دراسة وبحث قانوني عن العضل وأحكامه

معنى العضل و ماهيته

المقدمة :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ..

فإن موضوع ” أحكام العضل في فقه الأسرة والنظم المعاصرة” من الموضوعات المعاصرة والجديرة بالبحث وإبراز معالمه، نظراً لأهميته في فقه الأسرة المسلمة المعاصرة، وأن الإسلام احترم المرأة وأعطى حقوقها ومنع الظلم عنها، فقد رأيت أن أفرده بالبحث والدراسة. وقد توخيت الدقة والأمانة العلمية وشروط البحث العلمي وإتباع الدليل والحكم الفقهي والإثباتات البحثية للأنظمة، وبيان آثار العضل في الفرد والمجتمع المعتبرة، وتكوّن البحث من عشرة مباحث ومقدمة وخاتمة وفهرس للمصادر والمراجع.

المبحث الأول:

تعريف فقه الأسرة والعضل والنكاح والألفاظ ذات العلاقة ومشروعية النكاح.

وفيه مطالب :

المطلب الأول: تعريف الفقه لغة واصطلاحاً:

الفقه لغة يأتي بمعنى العلم بالشيء والفهم له.
قال تعالى حكاية عن موسى: واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي(1).
وكذلك يأتي بمعنى دقة الفهم ولطف الإدراك ومعرفة غرض المتكلم، قال تعالى: قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول(2).
وقال تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا(3).

أما الفقه في اصطلاح العلماء: فهو “العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية”(4).
قولهم: “العلم”: ليس جميع الأحكام الشرعية وإنما يكفي منه جملة، وما هو مستدرك فيه روح الاستنباط والفهم الدقيق للمسائل. ومن هنا تسمى هذه الجملة “فقهاً” ويسمى صاحبها “فقيهاً”.
قولهم: الأحكام : هو ما يثبت للمكلفين من وجوب وندب وحرمة وكراهة أو إباحة أو صحة أو فساد أو بطلان .

وقد قيدت هذه الأحكام بما يلي :

كونها: ” شرعية” حتى يخرج منها الأحكام “العقلية”، كالعلم أن الواحد نصف الاثنين، وأن العالم حادث.
وأيضاً يخرج منها: الأحكام “الحسية” والثابتة بالحس، كالعلم بأن النار محرقة. ولا الأحكام الثابتة “بالتجربة”، كالعلم بأن السم قاتل.
ولا الأحكام “الوضعية”: من وضع البشر، مثل العلم بأن كان وأخواتها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر.
– ثم قيدت هذه الأحكام بكونها: “عملية” وهي ما تعلقت بأفعال المكلفين، من صلاة وبيع وشرب وجناية، حتى يخرج منها: الأحكام الاعتقادية فهي مهمة علم التوحيد، والأحكام الأخلاقية التي من مهمة علم الأخلاق وغيرهما.
وقيدت أيضاً بكونها “مكتسبة من الأدلة التفصيلية”: أي مستفادة عن طريق النظر والاستدلال من دلائل الشرع المتمثلة في الكتاب والسنة ومما هو مقيس عليهما بالاجتهاد والرأي. مثل استفادة الحكم الكلي الجماعي من دليل جزئي وهو قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(1) الذي دل على حكم شرعي وهو وجوب إعداد القوة من قبل الجماعة لإرهاب العدو.
فقد فهمنا أن مهمة الفقيه تتبع كل حكم في مسألة معينة، مستنيراً بعلم الأصول المتمثل في وضع الأدلة الثابتة بالشرع، وصياغة قواعد الاستنباط ومناهج الاستدلال(2).

المطلب الثاني : تعريف الأسرة لغة واصطلاحاً :

الأسرة في اللغة : يطلق الأسر على المفاصل والشد والعصب، ومنه: الأسرة من الرجل: رهطه الأدنون وعشيرته التي يتقوى بها، والدرع الحصينة”(3).
والأسرة في الاصطلاح الفقهي تطلق ويراد بها الأب والأم وما انبثق منهما من ذرية أبناء وبنات وإخوة وأخوات، أعمام وعمات وعاقلة الفرد(1) بحيث يقرب المعنى الاصطلاحي من اللغوي.

المطلب الثالث : تعريف النكاح لغة واصطلاحاً :

النكاح: في اللغة الضم والجمع للشيء، ومنه تناكحت الأشجار إذا انضمت إلى بعضها، كما يطلق على الزواج نكاحاً لعلة الارتباط والتقارب والاقتران(2). قال تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى” تنكح زوجا غيره

والنكاح اصطلاحاً : عقد بلفظ الزواج يلتزم فيه العاقدان بمقتضاه تنفيذ ما اتفقا عليه إيجاباً وقبولاً (4) على وجه مشروع.
الزواج في اللغة بمعنى الصنف والنوع واللون، ومعناه الارتباط والاقتران، ومنه قوله تعالى: كذلك وزوجناهم بحور عين(5). أي قرناهم(6).
ويطلق الفقهاء على النكاح والزواج بمعنى واحد، كما سبق في تعريف النكاح(7).
والنكاح أو الزواج مشروع في الجملة؛ وذلك لعموم الأدلة التي تحث عليه:
قال تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى” وثلاث ورباع(1).
والحديث الشريف: “يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”(2).
ولإجماع الأمة على مشروعية النكاح، قال ابن قدامة -رحمه الله-: “الأصل في مشروعية النكاح الكتاب والسنة والإجماع.. وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع(3)” وقال غيره بل: النكاح مشروع من عهد آدم عليه السلام، واستمرت مشروعيته، بل مستمر في الجنة”(4).
وفيما مضى دلالة واضحة على مشروعية النكاح (الزواج) منذ العصور السابقة إلى عصرنا الحاضر، والله أعلم.

المطلب الرابع : تعريف العضل لغة واصطلاحاً :

العضل في اللغة: عضل العضلة والعضيلة كل عصبةٍ معها لحم غليظ، وعضل إذا كان كثير العضلات، وعضل بهم المكان ضاق، وأعضل الأمر اشتد ومنه داء عضال أي شديد، وعضل الرجل المرأة إذا قتل وضرب، وعضل المرأة عن الزوج حبسها(1)، وعضل الرجل أيّمه يعضلها عضلاً وعضلها منعها الزوج ظلماً، قال تعالى: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن(2).
وأما قوله تعالى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة(3). فإن العضل في هذه الآية من الزوج لامرأته، وهو أن يضارها ولا يحسن عشرتها؛ ليضطرها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها، فسماه الله عضلاً؛ لأنه يمنعها حقها في النفقة وحسن العشرة؛ ليضطرها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها.
وعضله عليه أمره تعضيلاً ضيق عليه، وعضل به المكان ضاق(4).

العضل اصطلاحاً :

يطلق الفقهاء على العضل بأنه منع المرأة من الزواج بكفء ترضاه إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه، سواء ذلك بمهر مثلها أو دونه في كل زمان ومكان(5).
قال ابن قدامة -رحمه الله- “معنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه”. وبهذا التعريف قال بقية فقهاء المذاهب الفقهية(6).

الخاتمة :

في نهاية البحث أجد أنني انتهيت فيه إلى ثمار أهمها :

تقارب المعنى بين مصطلح العضل الذي ينص على منع تزويج المرأة الكفؤ الذي رضيته، مع مصطلح التحجير الذي تمنع فيه الفتاه من التزويج إلا من قريبها وحجزها له، وكذلك اتصال العضل بالخلع الذي فيه معنى المنع والتضييق لقاء مبلغ من المال تفتدي به نفسها، وبيان سماحة الإسلام في إعطاء المرأة حقوقها من غير ظلم ولا تقتير، بحيث حرم الإسلام العضل في النكاح، وأن تنتقل الولاية من العاضل إلى من هو أولى منه، ومن ثم السلطان لتمام عقد النكاح للمرأة المعضولة، بالإضافة إلى بيان حالات جواز العضل، وصور حالات العضل المحرم، كما أظهرت بعض الفتاوى الفقهية المعاصرة الواردة في العضل والتحجير، وكذا بعض المواد القانونية ذات العلاقة بالموضوع، من قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلاد العربية، والله ولي الهداية والتوفيق .