يعد الاثبات واجبا على الخصوم كما هو حق لهم، ومن ثم يقتضي الأمر ان يقيم الخصم الدليل على ما يدعيه والا خسر دعواه، فيقدم الى المحكم الدليل الذي يراه سندا لدعواه، ويكون للخصم الآخر أن يفند الدليل الذي يقدمه خصمه وينقضه ويثبت عكس ما يدعيه (1). ولا يجوز للخصم ان يثبت ما يدعيه الا بالطرق التي حددها القانون، فلا يجوز له ان يثبت بالشهادة ما لا يجوز للخصم اثباته الا بالكتابة، كما ليس للخصم ان يطلب اثبات واقعة لا تتوفر فيها الشروط الواجبة وهي ان تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ومنتجة وجائزة الاثبات قانوناً، وللقاضي حرية واسعة في تقدير قيمة الأدلة التي تقدم بها الخصم (2). لذلك لابد ان يعترف القانون للخصم بحقه في الاثبات فيكون له الخيار بين اثبات صحة ادعاءاته ودفاعه او الدليل على ان ادعاءات ودفاع خصمه على غير اساس، وله ان يطلب عرض جميع ادلة خصمه عليه للاطلاع عليها ليعد العدة لتنفيذها. وان تعرض عليه كل عناصر الاثبات التي يستند إليها ذلك الخصم ويكون من شأنها التأثير في تكوين قناعة القاضي في الدعوى لمناقشتها ودحضها (3). ويطلق على هذا المبدأ (مبدأ المجابهة بالدليل) (4) والدليل الذي لا يعرض على الخصم لمناقشته لا يجوز الاخذ به، ولا يجوز للمحكمة ان تأخذ بدليل نوقش في قضية اخرى، ما لم يناقش في القضية المعروضة، وهذا مبدأ جوهري من مبادئ التقاضي، حتى تتكافأ الفرص امام الخصوم في الدعوى (5). ويمكن تحديد مظاهر حق الخصم في الاثبات بما يأتي :

1-الحق في نفي أدلة الخصم، وهذا يجسد مبدأ المساواة بين الخصوم في المراكز الاجرائية ولو استعرضنا نصوص قانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979 لوجدنا أن هناك نصوص عديدة تعبر عن هذا الحق (6).

2-الاعتراض على تقديم الدليل، وقد حدد قانون الاثبات، اثبات وقائع وتصرفات معينة ببعض طرق الاثبات فاذا لم يراع الخصم ذلك، كان للخصم الآخر حق الاعتراض على تقديم الدليل (7).

3-الاعتراض لعدم مراعاة الاجراءات، فاذا نص قانون الاثبات على اجراءات معينة لتقديم الدليل، فعلى الخصم ان يلتزم بهذه الاجراءات في تقديم الدليل (8).

4-الحق في توجيه اليمين الحاسم للخصم، ولكن توجيه هذه اليمين مقيد بقيود منها عدم جواز التعسف في استعمال هذا الحق (9).

5-حق الخصم في الاستشهاد بالشهود والطلب من المحكمة بأجراء المعاينة وتعيين الخبير والمطالبة بالزام الخصم او الغير بتقديم الدفاتر او السندات الموجودة في حيازته او تحت تصرفه (10). وترد على حق الخصم في الاثبات، قيود يمكن تركيزهما في قيدين هما : منع الخصم من اصطناع دليل لنفسه وعدم اجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه ونبحثهما في مطلبين متتابعين.

المطلب الأول : منع الخصم من اصطناع دليل لنفسه :

يجب ان يكون الدليل الذي يحتج به الخصم على خصمه، صادرا من هذا الاخير لكي يكون دليلا عليه، كان تكون الورقة المكتوبة بخطه او امضائه مثلا، ومن ثم فلا يجوز للخصم ان يحتج على خصمه بدليل يصنعه بنفسه كورقة او قول او فعل صادر منه (11). فالقاعدة العامة عدم جواز أن يخلق الشخص دليلا لنفسه، فلا يجوز ان يكون الدليل الذي يقدمه المدعي على دعواه مجرد اقواله او ادعاءاته، اذ لا ينبغي ان يصدق المدعي بقوله ولا بيمينه اذا لم توجه إليه اليمين ولا بورقة صادرة منه يقدمها في الدعوى او مذكرات دونها بنفسه، اذ لا يستطيع الإنسان ان يتخذ من عمل نفسه دليلاً لنفسه يحتج به على الغير (12). الا ان المشرع ولمبررات معينة، يخرج على هذه القاعدة ويجيز للخصم ان يتمسك بدليل صادر منه (13).

المطلب الثاني : عدم اجبار الخصم على تقديم دليل ضده :

الاصل عدم جواز اجبار الخصم على تقديم دليل يرى انه ليس من مصلحته تقديمه، ذلك ان من حق كل خصم ان يحتفظ بأوراقه الخاصة به وليس لخصمه ان يلزمه بتقديم دليل يملكه ولا يريد تقديمه، ومع ذلك ترد استثناءات على هذا المبدأ، بهدف التوصل الى حقيقة النزاع وايصال الحق الى أصحابه، فالالتزام القانوني او الاخلاقي يوجب على الخصم ابراز ما تحت يداه او ما في حوزته من مستندات ووثائق وسندات تساهم في حسم الدعوى، فالالتزام الاخلاقي يوجب على كل خصم ان يسعى الى قول الصدق واثبات الحقيقة، وبجانب هذا الالتزام، تقوم حجة قانونية يمكن الاستناد إليها في اجبار الخصم على تقديم دليل تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه، وذلك بطريق القياس على المبدأ المقرر في نظرية الالتزام ان الشرط يعتبر قد تحقق اذا كان الطرف الذي له مصلحة في ان يختلف قد حال دون تحققه بطريق الغش، فالخصم الذي يمتنع عن تسليم دليل الاثبات الذي تحت يده بطريق الغش يعد ذلك تسليما منه بصحة ما يدعيه خصمه، ثم ان المصلحة العليا للعدالة تسمو على مصلحة الافراد الخاصة، لكل ذلك نستطيع القول بجواز اجبار الخصم على تقديم الدليل الذي تحت يده حتى ولو كان ضد نفسه كما يجوز ان يوجه هذا الطلب الى أي شخص آخر، غير الخصم، في الدعوى ولايضار شخصيا من تقديم هذا الدليل (14). نصت المادة (9) من قانون الاثبات على ان للقاضي ان يأمر ايا من الخصوم بتقديم دليل الاثبات الذي يكون بحوزته، فان امتنع عن تقديمه جاز اعتبار امتناعه حجة عليه (15). وفي الفقه الاسلامي يمكن تخريج مبدأ الزام الخصم بتقديم السندات او الاوراق الموجودة تحت يده، على مبادئ الشريعة الاسلامية، فقد تقرر في فقه الشريعة، ان على المدعى عليه واجبات تجاه المدعى والمجتمع وان في مقدمة واجباته هذه وجوب الجواب على ما يدعيه المدعي، ومرد هذا الجواب، واجب آخر اعم منه هو واجب قطع الخصومة والمنازعة (16)، ويرى الاستاذ الدكتور صلاح الدين الناهي .. ان الفقه الاسلامي سبق الفقه الوضعي في تقرير حق الخصم في الزام خصمه بتقديم وثيقة او اي رسم آخر بيده له فيها او فيه حق (17).

_______________________

1-الدكتور محمود جمال الدين زكي. الوجيز في النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري. القاهرة. مطبعة جامعة القاهرة ط3 1978 فقرة 631 ص 1029 – 1030.

2-السنهوري. الوسيط ج2 فقرة 28 ص34 – 35.

3-ادور عيد ج1 ص20.

4-توفيق حسن فرج ص19.

5-السنهوري. الوسيط، ج2 ص32-33.

6-انظر المواد 36. 80. 114 / أولا، 119.

7-انظر المواد 76، 77، 79.

8-انظر المادتان 72 / أولا و 115 / اولا من قانون الاثبات.

9-المادتان 115 / ثانيا و 119 من قانون الاثبات.

10-المواد 53 – 58، 80 – 91، 125، 135 / أولا من قانون الاثبات. للتوسع في مظاهر الحق في الاثبات انظر جليل حسن الساعدي، كفالة حق الدفاع اثناء الدعوى المدنية، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون بجامعة بغداد 1993 ص118 وما بعدها.

11-محمود جمال الدين زكي فقرة 633 ص 1031 وقد قضت محكمة التمييز (لا يحق للمدعي ان يعد الدليل لنفسه بنفسه، وانما يترتب عليه تقديم البينة المثبتة لما يدعيه) القرار المرقم 1717 / ادارية / 1984 – 1985 في 12/1/ 1985، أنظر الاحكام العدلية العددان الأول والثاني 1985 ص53 – 54.

12-توفيق حسن فرج ص23.

13-انظر المادة 17 من قانون الاثبات المصري على ان (للتاجر ان يستند الى البيانات التي دونها في دفاتره كدليل لصالحه لاثبات ما ورده الى عملانه).

14-تناغو. النظرة العامة في الاثبات فقرة 11 ص 30 – 31.

15-انظر المواد 53 / أولا، 54، 57، 58 / أولا من قانون الاثبات.

16-الكاساني، بدائع الصنائع ج5 ص224.

17-فذلكة في الاثبات القضائي ص41.
سؤال وجواب

هل الأنبياء كلهم شرقيون
التاريخ: 24 / أيلول / 2014 م 3114
ما هو الأجل المسمى ؟
التاريخ: 24 / أيلول / 2014 م 2956
لا شيء بعد الموت!
التاريخ: 24 / أيلول / 2014 م 3243
هل في القرآن تعابير جافية ؟
التاريخ: 24 / أيلول / 2014 م 2361
كيف يمكن أن يتركنا اللَّه لوحدنا نواجه جنود الشيطان القوية والقاسية
التاريخ: 8 / 12 / 2015 3440
شبهات وردود

عصمة شيخ الأنبياء نوح (عليه السلام) والمطالبة بنجاة ابنه العاصي
التاريخ: 28 / أيلول / 2015 م 2054
مصطنعاتٌ وتلفيقاتٌ هزيلة على القران الكريم
التاريخ: 8 / تشرين الثاني / 2014 م 1765
أصل الإنسان
التاريخ: 8 / تشرين الثاني / 2014 م 1538
شبهات حول القرآن على ضوء روايات الشيعة
التاريخ: 23 / تشرين الثاني / 2014 1628
هل تعلم

النظام التنفيذي في عصر النبي صلى الله عليه و آله
التاريخ: 25 / 11 / 2015 1231
إبليس كان كافراً
التاريخ: 2 / حزيران / 2015 م 1206
الشرائط الكمالية للقاضي
التاريخ: 25 / 11 / 2015 1363
الجن يروننا ولا نراهم
التاريخ: 2 / حزيران / 2015 م1341

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .