دراسة وبحث قانوني قيم عن التوقيف للنظر بين النظري والتطبيق

مقدمـــــــــــــة

إن لحقوق الإنسان قيمة إنسانية رفيعة , بمقتضاها يتمتع كل كائن بشري بحقوق طبيعية تنبع من إنسانيته و هي متأصلة فيه و وأصبح موضوع حقوق الإنسان يوجه خاصة محل اهتمام المجتمع الدولي بأسره وكذا مختلف المنظمات الدولية بل وأصبح بؤرة ترتكز عليها وسائل تحقيق العولمة في إطار مايسمى بالنظام الدولي الجديد.

وبالرجوع إلى مصادر حقوق الإنسان نجد أن كل الشرائع والكتب السماوية قد تطرقت إلى هذا الموضوع ,ومنها : القرآن الكريم في الآية ” 70 من سورة الإسراء ” التي تشير إلى إلحاق صفات التكريم والتفضيل بالإنسان حيث قال تعالى :
” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا ”
وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المواثيق الدولية الشهيرة مثل :

– العهد الأعظم magna carta وإعلان الحقوق bill of rights سنة 1776 بالولايات المتحدة الأمريكية وكذا إعلان الثورة الفرنسية سنة 1789 وباختصار فإنه وأيا كان المصدر التاريخي لهذه الحقوق ورغم ما طرأ عليها من تطور دولي , إقليمي أو وطني , فإنها تشترك فيما بينها جميعا في طابع واحد وهو ارتباطها بالذاتية الإنسانية مناط التكريم.

ففي ما يتعلق بالتطور الدولي والإقليمي لهذه الحقوق فقد صدر مطلع القرن العشرين :- ميثاق الأمم المتحدة والذي ينص على أن من أهم أغراض المنظمة هو تطوير وتشجيع حقوق الإنسان والحريات الأساسية ( المادة 1 فقرة 3) وفي إطار هذا الميثاق أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتلاه صدور العديد من الإتفاقيات التي تتعلق ب: حقوق الطفل , حقوق المرأة , الإتفاقية الخاصة بتحريم التعذيب .

كذلك على المستوى الإقليمي , أقرت الدول الأوروبية إتفاقية لحماية حقوق الإنسان في روما 14/11/1950 , تم إعلان البرلمان الأوروبي للحقوق الحريات الأساسية بتاريخ 12/04/1989 , أما في نطاق الدول الإفريقية فقد أقر مؤتمر القمة الإفريقية المنعقدة بنيروبي 1981 الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 21/10/1986 , وعلى مستوى الدول العربية فقد صدر مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعوب في الوطن العربي في سيراكوزا بصقلية سنة 1981 فكل هذه المحطات التاريخية اتفقت وبوضوح على حماية حقوق الإنسان وعلى أنها حقوق غير قابلة للمساس .

أما على الصعيد الداخلي فإن الجزائر تشهد تطورا ملموسا في مجال ترقية وحماية حقوق الإنسان ابتداءا من أول دساتير الجمهورية إلى آخرها , بالإضافة إلى الإنضمام إلى جل الإتفاقيات الدولية المتصلة بموضوع حقوق الإنسان والمصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية وبالتالي ترجمتها في نصوص داخلية لكي تصبح سارية المفعول.

ومن اهم القوانين التي تعنى بحماية حقوق الإنسان القانون الجزائي الإجرائي والذي يهدف إلى الموازنة بين تحقيق الفعالية في مكافحة الجريمة بما يمنحه من سلطات واسعة للأجهزة المكلفة بذلك , وبين حماية حقوق الإنسان وما ينبثق منها من حقوق وحريات وذلك من خلال الضمانات الإجرائية التي تقيد تلك الأجهزة .

وهدا الطرح يجد أهميته في كل مراحل الخصومة الجزائية لكن هذه الأهمية تزيد في مرحلة التحريات الاولية أو التحقيق الأولي التي هي منوطة بجهاز الضبطية القضائية . ذلك لأن الجريمة مهما كانت فهي تخل بالنظام العام في المجتمع لذلك كان من الضروري مواجهتها وذلك بعديد من الإجراءات تسمى بصلاحيات الشرطة القضائية والتي من شأنها المساس بحرية الأشخاص المشتبه فيهم أو حرمة مساكنهم , بل إن هذه الصلاحيات قد تتسع في بعض الظروف الخاصة مثل حالات التلبس , بعض الجرائم الخطيرة لذلك فقد تزيد رقعة المساس بحقوق الإنسان والحريات الخاصة للأفراد المكفولة دستورا. هذا ما جعل المشرع في التشريع الجزائي الإجرائي يتدخل لتقييد هذه السلطات بتقرير ضوابط قانونية يتوجب على ضابط الشرطة القضائية الخضوع لها أثناء ممارسة صلاحياته وهو مايعرف ” بالشرعية الإجرائية” .

وفي نفس الإطار ولحماية هذه الشرعية الإجرائية فقد منح القانون سلطة إدارة أعمال الضبطية لوكيل الجمهورية وللنائب العام سلطة الإشراف عليها ولغرفة الإتهام سلطة المراقبة.

كما قرر القانون كذلك بعض الإجراءات عند الإخلال بهذه الشرعية الإجرائية قد تكون جزائية تأديبية أو حتى مدنية , بالإضافة إلى جزاءات إجرائية والتي تتمثل في بطلان المحاضر أو الإجراءات والأعمال والتي تمت خارج إطار الضوابط القانونية المقررة .
وليس من المبالغة اعتبار أن إجراء التوقيف للنظر يعد من أهم الصلاحيات التي يتمتع بها ضابط الشرطة القضائية بل وأخطرها إذ أنه يحد من حرية المشتبه فيه – والذي بعتبر في نظر القانون بريئا تجسيدا لقرينة البراءة المكرسة دستورا – ذلك ان التحري عن الجرائم والبحث عن مرتكبيها يستلزم بالضرورة تمكين أعضاء الشرطة القضائية من الإبقاء على الشخص محل الشبهة تحت تصرفهم لمدة معينة للتحري معه.

ولذلك تدخل المشرع وقنن إجراءات التوقيف النظر بنصوص تكفل ضمانات المشتبه فيه الموضوع تحت هدا الإجراء وذلك مراعاة لمصلحتين متمايزتين :

الأولى : هي مصلحة المجتمع في مواجهة الجريمة وحماية نفسه من المجرمين .
الثانية : هي مصلحة الفرد في أن لا تمس حريته وكرامته .
وعلى غرار باقي الشرعيات الأخرى نظم المشرع الجزائري إجراء التوقيف للنظر وصاغه في أحكام قانونية تحدد بشكل واضح الحالات التي يخول فيها القانون لضباط الشرطة القضائية حجز شخص من الأشخاص وماهي المبررات المؤدية لذلك وماهي المدة الزمنية والشكليات التي يجب مراعاتها لتنفيذ هدا الإجراء .

= وما هو السبيل إلى تجسيد هذه المعادلة الصعبة خاصة في عصرنا الحاضر الذي يشهد طفرة نوعية في الجرائم وكذا الوسائل الحديثة المستعملة في ارتكابها أو إخفاءها ,وهو العصر الذي يشهد كذلك توسع الفكر التحرري وانتشار ثقافة الديمقراطية وتترعرع فيه الحريات الفردية وحقوق الإنسان حتى في أدق خصائصها ؟ .

لهدا بات من اللازم تحسيس ضابط الشرطة القضائية لمعرفة الحالات التي يجب فيها اللجوء لإجراء التوقيف للنظر وماهي المدة التي يستلزمها التوقيف للنظر وكذا الإجراءات الواجب سلوكها ؟.
كما يجب كذلك معرفة الإختلالات التي قد تثور بصدد تطبيق هذا الإجراء سواء كانت في التشريع أم في التطبيق أم في الوسائل البشرية أو المادية.

ووعيا بأهمية الموضوع دأبت وزارة العدل وكذا الأجهزة المساعدة للقضاء على العمل على ترشيد هذا الإجراء وتدعيم حقوق الموقوفين للنظر وتوفير الضمانات التي يفرضها القانون وذلك من خلال التعليمات الوزارية المشتركة بين القطاعات الوزارية التي لها علاقة بالموضوع وهي وزارة العدل , وزارة الدفاع , وزارة الداخلية ومن أهمها :

التعليمة رقم 92 المؤرخة في 02 جويلية 1963 .
التعليمة رقم 131 المؤرخة في 07 اكتوبر 1974 .
التعليمة رقم 86 المؤرخة في 29 ماي 1978.
اللائحة رقم 89/208 المؤرخة في 09 جوان 1989.
اللائحة رقم 90/566 المؤرخة في 29 نوفمبر 1990 .
وعلى الرغم من أن موضوعا بأهمية موضوع التوقيف للنظر يتطلب لدراسته أبحاثا مطولة ودراسته مستفيضة للإحاطة بكل جوانبه النظرية والتطبيقية إلا أن هذا اللقاء هو فرصة سانحة يتناول بعض جوانب الموضوع في محاولة التركيز على الإشكالات التطبيقية التي قد تعترض أداء ضابط الشرطة القضائية .
وفي هدا السياق سوف أتناول الموضوع تبعا للعناصر التالية :
أولا : مفهوم التوقيف للنظر وأساسه القانوني .
ثانيا : المبادئ التي تحكم إجراء التوقيف للنظر.
ثالثا : إجراءات وضوابط التوقيف للنظر.
رابعا : الإشكالات التطبيقية.

أولا : مفهوم التوقيف للنظر وأساسه القانوني :

1 –تعريف التوقيف للنظر : بداية تجدر الإشارة الى أن هناك تذبذبا في المصطلح ذاته حسب مختلف التشريعيات العربية فقد يطلق عليه اصطلاح : التوقيف للنظر – الوضع تحت المراقبة – الإيقاف رهن الإشارة – الحجز تحت النظر وهي كلها تدل على نفس المعنى أما بالفرنسية فيطلق عليه : La garde a vue
أما المادة 48 من دستور نوفمبر 1996 قد أطلقت عليه تسمية التوقيف للنظر وكذلك فعلت المادة 51 و 65 من قانون الإجراءات الجزائية قبل أن كان يطلق عليه فيما سبق تسمية الحجز للنظر ودون الخوض في التعريفات الفقهية و نظرا لعدم وجود نص في تقنين الإجراءات الجزائية يمكن إعتماد التعريف التالي :
” التوقيف للنظر إجراء يأمر به ضابط الشرطة القضائية لضرورة التحريات الأولية ، بموجبه يوضع المشتبه فيه تحت تصرف مصالح الشرطة القضائية في مكان معين و طبقا للشكليات و لمدة زمنية يحددها القانون حسب الحالات ”
Mesure qui permet aux services de la police judiciaire de maintenir a leur disposition, durant un certain temps , toute personne susceptible de fourvnir des renseignements sur une infraction qui fait l’ objet d’une enquète ; la personne alors privèe de sa libertè l’aller et de venir , est maintenue a la vue des representants de la force publique dans ses locaux.

2 – الأساس القانوني للتوقيف للنظر :
يستمد التوقيف للنظر أساسه من الدستور فقد نصت المادة 47 من دستور 1996 على
” لا يتابع أحد ، ولا يوقف ولايحجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي نص عليها ”
أما المادة 48 من نفس الدستور فقد تضمنت بعض تفاصيل التوقيف للنظر فقد اشارت الى أخضاع هذا الإجراء الى الرقابة القضائية ، كما بينت مدته وكذا الحقوق المقررة للموقوف للنظر وهذا خلاف للمعمول به في المواد الدستورية التي تعنى بالإشارة الى المبادئ العامة و تترك الجزئيات و التفاصيل للتشريع و النصوص التنظيمية ، وهذا مايدل على مدى الأهمية البالغة التي أولاها المشرع الدستوري لهذا الإجراء الماس بحرية الأفراد .
وتجسدا لما نص عليه الدستور بخصوص التوقيف للنظر فقد تناول المشرع في قانون الإجراءات الجزائية هذا الإجراء بإسهاب في المواد 50 ، 51 ، 51 مكرر 1 ، 51 مكرر ، 52 ، 53 و المادة 65 فيما يخص الجريمة المتلبس بها و المادة 141 فيما يخص الإنابات القضائية .
مع الإشارة الى المواد الخاصة بالتوقيف للنظر قد مسها التعديل خاصة سنة 2001 بموجب القانون رقم 01/08 المؤرخ في 26 جوان 2001 وكذا بموجب القانون رقم 06/22 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006

ثانيا : المبادئ التي تحكم التوقيف للنظر :

بالرجوع الى أغلب المواثيق و العهود الدولية و التي انضمت إليها الجزائر وكذا مختلف الدساتير الجزائرية و تقنين الإجراءات الجزائية نجد أن هناك جملة من المبادئ التي تحكم التوقف للنظر و أهمها :

1 – مبدأ قرينة البراءة : والذي نص عليه دستور 1996 بالمادة 45 منه التي نصت : ” كل شخص يعتبر بريئا حتي تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون ”
وقرينة البراءة هي مبدأ متفرع من قاعدة شرعية هي أوسع و أشمل يعرفها الفقه الإسلامي بقاعدة ” إستصحاب البراءة الأصلية ” ، والتي تعنى أن الأصل في الإنسان البراءة .
وعليه فالمشتبه فيه يعتبر بريئا في نظر القانون ، وعلى ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم أن يعاملوه على هذا الأساس .

2 – مبدأ الشرعية القانونية : و الذي يتمثل في شرعية التجريم ، العقاب و كذا الإجراءات . فإذا كانت شرعية التجريم و العقاب واضحة المعالم و قد تناولتها المادة الأولى من قانون العقوبات ، فإن الشرعية الإجرائية فمؤداها أن أي إجراء يقوم به أعضاء الشرطة القضائية يجب أن يكون طبقا للنموذج المرسوم له في قانون الإجراءات و يحكم هذه الشرعية الإجرائية كل من المادة 48 من الدستور و المواد 51 الى 53 و 65 و 141 من قانون الإجراءات الجزائية

3 – مبدأ الكرامة الإنسانية : الإنسان مكرم في كل الأديان السماوية و القوانين الوضعية ، ومنه فيحرم إخضاع أي شخص للتعذيب أو أي معاملة من شأنها الحط من كرامته .
ولذلك فالقانون قد خول لضابط الشرطة القضائية حق التوقيف للنظر أي شخص يشتبه في مساهمته في اقتراف جريمة ما إلا أن ذات القانون يحظر عليه في نفس الوقت ممارسة أي شكل من أشكال المعاملة اللاإنسانية ( المادة 05 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) والمادة 34 من الدستور ، المواد 107 ،110 ، 110 مكرر من تقنين العقوبات .

4 – مبدأ رقابة السلطة القضائية لتوقيف للنظر :
تضطلع السلطة القضائية بمهمة حماية الحريات و كذا مراقبة أعمال الشرطة القضائية في إطار الضبظ القضائي حرصا على إحترام القانون و سلامة الإجراءات ، و تتجسد هذه الرقابة من خلال جملة من الإجراءات مثل : ضرورة إبلاغ وكيل الجمهورية عن دواعي التوقيف للنظر ، زيارة وكيل الجمهورية لأماكن التوقيف للنظر ، التأشير على سجل التوقيف للنظر ، التأكد من ظروف الحجز .

ثالثا : إجراءات و ضوابط التوقيف للنظر

1 – الأشخاص المؤهلون لاتخاذ إجراء التوقيف للنظر :
نظرا لحساسية إجراء التوقيف للنظر فقد قصره المشرع على ضباط الشرطة القضائية الذين حددتهم المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية .
ولكي يستفاد من هذه الصفة يجب أن :
يكون معينا رسميا في وحدة تمارس مهام الشرطة القضائية .
إجتياز إمتحان يجرى بمعرفة لجنة وزارية مشتركة بالنسبة لغير الضباط سواء في الشرطة أو الدرك .
ولعل ذلك ينبع من المقولة التي أطلقها الفقيه Enrico ferri ” تقدر قيمة القوانين بقيمة الرجال المكلفين بتطبيقها
Les lois valent ce que valent les hommes chargès de les appliquer ” “

2- حالات التوقيف للنظر
أ – حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها: م51 ق إ ج
وفي هذه الحالة فمبررات توقيف المشتبه فيه للنظر هي وجود دلائل قوية ومتماسكة des indices graves et concordants
ب- حالة التحريات الأولية: م 65 ق إ ج
في غير حالات التلبس يمكن كذلك لضابط الشرطة القضائية أن يلجأ لإجراء التوقيف للنظر ضد أي شخص إذا دعت مقتضيات التحقيق لذلك ونلاحظ هنا أن المشرع لم يستعمل عبارات الدلائل أو القرائن .
جـ )- حالة تنفيذ الإنابات القضائية المادة 141 من قانون الإجراءات :
كذلك إذا اقتضت الضرورة عل ضابط الشرطة القضائية عند تنفيذ إنابة قضائية يجوز له أن يوقف للنظر أي شخص يفيد حضوره في تنفيذ المهمة المنوطة بضابط الشرطة القضائية .

3)- أجال التوقيف للنظر:
لقد حدد الدستور في المادة 48 وكذا مختلف مواد قانون الإجراءات الجزائية التي تناولت إجراء التوقيف للنظر مدة التوقف للنظر وحددتها بـ 48 ساعة كحد أقصى وبعد هذه المدة فيجب إما تقديم المعني أمام وكيل الجمهورية المختص أو قاضي التحقيق أو إطلاق سراحه إذا انتهت المدة ولم يصدر أمر يفيد بتمديد التوقيف للنظر .
مع ملاحظة أن الأشخاص الذين لا توجد ضدهم دلائل لا يمكن توقيفهم غير المدة اللازمة لأخذ أقوالهم .
و يعتبر تمديد التوقيف للنظر كإجراء إستثنائي ، لذلك إذا كانت المدة القانونية غير كافية بالنسبة لضابط الشرطة القضائية فإنه يمكنه تمديد مدة التوقيف للنظر للمشتبه فيه بناءا على إذن من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق .وتجدر الإشارة الى أن المشرع وفي أخر تعديل على قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون 06 / 22 المؤرخ في 20/12/2006 قد حدد في المادتين 51 و 65 وتحدد كالأتي .
– تمديد واحد (1) في جرائم القانون العام .
– تمديد واحد (1) في جرائم الاعتداء على أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات .
– تمديدين (2) إذا تعلق الأمر بجرائم الاعتداء على أمن الدولة .
-03 تمديدات إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية وجرائم تبيض الأموال و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف .
– 05 تمديدات إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية .

4)- القيود التي تنظم صلاحية التوقيف للنظر.:
1- إطلاع وكيل الجمهورية بموجب تقرير يتضمن دواعي التوقيف للنظر .
2- تحرير محضر يتضمن كافة المعلومات المتعلقة بالتوقيف النظر وهي المعلومات التي تدون في السجل المخصص للتوقفات للنظر .
3- التقيد بمسك سجل التوقيف للنظر بكل مكان مؤهل لاستقبال المشتبه فيهم الموقوفين للنظر ، وكذلك ضرورة التقيد بكافة الشكليات والإجراءات المتعلقة بمسك السجل أي ضرورة تدوين جميع البيانات التي ينص عليها القانون مثل : الهوية الكاملة – أسباب التوقيف – أوقات الراحة – أوقات الاستجواب – توقيع الموقوف للنظر و الضابط
4- إخطار الموقوف للنظر بالحقوق التي يخولها له القانون مع ضرورة الإشارة الى ذلك في محضر الاستجواب .
5- تمكين الموقوف للنظر من الاتصال بعائلته ومن زيارتها له ودائما يجب التحقق من الحفاظ على سرية التحريات .
6-إجراء فحص طبي للموقوف للنظر عند انتهاء الإجراء ، سواء بطلبه أو بطلب من محاميه أو عائلته سواء يختاره هو أو ضابط الشرطة القضائية و يكون بدائرة اختصاص المحكمة .
7- إرفاق المحضر بالشهادة الطبية .
8- تقديم السجل الخاص بالتوقيف عند تقديم المعني أمام وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق .
9- ضرورة تكييف المكان المخصص للتوقيف للنظر حسبما تنص عليه التعليمة الوزارية المشتركة ما بين وزير العدل – وزير الدفاع – وزير الداخلية ، التي تقضي بتخصيص 03 غرف واحدة للرجال و الثانية للنساء بينما تبقى الثالثة للأحداث مع ضرورة توفيره لفراش اللائق و التهوئة ………الخ .
وهذا دون أن ننسى ضرورة توفير الغداء للموقوف لنظر ومكان لائق يليق بكرامته لكائن بشري ، به فراش ، تهوئة ، الحراسة ، التفتيش عن الأشياء المحظورة .

رابعا : بعض الإشكالات المتعلقة بالتوقيف للنظر :

نظرا للإهتمام البالغ للسلطة السياسية في البلاد و إنشغالها بمسألة توفير الضمانات اللازمة للمشتبه فيهم خاصة منهم الموقوفين للنظر فإنها تسعى لأجل تكييف تشريعنا الداخلي مع جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و لأجل ذلك تم إدخال العديد من التعديلات على نصوص تقنين الإجراءات الجزائية كان أخرها كما أسلفنا في 20 ديسمبر 2006 بموجب القانون 06/22 إلا أن الملاحظ و على أرض الميدان أن هذه التعديلات لم تأت بكل الحلول للعديد من الإشكالات التي قد تعيق ضابط الشرطة القضائية عند لجوئه لهذا الإجراء .
و أهم هذه الإشكالات :

1- فيما يخص غرفة التوقيف :
– عدم وجود نص قانوني ينظم و يحدد المواصفات النموذجية لغرفة الأمن.
– تأثيث الغرفة ما يجب توفيره و ما لا يجب .
– دورة المياه هل تكون داخل الغرفة أم خارجها ( مشكلة العدد)
– ضيق الغرفة عند تواجد عدد هائل من الموقوفين للنظر .
– تواجد أغلب الغرف في الطابق السفلي مما يعرضه للرطوبة .

2- بالنسبة لمدة التوقيف للنظر :
– صحيح أن المدة قد لا تكون كافية خاصة بالنسبة للجرائم المنظمة العابرة للحدود أو القضايا الهامة و الخطيرة فيجب التقيد بما ينص عليه القانون .
– كذلك في المناطق الصحراوية خاصة فمثلا تقديم شخص من عين صالح أو بتنزاواطين أمام وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق بمحكمة تمنراست قد يستغرق المدة الكاملة للتوقيف للنظر كان من الأحسن مراعاة خصوصية هذه المنطق .

3- بداية سريان مدة التوقيف بالنظر :
– تختلف العملية من ضابط لأخر فقد تبدأ منذ توقيف المشتبه فيه بمسرح الجريمة أو منذ بداية تلقي تصريحاته أو من ساعة إدخاله الغرفة المخصصة حيث كان من المستحسن ضبط هذه المسألة قانونا لتفادي لأي تطبيق غير سليم .

4- إتصال الموقوف للنظر بعائلته و زيارتها له :
– فبأي وسلية يتم هذا الإجراء و ما هي درجة القرابة التي يجب التوقف عندها و كيف يمكن التأكد من أن المتصل به هو فعلا أحد أقرباء الموقوف للنظر أو مجرد شريك معه في الجريمة و كذلك ما هو عدد مرات الإتصال ؟.
و كذلك هل يجوز للموقوف للنظر الأجنبي أن يتصل بسفارته ، من يتحمل تكلفة الإتصال .
وهل يحضر ضابط الشرطة القضائية زيارة الموقوف للنظر من طرف أهله أو عائلته .

5- كثرة عدد الموقوفين للنظر :
يطرح مشكل كثرة عدد الموقوفين خاصة في التحقيقات الكبرى عندما لا تتسع الغرفة أو الغرفة لاستيعابهم كاملا ، فهل يمكن توزيعهم على فرق أخرى بالتنسيق مع الجهات المختصة ، وإذا ما تم اتباع هذا الإجراء ففي أي سجل توقيف يتم تسجيلهم فيه.

6- الفحص الطبي :
من يتحمل تكاليف الكشف و الدواء و الفحوص المخبرية .

7- الأشخاص محل الأوامر القضائية :
مثل تنفيذ صورة قرار نهائي أو حكم نهائي بالحبس أو تنفيذ إكراه بدني ، وتم إلقاء القبض عليه بعد ساعات الدوام أو في عطلة نهاية الأسبوع ، فهل يجوز توقيفه للنظر ، خاصة أن هذا الإجراء يفتقد للشرعية الإجرائية مع غياب أي نص ينظم ذلك .

8- التغذية :
في غياب أي نص ينظم العملية ، فإن العملية تعتمد على محاولات خاصة .

9- توقيف الأحداث :
لقد أفرد المشرع الجزائري في الكتاب الثالث الإجراءات الخاصة بالأحداث المجرمين إلا أنه وفيما يتعلق بباب التوقيف النظر فإنه سكت عن ذلك مما جعل العملية تختلف من جهة لأخرى .
إلا أننا نرى أن ذلك يجوز إذ كيف يعقل أن الحبس المؤقت و الذي هو إجراء أكثر خطورة من التوقيف للنظر يمكن أن يخضع إليه الحدث البالغ من العمر من 13 إلى 18 سنة ومنه يجوز توقيف الأحداث للنظر .

10 – تفتيش الموقوفات للنظر :
لا يوجد حل لهذه المشكلة .

11- زيارة الموقوف للنظر من طرف محاميه :
القانون لا يسمح للمحامي بزيارة الموقوف نظرا على عكس تقديمه أمام النيابة على عكس القانون الفردي المعدل بموجب القانون رقم 2000/516 المؤرخ في 15 جوان 2000 أجاز حضور المحامي ابتداءا من الساعة 20 من التوقيف للنظر .

**
إن إجراءات الخصومة الجزائية هي بناء متكامل يبدأ من مرحلة التحريات الأولية إلى غاية صدور الحكم بالبراءة أو الإدانة فأي خلل في هذا البناء قد يؤثر على سير العدالة وحماية المجتمع والمواطن في إطار سيادة القانون .
ولذلك كان الاهتمام بالشرعية الإجرائية بصفة عامة و بإجراء التوقيف للنظر بصفة خاصة سواء من طرف القضاة أو مساعديهم من الشرطة القضائية بمختلف أسلاكها منصبا على التطبيق السليم للقانون حماية وضمانا لحقوق الإنسان بصفة عامة ولحقوق المشتبه فيهم بصفة خاصة .
ويبقى التعاون و التبادل والتنسيق المستمر بين مختلف الأجهزة هو الضامن الوحيد لترشيد أعمال الضبطية القضائية ضمانا لبلوغ الأهداف النبيلة المتمثلة في حماية المجتمع من الإجرام وضمان أمنه واستقراره وإرساء دولة القانون التي تصان في كنفها حقوق وحريات الأفراد , وهي الأهداف التي تسعى مصالح الأمن وجهاز العدالة لتحقيقها .
أتمنى أن أكون قد وفقت من خلال هذا الوصف إلقاء بعض الضوء على موضوع التوقيف للنظر بجانبيه النظري والتطبيقي .