حجية الحكم بعدم الدستورية في قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر :

نظمت المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 حجية الأحكام الصادرة عنها فقررت ان ” أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة والكافة ، وتنشر الأحكام والقرارات المشار اليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها”. والذي يمكن أن نستفيد منه في هذا النص أن الحكم الصادر في الدعوى الدستورية ذو حجية مطلقة وعامة ، مما يؤدي إلى تصفية النزاع حول دستورية القانون او اللائحة مرة واحدة وبصفة نهائية ، وبالتالي لا يسمح في المستقبل بإثارة هذه المشكلة من جديد بصدد الحالات الجزئية التي يمكن أن يحكمها هذا القانون ، أو تلك اللائحة (1). وتقرير الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا ، هو اتجاه يتفق مع هدف المشرع الدستوري من إنشاء هذه المحكمة . فالمشرع قد جعل الرقابة على دستورية القوانين مركزة في يد المحكمة الدستورية العليا ، حتى لا يترك امر البت في مسألة على هذا القدر من الخطورة للمحاكم على مختلف مستوياتها حسبما كان يجري عليه العرف القضائي في مصر ، وحتى لا تتباين وجوه الرأي (2). وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا منذ بواكير عهدها على أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية ، وهي بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري – سواء أكان عيباً شكلياً أم عيباً موضوعياً – تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها ، وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم بها جميع جهات القضاء ، سواء أكانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون عليه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس (3) . من ذلك حكمها الصادر في 5 نوفمبر 1983 ، والذي أوضحت فيه المحكمة : ” ان الفقرة الأولى من المادة ” 175 ” من الدستور قد نصت على أن ” تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ..” كما قضت المادة ” 178″ من الدستور بان ” تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية ” ، ونصت الفقرة الاولى من المادة ” 49 ” من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على ان” أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ” .. ومؤدى ذلك أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية وهي بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون فيها بعيب دستوري . تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعوى التي صدرت فيها ، وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة ، وتلتزم به جميع سلطات الدولة ، سواء أكانت هذه الأحكام قد أنتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه ام إلى دستوريته ، ورفض الدعوى على هذا الأساس ، وذلك لعموم نصوص المادتين 175 ، 178 من الدستور والمادة 49/1 من قانون المحكمة المشار اليها ، ولأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي اختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هي رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغي قوة نفاذه ، أو إلى تقرير دستوريته ، وبالتالي سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان ” (4).

يتبين من ذلك ان اتجاه المحكمة الدستورية العليا واضح بشان تقرير الحجية المطلقة لجميع الأحكام الصادرة عنها سواء أكانت بعدم الدستورية ، ام برفض الطعن (الرفض الموضوعي). وعلى الرغم من وجود اجماع فقهي على تأييد مسلك المحكمة الدستورية العليا بشان تقرير الحجية المطلقة للأحكام الصادرة بعدم الدستورية ، الا انه هناك خلاف فقهي واسع بشان تقرير الحجية المطلقة للأحكام الصادرة برفض الدعوى (5) . وهذا البحث في غنى عن الدخول في تفاصيل هذا الخلاف لاقتصار نطاق الدراسة فيه على الحكم بعدم الدستورية والحجية المطلقة لهذا الحكم الاخير لا تثير لبساً ولا خلافاً وأمرها محسوم تشريعاً وفقهاً وقضاءً. ويلاحظ أن المحكمة الدستورية العليا قد جرت في أحكامها على ان الفصل في أوجه الطعن الشكلية المثارة بالنسبة للقانون المعروض أمر دستوريته لا يحول دون إمكان رفع الطعن امامها مرة ثانية بالنسبة لذات القانون إذا كان الطعن الجديد يتعرض للقانون من الناحية الموضوعية ، إذ تقتصر حجية الحكم المطلقة على الجوانب الشكلية للقانون التي فحصتها المحكمة . إلا أن ما يصدر عن المحكمة من أحكام في المطاعن الموضوعية على القانون يعني بالضرورة تعرض المحكمة لبحث المطاعن الشكلية بالنسبة له ، مما يؤدي إلى الحجية المطلقة بالنسبة للنص المطعون فيه من الناحيتين الشكلية والموضوعية (6). كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية والمانعة من نظر أي طعن دستوري جديد يقتصر نطاق حجيتها المطلقة على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها . اما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم يكن مثاراً للنزاع امامها ولم تفصل فيه بالفعل فلا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم الصادر في الدعوى الدستورية . ويترتب على ذلك أن الطعن بعدم الدستورية قد يتناول القانون كله أو اللائحة كلها ، وقد يقتصر على مادة أو عدة مواد في قانون أو لائحة ، ومن هنا فان حكم المحكمة الدستورية العليا سوف يقتصر على النص أو النصوص التي كانت محلاً للطعن ، ومن ثم يجوز لصاحب الشأن أن يرفع دعوى بعدم دستورية أي نص تشريعي آخر في القانون نفسه أو اللائحة خلاف النص الذي قضي بعدم دستوريته من دون أن يقضي بعدم قبول هذه الدعوى الدستورية ، ولا يكون للحكم الصادر في الدعوى السابقة حجة مانعة من نظر الدعوى الجديدة (7).

__________________

1- انظر د. محمد عبد الواحد الجميلي ، آثار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2002 ، ص 25 ، و د. عبد العزيز محمد سالمان ، رقابة دستورية القوانين ، مرجع سابق ، ص277

2- انظر د. رمزي الشاعر ، القضاء الدستوري في مملكة البحرين ، مرجع سابق ، ص 187 ، و د. عبد الحميد حسن محمد ، حماية الحقوق والحريات في احكام المحكمة الدستورية العليا ، مرجع سابق ، ص 411

3- انظر د. عبد المنعم عبد الحميد إبراهيم شرف ، المعالجة القضائية والسياسية للانحراف التشريعي ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة القاهرة – ، 2001 ، ص 346 ، و د. محمد جمال عثمان جبريل ، أثر الاحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا ، مرجع سابق ، ص 13

4- القضية رقم 49 لسنة 3 قضائية ” دستورية ” جلسة 5 نوفمبر 1983 ، مجموعة أحكام م . د. ع ، الجزء الثاني، ص 172، وفي نفس المعنى راجع : القضية رقم 48 لسنة 3 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 12 يونيو ، 1983، المجموعة ، الجزء الثاني ، ص 148 ، القضية رقم 65 لسنة 5 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 1 ديسمبر 1984، المجموعة ، الجزء الثالث ، ص 96 ، القضية رقم 116 لسنة 4 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 1 فبراير 1986، المجموعة ، الجزء الثالث ، ص 310 ، القضية رقم 9 لسنة 8 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 6 يونيو 1987 ، المجموعة ، الجزء الرابع ، ص 56 ، القضية رقم 8 لسنة 7 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 15 أبريل 1989 ، المجموعة ، الجزء الرابع ، ص 183 ، القضية رقم 10 لسنة 8 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 5 أكتوبر 1991، المجموعة ، الجزء الخامس – المجلد الاول – ، ص 14 ، القضية رقم 26 لسنة 4 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 7 مارس 1992 ، المجموعة ، الجزء الخامس – المجلد الاول – ، ص 185 ، القضية رقم 20 لسنة 8 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 8 يناير 1994 ، المجموعة، الجزء السادس ، ص 133.

هذا وقد تابعت المحكمة الدستورية العليا على تأكيد تمتع الأحكام الصادرة منها بالحجية المطلقة ، ولعل من أحدث أحكامها في هذا الخصوص القضية رقم 71 لسنة 21 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 14/12/2003 ، والقضية رقم 202 لسنة 24 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 14/12/2003 – منشور في الجريدة الرسمية – العدد 52 مكرر – بتاريخ 31 ديسمبر 2003 – السنة السادسة والاربعون ، والقضية رقم 59 لسنة 24 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 8/2/2004 – منشور في الجريدة الرسمية – العدد 10 تابع أ – الصادر بتاريخ 4/3/2004 .

الأحكام الحديثة الثلاثة الاخيرة نقلاً عن د. محمود أحمد زكي ، الحكم الصادر في الدعوى الدستورية – في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا حتى أبريل 2004 – ، ط2 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2004 – 2005 ، ص 478 هامش (1)

5- ذهب البعض من الفقه إلى وجوب أن تقتصر الحجية المطلقة على الحكم الصادر بعدم الدستورية ، اما الحكم الصادر برفض الدعوى موضوعيا فهو حكم ذو حجية نسبية فقط ، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز لنفس القاضي الذي قرر إحالة مسألة الدستورية التي قضي بعدم قبولها أن يعيد الإحالة مرة أخرى بالنسبة للقانون نفسه أو اللائحة ، إلا أن هذا لا يمنع غيره من القضاة من إعادة طرح الموضوع مرة أخرى على المحكمة الدستورية العليا بمناسبة منازعات مطروحة عليهم ، كما أنه من حق الخصوم أن يثيروا المسألة الدستورية نفس التي تقرر رفضها في نزاع اخر غير الذي صدرت بصدده الإحالة للمحكمة الدستورية العليا .

ولمزيد من التفصيل حول الاراء والحجج التي ساقها هذا الفريق من الفقه والحجج والاراء التي ساقها الفريق الثاني في الرد على الفريق الاول راجع : د. يحيى الجمل ، القضاء الدستوري في مصر ، مرجع سابق ، ص ص 222-226 ، و د. جورجي شفيق ساري ، أصول وأحكام القانون الدستوري ، ط 4 ، درا النهضة العربية ، القاهرة ، 2002 – 2003 ، ص ص 531 – 533 ، و د. عادل عمر شريف ، قضاء الدستورية ، مرجع سابق، ص ص 464-465

ولقد أيدت المحكمة العليا – قبل الغائها في عام 1979 – الاتجاه السابق حيث قررت في حكمها الصادر في 11 ديسمبر 1976 أن ” الامر يختلف بالنسبة لحجية الحكم الذي يصدر من المحكمة العليا برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعي ، فهذا الحكم لا يمس التشريع الذي طعن بعدم دستوريته ، فيظل هذا التشريع قائما بعد صدور الحكم ولا يحوز الحكم المذكور سوى حجية نسبية ما بين أطراف الدعوى ، ولذلك يجوز أن يرد الطعن بعدم الدستورية على هذا التشريع القائم مرة اخرى ” . ولقد انتهت المحكمة العليا في هذا الحكم إلى أن قضاء هذه المحكمة برفض الطعن بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 وعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 50 لسنة 1969 ، ليس له حجية على الكافة ولا يحول دون الفصل في الدعوى القائمة المرفوعة من مدعين لم يكن ايهما طرفا في الدعوى التي قضي فيها برفض الطعن بعدم دستورية التشريعين آنفي الذكر .

القضية رقم 8 لسنة 3 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 11 ديسمبر 1976 ، والحكم لم ينشر في مجموعات أحكام المحكمة العليا، سواء في ذلك المجموعة الاولى أو الثانية، ولكن تم نشره في الجريدة الرسمية في27 يناير سنة 1977، العدد الرابع

هذا الحكم مشار اليه في مؤلف د. محمد صلاح عبد البديع السيد ، قضاء الدستورية في مصر ، مرجع سابق، ص 607 ، ومؤلف د. رمزي الشاعر ، القضاء الدستوري في مملكة البحرين ، مرجع سابق ، ص 190 ، المؤلف نفسه ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، مرجع سابق ، ص 607

6- انظر د. يسري محمد العصار ، التصدي في القضاء الدستوري ، مرجع سابق ، ص ص 46-47 ، ومن أحكام المحكمة الدستورية العليا بهذا الصدد : حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 25 لسنة 16 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 3 يوليو 1995 ، مجموعة أحكام م . د. ع ، الجزء السابع ، ص 45 وما بعدها ، وحكمها في القضية رقم 39 لسنة 9 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 7 نوفمبر 1992 ، مجموعة أحكام م. د. ع ، الجزء الخامس – المجلد الثاني – ، ص 50 وما بعدها

7- راجع في ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 38 لسنة 11 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 3 يوليو 1990 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء الرابع ، ص 297 وما بعدها ، وحكمها الصادر في القضية رقم 37 لسنة 9 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 19 مايو 1990 ، مجموعة أحكام م.د. ع ، الجزء الرابع ، ص 256 وما بعدها ، وحكمها الصادر في القضية رقم 68 لسنة 3 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 4 مارس 1989 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء الرابع ، ص 148 وما بعدها .

حجية الحكم بعدم الدستورية في القضاء الدستوري العراقي :

أشارت المادة (83) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925 إلى وظيفة البت في دستورية القوانين والأنظمة التي عهدت بها إلى المحكمة العليا . وهذا يدل على ان القانون الأساسي العراقي قد أخذ بالمذهب الذي يجعل الفصل في هذه المسائل الدستورية من وظيفة محكمة خاصة تنفرد بها من دون سائر المحاكم الاخرى – مركزية الرقابة – ، لذا كان طبيعياً ان يكون الحكم الذي تصدره المحكمة العليا إذا ما تحققت من عدم دستورية قانون ما ، قاضية بالغائه ، ذا حجية مطلقة غير مقصورة على طرفي النزاع (1). وهذا ما أفادت به المادة (86) من القانون الأساسي – قبل تعديلها – بقولها : ” كل قرار يصدر من المحكمة العليا مبيناً مخالفة أحد القوانين أو بعض أحكامه لأحكام هذا القانون الأساسي يجب ان يصدر بأكثرية ثلثي اراء المحكمة . وإذا صدر قرار من هذا القبيل يكون ذلك القانون أو القسم المخالف منه لهذا القانون الأساسي ملغياً من الأصل ” (2). كما نستفيد من نص المادة (87) من القانون الأساسي بان قرارات المحكمة العليا ملزمة للكافة وغير قابلة للطعن فيها امام أي هيئة اخرى ويجب تطبيق تلك القرارات في جميع المحاكم ودوائر الدولة . يتضح من نصوص المواد السالفة الذكر ان الحكم الصادر من المحكمة العليا بشان دستورية قانون ما ، سواء أكان بعدم الدستورية أم برفض الطعن ، فالنص جاء مطلقاً ، يكون قطعياً غير قابل للاستئناف أو الطعن امام أية جهة اخرى ، وحائزاً الحجية المطلقة فهو ملزم للكافة وعلى جميع دوائر الدولة والمحاكم الالتزام بما ورد فيه . ويرد على هذه القاعدة استثناءً وحيداً – وهذا الاستثناء وجد بعد صدور الدستور الاتحادي بين العراق والاردن 1958 – هو انه إذا كان في قرار المحكمة مساس بأحكام الدستور الاتحادي كأن اصدرت المحكمة العليا قراراً بدستورية قانون عرض عليها على الرغم من مخالفته لأحكام الدستور الاتحادي او احتمال مخالفته لتلك الأحكام ، أو انها حكمت بعدم دستورية القانون على الرغم من انه تطبيق لأحكام الدستور الاتحادي فعندها لا تكون لقراراتها الصفة القطعية ويجوز الطعن فيها عن طريق استئنافها امام المحكمة العليا الاتحادية (م 59/ ف و من الدستور الاتحادي)، وذلك خلال نفاذ الدستور الاتحادي بجانب الدستور العراقي لعام 1925(3). وبخصوص الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بصدد دستورية القوانين ، ومدى تمسك هذه المحكمة بالحجية المطلقة لما ورد في أحكامها ، فإنه لابد من الإشارة إلى أن المحكمة العليا لم تمارس اختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين إلا مرة واحدة ، وذلك عندما شكلت المحكمة العليا بموجب الإرادة الملكية المرقمة (367) لسنة 1939 للنظر في مدى توافق قانون منع الدعايات المضرة رقم (20) الصادر بتاريخ 8/3/1938 مع أحكام القانون الأساسي ، والذي قررت فيه المحكمة أنه ” عند ملاحظة القانون المشار اليه رأت اكثرية المحكمة ، بان المادة الرابعة منه قد أناطت بمجلس الوزراء حق منع أي شخص من الإقامة في مكان او امكنة داخل العراق ، وجعل الشخص تحت مراقبة الشرطة ، …. ، وحيث أن تكليف الشخص بأن يكون تحت مراقبة الشرطة أو تكليفه بالإقامة في أماكن دون غيرها يدخل ضمن سلطة القضاء ، فبهذا الاعتبار وجدت أكثرية المحكمة ان المادة الرابعة من قانون منع الدعايات المضرة رقم (20) لسنة 1938 قد خولت مجلس الوزراء صلاحيات هي مناطة – بحكم القانون الأساسي – بالسلطة القضائية ، ولما كانت المادة الخامسة من القانون موضوع البحث مرتبطة بالمادة الرابعة آنفة الذكر ، ترى المحكمة أن المادتين المذكورتين مخالفتين للدستور ، وبالنظر للمادة (86) فقد أصبحتا ملغيتين من الأصل ” (4). ونستفيد من العبارة الاخيرة الواردة في الحكم سالف الذكر ، ان المحكمة العليا ذكرت الأثر المترتب على مخالفة المادتين (4 و 5) من قانون منع الدعايات المضرة للقانون الأساسي، وذلك بان اعتبرتهما ملغيتين من الأصل . وحكم الإلغاء بطبيعة الحال هو النتيجة الطبيعية المترتبة على تمتع الأحكام الدستورية بالحجية المطلقة تجاه جميع سلطات الدولة .

ثانياً : حجية الحكم بعدم الدستورية في أحكام المحكمة الدستورية العليا– وفقاً لدستور 1968 المؤقت – .

نصت المادة (87) من دستور 21 أيلول 1968 المؤقت على ان ” تشكل بقانون محكمة دستورية عليا .. ويكون قرارها ملزماً ” .

