يتميز الإقرار بخصائص متعددة هي، ان الإقرار عمل اخباري وانفرادي ويصدر عن قصد ويتعلق بمسائل الواقع دون مسائل القانون ويعتبر حجة قاصرة وقاطعة، وندرس هذه المسائل تباعاً.

المطلب الأول : الإقرار عمل اخباري :

عندما يعترف الخصم بواقعة او بحق من الحقوق، إنما يسوق خبرا يظهر به حقيقة هذه الواقعة او يكشف عن الحق، باعتبار انهما قد حصلا في وقت مضى، لذلك فالإقرار لا ينشئ حقا جديداً، وإنما يكشف عن حقيقة امر كان قائما قبل صدوره (1). ولما كان الإقرار عملا خباريا، لذلك لا يجوز تعليقه على شرط او اضافته الى اجل، فالتعليق او الاضافة الى اجل، انما يكون للمستقبل، في حين ان الإقرار اخبار عن امر سابق وبينهما تناف (2). ويعتبر الإقرار صحيحا ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه، لان السبب ليس ركنا في الإقرار وإنما هو ركن في التصرفات القانونية الانشائية، اي انه سبب في ارادة الالتزام السابقة والتي ورد عليه الإقرار (3). واذا ذكرا لسبب في الإقرار، الا ان المقر والمقر له اختلفا في سبب المقر به، فان هذا الاختلاف لا يمنع من صحة الإقرار، كان يدعى شخص على آخر بدين من جهة القرض فيقر المدعى عليه بالدين ولكن من جهة ثمن المبيع، فان هذا الاختلاف في سبب المقر به لا يؤثر في صحة الإقرار، ويلزم المقر بإقراره ويثبت المقر به (4). وقد نصت المادة 66 من قانون الاثبات على أنه اذا اختلف المقر له في سبب المقر به فلا يكون اختلافهما هذا مانعا من صحة الإقرار.

المطلب الثاني : الإقرار عمل انفرادي :

يصدر الإقرار من جانب واحد، فهو يتم بارادة منفردة هي ارادة المقر (5). واذا ما صدر الإقرار التزم به المقر، ولا يمكن تعديله الا لأحد الاسباب التي تطلبه، وبذلك يكون الإقرار تماماً ونافذاً بمجرد صدوره في المقر (6). ولا يحتاج الإقرار الى قبول المقر له ونصت المادة (65 / أولا) من قانون الاثبات على أنه (لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له ولكن يرتد برده)(7). ولا فرق بين ان يصدر الإقرار من المقر اثناء استجوابه، بناء على طلب المحكمة او بناء على طلب خصمه، او ان يكون المقر قد أقر من تلقاء نفسه (8)، ولا يلزم الإقرار، المقر له، فله ان يستفيد منه، كما له ان يرده، فاذا رد المقر له كل المقر به بطل حكم الإقرار في الكل، واذا رد مقداراً من المقر به، فلا يبقى حكم الإقرار في الجزء المردود، ويصح في الجزء الباقي (9)، يرى البعض ان الرد يتنافى مع طبيعة الإقرار من حيث هو اخبار (10). في حين أن الرد لا يتنافى مع طبيعة الإقرار، باعتباره اخبار، ذلك ان الإقرار خبر يحتمل الصدق والكذب، وان رد المقر له الإقرار يتضمن تكذيب المقر فيما أقر به، ومن ثم ينبغي ان نفهم الرد بمعنى التكذيب وليس بمعنى الرفض المقابل للإيجاب في ميدان التصرفات القانونية الانشائية (11). واذا قبل المقر له الإقرار ومن ثم رد فلا يرتد، اي ان الإقرار يبقى محتفظا بقيمته القانونية، ولا يجوز للمقر له ان يعود الى التمسك به مرة اخرى، لان المقر به اصبح بقبول الإقرار ملكاً خالصاً للمقر له (12). واذا كان الإقرار ينطوي على امر يضر بمصلحة المقر له، كالإقرار غير القابل للتجزئة (اقرار مركب) بسبب ان الواقعة المضافة الى الواقعة المدعى بها لمصلحة المقر، كان يعترف الخصم بالدين المدعى به، ولكنه يضيف انه كان قد سدده، في هذه الحالة يكون من حق المقر له أما أن يقبل الإقرار برمته أو أن يرده كله، ويمضي في اثبات دعواه بطرق الاثبات الاخرى (13). وليس للمقر ان يجبر المقر له على التمسك بإقراره، ليستفيد (المقر) من قاعدة عدم تجزئة الإقرار، وللغير (غير المقر له) ان يتمسك بالإقرار اذا كانت له مصلحة في ذلك، فالعبرة ليست بشخص المقر له، بل يقصد المقر باعتبار ان الإقرار حجة على نفسه (14).

المطلب الثالث : الإقرار يصدر عن قصد :

لا يكفي ان يكون الإقرار اخبارا وعملا اراديا وانما ينبغي ان يكون الإقرار صادرا عن قصد او بنية الاعتراف، اي ان يدرك المقر بأنه يقصد الزام نفسه بما أقر به، وان يكون عالما بانه سيتخذ دليلاً وحجة عليه (15). لذلك يشترط في الإقرار الشفهي او الكتابي، ان يكون صادرا من الخصم عن قصد الاعتراف بالحق المدعى به لخصمه وفي صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم (16). وتعبيرا عن ارادة جدية وحقيقية (17). ولا يعتبر اقراراً ما يرد على لسان الخصم في المرافعة من أوجه الدفاع في احدى القضايا، وكذلك ما يسوقه من أقوال لتأييد ادعائه او مناقشته لموضوع الحق لا يصح ان يعد اقراراً (18). وورد في مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري (يجب ان يكون الإقرار اراديا وان يتوافر القصد فيه، فاذا صدر الإقرار من الخصم اثناء السير في الدعوى المتعلق بالواقعة المدعى به عليه، فهوم يصدر عن ارادة، لأنه يوجه الى الخصم الآخر، ويتوافر فيه ركن القصد متى كان المقر يعلم أنه بإقراره هو يقيل خصمه من اقامة الدليل على الواقعة المدعى بها)(19). فالإقرار قضائيا كان او غير قضائي يشترط فيه ما يشترط في سائر التصرفات القانونية من ان يكون صادراً عن ارادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الرضاء، لأنه ينطوي على تصرف من جانب واحد ويتضمن نزول المقر عن حقه قبل خصمه في اثبات ما يدعيه (20)، الا ان هناك اتجاها في الفقه والقضاء يكتفي بالصفة الارادية للاقرار دون حاجة اشتراط القصد لدى المقر بالنسبة للنتائج المترتبة على الإقرار لان القاضي قد يتمكن اثناء الاستجواب، من انتزاع، من بين اقوال الخصم المستجوب او من اقراره ببعض الوقائع ومن سكوته وامتناعه عن الإجابة عن البعض الاخر او من محاولته اللف والدوران حول واقعة معينة، اقرارا بتلك الواقعة او الوقائع (21). وقد رد الاستاذ الدكتور سليمان مرقس على ذلك بما يلي، اذ اقر الخصم المستوجب بأمر معين في اثناء استجوابه نقطع بقصده المقر به ثابتا في ذمته ولو لم يكن قد اقر به من قبل، اما مراوغة الخصم في الإجابة او التناقض في اجاباته، فيمكن اعتباره امتناعا عن الإجابة، يجيز للمحكمة ان تقبل الاثبات بشهادة الشهود والقرائن، واعتبار تضارب الخصم في أقواله قرينة قضائية على ثبوت الواقعة القانونية محل الاثبات (22). ويفرق الاستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي، ويشترط توفر القصد في النوع الأول دون النوع الثاني (23). في حين يرى اتجاه انه اذا كان اشتراطا القصد ضروريا في الإقرار القضائي، حيث ان ظروف التقاضي توجه نظر الشخص العادي حين يقر بحق او واقعة امام المحكمة الى ضرورة التدقيق، فيما يدلي به من أقوال، فان اشتراط القصد في الإقرار غير القضائي يكون من باب أولى، حيث لا تتوفر مثل هذه الظروف (24). ونؤيد الاتجاه القائل بأنه يشترط توفر القصد في الإقرارين القضائي وغير القضائي، ولكن التحقق من توفر القصد او عدمه لا يقور بالنسبة للاقرار القضائي لأنه يفترض فيه توفر ركن القصد دائماً، نظرا للظروف التي يصدر فيها، في حين ينبغي التحقق من توفر القصد بالنسبة للاقرار غير القضائي لصدوره خارج مجلس القضاء او امام القضاء ولكن في دعوى اخرى، مما يجعل المقر غير حذر فيما يدلي به من أقوال او غير مدرك تماما لمرمى اقراره، وانه سيؤخذ به، لهذا لا يمكن الجزم مسبقاً بأن المقر كان يقصد الزام نفسه بهذا الإقرار (25).

المطلب الرابع : الإقرار في مسائل الواقع :

يقتصر الإقرار على مسائل الوقائع التي تنتج اثارا قانونية ضد المقر، سواء كانت هذه الوقائع تصرفاً قانونيا، كاعتراف الخصم بانه اقترض من خصمه مبلغا من النقود، او واقعة مادية كان يعترف الخصم بأنه اغتصب ملك غيره، مما يترتب عليه الالتزام بالتعويض، كما يجوز ان يرد الإقرار على الحق ذاته مباشرة، دون الادلاء بمصدر هذا الحق (26). ولا يجوز ان يرد الإقرار على الحكم القانوني الذي ينطبق على النزاع (27). فاذا اقر الخصم بأن نصا قانونيا معينا ينطبق على النزاع القائم، فان هذا الإقرار لا يقيد القاضي ولا الخصوم أنفسهم، لان تطبيق القانون وتفسيره من اختصاص المحكمة وليس من شأنه الخصوم (28). وكذلك تعتبر مسألة التكييف القانوني لوقائع الدعوى من اختصاص محكمة الموضع، لذلك فأن الوصف القانوني الذي يعطيه الخصم للعقد موضوع الإقرار لا يقيد المحكمة بشيء، ولا يكون للاقرار اثر الا بالنسبة لحقيقة الواقعة دون تكييفها القانوني الذي يبقى من اختصاص قاضي الموضوع (29).

المطلب الخامس : الإقرار حجة قاصرة :

نصت المادة (67) من قانون الاثبات على أن الإقرار حجة قاطعة وقاصرة على المقر (30) وبعد تعديل هذه المادة اصبح كالآتي (الإقرار حجة قاصرة على المقر)، فالإقرار يعد في مقام التصرف القانوني، لذلك فان آثاره تنصرف فقط الى الاشخاص الذين تسري في حقهم آثار التصرف القانوني (31) فالإقرار حجة قاصرة على من أقر بشخصه وعلى من يخلفه خلافة عامة عن طريق الميراث، فاقرار المورث يسري على الورثة باعتبارهم خلفا عاما له (32). فاذا اقرت مورثة الطرفين حال حياتها امام المنفذ العدل بالسند المودع للتنفيذ، وبينت استعدادها لتسديده على هيئة اقساط شهرية، فلا يقدح في صحة هذا الإقرار من ان السند المذكور مذيل ببصمة ابهام ولم يتم بحضور موظف عام مختص او بحضور شاهدين، لان اقرارها امام المنفذ العدل هو اقرار أمام موظف رسمي لا يجوز الطعن فيه الا بالتزوير (33). في حين ان اقرار احد الورثة بحق على التركة لا يسري في حق الورثة الآخرين، فلا يجوز الحكم على كل الورثة بناء على اقرار احدهم في الدعوى المقامة عليه اضافة للتركة، اذ يجب الزام الوارث المقر وحده بما يصيبه من التركة استنادا لهذا الإقرار (34). ومن ناحية اخرى اذا كان الإقرار مورثه بجميع طرق الاثبات، اذا انطوى الإقرار على احتيال على القانون (35). ويسري اقرار الموصي على الموصى له بكل التركة او بجزء شائع منها لأنه يعتبر خلفا عاما له (36). ويسري الإقرار أيضاً على من يخلف المقر خلافة خاصة في حدود ما انتقل الى الخلف من حق بالشروط المطلوبة، ويتأثر الدائن العادي بالإقرار الصادر من مدينة (37). اما اذا اقر احد الشركاء بدين على الشركة كان الإقرار حجة عليه دون غيره من الشركاء (38). وكذلك المدين (332 / 1) من القانون المدني (اذا اقر احد المدينيين المتضامنين بالدين فلا يسري هذا الإقرار في حق الباقين)(39). واذا اقيمت الدعوى على شخصية .. فان اقرار احدهما قاصر عليه ولا يتعدى الى المدعى عليه الثاني (40).

المطلب السادس : الإقرار حجة قاطعة :

يستفاد من نص المادة (68) من قانون الاثبات، ان الإقرار حجة قاطعة ويلتزم المقر بإقراره ولا يصح الرجوع عن الإقرار، وحيث ان الإقرار حجة قاطعة ضد المقر ولا يملك الرجوع عنه قارنا، مما يوجب رد دعواه المقامة بطلب ابطال السند العادي لكونها سعي واقع من قبله في نقض ما تم من جهته (41). وبذلك فان الإقرار، اذا توفرت شروط صحته، عد دليلا كاملا وملزما للمقر وحاسما للنزاع، فالإقرار حجة قاطعة، يقصد به، قطع النزاع وانهائه، ذلك ان اقرار الخصم ضد مصلحته الشخصية يجعل احتمال صدقه ارجح على احتمال كذبه، خاصة وانه يصدر امام المحكمة مما ينبه المقر الى أهمية اقواله التي يدلي بها (42)، فمتى كانت عبارات الإقرار صريحة وقاطعة في الدلالة على ان التنازل الذي تضمنه هو تنازل نهائي عن الاجرة المطالب بها في الدعوى وليس مقصوراً على الحق في السير فيها، فان مقتضى هذا التنازل سقوط حق المقر نهائيا في المطالبة بتلك الاجرة بأي طريق وبالتالي فكل دعوى يرفعها بالمطالبة بهذ2ه الاجرة تكون خليقة بالرفض، اذ لا يجوز له ان يعود فيما أسقط حقه فيه (43).

_____________________

1-الصدة، فقرة 262 ص382.

2-احمد ابراهيم. طرق القضاء ص125. خليج جريح. النظرية العامة للموجبات ج3 بيروت 1960 ص98.

3-مرقس اصول الاثبات فقرة 180 ص496 – 497.

4-مرقس، من طرق الاثبات ج2 ص20. محمد عبداللطيف فقرة 275 ص245.

5-الصدة، فقرة 265 ص386.

6-السنهوري، فقرة 265 ص386.

7-انظر المادة (98 / 1) بينات سوري والمادة (49 / 1) بينات اردني.

8-مرقس. اصول الاثبات، فقرة 199 ص574. الصدة 386.

9-احمد ابراهيم. طرق القضاء، ص127.

10-الصدة، ص386.

11-قيس عبدالستار عثمان، الإقرار، ص100 – 101.

12-احمد ابراهيم. طرق الاثبات الشرعية ص323 – 324.

13-مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص24.

14-مرقس. أصول الاثبات ص503 هامش رقم (74).

15-الصدة، 384. محمود جمال الدين زكي فقرة 697 ص1122.

16-مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص12، ونقض مصري في 30 / 6 / 1965. احمد سمير ابو شادي. مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية وخمس سنوات 1961 – 1966. القاهرة 1967 فقرة 15 ص27.

17-نقض مصري في 5/4/1978 الطعن 1062 س 47 ق. انور طلبة ص613.

18-احمد نشأت ج2 ص8.

19-مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج3 ص432 – 433.

20-الطعن رقم (72) لسنة 35 ق جلسة 11 / 3 / 1969 الموسوعة الذهبية ص 255.

21-يراجع مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص5 هامش وادوار عيد ج1 ص345. قيس عبد الستار عثمان. الإقرار ص109.

22-مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص5 هامش.

23-السنهوري. ص473 هامش رقم (3).

24-مرقس. من طرق الاثبات ج2 ص6 هامش.

25-انظر قيس عبد الستار عثمان. الإقرار ص113.

26-الصدة ص385. توفيق حسن فرج ص193 الهامش.

27-السنهوري، فقرة 244 ص472.

28-الصدة، ص385. ادوار عيد ص349.

29-فتحي والي. قانون القضاء المدني اللبناني ص771.

30-انظر م (100) بينات سوري (51) بينات اردني م (104 اثبات مصري (الإقرار حجة قاطعة على المقر).

31-الصدة، ص387.

32-قرار محكمة التمييز المرقم 48 / استئنافية / 1971 في 13 / 5 / 1971، النشرة القضائية، العدد الثاني، السنة (2) ص92 – 93.

33-قرار محكمة التمييز المرقم 94 / موسعة اولى / 87 – 88 في 30 / 4 / 1988، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثاني 1988 ص71 -72.

34-قرار محكمة التمييز المرقم 135 / م4 / 1973 في 26 / 3 / 1973. النشرة القضائية، العدد الأول، السنة الرابعة، ص29.

35-نقض مصري في 18 / 1/1951 مجموعة أحكام النقض، السنة (2) رقم 49 ص249.

36-أحمد نشأت، ج2 فقرة 504 مكرر ص35.

37-الصدة، 387. محمود جمال الدين زكي، فقرة 700 ص1126.

38-السنهوري فقرة 258 ص502.

39-تقابل المادة 295 / 2 مدني مصري والمادة 295 / 1 مدني سوري.

40-القرار التمييزي المرقم 66 /ح/1990 في 4/3/1990 (غير منشور).

41-قرار محكمة التمييز المرقم 541 / موسعة اولى / 1988 في 30/1/1989 (غير منشور).

42-العبودي، احكام ص 249 – 250.

43-نقض مصري في 16 / 12 / 1965 الطعن رقم 413 لسنة 30 ق. الموسوعة الذهبية ص 222 – 223.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .