بحث قانوني ودراسة هامة عن الدفاع المشروع كسبب للتبرير

ومن أهم تطبيقات هذا الشرط قاعدة \” لا دفاع ضد الدفاع \” ولو جاوز المعتدى عليه حدود حقه ، ذلك أنه إذا كان المعتدى عليه في حدود حقه فالدفاع جائز ، ولكن إذا جاوز حدوده فالأصل جواز الدفاع ولكن اشتراط كون التعرض غير مثار يؤدي إلى انكار الدفاع في هذه الحالة .
ولكن لا يجوز المبالغة في تطبيق هذا الشرط فالمنطق القانوني ومصلحة المجتمع لا يقبلان أن من يهدد غيره بالضرب البسيط لا يباح له الدفاع ضد افعال المدافع التي تهدده بالموت .

ويرى بعض الفقه أن انكار حق المعتدي ابتداء في الدفاع الشرعي مشروط ببقاء المعتدى عليه في النطاق الذي يسمح له بالاستفادة من عذر الاستفزاز المنصوص عليه في المادة /242/ ق.ع.س ، حيث تفترض هذه المواد وجود التناسب بين مقدار ثورة الغضب والفعل الذي يرتكبه ، فإذا تجاوز ذلك فلا يكون فعله صادرا عن الثورة وإنما هو وليد الرغبة في الانتقام ، فلا يستفيد من العذر المخفف ، ولا يحرم الغير من حقه في الدفاع الشرعي .

وهناك جانب من الفقه يرى أنه لا محل لمثل هذا الشرط ، لأن الاثارةمهما بلغ شأنها لا يجوز أن تجرد الفرد من حقه في الدفاع الشرعي ، وبما أن قانون العقوبات خص الاثارة \” الاستفزاز \” بحكم خاص ، وجعلها عذرا قانونيا مخففا ، فإذا كانت الاثارة تخفف العقوبة للشخص المثار ، فهي لا يمكنها أن تحرم من يحدث الاثارة من حقه في الدفاع الشرعي .
وفي جميع الأحوال فإن القاضي هو الذي يقدر درجة الاثارة وأهميتها في الظروف الشخصية والموضوعية التي تحدث فيها ، ويرى فيما إذا كانت كافية لحرمان المعتدي المثير من الدفاع الشرعي .
9
ومن الأمثلة العملية على هذا الشرط ما قضت به محكمة التمييز اللبنانية من أنه لا مجال لتذرع المتهمين بالدفاع الشرعي عن النفس ، لأن اسراع أحدهما الى التنفيذ باستباق الآخر في اطلاق الرصاص لا يجعل أحد منهما في حالة الدفاع الشرعي إذ أنه في حالة العزم على تبادل الاعتداء يعتبر الاثنان معا معتديين ولا عبرة لمن كان منهما البادىء باطلاق النار .
وأيضا من يفاجىء زوجته أو أحد محارمه في جرم الزنا المشهود فحاول أو قتل أحدهما ، فإن المشرع منحه عذرا محلا ، وعلى الرغم من ذلك فإن فعله يظل غير مشروع أي غير محق لأن الأعذار المحلة ل تنفي الصفة الجرمية عن الفعل ، وللوهلة الأولى نقول بالاعتراف للزوجة وشريكها بالدفاع الشرعي في مواجهة الزوج ، ولكن يمتنع ذلك لأن هما هما الذين أوجدا نفسيهما في مثل هذا الوضع الذي يهددهم بالخطر ، فهما الذين أثارا تعرض الزوج لهما ، على أن القول باطلاق هذا الرأي يبدو مجافيا للمنطق القانوني .

ونشير أخيرا إلى أن المشرع المصري لم يشترط أن يكون التعرض غير مثار، لذا يكون الاعتداء غير مشروع ولو كان بسبب استفزاز المدافع ، أي حتى ولو كان المدافع من تسبب بالظروف التي دفعت المعتدي إلى الاعتداء عليه ، فإنه لا يفقد حقه في الدفاع الشرعي ، وتطبيقا لذلك يجوز لشريك الزوجة الزانية أن يستعمل حق الدفاع الشرعي ضد الزوج المثار .

ولا سبيل لتجاوز هذه النتيجة الشاذة إلا بتدخل المشرع المصري لإضافة هذا الشرط كما فعل كل من المشرعين السوري واللبناني .

الشرط الرابع : أن يكون موضوع التعرض إحدى جرائم النفس أو المال

لقد سبق أن بينا أن المشرعين السوري واللبناني جعلا الدفاع الشرعي سبب تبرير عام لكل أنواع الجرائم ، وهذا أفضل مما سار عليه المشرع المصري الذي قصر الفاع الشرعي ضد جرائم النفس عامة وبعض جرائم المال المنصوص عليها في المادة /246/ من قانون العقوبات .
وتقوم التفرقة بين جرائم النفس وجرائم المال على أساس أن الأولى تنال حقا مرتبطا بشخص المجني عليه وخارجا عن دائرة التعامل ، أما الثانية فتنال حقوقا ذات قيمة اقتصادية وداخلة في دائرة التعامل .

أولا ً : جرائم النفس
إن كل جرائم النفس دون استثناء تبرر الدفاع الشرعي أيا كانت طبيعتها أو جسامتها وسواء أسفر الاعتداء عن اصابات بالمعتدى عليه أم لا .
ولكن يجب التفرقة بين وجود حق الدفاع الشرعي في ذاته وبين مقدار اتساع نطاقه ، فإذا أقر الشارع للشخص الذي يهدده ايذاء بسيط بالدفاع الشرعي لرد هذا الاعتداء فليس معنى ذلك أن يبيح له قتل المعتدي أو ايذائه بشكل جسيم ، بل يقيده بتناسب دفاعه مع جسامة الخطر الذي يهدده .

والجرائم التي تقع على النفس كثيرة ومنها :

1- جرائم الاعتداء على حياة الانسان وسلامة جسمه : كالقتل والايذاء .
10
2- جرائم الاعتداء على العرض : كالاغتصاب والفحشاء والاغواء ، ولاشك أن هذه الجرائم تبيح الدفاع الشرعي ، ولكن محكمة النقض السورية أنكرت ذلك الحق على من قتل شخصا كان يلا حق زوجة القاتل بقصد ارتكاب الزنا معها ، معللة ذلك بأن الزنا ليس اعتداء على النفس .
ويرى بعض الفقهاء أن تعبير النفس يشمل كافة الحقوق العائلية ، وكذلك الحق في سلامة العرض ، وكان الأصوب أن تنكر حق الدفاع لعدم التناسب بين الزنا والقتل ، كما يرى آخرون أن موقف المحكمة يجانبه الصواب لأن فعل الزنا يعد اعتداء خطيرا على النفس .
3- جرائم الاعتداء على الحرية : كحجز الحرية والخطف والتهديد وخرق حرمة المنازل .
4- الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار : كالقدح والذم والاحتقار ، ولكن الاتجاه الراجح يضع الدفاع الشرعي ضد هذه الجرائم في نطاق ضيق جدا ، كتمزيق المكتوب الذي يحوي ألفاظ الذم أو القدح ، أو وضع اليد على فم المعتدي لمنعه من الاسترسال في عبارات كهذه .

ثانيا ً : جرائم المال

إن جميع جرائم المال تبرر الدفاع الشرعي ، وبالتالي يباح الدفاع الشرعي ضد جرائم السرقة والاحتيال واساءة الائتمان واتلاف الممتلكات وغيرها .
ونشير إلى أن المشرع المصري أباح الدفاع ضد بعض جرائم المال على وجه الحصر ، فلا يجوز القياس عليها ولا مدها لباقي جرائم المال .
وأخيرا ، فإن الدفاع ضد جرائم المال يثير دوما التناسب بين الاعتداء والدفاع ، فلا يبرر القتل مثلا في مال تافه ، كما أن المحاكم تتشدد عادة في تحقق شروط الدفاع عندما يلجأ المدافع عن المال إلى القتل أو الايذاء ، فالدفاع عن المال يجب أن يكون بأقل الوسائل ضررا .

الشرط الخامس : أن يكون التعرض حالا

قضت التشريعات بهذا الشرط بقولها \” كل فعل قضت به ضرورة حالية . . . \” ، وعلة هذا الشرط أن الوظيفة الاجتماعية للدفاع هي وقاية الحق من خطر لايسع السلطات العامة أن تدرأه ، والوقاية تفترض أن الخطر لم يتحول إلى اعتداء كامل ، لأنه لو تحقق الاعتداء فليس للوقاية محل ، وكون السلطات العامة لا تستطيع درء الخطر يفترض أن يكون الاعتداء وشيكا ، ويعود تقدير ذلك إلى الظروف التي كان المدافع فيها ، وتبعا لذلك فقد يتخذ الخطر الحال أحد صورتين :

الصورة الأولى : الخطر أو الاعتداء الوشيك
ويفترض في هذه الصورة أن الاعتداء لم يبدأ بعد ، ولكن الأفعال التي صدرت من المعتدي تجعل من المنتظر وفق السير العادي للأمور أن يبدأ الاعتداء حالا، ومثال ذلك من يهدد آخر بالقتل ثم يخرج مسدسه ويبدأ بتعبئته بالطلقات ، فإن فعله هذا يجيز للمهدد الدفاع ولو لم يبدأ الاعتداء بعد ، فالمشرع لم يلزم المدافع بانتظار بدء الاعتداء .
11
وهكذا قضت محكمة النقض السورية بأنه لا يشترط في الدفاع المشروع أن يقع بعد استعمال السارق للعنف ، بل يكفي أن يعتقد صاحب المال أن السرقة بالعنف هي غرض السارق مادام اعتقاده مؤيدا بوجود سلاح لدى السارق .
وعلى ذلك ينتفي الخطر الحال إذا كان الفعل الذي يهدد به مستقبلا ، كأن يهدد شخص آخر بأنه سيقتله في الأسبوع القادم ، لأن الخطر المستقبل غير محقق ، ثم إن في وسع المدافع أن يلجأ إلى حماية السلطات العامة .

الصورة الثانية : الاعتداء الذي لم ينته بعد
وتفترض هذه الصورة أن اعتداء ما قد بدأ ، ولكنه لم ينته بعد فما زال الخطر قائما ، ومثال ذلك فمن يطعن شخصا بسكين ثم يحاول اعادة الطعنات يتوافر في فعله صفة الخطر الحالبالنسبة للطعنات اللاحقة ، وكذلك من يخفي أشياء مسروقة ، فيجوز لصاحب المال أن ينتزعها بالقوة طالما كانت حالة الاستمرار قائمة .
أما إذا انتهى الاعتداء وتحقق كل الخطر الذي يهدد الحق ، فإن صفة الحلول تنتفي ولا يكون للدفاع الشرعي محل ، وكل عنف يصدر من المجني عليه أو من غيره يكون انتقاما محظورا .

وتطبيقا لذلك فإذا اعتدى شخص على أخر بالضرب ثم فر وتبعه المجني عليه حتى لحق به وضربه فلا يسعه أن يحتج بالدفاع الشرعي ،وهذا ما قضت به محكمة التمييز اللبنانية .

وبذلك قضت محكمة النقض السورية بأنه لو وقع قتل السارق من قبل صاحب المال بعد اتمام السرقة يكون صاحب المال عندها مرتكبا لجريمة القتل القصد .
الضابط في انتهاء الاعتداء

ينتهي الاعتداء في إحدى الصورتين التاليتين :
أولا ً : اتمام المجرم الأفعال التي يريدها وتحقق النتيجة الجرمية ،بحيث لا يكون في وسع المعتدى عليه أن يحول دون تحققها أو زيادة جسامتها ، ففي هذه الصورة يكون انتهاء الاعتداء رهنا بتحقق الركن المادي للجريمة كاملا .
ثانيا ً : عندما يقف نشاط المجرم بإرادته أو جبرا ، فلا يكون محتملا اقدامه على أفعال تالية تهدد بخطر جديد ، وفي هذه الصورة يكون انتهاء الاعتداء رهنا بوقوف النشاط الجرمي ولو لمتتحقق نتيجته ولا فرق في أنيكون هذا التوقف اختياريا أو اجباريا ، وإذا كانت الجريمة مستمرة فلا ينقضي الاعتداء إلا إذا انقضت حالة الاستمرار ، أما إذا كانت الجريمة متعاقبة فلا ينتهي الاعتداء إلا إذا انتهت آخر الأفعال المتتابعة .
ويثور التساؤل أخيرا حول حكم وضع وسائل الدفاع الميكانيكية ، كمن يضع فخا لحماية بيته أو أسلاكا كهربائية ، فتصيب لصا لدى محاولة الدخول إلى المنزل ، فيبدو أن الخطر هنا مستقبل ، ولكن العبرة بوصف الخطر تكون للوقت الذي تم فيه الاعتداء ، وفي مثالنا لدى حدوث الاصابة كان الخطر
12
حالا ، ويبقى تحقق الشروط الأخرى حتى تقوم حالة الدفاع الشرعي لتبرير هذه الاصابات .
ويذهب بعض الفقه إلى أن هذه السألة أقرب إلى استعمال الحق منها إلى الدفاع المشروع ، لأن الدفاع بطبيعته يقتضي سبق العدوان ، وهنا كان فعل صاحب الحق أسبق وهو ما لايجوز .
والواقع أن هذا الاعتداء المحتمل أو المستقبل لا يبيح الدفاع الشرعي إلا أنه لا يحظر اتخاذ الحتياطات اللازمة لمواجهته ، فالشخص الذي يهدد بالقتل في المستقبل له الحق في اتخاذ الوسائل المناسبة لصد خطر هذا التهديد ، فيحمل معه سلاحا ليستخدمه عند حلول الخطر، ولا يمكن أن تنسب إليه جريمة القتل مع سبق الاصرار ، إنما هو فقط أصر على استعمال حقه في الدفاع المشروع .

المطلب الثاني : شروط فعل الدفاع

ماهية الدفاع

إذا توافرت في فعل المعتدي الشروط المطلوبة في القانون وهي وجود تعرض حال غير محق ولا مثار ويهدد النفس أو المال ، فينشأ للمهدد بالخطر أو لغيره الحق بالدفاع .
والدفاع هو اتيان فعل أو امتناع عن فعل من المعتدى عليه بالذات أو من الغير ليدرأ عن الحق الاعتداء أو الخطر الذي يواجهه ، كلما توافرت شروط الاعتداء السابقة .
والأصل في الدفاع أن يكون بفعل ايجابي ، ولكن قد يكون بالامتناع كأن يعتدي شخص على آخر فيهاجمه كلب المعتدى عليه دون أن يمنعه ، أو كالميكانيكي الذي تظاهر باصلاح سيارة بعدما علم أن سائقها متوجه لقتل شخص آخر .
والدفاع حق منحه الشارع للمعتدى عليه وللغير دون أن يشترط وجود صلة بينهما ، لأن الدفاع حق اجتماعي للكافة ، وعليه فلا يشترط أن يدافع الغير بناء على طلب من المعتدى عليه أو بعلمه بل يصح الدفاع ولو رفضه المعتدى عليه أو جهله .
ولا يشترط توافر نية الدفاع ، لأن اسباب التبرير ذات طبيعة موضوعية تنتج آثارها بمجرد توافر شروطها ، دون الاعتداد بالحالة النفسية لمن يستفيد منها ، اي ان الجهل بتوافر الاعتداء لا يؤثر على تبرير الدفاع .
والاصل ان يكون فعل الدفاع مقصودا اي ان يرتكبه المدافع بقص التخلص من الخطر ولكن يمكن تصوره بطريقة غير مقصودة ، كالجروح التي يسببها كلب المعتدى عليه اذا اهمل في منع اذاه .

ويتوسع القانون في تحديد افعال الدفاع بحيث لا يتطلب فيها صورة معينة ، فقد يكون بقتل المعتدي او ايذائه او تحطيم سلاحه او كسر باب منزله .

الشرط الأول : أن يكون فعل الدفاع لازما

من الواضح انه اذا كان المدافع يستطيع التخلص من الخطر عن طريق فعل لا يعد جريمة فلا يباح له الاقدام على فعل تقوم به جريمة ، لأن اتيانه للدفاع ليس لازما لدرء الخطر ، ويمكنه حماية حقه دون
13
المساس بحق سواه ، لأن الدفاع فعل تقتضيه الضرورة ، ويشترط للقول بلزوم فعل الدفاع ان يتحقق امرين هما :

أولا ً : أن يكون فعل الدفاع الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء
ويثير الحديث عن هذا الشرط نقطتين :
1- استطاعة اللجوء الى السلطات العامة : فإن هذه الاستطاعة تحول دون الاحتجاج بحالة الدفاع ، لأن حق الدفاع ذو صفة احتياطية ولا محل له الا عند عجز السلطات عن حماية الحق .
2- استطاعة الهرب : تقول القاعدة ان الدفاع حق والهرب مشين لأنه يدل على جبن ، ولا يلزم صاحب الحق بالنزول عنه والالتجاء الى مسلك مشين لأنه غالبا ما يعرضه للسخرية والاستهزاء وهذا ما لا يرتضيه القانون ، وهكذا قالت محكمة الاستئناف اللبنانية \” من المتفق عليه كون الدفاع عن النفس حق وكون المرء لا يلزم بالهرب المخجل للتخلص من الخطر على فرض تمكنه من ذلك \” .
وهذا هو الرأي السائد في الفقه والقضاء المصريين ، حيث قررت محكمة النقض المصرية \” ان القانون لا يمكن ان يطالب الانسان بالهرب عند تخوف الاعتداء عليه لما في ذلك من الجبن الذي لا تقره الكرامة الانسانية \” .
ويرد على القاعدة السابقة بعدم لزوم الهرب استثناء يتمثل في الحالة التي لا يكون فيها الهرب مشينا بحيث تنتفي معها دلالات الجبن ، كما لو كان الاعتداء صادرا عن مجنون او اب او ولد صغير ، ويتوجب هنا على المدافع ان يلجا الى الهرب ويحظر عليهاستعمال العنف بدلا عنه .
وياخذ حكم الهرب احتماء المدافع داخل منزله او استغاثته بمن حوله او تغيير طريقه اذا راى عدوه .

ثانيا ً : أن يتجه فعل الدفاع الى مصدر الخطر
لا يجوز للمعتدى عليه ان يترك مصدر الخطر الذي يهدده ويوجه فعل الدفاع الى شخص او شيء اخر لم يصدر عنه الخطر ، ولا محل هنا للدفاع لأنه غير ذي جدوى في التخلص من الخطر ، وبالتالي يعد هذا الفعل غير لازم ، فمن يهاجمه شخص لا يجوز له ان يوجه دفاعه الى غيره ، ومن يهاجمه كلب لا يجوز له ان يطلق النار على مالكه .

الشرط الثاني : أن يتناسب فعل الدفاع مع جسامة الخطر

اذا كان القانون قد برر فعل الدفاع فهو يبرره بالقدر الضروري لدرء الخطر وما زاد على ذلك فلا وجه لتبريره ، ويعني ذلك انه اذا كان في وسع المدافع ان يدرأ الخطر بفعل معين فلا يباح له ان يدرأه بفعل اشد جسامة ، فكون الدفاع حق لا يعني ممارسته بالمطلق وينظر الى هذا التناسب من وجهين :
1- ان التناسب ليس عملية حسابية بين الاعتداء والدفاع ، ولا يلغي ذلك انزال ضرر اشد بالمعتدي وأكثر مما كان ينوي احداثه ، فمن تتعرض لمحاولة الاغتصاب يجوز لها قتل مهاجمها ، كما انه ليس على المدافع ان يستخدم ذات الوسيلة المستعملة من المعتدي ، ويتوفر التناسب اذا كانت الوسيلة التي
14
استعملها المدافع هي الوحيدة المتاحة لديه في الظروف التي وجد فيها ، بغض النظر عن الضرر الذي لحق بالمعتدي ، أما اذا اتيح للمدافع عدة وسائل كان عليه ان يستعمل اقلها ضررا فمن كان قادرا على رد الاعتداء بقبضة يده لا يباح له استعمال السلاح .

2- ان مقياس التناسب شخصي ومتروك لتقدير القاضي ، فهو متعلق بذات المدافع من حيث قوته وبنيته بالمقارنة مع المعتدي ، ومن حيث طبيعته وهدوء أعصابه ، كما انه متعلق بالظروف المحيطة به كما لو كان المكان مقفرا أو كان الوقت ليلا او نهارا .

ويذهب الرأي الغالب الى ان معيار التناسب لا يمكن تحديده بدقة ، الا ان البعض يرون ان المعيار موضوعي في اصله وقوامه الشخص المعتاد حيث يتوجب على القاضي ان يضع نفسه موضع المدافع مع احاطة نفسه بالظروف التي وجد فيها ، اي ان المعيار ليس موضوعيا خالصا ، علما ان الاتجاهين يصبان في ذات النتيجة .
واخيرا نقول انه اذا كان المدافع يقدر حقيقة جسامة الخطر ولكنه التجأ الى فعل اشد خطورة فان التناسب يعد منتفيا .

المبحث الرابع : إثبات الدفاع المشروع

اختلف الفقه في فرنسا حول عبء اثبات الدفاع الشرعي ، حيث ذهب رأي الى القاء هذا العبء على على سلطة الاتهام لأن المدافع يستفيد من قرينة البراءة ، ويجب على سلطة الاتهام اثبات عدم توافر سبب التبرير ، في ذهب آخرون الى الى القاء هذا العبء على القاضي الذي عليه من تلقاء نفسه تحري توافر الدفاع الشرعي ، الا ان الراي الراجح في فرنسا يحمل المتهم عبء الاثبات .

اما قضاء التمييز اللبناني والمصري فقد استقرا على ان تقدير قيام حالة الدفاع بشروطه هي من الامور التي تتعلق بموضوع الدعوى وتستقل محكمة الاساس بالفصل فيها بغير معقب .

ولما كان اثبات قيام الدفاع من الامور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع ، فالدفع به هو دفع موضوعي لا يجوز اثارته للمرة الاولى امام محكمة النقض ، وبالتالي على المدافع اثارته امام سلطة التحقيق او محكمة الاساس ، ولا يشترط ان يكون التمسك بالدفاع الشرعي بصريح اللفظ بل ان اي عبارة دالة عليه كافية ، وهو من الدفوع الجوهرية التي على محكمة الاساس ان تناقشها في حكمها دون اشتراط ان يعترف المتهم بالفعل ليستفيد من سبب التبرير ، لأنه يستفيد أيضا ولو انكر الفعل اصلا ولا يبقى لمحكمة النقض من دور الا من خلال دورها في تكييف الوقائع كما هي ثابتة في الحكم .

المبحث الخامس : حالات خاصة للدفاع المشروع تبيح القتل والايذاء

نص المشرع السوري واللبناني على خلاف نظيرهما المصري على بعض الحالات التي تعد من قبيل الدفاع الشرعي عن النفس ويباح عند توافرها القتل والايذاء ويكون مبررا .
1- من يدافع عن نفسه او ماله او نفس الغير او ماله تجاه من يقوم باستعمال العنف للسرقة او النهب .
15
2- الفعل المقترف على شخص دخل او حاول الدخول ليلا الى منزل آهل او الى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات او ثقبها او كسرها او باستعمال مفاتيح مقلدة او ادوات خاصة .
ولقد ثار الخلاف في الفقه الفرنسي وهو المصدر الأساسي لهاتين الحالتين ، فيما اذا كان غرض الشارع منهما ذكر امثلة لحالات الدفاع الشرعي ، وقد انتقد هذا الراي لأن المشرع لا يورد الأمثلة لأن هذه مهمة الفقهاء .

وقال البعض ان هدف المشرع هو مد الدفاع الى الاعتداء على المال كي لا يقتصر على النفس ، وهجر هذا الراي لأن الدفاع الشرعي مقرر اصلا لحماية النفس والمال ولا مبرر لأن يؤكد الشارع على ذلك في نص خاص بعدما سبق ان قرره في نص عام سابق .

وقد استقر الفقه الحديث في فرنسا على ان الشارع اراد بهذا النص وضع قرينة لمصلحة المدافع ، أي يكفي ان يثبت انه كان في احد هاتين الحالتين حتى يفترض انه قد توافرت لديه كل شروط الدفاع الشرعي .
وقد رجح هذا الراي المشرعان السوري واللبناني ، فجاء النص فيهما ليفترض تناسب الدفاع مع الخطر ، وترجع العلة في الحالة الاولى الى الخطورة التي تنطوي على افعال المعتدي ، الذي يشترط ان يهدف الى السرقة وان يستخدم العنف في سبيل ذلك .
اما في الحالة الثانية فترجع العلة الى اثارة المعتدي للرعب في النفوس وتهديدها بوقوع ضرر جسيم غير محدد ، ويكون المدافع على حق عندما يفترض ان من يدخل منزله بهذه الظروف انما يريد شرا ، ولا بد لتوافر هذه الحالة من ثلاث شروط :

1- دخول المسكن : حيث يكتفى بالدخول او مجرد محاولته دون رضاء صاحب المنزل ، ويكفي ان يكون المنزل مأهولا ، وان لم يكن فيه اهله وقت الاعتداء ، بينما لا يكفي ان يكون معدا للسكن ان لم يسكنه احد فعلا ، كما يلحق بالمسكن الأماكن الملصقة به والمخصصه لمنافعه كالحديقة والكراج .

2- وقت الدخول : حيث يشترط ان يكون دخول المعتدي ليلا حتى يستفيد المدافع من سبب التبرير ، اما اذا وقع الفعل نهارا فلا يستفيد الفاعل الا من العذر المخفف .

3- كيفية الدخول : حيث يشترط ان يكون الدخول بطريقة غير مالوفة ، ومثل لها المشرع بالحالات التي ذكرناها سابقا ، أي انه يمكن القياس عليها طالما ان ذلك لا يؤدي الى التوسع في نطاق التجريم بل على العكس فهو يؤدي الى التوسع في نطاق التبرير .

ويثور التساؤل أخيرا عن إمكان اثبات عكس هذه القرينة ، حيث استقرت الآراء بعد اختلاف الفقه وتردد القضاء على القول بجواز اثبات عكسها ، فهي ليست قرينة قاطعة ، وهذا مستفاد من النص القانوني \” ولا يعتبر المجرم في حالة الدفاع المشروع اذا لم يكن على اعتقاد بان غرض المعتدي هو الاعتداء على الاشخاص او الاموال . . . \” ، اي اذا علم المدافع غرض المعتدي حقيقة ً وكان غير مشروع فعلا ، فيعود الأمر الى القواعد العامة ، ولا يستفيد من قرينة توافر الدفاع دون اثبات شروطه أما اذ كان هدفه مشروعا ، فان حالة الدفاع المشروع لا تتوافر اصلا .

16
المبحث السادس : تجاوز حدود الدفاع المشروع

المطلب الأول : مفهوم التجاوز

التجاوز في اللغة هو الافراط ، ويقصد بتجاوز حدود الدفاع المشروع انتفاء التناسب بين فعل الدفاع والخطر الذي هدد المعتدى عليه ، ولا نكون امام هذه الحالة الا بانتفاء شرط التناسب بالتحديد ، لأننا لو كنا امام انتفاء اي من الشروط الأخرى فليس للدفاع من وجود اصلا .

المطلب الثاني : عناصر التجاوز

1- العنصر المادي : وهو الاضرار بالمعتدي بقدر يجاوز الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه بفعل الاعتداء ، فهذا التجاوز غير مشروع من الناحية الموضوعية .

2- العنصر النفسي : وهو حسن النية ، اي الا يكون المدافع قد تعمد احداث ضرر اشد مما يستلزمه الدفاع ، وهذا يقتضي ان يعتقد المدافع انه لا يزال في حدود الدفاع المشروع ، وان فعله لا يزال متناسبا مع القدر اللازم من القوة لرد الاعتداء ، والا سئل عن جريمة مقصودة دون الاستفادة من عذر التجاوز في حالتيه المحل او المخفف .

المطلب الثالث : معيار التجاوز

ذهب الفقه في تحديد معيار ضابط للتجاوز في الدفاع المشروع الى ثلاثة أراء :

1- المعيار الموضوعي : قوامه الشخص المعتاد أي الذي يقدر الأمور ويتصرف في مواجهتها على النحو المألوف المتفق مع الخبرة الانسانية العامة .

2- المعيار الشخصي : قوامه المدافع شخصيا وظروفه التي احاطت به ، اي ان جسامة الاعتداء لا تقدر بناء على ما ينجم عنه من ضرر ، ولا على الخطر الحقيقي الذي يواجه المعتدى عليه ، وانما على التقدير الذاتي للمدافع ، وتقدير ذلك يعود الى قضاة الموضوع الذين يقدرونه بحسب ظروف كل جريمة وبحسب كل معتدى عليه ، واثر الاعتداء على نفس المدافع .
وهذا ما ذهبت اليه محكمة النقض المصرية بقولها \” يكفي في الدفاع الشرعي ان يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء الذي استوجب دفاعه مبنيا على اسباب جائزة ومقبولة من شانها ان تبرر ما وقع منه من الافعال التي راى هو وقت العدوان انها هي اللازمة لرده \” .

3- المعيار المزدوج : يرى ان معيار التجاوز في اصله موضوعي يقوم على تصرف الشخص المعتاد ، ولكن على ضوء الظروف الشخصية للمدافع من حيث سنه وجنسه وقوته البدنية والنفسية ، وكذلك الظروف الموضوعية للعدوان من حيث زمانه ومكانه .

17

المطلب الرابع : أثر التجاوز

الاصل وفقا للقواعد العامة انه اذا انتفى شرط التناسب فقد انتفى شرط من شروط الدفاع المشروع ،
وبالتالي يعتبر فعل المتهم غير مشروع ويفقد الحق بالتمسك بالدفاع المشروع ، ولكن يبدو ان المشرع في سوريا ولبنان نظر الى مسالة التجاوز نظرة خاصة مع مسايرة القواعد العامة على الشكل التالي :

أولا ً : حالة التجاوز المقصود
اي عندما يقدر المدافع جسامة الخطر المحدق به والوسيلة المناسبة لدرئه ، ولكنه يتجاوز قاصدا الانتقام فالقواعد العامة تقرر مسؤولية المتجاوز عن جريمة قصدية ، لانتفاء احد شروط التبرير وعودة الفعل الى اصله من عدم المشروعية ، ثم ان المتجاوز يدرك ماهية فعله وخطورته ويعلم انه يتجاوز ما يقتضيه الدفاع ويقصد ذلك ، ويبقى للمحكمة ان تخفف العقوبة بحسب سلطتها التقديرية اذا وجدت في ظروف المتهم ما يستوجب مثل هذا التخفيف .

ثانيا ً : حالة التجاوز بالخطأ
اي ان يفرط المدافع في استعمال حقه ، وكالن بوسعه او من واجبه ان يقدر التناسب بين جسامة الخطر وجسامة دفاعه على نحو صحيح ، ولم ينص المشرع على هذه الحالة مما يعني العودة في حكمها الى القواعد العامة التي تقضي بمساءلة المتجاوز عن فعله مسؤولية غير قصدية شريطة توافر عناصر الخطأ عنده .

ثالثا ً : حالة التجاوز المتجرد عن القصد والخطأ
لا شك في انتفاء المسؤولية عن المدافع ، اذ لا يتصور قيام الجريمة دون ركن معنوي ، وبالرغم من وضوح هذه الحالة وامكانية استخلاصها من القواعد العامة لتعلق الوعي والارادة بشرط المسؤولية الجزائية ، الا ان المشرع نص عليها صراحة في المادة /183/ ق.ع.س بقوله \” اذا وقع تجاوز في الدفاع اعفي الفاعل في ضوء الشروط المذكورة في المادة / 227/ \” .
وبذلك نجد ان المشرع قيد الاعفاء بانعدام قوة الوعي والارادة الناتج عن ثورة الانفعال الشديد ، كما انه حرم المدافع من حق الدفاع المشروع ، لأنه قال \” لا يعاقب \” اي انه اعفاه من العقوبة وكأنه في حالة انعدام مسؤولية ، وبالتالي فإن فعله يظل محتفظا بصفته الجرمية .

رابعا ً : حالة الاستفزاز
وهي حالة تجاوز المدافع حدود الدفاع نتيجة ثورة غضب شديد انقصت قوة وعيه وارادته ، وبذلك يستفيد المدافع من عذر قانوني مخفف ، وهذا ما نصت عليه المادة /242/ ق.ع.س ، وغني عن ابيان ان الاستفادة من العذر تفترض ان التجاوز كان في نطاق معقول وانه كان متناسبا مع ثورة الغضب التي ينبغي بدورها ان تكون متناسبة مع جسامة الخطر .

18

المبحث السابع : أثر الدفاع المشروع

اذا توافرت شروط الدفاع المشروع اصبح فعل الدفاع مبررا ومشروعا ، ولا تترتب على المدافع اي مسؤولية جزائية او مدنية ، وعلى المحكمة ان تقضي ببراءة المتهم ، واذا اغفلت محكمة الاساس الرد على دفع المدعى عليه بانه كان في حالة الدفاع المشروع ، كان هذا الاغفال مخالفة جوهرية لأصول المحاكمات يعرض حكمها للابطال .
ولقد بينا سابقا ان الفصل في توافر الدفاع المشروع هو من شأن محكمة الاساس دون رقابة عليها من محكمة النقض ، الا ان تطبيق شروط الدفاع مسالة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .

واذا كانت الدعوى في مرحلة التحقيق يجب على سلطة التحقيق ان تصدر قرارا بالامتناع عن المحاكمة وان لم يبدأ التحقيق بعد ، وبذلك تصدر النيابة العامة قرارها بحفظ الأوراق .

ونظرا لكون الدفاع المشروع من اسباب التبرير المطلقة فيستفيد منه كل من ساهم في فعل الدفاع سواء كان شريكا أم متخلا أم محرضا ، وسواء علم به او لم يعلم ، وطالما ان فعل المدافع مبرر فلا يكون في الأمر جريمة ولا عقاب ايا كان نوعه ، كما لا يحق للمعتدي المتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر , ولا يجوز مصادرة وسائل الدفاع الا اذا كانت تشكل بحد ذاتها جريمة مستقلة .
وتجري هذه القواعد طالما كان المتضرر من فعل الدفاع هو المعتدي لوحده ، أما اذا وقع الضرر على حق شخص آخر غير المعتدي فاننا نميز بين حالتين وفقا لقصد المدافع وهما :

1- الاضرار بحق الغير بدون قصد :
وتتعلق هذه الحالة بالغلط في موضوع الفعل أو الخطأ في توجيهه ، حيث يفترض الغلط في موضوع الفعل اصابة شخص آخر غير المعتدي معتقدا أنه المعتدي ، بينما يفترض الخطأ في التوجيه محاولة المعتدى عليه اصابة المعتدي نفسه ولكنه يصيب غيره لعدم دقته . وحكم القانون في كلا الحالتين واحد ، ولكنه يتعلق بخطأ المدافع أو عدمه :
أ- فاذا لم يثبت خطأ من المعتدى عليه ، كأن يبذل كل العناية والاحتياط المفروض لاصابة المعتدي وحده ولكنه أصاب غيره لأسباب خارجة عن ارادته ، فالفعل هنا مبرر .
ب_ أما إذا ثبت الخطأ في حق المدافع ، فهو مسؤول عن جريمة غير قصدية .

2- الاضرار بحق الغير قصدا ً :
اذا وجد المدافع نفسه مضطرا للمساس بحق الغير كي يستطيع اتيان فعل الدفاع ، كأن يستولي على طلقات نارية مملوكة للغير ليعبأ بها سلاحه ، فإن حكم القانون لا يبرر هذه الأفعال بالاستناد الى حالة الدفاع المشروع ، لأنها لم توجه الى مصدر الخطر ، ولكن المدافع يستطيع أن يحتج بحالة الضرورة ، التي الجأته لاتيان هذه الأفعال ، ولا بد هنا من توافر شروط الضرورة وخاصة جسامة الخطر .
وفي غير هذه الحالة فإن القواعد العامة هي التي تتكفل بمعالجة الاضرار القصدي بغير المعتدي .