لا ينكر ما لاشتراط الشكل في الوقت الحاضر من دور فاعل متسم بقدر كبير من الأهمية، فالشكل يعد أمراً ضرورياً أو مطلوباً لتيسير العلاقات العقدية وتبسيطها، ويبدو هذا الدور على نحو بارز في نطاق المعاملات التجارية لأنه يتمثل في التوفيق بين التبسيط والسرعة الضرورين لها(1). والحقيقة ان من شأن إجراء التعامل بطريق الأوراق والسندات التجارية ان يؤدي إلى تسهيل المعاملات التجارية وتبسيطها، فهذا التعامل يرد على تصرفات شكلية(2)، وتكون الأوراق التجارية بل والسندات التجارية في الغالب مطبوعة سلفاً بحيث لا تحتاج إلا إلى التوقيع عليها بعد ملء الفراغات الموجودة ببيانات معينة. ويظهر هذا الدور للشكل أيضاً في النماذج التي يفرض المشرع على الأفراد اتباعها في بعض العقود، ومثال ذلك في التشريع الفرنسي المرسوم الصار برقم 509-78 في24/1/1978 تطبيقاً للقانون الصادر في 10/1/1978 المتعلق بالإعلام وحماية المستهلكين في مجال الإتقان للاستهلاك والقاضي بأن جميع الإيجابات المعدة سلفاً لن تصبح بقبول المرسل إليه عقود الائتمان للاستهلاك وإنما يجب ان تحرر وفقاً لأحد النماذج التسعة، كنموذج التعويض الشخصي، او الحساب المكشوف، أو البيع في صورة إيجار. وقد اقتضت الضرورات التجارية بل أفضت إلى التبسيط والسرعة بغية معالجة إساءات الاستعمال التي افرزها التحرير الأحادي الجانب للمطبوعات، وإلى شكلية حمائية(3).

ويجدر بالذكر بعد هذا أن اشتراط الشكل في بعض التصرفات من شأنه ان يكفل حماية مصلحة معينة، فاشتراط الرسمية، مثلاً، في عقد الرهن تؤدي إلى تدعيم الائتمان العام(4) الذي يجتذبه اشتمال الكتابة الرسمية على بيانات كاملة وموثقة عن العقد ومحل الرهن، وهذا امر لا بد ان يقلل كثيراً من المنازعات التي يمكن ان تثار في شأنه مستقبلاً، ومن ثم يشجع على الثقة برأس المال وانتعاش الحياة الاقتصادية(5). ويتحصل لدينا مما تقدم في شأن الأغراض التي يسعى إليها المشرع من وراء اشتراط الشكل في بعض التصرفات القانونية ان الشكل يعزز الرضا ويضيف إليه حماية من نوع خاص، وانه بهذا يأتي تأكيداً لسلطان الإرادة وليس أضعافاً لها او نفياً(6)، فإن قيل بأنه يحد من قدرة الإرادة في اختيار وسيلة التعبير عن نفسها الأمر الذي يجعله متقاطعاً مع مبدأ الرضائية في العقود فلا شك انه يمثل مع ذلك ضمانة أكيدة في اختيار وسيلة صادقة في التعبير عن الإرادة وتأمين استقلاليتها وحريتها في التوجه نحو إحداث الأثر القانوني. ولذلك فانه لا جدل في ان الشكل يضمن تأكيد دور الإرادة في إحداث الأثر القانوني الذي تريد تحقيقه، وهو ما عبر عنه بعض الكتاب(7)، في معرض كلامه على الشكل الرسمي قائلاً بأن ((وظيفة الشكل الرسمي هي احتواء الإرادة الباطنة، وما يهدف اليه القانون هنا هو حماية الإرادة: فهذه يجب أن تظهر في شكل خاص يهدف في الغالب إلى تأكيد حريتها، فكل القيود التي يتطلبها القانون في هذه الحالات غايتها الحرص على سلامة الركن المعنوي الذي يحويه المظهر، ويمكن أن نقول أن هدف الشكل الرسمي في القانون الحديث هو نفس الأساس الذي قام من اجله مبدأ سلطان الإرادة)).

___________________________

– انظر: غستان: المرجع السابق، فقرة (379)، ص382، وكذلك Fathi: Op. Cit، no 223، P41.

2- انظر المادتين 39 و 48 من قانون التجارة العراقي النافذ.

3- انظر غستان: المرجع السابق، فقرة (379)، ص387.

4- انظر د. السنهوري: الوسيط، جـ10، فقرة (124)، ص281. د. سمير تناغو: التأمينات الشخصية والعينية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986، ص23.

5- انظر د. سمير تناغو: المرجع السابق، ص23.

6- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (24)، ص83. د. نزيه المهدي: المرجع السابق،
ص ص (149-151). غستان: المرجع السابق، فقرة (24)، ص83.

7- د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (24)، ص83.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .