نبذة عن القضاء المستعجل :

لا يوجد في القانون تعريف للقضاء المستعجل، وحسبنا أن نذكر أن القضاء المستعجل يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلا مؤقتاً لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.

المختص بالقضاء المستعجل أساساً هو القاضي الجزئي، ولكن ذلك لا يمنع من رفع المنازعة المستعجلة إلى المحكمة الابتدائية، بطريق التبعية لدعوى موضوعية مطروحة أمامها، وهذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تنفي أن لاختصاص الأصلي بالمنازعات المستعجلة معقود للقاضي الجزئي إذا ما رفع النزاع المستعجل إليه على استقلال سواء قبل رفع الدعوى الموضوعية- أو أثناء قيامها أمام محكمة الموضوع.

شروط اختصاص القاضي المستعجل :

ويشترط الاختصاص القاضي المستعجل تحقق الشروط الثلاثة الآتية:

الشرط الأول. توافر ركن الاستعجال أو الخطر:

ومعنى ذلك أن تكون المنازعة مما يخشى عليه من فوات الوقت. وقد عرف الاستعجال بأنه هو الخطر المحدق بالحقوق أو المصالح التي يراد المحافظة عليها- وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب على فوات الوقت حصول ضرر منها يتعذر تداركه أو إصلاحه.

وللخشية من فوات الوقت مظهران:

المظهر الأول: الخشية من زوال المعالم – ومثال ذلك أن يقوم شخص بإغراق أرض جاره بالمياه بعد أن يكون قد أعدها للزراعة – ويرغب صاحب الأرض في إثبات هذه الحالة فوراً- وظاهر أن فوات الوقت يؤدي إلى جفاف المياه وزوال معالم الواقعة التي يريد صاحب الأرض الاستناد إليها في طلب التعويض مستقبلا.

والمظهر الثاني: هو الخشية من فوات المصلحة أو ضياع الحق –كما في حالة المستأجر الذي يترك العين المؤجرة بعد أن يخربها أو يتلفها- فهذه الحالة لا تزول معالمها بمرور الوقت – ولكن يترتب على البطء في إثباتها تفويت حق المؤجر في الانتفاع بالعين أو تأجيرها للغير.

ففي مثل هذه الأحوال يقتضي الأمر اتخاذ إجراء سريع لا يحتمل الإبطاء، ونتيجة لذلك توصف المنازعة بأنها مستعجلة.
وركن الاستعجال أو الخطر يجب أن يتوافر في جميع المنازعات المستعجلة وإلا كان القاضي المستعجل غير مختص بها، ووجب عرض النزاع في شأنها على القاضي الموضوعي إن كان لذلك محل.

ونلاحظ أخيراً في خصوص ركن الاستعجال ملاحظتين:

1- أن الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المتنازع فيه أو من الظروف المحيطة به لا من إرادة الخصوم أو رغبتهم في الحصول على حكم سريع ولا من اتفاقهم على اختصاص القاضي المستعجل.
2- أنه إذا زال الاستعجال أثناء نظر الدعوى فالراجح أن ذلك يزيل اختصاص القاضي المستعجل (وسنعرض لهذه النقطة فيما بعد مرة أخرى).

الشرط الثاني: أن يكون المطلوب في الدعوى المستعجلة هو إجراء وقتي أو تحفظي:

فإذا تضمنت الدعوى المستعجلة طلباً موضوعياً كالحكم بالمديونية أو الملكية أو الحيازة أو البطلان أو الفسخ كان القاضي المستعجل غير مختص بالدعوى (أو على الأقل بالطلب الموضوعي).

إلا أنه يجوز للقاضي المستعجل عندما يعرض عليه طلب موضوعي خارج عن حدود اختصاصه إذا ما قدر أنه ينطوي على طلب وقتي يدخل في اختصاصه أن يغير الطلبات المطروحة في الدعوى بما يتلاءم مع اختصاصه.

وسلطة القاضي المستعجل في تعديل طلبات الخصوم على هذا النحو يعبر عنها في الفقه والقضاء بأن القاضي المستعجل يملك تحوير “الطلبات” وهذا استثناء من مبدأ حياد القاضي الذي يستلزم تقيده بالطلبات المقدمة إليه من الخصوم.

ولكن القضاء استقر على تخويل القاضي المستعجل هذه السلطة- نظراً للطبيعة الخاصة التي يتميز بها اختصاص القاضي المستعجل، وتمشياً مع الأهداف المقصودة من إنشاء هذا النوع من القضاء- وهي تفادي الأخطار المحدقة بمصالح الأفراد أو حقوقهم- خصوصاً وأن القاضي المستعجل لا يقضي إلا بإجراء وقتي ولا يفصل في أصل الحقوق.

وإذا ما تساءلنا عن تأصيل سلطة القاضي المستعجل في تحوير الطلبات نجد أن هذا تطبيق لمبدأ “التحول” في نطاق الطلبات القضائية، فإن من المقرر أن العقد الباطل لتخلف ركن من أركانه إذا تضمن في ثناياه عناصر عقد آخر صحيح فإنه يتحول إلى هذا العقد الصحيح إذا ما تبين أن إرادة المتعاقدين كانت بحيث تتجه إليه. ومثال ذلك أن يبيع شخص لآخر بعقد رسمي عقاراً، ويتبرع له بالثمن، فهذا العقد باطل كبيع، لتخلف ركن الثمن فيه، ولكنه يصح باعتباره هبة ما دامت شروط الهبة متوافرة فيه وهي نية التبرع والرسمية.

فكذلك الطلبات القضائية التي تعرض على القاضي المستعجل إذا ما تبين أن نية المدعي كانت تتجه فيها إلى طلب الحماية الوقتية، فلو طلب المدعي الحكم بأحقيته إلى ملكية عين أو حيازتها (وهذا طلب موضوعي) جاز للقاضي المستعجل أن يحور هذا الطلب إلى طلب وضع العين تحت الحراسة القضائية.

كذلك لو رفعت دعوى بطرد مستأجر من عين معينة وكان ذلك يثير نزاعا موضوعيا، فإنه يجوز للقاضي المستعجل أن يحور طلب الطرد إلى طلب حراسة.

ومن أمثلة ذلك أيضاً أن يطلب من قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً مستعجلا الحكم ببطلان حجز (وهذا طلب موضوعي) فيمكن حمل هذا الطلب على أن المدعي إنما يرمي إلى التنفيذ لأن من يطلب الأكثر يطلب الأقل.

الشرط الثالث: ألا يكون من شأن الفصل في الدعوى المستعجلة المساس بأصل حق من الحقوق المدعاة من جانب أحد الطرفين:

وعدم المساس بالحق هو شرط لاختصاص القاضي المستعجل وقيد على سلطته في نفس الوقت.
فلو رفعت دعوى مستعجلة تتضمن مساساً بأصل الحق، فإن القاضي المستعجل يجب أن يحكم بعدم اختصاصه بها- ولو توافر ركن الخطر- ما لم يعمد إلى تحوير الطلبات، ومثال ذلك أن ترفع إليه دعوى بطلب إثبات تزوير عقد –فمثل هذا الطلب موضوعي ويمس أصل الحق، فيجب على القاضي أن يحكم بعدم اختصاصه بالدعوى، وإنما يجوز له أن يحكم بالتحفظ على العقد المطعون عليه بالتزوير وذلك فإيداعه في خزينة المحكمة داخل مظروف مختوم، فمثل هذا الإجراء الوقتي يدخل في حدود اختصاصه.

على أنه إذا رفعت إلى القاضي دعوى مستعجلة وتحقق فيها ركن الاستعجال أو الخطر وكان المطلوب فيها إجراء وقتيا أو تحفظيا- ولكن ثار فيها نزاع جدي- يتوقف على الفصل فيه الحكم في الدعوى المستعجلة بالإجراء الوقتي. وكان هذا النزاع الجدي موضوعيا فإن اختصاص القاضي المستعجل يرتفع أو ينحسر في هذه الحالة، ويتعين عليه أن يقضي بعدم الاختصاص.

وقد يعترض على ذلك بأن القاضي المستعجل متى كان مختصاً في البداية فلا يجوز أن يزول اختصاصه بسبب طارئ بعد رفع الدعوى أو أثناء سيرها، ولكن هذا الاعتراض مردود بأن اختصاص القاضي المستعجل يتحدد على مرحلتين:

فهو في المرحلة الأولى ينحصر في الاختصاص بنظر الدعوى.

وهو في المرحلة الثانية يتمثل في الاختصاص بالحكم في الدعوى.

ومتى انتفى اختصاص القاضي في المرحلة الأولى فإن ذلك يستبعد بداهة الانتقال إلى المرحلة الثانية.

أما إذا توافر الاختصاص بالنظر فإننا ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاختصاص بالحكم، فإذا لم يتوافر هذا الاختصاص، وجب على القاضي أن يتوقف وأن يقضي بعدم اختصاصه.

ويتحقق ذلك في صورتين:

أولاهما: أن يزول ركن الاستعجال أو الخطر بعد أن كان متحققا في بداية رفع الدعوى. فإن ذلك يزيل اختصاص القاضي بالحكم فيها-كما لو سدد المستأجر الأجرة أثناء رفع دعوى الطرد المستعجلة فينتفي بذلك الخطر على حقوق المؤجر.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن ترفع دعوى مستعجلة بإثبات حالة ثم يتغيب المدعى والمدعى عليه فيها فتشطب ولا يجددها المدعى إلا بعد مضي فترة طويلة كفيلة بزوال حالة الاستعجال، فهذا التراخي في الدعوى يزيل الاستعجال.

والصورة الثانية: أن يثور أثناء الدعوى نزاع موضوعي ويكون هذا النزاع جدياً والفصل فيه ضرورياً للحكم في الدعوى.

مثال ذلك: أن ترفع دعوى طرد مستأجر بحجة انتهاء عقد إيجاره أو تكون دعوى الطرد مؤسسة على وجود شرط فاسخ صريح وارد في عقد الإيجار وأن هذا الشرط قد تحقق- فيثير المستأجر نزاعاً موضوعياً حول انتهاء عقد الإيجار أو حول وجود الشرط الفاسخ الصريح أو حول تحققه.

ولكن لا يكفي أن يثور نزاع موضوعي أياً كان حتى يزول اختصاص القاضي المستعجل – وإلا لأمكن للمدعى عليه أن يستبعد الاختصاص المستعجل بإثارة أي نزاع جدياً والفصل فيه لازما للحكم في الدعوى المستعجلة، فإن تبين القاضي من ظاهر الأوراق أن النزاع غير جدي فإنه لا يقضي بعدم الاختصاص، ومن أمثلة ذلك على ما ورد في أحد أحكام محكمة النقض من ادعاء المستأجر بأنه استأجر نفس المكان بعقد جديد من وكيل المالك، إذ يتضح أنه ليست هناك وكالة.

ويلاحظ أخيراً أن اختصاص القاضي المستعجل يختلف عن اختصاص أي قاض آخر لأن المحاكم الموضوعية عندما تجد مسألة أولية في الدعوى (أي مسألة يتوقف عليها الفصل في الدعوى) ، وتكون هذه المسألة خارجة عن اختصاص المحكمة فإنها توقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية ويبقى الاختصاص بالدعوى الموقوفة قائماً للمحكمة التي رفعت إليها تلك الدعوى. أما القاضي المستعجل فلا يملك أن يوقف الدعوى لحين الفصل في النزاع الموضوعي –لأن ذلك يزيل ركن الاستعجال ويجعل اختصاصه بعدئذ عديم الفائدة –وإنما يفصل بحسب الظاهر.

مواطن عدم المساس بأصل الحق:

وعدم المساس بأصل الحق كشرط لاختصاص القضاء المستعجل يتمثل في جملة مواطن أن مواضع من الدعوى:

أولها: في الطلبات المعروضة على القاضي: إذ يجب ألا تكون طلبات موضوعية. والطلبات الموضوعية هي التي تتعلق بأصل الحق. ومثالها طلب الحكم بالمديونية أو الملكية أو البطلان أو الفسخ أو براءة الذمة أو سقوط الحق بالتقادم إلى غير ذلك من الطلبات المماثلة.

وثانيها: في بحث المستندات. إذ أن القاضي المستعجل يحكم بحسب الظاهر فلا يجوز له أن يتعمق في بحث المستندات أو أن يقطع في شأنها برأي حاسم أو أن يفسرها سواء كانت عقوداً أو أحكاماً، بل أنه يحكم بحسب ما يبدو له لأول وهلة أو لأول نظرة (أو على حد تعبير محكمة النقض أنه يتحسس المستندات، أي يبحثها بحثاً عرضيا).

فإذا ما تعمق في بحثها أو تطرق إلى تفسيرها فإنه يكون قد جاوز اختصاصه.

وثالث هذه المواضع – هو في تسبيب الحكم: إذ يجب ألا يستند القاضي المستعجل في أسبابه إلى ثبوت الحق أو نفيه بل يجب أن يقتصر على الترجيح بين الاحتمالات دون أن يقطع برأي في أصل الحق، وإلا فإن حكمه يكون مبنياً‌ على أساس فاسد لتجاوزه حد اختصاصه.

ولهذا نجد أن أسباب الأحكام المستعجلة تتردد فيها غالباً عبارة: “وحيث أنه يبدو…..” أو “وحيث أن الظاهر من الأوراق أو من الظروف……” فلا يجوز أن يقول القاضي المستعجل: “وحيث أنه قد ثبت…..” –لأنه بذلك يكون قد اعتدى على ولاية القاضي الموضوعي ولم يبق شيئاً ليحكم فيه- مع أن القاعدة أن أصل الحق يبقى سليماً محفوظاً يتناضل فيه الخصمان أمام محكمة الموضوع ولا يتأثر بما ورد في الحكم المستعجل.

وسنرى أن من نتائج ذلك اعتبار حجية الحكم المستعجل مؤقتة ونسبية بمعنى أنها لا تؤثر على قضاء الموضوع.

والموضوع الرابع: هو في منطوق الحكم: فلا يجوز للقاضي المستعجل أن ينتهي في قضائه إلى تقرير ثبوت الحق أو نفيه أو إلى إلزام أحد الخصمين بأداء حق إلى الآخر بل كل ما يستطيعه هو الحكم بإجراء مؤقت.

وتظل للإجراء الوقتي المحكوم به صفة الوقتية حتى ولو ترتب عليه ضرر دائم أو ضرر يتعذر تداركه كما في حالة الحكم بالطرد مثلا إذ ما شغلت العين التي طرد منها المستأجر، أو الحكم بالهدم إذا ما تم الهدم، ثم تبين بعد ذلك أمام قاضي الموضوع أن من صدر الحكم بالطرد أو الهدم لصالحه لم يكن محقاً في طلبه من الناحية الموضوعية، فإن تعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه ا ينفي أن الإجراء كان مع ذلك وقتياً، مقصوداً به تدارك الخطر العاجل الذي كان ماثلا أما القاضي المستعجل، مع بقاء أصل الحق سليما.
وتترتب على وجوب امتناع القاضي المستعجل عن المساس بأصل الحق نتيجة هامة، هي أنه لا يجوز له أن يحكم بإحالة الدعوى المستعجلة إلى التحقيق أي أن يسمع شهوداً كما لا يحوز له أن يقضي بتوجيه اليمين الحاسمة أو أن يحقق الادعاء بالتزوير، ولهذا فإن القاضي المستعجل لا يصدر أحكاماً تمهيدية بل ينتهي دائماً إلى القضاء بإجراء وقتي بموجب حكم يختتم به الدعوى دون أن تسبقه أحكام تمهيدية.

وإنما أجيز للقاضي المستعجل أن يقضي بالمعاينة أو يندب خبيراً إذا كان من شأنه هذا الإجراء التحقق من توافر ركن الاستعجال أي باعتبار ذلك وسيلة للتحقق من اختصاص القاضي، ومثال ذلك دعوى ترفع بطلب وقف أعمال الهدم أو البناء في عقار مجاور لأن ذلك يهدد عقار المدعى، فيجوز للقاضي أن يعاين أو أن يندب خبيراً للتثبت من أن هذه الأعمال تهدد عقار المدعى، فإذا تبين له ذلك كان مختصاً، وإلا فإن ركن الخطر ينتفي، وينتفي بذلك اختصاصه.

هذه هي الشروط اللازمة لاختصاص القاضي المستعجل، ويلاحظ أن أي شرط منها لا يغني عن الآخر بل لابد أن تتوفر جميعاً. فلو توافر الاستعجال والخطر، وتبين أن هناك مساساً بأصل الحق كان القاضي المستعجل غير مختص مهما بلغت درجة الخطورة. والعكس صحيح بمعنى أنه لو طلب من القاضي إجراء وقتي ولم يكن في ذلك أي مساس بأصل الحق ولكن انتفى الاستعجال فإنه يكون غير مختص.

ويجدر أخيراً أن نكرر الإشارة إلى أنه لا يكفي اتفاق الطرفين على اختصاص القاضي المستعجل لأن اختصاصه من النظام العام فهو لا يتولد من إرادة الطرفين بل من طبيعة الخصومة أو المنازعة والإجراء المطلوب فيها.

كيفية الالتجاء إلى القضاء المستعجل :

يلجأ المتقاضون إلى القضاء المستعجل عن طريق رفع دعوى بصحيفة تودع ثم تعلن متضمنة تكليف الخصم بالحضور إلى المحكمة في جلسة تحدد لذلك، وتعقد هذه الجلسة أمام القاضي المستعجل فيدلي فيها كل من الطرفين بدفاعه ويقدم حجته ويطلع كل منهما على مستندات خصمه ويناقشها أو يمكن من الإطلاع عليها ومناقشتها ثم تنتهي الدعوى بحكم مسبب.

وإذا كان المشرع قد قرر بالنسبة لإشكالات التنفيذ طريقاً خاصاً لرفعها تتميز به عن غيرها من المنازعات القضائية –وهو إبداؤها أمام المحضر شفويا عند حضوره لإجراء التنفيذ –فإن ذلك لا يغير من كيفية سير الخصومة بعد ذلك أمام المحكمة إذ أن إبداء الإشكال أمام المحضر يعتبر بمثابة رفع الدعوى فيجب في هذه الحالة دفع رسوم الدعوى إلى المحضر الذي يتعين عليه إثبات ذلك في محضر التنفيذ وتحديد جلسة لنظر الإشكال أمام قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة – مع تكليف الخصوم بالحضور أمامه في تلك الجلسة – ويعتبر الإشكال مرفوعاً من وقت إبدائه أمام المحضر، فإذا قصر المحضر في رفع الإشكال إلى القاضي عن طريق تحديد جلسة لنظره –جاز للمستشكل تحريك الإشكال بتحديد جلسة وتكليف خصمه بالحضور إليها ولا يعتبر ذلك إشكالا جديداً.

ونرى مما تقدم أن لرفع الدعوى المستعجلة طريقتين (الأولى) هي إعداد صحيفة تودع قلم الكتاب وتعلن مع تكليف الخصم بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بالطلبات الواردة بالصحيفة، وهذه الطريقة عامة وتتبع بالنسبة لجميع المنازعات المستعجلة – أما الطريقة (الثانية) فهي إبداء المنازعة أمام المحضر عندما تكون هذه المنازعة متعلقة بالتنفيذ أي إشكالا في التنفيذ، وهذه الطريقة خاصة بالإشكالات ولا تتبع بالنسبة لغيرها من الدعاوى المستعجلة، لأنها لا تتسنى إلا في حالة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ، التي تقتضي بطبيعتها وجود المحضر في الموقع عند إبداء المنازعة، والتي ترفع إلى قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة.

ويراعى أن رفع الإشكال بهذه الطريقة الخاصة اختياري إذ يجوز لمن يرغب في أن يستشكل في التنفيذ أن يرفع إشكاله بالطريق المعتاد أي بالصحيفة المقيدة المعلنة.

على أنه حتى لو اتبعت هذه الطريقة الخاصة فإن الدعوى المستعجلة تسير بعد رفعها طبقاً للنظام العادي أي تنظر في جلسة علنية يحضر فيها طرفا الخصومة لإبداء دفاعهما مع مجابهة كل منهما للآخر، وتنتهي الدعوى بحكم مسبب، وفي هذا يختلف عمل القاضي المستعجل عن عمل القاضي الوقتي الذي يلجأ إليه أصحاب الشأن بطلبات تقدم على عرائض ينظرها القاضي في خلوته دون استدعاء الخصوم ودون مواجهتهم وبغير دفاع أو مناقشة أو مجابهة، ثم يؤشر القاضي على العريضة بما يراه من إجابة الطلب أو رفضه أو إجابة جزء منه، وكل ذلك دون أسباب وفي غير جلسة علنية ولا تعتبر التأشيرة التي يذيل القاضي بها العريضة حكما، بل تعتبر أمراً صادراً من القاضي الوقتي بناء على سلطته الولائية.

وقد ثار التساؤل عن معيار التفرقة بين الإجراءات الوقتية التي ترفع بها دعوى مستعجلة والإجراءات الوقتية التي تقدم بها عريضة إلى قاضي الأمور الوقتية –والواقع أن العمل هو الذي يحدد الطلبات الوقتية التي تعرض على القاضي الوقتي وتلك التي تعرض على القاضي المستعجل –ما لم يوجد نص يلزم بالالتجاء إلى أحدهما ويحدد الطريق الواجب الإتباع.

الاختصاص النوعي والمحلي للقاضي المستعجل :

أولا: الاختصاص النوعي:

القاضي المستعجل هو قاض جزئي. وتستأنف أحكامه على المحكمة الكلية. ولكن المشرع قرر أنه في المدن التي توجد بها محكمة كلية يندب أحد قضاة المحكمة الكلية لنظر المنازعات المستعجلة (الخاصة بهذه المدينة) ويباشر عمله في مقر المحكمة الكلية. ولكن هذا لا يؤثر في طبيعة اختصاص القاضي المستعجل، لن وجوده في مقر المحكمة الكلية لا ينفي أنه قاض جزئي، أما تجميع المنازعات المستعجلة التي تثور في سائر أنحاء المدينة أمامه فهو ليس غلا توزيعا للعمل بحسب المكان أي أنه يتعلق بالاختصاص المكاني أو المحلي لا بالاختصاص النوعي، وكل ذلك لا يؤثر على طبيعة عمله وأنه يباشر ولايته بصفته قاضياً جزئياً.
أما في خارج دائرة المدينة التي بها مقر المحكمة الكلية فلا شبهة، لأن الاختصاص بالمنازعات المستعجلة مسند إلى المحكمة الجزئية بنص المادة 45 مرافعات فقرة (2).

على أنه يراعى أن المنازعة المستعجلة قد ترفع بطريق التبعية لدعوى موضوعية قائمة أمام محكمة الموضوع التي قد تكون محكمة ابتدائية، وتستأنف أحكامها – (سواء أكانت صادرة في موضوع الدعوى أو في الطلب المستعجل المقترن بها والتابع لها) – إلى محكمة الاستئناف العليا.

وفي هذه الحالة يثور التساؤل عما إذا كان ذلك يؤثر على الاختصاص النوعي بالمنازعات المستعجلة بمعنى أن يعتبر قضاء الأمور المستعجلة قضاء نوعياً له طبيعة خاصة تجعله تارة مسنداً للقاضي الجزئي وتارة إلى المحكمة الكلية.

والجواب على ذلك أن هذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تؤثر في القاعدة الأصلية وهي أن النزاع المستعجل إذا رفع مستقلا فإنه يرفع على القاضي الجزئي، سواء أكانت هناك دعوى موضوعية قائمة أو لم تكن، وسواء أكانت هذه الدعوى الموضوعية من اختصاص المحكمة الكلية أو غيرها طالما أن المنازعة المستعجلة مرفوعة على استقلال.

غير أن اختصاص القاضي الجزئي بالدعوى المستعجلة إذا رفعت على استقلال –لا يمنع من اختصاص محكمة الموضوع بالطلبات المستعجلة إذا ما رفعت إليها بطريق التبعية وذلك تأسيساً على أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع.

وقد نصت على ذلك المادة (45) من قانون المرافعات الجديد وهو نفس ما كان ينص عليه قانون المرافعات القديم في المادة (49).
على أنه يلاحظ في حالة تقديم الطلب المستعجل إلى محكمة الموضوع أن هذه المحكمة قد تكون محكمة جزئية فلا يختلف الوضع لأن الطلب المستعجل سيعرض عندئذ على القاضي الجزئي سواء رفع على استقلال أو بطريق التبعية للدعوى الموضوعية، وإنما تبدو المفارقة إذا كانت دعوى الموضوع معروضة أمام محكمة ابتدائية ورفع الطلب المستعجل تبعاً لها – كطلب عارض سواء من جانب المدعي أو المدعى عليه – ففي هذه الحالة ينظر الطلب المستعجل أمام محكمة كلية مع أنه أصلا من اختصاص القاضي الجزئي- ثم يستأنف حكمه إلى محكمة الاستئناف العليا (مع أنه كان ينبغي لو التزمنا الأصل أن ينظر الاستئناف أمام المحكمة الكلية) – وقد يصل الأمر إلى حد الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف العليا الصادر في هذا الطلب المستعجل.

ولكن هذه كلها نتائج للاختصاص المشترك بالمسائل المستعجلة. إلا أنه ينبغي أن أشير هنا إلى بعض ملاحظات لها أهميتها:

أولا: إن كل اتفاق بين الخصوم على اختصاص القاضي المستعجل بالمسائل الموضوعية يقع باطلا ويقضي قاضي الأمور المستعجلة بعدم اختصاصه في هذه الحالة من تلقاء نفسه – لأن اختصاصه القضاء المستعجل يعتبر اختصاصاً نوعياً ومن ثم فهو متعلق بالنظام العام ولذلك لا يجوز الاتفاق على خلافه.

ثانياً: إن الطلب المستعجل قد يعرض على محكمة الموضوع كطلب عارض من جانب المدعى- كما لو رفع شخص دعوى ملكية ثم طلب أثناء نظرها – فرض الحراسة على الأعيان المتنازع عليها. وكذلك يتصور أن يطرح الطلب المستعجل على محكمة الموضوع كطلب عارض من جانب المدعى عليه. كما لو جاء المدعى عليه في دعوى الملكية وطلب فرض الحراسة على الأعيان المتنازع عليها. وهذا متصور.

ثالثاً: إن عرض الطلب المستعجل أمام محكمة الموضوع يقتضى بالضرورة أن تكون الدعوى منظورة أمام محكمة الدرجة الأولى فلا يجوز إبداء الطلب المستعجل بطريق التبعية لدعوى الموضوع إذا كانت قد وصلت إلى مرحلة الاستئناف لأن ذلك يؤدي إلى تفويت درجة من درجات التقاضي على الخصوم ويتعارض مع مبدأ عدم جواز إبداء طلبات جديدة في الاستئناف.

رابعاً: بالنسبة للإحالة من القاضي المستعجل إلى قاضي الموضوع عندما يحكم القاضي المستعجل بعدم اختصاصه- نرى أن ذلك جائز إلا إذا كانت طبيعة الدعوى المستعجلة تمنع الإحالة.

ثانياً: الاختصاص المحلي للقاضي المستعجل:

إذا كان المطلوب في الدعوى المستعجلة إجراء مؤقتاً كالحراسة أو إثبات الحالة فيكون المختص هو القاضي المستعجل الذي يكون الإجراء مطلوباً في دائرة اختصاصه. على أن هذا لا يمنع من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه طبقاً للقاعدة العامة.
أما إذا كان النزاع المستعجل إشكالا في التنفيذ فيرفع إلى القاضي الذي يجري التنفيذ في منطقة اختصاصه (مادة 59 مرافعات).

حجية الأحكام المستعجلة :

ليس للأحكام المستعجلة حجية أمام قاضي الموضوع ولذلك يستطيع قاضي الموضوع أن يحكم بعكس الحكم المستعجل الصادر بين نفس الخصوم في النزاع المستعجل المتعلق بموضوع الدعوى. ولا يعتبر ذلك إخلالا بقوة الشيء المقتضى فيه.

ولكن الحكم المستعجل يجوز الحجية أمام القضاء المستعجل نفسه فلا يجوز تجديد الدعوى المستعجلة في المستقبل أمام نفس القاضي أو أي قاض مستعجل آخر.

ولكن حتى في هذا النطاق نجد أن حجية الحكم المستعجل مؤقتة فهي تبقى قائمة طالما أن الظروف لم تتغير- فإذا ما تغيرت الظروف زالت هذه الحجية المؤقتة وجاز صدور حكم مستعجل جديد على خلاف الحكم المستعجل السابق.

فالحجية إذن (قاصرة) أي إنها لا تمتد إلى خارج نطاق القضاء المستعجل (ومؤقتة) أو رهينة بعدم تغير الظروف.

الإحالة من القضاء المستعجل للقضاء الموضوعي :

وقد ثارت في خصوص القضاء المستعجل مسألة ما إذا كان يجوز للقاضي المستعجل إذا ما قضى بعد اختصاصه أن يحيل الدعوى إلى محكمة الموضوع أم أنه لا يجوز له ذلك.

والواقع أن نص المادة (110) من قانون المرافعات الجديد هو نص عام فلا يقتصر على حالة صدور الحكم بعدم الاختصاص من محكمة جزئية على أساس أن الدعوى كلية (أو العكس) ولذلك فليس ثمة ما يمنع من إحالة الدعوى المستعجلة إلى القضاء الموضوعي إذا ما حكم القاضي المستعجل بعدم اختصاصه بعدم توافر ركن الاستعجال أو لتعلق المنازعة بأصل الحق، ولذلك نعتقد أنه يجوز للقاضي المستعجل عندئذ أن يحيل الدعوى إلى القضاء الموضوعي باعتباره هو المختص.

غير أنه قد توجد حالات يكون القاضي المستعجل فيها غير مختص ولا يقتضي ذلك حتما أن تكون الدعوى من اختصاص محكمة أخرى تنبغي إحالة القضية إليها، فعندئذ يقتصر القاضي المستعجل على الحكم بعدم الاختصاص ولا يحيل.

ومثال ذلك أن ترفع دعوى بسماع شاهد يخشى عليه ثم يتضح انعدام الخشية، فلا شك في أنه لا يتعين عندئذ على القاضي المستعجل أن يحيل الدعوى إلى محكمة أخرى إذ أن مثل هذه الدعوى من اختصاص القضاء المستعجل دون سواه.

فالقاضي المستعجل حين يحكم بعدم اختصاصه هنا يكتفي بذلك عادة ولا يفكر في إحالة الخصوم إلى محكمة الموضوع، على أساس أن الحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل عندئذ لا ينطوي على القول بوجود جهة أخرى مختصة بالدعوى، وإنما معناه عدم توفر مقومات اختصاص القضاء المستعجل بالدعوى، وهي تتكون من عنصرين: أولهما: توافر ركن الاستعجال. وثانيهما: أن يكون المطلوب إجراء وقتياً، ولهذا فإن الحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل لا يقتضي حتما وبالضرورة إحالة القضية إلى محكمة أخرى تكون هي المختصة، بل يكون الحكم بعدم الاختصاص في هذه الحالة منهياً للخصومة المستعجلة ويقتصر أمره على ذلك.
على أنه قد تبين في بعض هذه الحالات أن الدعوى المرفوعة إلى القضاء المستعجل هي في حقيقتها دعوى موضوعية لأن المطلوب فيها ليس مجرد إجراء وقتي، بل هو طلب موضوعي يقتضي الفصل فيه التعرض لأصل الحق كما هو الحال مثلا بالنسبة لدعوى طرد مستأجر متأخر في دفع الإيجار ينازع في تحقيق الشرط الفاسخ الصريح أو في وجوده، فمثل هذه الدعوى لو رفعت إلى القضاء الموضوعي تكون مرفوعة بلا شك إلى محكمة مختصة، ولكن يقضى فيها بعدم الاختصاص إذا رفعت للقضاء المستعجل.

ونرى في مثل هذه الحالة أنه ليس ثمة ما يمنع القاضي المستعجل إذا حكم بعدم الاختصاص أن يأمر بإحالة القضية إلى المحكمة الموضوعية التي يراها مختصة فالنص عام ومطلق، ولا يغير من ذلك أن تكون رسوم الدعوى الموضوعية أكثر أو أقل من رسوم الدعوى المستعجلة، لأن تسوية الرسوم من شأن قلم الكتاب ولا أثر لها على الاختصاص.

ولذلك ينبغي أن نغرق بين فرضين:

أولهما: أن يكون الاختصاص بالدعوى قاصراً على القضاء المستعجل فلا تتصور فيها الإحالة، وهذا يرجع إلى طبيعة الدعوى.

وثانيهما: أن يكون عدم اختصاص القاضي المستعجل راجعاً إلى تقديره أن القضية من اختصاص محكمة الموضوع فلا جناح عليه في هذه الحالة عندما يقضى بعدم اختصاصه أن يقرن حكمه بإحالة القضية إلى محكمة الموضوع.

ويكون من واجب الخصوم في هذه الحالة أن يتابعوا الدعوى أمام قاضي الموضوع باتخاذ الإجراءات اللازمة وسداد أو تكملة الرسوم التي يلزم سدادها أو تكملتها وفقاً لقانون الرسوم – فليس من شأن ذلك التأثير على تطبيق المادة (110) في خصوص الإحالة عند الحكم بعدم الاختصاص.

نظام الأوامر على العرائض :
إن المثال النموذجي البارز لأعمال القضاة التي يكون مصدرها سلطتهم الولائية هو ما يسمى بالأوامر على العرائض. وقد تصدى المشرع لتنظيم الإجراءات المتعلقة بهذه الأوامر ووضع القواعد المتعلقة باستصدارها وتنفيذها وبيان آثارها ووسيلة الاعتراض عليها في المواد من (194) إلى (200) من قانون المرافعات الجديد.

والأصل في باب الأوامر على العرائض أن لكل فرد من الأفراد الحق في أن يستنجد بالقضاة ويلتمس منهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانة حقوقه المهددة بالضياع وذلك في أية حال وحيثما يوجد مقتضى لذلك.
وقد جرت العادة على أن يتقدم الأفراد بطلباتهم في مثل هذه الحالة تحريراً وتنطوي الورقة المقدمة للقاضي عندئذ على (عرض حال) الطالب .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .