السرية المصرفية في القانون المقارن

السرية المصرفية في القانون السويسري :

إن الأهمية القصوى التي بلغها نظام السرية المصرفية في القانون السويسري لا تعود في ذلك إلى وجود نص خاص واضح وصريح بهذا المعنى .
فالركيزة القانونية الوحيدة التي مهدت الطريق وساعدت على توسيع وتطور السر المصرفي في هذا البلد هو نص المادة 47 فقرة ( ب ) ن القانون الاتحادي السويسري المتعلق بالمصارف وصناديق الادخار تاريخ 8 تشرين الثاني سنة 1934.

وأن هذا النص يندرج في سلسلة نصوص متعلقة بسر المهنة بشكل عام لذلك فهو لا ينظم بشكل واف ومفصل كل التفاصيل التي يطرحها تطبيق السر المصرفي مما يفتح المجال واسعاً أمام الفقه والاجتهاد لتطوير هذا النظام وفقاً لمتطلبات الأحداث والتجارب التي مرت به حتى استقر على الصورة التي هو عليها اليوم .

لذلك فمن الملاحظ أن القانون السويسري يحتوي على ثغرات عديدة من حيث التقنين بالنسبة للقانون اللبناني ولكن ما يغطي هذا النقص ويقوي الثقة العالمية بالنظام هو سياسة التشدد في التطبيق والصمود في وجه كل العوائق التي اعترضته في مراحل عديدة .

ومن بوادر الغموض في قانون السرية المصرفية السويسري ، هو افتقاره لتحديد واضح بالنسبة لنطاق موضوع السر الذي يعتبر الإخلال به جرماً جزائياً على عكس النصوص الجزائية التي تتصف إجمالاً بالدقة والوضوح .

بالإضافة إلى ذلك لا يوجد في القانون السويسري نص يعفي أصحاب المصارف والعاملين فيها من موجب أداء الشهادة أمام المحاكم ، ويبقي لهذه الأخيرة إمكانية إلزام الصيارفة على أداء واجبهم أمام القضاء استناداً إلى النصوص الاتحادية الأخرى كنص المادة 321 ، فقرة 5 ع.س. والتي تنص بالنسبة للسر المهني على أنه تبقى مرعية الأحكام الاتحادية والمحلية التي توجب إخبار السلطة أو أداء الشهادة أمام المحاكم .

جاء في المادة المذكورة : 47 فقرة (ب)

>.

كذلك فإن القانون السويسري لا يحتوي على نص صريح يعفي أصحاب المصارف ، من إطلاع السلطات العسكرية والقضائية والمالية على حسابات زبائنها أو يجيز لهم عدم إجابة الحجوزات الملقاة بين أيديهم .

هذا فيما يتعلق بالنصوص القانونية أما من حيث التطبيق فإن العادة واجتهاد المحاكم درجا على السماح للصيرفي بالتمنع عن القيام بواجبه إذا طلب منه ذلك بداعي وظيفته .

إذن فإن النقص التشريعي حول السرية المصرفية في سويسرا ليس له أي أهمية من الناحية العملية، لا بل يمكننا افتراض العكس نظراً للنتيجة التي بلغها تطبيق هذا النظام . إذ أن الإرادة في المحافظة على نظام السرية المصرفية جعلت المعنيين ينكبون على ملئ الثغرات الموجودة في القانون بحسب التطور الاقتصادي المستمر .

والتاريخ يزودنا بأمثلة عديدة عن المواقف التي اتخذتها المصارف في سويسرا بوجه كل محاولة لخرق جدار السرية المصرفية ، ولو صدرت هذه المحاولات عن الدول التي تريد معرفة مقدار الأموال المودعة لديها لحساب رعاياها.

السرية المصرفية في القانون الفرنسي :

لموجب التكتم المصرفي المعروف حالياً في فرنسا تاريخ طويل تعود جذوره التشريعية إلى القرن السابع عشر . وهذا ما يستدل من سلسلة قرارات ومراسيم ونظم تشريعية ، مبعثرة لم يكن هدفها الرئيسي تنظيم السر المصرفي بمعناه الضيق ولكنها وضعت لحماية (( سرية أعمال الصرافة والبنوك )) بوجه عام-
(Secret Des affaires de change et de banque )
أول نص تناول هذا الموضوع صدر عن مجلس الملك بتاريخ 2 نيسان 1639 بصدد بورصة باريس وكان الغرض منه استبدال تسمية :

Courtiers de change ) (( سماسرة الصرف )) بتسمية أخرى هي :
( Agents de banque et de change ) (( وكلاء الصرف والمصارف )) .
أما المحاولة الإشتراعية الثانية فتمثلت بتنظيم تشرين الأول سنة 1706 والذي عبر في مادته الثامنة عن السرية المطلوبة من مصالح الصرف بشكل واضح وصريح .

صدر بعد ذلك قراران عن مجلس شورى الدولة الأول سنة 1720 ، والثاني سنة 1724 أشار بشكل صريح إلى واجب الصراف بحفظ الأسرار المتعلقة بمعاملاته مع الوسطاء أو أصحاب المصارف .

أما فيما يتعلق بالتشريع الفرنسي الحديث فإن واجب احترام السر المصرفي يرتكز على مصدرين اثنين : الأول تعود جذوره إلى التقاليد ويترجم بواجب التكتم بشكل عام بحيث أن خرقه يعرض صاحبه لعقوبة مدنية صرف .

أما الثاني وهو ما يعرف بسر المهنة فينظمه نص المادة 378 من قانون العقوبات ويؤدي إلى تطبيق عقوبات جزائية بحق من أقدم على إفشائه دون مسوغ قانوني .

وتنص المادة المذكورة أعلاه أن الأطباء والجراحين وضباط الصحة والصيادلة ، والقابلات وجميع الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بموجب وضعهم أو مهنتهم ، الذين خارج الحالات التي يلزمهم أو يحميهم فيها القانون ، يقدمون على إفشاء هذه الأسرار يعاقبون بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 500 و 3000 فرنك .

جاء في المادة المذكورة :
<>.

يتبين من هذه المادة أن المشرع ألزم بشكل صريح بعض المهن على حفظ السر دون الإتيان على ذكر مهنة الصيرفي ولكنه بالمقابل أورد عبارة ذات مدلول عام بحيث شملت جميع الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بموجب وضعهم أو مهنتهم .

هكذا واستناداً إلى هذه العبارة ، ولتبرير الاعتراف بالسر المصرفي ، تبنى الفقه والاجتهاد نظرية المؤتمن الضروري ( Confident nécessaire ) أي حالة صاحب المهنة الذي لا يمكنه ممارسة مهنته على وجه صحيح دون الحصول على أسرار معينة تتعلق بالشخص الذي يتعامل معه .

على أن ما تقدم لا يعكس بالضرورة إجماع الفقهاء الكلي على اعتبار موظفي المصارف مؤتمنين ضروريين . فقد ظل الانقسام في الرأي سائداً بالنسبة لهذا الموضوع حتى تنظيم سنة 1943 والمادة 19 من قانون 2 كانون الأول 1945 التي كرست مبدأ إعطاء الصيرفي صفة الأمين الضروري وبالتالي خضوعه لأحكام المادة 378 من قانون العقوبات .

وبذلك يكون المشترع الفرنسي مدعوماً بموقف الفقه والاجتهاد ، قد اعترف بمبدأ السرية المصرفية ولكن دون أن يخصص له نصوصاً قانونية معينة بل اكتفى بتطبيق نص المادة 378 من قانون العقوبات على موظفي المصارف .

إذن فإن موضوع السرية المصرفية في القانون الفرنسي يدخل ضمن إطار النص العام الذي يتحدث عنه سر المهنة ككل وهذا يفسر من ناحية أولى النسبية السائدة في تطبيق نص المادة 378 من قانون العقوبات ، لأن ما يتحكم عادة في التطبيق هو مستلزمات ومقتضيات المهنة كل حسب ظروفها . فما يعتبر سراً بالنسبة للطبيب أو الكاهن ليس من الضروري اعتباره كذلك بالنسبة للصيرفي أو على الأقل من الدرجة عينها .

ومن ناحية ثانية الإستثناءات العديدة التي ضيقت إلى حد ما نطاق العمل بمبدأ السر المصرفي والتي تعود بمجملها إلى التضارب الحاصل بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة ، أو بين هذه الأخيرة مع بعضها البعض ، وهكذا نلاحظ عدم سريان السر المصرفي تجاه القضاء أو تجاه الدوائر المالية . ويفسر البعض وجود هذه الاستثناءات لنظام السرية المصرفية الفرنسي ، إلى كون هذا الأخير يفتقر إلى تنظيم خاص ومتشدد بالنسبة لهذا الموضوع بالذات .

السرية المصرفية في القانون اللبناني :

* السرية المصرفية قبل قانون 3 أيلول 1956 :

ـ المسؤولية التعاقدية

قبل قانون 3 أيلول 1596 لم يكن التشريع اللبناني يتضمن أي نص يوجب على المصرف حفظ السر حول الأمور التي كانت تتصل به بفعل نشاطه ، ولم يكن أصحاب المصارف والموظفون ملزمين بأي موجب خاص للمحافظة على سر المهنة بل كان هذا الموجب موجباً عاماً يستند على العادات المتبعة في المصارف التي كانت تعتبر نفسها أمينة على كتمان العمليات التي تقوم بها . والزبون الذي كان يتعامل مع المصرف كان يعتمد على أمانة صاحب المصرف وموظفيه للتكتم حول عملياته المصرفية وذلك بالرغم من أن المصرف لم يكن مجبراً على هذا التكتم .

فالموجب الملقى على عاتقه كان فقط موجباً تعاقدياً إذا ما خالفه المصرف حق للزبون المطالبة بالعطل والضرر وفقاً لأحكام المادة 252 من قانون الموجبات والعقود . وإن مبدأ المسؤولية هذا لا يفرق بين إفشاء السر عن قصد أو عمد أو نتيجة إهمال أو قلة احتراز .

وإن تقدير التعويض هو الذي كان يوجب التفريق لأن المادة 262 من قانون الموجبات والعقود تنص على أن التعويض يوجب على المخالف أن يدفع فقط الضرر الممكن توقعه عند عقد الاتفاقية إذا كانت المخالفة عن حسن نية ، بينما يجب أن يشمل التعويض الأضرار المباشرة وغير المباشرة في حالة الخداع(1) .

ـ المسؤولية الجزائية

كرست المادة 579 من قانون العقوبات مسؤولية جزائية على (( من كان بحكم حرفته أو وظيفته أو مهنته أو فنه ، على علم بسر أفشاه دون سبب شرعي أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة آخر عوقب بالحبس سنة على الأكثر وبغرامة لا تجاوز المئتي ليرة إذا كان الفعل من شأنه أن يسبب ضرراً ولو معنوياً )) .

إن الجرم الملحوظ في المادة المذكورة له صفة الجريمة المقصودة . فالمخالف لا يلاحق و لا يحكم عليه إلا إذا توفرت شروط هذه الجريمة أي العلم والقصد والإرادة . أما إذا كان إفشاء السر قد حصل عرضياً نتيجة قلة احتراز أو الإهمال فلا يمكن الملاحقة والحكم إلا بعقوبات تأديبية أو مدنية .

إن العلم والاجتهاد كانا يرفضان تطبيق المادة 579 من قانون العقوبات على الأشخاص الذين لا يمكن اعتبارهم مجبرين على حفظ السر ومن بينهم صاحب المصرف . لذلك لم يكن ممكناً تطبيق أحكام المادة المذكورة بحقه ولو أفشى بسر من الأسرار عن قصد وعن إرادة (2) .
وكانت هنالك مطابقة تامة بين مواقف علمائنا والحلول التي أعطاها اجتهادنا وتلك التي اتخذها العلماء والاجتهاد في فرنسا وغيرها من البلاد طالما أن المشترع في لبنان لم يجعل نظام سر المهنة يشمل أصحاب المصارف .

ــــــــــــــــــــــــــــ
…. ( 1 ) Voir FABIA(ch.),L’institution du secret bancaire au liban, R.T.D.com, 1957, P . 55 .
( 2 ) Voir FARHAT ( R.), le secret bancaire, Paris, L.G.D.J.,1970, P.39.

ـ موجب إفشاء السر

قبل قانون 3 أيلول 1956 لم يكن صاحب المصرف ملزماً على حفظ سر المهنة ، كلما كان إفشاء هذا السر مترتباً وفقاً لنص قانوني . وهكذا كان في الحالات التالية :

· في الحجز لدى شخص ثالث
كانت المادة 637 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على انه يترتب
على كل شخص تبلغ ورقة الحجز (( أن يرسل إلى دائرة الإجراء كتاباً مضموناً ومصحوباً بسند إيصال مشتملاً على تصريح يدل على حقيقة المبلغ الموجود في ذمته للمحجوز عليه )) .

وإن هذا التدبير لم يكن يفرق فيما إذا كان الدين ناتجاً أم لا عن مزاولة مهنة ، وكان يطبق على صاحب المصرف المدين لزبون له عندما كان يبلغ قرار الحجز .

– في قضايا الضرائب

كانت المادة 93 من قانون ضريبة الدخل المؤرخ في 4 كانون الأول سنة 1944 تنص على أنه (( لا يجوز لأحد ، حتى ولا للدوائر الرسمة والهيئات العامة ، والمؤسسات ذات الامتياز… أن تحتج بسر المهنة إذا طلب منها موظفو المالية المختصون الاطلاع على مستند أو قيد يتعلق بفرض الضرائب المحدثة )) بموجب هذا القانون .

وكانت المادة 95 من القانون نفسه تلزم (( كل صيرفي ، أو وكيل أملاك أو أموال أو تاجر يتعاطى دفع واردات الرساميل المنقولة ، وكذلك كل شركة أو تاجر ، بإطلاع موظفي المالية المختصين ، لدى الطالب ، على كل السجلات والمستندات الحسابية )) وعلى كل ما من شأنه أن يثبت صحة التصريح المقدم من أي مكلف كان .

وكانت المادة 25 من قانون ضريبة الإرث المؤرخ في 21 كانون الأول سنة 1951 تفرض على كل شخص مدين لتركة ، وعلى كل شخص مستودع أو واضع اليد على شيء منها أن يقدم خلال أسبوعين من تاريخ علمه بوفاة صاحب التركة أو إعلامه بها تصريحاً يبين فيه ما عليه من ديون نحو المتوفى أو ما في حوزته من أموال التركة .

* في الشهادة أمام المحاكم الجزائية والمدنية والتجارية :

لم يكن المصرف معفى أمام المحاكم الجزائية من الإدلاء بشهادته ومعلوماته بكل ما يتعلق بعمليات أحد الزبائن ، عندما كان يطلب منه ذلك دون حاجة إلى أن يحله الزبون من موجب الكتمان . وهذا المبدأ ، كان يطبق مثلاً في دعوى سحب شك دون مؤونة .

وكانت المادة 407 من قانون العقوبات تطبق على صاحب المصرف الذي كان يرفض الإدلاء بشهادته أمام المحاكم الجزائية . وكان للقاضي الحق ، للوصول إلى الحقيقة ، بإجراء تفتيش في مكاتب المصرف ، وحجز كل المستندات التي يراها مناسبة للتحقيق الذي كان يقوم به . وإن واجب الإدلاء بالشهادة لم يكن فقط مترتباً أمام المحاكم الجزائية العادية ، بل كان مترتباً أيضاً أمام المحاكم الإستثنائية كالمحاكم العسكرية مثلاً .

أما أمام المحاكم المدنية والتجارية فكان من المعترف به عند الجميع بأن صاحب المصرف ، بالرغم من أنه لم يكن مجبراً على كتمان السر ، معفى من الإدلاء بشهادته فيما يتعلق بعمليات زبائنه إلا إذا حله الزبون من سرية هذه المعاملات وكانت تتعذر دعوته إلى كشف دفاتره إذا لم يكن هو أحد الفرقاء في الدعوى .

يتضح لنا من خلال هذا العرض السريع أنه لم يكن يوجد سر مصرفي بالمعنى الصحيح قبل قانون 3 أيلول سنة 1956 ، ولم يكن أصحاب المصارف ملزمين بأي موجب خاص للمحافظة على سر المهنة بل كان الموجب الملقى على عاتقهم يرتكز على العادات المتبعة في المصارف والتي تعتبر نفسها أمينة على كتمان العمليات التجارية التي تقوم بها .

** قانون 3 أيلول سنة 1956:

في النصف الثاني من الخمسينات وجدت الحكومة اللبنانية أن نظام السرية المعمول به لم يعد كافياً في بلد كلبنان أصبحت فيه الحركة المصرفية تشكل ركناً أساسياً من أركان اقتصاده نظراً لأهمية رؤوس الأموال الأجنبية عموماً ، والعربية خصوصاً ، التي كانت تتدفق على المصارف اللبنانية بحثاً وسعياً وراء الأمان والحماسة والاستقرار .

فأراد المشترع من جهة أولى تشجيع رؤوس الأموال هذه على البقاء في لبنان ، ومن جهة ثانية أن يستجلب المزيد منها فرأى من المفيد ، توصلاً لتلك الغايات ومتأثراً بالسابقة السويسرية أن يضع تشريعاً خاصاً يتعلق بالسرية المصرفية ، يؤمن للمودعين ، ولزبائن المصارف العاملة في لبنان مكسباً هاماً يتمثل بحماية وتغطية جميع عملياتهم مع تلك المصارف بشكل مطلق .

ولقد أثير حول هذه القضية جدل كبير وكانت موضع أبحاث ودراسات مستفيضة في المجلس النيابي ، استمرت زهاء سنة من الزمن ، كانت في بنتيجتها ان صدر بتاريخ الثالث من أيلول سنة 1956 قانون السرية المصرفية ، الذي ألزم المصارف بكتمان السر لمصلحة زبائنهم بصورة مطلقة ( 1 ) .

لذلك فإن دراسة نظام السرية المصرفية الذي استحدثه قانون 3 أيلول سنة 1956 يقتضي بحث موجب حفظ السر المصرفي في ظل هذا القانون

إن الموجب الملقى على عاتق المصرف لحفظ السر يخول المصرف بالمقابل سلطة التصدي لكل طلب إفشاء له سواء أتى من أشخاص القانون الخاص أو من السلطات العامة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
Voir FARHAT ( R ), op.cit,p.83.

أولاً : في العلاقة بين المصرف وأشخاص القانون الخاص .
إن تطبيق نظام السرية المصرفية لا تعترضه صعوبات في العلاقة بين المصرف وأشخاص القانون الخاص .
ففي حياة الزبون يمكن الاحتجاج بالسر في مواجهة أقاربه وزوجه وأولاده ومساعديه ودائنيه .
وفي مماته يمكن استثنائياً الاحتجاج بالسر في مواجهة ورثته .

موجب حفظ السر خلال حياة الزبون .
يمكن الاحتجاج بالسر في مواجهة أقاربه وزوجه وأولاده ومستخدميه وممثليه ولكن لا يمكن الاحتجاج بالسر في مواجهة الزبون نفسه .
وإذا كان الزبون قاصراً أو محجوراً عليه فإن ممثليه القانونيين يمكنهم في كل وقت الاطلاع على عملياته وأسراره المصرفية .

ويمكن كذلك الاحتجاج بالسر في مواجهة دائني الزبون الذين لا يستطيعون تخطي هذا المحظور إلا في حال إفلاس مدينهم ( الزبون ) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع قاضي الأمور المستعجلة في بيروت ، قرار رقم 309 تاريخ 26 حزيران 1972، حاتم 135، ص45. 46 ، وقاضي الأمور المستعجلة في بيروت ، قرار رقم 5 تاريخ 27 كانون الثاني 1986 ، غير منشور ، ومحكمة استئناف بيروت ، الغرفة الخامسة ، حكم رقم 92 تاريخ 6 تشرين الثاني 1986 ، غير منشور .

موجب حفظ السر بعد موت الزبون :
1- موجب حفظ السر :
بعد موت الزبون يستمر موجب حفظ السر من قبل المصرف لأن العمليات
المختلفة قد تبقى مستمرة ولأن هذه العمليات هي جزء من ذمة الذين أصبح لهم وعليهم حقوق الزبون أي الورثة الذين يصبح موجب حفظ السر ملزماً لمصلحتهم من قبل المصرف ( 1) ، فكل وريث له الحق شخصياً بجميع المعلومات من قبل المصرف تطبيقاً لمبدأ التضامن الذي يربطه بالورثة ولأن شخصية الوريث هي متممة لشخصية المورث في هذه الحالة .

2- الحساب المشترك (2)
جاء في المادة 3 من القانون الذي أجاز فتح حساب مشترك في المصارف الخاضعة للسرية والصادر في 19 كانون الأول 1961 ك
<< عند وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك يتصرف الشريك او الشركاء بكامل الحساب مطلق التصرف .

وبهذه الحالة ليس على المصرف إعطاء أية معلومات لورثة الشريك المتوفى ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا إذا تضمن عقد فتح الحساب نصاً صريحاً بهذا المعنى . ويجب أن تدون أحكام هذه المادة بحرفيتها في عقد فتح الحساب المشترك>>.
ــــــــــــــــــــــ
1- يراجع محكمة بداية بيروت المدنية ، قرار رقم 1827 ، تاريخ 24 تموز 1967، حاتم 109، ص60 ؛ بداية بيروت التجارية ، قرار رقم 116، تاريخ 23 كانون الأول 1982، العدل 1984، ص 516 .
2- قاضي الأمور المستعجلة في بيروت ، قرار رقم 5 تاريخ 27 كانون الثاني
1986، المذكور آنفاً ، محكمةاستئناف بيروت، الغرفة الخامسة، حكم رقم 92 تاريخ 6 تشرين الثاني 1986، المذكور آنفاً .

– في الحالة التي يتضمن فيها عقد الحساب نصاً صريحاً : إن المصرف في
هذه الحالة معفى من موجب حفظ السر تجاه الورثة .
– في الحالة التي لا يتضمن فيها عقد الحساب نصاً صريحاً : إن المصرف
في هذه الحالة ملزم بحفظ السر تجاه ورثة المتوفى .

ونتساءل: في هذه الحالة هل يستطيع الورثة معارضة سحب صاحب الحساب الذي بقي على قيد الحياة للمبلغ المتبقي في الحساب بعد وفاة مورثهم ؟؟

اختلفت الآراء حول هذا الموضوع ففي حين يرى الأستاذ شماس أنه يحق
للورثة الاعتراض على سحب المبلغ المتبقي في الحساب
<< il appartiendra toujours aux héritiers de faire opposition au retrait par les titulaires survivants de la totalité du compte et il faudra considérer une telle opposition si elle faite à temps >> .
يرى كل من الأستاذين فابيا وفرحات عكس هذا الرأي بالرغم من أن هذه الوجهة تستتبع نتائج وخيمة مبررين ذلك بإرادة المشترع الصريحة المنصوص عنها في المادة 3 المذكورة :
<< Nous … pensons qu’ en fait , la banque recevant une opposition de la part des héritiers du titulaire décédé d’ un compte joint, en dehors de toute information émanant de cette banque , ne doit pas accéder à la dite opposition >> .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع بداية بيروت التجارية ، قرار رقم 116 ن المذكور آنفاً .
Voir CHAMMAS ( S) la loi libanaise sur le compte joint. Analayse et formule d’ acte , le commerce du levant du 16 déc.1964 ,cite par FARHAT( R) ,op.cit.,p.101,note 10 .
Voir FABIA ( ch.) le fonctionnement des comptes joints au liban,le commerce du levant ,No 18 du 15 fév.1962,pp.9-15
Voir FARHAT( R) , op . p.101 .

ثانياً : في العلاقة بين المصرف والسلطات العامة :
حول هذه العلاقة يتمحور الطابع الفريد لقانون 3 أيلول ستة 1956 المتمثل برفض المصرف البوح بأسرار زبائنه لمصلحة الضرائب وللسلطة القضائية .

موجب حفظ السر في مواجهة مصلحة الضرائب :
على المصرف أن يرفض بصورة جازمة ، عملاً بأحكام قانون السرية المصرفية ، كل تفتيش يطلب مأمور المالية إجراءه عملاً بأحكام المادة 103 من المرسوم المتعلق بضريبة الدخل والتي جاء فيها :
<< يلزم كل شخص حقيقي أو معنوي في لبنان بإطلاع موظفي المالية المختصين ، لدى الطلب ، على جميع ما لديه من سجلات ومستندات ومعلومات تساعد على تحديد أسس الضريبة التي قد تتوجب عليه أو على غيره من المكلفين . لا تطبق أحكام هذه المادة على المصارف الخاضعة لقانون 3 أيلول سنة 1956 المتعلق بسرية المصارف >> .

ولا تطبق على المصارف أحكام المادة 25 من المرسوم المتعلق بفرض رسم انتقال على الأموال المنقولة وغير المنقولة(1) والتي جاء فيها :

<< يتوجب على كل مدين لتركة بأموال أو مستندات أو أسهم أو أية حقوق أخرى وعلى كل من كان مستودعاً لديه أو واضعاً اليد على شيء من هذا القبيل أن يصرح بذلك للدائرة المالية المختصة في خلال شهرين من تاريخ علمه بوفاة صاحب التركة أو إعلامه بها .

(1)المرسوم الاشتراعي رقم 146 الصادر في 12 حزيران سنة 1959 . ولا يجوز لهؤلاء المدينين أن يسلموا شيئاً مما في ذمتهم أو في حوزتهم إلى ذوي العلاقة إلا بعد إبراز هؤلاء شهادة من الدائرة المالية المختصة تثبت تأدية الرسم أو عدم توجبه . غير أنه بإمكان المدينين المذكورين أن يودعوا ما قد يكون في ذمتهم أو في حوزتهم في صندوق الخزينة أو في أي مصرف تعينه لهم الدائرة المالية المختصة أو أصحاب العلاقة بموافقة هذه الدائرة ، ويكون هذا الإيداع مبرئاً لذمتهم مع عدم الإخلال بما يكون لهم أو لأصحاب العلاقة من حقوق . لا تطبق أحكام هذه المادة على المصارف الخاضعة للقانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بسرية المصارف >> .

ولا تطبق كذلك على المصارف أحكام المادة 28 من المرسوم نفسه والتي جاء فيها :

<< على الذين يؤجرون عادة خزائن أو صناديق حديدية وكان لديهم خزانة مؤجرة كلها أو بعضها إلى شخص توفي أن يحيطوا الدائرة المالية المختصة علماً بالأمر خلال أسبوع من تاريخ علمهم بالوفاة . واعتباراً من تاريخ الوفاة يحظر فتح الخزائن أو الصناديق بدون حضور مندوب عن الدوائر المذكورة . لا تطبق أحكام هذه المادة على المصارف الخاضعة للقانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بسرية المصارف >> .
ولا تطبق كذلك على المصارف أحكام المادة 29 (1) من المرسوم عينه .
(1) يراجع مجلس شورى الدولة ، قرار رقم 342 تاريخ 9 تشرين الثاني 1979، حاتم 170، ص 246-251

هناك بعض الرسوم والضرائب التي تسري على عمليات مصرفية معينة وعلى المصرف أن يؤديها ولكن واجب الاحتراز الكبير عندما يضطر لتقديم التصاريح المنصوص عليها كي لا يظهر من خلالها أي إشارة إلى هوية الزبون ومن هذه الرسوم :

– فيما يتعلق بالضريبة المتوجبة على لديون المؤمن عليها عقارياً : على المصرف ألا يذكر في التصريح كل ما من شأنه تعريف صاحب العقار إذا اقتضى ذلك عدم ذكر رقم هذا العقار .
– فيما يتعلق بالضريبة المتوجبة على السندات والأسهم الأجنبية : على المصرف أن يضع جدولاً لكل معاملة يكون خلواً من ذكر اسم المستفيد وعنوانه .

– فيما يتعلق بالضريبة المتوجبة على الحسابات الجارية : على المصرف أن يكتفي في تصريحه للمالية بأن ينوه عن مبلغ الضريبة المتوجب على كل حساب جار بعد أن يشير إلى هذا لحساب بحرف أو برقم معين .

– فيما يتعلق بالودائع المختلفة والتي أصبحت ملكاً للمصرف بفعل مرور الزمن فالقوانين السابقة تجعل نصيب وزارة المال منها ما يعادل خمسين بالماية من قيمتها . وبعد صدور قانون سرية المصارف أتبعت بشأن هذه الأموال الطريقة الآتية :
· إذا وقع تاريخ مرور الزمن قبل صدور قانون 1956 ، تطبق القوانين السابقة ويكون المصرف وموظفوه في حل من السرية .
· إذا وقع تاريخ مرور الزمن بعد صدور قانون 1956 فيكتفي المصرف بتصريحه لوزارة المال بذكر قيمة العائدات المتوجبة لها دون الإشارة إلى اسم صاحب الحساب الأصلي والاكتفاء بالدلالة عنه بحرف معين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراجع ناصيف ( الياس ) الكامل في قانون التجارة ، الجزء الثالث ، عمليات المصارف ، منشورات بحر المتوسط ومنشورات عويدات ، بيروت – باريس ، الطبعة الأولى ، ص 334-336 .
موجب حفظ السر في مواجهة السلطة القضائية :
على المصرف في علاقته مع السلطة القضائية أن يمتنع عن الشهادة وان يرفض إعطاء التصاريح عند إلقاء الحجوزات لديه .

1-الامتناع عن الشهادة :
بمقتضى المادة 2 من قانون السرية المصرفية على المصرف أن يحفظ السر تجاه السلطة القضائية وان يرفض الإدلاء بشهادته بهذا الخصوص سواء أمام القضاء الجزائي أو أمام القضاء المدني وإن الأحكام القانونية المطبقة على رفض الشهادة لا تطبق عليه .

وان المنع يتناول بالإضافة إلى ذلك الطلبات المقدمة من السلطة القضائية لإبراز المستندات والتقارير والسجلات وذلك تحت طائلة عقوبات جزائية .

2 منع الحجز :
جاء في المادة 4 من قانون 1956 أنه << لا يجوز إلقاء أي حجز على الأموال والموجودات المودعة لدى المصارف … إلا بإذن خطي من اصحابها >> .
مدى هذا المنع :
إن هذا المنع يقف حائلاً دون تطبيق أحكام المادة 888 من قانون أصول
المحاكمات المدنية التي تفرض على الشخص الذي أبلغ قرار الحجز ومستنداته ان يصرح << في خلال خمسة أيام بما في ذمته من مال أو دين وذلك ببيان الأعيان ومقدار الدين أو رصيده ، وسببه وشروطه والحوالات التي حصلت بشأنه والحجوز التي ألقيت عليه . . . >> .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع رئيس دائرة أجراء بيروت ، قرار رقم 382 المذكور آنفاً ص 27 .
وإن المادة 4 المذكورة لا تعارض مبدأ حجز موجودات وأموال المصرف إنما تعارض فقط تنفيذ هذا الحجز على أموال الزبون بدون إذنه الصريح إذ أن << أموال المصارف قابلة للحجز كغيرها من أموال الأشخاص المعنويين >> (1) و<< إن المادة 4 من قانون 3/9/1956 لم تعط الأموال المودعة في المصارف الخاضعة للسرية صفة الأموال غير القابلة للحجز بصورة مطلقة . . . بل أعطت المصارف حق عدم الجواب على أي حجز تحت يدها فيما إذا كان المحجوز عليه من زبائنها بالمعنى الضيق وبوجوب إبراز الترخيص بإعفائها من السرية مع قرار الحجز (1).

ب- الأشخاص المؤهلون إثارة هذا المنع :
يستطيع كل من الزبون والمصرف التذرع بأحكام المادة 4 المذكورة كونهما المستفيدين الأساسيين من أحكام السر المصرفي .

<< Si le client a le droit de s’ opposer à la saisie en tant que bénéficiaire du secret , il n’est pas moins vrai que le banquier ‘ de par son obligation au secret, possède également << le droit >> d’exciper de l’interdiction de la saisie de l’article 4 de la loi du 3 septembre 1956 . Cependant une distinction importante est à faire : si le client peut s’opposer à la déclaration même de la saisie , le banquier lui , ne s’opposera qu’à son exécution , à son exercice sur les fonds qu’il détient >> .

(2)

أما القاضي فلا يستطيع تلقائياً إثارة أحكام المادة 4 واستبعاد الأموال والموجودات المودعة لدى المصارف من الحجز وليس طلب الحجز . فعلى القاضي قبول الطلب بإلقاء الحجز ومن ثم التحقق من وجود الإذن الخطي من أصحاب الأموال بإلقاء الحجز عليها (3) .
(1) يراجع رئيس دائرة أجراء بيروت ، قرار رقم 382 المذكور آنفاً ص 27 .

Voir FARAT (R .) .op.cit.’p.116. ( 2)
Voir FABIA ( Ch.) la maladie chronique du secret bancaire , le commerce du levant, no 30 du 15 fév.1963,p.17.( 3)