وبذلك يكون المشرع الدستوري قد أخذ بنظام مركزية الرقابة الدستورية إذ عهد بمهمة البت بدستورية القوانين إلى محكمة متخصصة تنفرد بالنظر في مدى توافق القواعد القانونية مع أحكام الدستور . لذا كان من البديهي أن تكون أحكامها ، في خصوص الدعاوى الدستورية المقامة امامها والتي هي بطبيعتها دعوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون فيها ، قطعية وملزمة وذات حجية مطلقة لا يقتصر أثرها على الخصوم في المنازعة وانما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم به جميع سلطات الدولة . وهذا هو ما يستفاد منه بوضوح من نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون المحكمة الدستورية العليا التي تقضي بان قرار المحكمة بمخالفة قانون او بعض مواده لأحكام الدستور ، يصبح القانون او الجزء المخالف منه ملغياً اعتبارا من تاريخ صدور قرار المحكمة . والإلغاء هو الأثر الطبيعي المترتب على تمتع الأحكام بالحجية المطلقة . هذا ويتم تبليغ قرار المحكمة الدستورية العليا إلى ديوان مجلس الوزراء لنشره في الجريدة الرسمية وتبليغه إلى الوزارات والجهات المختصة للعمل بمقتضاه (المادة 7 من قانون المحكمة). ونشر القرار في الجريدة الرسمية بقصد علم الكافة به وتبليغه إلى الوزارات والجهات المختصة للعمل بمقتضاه، يؤكدان أن أحكام المحكمة الدستورية العليا ذو حجية مطلقة وملزمة لجميع السلطات العامة في الدولة والكافة من الأغيار . إلى انه في ظل هذا الدستور والقانون الذي صدر بموجبه (قانون المحكمة الدستورية العليا) ، لم تمارس المحكمة الدستورية العليا اختصاصها في البت بدستورية القوانين ، وبالتالي لم يكن بالإمكان معرفة اتجاهها بصدد تمسكها بالحجية المطلقة لأحكامها .

ثالثاً : حجية الحكم بعدم الدستورية في أحكام المحكمة الاتحادية العليا – وفقا لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 -.

بعد ان بينت المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا والتي من بينها البت في دعاوى دستورية قانون أو نظام أو تعليمات (فقرة ب – 2 -) ، جعلت قراراتها في هذا الخصوص ملزمة (فقرة – د -) ، ومنحت المحكمة مطلق السلطة بتنفيذ قراراتها والتي من ضمنها إصدار قرار بازدراء المحكمة وما يترتب على ذلك من إجراءات .

ثم جاء قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 ليفصل مهام المحكمة الاتحادية العليا والتي من بينها الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق اصدارها ، وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (المادة 4 / فقرة ثانيا) ، وجعل الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة أي قطعية (المادة 5/ ثانيا) . وهذا ما أكده النظام الداخلي للمحكمة رقم (1) لسنة 2005 (5) . إذ جاء في المادة (17) منه ان الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة باتة لا تقبل أي طريق من طرق الطعن . نستفيد من نصوص المواد سالفة الذكر ، ان أحكام المحكمة الاتحادية العليا فيما يتعلق بدستورية القوانين والأنظمة والتعليمات باتة أي قطعية ولا يجوز الطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن وهو ما يعني ان التقاضي امام المحكمة الاتحادية العليا فيما يتعلق بدستورية القوانين يكون على درجة واحدة ، كما ان عدم القابلية للطعن تشمل جميع طرق الطعن العادية وغير العادية وسواء كان الحكم بعدم الدستورية او برفض الدعوى لان النص ورد مطلقاً بهذا الخصوص . كما ان هذه الأحكام تتمتع بالحجية المطلقة فهي ملزمة للسلطات العامة وللكافة وعلى الجميع احترامها وتطبيقها . اما عن اتجاهات المحكمة الاتحادية العليا بصدد موضوع الحجية المطلقة للأحكام الصادرة منها والمتعلقة بدستورية القوانين ، فانه بالرغم من تشكيل هذه المحكمة بالفعل الا انها لم تمارس اختصاصاتها وقد يعول ذلك على قصر المدة إذ سرعان ما صدر دستور جمهورية العراق الدائم لسنة 2005.

رابعاً : حجية الحكم بعدم الدستورية في أحكام المحكمة الاتحادية العليا – وفقاً لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 – .

بينت المادة (93) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا وكان أول هذه الاختصاصات هي الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة. اما المادة (94) من الدستور فقد نصت على ان ” قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ” . ونستفيد من نص هاتين المادتين أن المشرع الدستوري أخذ بنظام مركزية الرقابة الدستورية إذ أوكل مهمة البت في دستورية القوانين والأنظمة إلى المحكمة الاتحادية العليا ، وبذلك لا يمكن لأي محكمة اخرى ان تمارس هذا الاختصاص ، وفي ذلك ضمان لوحدة الأحكام القضائية المتعلقة بدستورية القوانين والأنظمة . ثم جعل المشرع قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة أي قطعية فلا يجوز الطعن عليها بأي وجه من أوجه الطعن ، كما جعلها ملزمة لجميع سلطات الدولة . من ذلك نخلص إلى ان أحكام المحكمة الاتحادية العليا ذات حجية مطلقة وليست نسبية ، وهذه الأحكام تتمتع بالحجية المطلقة سواء كانت بعدم الدستورية او بالرفض الموضوعي وذلك لأن نص المادة (94) صريح وواضح وورد مطلقاً .

____________________

1- انظر د. محمد زهير جيرانه ، مذكرات في القانون الدستوري ، مطبعة العهد ، بغداد ، 1936 ، ص 108

2- أصبحت المادة (86/1) بعد تعديلها بموجب قانون التعديل الثاني رقم 69 لسنة 1943 ، تنص على أن ” كل قرار يصدر من المحكمة العليا ينص على مخالفة احد القوانين او بعض أحكامه لأحكام هذا القانون يجب أن يصدر باكثرية ثلثي اراء المحكمة . وإذا صدر قرار من هذا القبيل يكون ذلك القانون او القسم المخالف منه ملغى من تاريخ صدور قرار المحكمة على ان تقوم الحكومة بتشريع يكفل إزالة الأضرار المتولدة من تطبيق الأحكام الملغاة ” .

ومن الجدير بالذكر ان حجية الأحكام الصادرة من المحكمة العليا فيما يتعلق بدستورية القوانين او عدم دستوريتها، لم تتأثر بتعديل هذه المادة ، إذ بقيت هذه الأحكام ذو حجية مطلقة ملزمة للكافة ولجميع المحاكم ودوائر الدولة.

3- انظر د. اسماعيل مرزة ، مبادئ القانون الدستوري والعلم السياسي ، ج1 ، ط1 ، شركة الطبع والنشر الاهلية، بغداد ، 1960 ، ص 228

4- القانون الأساسي مع تعديلاته ، مرجع سابق ، ص ص 106-107

5- الوقائع العراقية ، الجريدة الرسمية لجمهورية العراق ، العدد 3997 ، السنة السادسة والاربعون ، بغداد ، 2 آيار 2005 ، ص 4 وما بعدها

حجية الحكم بعدم الدستورية في قضاء المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية :

يتسم القضاء الأمريكي في صدد رقابة الدستورية بأنه قضاء امتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور ، وهو ما حرص هذا القضاء على تأكيده منذ بدأ ممارسته للرقابة . فبينت المحكمة الاتحادية العليا في العديد من أحكامها ” ان القوانين المخالفة للدستور لا يقضى ببطلانها ولا بالغائها على ما جرى به التعبير دائماً ، بل هو لا يرتب على مخالفتها للدستور أي جزاء عام يمسها في كيانها ، وانما كل ما يفعله إذا اكتشف تعارضها مع الدستور أن يمتنع عن تطبيقها في خصوص النزاع المعروض أمامه ، مؤثراً طاعة النصوص الدستورية على التزام أوامر المشرع التي تخالفها وتخرج على حدودها ، ويترتب على ذلك أن تقضي المحكمة في الخصومة الموضوعية متجاهلة تماماً وجود القانون المخالف للدستور ” (1). وهو ما رددته المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية في عام 1936 في قضية United States v. Butler من انه ” يجب الا يساء فهم مهمة المحكمة في الرقابة على دستورية القوانين ، إذ كثيراً ما يقال إن المحكمة تبطل القوانين المخالفة للدستور وهو قول غير صحيح ، إذ كل ما تفعله المحكمة انها تضع النص الدستوري إلى جوار النص القانوني المطعون فيه لتحدد حقيقة ما بينهما من توافق أو تعارض ، فإذا فصلت في هذه المشكلة ورتبت عليها نتيجتها في خصوص الدعوى المعروضة امامها فقد انتهت مهمتها بالنسبة للقانون ” (2). وقد رتب الفقه على ذلك نتيجة مؤداها ان الحكم بعدم الدستورية في النظام الأمريكي يحوز حجية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع في صدد الخصومة القائمة بينهما ، فهو لا يلزم سوى أطراف العلاقة ، ومن الممكن اختلاف الوضع في دعوى اخرى على الرغم من الاستناد إلى القانون نفسه ، وبالتالي فان هذا الحكم لا يلزم المحكمة التي اصدرته ولا المحاكم الاخرى(3). وإذا كانت هذه النتيجة تنصرف إلى الأحكام الصادرة من جميع المحاكم ­– على اختلاف انواعها ودرجاتها – في النظام القضائي الأمريكي ، إلا انه يلاحظ ان الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا تكون له خصوصية معينة بحكم ان هذه المحكمة تحتل قمة الجهاز القضائي وهي صاحبة القول الفصل في دستورية القوانين ، بالاضافة إلى انها مع غيرها من المحاكم في النظام القضائي للولايات المتحدة تخضع لمبدأ حجية السوابق القضائية ، الذي تأخذ به الدول الانكلوسكسونية عموماً ، والذي يعني ان تتقيد المحكمة بالحكم الذي أصدرته في قضية مماثلة، كما تتقيد به المحاكم التي في نفس درجتها والأدنى منها درجة ، وعليه يعد الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا ملزماً لكافة المحاكم الأخرى ، فلا تستطيع تلك المحاكم مخالفة أحكام المحكمة الاتحادية العليا وإلا تعرضت للإلغاء حال الطعن عليها بالنقض امام المحكمة الأخيرة (4). ولقد اختلف الفقه بصدد تحديد نوع الحجية المترتبة على الحكم بعدم الدستورية الصادر من المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية ، إذ ذهب رأي في الفقه إلى انه نظرا للأهمية الخاصة للمحكمة الاتحادية العليا في النظام القضائي الأمريكي ، ونظراً لأن من السائد نظرياً في ذلك النظام ، احترام المحاكم الدنيا لأحكام المحاكم العليا التي تتمتع أحكامها بحجية السوابق القضائية ، فان الناحية العملية تجعل من المحكمة الاتحادية العليا صاحبة الكلمة النهائية ، في خصوص مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، حيث يترتب على قضائها بعدم الدستورية في مواجهة قانون ما ، ما يعادل إبطال او إلغاء ذلك القانون ، بحيث – على الرغم من عدم إبطاله نهائيا – يكون ذلك القانون في حكم الملغي ، وتغفل مجموعات القوانين الأمريكية الإشارة إليه، كونه عديم الفاعلية (5) . وبذلك تتحول الحجية النسبية إلى حجية مطلقة من الناحية الفعلية (6). ويستدل هذا الرأي على صحة قوله بقرار المحكمة العليا الأمريكية نفسها في قضية Norton v. Shelby country ، حيث تذهب المحكمة إلى ” إن التشريع المخالف للدستور ليس في الحقيقة قانوناً على الاطلاق فهو لا ينشئ حقوقاً ، او يرتب واجبات ، ولا يمنح حماية، ولا ينشئ وظيفة ، وهو من الناحية القانونية منعدم القيمة تماماً ، وكأنه لم يصدر أصلاً ” (7). في حين ذهب الرأي الثاني من الفقه إلى ان الحجية التي يتمتع بها الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا لا يحوز سوى حجية نسبية ، ذلك أن المحكمة الاتحادية العليا قد تعدل عن قضائها السابق إذا ما تغيرت الظروف فتقر دستورية بعض القوانين التي سبق وان حكمت بعدم دستوريتها . من ذلك مثلا ما حدث عام 1972 عندما قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية عقوبة الإعدام ، ثم عادت وقررت دستوريتها فيما بعد عام 1976 ، وهو الأمر الذي يتفق مع فكرة الحجية النسبية لا المطلقة . كما أن أحكام المحكمة الاتحادية العليا عملاً تتوافق مع القول بان المحكمة ليست لها سلطة أن تلغي أو تفسخ أو تنقض التشريع ، وأنه بالرغم من حكم عدم الدستورية فالقانون يستمر العمل به إلى أن يلغيه المشرع ، الأمر الذي يستفاد منه تمتع هذه الأحكام بالحجية النسبية دون المطلقة (8). ونعتقد أن الاتجاه الاول من الفقه الذي يضفي الحجية المطلقة على أحكام المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية بعدم الدستورية هو الراجح وللأسباب الآتية :

1-الاخذ بمبدأ حجية السوابق القضائية وما يقرره من الزام جميع المحاكم في النظام القضائي الأمريكي بما تصدره المحكمة الاتحادية العليا من أحكام ومنها الأحكام بعدم الدستورية . حيث يتعين على جميع المحاكم الامتناع عن تطبيق النص ، أو القانون الذي قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستوريته .

2-الطبيعة المركبة للدور الذي تؤديه المحكمة الاتحادية العليا في توجيه النظام الأمريكي كله، فإلى جانب وظيفتها القضائية على رأس المحاكم الاتحادية والخصومات الفردية التي يحتاج الفصل فيها إلى تفسير الدستور والقوانين الاتحادية ، فان لها فوق ذلك دوراً دستورياً خطيراً في توطيد مبدأ الشرعية والحكومة المقيدة بحماية الحقوق والحريات الفردية وتحقيق التوازن بين السلطات وذلك بما تقرر لها او قررته لنفسها من حق مراقبة الهيئتين التشريعية والتنفيذية وإلزامهما حدودهما الدستورية حتى صارت بذلك قيمة على الدستور وناطقة باسمه (19). وان هذا الدور المهم الذي تؤديه المحكمة الاتحادية العليا أضفى على أحكامها طابع الإلزام ليس فقط بالنسبة إلى جميع المحاكم في الدولة بل امتد ليشمل الرئيس والكونكرس والولايات والشعب (10) . أي امتد ليشمل جميع سلطات الدولة والكافة من الأفراد . وهذا الالزام لا ينتج أثره إلا إذا كانت حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا مطلقة .

3-اما عن عدول المحكمة الاتحادية العليا عن بعض أحكامها السابقة وما أثاره أصحاب الاتجاه الثاني من الفقه بهذا الصدد إذ أخذوا من هذا العدول دليلاً على أسباغ الحجية النسبية من دون المطلقة على أحكام المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية . فانه يمكن الرد عليهم بأن مسألة عدول المحكمة عن أحكامها بعدم الدستورية بات اتجاهاً مألوفاً حتى بالنسبة للدول التي تقرر الحجية المطلقة لأحكامها بعدم الدستورية في الدستور وفي قوانين المحكمة الدستورية ، حيث أخذت المحاكم الدستورية في بعض الدول الاوربية …. بالعدول عن احكامها الدستورية السابقة إذا ما تطلب ذلك تغير الظروف والاوضاع ، ولم يدع احد إلى نزع صبغة الحجية المطلقة عن أحكامها .

_____________________

1- حكم المحكمة العليا بولاية فرجينيا الغربية في قضية : Shephard v. wheeling، 30 W.V.A. 479

نقلا عن د. أحمد كمال أبو المجد ، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والاقليم المصري ، مرجع سابق ، ص 221 ، و د. شعبان أحمد رمضان ، ضوابط وآثار الرقابة على دستورية القوانين، مرجع سابق ، ص 575

2- حكم المحكمة العليا الأمريكية في قضية : United States v. Butler، 297 U.S. 1 (1936)

نقلا عن د. أحمد كمال أبو المجد ، التاريخ الدستوري للولايات المتحدة الامريكية ، مجلة القانون والاقتصاد ، العدد 2 ، السنة 31 ، 1961 ، ص 17، و د. رمزي الشاعر ، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1970 ، ص 265

3- Prelot (M.) ، Institutions Politiques et Droit Constitutionnel ، Op. cit .، P. 208;

Laferriere (M.)، Course de Droit Constitutionnel، Op. cit ، P. 258;

Burdeau (G.)، Trait de science Politique، Op. cit، PP. 468 et. suiv.

وانظر د. عبد العزيز محمد سالمان ، نظم الرقابة على دستورية القوانين ، مرجع سابق ، ص 87 ، و د. علي السيد الباز ، الرقابة على دستورية القوانين في مصر ، مرجع سابق ، ص ص 170 – 171 ، و د. أحمد جاد منصور ، الحماية القضائية لحقوق الانسان – حرية التنقل والإقامة في القضاء الإداري المصري وفقا لأحدث أحكام محكمة القضاء الاداري والمحكمة الادارية العليا والمحكمة الدستورية العليا حتى عام 1997 – ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة عين شمس – ، 1997 ، ص 312

4- انظر د. رمزي الشاعر ، القضاء الدستوري في مملكة البحرين ، مرجع سابق ، ص 146 ، و د. صبري محمد السنوسي محمد ، اثار الحكم بعدم الدستورية ، مرجع سابق ، ص 15

5- انظر د. سليمان الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1988 ، ص 386 ، و د. رمزي الشاعر ، القضاء الدستوري في مملكة البحرين ، مرجع سابق ، ص ص 146 – 147، وانظر :

Ogg (F.) and Ray (O.) ، Introduction to American Government ، Op. cit.، P. 28

ويقول د. يحيى الجمل بهذا الصدد ” من الناحية العملية فإن التزام سائر المحاكم بما قضت به المحكمة العليا من امتناع تطبيق نص قانوني معين يؤدي في النهاية إلى الحكم بالموت الفعلي على هذا النص القانوني ” د. يحيى الجمل ، القضاء الدستوري في مصر ، مرجع سابق ، ص 66

6- Prelot (M.)، Institutions Politiques et Droit Constitutionnel، Op. Cit.، P. 211

7- حكم المحكمة العليا في قضية Norton v. Shelby country، 118. U.S. 425 (1886)

نقلا عن د. أحمد كمال أبو المجد ، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية والاقليم المصري ، مرجع سابق ، ص 223

8- انظر د. شعبان أحمد رمضان، ضوابط وآثار الرقابة على دستورية القوانين، مرجع سابق، ص ص 577–578

9- انظر د. عزيزة الشريف ، دراسة في الرقابة على دستورية التشريع ، مرجع سابق ، ص ص 97 – 98

10-William A. Colstad ; The Presidents and Judicial Review، University of Texas، 1964، P. 5

المؤلف : مها بهجت يونس الصالحي
الكتاب أو المصدر : الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ودورة في تعزيز دولة القانون

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .