دور الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية في قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر :

نظم الدستور المصري النافذ لسنة 1971 الحقوق والحريات الاقتصادية على أسس اشتراكية واضحة ، إذ جاءت المادة (23) فنصت على ان “ينظم الاقتصاد القومي وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومي ، وعدالة التوزيع ، ورفع مستوى المعيشة ، والقضاء على البطالة ، وزيادة فرص العمل ، وربط الأجر بالانتاج ، وضمان حد أدنى للأجور ، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول”. وهذا النص من النصوص التوجيهية التي توجه عمل المشرع ، فيكون كل ما يصدره من نصوص – مخالفاً لها – مشوباً بعدم الدستورية (1). وبعد ذلك جاءت المادة (24) فنصت على أن “يسيطر الشعب على كل أدوات الانتاج، وعلى توجيه فائضها وفقاً لخطة التنمية التي تضعها الدولة”. ونصت المادة (25) على أن “لكل مواطن نصيب في الناتج القومي يحدده القانون بمراعاة عمله او ملكيته غير المستغلة”. وهكذا يؤكد الدستور المبدأ الأساسي في النظام الاشتراكي : كفاية الانتاج .. وعدالة التوزيع (2). وقد تبنى الدستور النافذ فلسفة جديدة – مغايرة لما كان عليه الحال قبل صدوره – بصدد حماية حق الملكية بعدما نالها من حيف وجور في ظل قوانين التأمينات وفرض الحراسات (3) . فنص على عدم جواز فرض الحراسة على الأموال الخاصة الا في الأحوال المبينة في القانون ، وعدم جواز نزعها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض (م34) ، كما نص على عدم جواز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (م35) ، وحظر المصادرة العامة للأموال ، ونص على عدم جواز المصادرة الخاصة الجزئية الا بحكم قضائي (م36). ومنذ بواكير عهدها أدت المحكمة الدستورية العليا دوراً بارزاً في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية من خلال أحكامها بعدم دستورية التشريعات التي تنطوي على إهدار هذه الحقوق والحريات والانتقاص منها . وقد لا يتسع المقام هنا لتقصي الأحكام كافة الصادرة بهذا الصدد، لذا سنكتفي بإيراد بعض منها.

أولاً: في مجال حماية الملكية الخاصة .

ذهبت المحكمة الدستورية العليا في حمايتها لحق الملكية الخاصة مذهباً أبعد من مجرد رد العدوان عليها والتعويض عن الاضرار التي لحقت باصحابها ، حيث ذهبت إلى تقرير أن حق الملكية هو حق أبدي . وهو الأمر الذي لم تذهب اليه كثير من المحاكم الدستورية التي أضفت على حق الملكية الخاصة الحماية القانونية والدستورية. ويتجلى ذلك في الأحكام الثلاثة التي صدرت بتاريخ 4 أكتوبر 1997 ، وبتاريخ 2 أكتوبر 1999، وثالثها بتاريخ 13 أبريل 2003 ، وهذه الأحكام الثلاثة تؤكد ان هذا الاتجاه الذي تأخذ به المحكمة من اعتبار حق الملكية حقاً مؤبداً هو اتجاه راسخ ومستقر في قضائها. وان اسباغ صفة الديمومة لم يشمل حق الملكية فحسب ، بل شمل الدعوى التي تحميه بحسبان أن الدعوى هي جزء من الحق أو هي الوسيلة لحماية الحق (4). في القضية الأولى ، وكانت تدور حول أحكام القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن مصادرة أموال أسرة محمد علي . وهي الأسرة التي كانت تحكم مصر قبل ثورة تموز 1952 ، حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (11) من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة ، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الطعن بأي طريق في قرارات اللجنة العليا الصادرة بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرارات اللجنة الابتدائية المنصوص عليها في المادة العاشرة من هذا القانون ، والصادرة في شان المنازعات المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي. وحكمت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة ، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز سماع الدعاوى المتعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي ، ولو كان موضوعها أموال تلقاها – عن غير طريقها – أشخاص ينتمون اليها ، أو اكتسبها اشخاص من غير أفرادها . كما حكمت بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من هذا القانون بكامل اجزائها. وحكمت ايضاً بعدم دستورية نص المادة 15 من هذا القانون في مجال تطبيقها بالنسبة إلى أموال تمت مصادرتها ، إذا كان أصحابها لا ينتمون لأسرة محمد علي ، أو يرتبطون بها وتلقوها عن غير طريقها (5). وفي القضية الثانية ، وكان موضوعها ايضاً يتعلق بأموال لافراد من أسرة محمد علي ، أكدت فيه المحكمة ان حق الملكية الخاصة هو حق دائم ، فهو غير قابل للسقوط بالتقادم وكذلك الحق في إقامة الدعوى التي يطالب بها هذا الحق . حيث تقول ” لحق الملكية خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية منها أو العينية أصلية كانت ام تبعية – وتتمثل هذه الخاصية في أن الملكية وحدها هي التي تعتبر حقاً دائماً ، وتقتضي طبيعتها الا يزول هذا الحق بعدم الاستعمال ، ذلك انه أياً ما كانت المدة التي يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه ، فانه لا يفقد ملكيته بالتقاعس عن استعمالها ، بل يظل من حقه أن يقيم دعواه للمطالبة بها مهما طال الزمن إلا اذا كسبها غيره وفقاً للقانون ، بما مؤاده أن حق الملكية باق لا يزول ما بقي الشيء المملوك منقولاً كان او عقاراً ، وبالتالي لا يسقط الحق في إقامة الدعوى التي تحميه بانقضاء زمن معين ، ذلك انه لا يتصور أن يكون حق الملكية ذاته غير قابل للسقوط بالتقادم ، ويسقط مع ذلك الحق في إقامة الدعوى التي يطلب بها هذا الحق ، ومن ثم يكون نص الفقرة الاخيرة من المادة 12 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بشأن اموال أسرة محمد علي المصادرة ، فيما تضمنه من تقرير سقوط حق الملكية بفوات سنة من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية دون تقديم طلب إلى اللجنة ، حسبما ورد بتلك المادة قد أنتقص من الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية ، وجاء بالتالي مخالفاً لأحكام المادة 34 من الدستور التي تتضمن صون حق الملكية الخاصة وكفالة حق الإرث فيها “. وعليه حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون رقم 598 لسنة 1953 في مجال تطبيقها بالنسبة لحق الملكية (6). وفي القضية الثالثة ، أكدت المحكمة منهجها السابق بقولها الواضح : ” إذا كان ذلك وكانت طبيعة حق الملكية وقوامه القانوني الدقيق انه حق دائم ، لا يزول بعدم الاستعمال ولا تنقض دعوى المطالبة به مها طال الزمن عليها ” (7).

ثانياً : في مجال العلاقات الإيجارية .

تعد القضايا الدستورية المتعلقة بالعلاقات الإيجارية مرتعاً خصباً لحماية حق الملكية لان حق المالك يبرز حينئذ كحق مقابل لحق المستأجر . وقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا عدة أحكام لها أثرها المباشر على مجمل العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين ومنها الأحكام التي قررت عدم دستورية نصوص عديدة كانت تسرف في حماية المستأجرين على نحو أوشك معه حقهم أن يتحول من حق شخصي مستمد من العقد إلى حق عيني شبيه بالملكية مستمد من نصوص القوانين ، كما أوشكت عقود الإيجار أن تتحول إلى عقود مؤبدة ، لا يملك المؤجر انهاءها واسترداد ماله من حق على العقار الذي يملكه قانوناً ويستأثر به وبمنفعته المستأجرون فعلاً (8) . ومن هذه الأحكام :

أ. حكمها الصادر في 3/7/1995 ، بعدم دستورية المادة (5) من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية ، فيما انطوت عليه من استثناء تنازل الطبيب أو ورثته من بعده عن حق إجارة العين المتخذة مقراً لعيادته الخاصة لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة و من الخضوع لحكم المادة (20) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . وذهبت المحكمة في حكمها هذا إلى ان النص المطعون فيه ، لم يلتزم بالقواعد التي تنظم التنازل بوجه عام ، والتي تضمنتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ، بل أسقطها بتمامها ، ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقين كفلتهما المادة 20 من القانون ، هما ان يحصل على 50% من مقابل التنازل إذا اراد إعمال أثاره او أن يستعيد العين من مستأجرها بعد اداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الإيجارية التي ارتبط بها في شأنها . وأكدت المحكمة أن ذلك يؤدي إلى حصول المستأجر على حقوق لا يسوغها مركزه في مواجهة المؤجر مما يعد إثراء للمستأجر وافقاراً للمالك ، وتفضيل للمستأجرين من الاطباء على من عداهم من المستأجرين بالرغم من تماثل مراكزهم القانونية مما يخالف مبدأ المساواة(9). بموجب هذا الحكم تكون المحكمة قد طبقت معياراً حددت بموجبه سلطة المشرع في تقييد حق الملكية بأن لا تؤدي إلى إثراء مستأجر العين وإفقار مالكها.

ب. وفي حكمها الصادر في 3/2/2002 ، حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، فيما لم يتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذي يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق في شغل العين ، بانتهاء إقامة اخرهم بها ، سواء بالوفاة أم الترك.

حيث وجدت المحكمة ان إلزام المؤجر بتحرير عقد ايجار لمن عينتهم الفقرة الأولى من المادة 29 المشار اليها . وبالشروط الواردة في هذه الفقرة ، وتوقف نص الفقرة الثالثة من المادة (29) عند هذا الحد ، من شأنه ان يفضي بهذا النص إلى دائرة عدم الدستورية ، ذلك ان الانتقال بالعقد الذي حرر لمصلحة أي من أقارب المستأجر الأصلي المحددين في الفقرة اعلاه من أن يكون سنداً لشغله العين ، لان يصبح عقداً منشئاً لعلاقة إيجارية جديدة ، المستأجر الأصلي فيها هو القريب الذي حرر العقد لمصلحته ، مؤداه أن يسري حكم الفقرة الأولى من المادة 29 على أقارب هذا القريب المقيمين معه حسبما حددهم هذا النص – عند وفاته أو تركه العين ، بما يترتب عليه نهوض حكم الفقرة الثالثة ليلزم المؤجر بتحرير عقد أيجار جديد لهم أو لأبيهم ، ثم يستمر الأمر متتابعاً في حكمه ، متعاقباً من جيل إلى جيل ، لتحل به نتيجة محققة هي فقدان المؤجر – وبتقدير انه المالك للعين المؤجرة أو للحق في التأجير – جل خصائص حق الملكية على ما يملكه ، وفيما يتجاوز أية ضرورة اجتماعية تجيز تحميل حق الملكية بهذا القيد.

وهكذا يعدو الأمر عدواناً على حق الملكية الخاصة وهو ما يتعارض مع الأوضاع الخاصة بهذا الحق والحماية المقررة له بموجب أحكام المادتين 32،34 من الدستور . ويوقع حكم الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في حمأة مخالفة الدستور وهي مخالفة توجب القضاء بعدم دستوريتها (10).

ثالثاً: في المجال الضريبي .

يعد المجال الضريبي من أخطر المجالات التي تؤثر فيها أحكام المحكمة الدستورية العليا لما لحكم المحكمة الدستورية من أثر مالي واسع الخطر في هذا المجال ، بحسبان انه يؤدي إلى رد الضريبة المقضي بعدم دستوريتها بعد دفعها بعدة سنوات وبعد أن تكون الدولة قد اعتمدت عليها في تمويل نفقاتها وضبط موازنتها ، الأمر الذي يؤدي إلى ضرورة إعادة تدبير النفقات اللازمة لرد الضريبة . مما يؤدي إلى كثير من الخلل والاضطراب في ميزانية الدولة (11). وعلى الرغم من ذلك فقد وضعت المحكمة بأحكامها في المجال الضريبي نبراساً مهماً ينير الطريق امام المشرع حال وضعه للقوانين الضريبية . ومن أحكامها بهذا الصدد:-

أ. حكمها الصادر في 6/12/1993 ، بعدم دستورية القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج. ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى عدم دستورية فرض هذه الضريبة استناداً إلى الأسس الاتية:

1-إنه اذا حدد المشرع وعاء للضريبة التي فرضها بأن حصره في أجور العاملين ومرتباتهم التي يتقاضونها عن عملهم في الخارج ، تعين أن يكون مبلغ الضريبة متأتياً من مصدر هذا الدخل دون سواه ومترتباً على وجوده حقيقة لا حكماً . فاذا كان دين الضريبة منفصماً عن وعائها وليس نتاجاً لتحققه دل ذلك على أن الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة ومبلغها متخلفة بتمامها بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة.

2-انه اذا أفرد الدستور بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة وصدره بالنص في المادة (40) منه على أن المواطنين لدى القانون سواسية فإن هذا المبدأ وسيلة لتحقيق الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة ، وهو الأمر الذي تخلف في الضريبة محل الموضوع ، ذلك أن القانون المطعون فيه صدر – حسبما يبين من عنوانه – بفرض ضريبة على مرتبات العاملين بالخارج إلا أن نصوصه قصرت أحكامه على العاملين في الدولة والقطاع العام أياً كانت طبيعة النظم الوظيفية التي يخضعون لها. وبذلك خرج من مجال سريانها غير هؤلاء ممن يحققون دخلاً ناجماً عن عملهم في الخارج وهم فئة من المواطنين كان من الواجب إخضاعهم للضريبة إلا أن ذلك لم يحدث مما يعد إخلالا بالتكافؤ في المعاملة القانونية .

3-ومن ناحية اخرى فانه لما كان الشاغلون لهذه الدرجة يتفاوتون فيما بينهم فيما قد يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم خارج جمهورية مصر العربية فإن اخضاعهم جميعاً لضريبة واحدة ثابت مبلغها يعد – ومن هذه الناحية – مناهضاً لمبدأ المساواة امام القانون (12).

ب. وحكمها الصادر في 1/1/2000 ، بعدم دستورية الفقرة الاخيرة من المادة (3) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية ، فيما نصت عليه من تسوية رسم الاستئناف في حالة تأييد الحكم الابتدائي باعتبار أن الحكم الصادر بالتأييد حكم جديد بالحق الذي رفع عنه الاستئناف . وقد جاء حكم المحكمة اعلاه استناداً إلى الأسس الآتية:-

1-ان النص المطعون فيه ، فيما قرره من إعادة تسوية الرسم على الحق محل المنازعة امام محكمة أول درجة إذا تأييد الحكم الصادر منها استئنافيا ، قد انبنى – على خلاف الواقع والأصول القانونية الصحيحة – على افتراض أن الحكم الاستئنافي الصادر بتأييد حكم الدرجة الأولى كأنه حكم جديد بالحق الذي رفع عنه الاستئناف ، مستهدفاً بذلك ازدواج الرسم المستحق في هذه الحالة ، ليتكرر بذلك اداؤه عبر مرحلتي التقاضي ، وهذا الازدواج إنما يجعل صاحب الحق متردداً في ولوج طريق الاستئناف خشية أن تستغرق نفقاته أصل الحق كله أوجله فيتحمل إذا قضي برفضه ، بذات الرسوم السابق له اداؤها امام محكمة أول درجة فإن النص المطعون فيه – يكون بذلك – مخالفاً لنص المادة 68 من الدستور.

2-ان مساواة المواطنين امام القانون – ويندرج تحتها تساويهم امام القضاء – مؤداها ان الحقوق عينها ينبغي أن تنتظمها قواعد موحدة ، سواء في مجال التداعي بشأنها ، أو الدفاع عنها أو استئنافها ، وكلما كان التمييز في مجال طلبها من خلال الخصومة القضائية ، أو اقتضائها بعد الفصل فيها غير مبرر كان هذا التمييز منهياً عنه دستورياً.

3-ان الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية ، سواء كان هذا الحق شخصياً ام عينياً ام كان من حقوق الملكية الفنية او الأدبية او الصناعية ، وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام، وكان النص المطعون فيه بما فرضه من عبء مالي على من يلج طريق الاستئناف ينتقص – بغير مقتض – من ذمته المالية بعض عناصرها الايجابية ، ويزيد من أعباء جانبها السلبي ، فانه ينحل عدوانا على الملكية الخاصة ، بالمخالفة للمادتين 32 ، 34 من الدستور.

4-ان ما تنص عليه المادة 38 من الدستور من قيام النظام الضريبي على أساس من العدل محدداً من منظور اجتماعي ، لا يقتصر على شكل من دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها وفقا لنص المادة 119 من الدستور . بل يجب ان تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محدداً على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة على وفق ما تراه حقاً وإنصافا . وان النص المطعون فيه بما قرره من ازدواج الرسم عن الوعاء الواحد بما مؤداه تحميل المستأنف برسوم تفتقد بنيانها الصحيح ، منزلاً به جزاءً مدنياً باهظاً لمجرد استعماله لحق قد كفله الدستور ، مثرياً الخزانة العامة على حسابه بلا سبب ، يعد خروجاً على حكم المنطق والعدالة(13). ومن خلال تحليل الأحكام بعدم الدستورية وغيرها من الأحكام التي صدرت عن المحكمة الدستورية العليا بخصوص الضرائب والرسوم ، يمكن استخلاص اتجاهات المحكمة بهذا الصدد ، والتي تتمثل بـ:-

1-التوفيق بين حماية حق الملكية ومبدأ ضرورة الضريبة .

تترجم الفرائض الضريبية دائماً باعتداء على حق الملكية ، طالما انها تؤدي إلى حرمان الممول من جزء من ماله ، ومع ذلك ، فانه لا يمكن القول بان هذا الاعتداء يعد دائماً مخالفاً للدستور ، نظراً لان ضرورة الضريبة تمثل مبدأ دستورياً.

2-ضرورة مراعاة العدالة عند فرض الضريبة .

عدت المحكمة الدستورية العليا ، العدالة الضريبية من بين الأسس الموضوعية التي يجب أن تتوافر في الضريبة طبقاً للمادة 38 من الدستور . وتتحقق هذه العدالة عندما يكون دين الضريبة متناسباً مع مقدار الدخل الخاضع لها .

3-فكرة استحالة توقع الضرائب والرسوم لا تكفي وحدها للحكم على النص التشريعي بعدم الدستورية.

اشارت المحكمة في حيثيات بعض أحكامها إلى فكرة التوقع المشروع من جانب الفرد للضريبة والرسم ، الا انها لم تقض في أي من هذه الأحكام بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه لمجرد مخالفته لفكرة التوقع المشروع ، وحدها ، وانما أسست قضاءها بعدم دستورية النص على مخالفته لمواد معينة من مواد الدستور ، مثل المواد التي تحمي الحق في الملكية الخاصة ، والمواد التي تنص على خضوع الدولة للقانون (14).

__________________

([1]) انظر د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات ، مرجع سابق ، ص70

(2) انظر المرجع السابق نفسه ، ص70

(3) انظر شعبان احمد رمضان ، ضوابط واثار الرقابة على دستورية القوانين ، ص710

(4) انظر د. يحيى الجمل ، الحماية الدستورية لحق الملكية الخاصة ، مجلة الدستورية ، العدد الخامس ، السنة الثانية، أبريل 2004 ، ص ص4-5

(5) القضية رقم 13 لسنة 10 قضائية “دستورية”، جلسة 4 أكتوبر 1997 ، مجموعة احكام م.د.ع ، الجزء الثامن ، ص906 وما بعدها

(6) القضية رقم 215 لسنة 19 قضائية “دستورية” ، جلسة 2 أكتوبر 1999 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء التاسع ، ص363 وما بعدها

(7) حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 45 لسنة 22 قضائية “دستورية” ، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 أبريل 2003 ، نقلاً عن د. يحيى الجمل ، الحماية الدستورية لحق الملكية الخاصة ، مرجع سابق ، ص6 ومن أحكام المحكمة الدستورية العليا في مجال حماية حق الملكية الخاصة :

القضية رقم 5 لسنة 1 قضائية “دستورية” ، جلسة 16 مايو 1981 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء الأول ص195 وما بعدها ، القضية رقم 15 لسنة 5 قضائية “دستورية” ، جلسة 2 يناير 1988 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء الرابع، ص13 وما بعدها ، والقضية رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية” ، جلسة 6 يونيو 1998 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء التاسع ، ص1381 وما بعدها

(8) انظر د. أحمد كمال ابو المجد ، دور المحكمة الدستورية العليا في النظامين السياسي والقانوني في مصر (الجزء الثاني) ، مرجع سابق ، ص ص10-16

(9) انظر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 11 لسنة 16 ، جلسة 3 يوليو 1995 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء السابع ، ص19 وما بعدها

(0[1]) انظر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 70 لسنة 18 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 3 نوفمبر 2002 ، مجلة الدستورية ، العدد الأول ، السنة الاولى ، يناير 2003 ، ص ص40-43 .ومن أحكام المحكمة الدستورية العليا في حماية حق الملكية الخاصة في مجال العلاقات الايجارية : القضية رقم 25 لسنة 11 قضائية “دستورية” ، جلسة 27 مايو 1992 ، مجموعة احكام م.د.ع ، الجزء الخامس ، – المجلد الاول – ، ص408 وما بعدها ، القضية رقم 6 لسنة 9 قضائية “دستورية” ، جلسة 18 مارس 1995 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء السادس ، ص542 وما بعدها ، القضية رقم 44 لسنة 17 قضائية “دستورية” ، جلسة 22 فبراير 1997 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء التاسع ، ص394 وما بعدها

(1[1]) يلاحظ ان هذه النتائج كانت تترتب فقط في المدة السابقة على العمل بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا والذي ينص في المادة الأولى بأن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الاحوال إلا أثر مباشر ، وذلك من دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص

انظر د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات ، مرجع سابق ، ص867 ، د. هشام محمد فوزي ، رقابة دستورية القوانين مرجع سابق ، ص189

(2[1]) انظر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 43 لسنة 13 قضائية “دستورية” ، جلسة 6 ديسمبر 1993 ، مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية العليا منذ انشائها حتى الان ، الكتاب الثاني (الضرائب والرسوم) ، اعداد المستشار رجب عبد الحكيم سليم ، ط1 ، شركة الأمل للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1997 ص ص66-72

(3[1]) انظر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 106 لسنة 19 قضائية “دستورية” ، جلسة 1 يناير 2000 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء التاسع ، ص437 وما بعدها

ومن أحكام المحكمة الدستورية العليا في المجال الضرائبي:

القضية رقم 26 لسنة 2 قضائية “دستورية” ، جلسة 19 يونيو 1988 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء الرابع ، ص140 وما بعدها ، القضية رقم 19 لسنة 15 قضائية “دستورية”، جلسة 8 ابريل 1995 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء السادس ، ص609 وما بعدها ، القضية رقم 43 لسنة 17 قضائية “دستورية” ، جلسة 2 يناير 1999 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، الجزء التاسع ، ص147

(4[1]) انظر د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات ، مرجع سابق ، ص ص937 – 940

دور الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية في القضاء الدستوري العراقي :

دأبت جميع الدساتير العراقية على إدراج الحقوق والحريات الاقتصادية ضمن نصوصها ، وفي مقدمة هذه الحقوق كان حق الملكية . إلا أن ذلك لم يمنع من صدور تشريعات تخالف هذه النصوص الدستورية وتنتهك حرمة الحقوق الاقتصادية . وعلى الرغم من وجود مثل هذه التشريعات إلا أن المحكمة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين في ظل هذه الدساتير لم يكن لها أي دور في الحكم بعدم دستوريتها . ففي القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 ، عد المشرع الدستوري حقوق الملكية مصونة فلا ينزع ملك أحد او ماله إلا لأجل النفع العام في الاحوال والطريقة التي يعينها القانون وبشرط التعويض عنه تعويضاً عادلاً ، كما منع القانون الأساسي فرض القروض الاجبارية وحجز الاملاك ومصادرة المواد الممنوعة إلا بمقتضى القانون ، كما حرم بشكل تام السخرية المجانية والمصادرة العامة للأموال المنقولة وغير المنقولة (م10) . وعلى الرغم من ان القانون الأساسي قد حرم السخرة المجانية تحريماً باتاً (م10/ف3) ، ومن ثم فان أي قانون يجيز العكس سيكون مخالفاً للدستور ومنتهكاً لحق الملكية الخاصة باعتبار ان الأجر المستحق للفرد هو جزء من ملكيته الخاصة ، نجد ان المادة (14) من قانون مراقبة الري والسداد في العراق الصادر عام 1923 ، والمعدل بموجب قانون تعديل قانون الري والسداد لعام (1925)، تنص على ان “يقوم بأمر المحافظة والعناية بأعمال الري وبتطهير الجداول من الدهلة (الطمى) وبتحكيم السداد وترميمها وتعميرها من يستفيد من وجودها صالحة ويتضرر من عدمها أو فسادها، ويعين متصرف اللواء هؤلاء المكلفين بموجب جداول ينظمها لهذا الغرض ويذكر فيها عدد العمال المطلوبين منهم وعلى هؤلاء المكلفين احضار عمالهم المطلوبين منهم بموجب الجداول المذكورة حالما يطلب منهم ذلك مهندس الري الاجرائي أو أي مأمور آخر حائز على سلطة من وزير الاشغال والمواصلات . ولا تدفع أي اجرة لهؤلاء العمال الا اذا كانت العادات المحلية تقضي بدفع أجور لذلك . واذا دفعت الأجور فيجب تعيين مقدارها من قبل المتصرف بالاستشارة مع مهندس الري الاجرائي..” (1). في هذه المادة مخالفة صريحة للفقرة الثالثة من المادة (10) من القانون الأساسي التي حرمت السخرة المجانية تحريماً باتاً ، في حين اجازتها المادة (14) من قانون الري . وعلى الرغم من وجود هذه المخالفة الصريحة للقانون الأساسي العراقي الا انه لم يطعن بدستورية هذه المادة ، ولم تؤد المحكمة العليا دورها في حماية حق الملكية من خلال الحكم بعدم دستورية هذه المادة . وفي دستور 21 أيلول 1968 المؤقت ، نصت المادة 17 منه على ان ” أ- الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون اداء وظيفتها الاجتماعية ولا تنزع الا للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل وفقاً للقانون. ب. الإرث حق تحكمه الشريعة الإسلامية ” . كما نصت المادة 18 على أن “يعين القانون الحد الاقصى للملكية الزراعية بما لا يسمح بقيام الإقطاع ولا يجوز لغير العراقيين تملك الاراضي الزراعية الا في الاحوال التي يعينها القانون”. وقد أدخل تعديلان على هاتين المادتين وذلك بموجب التعديل الثاني للدستور في 15 ايار 1969 (2) ، حيث أضيفت إلى المادة 17 فقرة جديدة ومضمونها “على ان الاشخاص الذين ثبتت إدانتهم من محكمة مختصة بجريمة التجسس لحساب الاجنبي أو التآمر على تقويض نظام الحكم التقدمي الاشتراكي وأساسه الاقتصادي والاجتماعي فيجوز مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وقيدها ايراداً للدولة بموجب قانون “. اما المادة 18 فقد ألغيت وحل محلها النص الآتي “يعين القانون الحد الأعلى للملكية الزراعية . ويؤول للدولة ما زاد على الحد الأعلى من دون تعويض . ولا يجوز لغير العراقيين تملك الأراضي الزراعية الا في الأحوال التي يسنها القانون”. ويعزى هذا التنظيم الدستوري الصارم لحق الملكية إلى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من اشكال الاستغلال ، المادة (12): ” يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الاشتراكية وذلك بتطبيق العدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من اشكال الاستغلال “. وصدرت في تلك المدة العديد من التشريعات التي تنطوي على انتهاك صريح لحق الملكية ، ومن هذه التشريعات القرار المرقم (201) بتاريخ 31/آيار/1969 والصادر عن مجلس قيادة الثورة ، والذي الغي بموجبه حق الاختيار الممنوح للأقطاعين المنصوص عليه بقانون الاصلاح الزراعي والذي عدهم هذا القرار – أي حق الاختيار – انه قد مكن الاقطاعيين من اختيار أجود الأراضي والتصرف بالمياه والاستيلاء على الربع التفاضلي بصورة أفقدت القانون محتواه التقدمي وأضر بالفلاحين ضرراً بالغاً . ونعتقد ان في ذلك تعدٍ واضح وصريح على حق الملكية الخاصة المصونة بموجب المادة (17) من الدستور ، وانه اذا كان الدستور قد سمح للمشرع بتحديد الحد الأعلى للملكية الزراعية بما لا يسمح بقيام الاقطاع بموجب المادة (18) من الدستور ، فان ذلك يعد استثناءً على القاعدة العامة المقررة بموجب المادة (17) ، وبالتالي فان أية استثناءات إضافية أو قيود إضافية من قبل المشرع من دون سند دستوري لها تعد انتهاكاً لحق الملكية وللمبادئ الدستورية ، مما يوجب الحكم بعدم دستوريتها . ولم تمارس المحكمة الدستورية العليا التي أنشئت في ظل هذا الدستور مهامها في حماية حق الملكية والحد من انتهاكات المشرع المتطرفة ، من خلال أحكامها بعدم الدستورية ، إذ سرعان ما صدر دستور 16 تموز 1970 ، الذي ألغى السند الدستوري لوجودها. اما في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، فقد نصت المادة السادسة عشرة في فقرتيها ب و ج على ان الملكية الخاصة مصانة فلا يمنع احد من التصرف في ملكه الا في حدود القانون، ولا ينزع عن أحد ملكه الا لأغراض المنفعة العامة في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه ، وبشرط تعويضه تعويضاً عادلاً وسريعاً . كما ان للمواطن العراقي الحق الكامل غير المشروط بالتملك في انحاء العراق كافة بلا قيود . ولم يصدر أي حكم من المحكمة الاتحادية العليا التي أنشئت في ظل قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، يتعلق بحماية حق الملكية أو غيره من الحقوق الاقتصادية ، وقد يعزى ذلك إلى قصر المدة التي تم فيها نفاذ الدستور . اما دستور جمهورية العراق النافذ لسنة 2005 ، فقد نصت المادة 23 منه على ان ” اولاً – الملكية الخاصة مصونة ، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها ، في حدود القانون. ثانياً – لا يجوز نزع الملكية الا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل ، وينظم ذلك بقانون. ثالثاً – أ- للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق ، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول الا ما استثنى بقانون . ب- كما يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني ” . وهذه النصوص الدستورية في حماية حق الملكية الخاصة التي تعد أهم وأبرز الحقوق الاقتصادية، بحاجة إلى حماية فعالة من قبل المحكمة الاتحادية العليا من خلال رقابتها على مدى دستورية التشريعات التي تصدر بصدد تنظيمها .

__________________

([1]) الوقائع العراقية ، العدد 100 ، السنة الأولى ، 4/10/1923

(2) الوقائع العراقية ، العدد 1729 أ ، السنة الحادية عشرة ، 15 آيار 1969

دور الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية في قضاء المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية :

كان لأحكام المحكمة الاتحادية العليا دور متميز في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية، وذلك من خلال حماية النصوص الدستورية الواردة بشأنها ، فقد تضمن دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1789 والتعديلات الواردة عليه ، العديد من النصوص الدستورية التي تحد من سلطة الكونكرس والسلطات التشريعية المحلية في تنظيم الحقوق والحريات الاقتصادية على وجه العموم وحق الملكية على وجه الخصوص .

أولاً : حماية حق الملكية الخاصة بتطبيق فقرة الالتزام التعاقدي .

ذهبت الفقرة العاشرة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي إلى انه لا يحق لأية ولاية أن تصدر أي قانون من شأنه إضعاف الالتزامات التعاقدية . وقد تكون هذه الالتزامات التعاقدية على شكل ترتيبات بين الدائن والمدين ، أو بين صاحب الملك والمستأجر ، أو بين صاحب العمل والعامل ، أو حتى بين الحكومة وأفراد الشعب . لذا يعد نص هذه الفقرة أقوى حماية للملكية الخاصة (1). وخلال العقود الأولى من حياة الدستور الأمريكي شكلت فقرة الالتزام التعاقدي ، أحد اقسام الدستور التي تقاضى الناس بسببها أكثر من أي فقرة اخرى . ولعل من أشهر أحكام المحكمة الاتحادية العليا التي عملت على كفالة نص هذه الفقرة هي حكمها في قضية
Dartemooth v. Couleig ، الذي جاء فيه :

” ان ميثاق تأسيس جامعة خاصة يشكل عقداً ، وبعد صدوره لا يحق لأي ولاية أن تنتقص منه”(2) . وقد جاء التعديل الرابع عشر للدستور (1868) ليؤكد مبدأ حرية التعاقد ووجوب اتباع الاجراء الواجب (شرط الوسائل القانونية السليمة) لحماية هذا المبدأ ” .. لا يجوز لأي ولاية ان تحرم شخصاً من حقه في الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون تطبيق القانون على الوجه الاكمل”(3). وقد تعرضت المحكمة الاتحادية العليا عام 1897 في قضية Allgeyer v. Louisiana لهذا المبدأ، وقررت في حكمها ان ” حماية الحرية الواردة في التعديل الرابع عشر لا تعني حماية الفرد من العدوان المادي على شخصه فحسب ، وإنما تشمل فوق ذلك حق الفرد في التمتع بثمرات مواهبه وفي استغلالها بكافة الوسائل المشروعة ، وفي أن يعيش ويعمل حيث يشاء مكتسباً قوته بأي طريق مشروع ومتمتعاً ، في سبيل ذلك ، بحق الدخول في أي تعاقد يختاره ويراه ضرورياً ومناسباً لتحقيق شيء من هذه الأغراض ” (4). وقد أستعملت المحكمة الاتحادية العليا هذا المبدأ – حرية التعاقد – كأساس للقضاء بعدم دستورية العديد من التشريعات الصادرة من الولايات والعديد من التشريعات الاتحادية ، لانطوائها على مساس بالملكية أو بحرية التعاقد بغير مراعاة الوسائل القانونية السليمة . ومن أحكامها بهذا الصدد حكمها في القضية Lochner v. New York (1905) ، وفي هذه القضية كان على المحكمة أن تبحث دستورية قانون أصدرته ولاية نيويورك يمنع تشغيل العمال في المخابز اكثر من ستين ساعة اسبوعياً ، أو عشر ساعات يومياً . وقررت المحكمة ” أن السلطة البوليسية للولايات سلطة محدودة بحدود الدستور ، والقول بغير ذلك يقضي على حريات الافراد ويجعل لحكومات الولايات سلطة تحكمية تتعارض مع مبدأ الحكومة الدستورية ” (5). وتنتهي المحكمة إلى أن التشريع المطعون فيه – في تقدير المحكمة – منبت الصلة بحماية الأغراض التي تزعم الولاية أنه وضع لتحقيقها – وهي صحة العمال ، اذ ان الهدف التشريعي الحقيقي ، من وجهة نظر المحكمة ، كان تنظيم عقود العمل الخاصة مما لا يدخل في نطاق السلطة البوليسية للولاية – ، والتشريع يجاوز كل حد معقول لسلطات الولاية البوليسية ، ويخل بحرية العمال في التعاقد مخالفاً بذلك شرط الوسائل القانونية السلمية (6). وفي عام 1923 تصدت المحكمة للقضية المهمة المعروفة Adkins v. Children’s Hospital ، إذ عرض عليها قانون أصدره الكونكرس يقضي باشتراط حد أدنى لأجور النساء والاطفال في اقليم كولومبيا ، وينشئ لهذا الغرض مكتباً إدارياً للأجور يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تحديد هذه الأجور الدنيا . وصرح القانون في مقدمته أن الغرض منه هو “حماية النساء والاطفال مما يترتب على انخفاض أجورهم من أخطار تهدد صحتهم وأخلاقهم ، وتحول بينهم وبين المحافظة على مستوى لائق من المعيشة ” (7). وقد حكمت المحكمة في هذه القضية بعدم دستورية ذلك القانون على أساس مخالفته لشرط الوسائل القانونية السليمة الواجب اتباعه لحماية حق الملكية والمنصوص عليه في التعديل الخامس والتعديل الرابع عشر. فقد لاحظت المحكمة ان هذا القانون يركز حمايته على جانب واحد من أطراف العقد متجاهلاً مصلحة الطرف الآخر وهو رب العمل ، وذلك أنه يلزمه بدفع قدر أدنى من المال تبعاً لحاجة العامل ومصلحته بغض النظر عما يتقاضاه رب العمل عن هذا الأجر من عمل العامل . كما عدت ان منع العقود التي تلتزم الحدود المتفق عليها بين العمال وأصحاب العمل حول الأجر وساعات العمل يعد عدواناً على حرية العمال في التعاقد بالشروط التي يرونها (8). ويذهب رأي في الفقه إلى أن المحكمة الاتحادية العليا استعملت مبدأ حرية التعاقد كأساس للقضاء بعدم دستورية كثير من التشريعات الاجتماعية التقدمية التي تهدف إلى حماية العمال من استغلال أرباب العمل عن طريق اشتراط حدود دنيا لأجورهم، أو اشتراط حدود قصوى لساعات عملهم . وان موقفها هذا انما كان تلبية لمطالب الرأسماليين ، الذين وجدوا في هذه التشريعات تهديداً حقيقياً لمصالحهم ، فطعنوا بعدم دستورية هذه التشريعات على أساس انها تتنافى والحقوق الأساسية المبينة في الدستور ، وان المحكمة الاتحادية العليا تصدت بالفعل لهذه التشريعات وقضت بعدم دستورية اثنى عشر تشريعاً منها ، وذلك في المدة من عام 1923 – 1936 (9). الا اننا قد لا نتفق مع هذا الرأي ونذهب إلى ما ذهب إليه معظم الشراح الأمريكيين في ان اتجاه المحكمة تجاه التشريعات الاجتماعية وأحكامها بعدم الدستورية لغالبية تلك التشريعات ، انما كان يهدف إلى حماية مبدأ حرية التعاقد وحرية التملك والحقوق الاقتصادية الاخرى التي نص عليها الدستور ، ولم تكن نتيجة تواطؤ مدبر بينها وبين ممثلي الطبقة الرأسمالية، وانما كان انعكاساً طبيعياً للاتجاه الاقتصادي السائد آنذاك وهو اتجاه يؤمن بمبدأ الحرية الاقتصادية ويعطي المقام الاول لتنمية الدخل القومي وتشجيع الحركة الصناعية (10) . وبالتالي فان موقف المحكمة الاتحادية العليا بهذا الصدد انما كان تعبيراً منها بضرورة التمسك بالشرعية الدستورية وضرورة المحافظة على المبادئ الدستورية والحفاظ على الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور ، والدليل على ذلك ان المحكمة لم تتوان عن مسايرة بعض من هذه التشريعات الاجتماعية وأقرت بدستوريتها عندما تحققت من عدم مخالفتها لمبدأ حرية التعاقد وعدم انتهاكها لحرية التملك وبقية الحقوق الاقتصادية الاخرى التي أقرها الدستور (11).

ثانياً: حماية حق الملكية الخاصة بتطبيق فقرة الاستملاك .

تشكل فقرة “الاستملاك” الواردة في التعديل الخامس للدستور أداة إضافية قوية لحماية الحق في الملكية “لن يحرم شخص من حقه في الحياة، أو الحرية ، أو الممتلكات دون إعمال القانون على الوجه الاكمل ، كما انه لن يستولى على الممتلكات الخاصة لاستخدامها في الاغراض العامة دونما تعويض عادل” (13). فالحكومة قد تضطر في بعض الاحيان لمصادرة اجزاء من عقار خاص لتلبية حاجات عامة أساسية مثل شق الشوارع ، والطرق ، والأقنية ، أو إضافة منشآت عسكرية فيدرالية عليها . وهي ملزمة عند اتخاذها مثل هذا الاجراء بالتعويض العادل لصاحب العقار. ويتناول التعديل الخامس بصفة خاصة الاستيلاء على الممتلكات الخاصة بواسطة الحكومة الفيدرالية ، اما الولايات فهي ملزمة بدفع التعويض العادل عن الاستيلاء على الممتلكات الخاصة وفقاً لفقرة الاجراء الواجب الواردة في التعديل الرابع عشر (14) . والقانون الخاص بالممارسات التي تعد “استيلاء” من جانب الحكومة ، هو قانون معقد إلى حد ما . لذا تحاول المحكمة الاتحادية العليا في القضايا المعروضة عليها بهذا الخصوص ان تتحرى عن العوامل التي لها صلة في تقرير ما إذا كان قد حدث استيلاء ، وهذه العوامل تتمثل بـ : (1) التأثير الاقتصادي للتنظيم على الطرف الذي يحتج عليه ، (2) المدى الذي يتدخل في توقعات الاستثمار الواضحة ، (3) طبيعة العمل الحكومي ، مثل الامتلاك المادي للممتلكات . وعلى سبيل المثال فإن صدور امر من البلدية بتقسيم مناطق (15) ، بعد ان كان المدعي قد اشترى الارض المذكورة ، مما يقيد استخدام الارض ، لا يشكل “استيلاء” إذ ما زالت الاستخدامات السكنية للأرض المذكورة ممكنة . وحقيقة ان الاستخدام الاقتصادي الأمثل أصبح ممنوعاً ، فانه مع ذلك لم يقض على الاستخدام النافع للأرض (قضية ِAgins v. City of Tiburon) 1980 (16). فالعمل الحكومي الذي يشكل “استيلاء” وفقاً لتفسير المحكمة الاتحادية العليا لا بد ان تتوافر فيه الشروط الآتية: (1) أن تستولي الحكومة على الممتلكات فعلياً أو ان يمنع القانون الاستخدام المنتج للشئ ، بصفة دائمة أو مؤقتة ، (2) أن يكون الاستيلاء الحكومي على الممتلكات الخاصة لاغراض صحية أو امنية ، (3) أن يتم الاستيلاء على كل أو ما يقارب الكل من قيمة الملكية ، (4) أن يكون الاستيلاء الحكومي مبنياً على شروط غير معقولة وغير متناسبة مع شروط الترخيص لاستخدام الملكية (17). فاذا ما تأكدت المحكمة الاتحادية العليا من توافر هذه الشروط ، عدت الفعل الحكومي “استيلاء” على ممتلكات خاصة يتوجب عنده دفع التعويض العادل للمالكين. والمحكمة الاتحادية العليا عادة ما تبذل قصارى جهدها للتثبت من مدى توافر هذه الشروط في القضايا المعروضة عليها والمتعلقة بفقرة “الاستيلاء” الواردة في التعديل الخامس ، وذلك لغرض تعويض المالكين عن الضرر الذي لحق بهم ، ومن أحكامها بهذا الصدد حكمها في قضية Nollan v. California Commission (1987) ، التي تلخص وقائعها في أن الكنيسة التابعة لمارتن لوثر تمتلك منطقة للتنزه واللعب بجوار جدول صغير ، وحدث حريق بالغابة الوطنية التي تملكها الحكومة بجوار المنطقة ، ثم في موسم الامطار التالي حدث فيضان أدى لتهدم المباني المملوكة للكنسية وحينئذ أصدرت الولاية قانوناً يمنع انشاء أي مبنى بجوار الجدول لأنه سيتعرض لاخطار الفيضان ، ومن ثم لم تستطع الكنيسة بناء ما تهدم من مبانيها وغدت عديمة النفع ولما لجأت الكنيسة للقضاء قضت المحكمة العليا بكاليفورنيا بعدم أحقيتها في التعويض وهو الأمر الذي نقضته المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية حيث قضت بضرورة التعويض عن الملك طوال فترة الحرمان منه (18). وفي قضية مشابهة للقضية اعلاه ، وهي قضية First English Evange lical Lutheran Church of Glendale v. Los Angeles Country (1987) ، عدت المحكمة الاتحادية العليا ان فقرة التعويض العادل الواردة بالتعديل الخامس تتطلب دفع مبالغ باعتبارها تعويضاً حتى عن الاستيلاءات “المؤقتة” ، أي الفترة قبل الحكم النهائي بإبطال قرار الاستيلاء (19). وفي حكم اخر للمحكمة الاتحادية العليا ، في القضية Lucas v. South Carolina Coastal Council (1992) ، والتي تلخص وقائعها في ان المدعو David Lucas اشترى قطعتي أرض لبناء منزل عليهما بحوالي مليون دولار ، وذلك بجنوب كاليفورنيا . وعندما أصدرت الولاية قانوناً يمنع المذكور من البناء على ملكه ، قضت المحكمة العليا بكاليفورنيا بأن الولاية غير ملزمة بدفع تعويض عن قانونها لانه صدر لمنع ايذاء عام ومن ثم يعد استثناء على فقرة الاستيلاء ، ولما وصلت القضية للمحكمة الاتحادية العليا ألغت الحكم الآنف ، وذهبت إلى أن الاغتصاب للممتلكات يحدث بأن تستولي الحكومة على الممتلكات فعلياً أو أن يمنع القانون الاستخدام المنتج للشيء . وبتطبيق ذلك على الوقائع وجدت المحكمة ان المدعو Lucas حرمِ من استعمال أرضه والانتفاع بها مما أخل بالتوقعات المنطقية لاستخدام أرضه ، مما يوجب التعويض (20). وكان من المتوقع ان يؤثر هذا الحكم والأحكام التي سبقته على مجالات كثيرة تخل بحق الملكية مثل قوانين حماية الاصناف المعرضة للانقراض وحماية الاراضي المجففة والشواطئ . ولو ان الحكومة كانت ستعوض في كل المجالات السالفة ، فان تلك القوانين التي يعد العمل بها انتهاكاً لحق الملكية، كان سينتهي العمل بها حتماً. ومن هنا تظهر قوة الاتجاه المتحفظ الذي تبنته المحكمة الاتحادية العليا في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين للحفاظ على حق الملكية (21). إلا أن المحكمة الاتحادية العليا قد عدلت عن اتجاهها السابق في الآونة الأخيرة ، ويمكن استظهار هذا العدول من خلال استقراء أحكامها الصادرة بهذا الصدد والتي تقضي بعدم وجوب التعويض للمالكين عندما يساند القانون الخاص بالاستيلاء هدف اجتماعي أو اقتصادي عام ، ففي تموز من عام 2005 ، وفي قضية مهمة تتعلق بمفهوم ” الاستخدام العام” الوارد في التعديل الخامس ، وهي قضية Kelo v. City of New London etal. ، قضت المحكمة بتأييد خطة المدينة بالاستيلاء على أراضي ذات ملكية خاصة ، إذ تعتزم خطة هذه المدينة بمنح هذه الاراضي إلى مستثمر لغرض إقامة فنادق ساحلية ومكاتب ، وورد في حكم المحكمة الاتحادية العليا “لقد بات واضحاً ، ضرورة وحكمة استخدام حق الحكومة في مصادرة الملكية الخاصة وذلك لتشجيع التنمية الاقتصادية . وسلطة المحكمة – على أية حال – تقتصر فقط على تحديد فيما اذا كان استيلاء المدينة على الممتلكات الخاصة هو “للاستخدام العام” وفقاً للمعنى الوارد في التعديل الخامس من الدستور ، .. وبالتالي فالمحكمة لا تضمن للمدعيين التعويض الذي يطالبون به “. علماً ان هذا الحكم سبقته أحكام عديدة للمحكمة الاتحادية العليا تؤكد اتجاهها الجديد بهذا الخصوص منها حكمها في القضية Tahoe – Sierra Preserv Ation Council ، INC.،etal. v. Tahoe Regional Planning Agency etal. (23 نيسان 2002) ، والقضية Florence Dolan Petitioner v. City of Tigard (24 حزيران 1994) (22).

_________________________

([1]) انظر حقوق الافراد – الحرية الفردية ووثيقة الحقوق – ، مرجع سابق ، ص 69

(2) المرجع السابق نفسه ، ص 69

(3) لاري إلويتز ، نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية ، مرجع سابق ، ص 330 (ملحق بدستور الولايات المتحدة الامريكية) .

(4) Allgeyer v. State of Louisiana ، 165 U.S. 578 (1897)

نقلا عن د. أحمد كمال ابو المجد ، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية والاقليم المصري ، مرجع سابق ، ص 323 ، جيروم أ. بارون و س . توماس دينيس ، الوجيز في القانون الدستوري ، مرجع سابق ، ص 154

(5)Lochner v. New York ، 198 U.S. 45 (1905)

نقلا عن د. احمد كمال ابو المجد ، المرجع السابق ، ص 327 ، جيروم أ. بارون و س. توماس دينيس ، المرجع السابق ، ص 154

(6) انظر د. أحمد كمال ابو المجد ، المرجع السابق نفسه ، ص 327

(7) Adkins v. Chlldren’s Hospital ، 261 U.S. 525 (1923)

نقلاً عن د. أحمد كمال ابو المجد ، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والاقليم المصري ، ص330

وانظر قضية مشابهة للقضية اعلاه في المرجع نفسه ، ص331

وهي قضية Morehead v. Tipaldo، 298 U.S. 537 (1936)

(8) انظر المرجع السابق نفسه ، ص330

(9) انظر د. محمد عصفور ، الحرية في الفكرين الديمقراطي والاشتراكي ، ط1 ، القاهرة ، 1961 ، ص295 ، د.عدنان حمودي الجليل ، نظرية الحقوق والحريات العامة في تطبيقاتها المعاصرة ، مرجع سابق ، ص158 هامش (2)

(0[1]) انظر د. احمد كمال ابو المجد ، الرقابة في دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والاقليم المصري ، مرجع سابق ، ص ص318-319

(1[1]) ومن الأحكام التي اصدرتها المحكمة الاتحادية العليا تقر فيها بدستورية بعض من هذه التشريعات الاجتماعية هي:

Holden v. Hardy ، 169 U.S. 366 (1898)

Muller v. State of Oregon ، 208 U.S. 412 (1908)

Bantrng v. Oregon ، 243 U.S. 426 (1917)

انظر في تفصيلات هذه الأحكام جيروم أ. بارون وس . توماس دينيس ، الوجيز في القانون الدستوري ، مرجع سابق، ص 155 كما يوجد حكم حديث نسبياً للمحكمة العليا في هذا الشأن ، أقرت فيه دستورية قانون يتطلب الدفع بأثر رجعي لتعويض العمال ، تقول فيه “ان ولاية ميتشجان لم تنتهك فقرة العقود “الفقرة العاشرة من المادة الأولى من الدستور ” ، لما أصدرت قانونا يتطلب الدفع بأثر رجعي لتعويض العمال إذ لا يوجد عقد تم إضعافه”.

General Motors v. Romein ، 112 S.Ct. 1105 (1992)

نقلاً عن د. هشام محمد فوزي ، رقابة دستورية القوانين ، مرجع سابق ، ص149

(2[1]) لاري إلويتز ، نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية ، مرجع سابق ، ص346 (ملحق بدستور الولايات المتحدة الأمريكية ).

(3[1]) انظر حقوق الافراد – الحرية الفردية ووثيقة الحقوق – ، مرجع سابق ، ص70

(4[1]) التقسيم إلى مناطق هو أكثر أنواع القيود الموضوعة على استخدام الأرض شيوعاً ، بدأت قوانين التقسيم الى مناطق بصفة عامة في الفترة المعاصرة للحرب العالمية الاولى ، وهي الان توجد في المدن والقرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها. وقوانين التقسيم إلى مناطق قسمت البلدية إلى مقاطعات لكل منها استخدامات مختلفة . مثلاً قد يخطط لحي ما أن يكون حياً سكنياً، وحياً اخر أن يكون تجارياً ، وحي ثالث ان يكون صناعياً.

وقوانين التقسيم إلى مناطق واجهت اعتراضات على أساس ان القيود الموضوعة على استخدام الارض كانت تعني “أخذ” المدينة للارض (الاستيلاء عليها) مما يعد انتهاكاً للتعديلين الخامس والرابع عشر من الدستور. والى حد ما ، فان قوانين التقسيم إلى مناطق “تنزع” بالفعل من ملاك الأراضي حقهم في استخدام أملاكهم باي طريقة يرونها ملائمة . وبالرغم من هذا ، فان المحكمة الاتحادية العليا تحكم بصفة عامة ، بان قوانين التقسيم الى مناطق لا تعد “استيلاء” فيه انتهاك للدستور .

انظر روبرت أ. كارب ورونالد ستيدهام ، الاجراءات القضائية في أمريكا ، مرجع سابق ، ص ص241-242

(15) Agins v. City of Tiburon ، 447 U.S. 255 (1980)

نقلاً عن جيروم أ. بارون و س. توماس دينيس، الوجيز في القانون الدستوري ، مرجع سابق ، ص159

(16) Testimony of Roger Pilon ، Protecting Private Property Rights from Regulatory Takings ، Before the Subcommitte or Constitution Committee on Judiciary united States House of Reprenatatives ، Feb.10 ، 1995 ، P.3

نشر هذا التقديم على الموقع الالكتروني http://www.findlaw.com

(17) Nallon v. California Commission ، 483 U.S.825 (1987)

د. هشام محمد فوزي ، رقابة دستورية القوانين ، مرجع سابق ، ص 233

(18) First English Evange lical Lutheran Church of Glendale v. Los Angeles Country ، 482 U.S. 304 (1987)

جيروم أ. بارون و س. توماس دينيس ، الوجيز في القانون الدستوري ، مرجع سابق ، ص ص 160 – 161

(19) Lucas v. South Carolina Coastal Council ، 112 S.Ct.، 2886 (1992)

د. هشام محمد فوزي ، رقابة دستورية القوانين ، مرجع سابق ، ص149

(20) انظر المرجع السابق نفسه ، ص149

([1]2) انظر هذه الأحكام على الموقع الالكتروني http:// www.findlaw.com

ان اتجاه المحكمة الاتحادية العليا نحو عدم التعويض عن الاستيلاء التنظيمي الا في حالات نادرة ، شكل مشكلة كبيرة بحيث باتت من المسائل المطروحة امام مجلس النواب لغرض ايجاد حلول تشريعية بصددها . وهذا ما اكده Roger Pilon (مدير مركز الدراسات الدستورية/ معهد كاتو ) في الورقة التي قدمها امام مجلس النواب في 10 فبراير 1995 ، والتي قال فيها:-

“ان عدم التعويض عن الاستيلاء التنظيمي للملكية الخاصة اصبح مشكلة ضخمة على صعيد الامة الامريكية . فالتنظيمات الفيدرالية والمحلية ازدادت في الآونة الاخيرة في عددها وفي مداها ، وأصحاب الملكية وجدوا انفسهم بصورة متزايدة عاجزين عن استخدام ممتلكاتهم وغير قادرين على استعادة الخسائر التي احدثتها تلك التنظيمات. فالمشكلة بدأت مع تزايد التنظيمات الحكومية التي تمنع اصحاب الملكية الشرعيين من استخدام ممتلكاتهم . ويمكن القول ان هذه المشكلة ممكن ان تنتهي بحكم المحكمة بالتعويض إلى هؤلاء الملاك ، وفقا لما جاء في التعديل الخامس “فقرة الاستيلاء” ، لكن للاسف ، المحاكم لم تحكم بهذا التعويض الا في قضايا معينة ومحددة . وهذا يعني ان اصحاب الملكية، الكبيرة منها والصغيرة ، يتحملون التكاليف كاملة عن المنافع العامة التي تحققها تلك التنظيمات الحكومية ، في حين ان العدالة تقتضي ان تلك التكاليف يجب ان يتحملها العامة (الجمهور) الذين يطلبون تلك المنافع بالدرجة الاولى. وعليه فان الكونكرس بحاجة إلى إعادة النظر في غالبية التنظيمات التي شرعت بشكل كبير خلال القرن العشرين ، لتحديد ما اذا كانت تلك التنظيمات تتوافق مع الدستور الامريكي وتتماشى مع حقوق الشعب الامريكي في تنظيم حياته. وهو بحاجة ايضاً الى بث حياة جديدة في التعديل الخامس “فقرة الاستيلاء” وذلك بجعلها واضحة للمحاكم – التي عنيت في السابق وكان شغلها الشاغل تحديد معنى – الاستعمال العام – الوارد في هذه الفقرة. .. ان التعديل الخامس “فقرة الاستيلاء” تنص على انه ” لا يجوز الاستيلاء على الممتلكات الخاصة للاستعمال العام دونما تعويض عادل ” وفي الوقت الحاضر تفسير المحكمة العليا يذهب إلى ان هذه الفقرة تمكن اصحاب الاملاك من الحصول على تعويض عادل عندما تتوفر الشروط التالية :- 1. ان يتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بصورة فعلية من قبل الحكومة ، بصفة دائمة أو مؤقتة 2. عندما يكون الاستيلاء الحكومي لأغراض صحية أو امنية 3. عندما يشكل الاستيلاء انتقاصاً لقيمة كل العقار او ما يقارب الكل 4. عندما يكون الاستيلاء الحكومي مبنياً على شروط غير معقولة وغير متناسبة مع شروط الترخيص لاستخدام الملكية.

وان قائمة الشروط اعلاه قد تبدو شاملة ، الا انها في حقيقة الأمر تشير إلى مشكلة كبيرة حيث ان معظم التنظيمات لا تقلل من قيمة الملكية الى الصفر أو ما يقارب الصفر . بل تعمل على انقاص قيمتها بما يعادل 25% او 50% أي تعمل على انقاص جزء من قيمة العقار . في هذه الحالات الغالبية العظمى من اصحاب الملكية لا يحصلون على تعويض ، وهذا بالتأكيد ليس ما عناه واضعي الدستور عند كتابتهم لفقرة الاستيلاء .

من الواضح ان المحكمة العليا قد قطعت اشواطاً الى الوراء ، فبدلاً من التساؤل فيما اذا كان العمل الحكومي يشكل استيلاءً ومن ثم السؤال عن قيمة التعويض الواجبة لصاحب الملكية عن هذا الاستيلاء. نجد ان المحكمة بدلاً من ذلك تسأل هل يشكل الاستيلاء خسارة لصاحب الملكية بما يعادل قيمة كل أو ما يقارب الكل من ملكيته وهي اذ تفعل ذلك لانه لم توضع نظريات مدروسة عن الاستيلاء . وهذا مثال واضح لما يجب على الكونكرس فعله من تقديم تعريف واضح للملكية في تشريع خاص ينظم وجوب التعويض عن الاستيلاء العام على الملكية الخاصة استناداً إلى التعديل الخامس”.

Testimony of Roger Pilon، Protecting Private Property rights from Regulatory Takings، Ibid ، PP.1-4

المؤلف : مها بهجت يونس الصالحي
الكتاب أو المصدر : الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ودورة في تعزيز دولة القانون

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .