بحث قانوني هام عن التعويض في الحبس المؤقت

مقدمـــــة

لقد أقرت أغلب الدساتير و الاتفاقيات الدولية هاما يشكل مرجعا أساسيا لكل دعاة حقوق الإنسان و المدافعين عن الحريات العامة ألا وهو “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” . ويظل هذا المبدأ قائما حتى ولو اعترف المتهم بارتكابه للجريمة لأن اعترافه لا يهدم قرينة براءته ما لم يصدر بذلك حكم قضائي نهائي صادر عن هيئة قضائية مختصة مع كل ما يتطلبه إجراء المحاكمة من ضمانات في القانون.

ولقد كرست هذا المبدأ المادة 11 من الإعـلان العالـمي لحــقوق الإنسـان الصادر في 1 ديسمبر 1948 بنصها على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وُفرت له فيها جميع الضمانات التي تحقق له الدفاع عن نفسه.

غير أنه ومع ذلك أجازت أغلب التشريعات سلب حرية الشخص مؤقتا في إطار ما يتطلبه الكشف عن الحقيقة في مرحلة التحقيق القضائي عن طريق اتخاذ إجراء الحبس المؤقت.
ويُعرف هذا الإجراء على أنه إيداع المتهم في مؤسسة عقابية بموجب أمر مسبب لمدة محددة قابلة للتجديد بعد إعلامه بما أسند إليه.

ولما كان إجراء الحبس من أشد المسائل خطورة و تعقيدا لأنه يمس بأقدس حقوق الفرد في المجتمع، كان لزاما تقييد هذا الأخير و ضبطه بشروط إجرائية وأخرى موضوعية بهدف إيجاد التوازن بين مصلحة المجتمع و حقه في توقيع العقاب على الجناة في إطار القوانين والنظم من جهة وحق المتهم في صيانة حريته وردع التهم المنسوبة إليه من جهة أخـــرى.

ولقد سعى المشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات –لاسيما التشريع الفرنسي – لحماية الحرية الفردية و تعزيز قرينة البراءة بوصفها مبدأ دستوريا –نصت عليه المادة 45 من دستور 1996 – وهذا تماشيا مع توصيات واقتراحات اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة وانسجاما مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان المدنية والسياسية.

لأجل ذلك أدخل هذا الأخير تعديلات هامة على أحكام الحبس الاحتياطي وهذا بموجب القانون 01/08 المؤرخ في 26 جوان 2001 تمثلت أساسا في التأكيد على الطابع الاستثنائي لهذا الإجراء وهذا بتغيير مصطلح “الحبس الاحتياطي” بمصطلح “الحبس المؤقت” لتبقى الحرية هي الأصل.

ولقد برر وزير العدل ضرورة استبدال هذا المصطلح أثناء مناقشة القانون أمام المجلس الشعبي الوطني بتاريخ 21 أفريل 2001 بقوله « إن مفهوم الحبس المؤقت أصح من المفهوم الذي كان سائدا في القانون لأن الحبس الاحتياطي هو احتياط لخطر وبالتالي لا يرفع لأن الخطر يبقى دائما. فالعبرة ليست السعي إلى إعطاء النص صورة جميلة بل هي قضية متعلقة بمفهومي الحبس الاحتياطي والحبس المؤقت».

كما تم حصر الحالات الموجبة لاتخاذ أمر الإيداع في الحبس المؤقت مع جعله قابلا للاستئناف أمام غرفة الاتهام مع تحديد مدده القصوى. وهي الضمانات التي لم يوفرها قانون الإجراءات الجزائية قبل التعديل.

وإلى جانب كل الضمانات المذكورة أعلاه أقر المشرع في المادة 11 من هذا القانون حق المطالبة بالتعويض لكل من انتهى حبسه بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة وبهذا يكون قد سلك في ذلك مسلك المشرع الفرنسي الذي أقر هذا الحق منذ 1970.

ويجدر بنا أن ننوه إلى أن هذا الحق نصت عليه عدة اتفاقيات دولية من بينها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1989 التي نصت في مادتها التاسعة أن ” لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال بشكل غير قانوني الحق في الحصول على تعويض” كما أكدت نفس المبدأ المادة 03 من مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان.

وبالرغم من أن معظم التشريعات المقارنة قد أقرت هذا الحق منذ أمد بعيد كالتشريع النرويجي الذي أقره بموجب قانون 01 يوليو 1882 في حين أقره التشريع الدانماركي بموجب قانون 05 أفريل 1889- إلا أن المشرع الجزائري لم يتبناه إلا في سنة 2001 وبغير الشروط التي جاء بها القانون الفرنسي بالرغم من أنه مستمد من هذا الأخير.

وبهذا تعتبر الجزائرقد خطت خطوة رائدة في مجال حقوق الإنسان إضافة إلىأنها أول دولة عربية تقر هذا المبدأ
وحيث أن المشرع الجزائري استمد هذا المبدأ من القانون الفرنسي فإنه يجدر بنا أن نتطرق لما توصل إليه القضاء الفرنسي بخصوص هذا الموضوع محاولة منا للوقوف على الفروقات الموجودة في كلا النظامين.

ورغم حداثة هذا النص وقلة الدراسات القانونية المتعلقة به إلا أننا سعينا بقدر الإمكان لمعالجة الموضوع من كل جوانبه محاولين الإجابة على كل الإشكاليات المتعلقة به والمتمثلة فيما يأتي:

– من هو المسؤول عن التعويض؟
– ما هي شروط الحصول على التعويض؟ وهل يُدفع تلقائيا بمجرد توافرها؟
– ما هي الجهة المانحة للتعويض والإجراءات المتبعة أمامها؟
– ما هي الأضرار الموجبة للتعويض ؟ وكيف يتم تقدير التعويض عنها؟
ودراستنا لهذه الإشكاليات تتطلب منا تقسيم الموضوع إلى فصلين على النحو التالي بيانه :
الفصل الأول : مسؤولية الدولة في تعويض المضرور من الحبس المؤقت وشروط الاستفادة منه.
الفصل الثاني: منح التعويض

الفصل الأول
مسؤولية الدولة في تعويض المضرور من الحبس المؤقت وشروط الاستفادة منه

لقد كانت المحاكم ترفض- في ظل النظام الفرنسي القديم – الاعتراف بمسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمـة عـن الحبـس المؤقت اعتمادا على شعار أن الملك لا يمكن أن يسيء صنيعا «Le Roi ne peut mal faire » .

كما أن انتقال فرنسا من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري لم يُغير من الأمر شيئا لأن الإعتقاد بأن الدولة معصومة من الخطأ انتقل إلى البرلمان الذي يحوز السيادة .

و من بين الفقهاء الذين ساندوا هذا المبدأ الفقيه «DUGUIT» الذي يرىبأن السيادة والمسؤولية يتناقضان بينما كتب «LERRIERE» بأن ما تتميز به سيادة الدولة هو أنها تفرض نفسها على كل شخص دون تعويض .

و بهذا الشكل تجسدت فكرة عدم مسؤوليـة الدولة والتي كلفت رجال القانون عناء تبريرها والتي أسسوها أحيانا على أسباب نظرية وأخرى عملية .
لكن بفضل تدخل الفقه والقضاء تم التخلي عن مبدأ اللامسؤولية وأقرت الدولة مسؤوليتها عن الأضرار الناجمة عن الحبس المؤقت وبالتالي أصبح للمتضررين من الحبس المؤقت الحق في المطالبة بالتعويض والذي لا يكون بصورة آلية بل حُددت له شروط يجب توافرها للاستفادة منه والتي تختلف عما أخذ به المشرع الجزائري.

وهذا ما سنتعرض له من خلال مبحثين متناولين في المبحث الأول إقرار مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت في حين نتعرض في المبحث الثاني إلى شروط الاستفادة منه

المبحث الأول
مسؤولية الدولة في تعويض المضرور من الحبس المؤقت

ارتبط مبدأ «عدم مسؤولية الدولة» ولفترة طويلة بفكرة أن هذه الأخيرة لا تُلحق ضررا عندما تتصرف بصفتها سلطة، وبناءا على ذلك لا تجوز مساءلة الدولة إلا إذا وجد نص صريح على هذه المسؤولية.

ومن هذا المنطلق استقرت الآراء الفقهية ودرج العمل القضائي على رفض تقرير مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد نتيجة الحبس المؤقت.

غير أنه ولاعتبارات متعددة، اتجه الفقه والقضاء نحو تكريس وإقرار هذه المسؤولية.
وهو ما سنتناوله بالدارسة والتحليل في هذا المبحث مبينين كيفية تكريس هذه المسؤولية في المطلب الأول، والأساس الذي تم الاعتماد عليه في تقريرها في المطلب الثاني.

المطلب الأول
التعويض عن الحبس المؤقت استثناء من مبدأ اللامسؤولية

لم تعترف الدولة بمسؤوليتها عن أضرار الحبس المؤقت وهذا لاعتبارات عديدة وإن اختلفت فتنصب جميعها حول مبدأ اللامسؤولية (الفرع الأول) إلا أن الاجتهادات القضائية دفعت بالمشرع لاقرار هذه المسؤولية (الفرع الثاني)

الفرع الأول
لامسؤولية الدولة عن العمل القضائي

حتى عهد قريب كانت تتمتع الأعمال القضائية بحصانة تمنع مساءلة الدولة عنها قضائيا وبُرر هذا المبدأ على أساس سيادة هذه الأخيرة وإنتفاء علاقة التبعية بينها وبين القضاة، بل أن بعض الفقهاء ذهب إلى عدم مسؤولية الدولة وذلك لغياب النصوص في هذا الميدان ورغبة في تمكين القضاة من أداء واجبهم بحرية واطمئنان.
غير أن هذه الحجج لم تلق قبولا لدى الكثير من الفقهاء الذين وقفوا منها موقف المعارضة ولم يروا فيها مبررا كافيا لإبعاد أعمال القضاة من نطاق المسؤولية.
وسنتناول دراسة الحجج والمبررات التي استند إليها المنادون بعدم مسؤولية الدولة.

1- المبررات المستمدة من مبدأ سيادة الدولة

منذ زمن طويل اتفق الفقهاء على مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها القضائية باعتبار أن المرفق القضائي يمثل سيادة الدولة ومن بين مؤيدي هذا الرأي الفقيه «لافريير» الذي يرى بأن مبدأ السيادة يُحتج به قِبَل الجميع دون أن يكون لأحد أن يطلب مقابلا … فالسيادة خاصية للدولة دون غيرها. فإذا قلنا أن للدولة سيادة فهذا معناه أنها لا تُسأل عن تصرفاتــــها.
كما يسانده في ذلك العميد «هوريو» بقوله « إن للدولة وظائف أولية و تحتاج إلى سلطة واسعة لتقوم بها على الوجه الأكمل. فوظيفة الدولة هي الحكم، وعندما تحكم يجب أن تكون بمأمن من كل رجوع عليها من جانب الأفراد»(1).

وبناء على ما سبق ذكره فإن الدولة تفرض نفسها على كل مواطن دون أن يكون له الحق في أن يطالب بالتعويض.

انتقدت هذه الحجة لأن القاضي يعتمد على حجم و خطورة الأضرار اللاحقة بالضحية و ما إذا كانت هذه الأخيـرة قد جعلته في حالة من حالات عدم المساواة إزاء المجموعة كأساس للتصريح بمسؤولية الدولة دون أن يقيم سلوكها(2).

ومن هذا المنطلق لم تعد المسوؤلية مناقضة للسيادة طالما أنها مؤسسة على الإخلال بمبدأ المساواة وليس على الخطأ.

2- المبررات المستمدة من خصوصية تنظيم مرفق القضاء

لقد ظل مبدأ عدم مسؤولية «الدولة – القاضي» مهيمنا لمدة طويلة من الزمن ولقد كانت طبيعة عمل مرفق القضاء إحدى المبررات الأساسية لتقرير هذا المبدأ كما أن استقلال القضاة وعدم خضوعهم في أحكامهم لأي سلطة ماعدا سلطة القانون خصائص تتبناها أغلب الدساتير لتؤكد الطابع الخاص لوظيفة القاضي(3) .

(1) د.حسين فريحة : مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، المطبعة الجزائرية، الطبعة الأولى1992 صفحة 179.
(2) د.مسعود شيهوب: أطروحة دكتوراه حول المسؤولية دون خطأ في القانون الإداري صفحة 354
(3) د.مسعود شيهوب، المرجع السابق ، صفحة 353
وفيما يتعلق بالدستور الجزائري فلقد نص على هذه الاستقلالية في المواد 138،147 و 148 (1) بل ذهب لأبعد من ذلك لضمان استقلالية القضاة إذ أورد في المادة 117 من قانون العقوبات على أن كل تدخل من أعضاء السلطة الإدارية في ميدان القضاء يعاقب عليه

ولقد تم في أحيان كثيرة تفسير مبدأ استقلالية السلطة القضائية لصالح مبدأ عدم المسؤولية استنادا إلى أن الدولة لا تتمتع بأية رقابة على القضاة كما يتمتع بها المتبوع على تابعه ومن ثمة فلا مجال لمسوؤليتها(2).

وعلى هذا الأساس رفض مجلس «Montpellier» مسؤولية الدولة في قضية «Reviel» إذ ورد في الحكم الصادر في 17 جويلية 1923 أن السبب في مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها العاديين هو خضوعهم وتبعيتهم لها، أما رجال القضاء فهم ليسوا تابعين لها بالمعنى المعروف في المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي(3).

انتقد هذا الرأي لأن قواعد المسؤولية التي استقر عليها القضاء الإداري يمكن تقريرها على أساس الخطأ المصلحي دون الحاجة لإثبات خطأ الموظف الذي يترتب عليه قيام مسؤولية الدولة بصفتها متبوعة.

3- المبررات المستمدة من مبدأ حسن سير مرفق القضاء

لقد اعتبر بعض الفقهاء أن تقرير مبدأ المسؤولية سينعكس على نفسية القضاة الذين سيخشون تحمل نتائج المسؤولية في كل خطوة يخطونها وفي كل قرار يصدرونه. الأمر الذي سيؤثر سلبا على عملهم وعلى حسن سير مرفق القضاء.
وما يمكن قوله بهذا الخصوص أن تقرير مسؤولية الدولة عن العمل القضائي لن يؤثر على أداء القضاة بل بالعكس سيكونون في مأمـن من احتمـالات قيـام مسؤوليتـهم الشخصية التي ستتلاشى حينها لصالح مسؤولية الدولة(4).
(1) لقد جاء نص المواد 138-147-148 من دستور 1996، كالآتي:
المادة 138 :« السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون».
المادة 147:« لا يخضع القاضي إلا للقانون»
المادة 148:« القاضي محمي من كل أشكال الضغوط و التدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه».
(2) د.مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 352 .
(3) د.حسـين فريحة، المرجع السابق، صفحة 233 .
(4) د.مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 354

4- المبررات المستمدة من حجية الشيء المقضي فيه

يرى مؤيدوا هذا الرأي أن السماح للأفراد بالمطالبة بالتعويض عن الأحكام النهائية الحائزة على حجية الشيء المقضي به بحجة أنها مخطئة يتعارض مع ما يجب أن تتسم به هذه الأحكام من استقرار، كما يهدم بطريقة غير مباشرة ما جاء فيها(1).

وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف لمدينـة «DOUAI»في قرارها الصــادر فــي 9 جانفي 1962 الذي جاء فيه مايلي: إن قرارات العدالة التي حازت قوة الشيء المقضي فيه لا يمكن أن ترتب قيام مسؤولية الدولة طالما أن الضرر المدعى به يجد مصدره في عمل قضائي(2).

لقد وجهت انتقادات عديدة لهذا الرأي لكون الأحكام فقط هي التي تتمتع بالحجية لكن هناك أعمال قضائية لا تخضع لهذه القاعدة مثل أعمال التحقيق هذا من ناحية، كما أن منح التعويض سيعيد التوازن و ينهي حالة اللامساواة التي سببها الحكم للضحية من ناحية أخرى، وهذا لا يعني إطلاقا مراجعة هذه الحجية ومناقشتها(3).

5- المبررات المستمدة من قواعد الاختصاص

إن الحجة الرئيسية التي كان لها الأثر الفعال في تقرير عدم مسؤولية الدولة عن العمل القضائي تنبع في فرنسا من قواعد الاختصاص.

ويرجع هذا إلى رفض القضاء الإداري النظر في نشاط القضاء العادي تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات(4)، والقضاء العادي يرفض منح تعويض للمتضرر بسبب غياب النصوص للحكم على الدولة
ولقد اختلفت الآراء الفقهية بهذا الشأن إذ أن الفقيه «كابيتان» يرى بأن مجلس الدولة يكون مختصا بتقرير مسؤولية الدولة حتى ولو ارتكب الضرر بسبب سير مرفق القضاء العادي، غير أن الفقيه «هوريو» يرى أن السلطة العمومية عند ما تستهل دعواها في شكل قضائي عادي لا يمكن حمايتها بالاختصاص القضائي الإداري(5)

(1) د.حسين فريحة،المرجع السابق، صفحة 184.
(2) لقد صدر بهذا الشأن أيضا قرار «Blonder» الصادر في 1958، أنظر في ذلك د.مسعود شيهوب، المرجع السابق صفحة 134 و د. حسين فريحة، المرجع السابق، صفحة 184.
(3) د.مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 355
(4) بعد هذا المبدأ أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون العام المعاصر استلهمه «مونتسكيو» في كتابه روح القوانين.
(5) د. حسين فريحة، المرجع السابق، صفحة 203.

ولقد قضى مجلس الدولة بعدم اختصاصه بنظر تنفيذ الأحكام القضائية طبقا للمواد 442 ، 472 و 553 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي القديم لأن الفصل فيها يرجع للقضاء العادي(1).

وبقي الأمر كذلك إلىغاية سنة 1951 أين أقر مجلس الدولة لأول مرة بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية على غرار مسؤوليتها عن أعمال الضبط الإداري.

ليتأكد مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها القضائية في قضية «Giry» (2)التي أسس فيها المحامي العام «Dupin» ملاحظاته على أنه لا يوجد شيء يعيق المحاكم القضائية العادية من تطبيق المبادئ العامة للقانون كتلك التي يطبقها القاضي الإداري.

وبعد مرور بضع سنوات من قضية الدكتور جبري أكدت محكمة «Lyon» نفس المبدأ أثناء نظرها لقضية «Baud» (3) مقررة أن القاضي المدني يمكنه أن يستلهم مبادئ القانون الإداري لحل المشاكل المشابهة لتلك التي تطبقها عادة المحاكم الإدارية.

وبإقرار القضاء العادي لاختصاصه بالنظر في المنازعات المتعلقة بسير مرفق القضاء تم التخلي نهائيا عن مبدأ عدم المسؤولية.

الفرع الثاني
تكريس مبدأ مسؤولية الدولة عن أضرار الحبس المؤقت

لقد ساهم القضاء بصفة فعالة في إقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن أضرار الحبس المؤقت، وهذا حتى في غياب النصوص . وكان هذا عبر مراحل .

ففي مرحلة أولى اشترط هذا الأخير أن تتوافر شروط مخاصمة القضاة لكي يتحصل المتضرر من

(1) يرى «AUBERT LEFAS» أن القضاء العادي لا يستطيع أن يحكم على الدولة بالتعويض عن أعمال السلطة القضائية، لأنه لا يوجد لديه نظرية قضائية في المسؤولية تماثل النظرية التي استقر عليها القضاء الإداري، إذ لا يجوز أن يقضي خارج إطار النصوص التشريعية، أنظر في ذلك د.حسين فريحة، المرجع السابق، ص 203 و 207.
(2) تتلخص وقائع قضية الدكتور «جيري» في أنه استدعي من طرف رجال الشرطة إلى فندق حدث فيه اختناق بعض الأشخاص، وذلك لمعاونة التحقيق الجنائي في كتابة تقرير طبي عن الحادث، فأصيب بجروح نتيجة حدوث انفجار، صدر الحكم بشأنه في 23 نوفمبر 1956 انظر في ذلك د.بوكحيل الأخضر، المرجع السابق، ص338.
(3) القرار الصادر بتاربخ 20 نوفمبر 1961. تتلخص الوقائع في أن أحد رجال البوليس أطلق الرصاص على« بود» فأراده قتيلا معتقدا أنه من الأشرار، انظر في ذلك د.حسين فريحة، المرجع السابق، ص 209.

الحبس المؤقت على التعويض وهذا ما قضي به في الحكم الصادر في 15 يونيو 1966(1).

ولكن هُجر هذا الأساس وتم إقرارمسؤولية الدولة متى أمكن إثبات وجود خطأ مرفقي و توافرت براءة طالب التعويض، وهذا ما قضت به محكمة «Seine» الابتدائية الكبرى للسيد «Guy Vayou» في حكمها الصادر في 13 ماي 1970، هذا الأخير تم حبسه بدل والده بسبب إهمال من قاضي التحقيق.
في حين تم رفض منح التعويض في قضايا عديدة لانتفاء شرطي التعويض(الخطأ المرفقي و البراءة). من بينها:
1- الحكم الصادر في 15 أكتوبر 1969 في قضية «OUAOUKORRI».
2- الحكم الصادر بتاريخ 09 مارس 1980 في قضية «BENYAICHE»
3- الحكم الصادر بتاريخ 3 مارس 1981 في قضية «PARCEVAU»(2).

وأسس القضاة حكمهم على أن تعويض المضرور من الحبس المؤقت لا يمكن أن يكون بصفة تلقائية متى انتهت سلطة التحقيق إلى إصدار أمر بألاوجه للمتابعة أو صدر حكم بالبراءة لأن أوامر ألاوجه للمتابعة وأحكام البراءة المنهية للمتابعة الجزائية لا تشكل بالضرورة شهادة للبراءة وعليه يمنح التعويض لمن كانت براءته ساطعة وتوافر خطأ مرفق القضاء.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الفقهاء قد تمسكوا أثناء مناقشة مشروع قانون 1970 بضرورة إثبات براءة المتهم المطالب بالتعويض، في حين إعترض البعض على أساس أن إثبات البراءة أحيانا أصعب من إثبات ارتكاب المتهم للجريمة، ولا يستطيع المضرور من الحبس المؤقت في مثل هذه الظروف تقديم دليل براءته خاليا من وجود شك في الأدلة لوجود حالات تكون فيها البراءة نتيجة لوجود هذا الشك .

أما وزير العدل الفرنسي فقد أوضح أثناء مناقشة الجمعية الوطنية للقانون المذكور أعلاه بأنه لا يمكن إقامة نوعين من البراءة تلك التي تقوم على الشك وتلك التي تقوم على اليقين فلا ينبغي إنشاء قضاء للبراءة يختلف عن قضاء عدم الإذناب(3).

ولقد جاء قانون 1970 خاليا من هذا الشرط ولم يشترط أن يثبت المتهم براءته ليحصل على التعويض.

(1) تنص المادة 505 إجراءات مدنية على أن دعوى المخاصمة ترفع إذا ما وقع من القاضي أو ضابط الشرطة القضائية في أعمالهم غش أو تدليس أو عذر أو خطأ مهني جسيم.
(2) د.الأخضر بوكحيل، المرجع السابق، صفحة340
(3) د.الأخضر بوكحيل، المرجع السابق، صفحة 345.
وخلاصة القول أن الفقه والقضاء ساهما في هدم مبدأ عدم مسؤولية الدولة والذي كان الحاجز أمام تقرير هذه الأخيرة لمسؤوليتها عن أضرار الحبس المؤقت. ويثور التساؤل هنا حول الأساس المعتمد في تقرير هذا المبدأ.

المطلب الثاني
أساس مسؤولية الدولة في التعويض عن الحبس المؤقت

حتى وإن تم الاعتراف بمسؤولية الدولة عن أضرار الحبس المؤقت وتم إدراج ذلك في نصوص قانونية وبالنتيجة أصبح للمتضرر من هذا الحبس الحق في الحصول على التعويض، إلا أن الأساس الذي يمنح عليه هذا الأخير قد يختلف من نظام قانوني لآخر والذي على ضوئه سنت المواد القانونية الموجبة له مما يدفعنا للتعرض للأساس الفقهي الذي على أساسه أقرت الدولة مسؤوليتها عن أضرار الحبس المؤقت (الفرع الأول) وما إذا تم اعتماده في القانونين الفرنسي والجزائري (الفرع الثاني)

الفرع الأول
الأســـاس الفقهــي

بما أن الأفراد ملزمون بتحمل المخاطر العادية المتعلقة بالحياة الاجتماعية دون طلب أي تعويض، متى كانت هذه هي نفسها التي تطبق على الجميع فإنه يجب على الجماعة تحمل عبء تعويض الأضرار التي تعرض لها الفرد و تجاوزت ما هو عادي كالأضرار الناجمة عما يشوب أعمال التحقيق الابتدائي من قصور.
وهذا ما بينته المذكرة الإيضاحية لقانون 1970 التي جاء فيها«أنه يتعين على الجماعة أن تتحمل في بعض الحالات نتائج الأخطار الناجمة عن إدارة المرافق العامة قصد تفادي الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة حتى ولو لم يُنسب إلى أحد أعضائها ارتكاب خطأ ما»

فأضرار العمل القضائي كثيرا ما لا تكون ناتجة عن خطأ بالمعنى المتعارف عليه بل على العكس
(1) الأخضر بوكحيل ، المرجع السابق، صفحة 344.

من ذلك فإنه كثيرا ما تؤدي إلى حدوث أضرار خاصة وغير عادية أي تسبب حالة من حالات اللامساواة، فالضحية في أضرار العمل القضائي بهذا الوصف تتحمل وحدها أعباءا ناتجة عن نشاط مرفق يستفيد من نشاطه الجميع.

وبما أن المرافق العامة تعمل لصالح المجتمع الذي يستفيد منها فإنه من العدالة أن يتحمل هذا الأخير عبء التعويض إذا ما ألحق سير المرافق ضررا خاصا وغير عادي بأحد الأفراد.
فمنح التعويض للمتضرر من الحبس المؤقت يكون على أساس أن الضرر الذي لحق به تجاوز الأعباء العامة التي على جميع الأفراد أن يتحملوها بصفة عادية فالتعويض ينهي حالة اللامساواة هذه.

وبناءا على ما سبق ذكره فإن الخطأ المرفقي لا يعد أساسا لإقرار مسؤولية الدولة عن أضرار الحبس المؤقت وإنما تؤسس على الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة «Théorie de l’égalité des citoyens devant les charges public» الذي يفرض عدم تحميل الضحية وحدها أعباء ا ناتجة عن إقامة العدل والأمن للجميع.

وبهذا نستبعد فكرة الخطأ كأساس للتعويض، هذا الأخير يمنح دونما البحث عما إذا ارتكب القاضي خطأ أم لا.

فما مدى اعتماد المشرعين الفرنسي والجزائري لهذا الأساس؟
هذا ما سنتعرض إليه من خلال دراسة ما أورداه في قانون الإجراءات الجزائية بهذا الشأن.

الفرع الثاني
الأســـاس التشريعـــي

لقد أكدت المادة 149 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي- وهذا قبل تعديلها – على أن التعويض عن الحبس المؤقت لا يُمنح على أساس الخطأ وإنما لتوافر ضرر عادي وخاص وهذا بنصها على إمكانية منح التعويض لمن كان محل حبس مؤقت وانتهت الإجراءات بالنسبة له بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو التسريح أو البراءة، إذا ترتب على هذا الحبس ضرر غير عادي وذو خطورة خاصة.

وبهذا لم يشترط المشرع الفرنسي إثباب الخطأ في جانب القاضي الآمر بالحبس.

وبموجب المادة 19 من القانون 96/1235 الصادر في 30 ديسمبر 1996 تخلى المشرع على خصوصية الضرر و طابعه غير العادي كشرط للحصول على التعويض.

وما يمكن قوله بهذا الشأن أن المشرع الفرنسي أقر مسؤولية الدولة في التعويض عن الحبس المؤقت على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وبالنتيجة فإن للمتضرر إمكانية الحصول على التعويض بمجرد إثبات الضرر.

أما المشرع الجزائري فلقد أضاف قسما جديدا عنونه بالتعويض عن الحبس المؤقت وهذا بموجب القانون 01/08 المؤرخ في 26 جوان 2001 أورد فيه 15 مادة بخصوص هذا الشأن.

ولقد جاء نص المادة 137 مكرر كالآتي :«يمكن أن يمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أوبالبراءة إذ ما ألحق به هذا الحبس ضررا ثابتا و متميزا».

وما يلاحظ على هذه المادة أنه بالرغم من أن مبدأ التعويض مستمد من القانون الفرنسي لكن المشرع الجزائري أسس التعويض على الخطأ وليس على أساس الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة ويبرز هذا من نص المادة 137 مكرر التي ورد فيها «… محل حبس مؤقت غير مبرر» أي يفترض أن قاضي التحقيق قد أخطأ وأساء التقدير عندما أمر بالحبس ويتأكد لنا هذا عند الرجوع إلى كلمة وزير العدل التي ألقاها أمام المجلس الشعبي الوطني أثناء مناقشة القانون 01/08 . ومما جاء في كلمته «إن التعويض عن الخطأ القضائي إجراء نص عليه الدستور لكن آليات معالجة حق التعويض حاليا غائبة تقريبا، وعليه إذا تم الاعتراف بحق الحصول على التعويض فإن الإجراءات التي تؤدي إليه ما تزال مفتقدة لذا نقترح عليكم في عدد من المواد الجديدة وهي من 137 مكرر 01 إلى المادة 137 مكرر 14 تأسيس هذا الجهاز و توضيح الشروط المتعلقة به وهو جهاز مرتكز على المحكمة العليا وتحت رئاسة رئيسها الأول نظر لأهمية الموضوع» (1).

وهذا اعتمادا على المادة 49 من الدستور التي نصت على أنه «يترتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة ويحدد القانون شروط التعويض كيفياته».

وبهذا يكون التعويض عن الحبس المؤقت في نظر المشرع الجزائري خطأ قضائيا يوجب التعويض ولقد حدد شروطه وكيفية الحصول عليه في القسم السابع مكرر المتعلق بالتعويض عن الحبس المؤقت.
هذه الشروط ستكون محل دراسة في المبحث الآتي.
(1)الجريدة الرسمية لمداولات المجلس الشعبي الوطني رقم 264 الصادرة في 16 ماي 2001، صفحة 8.

المبحث الثاني
شروط الاستفادة من التعويض عن الحبس المؤقت

إن الدولة في إطار- صلاحياتها الدستورية – تسهر على ضمان الحقوق الأساسية والحريات الفردية و الجماعية للمواطنين وحمايتهم من كل أشكال التجاوزات والتعسفات التي قد تصل إلى حرمانهم من حرياتهم أو الحد منها لذا منحت للمتضرر من الحبس المؤقت حق المطالبة بالتعويض وهذا بموجب القانون 01/08 المؤرخ في 26 جوان 2001 الذي نص في مادته 137 مكرر على أنه « يمكن أن يُمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي قضى بألاوجه للمتابعة أو البراءة إذا ألحق به هذا الحبس ضررا ثابتا و متميزا».

ويستفاد مما سبق أن المشرع قد فرض شروطا للاستفادة من التعويض تتمثل في ضرورة حبس مؤقت غير مبرر انتهى بألاوجه للمتابعة أو البراءة (المطلب الأول) وألحق هذا الأخير بطالب التعويض ضررا ثابتا ومتميزا (المطلب الثاني). وهذا ما سنتناوله بالدراسة فيما يأتي .

المطلب الأول
ضرورة توافـر حبـس مؤقت

لم يعرف المشرع الجزائري الحبس المؤقت لكنه أورد في المادة 123 إجراءات جزائية بأن هذا الأخير يعتبر إجراء استثنائيا.

وفي حين عرفه الفقه على أنه مجموعة من الإجراءات تستهدف التنقيب عن الأدلة في شأن الجريمة المرتكبة و تجميعها ثم تقديرها لتحديد مدى كفايتها لإحالة المتهم إلى المحاكمة(1).

وأمر الإيداع في الحبس المؤقت يختص بإصداره كل من غرفة الاتهام، قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية عملا بالمواد 192 ، 68 و 59 إجراءات جزائية.

وإن كان الأمر بالإيداع في الحبس المؤقت الذي يصدر عن غرفة الاتهام أو قاضي التحقيق

(1) محمود نجيب حسني « الدستور والقانون الجنائي » دار النهضة العربية الطبعة الأولى 1992، صفحة 112.
لا يطرح إشكالا لأنه بمجرد صدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عملا بما ورد في المادة 137 مكرر إجراءات جزائية، إلا أن الحبس المؤقت الذي يأمر به وكيل الجمهورية في حالة التلبس هو الذي يثير الإشكال التالي : هل في حالة انتهاء مدة هذا الحبس بصدور حكم نهائي بالبراءة يعطي الحق للمتضرر منه إخطار الجهة المختصة بمنح التعويض؟

أمام عموم نص المادة 137 مكرر إجراءات جزائية فإن الحبس المؤقت في حالة التلبس والمنتهي بصدور حكم نهائي بالبراءة يرتب للشخص الذي لحِقه ضررنتيجة حبسه الحق في أن يطالب بالتعويض بشرط إثبات الأضرار التي لحقته ، ويبقى التقدير في منح التعويض من عدمه للجهة المختصة بذلك.

ومهما كانت طبيعة هذا الحبس فإن المشرع قد اشترط أن يكون غير مبرر (الفرع الأول) وأن يلحق بالمدعي ضررا ثابتا و متميزا (الفرع الثاني).

الفرع الأول
أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر

يرى الأستاذ «مسعود شيهوب» أن مصطلح «غير مبرر» مصطلح أدبي لا قانوني(1).

وبالرجوع إلى الدراسات الفقهية والقانونية نجد أن الحبس عند الإخلال بأحد شروطه يكون إما «لا قانوني» (Illégale) أو «تعسفي» (Abusive).

ويقصد بالمفهوم الأول «الحبس الذي يقع إخلالا بالضمانات الشكلية أو الإجرائية كأن يؤمر به في جريمة غير التي يجيز فيها القانون هذا الإجراء أو يؤمر به دون استجواب المتهم ». والذي يؤدي لبطلان الإجراءات.

أما المقصود بالحبس التعسفي فهو« الحبس الذي يؤمر به دون سند قانوني» (2).

ولقد تعرضت اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها الثالثة لدراسة نص المادة 09 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه لا يجوز القبض على أي إنسان
أو حبسه أو نفيه تعسفا. فتباينت الآراء حول معنى كلمة تعسف فرأى البعض أن الحبس المؤقـت

(1) د.مسعود شيهوب، ارجع للمحاضرات التي ألقيت على الطلبة القضاة حول «المسؤولية عن العمل القضائي».
(2) الأخضر د. بوكحيل ، المرجع السابق، صفحة 330.
التعسفي هو الذي لا يتوافق مع الكرامة الإنسانية أو لا يتوافق مع احترام الحق في الحرية وأمن الشخص، أو تطبيقا لقانون غير عادل . فما الذي قصده المشرع من مصطلح «غير مبرر»؟

وهل يكمن عدم تبرير الحبس المؤقت في انتهائه بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة ؟
ومحاولة منا للإجابة على هذا التساؤل نتطرق إلى النقاط الآتية :

فبالرجوع إلى المادة 123 اجراءات جزائية نجدها تنص بأنه لا يمكن أن يؤمر بالحبس المؤقت أو أن يبقى عليه إلا إذا كانت التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحلات الآتية :

1- إذا لم يكن للمتهم موطن مستقر أو كان لا يقدم ضمانات كافية للمثول أمام العدالة أو كانت الأفعال جد خطيرة.

2- عندما يكون الحبس المؤقت الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الحجج أو الأدلة المادية أو وسيلة لمنع الضغوط على الشهود أو الضحايا أو لتفادي تواطؤ بين المتهمين والشركاء قد يؤدي إلى عرقلة الكشف عن الحقيقة.

3- عندما يكون هذا الحبس ضروريا لحماية المتهم أو وضع حد للجريمة، أو الوقاية من حدوثها من جــــديد.

4- عندما يخالف المتهم من تلقاء نفسه الواجبات المترتبة على إجراءات الرقابة القضائية المحددة لهـــا.

فهنا يصعب علينا تحديد خطأ القاضي إذا ما أمر بالحبس في إطار الحالات المذكورة سابقا والتي جاءت على سبيل الحصر خاصة وأن المادة 123 مكرر أوجبت على قاضي التحقيق أن يسبب أمر الوضع في الحبس المؤقت على الأسباب المنصوص عليها في المادة المذكورة أعلاه .

وهذا لأن إمكانية اسستبدال حبس المتهم بالرقابة القضائية تختلف من ملف لآخر و من قاض لآخر خاصة في تقدير الضمانات الكافية للمثول أمام العدالة وخطورة الوقائع .

وبما أننا منحنا للقاضي سلطة اتخاذ أمر الحبس من عدم ذلك فإنه لا يمكننا بالمقابل أن نعتبر الحبس الذي أمر به كان غير مبرر بمجرد إنتهائه بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو البراءة خاصة إذا ما اتخذ لحماية المتهم أو في حالة مخالفة هذا الأخير ومن تلقاء نفسه الإلتزامات المفروضة عليه في إطار الرقابة القضائية .
وبناءا على ما سبق ذكره فإنه يتعذر علينا أن نثبت أن القاضي قد أساء التقديرعندما قرر وضع المتهم في الحبس المؤقت أو الإبقاء عليه، مما يستدعي النظر فيما إذا كان بإمكان هذا الأخير تفادي اللجوء للحبس المؤقت أو استبداله مثلا بالرقابة القضائية أو التقليص من مدتـه …الخ وكلها من المسائل التي يصعب البت فيها (1).

وكان على المشرع عدم اشتراط أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر لأنه بهذا جعل الأمر أكثر تعقيدا.

الفرع الثاني
انتهاء الحبس المؤقت بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو البراءة

لقد أورد المشرع في نص المادة 137 مكرر بأن الحبس المؤقت غير المبرر يجب أن ينتهي بقرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو البراءة . أما النص الفرنسي فقد جاء كالآتي « Terminée à son égard par une décision de non lieu, de relaxe ou d’aquittement…» ونلاحظ أن المشرع قد ذكر عبارة التسريح التي استمدها من التشريع الفرنسي الذي يفرق بين الجنايات والجنح هذه الأخيرة يُحكم فيها بالتسريح عكس الأولى التي يُحكم فيها بالبراءة في حين تصدر الأحكام كلها في الجزائر بالبراءة أيا كان نوع الجريمة .

و إذا كان الحكم – أو القرار – النهائي القاضي بالبراءة، لا يثير أي إشكال لأنه بعد استنفاذ طرق الطعن فيه فإنه يحوز حجية الشيء المقضي به وبالتالي يحق للمتضرر من الحبس المؤقت أن يطالب بالتعويض بمجرد صيرورة الحكم القاضي ببرءاته نهائيا.
فإن الإشكال يثور حول الأمر بألاوجه للمتابعة، وهذا ما سنعالجه في الآتي .

إن المشرع الجزائري لم يعرف الأمر بألا وجه للمتابعة بل أوضح في المادة 163 إجراءات جزائية، الحالات التي يمكن لقاضي التحقيق إصدار هذا الأمر بشأنها.

أما الفقه فقد عرفه على أنه أمر قضائي يصدر عن سلطة التحقيق يتعلق بصرف النظر عن رفع الدعوى لقضاء الحكم لعدم صلاحية الدعوى للعرض عليه إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل سقوط الدعوى الجنائية(2).

(1) د.احسن بوسقيعة، التحقيق القضائي، الديوان الوطني للأشغال التربوية الطبعة 2 ، 2001، صفحة 159
(2) محمود زكي أبو عامر: الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف بالاسكندرية الطبعة الأولى1994، صفحة 685
ويمكن تعريفه أنه أحد الأوامر المنهية للتحقيق- يصدره قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام حسب الحال – يقضي بصرف النظر مؤقتا عن الدعوى سواء لكونها لا تقبل أي وصف جزائي أو لانعدام الأساس الكافي لإدانة المتهم أو بقائه مجهولا.
والذي ينبني إما على :

سبب قانوني : إذا ما كانت الوقائع المنسوبة لا تشكل جريمة
سبب موضوعي : إذا لم توجد دلائـل كافيـة ضـد المتهــم(1)

و يكون انقضاء الدعوى العمومية نسبيا إذا ما كان الأمر مؤسسا على اعتبارات واقعية إذ من الجائز استئناف هذه الأخيرة عن طريق إعادة فتح التحقيق لظهور أدلة جديدة وهذا ما نصت عليه المادة 175 إجراءات جزائية بقولها أنه يحق للنيابة أن تطلب إعادة فتح التحقيق بناءا على أدلة جديدة من بينها : أقوال الشهود والأوراق و المحاضر والتي لم يتم عرضها على قاضي التحقيق والتي من شأنها أن تعزز الأدلة التي سبق وأن وجدها ضعيفة .

لقد طُرح النقاش حول إمكانية رفض اللجنة لمنح التعويض إذا ما بني أمر ألاوجه للمتابعة على أساس واقعي بحجة أن الدعوى العمومية لم تسقط بالتقادم.

لكن نحن نرى أن المشرع نص على أن للمتضرر من حبس مؤقت انتهى بقرار نهائي بألا وجه للمتابعة الحق في أن يطالب بالتعويض دون أن يفرق بين الأمر الذي أُسس على اعتبار قانوني وذاك المؤسس على اعتبار موضوعي.

كما أن انتظار انقضاء الدعوى العمومية سيحرم المتضرر من التقدم أمام اللجنة بسبب فوات المواعيد المحددة بـ: 6 أشهر من تاريخ صيرورة القرار نهائيا.

أما اللجنة الوطنية للتعويض الفرنسية فقد منحت تعويضا دون البحث عما إذا كان الأمر بألاوجه للمتابعة مؤسسا على أسباب موضوعية أو قانونية.

إضافة إلى نص المشرع على وجوب أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر اشترط أن يُلحق هذا الأخير بالمدعي ضررا ثابتا ومتميزا نتطرق له في المطلب الآتي .

(1) أما السبب الموضوعي الثاني هو إذا ظل مرتكب الجريمة مجهولا هنالا توجد حالة حبس أصلا.

المطلب الثاني
ضرورة توافر ضرر ثابت ومتميز

يُعرف الضرر على أنه ذلك الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة يحميها القانون سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة بسلامة جسمه أو ماله أو حريته أو شرفه(1) وهو إما مادي أو أدبي(2).

ولقد اشترطت المادة 137 مكرر إجراءات جزائية لمنح التعويض أن يُلحق الحبس المؤقت بالمدعي ضررا ثابتا و متميزا على أن يكون هذا الأخير غير مبرر و انتهى بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة.

لكن بالرجوع إلى مشروع القانون 01/08 نجده قد أورد في مادته 11 ما يأتي:« يمكن أن يمنح تعويض .. إذا ألحق هذا الحبس ضررا ظاهرا غير عادي وذو خطورة متميزة » – Manifestement anormal et d’une particulière gravité-

ونظرا لأن أغلب التعديلات تطرقت لضرورة حذف هذين المصطلحين لغموضهما ارتأت لجنة الشؤون القانونية و الإدارية والحريات استبدالهما. ولقد جاء في تقريرها التكميلي ما يلي « إنه في إطار التكفل بالإنشغالات المعبر عنها تم إدخال تعديلات تضفي مزيدا من الوضوح وهذا باعتماد الصياغة المعبرة عن المعنى المقصود وهو أن يكون الضرر ثابتا و متميزا»(3).

ونحن نرى بأن اللجنة لم تكن موفقة حين استبدلت المصطلحين لأن الإشكال لا يكمن في التسمية بل في المعنى. فخصوصية الضرر وطابعه غير العادي ابتكرهما القضاء الإداري من أجل إقرار المسؤولية غير الخطئية.

وبناء على ما سبق ذكره فإن دراستنا للضرر الثابت والمتميز كشرط من شروط منح التعويض سينصب على دراسة الضرر غير العادي والخاص لأن ثبوت الضرر و تميزه ما هي إلا مصطلحات أطلقت على الضرر وهي غير متعارف عليها في مجال المسؤولية غير الخطئية.

(1) سعيد مقدم: نظرية التعويض عن الضرر المعنوي المؤسسة الوطنية للكتاب الطبعة الأولى 1992، صفحة 35.
(2) هناك من الفقهاء من يقسم الضرر إلى ضرر مالي جسمي وأدبي.
(3) التقرير التكميلي عن مشروع القانون 01/08، صفحة 33.

الفرع الأول
أن يكــون الضـرر ثابتا

يجب على المتضرر من حبس مؤقت أن يثبت أن هذا الأخير قد ألحق به ضررا غير عادي، والذي استبدله المشرع بمصطلح ثابت فما هو الضرر غير العادي ؟

إن الضرر غير العادي هو ذاك الضرر الذي يتجاوز الأعباء العامة التي على كل فرد تحملها بصفة عادية.

ويرى الأستاذ «مسعود شيهوب» أن الطابع غير العادي للضرر أو خطورته لا يتحقق هكذا بصفة مطلقة و نسبية وإنما بمقارنته مع وضعية الضحية. فضرر مرتفع إلى حد ما لا يكون كافيا لقيام المسؤولية عندما يصيب ذمة مالية موسرة ولكن مبلغ متواضع نوعا ما يشكل ضررا خطيرا بشكل كاف بالنسبة لشخص محدود الموارد.

إذ ينبغي دائما إجراء مقارنة بين حجم الضرر ومجموع النشاط الأساسي، فعندما يلغي قرار نشاطا ثانويا دون النشاط الأساسي، فإنه لا مجال للتعويض لأن الضرر ليس خطيرا بشكل كافي(1).

وبناءا على ما سبق ذكره فإن الطابع غير العادي للضرر لا يكمن في العمل المسبب للضرر وإنما في الضرر في حد ذاته، فالضرر – وليس العمل- هو الذي ينبغي أن يكون غير عادي وهو نسبي و شخصي وليس مطلقا وموضوعيا(2).

ولقد تعرض النائب العام لدى محكمة النقض لمسألة تقدير الضرر غير العادي وهذا بمناسبة تنصيب لجنة التعويض موضحا أن الوقائع الموجهة للمتهم، ومسألة التأخر الاستثنائي العائد للازدحام غير العادي للقضايا المتراكمة لدى مكاتب التحقيق وطول إجراءات الإنابات القضائية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تقدير الضرر غير العادي كما يدخل في ذلك تصرفات المحبوس أثناء مرحلة التحقيق أو المحاكمة كاعترافه أو كتمانه للحقيقة(3).

أما اللجنة الوطنية للتعويض فقد تنبت معايير لا يمكن أن يكتسي معها الضرر طابعا غير عادي، معتمدة في الأخير معيارا واحدا في تقديره.
(1) أنظر في ذلك د.مسعود شيهوب، المرجع السابق ص 260.
(2) د.مسعود شيهوب، ص 253.
(3) د.حسين فريحة، المرجع السابق، ص 294.
أولا : المعايير المستبعدة

المعيار الأول: الحكم بالبراءة لفائدة الشك

إن البراءة التي تعزى إلى وجود شك في الأدلة تؤلف حائلا جديا للحكم بالتعويض وهذا بالرغم من أن المشرع لم يقم أي تفرقة بين قضاء البراءة وقضاء عدم الإذناب(1).

ويرى «فيدال» أن التعويض يمنح للشخص الذي يمكنه إثبات براءته، أما الشخص الذي يُبرأ لعدم ثبوت التهمة فلا حق له في التعويض(2).

المعيار الثاني: خطأ المضرور

قد يحدث أن يساهم المتهم أثناء فترة التحقيق بموقفه أو بتصريحاته المزورة أو الكاذبة إلى تحقق الضرر الذي يطالب بالتعويض عنه، فلا يمكن منح التعويض في هذه الحالة تطبيقا للقاعدة الرومانية الشهيرة « ليس لأحد أن يستفيد بسبب فعل غير مشروع صدر عنه» Ne mo autiror proprum turpi tudinem ellegans

لكن هذا المعيار يبقى نسبيا لأن اللجنة منحت تعويضا لـ: «Devaux» رغم اعترافه في البداية بارتكابه الجريمة المنسوبة إليه.

المعيار الثالث: الحكم بغرامة أو الحبس مع وقف التنفيذ

إن ارتكاب الجريمة في هذه الحالة ثابت لا يقبل المناقشة وبالنتيجة لا يحق للمتضرر من الحبس المؤقت أن يطالب بالتعويض.

ثانيا : المعيار المعتمد

إن المعيار الوحيد الذي اعتمدته اللجنة للأخذ بالطابع غير العادي للضرر هو معيار «قواعد العدالــــة»
هذا الأخير يمكن أن يتخذ صورا مختلفة كأن ينتج عن شروط الأمر بالحبس أو مدته أو صدى وقائع القضية في الرأي العام وكذا تعنت قاضي التحقيق(3).
(1) د. الأخضر بوكحيل ، المرجع السابق، صفحة 352.
(2) لقد تمسك بهذا الشرط «L’eauté» الذي يرى بأن التعويض يجب أن يحدد بالأضرار الاستثنائية الجسيمة التي أصابت مواطنا براءته تكون واضحة، أنظر في ذلك د. حسين فريحة، المرجع السابق، صفحة 293.
(1) د .الأخضر بوكحيل ، المرجع السابق، صفحة 353.
خلاصة لما سبق ذكره فإن الضرر غير العادي هو ذلك الضرر الذي تتطلب قواعد العدالة التعويض عنـه.
هذا بالنسبة للضرر غير عادي فماذا عن الضرر المتميز.

الفرع الثاني
أن يكون الضــــرر متميــزا

علاوة على الطابع غير العادي للضرر اشترطت المادة 137 مكرر تميزه، أما النص الفرنسي فقد جاء كالآتي «Préjudice particulier et d’une particulière gravité » بعبارة أخرى يجب أن يكون الضرر الناجم عن الحبس المؤقت خاصا وذو جسامة خاصة.

وإن كانت جسامة الضرر لا تطرح إشكالا إذ تقيم حسب ظروف كل حالة. فالقاضي يقدر كل الأضرار المادية والمعنوية والمهنية التي لحقت بالمضرور بالإضافة لشروط ومدة الحبس المؤقت(1).

وبتقدير هذه الظروف فإن القاضي يمكنه أن يستمد الجسامة الخاصة للضرر . وما يثير الإشكال هنا هو الضرر الخاص.

يرى الأستاذ «MOUKARAN KOUATLY» أن الضرر الخاص هو الذي يصيب شخصا بذاته أو مجموعة محدودة من الأفراد.

في حين يرى الأستاذ أحمد محيو أن الطبيعة الخاصة للضرر تكمن في إصابته لفرد واحد ولعدد محدود من الأفراد، فإذا كان للضرر مدى واسع فإنه يشكل عبئا عاما يتحمله الجميع ويعد مانعا للحصول على التعويض(2) .

ولقد عرف الأستاذ عمار عوابدي الضرر الخاص بأنه الضرر الذي ينصرف إلى فرد معين بذاته أو إلى أفراد محدودين بذواتهم، أما إذا كان الضرر منصبا على مجموعة كبيرة من الناس أو على جميع المواطنين فإنه غير مستوجب للتعويض لأن المسـاس بالمساواة أمام الأعباء العامة غير متحقق(3).

(1) د. الأخضر بوكحيل ، المرجع السابق، صفحة 352.
(2) أحمد محيو: المنازعات الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1992، صفحة 244.
(3)د.مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 259.

وتكمن خصوصية الضرر هنا في كون الضحية قد تمت معاملتها بدون مساواة مع الأشخاص الآخرين الموجودين في نفس وضعيتها وهنا يكون الضرر الذي أصابها خاصا ليس لأن الضحية هي الوحيدة التي تضررت ولكن لأن هناك تمييز بين هذه الأخيرة وبين بقية الأشخاص.

وبناءا على ما سبق ذكره فإنه في حالة تعدد الضحايا يبقى الطابع الخاص للضرر طالما أنهم لا يشكلون فئة كبيرة.

إذ يؤخذ بعين الاعتبار عدد الأشخاص المضرورين مقارنة مع عدد المواطنين(1).

وبالنتيجة فإنه لا داعي للنص على خصوصية الضرر لأنه موجود أصلا في حالة الحبس.

وتجدر الإشارة إلى أن الطابع غير العادي للضرر و خصوصيته ابتكره القضاء الإداري لمنع التوسع في المسؤولية غير الخطئية خوفا من إرهاق الميزانية العامة في حالة الحكم بالتعويض.

واللجنة بهذا الشكل ستمنح التعويض بطريقة تحكمية بعيدا عن أي أساس أو معيار موضوعي، لأن الضرر نسبي و شخصي يتحدد بمناسبة كل قضية على حدى، فما يعتبر ضررا خاصا و غير عادي في وقائع معينة، قد لا يعتبر كذلك في وقائع مماثلة.

وبالرغم من أنه لما طرح مشروع القانون 01/08 طرح 37 تعديل بشأن المادة 137 مكرر وخاصة حول ضرورة حذف عبارة ضرر غير عادي وذو جسامة خاصة من هذه المادة على أساس أن التعويض عن الخطأ القضائي يجب أن يكون عاما غير مشروط، لأن الضرر لاحق بمجرد الحبس ويكفي اعتبار الحرمان من الحرية شرطا كافيا للتعويض(2).

لكن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات رفضت كل هذه التعديلات على أساس أن التعويض مرتبط بالضرر و لا يمكن تعميمه على كل الحالات التي قد يلجأ إليها لضرورة التحقيق(3)

أما المشرع الفرنسي فقد اشترط خصوصية الضرر و طابعه غير العادي للحصول على التعويض في القانون 70/643 المؤرخ في 17 جويلية 1970، الذي دخل حيز التنفيذ في 01 جانفي 1971 لكنه تخلى عن هذا الشرط بموجب القانون 96/1235 المؤرخ في 30 ديسمبر 1996 حيث لم تعد تشترط المادة 149 إجراءات جزائية إلا إثبات الضرر الذي سببه الحبس للحصول على التعويض.
(1) د.مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 257.
(2) التعديل رقم 45/ 54/2001.
(3)التقرير التكميلي عن القانون 01/08.
وما يلاحظ على نص المادة 137 مكرر أن المشرع أعطى فيها سلطة واسعة لأعضاء اللجنة فيما يتعلق بمنح التعويض كونها جاءت بصيغة الإمكانية «يمكن أن يمنح تعويض».

أما المشرع الفرنسي فبموجب المادة 70 من القانون 2000/516 المؤرخ في 15 جوان 2000 المتعلق بتعزير قرينة البراءة وحماية حقوق الضحايا تم حذف عبارة «يمكن» من المادة 149 إجراءات جزائية بحيث أصبح منح التعويض أليا بمجرد إثبات الضرر الذي لحق المدعي نتيجة للحبس.

فما هي المعايير الأخرى التي ستؤسس عليها اللجنة رفضها إذا ما توافر الحبس غير المبرر و الضرر الثابت و المتميز ؟

يبقى السؤال مطروحا إلى أن تُصدر اللجنة قرارات في الموضوع.

وتجدر الملاحظة أن المادة 137 مكرر إجراءات جزائية لم يورد فيها المشرع استثناءات في حين نجد أن المشرع الفرنسي استثنى ثلاث حالات لا يمكن فيها للمتضرر من الحبس المؤقت الاستفادة من التعويض، وهذه الحالات هي :

1- إذا كان الأساس الوحيد لقرار ألاوجه للمتابعة أو البراءة هو عدم مسؤولية المتضرر حسب مفهوم المادة 122 من قانون العقوبات وهذا بالنظر لوضعيته العقلية.

2- إذا صدر مرسوم عفو يتعلق بالجريمة التي حبس لأجلها المتضرر. استثناء يمكن أن يمنح لهذا الأخير تعويض إذا لم يفرج عنه في أجل معقول.

3- إذا تسبب المدعي وبإرادته في عدم الكشف عن هوية الفاعل الحقيقي(1).

ولقد قررت اللجنة بأنه ما عدا هذه الحالات التي نصت عليها المادة 149 إجراءات جزائية فلا يحق لرئيس مجلس الاستئناف أن يرفض منح التعويض حتى ولو تعلق الأمر بإلغاء الإجراءات أو تقادم الدعوى(2).

وبهذا نكون قدعالجنا الجزء المتعلق بالشروط الواجب توافرها في المتضرر للحصول على التعويض وسنتعرض فيما يلي للإجراءات المتبعة للحصول على التعويض .

(1) القرارين رقم: 014 RDP 01 و 015 RDP 01 الصادرين في 27 ماي 2002 .
(2) القرار رقم 030 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
الفصل الثاني
منــــح التعــــويـــض

إن المشرع الجزائري وبعد أن ضبط الشروط الموضوعية التي يجب توافرها في طالب التعويض من خلال المادة 137 مكرر إجراءات جزائية، وضح في القسم المتعلق بالتعويض الإجراءات الواجب إتباعها أمام الجهة المانحة للتعويض بداية من إخطارها إلى غاية صدور قرارها. كما حدد الجهة التي تتحمل دفع المبالغ المحكوم بها. وهذه الأخيرة تختلف عما هو معمول به في النظام القضائي الفرنسي.

لكن حتى وإن وضع المشرع الجزائري الإجراءات الواجب إتباعها غير أنه لم يتطرق لمسألة تقدير التعويض التي تبقى إشكالية مطروحة.

وستتم دراسة ما تم ذكره في مبحثين على النحو التالي:

المبحث الأول: الجهة المانحة للتعويض وإجراءات الحصول عليه.

المبحث الثاني: تقدير التعويض

المبحث الأول
الجهة المانحة للتعويض وإجراءات الحصول عليه

لقد أورد المشرع في القسم السابع مكرر المتعلق بالتعويض عن الحبس المؤقت -من خلال 14 مادة – الإجراءات المتبعة للحصول على التعويض انطلاقا من إخطار المتضرر من حبس مؤقت انتهى في حقه بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة للجهة المانحــة للتعويـض و إنتهاءا بصدور القرار، لتبدأ إجراءات أخرى يتبعها المستفيد من أجل قبض المبلغ الممنوح له.

وهذا ما سنتعرض له في مطلبين مبينين الجهة المانحة للتعويض في مطلب أول وإجراءات الحصول عليه في مطلب ثان.

المطلب الأول
الــجهة المانــحة للتعويض

لقد ورد في نص المادة 137 مكرر 01 ما يلي:« يُمنح التعويض بقرار من لجنة تنشأ على مستوى المحكمة العليا تدعى لجنة التعويض». والتي يمكن أن نُعَرِفَهَا بالنظر إلى المواد التي تضمنها القسم السابع مكرر على أنها « جهة تكتسي طابع جهة قضائية مدنية تختص بالبت – بقرار نهائي- في طلبات التعويض المقدمة في شكل عريضة من قبل الشخص المتضرر من حبس مؤقت أو من محاميه المعتمد لدى المحكمة العليا».

إن هذا التعريف يدفعنا للتعرض لنقطتين أساسيتين تتعلقان بهذه اللجنة وهما تشكيلة هذه اللجنة التي خول لها المشرع النظر في ملفات التعويض (الفرع الأول) وعلى أي أساس تكتسي هذه اللجنة طابع جهة قضائية مدنية بالرغم من أن الدولة طرف في الدعوى (الفرع الثاني).
الفرع الأول
تشكيلة الجهة المانحة للتعويض

تتشكل اللجنة من ثلاثة قضاة وهم:

*الرئيس الأول للمحكمة العليا أو من يمثله رئيسا.
*قاضيي حكم لدى نفس المحكمة بدرجة رئيس غرفة أو رئيس قسم أو مستشار أعضاءا.

يعين العضوين المذكورين أعلاه سنويا من طرف مكتب المحكمة العليا كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين لاستخلاف العضوين الأصليين.

هذا المكتب يرأسه الرئيس الأول للمحكمة العليا، يضم النائب العام نائبا للرئيس ورؤساء الغرف ونائب الرئيس الأول للمحكمة العليا أعضاءا يتولى مهام النيابة فيه النائب العام المساعد يجتمع مرتين كل سنة في جانفي لتوزيع المهام، و لتحديد أيام الجلسات. وفي جوان يجتمع لتقدير النشاط القضائي.

والملاحظ أن المادة 137 مكرر 02 جاءت صياغتها ركيكة إذ نصت الفقرة الثالثة منها على أن أعضاء اللجنة يعينون سنويا من طرف مكتب المحكمة العليا، كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين، إذ أنها اعتبرت الرئيس الأول للمحكمة العليا عضوا يمكن تعيينه سنويا مع أن هذا الأخير يرأس اللجنة مهما تغير أعضاؤها، في حين نجد أن المادة 149-3 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي قد جاء في نصها «Outre ces deux magistrats, ce bureau Désigne également trois suppléants»

و تجدر الإشارة إلى أنه يمكن لمكتب المحكمة العليا أن يقرر حسب نفس الشروط أن تضم اللجنة عدة تشكيلات، لكن نظرا لنقص عدد القضاة الذين تتوافر فيهم الشروط المتطلبة قانونا فإن المكتب عين أعضاء تشكيلة واحدة.

أما النيابة العامة فيتولى مهامها النائب العام لدى المحكمة العليا(1) .
ويلحق رئيس اللجنة أحد أمناء ضبط المحكمة ليتولى مهام أمين اللجنة(2).

(1) إرجع للمادة 137 مكرر 3 فقرة 2 إجراءات جزائية .
(2) إرجع للمادة 137 مكرر 3 فقرة 3 إجراءات جزائية.
ولقد ثار جدل كبير حول مصداقية عمل اللجنة لكونها لم تفصـل في الملفـات إلا في جانفي 2003، أي بعد ما يقارب السنتين من صدور القانون. وما يمكن قوله حول هذه المسألة أن المدة التي فصلت بين صدور القانون في جوان 2001 وبين أول جلسة المنعقدة بتاريخ 18 جانفي 2003 كانت من أجل إعداد الملفات التي تم تسجيلها على مستوى الأمانة، وهذا بتبادل العرائض بين المدعي والعون القضائي للخزينة و النائب العام.

و تجدر الإشارة إلى أن أول ملف تم تسجيله على مستوى الأمانة كان في 21 أوت 2001وبالرغم من هذا و لغاية انعقاد أول جلسة تم جدولة 45 ملفا فقط وذلك لأن المدة المتطلبة لكي يجهز الملف للفصل تقارب السنة.

هذا ما يمكن قوله حول اللجنة المختصة بالنظر في طلبات التعويض في النظام القانوني الجزائري والذي يختلف عن النظام المعمول به في فرنسا.والذي سنتناوله فيما سيأتي.

لقد جاء تعديل المادة 149 إجراءات جزائية – وهذا بموجب القانون 2000/516(1) الصادر في 15 جوان 2000 – لصالح المتضرر من حبس مؤقت إذ منح له المشرع فرصتين من أجل الحصول على التعويض.

إذ عليه أولا تقديم طلبه للرئيس الأول لمجلس الاستئناف الذي صدر في نطاق مجلسه الأمر بألاوجه للمتابعة أو حكم البراءة(2) وفي حالة رفض الطلب أو أن رئيس المجلس لم يحسن تقدير مبلغ التعويض، يحق للمدعي الاستئناف أمام اللجنة الوطنية للتعويض(3) وبهذا فإن صلاحية منح التعويض خُولت إلى جهتين:

الأولى: الرئيس الأول لمجلس الاستئناف.
الثانية: اللجنـة الوطنيــة للتعويـض.

وقبـل التطرق لتشكيـلة اللجنة الوطنية للتعويض نشير إلى أنها أحدثت بموجب القانون 70/643 الصادر في 17 جويلية 1970 والتي كانت قبل تعديل 2000 الجهة الوحيدة المكلفة بالبت في طلبات التعويض. وتتشكل من :

*الرئيس الأول لمحكمة النقض أو من يمثله رئيسا.
*قاضيي حكم برتبة رئيس غرفة أو مستشار يعينان سنويا من طرف مكــتب محكمة النقض. كما

(1) المتعلق بتغريز قرينة البراءة و حماية حقوق الضحايا.
(2) المادة 149-1 إجراءات جزائية فرنسي.
(3) المادة 149-3 إجراءات جزائية فرنسي.
يعين ثلاثة أعضاء احتياطيين، بصفتهم أعضاءا.

أما النيابة العامة فيتولاها النائب العام لدى مجلس الاستئناف أو النائب العام لدى محكمة النقض، وهذا حسب كل حالة.

وما يمكن ملاحظته أن المشرع الجزائري قد نقل حرفيا النص القديم للمادة 149-1 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

الفرع الثاني
الطبيعة القانونية للجهة المانحة التعويض

لقد نص المشرع في المادة 137 مكرر 3 فقرة 01 على أن « اللجنة تكتسي طابع جهة قضائية مدنية» كما أورد في المادة 137 مكرر بأن التعويض يكون على عاتق خزينة الدولة. فلماذا تكتسي لجنة التعويض هذا الطابع المدني بالرغم من أن الدولة طرف في الدعوى ؟

وقبل التطرق لهذه المسألة نتعرض أولا إلى المدعى عليه في هذه الدعوى.
لقد نص المشرع في المادة الأولى – الفقرة الثانية – من القانون 63/198 الصـادر في 08 جوان 1963(1) بأن الوكيل القضائي للخزينة يمثل الدولة أمام الجهات القضائية في كل الحالات التي تكون فيها الدولة مدينة أو دائنة ما لم تتعلق بمجال الضرائب و أملاك الدولة. و بناءا عليه فالدولة تكون مدينة بمبلغ التعويض في حالة تقريره للمتضرر من الحبس المؤقت. لكن ما لاحظناه أثناء تفحصنا لعرائض المدعين المقدمة على مستوى أمانة اللجنة أن معظمها رفعت على الوكالة القضائية للخزينة مباشرة، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا لانعدام الصفة . إذ على المدعي أن يرفع دعواه على الدولة ممثلة في العون القضائي للخزينة لأن الوكالة القضائية للخزينة ليست لها الشخصية المعنوية . وهذا على خلاف ما ذهبت إليه اللجنة في قراراتها التي قضـت بعدم قبـول الطلبـات شكـلا لعـدم توافـر الشـروط المنصـوص عليها في المادة 137 مكرر 04 وبالتالي اعتبرت أن للوكالة القضائية للخزينة الصفة في أن تُرفع عليها الدعوى.

وبالرغم من أن الدولة طرف في الدعوى إلا أن المشرع نص على أن اللجنة تكتسي طابع جهة قضائية مدنية، وهذا على عكس ما هو معمول به في الجزائر، إذ ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري كلما كان أحد طرفي الدعوى شخصا من أشخاص القانون العام ، ماعـدا تلك الاستثناءات

(1) الجريدة الرسمية رقم 38 لسنة 1963.
المنصوص عليها في المادة 7 مكرر إجراءات مدنية التي ينعقد فيها الاختصاص للقضاء العادي بالنسبة للنزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها. والدعوى المتعلقة بالمطالبة بتعويض أضرار الحبس المؤقت لا تعد من ضمن هذه الإستثناءات.

ويرجع ذلك إلى تبني مُشَرعَنَا للاجتهاد القضائي الفرنسي الذي يفرق بين تنظيم مرفق القضاء و بين تسييره « ORGANISATION ET FONCTIONNEMENT ». فلا تخضع لاختصاص القضاء الإداري سوى المنازعات المتعلقة بتنظيم العدالة بوصفها مرفقا عاما وهكذا فإن القرارات المتعلقة بإنشاء أو إلغاء المحاكم هي من اختصاص القضاء الإداري بما فيها القرارات المتعلقة بالسلك المهني للقضاة من تعيين، ترقية و تأديب.

أما منازعات سير الجهاز القضائي فتخضع لاختصاص القضاء العادي، هذه الأخيرة لا تتعلق بالأحكام القضائية فقط بل تمتد إلى كل الأعمال القضائية التمهيدية السابقة على الحكم مثل التحقيق في الدعوى و إجراءات المتابعة(1).

ويعود سبب انعقاد الاختصاص لهذه الجهة إلى أن القاضي العادي هو حامي الحريات الأساسية تبعا لنص المادة 66 من دستور 1958 التي أكدت على أن هذا الأخير هو الذي يضمن تطبيق المبدأ القائل بأنه لا يجوز حجز أي شخص تعسفيا.

فكلما وجد مساس إداري بحق من الحقوق الأساسية للأفراد أو حرياتهم كلما انعقد الاختصاص للقضاء العادي(2) هـذا من جهة و لتحاشي تدخل القاضـي الإداري في نشاط القاضي العدلي(3) من جهة أخرى وهذا ما يجسده مبدأ الفصل بين السلطات(4).
وبعد ما وضحـنا الطبيعـة القانونية للجنة سنتعرض فيما يأتي لطبيعة القرارات التي تصـدر عنها.
لقد نصت المادة 137 مكرر 03 في فقرتها الأخيرة على أن «قرارات اللجنة غير قابلة لأي طعن ولها القوة التنفيذية»، أي أنها تصدر ابتدائية نهائية، ويعد هذا-في نظرنا- إجحافا في حق المتضرر من الحبس المؤقت(5).
(1) مسعود شيهوب: المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، الجزء1، ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1999 صفحة 129.
(2) مسعود شيهوب، المرجع السابق، صفحة 131.
(3) أحمد محيو المرجع السابق صفحة 244.
(4) أنظر في ذلك المبحث الأول من الفصل الأول.
5) مثلما حدث في قضية التونسي «رضا علوش» الذي تمت تبرئته بعد أن قضى 5 سنوات كاملة في السجن ومع ذلك رفض طلبه الرامي للتعويض لأنه لم يرفق بالملف الشهادة الطبية التي على أساسها برئت ساحته ؟ أنظر في ذلك «Une justice injuste » http ://www.orgnitho. org
إذ أن عدم نص المشرع على إمكانية الطعن في قرارات اللجنة يقلل من حظوظ المدعي في الحصول على التعويض.

أما المشرع الفرنسي-كما سبق الذكر- فقد خول صلاحية منح التعويض لكل من الرئيس الأول لمجـلس الاستئنـاف كدرجـة أولى وللجنة الوطنية للتعويض كدرجة ثانية مما يجسد ضمانة أكبر للمدعي.

كما نص على ضرورة تسبيب رئيس مجلس الاستئناف لقراراته(1) وهذا لتتمكن اللجنة من فرض رقابتها عليها، في حين لم يتطرق المشرع الجزائري إلى إلزامية تسبيب اللجنة لقرارتها من عدمه لكن لحد الآن كل القرارات الصادرة عنهاكانت مسببة.

المطلب الثاني
إجراءات الحصول على التعويض

لقد سبق وأن تطرقنا للشروط الواجب توافرها في المتضرر من الحبس المؤقت ليستفيد من التعويض. هذا الأخير يتوجب عليه إخطار الجهة المانحة للتعويض في مرحلة أولى (الفرع الأول) والتي بعد أن تقرر تعويضه عليه بإيداع ملف على مستوى الخزينة في مرحلة ثانية من أجل قبض المبلغ الممنوح له (الفرع الثاني).

الفرع الأول
إخطار الجهة المانحة للتعويض

يتعين على الشخص المتضرر من حبس مؤقت صدر في حقه قرار قضى بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة-إذا ما أراد الحصول على التعويض- أن يودع عريضة دعواه في أجل لا يتعدى 6 أشهر من تاريخ صيرورة القرار نهائيا لدى أمين اللجنة الذي يسلمه إيصالا بذلك(2). وهذا تبعا لما ورد في نص المادة 137 مكرر 04.
(1) قبل تعديل 2000 كانت قرارات اللجنة الوطنية للتعويض تصدر غير مسببة وهذا من أجل الحفاظ على حجية الأحكام من ناحية وتفادي إظهار الأخطاء المحتمل ارتكابها من قاضي التحقيق من ناحية أخرى، أنظر في ذلك Gaston stefani, Georges Levasseur, Bernard boulouc : procédure pénale 16e édition, éditions Dalloz 1996, page 590
(2) تجدر الملاحظة أن المدعي لا يدفع رسوما قضائية .

ولقد رفضت اللجنة طلبات عديدة وهذا لعدم احترام مهلة الستة أشهر المتطلبة قانونا إذ جاء في أحد قراراتها « حيث أن الطالب أودع عريضته بتاريخ29 سبتمبر 2002، أي بعد ما يزيد عن 6 أشهر من تاريخ صـيرورة الحكـم القاضي بالبـراءة نهائيا مما يستوجب معه التصريح بعدم قبولـها شكـلا»(1).

وعلى المدعي أو محاميه المعتمد لدى المحكمة العليا، أن يُضَمِنَ العريضة وقائـع القضية و جميع البيانات الضرورية لا سيما:

1- تاريخ وطبيعة القرار الذي أمر بالحبس.
2- تبيان المؤسسة العقابية التي نُفِذَ فيها الحبس و الواجب إثباته بتقديم شهادة وجود.
3- تاريخ القرار النهائي القاضي بألاوجه للمتابعة أو بالبراءة مع تبيـان الجهـة القضائيـة التـي أصدرته وهذا بإيداع نسخة منه، على أن لا يكون قد صدر قبل صدور القانون 01/08 المؤرخ في 26 جوان 2002 وإلا سيتم رفض طلبه، لأن المشرع لم ينص على أن هذا القانون يطَّبَق بأثر رجعي وهذا ما قضت به اللجنة في قراراتها من بينها القرار رقم 153/2003 الصادر في 14 ديسمبر 2003، الذي جاء فيه « حيث أن الحكم القاضي بالبراءة صدر بتاريخ 04/07/1998 قبل صدور القانون 01/08 و نظرا لأن القانون لا يسري إلاّ على ما يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي ذلك المبدأ الذي كرسه المشرع في المادة 02 من القانون المدني. مما يتعين معه التصريح بعدم قبول الطلب شكلا».

4- طبيعة و قيمة الأضرار المطالب بها إذ تعد جوهر الطلب القضائي والذي إن لم يكن محددا سيتم رفضه وهذا ما قضت به اللجنة إذ جاء في أحد قراراتها « حيث أن المدعي لم يقدم أمام اللجنة ما يثبت به مزاعمه فيما يخص طبيعة وقيمة الأضرار التي كان من المفروض عليه أن يطالب بها أمام اللجنة لأنها تعتبر من المسائل الجوهرية في مثل قضية الحال. وبالتالي فإن طلبات العارض لم تكن جدية طالما أنها جاءت مخالفة لأحكام القانون 01/08 مما يستوجب على اللجنة إلا أن تقضي بعدم قبول الطلب شكلا»(2).

5- العنوان الذي يتلقى فيه التبليغات.

ويستشف مما سبق أن التعويض مقصور على المعني بالأمر، وهنا يثور التساؤل حول قبول دعوى الورثة في حالة وفاة المعني بالأمر.

(1) القرار رقم :133/2003 الصادر في 14 ديسمبر 2003.
(2) القرار رقم:127/2003 الصادر في 12 أكتوبـر2003.
يميل جانب من الفقه إلى القول بقبول مثل هذه الدعوى باعتبار أن القانون لا يستبعدها صراحة، وفي هذه الحالة تكون دعوى التعويض مؤسسة على قواعد المسؤولية المدنية وليس على الحبس المفرط(1).

وبناء على ما سبق ذكره نكون قد تطرقنا إلى كيفية إخطار الجهة المانحة للتعويض في الجزائر. فما هو الحال بالنسبة للنظام المعمول به فرنسا؟

لقد سبق وأن ذكرنا بأن المشرع الفرنسي قد خول صلاحية منح التعويض لجهتين و سنتعرض فيما يأتي لطريقة إخطارهما:

أولا : إخطار الرئيس الأول لمجلس الاستئناف

يودع المتضرر من حبس مؤقت انتهى في مواجهته بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة بالبراءة أو بالتسريح عريضة دعواه – بنفسه أو بواسطة وكيل أو محام معتمد لدى المجلس – بأمانة ضبط المجلس الذي صدر في نطاق اختصاصه هذا القرار(2) والتي تسلمه وصلا يثبت ذلك في أجل لا يتعدى 6 أشهر من تاريخ تبليغه.

كما يجب على المدعي أن يضمن عريضته كل ما يتعلق بالقضية وكذا الوثائق المثبتة لذلك(3).

وتجدر الإشارة إلى أن مهلة الستة أشهر المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي يبدأ سريانها من تاريخ تبليغ المدعي بالقرار لا من يوم صيرورته نهائيا، مما يجسد ضمانة أكبر للمتضررين من الحبس المؤقت.

وبهذا الشأن نقضت اللجنة الوطنية للتعويض عدة قرارات لكون رئيس مجلس الاستئناف لم يعتمد في حساب مهلة الستة أشهر تاريخ تبليغ المدعي بل تاريخ صيرورة القرار نهائيا(4).

ثانيا : إخطار اللجنة الوطنية للتعويض

تخطر اللجنةمن طرف الأشخاص الآتيين:

(1) أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، صفحة 158.
(2) المادة R 26 إجراءات جزائية.
(3) وهي نفس الوثائق التي نصت عليها المادة 137 مكرر 4 و تم ذكرها سابقا.
(4) القرارات رقم: 022 RDP 02 و 021 RDP 01 و022 RDP 01 الصادرة في 28 جوان 2002. و القرار الرقم: 011 RDP 02 الصادر في 11 أكتوبر 2002 والقرار رقم: 039 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر 2002، الموقع الإلكتروني السابق.

1- الطاعن وهو المتضرر من الحبس المؤقت.
2- العون القضائي للخزينة.
3- النائب العام لدى محكمة الاستئناف(1).

وتحتسب الآجال من تاريخ استلام الرسالة الموصى عليها إذا ما تم التبليغ عن طريــق البريــد (2).

كما أوجبت المادة 4-R40 إجراءات جزائية على الطاعنين إيداع مذكراتهم لدى أمانة ضبط المجلس الذي صدر القرار المطعون فيه عن رئيسه، وهذا تحت طائلة رفض الطلبات المقدمـــة(3).

أما المادة 5- R40 فلقد وضحت بأنه يمكن أن يمثل كل من الطاعن والعون القضائي للخزينة محام معتمد لدى مجلس الدولة و محكمـة النقض أو محـام مسجـل لدى محكمة الاستئناف أو محكمة من المحاكم الاستئنافية الكبرى.

وبعد أن تُخْطَرَ الجهة المانحة للتعويض تبدأ إجراءات أخرى نوردها فيما سيأتي:

الفرع الثاني
سيـــــر الإجـــراءات

سنتعرض في هذا الفرع لمرحلتين نبين في الأولى سير الإجراءات إلى غاية صدور القرار وفي المرحلة الثانية نوضح الإجراءات المتبعة للحصول على التعويض.

أولا : سير الإجراءات إلى غاية صدور القرار

لقد أوضحت المواد 137 مكرر 5 إلى 137 مكرر 14 هذه الإجراءات، وقبل التطرق إليها نشير إلى أن كل التبليغات التي ترد تحت هذا العنوان تكون برسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام.
(1) المادة 4-40-R إجراءات جزائية
(2) القرار رقم: 92003-01 الصادر في 24 جانفي 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
(3) القرار رقم: 92400-01 الصادر في 24 جانفي 2002 والقرار رقم: 004 RDP 02 الصادر في 28 جوان 2002 والقرارين رقم: 040 RDP 02 و 055 RDP 02 الصادرين في 21 نوفمبر 2002، الموقع الإلكتروني السابق.

لقد ألزمت المادة 137 مكرر 5 فقرة 01 أمين اللجنة بأن يرسل نسخة من عريضة المدعي في أجل 20 يوما من تاريخ استلامها إلى العون القضائي للخزينة، هذا الأخير عليه أن يودع مذكراته لدى أمانة اللجنة في أجل لا يتعدى شهرين من تاريخ توصله بالعريضة(1).

كما أن أمين اللجنة ملزم بأن يراسل أمانة ضبط الجهة القضائية المصدرة لقرار ألاوجه للمتابعة أو البراءة لطلب الملف الجزائي(2) .

يخطر المدعي بمذكرات العون القضائي للخزينة في أجل أقصاه 20 يوما من تاريخ إيداعها وعليه أن يودع أو يوجه ردوده لأمانة اللجنة في أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ التبليغ المشار إليه سابقا(3).

وعلى أمين اللجنة بمجرد انقضاء الأجل الممنوح للمدعي لتقديم ردوده أن يرسل الملف إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يودع مذكراته في الشهر الموالي تبعـا لنص المادة 137 مكرر 07 فقرة 03 إجراءات جزائية.

ولقد منح المشرع لكل من المدعي والعون القضائي للخزينة أو محاميهما الاطلاع على ملف القضية بأمانة اللجنة (4) في حين لم يمنح المشرع الفرنسي هذه الإمكانية إلا لمحامي المدعي و العون القضائي للخزينة(5).إذا ما كانت الدعوى مطروحة أمام المجلس ولمحاميهما فقط إذا تعلق الأمر باللجنة الوطنية للتعويض.

يعين رئيس اللجنة أحد العضوين مقررا وهذا بعد إيداع النائب العام لمذكراته(6)، هذا الأخير يستشيره الرئيس قبل تحديد تاريخ الجلسة الذي يُبَلَغُ للمدعي والعون القضائي للخزينة في ظرف شهر على الأقل قبل يوم انعقاد الجلسة(7).

يمكن للجنة أن تقوم أو تأمر بجميع إجراءات التحقيق اللازمة وخاصة سماع المدعي إذا اقتضى الأمر ذلك(8).

(1) المادتين 137 مكرر 5 فقرة 1 و 137 مكرر 06 فقرة 2 إجراءات جزائية.
(2) المادة 137 مكــرر 5 فقــرة 2 إجراءات جـزائيـة.
(3) المادة 137 مكـرر 7 فقرة 01 و 02 إجـراءات جزائية.
(4) المادة 137 مكــرر 06 إجـراءات جزائيــة.
(5) المواد 29R – R30 – R40-7 إجراءات جزائية.
(6) المادتين 137 مكـرر 08 و 14-R40 إجراءات جزائيـة.
(7) المواد 137 مكرر 10-R 35-و 16-R40 إجراءات جزائية.
(8) المادة 137 مكــرر 09 إجراءات جزائيـــة.
كما يمكن للمدعي والعون القضائي للخزينة و محاميهما تقديم ملاحظاتهم بعد تلاوة المستشار المقرر لتقريره يوم الجلسة كما يقدم النائب العام ملاحظاته(1). تنظر اللجنة في القضايا في غرفة المشورة في حين قراراتها تصدر علنية(2) في حالة عدم قبول الدعوى يتحمل المدعي المصاريف القضائية إلا إذ قررت اللجنة إعفاؤه كليا أو جزئيا(3).

ولما كانت هذه هي الإجراءات المتبعة أمام الجهة المانحة للتعويض في القانون الجزائري. فكيف نظم المشرع الفرنسي هذه الأخيرة ؟

وهذا ما سنعالجـــه فيما يلـي :

1- سير الإجراءات أمام الرئيس الأول لمجلس الاستئناف

بمجرد تَسَلُّم أمين ضبط المجلس عريضة المدعي يقوم بطلب الملف الجزائي من الجهة القضائية التي أصدرت القرار النهائي بألاوجه للمتابعة، بالتسريح أو البراءة أو نسخة منه إذا لم تكن المتابعة الجزائية المتخذة ضد باقي المتهمين قد انتهت بعد.

وفي أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ استلام الملف تُرسَل نسخة من العريضة لكل من النائب العام لدى المجلس وكذا العون القضائي للخزينة هذا الأخير عليه أن يودع مذكراته لدى الأمانة في أجل أقصاه شهرين من تاريخ تبليغه(4).

في حين ألزمت المادة 32R أمين الضبط أن يرسل الملف للنائب العام بمجرد إيداع العون القضائي للخزينة مذكراته أو انتهاء الأجل الممنوح له، وحددت له أجل شهرين من تاريخ استلام الملف لإيداع مذكراته.

يُبلغ المدعي والعون القضائي للخزينة بمذكرات النائب العــام خلال 15 يومــا مـن تاريخ إيداعــها.

وعلى المدعي أن يودع أو يرسل مذكراته خلال شهر من تبليغه.

تُبلغ ردود المدعى لكل من النائب العام والعون القضائي في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ إيداعها(5).

(1) المادة 137 مكرر 11 إجراءات جزائية.
(2) يرى الأستاذ مسعود شيهوب بأن المشرع الجزائري لم يكن موفقا بالنسبة لضمانات الدفاع خاصة ما تعلق باجتماعات اللجنة في غرفة المشورة وعدم علنية الإجراءات، أنظر في ذلك لمحاضرات التي ألقيت على الطلبة القضاة حول « المسؤولية عن العمل القضائي»
(3) المواد 137 مكرر 12 فقرة 2 -2-R40 و 21-R40 إجراءات جزائية.
(4) المادتين 28 R – و R31 إجراءات جزائية.
(5) المادة 35 R إجراءات جزائية.
ولقد أحسن المشرع الفرنسي حين منح لرئيس المجلس ورئيس اللجنة الوطنية للتعويض إمكانية تحديد تاريخ الجلسـة مباشـرة دون الحاجـة لتبادل العرائـض بين الأطراف. إذا ما لم تتوافر في طلباتهم الشروط الشكلية المتطلبة قانونا كآجال رفع الدعوى شريطة إبلاغ المدعي العون القضائي للخزينة و النائب العام(1).

وفي المادة 37R بين المشرع ترتيب تدخل أطراف الدعوى إذ يتدخل المدعي أو محاميه أولا يليه العون القضائي للخزينة ثم يبدي النائب العام ملاحظاته و الكلمة الأخيرة للمدعي أو محاميــه(2).

بهذا نكون قد وضحنا كل الإجراءات المتبعة أمام رئيس مجلس الاستئناف والتي تختلف عن تلك المعمول بها أمام اللجنة الوطنية للتعويض والتي سنبينها فيما يلي:

2- سير الإجراءات أمام اللجنة الوطنية للتعويض

تبعا للمادة 6-R40 فإنه بمجرد الطعن في قرار رئيس المجلس يتم إرسال الملف الجزائي إلى أمانة لجنة التعويض، هذه الأخيرة تختلف الإجراءات المتبعة أمامها بحسب شخص الطاعن.

أ-حالة تقديم الطعن من طرف المتضرر من الحبس المؤقت

لقد ألزمت المادة 8-R40 الطاعن بأن يقدم مذكراته خلال شهر من تاريخ تبليغه هذا التبليغ يجب أن يكون في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ استلام أمين اللجنة للملف الجزائي.

فــي حالة ما إذا قدمت مذكرة الطعن بعد فوات الأجل المذكور أعلاه تستبعد هذه الأخيرة من الملــف(3).

تُبلغ مذكرات المدعي لكل من النائب العام لدى محكمة النقض والعون القضائي للخزينة هذا الأخير عليه أن يودع ردوده لدى الأمانة خلال شهرين من تاريخ التبليغ.

وبمجرد جواب العون القضائي للخزينة أو فوات الأجل المحدد يحال الملف للنائب العام الذي له أجل شهرين لإيداع مذكراته(4).

(1) المادتين 36R و 17-40R إجراءات جزائية.
(2) المادة R 37 أما المادة –18-40R فقد أوردت هذا الترتيب إذا ما قدم الطعن من النائب العام لدى المجلس، في حين يتدخل العون القضائي أولا إذا ما كان هو الطاعن.
(3) القرارات رقم 023 RDP 02 و 031 RDP 02 و 032 RDP 02 الصادرة في 28 جوان 2002. والقرار رقم 05 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر 2002 الموقع الالكتروني السابق.
(4) المادتين 9-R40 و 10-R40 إجراءات جزائية.
يُبلغ أمين اللجنة الطاعن بكل من مذكرات النائب العام – وهذا في أجل 15 يوما من تاريخ إيداعها – وردود العون القضائي للخزينة عملا بنص المادة 11-R40. .

وعلى الطاعن أن يودع أو يرسل ردوده لأمانة اللجنة خلال أجل شهر من تاريخ التبليغ.

وكإجراء أخير يبلغ أمين اللجنة ردود الطاعن للنائب العام تبعا لمــا ورد في المــادة 12-R40.

وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات التي تم التعرض إليها هي نفسها المتبعة إذا ما قُدم الطعن من طرف العون القضائي للخزينة.

ب-حالة تقديم الطعن من طرف النائب العام لدى المجلس.

لقد وضحت المادة 13-R40 إجراءات جزائية الإجراءات المتبعة في هذه الحالة والتي تكون على النحو التالي:

يودع النائب العام لدى المجلس مذكراته في أجل شهر من تاريخ تبليغه هذا التبليغ يجب أن يكون في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ استلام أمين اللجنة للملف الجزائي.

تُبلغ المذكرات المشار إليها أعلاه بمجرد إيداعها لكل من النائب العام لدى محكمة النقض والمتضرر من الحبس المؤقت والعون القضائي للخزينة هذين الأخيرين حدد لهما أجل شهرين لإيداع ردودهما.

وبمجرد جوابهما أو فوات الأجل المحدد يحال الملف للنائب العام لدى محكمة النقض الذي له أجل شهرين لإيداع مذكراته.

يُبلغ العون القضائي للخزينة بمذكرات النائب العام والمتضرر، في حين تُبلغ لهذا الأخير مذكرات الطرفين الآخرين التي تم إيداعها وهذا في أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ إرجاع الملف من طرف النائب العام.

ونشير إلى أن الإجراءات المتبعة سواء أمام رئيس المجلس أو اللجنة الوطنية للتعويض وإن اختلفت عما هو معمول به في الجزائر إلا أننا نجد نقاط تشابه كتشكيلة اللجنة، طريقة إصـدار القـــرار.

وبصدور القرار تبدأ مرحلة ثانية تحكمها إجراءات أخرى لكي يتحصل المستفيد على مبلغ التعويــض.
ثانيا : سير الإجراءات بعد صدور القرار

يُبلغ القرار – الذي يوقعه كل من الرئيس والعضو المقرر وأمين اللجنة – لكل من المدعي و العون القضائي للخزينة(1).

كما ترسل نسخة منه مع الملف الجزائي إلى الجهة القضائية المعنية(2). وتجدر الإشارة إلـى أن رئيس مجلـس الاستئنـاف ملـزم بإرسال نسخة مـن الـقرار إلى كل من وزارة العدل ولجنة متابعة الحبس المؤقت، وهذا عملا بالمنشور الوزاري EE/2002/12 du 10 September 2002 هذه اللجنة أحدثت بموجب المادة 72 من القانون 2000/516 وهي مكلفة بجمع كل الاحصائيات سواء الوطنية أو الدولية المتعلقة بالحبس المؤقت. وكذا بدارسة وتقييم قرارات الرئيس الأول لمجلس الاستئناف وتنشر كل النتائج التي توصلت إليها. تتشكل من 7 أعضاء يعينون بقرار من وزير العدل لمدة 3 سنوات وهم على التوالي : نائبان يعين أحدهما رئيس المجلس الوطني في حين يعين الثاني من طرف رئيس مجلس النواب، قاضي من مجلس الدولة و قاضي من محكمة النقض يعينان بعد تشاور كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض ونائب رئيس مجلس الدولة، أستاذ في القانون ، محام وممثل عن منظمة مختصة في البحث القانوني(3)

إن الإجراءات التي تلي تبليغ القرار هي تلك المتبعة من أجل أن يقبض المتضرر مبلغ التعويض. هذه الأخيرة تطرح إشكالات ذلك لأن المشرع الجزائري لم يكتف بما أورده في المادة 137 مكرر عند إضفائه الصبغة المدنية على اللجنة مع أن الدولة طرف في الدعوى. بل حاد أيضا عما هو مقرر بالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالتعويض الذي يحكمه القانون 91/02 (4) المحدد للقواعد الخاصة المطبقة على بعض أحكام القضاء عندما أورد في المادة 137 مكرر 12 أنه في حالة منح اللجنة للتعويض فإنه يدفع حسب التشريع المعمول به من طرف أمين خزينة ولاية الجزائر.

إذ أنه تبعا لأحكام القانون 91/02 والتعليمة رقم 39/06 المؤرخة في 11 ماي 1991 فإن المستفيد من التعويض عليه أن يتقدم إلى خزينة الولاية التي يقع فيها موطنه مقدما:

(1) المواد 137 مكرر 13 و 137 مكرر 14 و 19-R40 و 22-R40 مع الإشارة إلى أن قرار اللجنة يبلغ أيضا للنائب العام لدى مجلس الاستئناف ومحكمة النقض في حين لم ينص المشرع الجزائري على ذلك.
(2) المادة 137 مكرر 14 فقرة 2 والمادة 3-R40 تنص على ذلك في حالة عدم الطعن في قرار رئيس المجلس أما المادة –22-40 R فتنص على إرسال الملف مع نسخة من القرار لرئيس المجلس الذي أصدره ليرسله بدوره للجهة القضائية التي صدر عنها قرار ألا وجه للمتابعة أو التسريح أو البراءة.
(3) المادة 1 من المرسوم 2001/709 الصادر في 31 جويلية 2001 المتعلق بلجنة متابعة الحبس المؤقت .
(4) المؤرخ في8 يناير 1991 الصادر بالجريدة الرسمية رقم : 2 .
*نسخة تنفيذية من الحكم المتضمن إدانة الهيئة المحكوم عليها.
*كل الوثائق والمستندات التي تثبت بأن إجراءات التنفيذ بقيت طيلة شهرين بدون نتيجة ابتداء من تاريخ إيداع الملف لدى القائم بالتنفيذ(1).

يقوم أمين الخزينة بدفع مبلغ التعويض المحكوم به بطريقتين طبقا للمادة 10 من القانون91/02

. إما الاقتطاع من ميزانية الولاية ثم يستردها من ميزانية الهيئة المحكوم عليها.
. أو الاقتطاع مباشرة من ميزانيات الهيئات المحكوم عليها، وهذه هي الحالة الغالبة.

أما إذا كانت الهيئة المحكوم عليها إحدى الوزارات، فإن المبالغ المحكوم بها لا تسحب مباشرة بل على أمين الخزينة أن يرسل نسخة من ملف المعني إلى أمين الخزينة المركزية لولاية الجزائر ليتم اقتطاع المبالغ من ميزانية الوزارة المعينة ثم تُحول لحساب ميزانية الولاية (2).

وبما أن المشرع الجزائري قد أورد في المادة 137 مكرر بأن التعويض الممنوح يكون على عاتق خزينة الدولة. في غياب حساب خاص على مستوى خزينة الدولة مخصص لأداء التعويضات المحكوم بها على هذه الأخيرة إذا ما تقررت مسؤوليتها عن أضرار الحبس المؤقت فإن أمين خزينة ولاية الجزائر ملزم بأن يقتطع المبالغ المحكوم بها من ميزانية وزارة العدل كونها المسؤولة عن مرفق القضاء وهذا في أجل لا يتجاوز 3 أشهر من تاريخ إيداع الملف لديه عملا بالمادة 08 من القانون 91/08 دون الحاجة لتبليغ العون القضائي للخزينة مع إلزامه بالدفع لأن هذا الأخير يعد محاميا عن الدولة والوكالة القضائية للخزينة ليست الهيئة التي تتحمل عبء التعويض.

أما إذا امتنع أمين خزينة ولاية الجزائر عن دفع المبالغ المحكوم بها فإنه يمكن أن يساءل جزائيا عملا بالمادة 138 مكرر عقوبات.
وبناءا على ما سبق ذكره فإنه كان يتعين على المشرع إما تخصيص حساب تقتطع منه التعويضات المحكوم بها.أو النص على أن وزارة العدل هي من تتحمل عبء التعويض، وهذا حتى تُسهل الإجراءات على المستفيد من التعويض.
وبالنسبة للمشرع الفرنسي فقد فصل في هذه المسألة بنصه في المادة 150 من قانون الإجراءات الجزائية بأن التعويضات الممنوحة للمتضررين من الحبـس المؤقت تدخل ضمن مصاريف العدالة الجنائية وتدفع من طرف محاسب خزينة باريس عملا بالمادة R40-8 اجراءات جزائية .
وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان الدولة أن ترجع على الشخص المبلغ سيء النية أو شاهد الزور الذي تسبب في الحبس المؤقت عن طريق «دعوى الرجوع» التي ترفعها هذه الأخيرة أمام القضاء الإداري.
(1) المادة 07 من القانون 91/02 .

المبحث الثاني
تقديــر التعويــض

إن لكل شخص حُبِسَ مؤقتا و انتهى حبسه بموجب قرار نهائي بأن لاوجه للمتابعة أو بالبراءة الحق في المطالبة بتعويض وهذا لجبر الأضرار المادية و المعنوية التي لحقته من جراء هذا الحبس، في حين تملك اللجنة السلطة التقديرية في منح التعويض و هذا بعد التبين من أن حبس المدعي كان غير مبرر وألحق به ضررا ثابتا ومتميزا تبعا لما جاءت به المادة 137 مكرر إجراءات جزائية و التي نصت على أنه « يمكن أن يمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر… ضررا ثابتا و متميزا ».

وما يلاحظ على هذه المادة أنها حددت شروط الضرر الموجب للتعويض لكنها لم تبين أنواع هذا الضرر و الأساس الذي يمكن أن تعتمد عليه اللجنة في تقدير التعويض، في حين نجد أن المشرع الجزائري قد نظم في مجالات عديدة و بدقة أكثر أساس التعويض و كيفية تقديره و حسابه مثلما هو الحال في :

*القانون 83/13 (1) المتعلق بحوادث العمل و الأمراض المهنية.
*القانون 88/31 (2) المعدل و المتمم للأمر 74/15 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات.
*المرسوم التنفيذي 99/47 (3) المتعلق بمنح تعويضات لصالح الأشخاص الطبيعيين ضحايا الأضرار الجسدية أو المادية التي لحقت بهم نتيجة أعمال إرهابية، أو حوادث وقعت في إطار مكافحة الإرهاب وكذا لصالح ذوي حقوقهم.

ويتبين مما سبق ذكره بأن المشرع قد ترك تقدير التعويض و كيفية حسابه لاجتهاد اللجنة علها ترسي معايير دقيقة و محكمة يُعتمد عليها كما هو الحال عليه في فرنسا.

و تجدر الإشارة إلى أنه أثناء تفحصنا للملفات على مستوى أمانة لجنة التعويض لاحظنا أن العون القضائي للخزينة اعتمد في مذكراته على القانون 88/31 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات مطالبا باعتماد الدخل الشهري كأساس لحساب مقدار التعويض عن الضرر المادي و المعنوي الذي لحـق بالمدعي.

غير أنه ومع كثرة ملفـات طالبي التعويـض ولأنه حامـي ميزانية الدولة فلقد أصبحـت

(1) المؤرخ بتاريخ 2 يوليو 1983 الصادر في الجريدة الرسميـة رقم 28 .
(2) المؤرخ بتاريخ 19 يوليو 1988 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 29 .
(3) المؤرخ بتاريخ 13 فيفري 1999 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 09 .
مذكراته الجوابية في الآونة الأخيرة عبارة عن نموذج اعتمد فيه الحيثية الآتية: « حيث يتبين أن حبس المدعي … الذي كان متهما بجريمة … مبرر قانونا نظرا للشبهات القوية و القرائن المحيطة بالقضية ». ملتمسا في الأخير رفض طلبات التعويض.

أما المشرع الفرنسي فقد غيّر وجهة نظره و هذا بمناسبة تعديل المادة 149 إجراءات جزائية بموجب القانون 2000/516 (1) و القانون 2000/1354 (2) و التي أصبحت تنص على ضرورة إصلاح شامل « Réparation Intégrale » للضرر المادي و المعنوي الذي سببـه الحبـس المؤقت للمتضرر.

وقد أكد وزير العدل الفرنسي على ضرورة هذا التعديل بمناسبة تقديم القانونين – المذكورين أعلاه – للمناقشة بقوله : « إن الدولة قد ترتكب أخطاءا وهي تتشرف بالاعتراف بها وتعمل على إصلاحها لذا وجب استبدال مصطلح ” تعويض” بـ مصطلح “إصلاح شامل” وهذا حتى لا يصبح منح التعويض تحكميا »(3).

و ما يمكن قوله بهذا الشأن أن الإصلاح الشامل للضرر أقرب للعدالة من التعويض عنه، إذ أنه بمجرد إثبات الضرر فإن اللجنة ستمنح المبالغ الكافية لجبره مهما بلغت قيمتها، أما التعويض فمعناه خضوع مقدار المبلغ الممنوح للسلطة التقديرية للجنة التعويض.

وبالرغم من أنه لغاية 31 مارس 2004 تم تسجيل 710 ملفا لكن لجنة التعويض لم تصدر أي قرار في الموضوع، إذ أن القرارات التي صدرت عنها و البالغ عددها 180 قرارا تعلقت جميعها بالجانب الشكلي و هذا لعدم احترام المدعين الشروط المنصوص عليها في المادة 137 مكرر4 إجراءات جزائية. و بالنتيجة فإن اللجنة لم تُرْسِ أيّ معايير يمكن الاعتماد عليها في حين أن تقدير التعويض يعد نقطة هامة و معقدة في آن واحد. لأن هذا الأخير قد ينصب أحيانا على جبر الأضرار المادية الناجمة عن الحبس وفي أحيان أخرى يُمنح لجبر الأضرار المعنوية أو لجبر كلا الضررين معــا .

و في كل هذه الحالات تختلف المعايير المعتمدة في التقدير. لذا سنتطرق للاجتهادات التي كرسها القضاء الفرنسي و ما إذا كانت هذه الأخيرة تصلح أن يعتمدها الاجتهاد القضائي الجزائري متعرضين إلى التعويض عن الضرر المادي في مطلب أول في حين نتناول في المطلب الثاني التعويض عن الضرر المعنوي.

(1) الصادر بتاريخ 15 جوان 2000 المتعلق بتعزيز قرينة البراءة و حماية حقوق الضحايا.
(2) الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 2000 و المتعلق بـ: تسهيل إجراءات الحصول على التعويض للمحبوسين المحكوم ببراءتهم.
. : www. senat. Fr «Exposés des motifs de la loi 2000/516» (3)

المطلب الأول
التعويض عن الضرر المادي

يُعرف الضرر المادي على أنه « الضرر الذي يصيب الشخص في جسمه أو ماله و يترتب عليه انتقاص حقوقه المالية، أو تفويت مصلحة مشروعة يحميها القانون ذات قيمة مالية»(1).

كما عرفه البعض على أنه «كل مساس بحق من الحقوق المالية أو بمصلحة مالية للشخص المضـــرور»(2).

أما الدكتور «عبد الحميد فودة» فقد عرّفه على أنه «الضرر الذي يمس بحقوق الشخص بحيث يؤدي إلى انتقاص من ذمته المالية»(3).

ويجمع الفقه على أن التقدير النقدي يقدر بجسامة الضرر، حيث يشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب . فما هي الشروط الواجب توافرها فـي الضرر الموجـب للتعويض ؟ (الفرع الأول) وما هي المعايير المعتمدة في تقدير المبالغ الممنوحة؟ (الفرع الثاني).

سيكون التطرق لهذين العنصرين مدعما بقرارات اللجنة الوطنية للتعويض الصادرة بهذا الشأن.

الفرع الأول
شروط الضرر المادي

لقد سبق وأن تم التطرق إلى أن الضرر الموجب للتعويض – والذي أوردته المادة 137 مكرر إجراءات جزائية-هو ذاك الضرر الثابت و المتميز(4) – وإن كنا نناشد المشرع بإلغاء هذا الشرط في تعديل قانون الإجراءات الجزائية المقبل- .
(1) سعيد مقدم ، المرجع السابق صفحة 35.
(2) ياسين محمد يحي: الحق في التعويض عن الضرر الأدبي، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 1991، صفحة 08 .
(3) د. عبد الحميد فودة : التعويض المدني « المسؤولية المدنية التعاقدية و التقصيرية» دار المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1998صفحة 18.
(4) أنظر في ذلك المبحث الثاني من الفصل الأول.

وما تجدر الإشارة إليه أن تقدير ما إذا كان الضرر ثابتا و متميزا يخضع لتقدير اللجنة و التي حتى وإن بدا لها ثبوت الضرر و تميزه، فإن تقديرها للمبلغ الممنوح سيختلف باختلاف ما إذا كان المدعي يطالب بجبر الأضرار المادية أو المعنوية.

فأما بخصوص الضرر المادي الذي نحن بصدد الحديث عنه، فإنه يجب توافر شروط أخرى لاستحقاق التعويض إذ على المدعي أن يثبت بأن هذا الضرر قد لحق به شخصيا وكان نتيجة حبسه. وإن إثبات هذه الشروط أسهل من إثبات خصوصية الضرر و تميزه. و سنعالج هذه النقاط فيما يلي:

أولا: إثبـات الضـرر

إن المدعي هو الذي يتحمل عبء إثبات ما أصابه من ضرر، إذ لا يكفي الإخلال بمصلحة مادية للمطالبة بالتعويض بل لابـد أن يكون هذا الإخـلال محققا. وعليه فإن طالب التعويض ملزم بأن يرفق في الملف كل ما يثبت بأنه تضرر من الناحية المادية أثناء فترة حبسه.

كما عليه تبيان قيمة المبلغ المطالب به وإلا أصبح طلبه غير محدد مما يعرضه للرفض. و هذا ما استقرت عليه قرارات اللجنة الوطنية للتعويض إذ رفضت طلبات عديدة لكون المعنيين لم يرفقوا أية وثيقة تبين قيمة الأضرار المادية المطالب بإصلاحها(1)، كما أنها نقضت قرارات عديدة كون الرئيس الأول لمجلس الاستئناف منح تعويضا بالرغم من أن المتضرر لم يرفق بالملف ما يثبت الضرر و قيمته (2) إذ لا تقبل الطلبات المقدمة أمامها و الرامية لطلب التعويض إلا إذا أثبت أصحابها الضرر الذي تعرضوا له و بينوا قيمته.

ثانيا:أن يكون الضرر شخصيا

يقصد بشخصية الضرر أن يصيب الشخص المطالب بالتعويض ضرر في ذمته هو(3) أي أن الأضرار المادية التي قد تلحق غير المدعي و مهما كانت درجة القرابة بينهم أثناء فترة حبس هذا الأخير لا يُعْتَدُ بها أثناء تقدير التعويض.
(1) القرار رقم: 148IDP 99 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر2000 و القرار رقم:156 IDP 98 المؤرخ بتاريخ 15 ديسمبر2002 الموقع الالكتروني السابق .
(2) القرار رقم: 005IDP 92 الصادر بتاريخ 24جانفي2002 و القرار رقم:003RDP 02 المؤرخ بتاريخ 28جوان 2002 الموقع الالكتروني السابق
(3) د.عبد الحميد فودة، المرجع السابق، صفحة 20.
وبهذا الشأن أصدرت اللجنة الوطنية للتعويض قرارات عديدة جاء فيها أنه لا يمكن أن يعوض أقرباء المحبوس عن الأضرار المادية التي لحقت بهم نتيجة حبس هذا الأخير كونهـا لا تعـد أضـرار شخصية(1) وهذا استنادا إلى أن المادة 149 إجراءات جزائية لا تصلح إلا الأضرار المادية أو المعنوية اللصيقة بالشخص والناتجة عن الحبس(2).

وهذا الإشكال يُطرح عند وفاة المتضرر من الحبس المؤقت بعد صدور الحكم ببراءته أو أن لاوجه لمتابعتة – كونه إذا توفي قبل ذلك فإن الدعوى العمومية ستنقضي- وفي هذه الحالة فإن لذوي حقوق المتضرر- في رأينا – الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت بهم جراء حبس مورثهم وهذا بالقياس على ما أورده المشرع الجزائري في المادة 531 مكرر إجراءات جزائية التي نصت على أنه لذوي حقوق ضحية الخطأ القضائي المطالبة بتعويض الأضرار المادية التي تسبب فيها حكم الإدانة. و نتمنى أن يحيط المشرع هذه المسألة بأهمية أكبر في التعديل المقبل للقانون، إذ لولا الحبس لما تضرر ذوي حقوق المحبوس خاصة إذا كان هذا الأخير المعيل الوحيد لهم.

ثالثا: إثبات العلاقة السببية

إن عبء إثبات السببية يقع على المدعي، فهو الذي يثبت ليس فحسب الضرر الذي وقع عليه بل أيضا علاقة السببية ما بين الضرر و الحبس، إذ لا يكفي أن يكون هناك ضرر بل يجب أن يكون هذا الأخير نتيجةً مباشرةً عن الحبس.

وعلى هذا الأساس رفضت اللجنة الوطنية للتعويض طلبات المدعي الرامية لإصلاح الأضرار المادية التي لحقت بشركته طيلة مدة حبسه-والذي استمر 20 شهرا- بما أن زوجته واصلت إدارة شركاته خلال هذه المدة وبالتالي فإن الأضرار التي لحقته كانت بسبب سوء إدارة الزوجة لا بسبب الحبس(3).

وما نخلص إليه إذا أن الحق في التعويض عن الضرر المادي الشخصي لا يترتب إلا إذا كان النتيجة المباشرة للحرمان من الحرية.

والجدير بالذكر إلى أنه حتى وإن أثبت المدعي تضرره ماديا نتيجة الحبس فإنه لن يحصل على قيمة التعويض التي يطالب بها بل توجد معايير يعتمد عليها لتقدير المبالغ الممنوحة.

(1) القرار رقم:034 RDP 02 المؤرخ بتاريخ 08 نوفمبر2002 والقرار رقم: 035 RDP 02 الصادر بتاريخ 21 نوفمبر2002 .
(2) القرار رقم: 170IDP 99 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر2000 و القرار رقم:156 IDP 98 المؤرخ بتاريخ 15 ديسمبر2002.
(3) القرار رقم: 050 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
وهذا ما سنتعرض إليه اعتمادا على الاجتهادات التي أرستها اللجنة الوطنية للتعويض هذه الأخيرة استبعدت بعض المعايير التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤثر على قيمة التعويض نوجزها فيما يلي:

– اعترافات المدعي أثناء التحقيق لا أثر لها على قيمة التعويض(1).
– عدم احترام المدعي لالتزامات الرقابة القضائية لا أثر له على التعويض كونه عوقب بحرمانه من حريته طبقا للمادة 141/02 إجراءات جزائية(2).

و سنبين فيما يأتي المعايير الواجب اعتمادها لتقدير التعويض.

الفرع الثاني
المعايير المعتمدة في التقدير

أولا: الأخذ بعين الاعتبار المدة الفعلية التي قضاها المدعي في الحبس .

تنص المادة 137 مكرر إجراءات جزائية تقابلها المادة 149 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي- بأن التعويض لا يمنح إلا للشخص الذي كان محل حبس مؤقت انتهى بقرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو بالبراءة.

وما يمكن ملاحظته أن الأمر بألاوجه للمتابعة لا يطرح أي إشكال. والذي يثير الجدل هنا هو حالة صدور الحكم بالبراءة بعد استئناف الحكم القاضي بالإدانة أو الطعن فيه بالنقض. وهذا حسب الحالات – إذ نكون أمام مرحلتين :

المرحلة الأولى: فترة الحبس المؤقت المبني على أمر الإيداع.
المرحلة الثانية: الفترة الممتدة ما بين صدور الحكم-أو القرار- القاضي بالإدانة و صدور حكم – أو قرار- البراءة.

فإذا ما مُنِحَ التعويض عن الفترة الأولى فإنه سيكون مؤسسا على أحكام قانون الإجراءات الجزائية، فعلى أي أساس يُعوض المتضرر عن الأضرار التي لحقته في الفترة الثانية؟

لقد فصلت اللجنة الوطنية للتعويض في هذه المسألة حين منحت تعويضا يقدر بمبلغ 4000 فرنك فرنسي للسيد « Jean Claude » رغم أن حبسه كان مؤسسا على عقوبة.

(1) القرار رقم: 017 RDP 01 الصادر في 27 ماي 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
(2) القرار رقم: 012 RDP 02 الصادر في 28 جوان 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
وتتلخص وقائع القضية أن السيد « Jean Claude » عارض في الحكم الغيابي الصادر ضده الذي حكم عليه بعشرة أشهر حبس، لكن و رغم استدعائه بتاريخ 30 ماي 1969 إلا أنه لم يحضر الجلسة فقضت المحكمة بأن المعارضة كأن لم تكن و نتيجة لذلك أودع السجن بتاريخ 9 جويلية 1970.

استأنف « Jean Claude» الحكم، ليقضي المجلس بتاريخ 18 أوت 1970 بإلغاء استدعاء الحضور للمحاكمة، وبالمقابل إلغاء جميع الإجراءات اللاحقة له، وتبعا لذلك قدم الضحية بتاريخ 06 جويلية 1972 طلبا أمام اللجنة يلتمس فيه منحه تعويضا عن مدة الحبس التي قضاها من تاريخ 09 جويلية 1970 إلى 18 أوت 1970 فاستجيب لطلبه (1).

وبهذا تكون اللجنة قد أعطت تفسيرا واسعا للحبس المؤقت لدرجة أنها إعتدّت بالأثر الرجعي له وهذا في قضية «DEVAUX» الذي أودع السجن بتاريخ 2 سبتمبر 1961 وبعد محاكمته أدين بعقوبة 20 سنة سجنا، ليصير هذا الحكم نهائيا بتاريخ 17 أكتوبر 1963 بعد أن تم رفض طعنـــه .

وبتاريخ 30 أفريل 1969 تم قبول طعن وزير العدل مع إحالة القضية إلى محكمة «LA COTE D’OR» هذه الأخيرة قضت ببراءة « DEVAUX » بتاريخ 27 سبتمبر 1969

فهل أضفت اللجنة على المدة التي قضاها «DEVAUX» في المؤسسة العقابية صبغة العقوبة أم الحبس المؤقت ؟ وللتعرف على ذلك يجب التفرقة بين 3 مراحل:

*المرحلة الأولى: تبدأ من 2 سبتمبر 1961 تاريخ أمر الإيداع و تنتهي في 17 أكتوبر 1963 تاريخ رفض الطعن الصادر عن «DEVAUX» وبهذا حاز حكم الإدانة قوة الشيء المقضي فيه.

*المرحلة الثانية: تمتد ما بين 17 أكتوبر 1963 و 30 أكتوبر 1969 تاريخ قبول الطعن بالنقض الذي أمر به وزير العدل.

*المرحلة الثالثة: تمتد ما بين 30 أفريل 1969 و 27 سبتمبر 1969 تاريخ حكم البراءة الصادر عن محكمة الجنايات «LA COTE D’OR».

يتضح مما سبق أن «DEVAUX » كان محبوسا طبقا لأمر الإيداع في الفترة الأولى حيث أن قرار الإدانة في هذه المرحلة لم يكن نهائيا، وفي الفترة الثالثة لا توجد عقوبة بسبب النقض.

وبالتالي فإن هذا الأخير أثناء هاتين الفترتين كان تحت نظام الحبس المؤقت.

(1) حسين فريحة، المرجع السابق، صفحة 288.
أما الفترة الثانية فقد كان محبوسا طبقا لقرار الإدانة بعد خضوعه لنظام السجن المؤبد.

وبناءا عليه فإن لجنة التعويض اعتبرت أن المدة الإجمالية التي قضاها «DEVAUX» في الحبس تُعد و كأنها حبس مؤقت، على أساس أن الحكم القاضي بالإدانة أصبح لاغيا بسبب النقض ومَنحتْ له تعويضًا يقدر بـ: 125.000 فرنك فرنسي (1) .

وينتج مما سبق ذكره أن التعويض يقدر على أساس المدة الإجمالية الفعلية التي قضاها المتضرر وهذا من تاريخ أمر إيداعه إلى تاريخ خروجه من المؤسسة العقابية.

ثانيا: الأخذ بعين الاعتبار الضرر المالي المرتبط بضياع عمل، أجور أو عائدات

إن تقدير التعويض يكون عادة على أساس ما لحق بالمتضرر من خسارة وما فاته من كسب، فحبس المدعي مدة من الزمن – طالت أو قصرت – قد يلحق به ضررا ماديا نتيجة توقفه عن العمل أو إدارة شركاته و تسيير أمواله كما أنه قد يُفَوِتُ عليه فرصة إيجاد عمل أو الحصول على ترقية أو الاستفادة من كسب مشروع.

و الحرمان من الكسب المشروع يعتبر في حد ذاته ضررا محققا يستوجب تعويضه على ضوء القدر الذي كان يحتمل معه تحقق الكسب في هذه الفرصة التي تم تفويتها.

ويستفاد مما سبق ذكره أن مبلغ التعويض يجب أن يغطي قيمة مجموع الرواتب أو الأجور التي كان من المفروض أن يتقاضاها المحبوس طيلة مدة حبسه و قيمة العائد السنوي في حالة ما إذا كان يمارس نشاطا حرا.

إذن يتعين على المدعي أن يرفق بالملف كشف الراتب أو قسيمة الأجر- وهذا بحسب ما إذا كان موظفا أو عاملا- أو كشف المداخيل في حالة ممارسته نشاطا حرا.

ولكن يثار الإشكال حول الأجر الذي تعتمده اللجنة في التعويض، فهل ستعْتَدُ بالأجر الذي كان يتقاضاه المدعي يوم دخوله السجن أم الراتب الذي كان من المفترض أن يُمنَح له بالتاريخ الذي أطلق سراحه فيه؟.

نرى أنه من العدالة أن تعتمد اللجنة الأجر الذي كان يجب أن يتقاضاه المتضرر كما لو لم يتم حبسه بما في ذلك الزيادات التي تدخل على راتبه بسبب الترقية التلقائية – وهذا حسب الأقدمية- أو بموجب النصوص التنظيمية التي ترفع من الأجور المتعلقة بنفس منصب المدعي وكذا المنح. أي أن المتضرر يُعوَض و كأنه مارس فعلا الوظيفة ولم ينقطع عنها.

(1) بوكحيل الأخضر، المرجع السابق، صفحة 350.
ولقد كانت قرارات اللجنة الوطنية للتعويض أكثر تحديدا عندما قضت بأن إصلاح الضرر المادي يجب أن يغطي فقد الأجرة طيلة مدة الحبس بما في ذلك العطل المدفوعة الأجر(1)،كما يُعتد بالضرر الذي لحق بالمدعى بين تاريخ إطلاق سراحه و تاريخ إيجـاد عمل جديد(2)، على أن تكون هذه المدة معقولة فمنصب سائق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتعدى فترة البحث عليه أكثر من 6 أشهر(3)، كما أنه لا يمكن تحت أي ظرف أن يُخصم من مبلغ التعويض ما مُنح للمدعي من مساعدات مالية مـن طرف مكتب الخدمات الاجتماعية ولا حتى تلك المبالغ التي دفعت له أثناء فترة حبسه نظير عمله(4).

وهذا لأن المادة 62 D. من ملحق قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي أقرت ما جاء به البند 89 من قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء والتي تنص على أنه«يجب أن يُمكن المتهم دائما من العمل ولكن دون أن يجبر عليه، فإذا اختار أن يعمل، يجب أن يتلقى أجرا مقابل ذلك » في حين ورد في نص المادة 63 D بأن المبلغ الذي يتقاضاه المحبوس يودع في حسابه الجاري(5).

أما بالنسبة للقانون الجزائري فإن المادة 110 من قانون تنظيم السجون جاء نصها كالآتي:« يلزم المحكوم عليهم في إطار العمل على تكوينهم وإعادة تأهيلهم بالقيام بشغل يتلاءم مع صحتهم». أي بمفهوم المخالفة لا يخضع المحبوس مؤقتا لأحكام هذه المادة.

ومما تجدر الإشارة إليه أن قرارا وزاريا مشتركا صدر بتاريخ 26 جوان1983 عن وزارتي العمل و الشؤون الاجتماعية حدد المبلغ الممنوح للسجين في حالة تشغيله إذ يتراوح ما بين 20 % إلى 60 % من الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، فإذا كان المسجون يقوم بأعمال عادية غير متخصصة فإنه يستفيد من الحد الأدنى للمبلغ الممنوح و يستفيد من الحد الأقصى إذا ما قدم عملا متخصصا(6).

(1) القرار رقم: 023 RDP 01 الصادر في 28 جوان 2002 – الموقع الإلكتروني السابق.
(2) القرار رقم: 051 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر 2002 – الموقع الإلكتروني السابق.
(3) القرار رقم: 026 RDP 01 الصادر في 28 جوان 2002 – الموقع الإلكتروني السابق.
(4) القرار رقم: 019 RDP 02 الصادر في 19 سبتمبر 2002 – الموقع الإلكتروني السابق.
(5) CHAISTIAN QUERY : Détention provisoire, éditions Dalloz, Paris, 2001 Page 273 .
(6) يتولى تشغيل المساجين الديوان الوطني للأشغال التربوية ONTE وهي مؤسسة عمومية تابعة لوزارة العدل توجد بالحراش تسير عدة ورشات داخلية متخصصة في الطبع، النجارة، تأثيث المكاتب، تغليف الجدران و الحدادة كما تسير عدة مزارع و الموجودة في البيض، سعيدة، البرواقية، الجلفة، ومسقين في وهران، ويدفع الديوان مبالغ مالية للمساجين العاملين بهذه الورشات و المزارع . ارجع إلى محاضرات الأستاذ مختار فليون الملقاة على الطلبة القضاة حول » الجهاز الإداري لقطاع السجون «
وإننا نستحسن عمل المحبوس مؤقتا أثناء فترة حبسه-خاصة إذا طالت هذه المدة- بما أنه سيحصل على أجر.

وبهذا نكون قد تطرقنا إلى الحالة التي يكون فيها المدعي قد شغل منصبا قبل حبسه، فما هو الحال بالنسبة للشخص الذي كان عاطلا عن العمل؟وعلى أي أساس يتم تعويضه؟.

لأول وهلة يبدوا و كأن المتضرر في هذه الحالة لا يحق له المطالبة بالتعويض لأنه لم يُصب بأي ضرر مادي لكن اللجنة الوطنية للتعويض قضت بأنه يتوجب إصلاح الأضرار المادية الناتجة عن الحبس(1) بمجرد إثبات أن هذا الأخير هو سبب تفويت فرصة الحصول على عمل مثلمـا هو الحـال عليه بالنسبة لطالب يتابع دراسته في فـرع الإعلام الآلي و تم حبسه وهو في السنة الأخيرة فهنا لولا هذا الحبس لأكمل دراسته و تحصل على عمل. فعلى هذا الأساس يجب تعويضه.

لكن في هذه الحالة هل تعتد اللجنة عند تعويضه بالحد الأدنى للأجر الوطني المضمون أم بالأجر الذي يتقاضاه موظف في نفس المنصب الذي كان من المتوقع أن يشغله المدعي ؟.

نعتقد أنه على اللجنة اعتماد الأجر الذي كان من المفترض أن يحصل عليه المدعي في حالة شغله المنصب.

أما الشخص الذي تم حبسه والذي لم يكن يملك المؤهلات الكافية ليحصل على عمل فمن باب العدالة أن يُعوض لكون حتى ولوكانت فرصة حصوله على عمل فرصة محتملة لكنها ممكنة.

ثالثا: الأخذ بعين الاعتبار المصاريف التي أنفقت خلال مراحل الدعوى

إن المدعي قد يتكبد الكثير من المصاريف خلال مراحل الدعوى ومن هذا المنطلق يحق له المطالبة بجبر هذه الأضرار.

وهذا ما استقر عليه قضاء اللجنة الوطنية للتعويض إذ قضت بأن للمدعي الحق في المطالبة بجبر الأضرار بما فيها المصاريف التي أنفقها إلى غاية الحصول على حريته بما في ذلك أتعاب المحامي و مصاريف تنقله للمؤسسة العقابية التي كان يوجد بها المضرور وحتى تلك المصاريف المتعلقة بتحرير المذكرات الموجهة لغرفة الإتهام وكذا مصاريف التنقل أمام هذه الجهة(2).
(1) القـرار رقم: 026 RDP 01 الصادر في 28 جوان 2002، الموقع الإلكتروني السابق.
(1) القرارات رقم: 013 RDP 01 – و 018 RDP 01 – و 025 RDP 01 الصادرة بتاريخ 28 جوان 2002 الموقع الإلكتروني السابق.
وبعد تعرضنا لمختلف الجوانب التي تخص التعويض عن الضرر المادي سنتطرق فيما سيأتي إلى التعويض عن الضرر المعنوي.

1-المطلب الثاني
التعويض عن الضرر المعنوي

يُعرف الضرر المعنوي بأنه كل ما يصيب الإنسان في شعوره و عاطفته وهي مسألة نفسية ذاتية داخلية تختلف من فرد لآخر وليس لها مظهر خارجي مؤكد(1).

في حين عرّفه آخرون بأنه الضرر الذي لا يمس بأي حال من الأحوال الذمة المالية و يسبب فقط الآلام المعنوية للضحية(2).

ولقد ثار الخلاف حول إمكانية منح التعويض عن هذا الضرر من عدمها(3) فما هو موقف التشريع والقضاء من هذا التباين ؟ (الفرع الأول) وما هي المعايير المعتمدة في التقدير (الفرع الثاني).

الفرع الأول
موقف التشريع و القضاء من التعويض

لقد جاءت المادة 137 مكرر إجراءات جزائية عامة عند ما نصت بأنه:« يمنح تعويض للشخص …». إذ لم تبين نوع الضرر الذي سَيُمْنَحُ التعويض على أساسه فهل يتمثل في الضرر المادي فقط أم في الضررين المادي و المعنوي معا ؟

(1) عمار عوابدي: نظرية المسؤولية الإدارية، دراسة تأصيلية، تحليلية و مقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى لسنة 1994، صفحة 212.
(2) سعيد مقدم ، المرجع السابق، صفحة 35.
(3) حيث أن بعض الفقهاء عارضوا منح التعويض عن الضرر المعنوي من بينهم «تورني» الذي قال بأن الفرد المضرور ضررا معنويا لا يمكنه قبول مبلغ نقدي كثمن عن أوجاعه لأن ذلك يعد في نظر الأخلاق مخلا بالحياء وعلى العكس من ذلك يرى « ستارك» أنه من الخير الحصول على تعويض حتى ولو كان غير ملائم خير من عدم التعويض . انظر في ذلك مقدم سعيد، المرجع السابق، صفحة 71- 79.

يطرح هذا الإشكال كون العديد من الفقهاء ارتكزوا على المادة 182 من القانون المدني الجزائري و التي تنص على أنه «إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب».فالمشرع حسب هؤلاء لم يتـرك مجالا للشك في استبعاد الضرر المعنوي من نطاق التعويض وهذا لكون الخسارة اللاحقة و الكسب الفائت هما عنصران للضرر المادي، كما أن المشرع ساير النهج الاشتراكي الذي يمنع التعويض عن الضرر المعنوي وهذا لإقامة مجتمع خال من الاستغلال و منع الشخص من الإثراء على غيره.

لكن هناك من المعطيات ما تشير بأن المشرع لم يقصر التعويض على الضرر المادي و نذكــر منهـا:

1- السماح للقاضي الجزائي بأن يفصل في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجزائية وبالنتيجة أن يمنح تعويضا عن الأضرار المعنوية إذا ما كانت بسبب الفعل الإجرامي عملا بالمادة 3 الفقرة 4 إجراءات جزائية.

2- حق أحد الخطيبين في التعويض عن الضرر المعنوي المترتب على فسخ الخطبة طبقا للفقرة الثانية من المادة 05 من قانون الأسرة.

3- حق ذوي حقوق المتوفي في الحصول على مبلغ التعويض عن الضرر المعنوي بسبب وفاة مورثهم طبقا للمادة 08 من القانون 88/31 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات.

4- حق الضحية وذوي حقوقها في الحصول على تعويض عن الضرر المعنوي الذي تسبب فيه حكم الإدانة تبعا للمادة 531 مكرر إجراءات جزائية.

ويتبين مما ذكر آنفا أن المشرع الجزائري نص على الحق في التعويض عن الضرر المعنوي في قوانين عدة لكنه أغفل تبيان ذلك في مجال التعويض عن الحبس المؤقت تاركا ذلك لقضاء اللجنة التي عليها الأخذ بعين الاعتبار الضرر المعنوي وإقرار ضرورة التعويض عنه حتى في حالة غياب النص الموجب لذلك لأن المصطلح الذي أوردته المادة 137 مكرر إجراءات جزائية جاء على العموم و دون تحديد.

وفيما يلي سنعرض بعض الأحكام التي قضت بالتعويض عن الضرر المعنوي مع أنه لا يوجد نص يقر ذلك.

1- الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمجلس القضائي لبلدية مستغانم بتاريخ 14 نوفمبر 1968 والتي منحت مبلغ 5000 دج عن الضرر الجسمي والمعنوي الذي لحق الزوجة بسبب طردها بعد 3 أيام من زواجها بدعوى أنها ليست بكرا مع أن الزوج لم يدخل بها، فلحقها من هذه التهمة عار مسّ شرفها و كرامتها و ذويها(1).

2- الحكم الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 06 نوفمبر 1976 في قضية حادث المرور الذي أودى بحياة ابنة المدعية البالغة من العمر 6 سنوات، ووفاة زوجها بعد قليل من وفاة هذه الأخيرة والذي ألحق بها ضررا معنويا بحتا، هذا الأخير لا يقدر بالمال وإنما يعوض من طرف القضاء بما يجبر الخواطر بشرط ألا يكون سببا للإثراء الفادح وعليه فإن قرار المجلس بمنح المدعية مبلغ 5000 دج قد أحسن التقدير(2).

وما يمكن إبداؤه حول هذا القرار أن المجلس الأعلى أقر التعويض عن الضرر المعنوي لذوي الحقوق في حالة وفاة مورثهم في حادث مرور حتى قبل صدور القانون 81/31 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات، الذي نص على ذلك في مادته الثامنة.

3- القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 08 جويلية 1986 تحت رقم 42308 في قضية (ح.أ.ش.ق) في حقها وحق أبنائها (ج.م.ن.ع)، الذي قضى بأن الضرر المادي و المعنوي كلاهما موجب للتعويض ولما كان ثابتا في قضية الحال أن قضاة محكمة الجنايات استقر قضاءهم على كون الضحية كانت على نفقة الطرف المدني الذي لم يلحقه أي ضرر. يكونون بذلك قد اقتصروا على الضرر من جانبه المادي دون اعتبار لجانبه المعنوي، مما يجعل قضاءهم ناقصا ومتى كان ذلك استوجب نقض وإبطال الحكم المطعون فيه(3).

يستفاد مما سبق ذكره أن لكل من لحقه ضرر معنوي جراء الحبس الحق في أن يطالب بجبره.

ولقد أثير جدل ما بين معارض و مؤيد حول ما إذا كان نشر الحكم بالبراءة في إحدى الجرائد يعد تعويضا كافيا عـن الضرر المعنوي. ونحـن نرى بأن للمتضرر الحق في المطالبة بجبر الأضرار المعنوية التي لحقته إضافة إلى حقه في أن يطلب نشر الحكم القاضي ببراءته وهذا تبعا لما نصت عليه المادة 125 مكرر 4 التي جاء فيها « يجوز لكل متهم انتهت محاكمته بالتسريح أو البراءة أن يطلب من الجهة القضائية التي أصدرت هذا الحكم الأمر بنشره حسب الوسائل التي يراها مناسبة».

(1) (2) (3) سعيد مقدم، المرجع السابق صفحة 146.
وما يلاحظ على هذه المادة أنها اقتصرت على حالة الحكم بالبـراءة أو بالتسريح ولم تتطرق لحالة الأمر بألاوجه للمتابعة. فهل بمفهوم المخالفة لا يمكن أن نعتبر المحبوس الذي انتهى التحقيق في مواجهته بألاوجه للمتابعة بريئا ما لم يصدر حكم يقرر ذلك، كما أن عبارة«…الأمر بنشر الحكم حسب الوسائل التي يراها مناسبة…» جاءت عامة وهذا عكس ما ورد في المادة 531 مكرر 01 التي تناولت هذه المسألة بدقة أكبرفي الفقرتين الثانية و الثالثة، إذ نصت الفقرة الثانية على أنه « ينشر بطلب من المدعي قرار إعادة النظر في دائرة اختصاص الجهة القضائية التي أصدرت القرار، وفي دائرة المكان الذي ارتكبت فيه الجناية أو الجنحة، وفي دائرة المحل السكني لطالب إعادة النظر وآخر محل سكن ضحية الخطأ القضائي إذا توفيت، ولا يتم النشر إلا بناء على طلب مقدم من طالب إعادة النظر».

أما الفقرة الثالثة فقد ورد فيها ما يلي « بالإضافة إلى ذلك وبنفس الشروط ينشر القرار عن طريق الصحافة في ثلاثة جرائد يتم اختيارها من طرف الجهة القضائية التي أصدرت القرار». فالمشرع كان هنا دقيقا، وكنا نتمنى لو صيغت المادة 125 مكرر 04 على النحو الذي جاءت به المادة 531 مكرر 01.

ونشير في الأخير بأن قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي بعد تعديله الأخير فصل في هذه المسألة إذ نصت المادة 149 منه على « أن للمتضرر من حبس مؤقت الحق في المطالبة بإصلاح الأضرار المادية و المعنوية التي سببها هذا الحبس».

وبعد أن توصلنا إلى أن للمتضرر من حبس مؤقت الحق في أن يطالب بجبر الأضرار المعنوية التي تسبب فيه حرمانه من الحرية، نتساءل الآن عن المعايير التي يمكن للجنة أن تعتمدها في تقدير هذا الضرر. هذا ما سنحاول التعرض إليه في الفرع التالي .

الفرع الثاني
المعايير المعتمدة في التقدير

لقد سبق أن ذكرنا أن الضرر المعنوي مسألة نفسية ذاتية داخلية تختلف من فرد لآخر و ليس لها مظهر خارجي، وبالتالي فإن تقديره يثير صعوبة كبيرة، إذ على اللجنة دراسة طلبات التعويض عن هذا الضرر حالة بحالة، لتصل في الأخير لتحديد معايير تعتمدها في التقدير وأخرى تستبعدها و يجد هذا التمييز أساسه في مقولة الفقيه « فيكاط» «طالما أن الشيء الذي فقدته بفعل غاصب لحقي ليست له نفس القيمة لدى الغير بالمقارنة بدرجة مكانته بالنسبة لي فإنه يجب الإنطلاق من هذا الأساس عند تقدير التعويض».

فما هي المعايير المعتمدة لاستبعاد بعض الأضرار المعنوية من مجال التعويض؟.

أولا: الأضرار المعنوية المستبعدة من مجال التعويض

إن تَضرر المحبوس معنويا أثناء فترة حبسه لا يُعطيه بالضرورة الحق في الحصول على التعويض إذ لا بد أن يكون هذا الضرر النتيجة المباشرة عن الحبس.

كما أن هناك بعض الأضرار بالرغم من كونها معنوية إلا أنها تستبعد من نطاق التعويض وهذا ما سنتناوله في النقاط التالية:

1- الضرر المعنوي المرتبط بنشر مقالات في الصحف

إن نشر مقالات صحفية تخص المتابعة الجزائية المتخذة ضد المدعي ولو سببت له ضررا معنويا – بسبب الصدى الذي تتركه في المجتمع- فإن هذا الأخير غير موجب للتعويض لانعدام العلاقة السببية بينه و بين الحبس.

وبهذا الخصوص صدرت قرارات عديدة عن اللجنة الوطنية للتعويض قضت فيها بأنه على المدعي إثبات العلاقة السببية بين الحبس و الضرر المعنوي لأن المادة 149 إجراءات جزائية لا تصلح سوى الأضرار المعنوية التي كانت نتيجة الحبس. ونشر الخبر المتعلق بالمدعـي في الصحف لا يدخل في هذا الإطار إذ لا يعـد سببـه الحبس بل المتابعة الجزائية في حد ذاتها(1).

2- الضرر المعنوي المرتبط بظهور مرض

لقد صدر عن اللجنة الوطنية للتعويض قرار بتاريخ 16 ديسمبر 2000(2). جاء فيه بأن المرض الذي تعاني منه المدعية بدون شك ثابت بموجب الخبرة التي بينت بأنها أصيبت أثناء فترة حبسها. و مع هذا فإنه لا توجد علاقة بين مرضها و الحبس لكن بالمقابل توجد علاقة بين الحبس و التكفل الطبي البطيء. و بالنتيجة فإن الضرر الذي لحق بها أثناء فترة الحبس كان أقل بكثير من ذلك الذي كان بعد خروجها منه .
(1) القرار رقم: 92 IDP 01 الصادر في 24 جانفي 2002 والقرار رقم: 002 RDP 01 الصادر في 03 ماي 2002 والقرارين رقم: 006RDP 02 و 013 RDP 01 الصادرين في 28 جوان 2002، الموقع الإلكتروني السابق.
(2) القرار رقم: 226 IDP 99 ، الموقع الإلكتروني السابق.

3- الضرر المعنوي المتعلق بفقدان سكن

لقد رفضت اللجنة الوطنية للتعويض إصلاح الأضرار المعنوية التي لحقت المدعية نتيجة فقدان مسكنها وهذا لأنها لم تقدم ما يثبت أن حبسها كان السبب في ذلك كما أن هذه الحالة لا تدخل ضمن الأضرار المعنوية(1).

4- الضرر المعنوي المرتبط بخسارة دعوى

لقد ارتأت اللجنة الوطنية للتعويض بأن خسارة المدعي لدعواه التي أقامها من أجل الحصول على حق زيارة ابنته القاصرة ليست بسبب الحبس بل بسبب عدم اتخاذه الإجراءات اللازمة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال التذرع بأن الحبس هو الذي أعاق اتخاذها(2).

وبعد أن تطرقنا لعينة من الأضرار المعنوية المستبعدة من مجال التعويض سنبين فيما سيأتي الحالات التي يعتد فيها بالضرر المعنوي.

1- الأخذ بعين الاعتبار الأثر النفسي الذي تركه الحبس

إنه لمن المتفق عليه بأن جُل من يُزج بهم في المؤسسة العقابية يُصدمون نفسيا وقد يتعرضون أحيانا لإنهار عصبي، وفي حالات أخـرى قد يدفـع بهم الحبـس الانتحار. لهذا يعتبر الأثر النفسي من أهم العناصر التي يعتمد عليها في تقدير التعويض.

وبناء عليه اعتبرت اللجنة أن الحالة النفسية – التي كان سببها الحبس – تؤخذ بعين الاعتبار في تقدير التعويض وهذا لكونها النتيجة المباشرة للحرمان من الحرية تبعا للخبرة النفسية المرفقة بالملف (3) وكذا حالة الانهيار التي عانى منها المتضرر بسبب طول مدة الحبس (4).

ولقد عوضت اللجنة مدعيا سبق حبسه عدة مرات لمدة إجمالية تقدر بـ 6 سنوات بحجة أن تعدد مرات الحبس هو الذي تسبب في الاضطرابات النفسية التي يعاني منها (5) .

(1) القرار رقم: 170 IDP 99 الصادر في 13 أكتوبر 2000، الموقع الإلكتروني السابق.
(2) القرار رقم: 033 RDP 02، الصادر في 28 جوان 2002، الموقع الإلكترونـي السابـق.
(3) القرار رقم: 008 RDP 01 الصادر في 03 ماي2002، الموقع الإلكتروني السابـق.
(4) القرار رقم: 019 RDP 02 الصادر في 19 سبتمبر 2002، الموقع الإلكتروني السابق.
(5) القرار رقم: 022 RDP 02 الصادر في 11 أكتوبر 2002، الموقع الإلكتروني السابـق.

2- الأخذ بعين الاعتبار شخصية المتضرر ووضعيته العائلية

إن الأثر النفسي الذي يتركه الحبس يختلف من شخص لآخر و يعود هذا لشخصية المدعي، وضعيته الاجتماعية، ووضعيته العائلية. فالأثر النفسي الذي يتركه الحبس في المرأة يختلف عن ذاك الذي يصيب الرجل لأن المجتمع لا يغفر للمرأة خطاياها و التي سينجر عن حبسها نتائج وخيمة عليها وعلى أسرتها، إذ ستتخلى عنها عائلتها، زوجها، ويتشرد أطفالها. كما أن الحدث الذي يتم حبسه سيتأثر أكثر من البالغ.

وعلى هذا الأساس قضت اللجنة الوطنية للتعويض أن المبلغ الممنوح لإصلاح الأضرار المعنوية يختلف من حالة لأخرى وهذا حسب عمر المدعي، مدة حبسه شخصيته ووضعيته العائلية و بعده عن عائلته و أطفاله المحتاجين للرعاية (1)، حتى أن عدم حضور المدعي ولادة ابنه يعتبر ضررا معنويا خاصا يجب إصلاحه(2).

كما يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار وضعية المرأة العازبة التي تم حبسها ثم برئت ساحتها لأنها ستعاني من نظرة المجتمع القاسية نحوها و سيقلل هذا الحبس من فرص زواجها كما هو الحال بالنسبة للطالب الجامعي الذي تضيع دراسته بسبب الحبس فإن هذا سيؤثر حتما على مسار حياته، وبالنتيجة فإن الأضرار المعنوية تختلف من شخص لآخر ومن حالة لأخرى .

3-الأخذ بعين الاعتبار وظيفة المدعي

إن الوظيفة التي كان يشغلها المدعي تؤثر دون شك على نفسيته ومن هذا المنطق منحت اللجنة تعويضا للمدعي الذي عانى في المؤسسة العقابية من جو العنف المرتبط بصفته شرطي سابق(3)، كما أن حبس المدعي في نفس المؤسسة التي كان يعمل بها سابقا بصفته عون حراسة سبب له انهيارا عصبيا وهذا الضرر يستوجب إصلاحه(4).

(1) القرار رقم: 016 RDP 02 الصادر في 19 سبتمبر2002 و القرارات رقم: 012 RDP 01 و011 RDP 01 الصادرة في 03 ماي 2002 وكذا القرار رقم: 021 RDP 02 الصادر في 11 أكتوبر 2002، الموقع الإلكتروني السابــق.
(2) القرار رقم: 050 RDP 02 الصادر في 21 نوفمبر2000، الموقع الإلكتروني السابق.
(3)القرار رقم: 156 IDP 98 الصادر في 15 ديمسبر2000 الموقع الإلكتروني السابـق.
(4)القرار رقم: 010 RDP 02 الصادر في 19 سبتمبر 2002 الموقع الإلكتروني السابـق.

4- الأخذ بعين الاعتبار مدة التحقيق

يشهد الواقع العملي كثرة الملفات بمكاتب التحقيق، لدرجة أن جريمة بسيطة قد يطول فيها التحقيق لمدة أطول من المعقول مما يؤثر سلبا على نفسية المحبوس و معنوياته، ومن هذا المنطلق منحت اللجنة تعويضا عن الضرر المعنوي الذي لحق المدعي الذي انتظر عدة أشهر قبل أن يستجوب في الموضوع(1).

5- الأخذ بعين الاعتبار شروط الحبس

إن الجو الذي قضى فيه المدعي مدة الحبس – والذي ارتبط بالعنف – سبب له أضرارا يستوجب إصلاحها خاصة وأن الظروف التي مر بها كانت صعبة بسبب المضايقات و الضغوطات التي مورست عليه من طرف محبوسين آخرين (2).

و تجدر الإشارة إلى أن اللجنة أقرت مبدأ التعويض عن الضرر المعنوي حتى بالنسبة للمدعي الذي تم حبسه بسبب خرقه لالتزامات الرقابة القضائية.

وبهذا نخلص إلى أن اللجنة أخذت بعين الاعتبار شخصية المضرور ووضعه الاجتماعي وما تكبده من آلام نفسيه ومقدار المعاناة التي عانتها أسرته بسبب حبسه.

وما تجدر الإشارة إليه أن المادة 149 إجراءات جزائية تبيح للمدعي الذي لم يقتنع بتقدير اللجنة اللجوء إلى خبرة مضادة هذه الأخيرة يمكن أن تكون حسابية، طبية نفسية، وهذا ما يضفي على المبالغ الممنوحة شرعية أكبر.

لقد سبق أن أشرنا إلى أن لجنة التعويض لم تصدر أي قرار في الموضوع رغم أنه تم تسجيل 710 ملف، في حين أن اللجنة الوطنية للتعويض أصدرت المئات من القرارات بشأن هذه المسألة و نلقي نظرة عن الإحصائيات.

لقد تم منح مبلغ 79710 فرنك فرنسي لـ 9 أشخاص من بين 62 الذين توافرت في ملفاتهم الشروط الشكلية أي بمعدل 5667 فرنك فرنسي لكل واحد وهذا سنة 1988.

أمـا سنة 1999 فقد منحت اللجنـة مبلغ 6.491.000 فرنـك فرنسـي لـ107 شخـص
(1) القرار رقم: 156 RDP 98 الصادر في 15 ديسمبر 2000 الموقع الإلكتروني السابق.
(2) القــرار رقم: 012 RDP 01 الصادر في 03 ماي 2002 والقـرار رقـم: 019RDP 02 الصــادر في 19 سبتمبر2002 و القرار رقم: 024 RDP 01 الصادر في 28 جوان 2002، الموقع الإلكتروني السابق.

من بين الذين توافرت في ملفاتهم الشروط الشكلية أي بمعدل 60.664 فرنك فرنسي(1).

وحسب تقرير السيد «Commaret» فإن معدل التعويض عن الضرر المعنوي في السداسي الأخير من سنة 2000 قدر بـ: 6.600 فرنك فرنسي لكل شخص(2).

كما أنه تم دفع مبلغ 410.000 فرنك فرنسي «Christine villemin» الذي تم حسبه 11 مرة، أما «Jerome pireto» المتهم بارتكابه جرائم إرهابية فقد دفع له مبلغ 200.000 فرنك فرنسي عن مدة حبسه التي استمرت 9 أشهر، في حين دفع « Dominique Monlun » مبلغ 10.000 فرنك فرنسي(3).

وبهذا نكون قد تطرقنا إلى كل ما يتعلق بمسألة تقدير التعويض لعلّ اللجنة تعتمد على الأقل بعض المعايير التي تم التعرض إليها لأن مسألة التقدير بالفعل تطرح إشكالا كبيرا كونها تُدرس حسب كل حالة والتي تختلف من ملف لآخر.

(1) Dalloz pénale tome 3 détention provisoire et contrôle judiciaire, page 45.
(2) Indemnisation à raison d’une détention provisoire : www. Cour de cassation. fr
(3) Une justice injuste www.orgnitho. org.

الـخــاتمـــــــــة

إن المشرع الجزائري وبالرغم من محاولته مسايرة الاتفاقيات الدولية سعيا منه لتكريس حماية أكبر للحريات الفردية إلا أنه لم يُبلور هذه الحماية بشكل فعال .

وهذا ما يتجلى لنا من خلال استقرائنا للمادة 137 مكرر إجراءات جزائية التي يعاب عليها إشتراطها أن يلحق بالمدعي ضرر ثابت ومتميز من جراء حبسه الذي يجب أن يكـون غيـــر مبـــرر.

هذه الشروط تكاد تكون تعجيزية يصعب معها الحصول على التعويض حتى ولو توافرت جميعها فالقرار يعود للجنة مما يجعل منح التعويض تحكميا.

علاوة على أن اللجنة تتحكم في منح التعويض فإن قراراتها تصدر نهائية ولا تقبل أي طريق من طرق الطعن مما يشكل إجحافا في حق المطالبين بالتعويض.

كما أن تولي أمين خزينة ولاية الجزائر دفع المبالغ المحكوم بها يشكل عبئا إضافيا على المستفيدين من التعويض الذين عليهم إيداع ملفاتهم على مستوى هذه الخزينة مما يخرق مبدأ تقريب العدالة من المواطن.

وبناء على ما سبق ذكره فإننا نناشد المشرع بأن يدخل تعديلات على هذه المادة وهذا بحذف المصطلحات التالية «يمكن» ،«غير مبرر» و «ثابت و متميز» من المادة 137 مكرر إجراءات جزائية.

وبالنتيجة فإن للمتضرر من حبس مؤقت انتهى في مواجهة بصدور قرار نهائي بألاوجه للمتابعة أو البراءة حق الحصول على تعويض يجبر الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته بمجرد إثباتها ولا يبقى لأعضاء اللجنة سوى تقدير مبلغ التعويض.
ولأجل توفير ضمانات أكبر لهؤلاء المتضررين كان على المشرع أن ينشئ لجنة على مستوى المجالس تنظر في طلباتهم الرامية للحصول على التعويض كأول درجة في حين تنظر لجنة التعويض في الطعون المقدمة ضد القرارات الصادرة عن هذه الأخيرة كثاني درجة.

إذ ليس من العدالة أن يُحرم الإنسان من حريته ولا تتاح أمامه فرصة ثانية للمطالبة بجبر الأضرار التي لحقت به.
وحبذا لو ينص على إمكانية إيداع طلبات التعويض على مستوى المجالس القضائية التي صدرت عنها قرارات ألاوجه للمتابعة أو البراءة. هذه الأخيرة هي التي تتكفل بإرسال الملفات بعد تشكيلها للجنة التعويض. مما يجعل الإجراءات أكثر مرونة.

ونفس الأمر ينطبق على الأحكام القاضية بالتعويض التي يمكن إيداعها على مستوى خزينة الولاية التي يقطن بها المحكوم له بالتعويض.

كما كان على المشرع أن ينشئ لجانا على المستوى المحلي تقوم بمتابعة الإحصائيات المتعلقة بالحبس المؤقت .

إضافة إلى أنه يجب أن يمتد مجال تطبيق أحكام المادة 125 مكرر 4 إجراءات جزائية إلى الشخص الذي صــدر في مواجهتــه قرار نهائي بألا وجه للمتابعة .مع تحديد أماكن النشر ووسائــل ذلك .

وختاما لهذا البحث نؤكد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التذرع بإرهاق ميزانية الدولة للتملص من دفع التعويض لأن هذا الأخيرهو أدنى ما يُقدم للمتضرر من حبس مؤقت جبرا لخاطره وردا لاعتباره الشخصي .

قائمة المراجع

المؤلفات باللغة العربية:

– أحسن بوسقيعة: التحقيق القضائي، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الثانية 2002.
– أحمد محيو: المنازعات الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الأولى 1992
– الأخضر بوكحيل: الحبس الاحتياطي والمراقبة القضائية في التشريع الجزائري. الطبعة الأولى 1992.
– حسين فريحة : مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية دراسة مقارنة في القانون الفرنسي، المصري، الجزائري، المطبعة الجزائرية للمجلات والجرائد الطبعة الأولى 1992.
– سعيد مقدم : نظرية التعويض عن الضرر المعنوي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الطبعة الأولى 1992.
– عبد الحميد فودة :التعويض المدني« المسؤولية المدنية التعاقدية والتقصيرية » دار المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1992.
– عمار عوابدي : نظرية المسؤولية الإدارية، دراسة تأصيلية تحليلية و مقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الأولى 1992.
– محمود زكي أبو عامر: الإجراءات الجنائية منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الأولى1994.
– محمود نجيب حسني : «الدستور والقانون الجنائي»، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 1992.
– مسعود شيهوب : المبادئ العامة في المنازعات الإدارية، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الأولى 1999.
– ياسين محمد يحي : الحق في التعويض عن الضرر الأدبي، دار النهضة العربية الطبعة الأولى 1991.
المؤلفات باللغة الفرنسية :

– CHRISTIAN GUERY : Détention provisoire-édition DALLOZ 2001.

– GASTON STEFANI- GEORGES LEVASSEUR- BERNARD BOULOUC, procédure pénale 16e édition DALLOZ 1996.

المحاضرات و المقالات:
أولا : بالل غة العربية
– «المسؤولية عن العمل القضائي» محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة من طرف الأستاذ مسعود شيهوب

-«الجهاز الإداري لقطاع السجون» محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة من طرف الأستاذ مختار فليون.

ثانيا: باللغة الفرنسية
– L’indemnisation à raison d’une détention provisoire : www-Courdecassation.fr

– Détention provisoire et contrôle judiciaire, DALLOZ PENALE TOME III.

– Décisions des commission : wwwcourdecassation.fr

الرسائل الجامعية :

– «المسؤولية الإدارية دون خطأ في القانون الإداري» ، أطروحة دكتوراه للدكتور مسعود شيهوب
النصوص القانونية:

– الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ 8 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم.
– الأمر 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ 8 يونيو سنة 1966 المتضمن لقانون العقوبات.
– القانون رقم 84-11 المؤرخ في 9 رمضان عام 1404 الموافق لـ 9 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة.
– القانون 88/31 والمتمم للأمر 74/45 المؤرخ في 19 يوليو 1988 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات.
– مذكرة عرض الأسباب المتعلقة بالقانون 01/08.
– التقرير التكميلي عن القانون 01/08.
الجريدة الرسمية لمداولات المجلس الشعبي الوطني رقم 264 الصادر في 16 ماي 2001

– Code de Procédure pénale Dalloz – édition 2002.

– La circulaire ministérielle PEE / 2002 / 12 du 10 septembre 2002.

– Exposés des motifs de la loi 2000/516 : www.senat.fr
– المقدمــــــة 1
– الفصل الأول –
– مسؤولية الدولة في تعويض المضرور من الحبس المؤقت وشروط الاستفادة منه 4

* المبحث الأول : مسؤولية الدولة في تعويض المضرور من الحبس المؤقت

5
– المطلب الأول : التعويض عن الحبس المؤقت استثناء من مبدأ اللامسؤولية 5
. الفرع الأول : لا مسؤولية الدولة عن العمـــــل القضائــي 5
. الفرع الثاني : تكريس مبدأ مسؤولية الدولة عن أضرار الحبس المؤقت 9

– المطلب الثاني : أساس مسؤولة الدولة في التعويض عن الحبس المؤقت
11
. الفرع الأول : الأساس الفقهـي 11
. الفرع الثاني : الأساس التشريعي. . 12

* المبحث الثاني : شروط الاستفادة من التعويض عن الحبس المؤقت

14

– المطلب الأول : ضرورة توافر حبس مؤقت
14
. الفرع الأول : أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر 15
. الفرع الثاني : انتهاء الحبس المؤقت بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو البراءة 17

– المطلب الثاني : ضرورة توافر ضرر ثابت ومتميز
19
. الفرع الأول : أن يكون الضرر ثابتـا 20
. الفرع الثاني : أن يكون الضرر متميزا 22

– الفصل الثاني –
– منح التعويــــــــض 25

* المبحث الأول : الجهة المانحة للتعويض وإجراءات الحصول عليه
26

– المطلب الأول : الجهة المانحة للتعويض
26
. الفرع الأول : تشكيلة الجهة المانحــة للتعويـــض 27
. الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للجهة المانـحة للتعويض 29
– المطلب الثاني : إجراءات الحصول على التعويض 31
. الفرع الأول : اخطار الجهة المانحة للتعويض 31
. الفرع الثاني : ســير الإجـــراءات 34

* المبحث الثاني : تقدير التعويض
41

– المطلب الأول : التعويض عن الضرر المادي
43
. الفرع الأول : شروط الضرر الـمادي 43
. الفرع الثاني : المعايير المعتمدة في التقدير 46

– المطلب الثاني : التعويض عن الضرر المعنوي
51
. الفرع الأول : موقف التشريع والقضاء من التعويض 51
. الفرع الثاني : المعايير المعتمـــــدة في التقدير 54

الخاتمـــــة
60
قائمة المراجــع
ملاحـــــق
الفهـــــرس