمالها المتعلقة بتنفيذ القوانين بل يتجاوزه الى تصرفاتها غير التقليدية ايضا او بما يعرف بقراراتها المستقلة، حيث تتسم بلا مشروعية اذا ما جاءت مخالفة للقانون.

وبمقتضى القاعدة العامة فان اثر القانون ينطبق على الافعال والوقائع التي تحصل بعد نفاذه ولا ينسحب اثره على الماضي ومع هذا فقد ينسحب اثر القانون على افعال ووقائع مضت، بمعنى اخر ان يكون ذا اثر رجوعي بشرط ان يقرر ذلك من قبل المشرع، ذلك ان مبدأ عدم الرجوعية، وان كان من المبادئ المقررة في دساتير الدول الحديثة، الا انه يحتمل بعض الاستثناءات.. غير انه وفي كل حال لا تجوز الرجوعية بالنسبة للقوانين الجزائية والمالية.

المطلب الرابع: القرارات التنظيمية

تقع على الادارة او السلطة التنفيذية بشكل عام مهمة تحقيق الصالح العام واشباع الحاجات العامة، ولكي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها هذه تمارس وسائل واساليب متنوعة ( وهي ما يطلق عليها اعمال الادارة).

ويمكن بشكل عام تقسيم هذه الاعمال على طائفتين : طائفة الاعمال او التصرفات القانونية، وهي التي ينتج عنها اثر قانوني، وطائفة الاعمال التي لا يكون لها مثل هذا الاثر وهي ما يطلق عليها (اعمال الادارة المادية) غير انه من الممكن ان تكون لبعض الاعمال صلة بتصرفات او اعمال قانونية كالاعمال التحضيرية لتصرف قانوني ما او الاعمال المادية السابقة على ابرام عقد من عقود الادارة… الخ.

كما تنقسم الاعمال القانونية بدورها على قسمين: فهي إما ان تنتج مراكز قانونية جراء التقاء ارادتين او اكثر، حيث يأخذ التصرف شكل العقد، او ان يكون انشاء المراكز القانونية او تعديله او الغاؤه صادرا عن الادارة المنفردة للادارة. حيث يأخذ التصرف شكل القرار الاداري الأمر الذي تتجسد فيه امتيازات السلطة العامة.

وتعدالقرارات التنفيذية استنادا لـ( حجية الشئ المقرر به) من العناصر التي لابد ان تضع الادارة في حسابها، احترامها في التصرف الذي تقوم به ويمكننا بشكل عام رد التصرفات القانونية التي تصدر عن الادارة بادارتها المنفردة على طائفتين:

1ـ القرارات الادارية الفردية : وهي القرارات التي تتولد عنها مراكز قانونية فردية كقرار التعيين والفصل ومنح الرخصة او الاجازة… الخ.

2ـ القرارات التنظيمية (الانظمة) : وهي القرارات التي تتضمن قاعدة عامة مجردة ولا يهم في ذلك عدد الذين تنطبق عليهم ما دام القرار قد احتوى على قاعدة عامة موضوعية، تنطبق على اشخاص معينين لاوصافهم لا بذواتهم وتتشابه هذه القرارات من الناحية المادية او الموضوعية مع القواعد التشريعية الامر الذي حدا ببعض الفقهاء لان يطلق عليها مصطلح (التشريعات الفرعية) غير انها تبقى من ناحية مصدرها ( الناحية العضوية والشكلية) عملا اداريا خالصا لا يمكن منحه سلطة مطلقة تجعله بمنجى من التعديل او السحب او الالغاء. ولما كان الاصل في التشريع يعود الى السلطة التشريعية، صاحبة الاختصاص الاصيل، فانه من البديهي عدم تجاوز التشريعات الفرعية (الانظمة) للقواعد الصادرة عن هذه السلطة وذلك اعمالا لمبدا علو القانون.

اما السبب الذي يجعل من القرارات التنفيذية، مصدرا من مصادر المشروعية التي يجب على الادارة احترامها والالتزام بها، في تصرفها فيعود إلى المبادئ الآتية:

أـ مبدأ احترام الحقوق المكتسبة: التي تتولد عن قرار حقوق للأفراد فانه لا يجوز من حيث المبدا سحبها الا استثناءَ َ، كما ان نقضها لابد وان يتم بموجب قانون او نظام، وعلى سبيل المثال فانه لا يمكن لقرار وان صدر من جهة ادارية اعلى ان يلغي قرارا لجهة ادارية ادنى اذا تعلق بهذا الاخير حق مكتسب للافراد كما انه لا يجوز ايضا ان يمس القرار التنظيمي الحقوق المكتسبة بموجب قرار فردي.

ب ـ مبدا التدرج الشكلي للقرارات: في حالة عدم وجود مشكلة تتعلق بحق مكتسب، فان مبدا التدرج الشكلي سيحدد من حيث المبدأ ـ الشروط التي يتم بموجبها احترام القرارات التنفيذية من قبل الادارة. فالرئيس الاداري ـ مثلاـ لا يمكن ان يرتبط بقرارات صادرة من جهة ادارية ادنى منه في السلم غير ان السلطة الادارية الاعلى، وان كانت تملك حق التعديل والالغاء فانها لا تستطيع ان تحل محل السلطة الادارية الادنى في اتخاذ القرار العائد لصلاحية هذه الاخيرة، بموجب قانون او نظام.

جـ ـ مبدأ علو القرارات التنظيمية على القرارات الفردية : على السلطة الادارية التي تصدر القرار التنظيمي ان تضع في حسابها احترامه، عند اصدارها قرارا فرديا فهي وان كانت تملك حق تعديله والغائه فانه ليس لها ان تنتهكه بقرار فردي.

المبحث الثاني: مصادر المشروعية غير المدونة

تشكل القواعد والمبادئ العامة للقانون واحكام القضاء ـ الى جانب المصادر المدونةـ مصدرا من مصادر القانون الاداري. وهي بهذه الصفة تساهم في تكوين قواعد ملزمة للادارة وبمعنى اخر فهي تشكل مصدرا اخر للمشروعية.

المطلب الأول: العرف

العرف بصفة عامة هو عادة درج الناس عليها في تنظيم علاقة من علاقاتهم ان احسو بالزامها اما العرف القانوني فهو ( القواعد التي لم تصدر من السلطة العامة، بل نشأت جراء الاستعمال العام المستمر مع الايمان بوجوب عقاب يتعلق بها).

ويتضح لنا من خلال التعريفات المتعددة للعرف انه يتألف من عنصرين الاول مادي ويتمثل في تكرار التصرف على نهج واحد وبشكل مستمر منتظم اما الثاني فنفسي (معنوي) ويتمثل بشعور اطراف العلاقة التي تنظمها القاعدة العرفية، بالزام هذه القاعدة وان الخروج عليها (لا يستفز الانكار فحسب ويستوجب العقاب).

والقواعد العرفية اما ان تكون خاصة فتعالج المواضيع المتعلقة بمعاملات الافراد بعضهم مع بعض او ان تكون قواعد عرفية دستورية حيث تعالج العلاقات بين سلطات الدولة، او بينها وبين الافراد كما يمكن ان تكون قواعد عرفية ادارية في حالة ما اضطرد سلوك الادارة وبشكل مستمر و منتظم ازاء تنظيم علاقة من العلاقات.

ففي نطاق القانون العام اذن يعد العرف الدستوري والاداري مصدرا من مصادر المشروعية. وهذا يعني ان مخالفة هذه الاعراف من قبل الادارة انما يؤدي الى الغاء تصرفها لعدم مشروعيته على الرغم من أن اقرار هذه المسالة لم يلق اجماع الفقهاء عليها. ومع ذلك فانه لا يوجد هناك شك بان العرف يشكل مصدرا من مصادر القانون.

ان القضاء الاداري في كل من فرنسا ومصر، قد اعترف للعرف في نطاق القانون العام وللعرف في الاداري بوجه خاص بقوته القانونية الملزمة حيث يرى مجلس الدولة الفرنسي ان بامكان تصرف الادارة المستمر (إزاء موضوع معين) ان ينشئ عرفا يلزم الادارة وان مخالفته يعد امرا غير مشروع كما عبرت عن ذلك محكمة القضاء بقولها ” ان المخالفة ليست مقصورة على مخالفة نص في قانون او لائحة بل هي تشمل مخالفة كل قاعدة جرت عليها الادارة والتزمتها واتخذتها منهجا لها “.

وما تجدر ملاحظته ان احترام القواعد العرفية والالتزام بها من قبل الادارة لا يعني باية حال من الاحوال دوام هذه القواعد. واستمرار العمل بموجبها الى الابد، حيث ان القول بابدية هذه القواعد يعني توقف الادارة عن ملاحقة ما تفرزه الظروف المستمدة من متغيرات في مجريات الحياة بشكل عام. الامر الذي سيحول بينها وبين ما تتطلبه هذه المتغيرات من تطور في العمل الاداري.

ولهذا فللادارة ان تغير او تعدل في العرف الذي داومت على اتباعه متى ما تطلبت ذلك مقتضيات تطور العمل الاداري في زيادة كفاءة الاجهزة المكلفة بالتنفيذ. وبالشكل الذي يحقق الوصول لما تفرضه الظروف المستمدة من متغيرات.

ويتم تعديل القاعدة العرفية القائمة لمخالفتها من قبل الادارة بقصد العدول عنها وانشاء قاعدة جديدة تتفق مع التطور الحاصل في العمل الاداري.

والمهم في مسالة تعديل العرف القائم وانشاء عرف جديد هو ثبوت قصد الادارة بالعدول نهائيا وبصفة مطلقة عن العرف القديم ولهذا فان التصرف الذي تقوم به الادارة خلافا للعرف القائم يعد تصرفا معيبا ومخالفا لمبدا المشروعية اذا ثبت انها ماتزال تتمسك بهذا العرف وان خروجها عنه كان بسبب حالة فردية ويعود للقضاء تقرير ما اذا كانت الادارة قد خالفت العرف القائم بنية العدول عنه نهائيا او ان مخالفتها كانت بسبب حالة فردية.

ان تعديل القاعدة العرفية لابد وان يتم بنفس الاسلوب الذي نشات به فلابد من توافر جميع عناصر القاعدة العرفية الجديدة، المادية والمعنوية.

المطلب الثاني : المبادئ العامة للقانون

من المسائل المستقرة في فقه القانون العام ان مبدا المشروعية لا يعني خضوع الادارة للقانون بمعناه الضيق فحسب وانما يعني خضوعها لكل قاعدة قانونية ايا كان مصدرها ومن بين هذه القواعد التي اقر القضاء بان مخالفتها تشكل حالة من حالات المشروعية، المبادئ العامة للقانون.

ويراد بالمبادئ العامة للقانون القواعد القانونية الملزمة للادارة التي لا تجد مصدرها في النصوص المكتوبة والتي يستخلصها القاضي ويكشف عنها بالرجوع الى روح التشريع، وظروف المجتمع السياسية والاجتماعية ومبادئ العدالة والانصاف، وتعد هذه المبادئ في الوقت الحاضر من اهم المصادر غير المدونة لمبدا المشروعية [مفهوم السلطة التقديرية:

لابد من الاشارة ابتداء إلى أن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الادارة خروجا او استثناء على مبدا المشروعية ذلك ان تمتعها بمبدا الاختيار انما تمارس في المجالات التي تركها المشرع بإرادته وادارته التقديرية من دون ان يحددها في هذا المجال بقواعد مقيدة لتصرفها وهو أي المشرع ما فعل ذلك الا لتفهمه المساحة الملاءمة لتحقيق الاهداف التي تتوخاها الادارة من المصالح العامة. وبناء على هذا فالسلطة التقديرية، هي اعمال الادارة لحريتها في ممارسة نشاطها، عندما لا يكون هذا النشاط قد حدد مسبقا من قبل القانون بينما تكون سلطتها مقيدة عندما تفقد حرية الاختيار في حالة ما اذا كان تصرفها محددا سلفا من قبل القانون.

وفي الحقيقة فسلطة الادارة سواء كانت تقديرية ام مقيدة انما ترتبط بتقدير ملاءمة الاجراءات التي تتخذها فمن ناحية، نجد ان لرجل الا دارة حرية اختيار الحل الذي يراه ملائما حيث يعد في هذا ( قاضي الملاءمة ) بينما من ناحية ثانية محددا بالمعنى الذي حدد له مسبقا مهما كان رأيه الشخصي في مسألة الملاءمة.

قد يوحي ما بيناه آنفا، ان تصرفات الادارة اما ان تكون مقيدة بشكل كامل او تقديرية بشكل كامل، وليس هذا صحيحا على الاطلاق، ذلك ان الحالات التي يحدد فيها القانون اختصاص الادارة بالشكل الكامل او الحالات التي تترك فيها حرية الاختيار الكاملة للادارة انما تعد من الحالات المتطرفة وهي قليلة الحدوث في النشاط الاداري. ذلك ان القسم الغالب من تصرفات الادارة وقراراتها تتضمن في جانب منها اختصاصا مقيدا وفي الجانب الاخر سلطة تقديرية. فجانب التقدير في القرار الاداري انما ينصب في الحقيقة على بعض اركانه او واحد منها من دون بقية الاركان، والتي تبقى سلطتها فيها مقيدة .

اذن فالادارة لن تكون وبشكل مطلق في موضع سلطة تقديرية او مطلقة. ويمكننا القول بانه لا توجد سلطة مقيدة خالصة، اذ انه حتى في الحالات التي تكون فيها الادارة مجبرة على اتخاذ القرار فانها تملك بشكل او باخر ما يطلق عليه العلامة ( Hauriou ) أي اختيار اللحظة المناسبة .

ومن الملائم ذكره ان اختيار وقت التنفيذ من قبل الادارة باختلاف القرارات فقد منح اشهر كاملة من اجل اخراج نظام يتعلق بتنفيذ قانون ما اذا كان الموضوع يتصف بالتعقيد . وقد لاتمنح اكثر من يومين في مسالة منح ايصال مؤقت. واذا كان الامر هكذا بالنسبة للسلطة المقيدة، فانه وبالمقابل لا توجد مطلقا سلطة تقديرية مئة بالمئة. فقد اختفت بين احكام القضاء منذ زمن طويل فكرة القرار التقديري الذي لا يخضع لرقابة المشروعية.

لقد خضع مفهوم السلطة التقديرية للادارة لمناقشات فقهية واسعة بصدد حدودها ورقابة القضاء لها . فوفقا للصيغة القديمة فان قاضي الالغاء انما هو قاضي مشروعية لا قاضي ملاءمة . كما يعبر عن هذه الصيغة الاستاذ (g.vedel) بان القاضي الاداري يراقب مشروعية التصرف دون ما يتمتع به من سلطة تقديرية. وهذا يعني ان القاضي الاداري يختص بمراقبة مدى تطابق الادارة مع قواعد المشروعية. دون التعرض ابحث ما اذا كان هذا التصرف ملائما. ذلك ان تقدير ملاءمة التصرف من حيث الظروف والملابسات المحيطة به امر متروك للادارة وحدها، غير ان هذا لا يعني من جانب اخر تحديد سلطة قاضي الالغاء برقابة المشروعية. لكون الملائمة انما ترتبط بسلطة الادارة التقديرية. فقد تخرج مسالة تقدير التصرف من سلطة الادارة التقديرية وتصبح عنصرا من عناصر المشروعية الامر الذي يوسع سلطة القاضي الاداري فيصبح قاضيا للملاءمة دون ان يخرج عن كونه قاضيا للمشروعية بوصف الملائمة قد تشكل عنصرا من عناصر لمشروعية كما في حالة تدخل سلطات الضبط الاداري عندما يرافق التدخل تقييد الحريات العامة.

وتشير احكام مجلس الدولة الكثيرة الى ان القاضي الاول لم يكتف بادعاء الادارة بان قرارها بالتدخل كان ضروريا لحماية النظام العام، وانما يتحقق بنفسه من صحة هذا الادعاء بالتدخل وتحديد مدى ملاءمته لتحقيق الغرض واذا تأكد عدم صحة الاسباب التي ادعتها الادارة او عدم تناسبها لان تكون باعثا للتدخل قضىبابطال قرار الادارة بعدم مشروعيته.

ان تعرض القاضي الاول للملاءمة عندما ترتبط بجوهر القرار الاداري وتشكل عنصرا من عناصر صحته يوسع بالنتيجة مجال السلطة المقيدة على حساب السلطة التقديرية. ان هذا التدخل من قبل القاضي الاداري دفع بعضهم الى القول ما اذا كان مجلس الدولة بتدخله هذا يتصرف كجهة ادارية عليا علما ان تأكيد هذا القول ينفي ان تكون هناك سلطة تقديرية للادارة.

وفي الحقيقة فان توسع سلطة قضاء الالغاء لا تنهي مفهوم السلطة التقديرية لما لهذه السلطة من اهمية بالغة في طبيعة التصرف الاداري وما يخضع لها من قواعد امرة تبين اوجه هذا التصرف من ناحية، وما تفرضه عليه ظروف الحالات التي يتعامل معها من ناحية ثانية، فضلا عن رقابة القاضي الاداري لملاءمة القرار الاداري تنحصر في الحالة التي تشكل فيها هذه الملاءمة عنصرا جوهريا في عناصر صحة القرار، اي انها لا تتجاوز حد( الملاءمة ) التي تركها المشرع لتقدير الادارة حيث تتجلى سلطتها التقديرية.

ولما كانت صحة او مشروعية القرار الاداري تستنتج من مشروعية اركانه المكونة له؛ نرى لزاما علينا التعرف إلى هذه الاركان من ناحية ما تتمتع ازاءها الادارة من سلطة مقيدة كانت ام تقديرية .

تكييف سلطة الادارة من خلال قرارها:

يكون القرار الاداري صحيحا بقيامه على مجموعة من الاركان؛ منها ما يتعلق بمظهره الخارجي ومنها ما يتعلق بمحتواه الداخلي

أـ الاركان الخارجية:

يشكل ركن الاختصاص وركن الشكل مظهر القرار الخارجي وهما يتعلقان بكيفية ممارسة السلطة ولا يتصرفها (يمارسها) الا جوهريا. كما انهما وكما يقول الدكتور عصام عبد الوهاب البرزنجي لا يمكن ان تكون لهما اي علاقة بفكرتي السلطة التقديرية والسلة المقيدة، ففيما يتعلق بركن الاختصاص فهو محدد بموجب القواعد القانونية المنظمة للنشاط الاداري، سواء اكتفت هذه القواعد بتحديد الشخص الاداري دون تحديد الشروط المتعلقة ببقية الاركان او تحدد فضلا عن الشخص الاداري المختص بعض اركان القرار الذي يتخذه . وفي الحالتين لا نكون امام سلطة تقديرية او مقيدة.. ذلك ان صدور القرار من غير الشخص الذي حددته القواعد القانونية يشكل انتهاكا لقاعدة الاختصاص.

ولا يختلف الامر بالنسبة لركن الشكل ذلك انه لا يعدو ان يكون المظهر الخارجي لادارة السلطة الادارية بغض النظرعن موضوع هذه الادارة سواء كانت هذه الادارة تقديرية او مقيدة واذا ما تسامح القضاء الاداري بان تخرج الادارة احيانا عن قواعد الشكل فان ذلك لن يكون اعترافا منه للادارة باي مجال للتقدير بالنسبة لعنصر الشكل في القرار الاداري . ولكن لاسباب اخرى كالتمييز بين الاشكال الجوهرية وغير الجوهرية والتمييز بين ان تكون قواعد الشكل مقررة لمصلحة الادارة او لمصلحة الادارة والافراد.

ب ـ الاركان الداخلية:

يكون السبب والمحل والغرض اركان القرار الداخلية وهي جوهر القرار ومضمونه: والسبب في القرار يتمثل بمجموعة العوامل القانونية او الواقعية او كليهما الأمر الذي يعتمد في ذهن رجل الادارة وتدفعه الى اتخاذ القرار فهي الباعث على اتخاذ القرار ذلك انه لابد لرجل الادارة ان يقيم قراره اما على واقعة عملية او قاعدة قانونية كانت هي السبب الذي حثه على اتخاذ قراره.

اما المحل فهو مادة القرار وجوهره والاثر المباشر له ذلك ان القرار يتجه مباشرة الى احداث مركز قانوني . فهو اما ان ينشئ مركزا قانونيا جديدا او يعدل او يلغي مركزا قانونيا قائما . ومن البديهي فان هذا الاثر هو ما اقره القانون والا كان القرار باطلا.

واخيرا فالغرض هو النتيجة النهائية من القرار ولما كانت الادارة تسعى في جميع تصرفاتها الى تحقيق المصلحة العامة فلابد ان يكون الغرض من القرار تحقيق هذه المصلحة . في هذه الاركان تتجلى حقيقة ما اذا كانت الادارة تتمتع بسلطة تقديرية او انها مقيدة الاختصاص.

فبالنسبة لركن السبب تكون الادارة مقيدة اذا ما حدد القانون بواعث اتخاذ القرار بشكل لا يترك فيه للادارة أي حرية التقدير. وتكون تقديرية في حالة ما اذا ترك لها حرية اختيار السبب الذي تقيم قرارها عليه وفي الحقيقة فانه يجب التمييز بين عناصر السبب القانونية والواقعية. وذلك لانه من الصعب ان نتصور وجود سلطة التقدير في عناصر السبب القانونية فهي اما ان تكون موجودة فيلتزم بها رجل الادارة واما غير موجودة اصلا فتنتفي امكانية اقامة القرار استنادا اليها، اما بالنسبة للعناصر الواقعية فقد يترك المشرع حرية تقديرها لرجل الادارة وهي لا تخضع من حيث الاصل لرقابة القضاء سواء فيما يتعلق بالتحقيق من صحة وجودها.

اما موضع سلطة الادارة في المحل فهي مقيدة اذا ما حددت القواعد القانونية والمركز القانوني الذي يجب ان يستهدف تحقيقه القرار حيث لا يوجد في هذه الحالة مجال للتقدير. ويعد قرارها مشوبا بعيب مخالفة القانون اذ لم يتطابق محله مع القواعد القانونية اما اذا ترك المشرع للادارة حرية اختيار المركز القانوني الذي ينصب عليه قرارها فانها اذن تتمتع بسلطة تقديرية تستطيع بموجبها اختيار المحل المناسب بتخويل من القانون. والجدير بالملاحظة ان موضوع السلطة مقيدة كانت ام تقديرية تتجلى بشكل واضح عندما تتعلق بركني السبب والمحل معا. فقد يتولى القانون تحديد بواعث اتخاذ القرار ومحله كما في حالة ما اذا توافرت شروط مقيدة ينتج عنها قانوني معين ومثال ذلك منح رخصة الصيد في فرنسا، فهي تمنح لطالبها متى توافرت الشروط المطلوبة لهذا المنح. ومن الطبيعي فان سلطة الادارة في هذه الحالة سلطة مقيدة كما يحدث ان يترك القانون للادارة حرية اعمال في اختيار سبب القرار ومحله ففي حالة تدخل سلطات الضبط الاداري لحفظ النظام مثلا قد يترك المشرع لهذه السلطات حرية تقدير اهمية الوقائع التي تبرر التدخل ويترك لها حرية اختيار الوسائل الكفيلة باعادة النظام العام الى نصابه ولا ريب ان الادارة في هذه الحالة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة.

واخيرا وبالنسبة لركن الغرض والذي يعد الغاية النهائية التي يسعى القرار الاداري لتحقيقها فالادارة وكما هو ثابت تسعى في جميع اعمالها الى تحقيق هدف واحد، وهو المصلحة العامة. فهي اذن بما تتمتع به من سلطات محددة بتحقيق هذا الهدف بمعنى اخر، تمثل المصلحة العامةالمصب الذي يجب ان تنتهي اليه كل قنوات التصرف الاداري. ومن اهمها بطبيعة الحال القرار الاداري فاذا ما حادت عن هذه الغاية الى غاية اخرى لاتعد من المصلحة العامة، تكون قد انحرفت بالسلطة. ان قيد عدم الانحراف بالسلطة عن هدف المصلحة العامة يعطي القضاء قوة رقابية تستطيع معها الحد مما تتمتع به الادارة من سلطة تقديرية. وفي ذلك تقول المحكمة الادارية العليا في جمهورية مصر العربية ان الرقابة القضائية ليست حقيقة على قدر واحد بالنسبة لجميع التصرفات الادارية بحسب المجال الذي تتصرف فيه ومدى ما تتمتع به من حرية وتقدير في التصرف. وهي تضييق حقيقة في مجال السلطة التقديرية حيث لا يلزم القانون الادارة بنص يحد من سلطتها او تقييد من حريتها في وسيلة التصرف والتقدير. الا ان الرقابة القضائية موجودة دائما على جميع التصرفات الادارية لا تختلف في طبيعتها وان تفاوتت فقط في مداها وهي تتمثل في هذا المجال التقديري في التحقق من ان التصرف محل الطعن يستند الى سبب موجود ماديا وصحيح قانونيا وان يصدر مستهدفا الصالح العام.

قد يبدو ان قيد عدم الانحراف عن هدف تحقيق الصالح العام يجعل من سلطة الادارة فيما يتعلق بركن الغرض سلطة مقيدة. غير ان الامر ليس كذلك حيث يتعين عدم الخلط بين فكرة الاختصاص المقيد وبين ضرورة تقييد الادارة بفكرة المصلحة العامة كهدف لقراراتها. فاذا ما حدد القانون هدفا معينا من اهداف المصلحة العامة تفقد الادارة سلطتها بالاختيار وتكون مقيدة بالهدف الذي حدده القانون وماعدا ذلك فللادارة حرية اختيارالهدف الذي ترتأيه من الاطار العام للمصلحة العامة وهي بذلك تمللك سلطة تقديرية في هذا المجال.

المبحث الثاني : نظرية الظروف الاستثنائية

اعمالا بمبدا الشروعية فانه يتعين على الادارة الالتزام بالقانون في اي وقت وايا كانت الظروف.. بيد ان هذا المفهوم ان كان صالحا في ظل ظروف وازمة اعتيادية فانه لا يصلح للتطبيق في ظل ظروف ازمة غير اعتيادية وقد يترتب على الاصرار على تطبيقه استفحال الازمة بما يؤدي الى انهيار الدولة او على الاقل تعريض سلامتها لمخاطر شديدة.

فقد يتعرض اي مجتمع من المجتمعات في بعض الاحيان حالات طارئة غير اعتيادية كالحرب وكوارث طبيعية وانتشار اوبئة….. الخ تهدد كيان المجتمع وتعرض تنظيمه السياسي لاخطار كبيرة . في مثل هذه الظروف الاستثنائية لابد وان توسع الادارة من اختصاصات عملها حتى وان خرجت هذه الاختصاصات الجديدة عن الضوابط المقررة في القوانين القائمة لان هذه القوانين لن تسعف الادارة في مواجهة تلك الظروف التي تقتضي سرعة التصرف حفاظا على سلامة البلاد ودرءا للاخطار عنها .

لذلك كان لابد من ان يتوسع مبدا المشروعية ليشمل هذا الجانب الاستثنائي وبالشكل الذي يمكن الادارة من التصرف بقدر من الحرية ومنحها بعض السلطات الخاصة على النحو الذي قد يتعارض مع قواعد المشروعية العادية الاستثنائية ولكنه لا يحيد عن كون مبدأ سلامة الشعب هي القانون الاعلى الذي يجب ان يسمو على القوانين الوضعية.

ومن اجل الحفاظ على مفهوم الدولة القانونية الذي كان حصيلته مبدا المشروعية، جاهد الفقه من اجل تشييد نظرية عامة تحتوي فكرة المشروعية الاستثنائية او مايطلق عليها مشروعية الازمات وذلك لكي يكون اساسا قانونيا لكل خروج عن الحدود التي تضعها القوانين الوضعية القائمة. وقد كان للقضاء الاداري في فرنسا على وجه الخصوص دور بارز في تشييد هذه النظرية في نطاق القانون العام وذلك بوضع الضوابط الدقيقة التي تنظم وتحدد هذا الخروج” الخروج على القوانين” من جانب الادارة وتكفل في الوقت نفسه رقابة فعالة قادرة على حصر هذا الخروج داخل هذه الضوابط وتلك الحدود، كل ذلك في اطار موازنة دقيقة بين اعتبارات المحافظة على حقوق الافراد وحرياتهم وبين سلامة الدولة ودرء ما يهددها من مخاطر.

لقد تبنى المشرع في عدة دول بعض تطبيقات هذه النظرية ونظمها في قواعد محددة سلفا تمكن الجهات المعينة من مواجهة الظروف الاستثنائية او بعضها بالطرق والاساليب وفي الحدود التي ينص عليها اما بالقواعد القانونية او في النصوص الدستورية.

ان هذه النصوص الدستورية او التشريعية تخول الادارة سلطات عدة مميزة، اهمها اصدار انظمة الضرورة وهي قرارات ادارية لها قوة معينة علاوة على بعض الاختصاصات الاخرى التي تحمل اساسا الطابع الفردي او التنفيذي.

ولا شك ان دراسة نظرية الظروف الاستثنائية تفترض بالاساس قيام دولة قانونية، ولذلك فان سلطة اتخاذ القرارات التنظيمية او الفردية لمعالجة الظروف الاستثنائية لا تعد حقا خالصا للادارة، بل ان اختصاصها في ذلك مقيد بوجوب تحقيق شروط معينة فهي اذن لا تستطيع ممارسة هذه الاختصاصات الا حين توافر هذه الشروط التي تسوغ هذه الممارسة وهذا يعني خضوع تصرفات الادارة في ظل الظروف الاستثنائية للرقابة. ذلك ان نظرية الظروف الاستثنائية قد تعرض حقوق وحريات الافراد الى مخاطر جسيمة ولذا لا يعقل ان يترك للادارة تقدير قيام شروط الظروف الاستثنائية بادارتها ومتى ماشاءت ذلك كما ان القضاء يلعب دورا كبيرا في مراقبة الشروط وفي نتائج تطبيق النظرية.

المبحث الثالث : نظرية اعمال الحكومة

اعمال الحكومة هي تلك الطائفة من اعمال السلطات الادارية والتي لا يمكن ان تكون محلا للطعن بها امام المحاكم الادارية والعادلة ويبدو من هذا التعريف ان نظرية اعمال الحكومة تختلف جذريا عن نظريتي السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية ذلك لانها تمنح قرارات حصانة اتجاه رقابة القضاء بينما لاتعمل نظريتا السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية سوى توسع في سلطات الادارة.

واذا كان جانب من الفقه في هذه النظرية خروجا صريحا عن مبدا المشروعية او استثناءا عليها بسبب تحصينها لقسم من قرارات السلطة الادارية ازاء أي طعن قضائي مما يجرد الافراد من اهم ضمانة تلتزم الادارة عند حدودها التي رسمها لها القانون والمتمثلة برقابة القضاء فانها ووفق راي القسم الاغلب ونحن معهم في هذا لاتعد كذلك فهي تبقى تجسد حقيقة قانوننية اراد لها المشرع ان تكون في مامن من الرقابة القضائية.

مصدر النظرية:

نظرية اعمال الحكومة نظرية من خلق القضاء ، حيث يعود الفضل للقضاء الاداري الفرنسي في تحديد القررات التي تعد من اعمال الحكومة ولا تخضع من ثم لرقابة القضاء سواء كانت هذه الرقابة رقابة الغاء او رقابة مسؤولية.

وفي الحقيقة فان ظهور هذه النظرية يرتبط بنشأة وتطور مجلس الدولة في فرنسا ومن البديهي فانه من غير الممكن ظهور اعمال الحكومة في مرحلة الاختصاص المحجوز الذي مر بها المجلس وذلك لان قرارات المجلس كانت في هذه المرحلة خاضعة لرئيس الدولة الذي يملك اقرارها واعطائها صفتها التنفيذية النهائية او طرحها جانبا وانطلاقا من ذلك فانه من الصعب تصور حالة السلطة التنفيذية لان يقرر مجلس الدولة حماية بعض اعمالها وهي التي تمتلك الكلمة الاخيرة في موضوع قراراته.

لقد بدأت هذه النظرية في الظهور بعد سقوط (نابليون) وعودة الملكية ثانية حيث خشى مجلس الدولة من ان تحله الملكية بوصفه ثمرة من ثمرات غريمها الامبراطور السابق ، فكان ان عمل على تحسين قسم من اعمال السلطة التنفيذية من مراقبة القضاء لمشروعيتها حفاظا على وجوده وبقائه.

ونتيجة لما حظي به المجلس في ظل الامبراطور الثاني من ثقة الحكومة ودعمها حيث قرر له المشرع سلطة القضاء المفوض بموجب قانون 24 مايس 1872 التي اصبح بموجبها يملك القانون سلطة البت النهائي وبان قراراته تتمتع بقوه تنفيذية ذاتية كان طبيعيأ ان يقابل هذه الثقة والدعم بمثلها فعمل على استمرار العمل باقرار نظرية السيادة من اجل حصانة جانب من اعمال السلطه التنفيذيه.

الى جانب مايوْكد مصدر نظرية اعمال الحكومة نجد نصآ تشريعيأ يمكن عده مصدرأ لها او على الاقل تآكيدا لوجودها , ذلك هو نص الماده(26)من قانون 24 مايس 1872 ووفقأ له انه يحق للوزراء الطلب الى محكمة التنازع جعل القضايا التي تخرج عن اختصاص المحاكم الاداريه في مسؤوليتها.

1. معيار تمييز اعمال الحكومة:

وبموجب هذا المعيار يعد عملا من اعمال الحكومة متى ما كان الباعث لهذا العمل سياسيا ، ذلك ان هناك من القرارات ما تتعلق بالسياسة العليا للدولة وهي لهذا السبب لن تكون محلا للطعن بالالغاء او التعويض امام القضاء وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنسي برفضه النظر في طعون ضد قرارات صادرة عن السلطة التنفيذية بحجة ان وراء هذه القرارات باعثا سياسيا.

ولاشك ان اعتماد هذا المعيار في تمييز اعمال الحكومة عن غيرها من الاعمال يوسع من نطاق دائرة القرارات التي لا تخضع لرقابة القضاء وهو بهذا يؤدي الى تضييق سلطة القضاء في رقابته على اعمال السلطة التنفيذية وفقا لما يقتضيه مبدأ المشروعية . ذلك انه يكفي السلطة التنفيذية التذرع بأن الباعث لاتخاذ قرارها سياسيا كي تحصنه من اي طعن قضائي . وبهذا التذرع يمكن ان يكون أي قرار اداري عملا من اعمال الحكومة.

ونظرا لخطورة هذا المعيار بما يتضمنه من تحديد السلطة القضائية في رقابته بمشروعية قرارات السلطات الادارية الامر الذي يحرم الافراد الضمانة الاساسية والتي بواسطتها يستطيعون الدفاع عن نظرياتهم وحقوقهم اذا ما تضررت جراء قرارات ادارية تخلي مجلس الدولة الفرنسي عن معيار الباعث السياسي وقد تأكد هذا في نهاية القرن التاسع عشر من خلال أحكامه وبالذات حكمه بقضية الامير نابليون (نابليون في 19 شباط 1875)

وكما ان محكمة التنازع وفي قرار عام 1880 قد اكدت عدم الاعتداء بمعيار الباعث السياسي غير كاف لابعاد القرارات الادارية عن رقابة القضاء.

2ـ معيار تطبيق طبيعة العمل الموضوعية:

بعد ان تخلى مجلس الدولة عن اعتماد معيار الباعث السياسي لجا الى معيار الشكل كما يرى الاستاذvedel خروجا غير مالوف للقضاء في مسألة رقابة الاعمال الادارية وكذلك الامر بالنسبة لمحكمة التنازع فمجلس الدولة يعلن مثلا بالنسبة الى قرار لا يقبل اللبس بانه اداري” لايمكن ان يكون بسبب من طبيعته محلا لاي طعن قضائي” وان قرارا اداريا يكون في منأى عن أي رقابة قضائية بسبب طبيعته.

ان هذا الاتجاه يؤشر الى ان القضاء لم يعد يعول على الهدف الذي يسعى القرار الى تحقيقه وانما على طبيعة العمل الصادر عن السلطة التنفيذية وما اذا كان هذا بطبيعته حكوميا ام اداريا.

اذن فان معيار طبيعة العمل يلتصق بموضوع القرار الذي تتخذه السلطة التنفيذية فهو مجرد قرار اداري خاضع لرقابة القضاء في حالة ما اذا اصدرته بوصفها سلطة ادارية وهو عمل من اعمال الحكومة واذا اتصفت عند اصداره بانها حكومة.

ولما كان كلا القرارين الحكومي او الاداري انما يصدران عن السلطة نفسها الا وهي السلطة التنفيذية فانه ينبغي معرفة الضوابط التي من خلالها نستطيع ان نتبين ما اذا كنا امام قرار حكومي ومن ثم يخرج عن رقابة قضائية او امام قرار اداري اعتيادي يخضع ـ اعمالا بمبدأ المشروعية ـ لرقابة القضاء خاصة وان السلطة التنفيذية وهي تتخذ عملا من اعمالها ولا تعلن مقدما انها بصدد اداء وظيفتها الحكومية او انها بصدد اداء وظيفتها الادارية في محاولة تمييز العمل الحكومي من العمل الاداري اورد الفقه ضوابط متعددة منها ماذهب اليه(laferriere) بان وظيفة الادارة تنحصر في التطبيق اليومي للقوانين وتنظيم علاقات الافراد بالادارة المركزية او المحلية وعلاقات الهيئات الادارية بعضها بالبعض الاخر اما الوظيفة الحكومية فيقصد بها المحافظة على كيان الجماعة، السير على احترام دستورها وتنظيم سير سلطاتها العامة والاشراف على علاقاتها مع الدول الاجنبية وعلى امنها الداخلي . بينما يرى(houriou) بان المهمة الحكومية تنحصر في وضع الحلول للامور الاستثنائية والسهر على تحقيق مصالح الدولة الرئيسة اما الوظيفة الادارية فتتركز في تسيير المصالح الخارجية للجمهور.

ويبدو ان القضاء الاداري لم ياخذ بهذا المعيار سوى فترة قصيرة بسبب جملة من الانتقادات التي وجهت اليه. منها انه غامض وغير محدد كما انه يؤدي الى العودة لفكرة الباعث السياسي واخيرا فانه من الصعب التمييز بين العمل الحكومي والعمل الاداري . فكلاهما يصدران عن سلطة واحدة وأحيانا عن شرف واحد.

3ـ معيار العمل المختلط:

نتيجة لفشل طبيعة العمل الموضوعية في التمييز ما يعد عملا حكوميا او اداريا، اتجه الفقه للبحث عن معيار اخر للتمييز بين هذه الاعمال.

ويقوم هذا المعيار الذي اقامه مفوض الدولة(سيلييهcelier) على ان (اعمال الحكومة) هي تلك الاعمال التي تصدر عن السلطة التنفيذية بخصوص علاقتها بسلطة اخرى، كالسلطة التشريعية او سلطة دولة أخرى.

فالاعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية في دائرة علاقتها بالسلطة التشريعية كدعوة البرلمان للانعقاد او قرار وقف اعمال المجلس او حله. وكذلك القرارات المتعلقة بتقسيم المناطق الانتخابية والدعوة الى اجراء انتخابات تعد اعمالا مختلفة. وكذلك الامر فيما يتعلق بالاعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية بشأن سلطة اجنبية كاعلان الحرب او عقد صلح، او الاعتراف بدولة….الخ.

اما سبب اعتبار هذه الاعمال المختلفة(اعمال الحكومة) ومن ثم تخرج عن رقابة القضاء فتعود الى صفة القاضي. فالقاضي الاداري هو قاضي السلطة التنفيذية ولما كانت السلطة التشريعية لا تخضع بحسب الاصل الى رقابته لذلك فان اي قرار صادر عن السلطة التنفيذية ويمتد اثره الى سلطة التشريع هو ايضا عن رقابة القضاء. كذلك يتصف القاضي الاداري بانه قاضي وطني لا دولي وانه من غير المعقول ان تمتد رقابته لتشمل سلطة الدولة . وعلى هذا فان القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بصدد علاقاتها مع سلطة اجنبية لا تكون هي الاخرى محلا للطعن امام القضاء.

واذا كان هذا المعيار قد حظي بتأييد جانب من الفقه فهو قد ظل حسب راي جانب اخر قاصرا عن الاحاطة بكافة اعمال السيادة كما انه يصلح لتبرير إخراج بعض اعمال الحكومة عن رقابة القضاء لها دون بعضها الاخر.

لقد حاول الفقه نتيجة لعدم صمود المعايير السابقة وفشلها في تحديد اعمال الحكومة الى ايجاد صيغة لتحديد هذه الاعمال انطلاقا من مفهوم تجريبي خالص ويظهر ان القضاء الاداري في الوقت الحاضر قد تبين هذه الصيغة ومن هذه الصيغة لا تعد عملا من اعمال الحكومة سوى تلك التي يقررها قضاء مجلس الدولة محكمة التنازع واذن فان القرارات التي تخرج عن رقابة القضاء هي” تلك القرارات الواردة في قاعة توضع بالاعتماد على قضاء مجلس الدولة ومحكمة التنازع”.

4ـ القائمة القضائية لاعمال الحكومة:

لاشك ان ورود اعمال الحكومة ضمن قاعدة يخفف الى حد كبير من مهمة القاضي وهو بصدد ممارسة رقابته لاعمال السلطة التنفيذية . كما ان استقراء الفقهاء للاحكام القضائية وبخاصة احكام مجلس الدولة ومحكمة التنازع وادراجها ضمن قائمة، خفف عنهم مهمتهم في البحث عن معيار اعمال الحكومة. ان ما تتميز به القائمة القضائية لاعمال الحكومة وهو ان تحديد مفرداتها يتم من قبل القضاء نفسه” بحسب مايراه من الاعتبارات والظروف المحيطة به. فهذا يسمح له بتطوير قضائه في هذا الشأن ” وان كان في هذا برأي البعض ما يشكل عيبا باعتبار ان ترك مهمة تحديد ما يعد من اعمال الحكومة ومن ثم تحصينه من الرقابة القضائية للقضاء نفسه سيؤدي الى تحكم هذا الاخير في مسالة تحصين أي عمل او قرار اداري من رقابته غير ان الامر ليس على هذا الشكل، اذا ماعلمنا من مفردات القائمة القضائية في فرنسا مثلا سائرة نحو ان تضيق شيئا فشيئا. ونجد القائمة القضائية في الوقت الحاضر مجالين واسعين للتطبيق في المجال الاول نجد قرارات السلطة التنفيذية في علاقاتها مع السلطة التشريعية بينما نجد في المجال الثاني قرارات السلطة التنفيذية المتعلقة بعلاقاتها الدولية.

1 المجال الاول: الاعمال المتعلقة بالسلطة التشريعية:

من هذه الاعمال القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية والخاصة بتشكيل البرلمان وتلك التي تتعلق بدعوة الناخبين…. الخ اخره من هذه القرارات المتصلة بالسلطة التشريعية . وقد أكدت احكام كثيرة لمجلس الدولة على عدم إخضاع هذه القرارات لرقابته باعتبارها من اعمال الحكومة. ومن هذه الاحكام حكمة المتعلقة بالقرارات الصادرة عن الحكومة في مسالة مشاركتها البرلمان في مهمة اعداد مشاريع القوانين او اقتراحها وأحكامه المتعلقة بقرار حذف اعتماد مالي للبرلمان . واخيرا أحكامه المتعلقة بموضوع قرارات تصديق القوانين .

2ـ المجال الثاني: الاعمال المتعلقة بالعلاقات الخارجية:

يبدو ان هذا المجال من اهم مجالات تطبيق فكرة اعمال الحكومة كما ان اكثرها تعقيدا لما يثيره من مشاكل دقيقة وخاصة تلك التعلقة باحراءات تنفيذ الحكومة لتعهداتها الدولية.

ويحتوي هذا المجال على القرارات التالية:

أـ القرارات المتعلقة باجراءات إعداد او نقض المعاهدات الدولية بشكل عام كافة القرارات التي تضمن موضوع علاقة مباشرة دولة بدولة.

ب ـ قرارات ممثلي الدولة في ممارستهم لمهماتهم الدبلوماسية.

ج ـ القرارات المتعلقة بالدعاوي المرفوعة امام القضاء الدولي.

وبالنسبة للاعمال المتعلقة بالحرب فان بعض الفقهاء كالاستاذ De Laubadere يدرجها في مجال السلطة التنفيذية بخصوص ارتباطاتها الدولية بينما يفرز لها البعض الاخر مجالا خاصا بها.

3-المحال الثالث: القرارات والافعال المتعلقة بالحرب:

لقد رفض القضاء الاداري النظر في الطعون الموجهة الى القرارات والافعال التي تتخذها الحكومة بسبب ظرف الحرب . ويبرر هذا الاتجاه بان المشرع قد تدخل لضمان الايراد في حقهم بالتعويض عن الاضرار المادية والشخصية الناشئة عن الحرب . واذا ما حدث وان التشريع الخاص عقده المسالة قد اهمل ولم يؤخذ به فان هذا يعني ان المشرع قد رفض الحق بالتعويض وهكذا فان عدم خضوع القرارات والافعال المتعلقة بالحرب يعود لا لنظرية( اعمال الحكومة وانما لارادة المشرع الضمانة).

واخيرا فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بالنظر الداخلي او بالاحرى القرارات المتعلقة بسلامة الدولة وامنها الداخلي فقد تعرضت بخصوص اعتبارها او عدم اعتبارها لهجوم كبير من مثل جانب كبير من الفقه الفرنسي فيرى العلاقة انها لا يمكن ان تكون بمناى عن رقابة القضاء.

تقدير نظرية اعمال الدولة:

تظهر احكام القضاء الاداري المتعلقة باعمال الحكومة موظفا قابلا للجدل والنقاش وخصوصا في قدرة هذه الاحكام على تفسير وتنظيم القواعد التي تنشاها هذه الاحكام. ان قائمة اعمال الحكومة بناء على راي يدعمه الكثير من الفقهاء لا يمكن تفسيرها من قبل احكام القضاء فهي مجرد تقليد او بقية من فكرة( دواعي المصلحة العامة).

ومنذ عقدين من السنين والمحاولات مستمرة للبحث عن تفسير قانوني للنظام القضائي المتعلق باعمال الحكومة وقد انطلقت هذه المحاولات في اتجاهين:

أـ يتجه بعضها في تفسير عدم خضوع اعمال الحكومة لرقابة القضاء . باعتبارها جاءت تطبيقا لقواعد اكثر عمومية . قواعد الاختصاص القضائي وبما ان هذه القواعد تشكل خليط غير متناسق فانه لا يوجد ما يبرر اعتبارها مجموعة متجانسة وان ضمنتها قائمة واحدة . وهذا ما حدا ب(virally) إلى إنكار ما يصطلح عليه (أعمال الحكومة).

ب ـ ويتجه بعضها الاخر الى عكس ذلك فهم يؤكدون وجود هذه الطائفة من الاعمال ( اعمال الحكومة) ذلك انها من متطلبات الوظيفة الحكومية . ولما كانت هذه الوظيفة متميزة عن الوظيفة الادارية فان ذلك يستتبع عن خضوع القرارات المتعلقة بها لرقابة القضاء الإداري ومن باب أولى القضاء العادي ان الاتجاه الرافض لنظرية اعمال الحكومة يمكن ان يفسر الكثير من حالات عدم خضوع قرارات او أفعال صادرة عن السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وخاصة المتعلقة منها بالعلاقات الدولية . اما فيما يتعلق بالاتجاه المتمسك بنظرية أعمال الحكومة انطلاقا من مبدأ الفصل بين الوظيفه الحكوميه والوظيفه الاداريه وبان اعمال الحكومه هي تلك التي تتصل بالوظيفه الحكوميه دون الاداريه فانه يصطدم بصعوبة إيجاد معيار للتمييز بين هاتين الوظيفتين وقيمة هذه الصعوبه في الفصل بين المهمه الحكوميه والمهمه الاداريه . ويرى بعض الفقهاْْء إن أعمال الحكومة ترتبط بالوظائف الخاصه للدوله وان عدم خظوع هذه الأعمال للرقابة القضائيه إنما يفسر بأسباب سياسيه أكثر منها قانونية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت