دراسة وبحث قانوني هام عن نظام المقاصة

تقديم:

يعتبر نظام المقاصة من أهم آليات تدخل الدولة في المجال الاجتماعي، وتكمن وظيفته الأساسية في توفير الحماية الاجتماعية للمغاربة، وخاصة فيما يتعلق بتأمين استقرار أسعار المواد الأساسية، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقد عرف هذا نظام تحولات هامة في وظائفه ومجالات تدخله وارتبطت أساسا بالتحولات التي عرفها مجال حضور الدولة في المجال الاجتماعي وارتهنت بطبيعة السياسيات المنتهجة من طرف الحكومات المتعاقبة.
وإذا كان تدخل الدولة في المجال الاجتماعي قد عرف انتقادات من قبل المؤسسات المالية الدولية، وبصفة خاصة من لدن النقد الدولي، الذي اقترح على المغرب لاتباع سياسية التقويم الهيكلي ابتداء من سنة 1983 والتراجع عن دعم المجال الاجتماعي وسن سياسة اقتصادية ليبرالية فإن نظام المقاصة كان قد عرف هو الآخر ضغوطات سواء خارجية أو داخلية تنادي بإلغاء هذه الآلية الاجتماعية.

ويعتبر صندوق النقد الدولي أن نفقات المقاصة تشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة وتحد من إمكانيات الاستثمار، وبالتالي فلا فائدة من دعم الاستهلاك الذي لا يعود بالنفع على التنمية الاقتصادية للبلاد.

إلا أن اتجاها آخر يعتبر أن إلغاء صندوق المقاصة سيشكل إعداما للطبقات الفقيرة والمعوزة ولأصحاب الدخول المحدودة؛ والذين لن يستطيعوا مواكبة ومجاراة تطبيق مبدأ “حرية الأسعار” نظرا لضعف القدرة الشرائية لهؤلاء، ولعدم استقرار دخولهم.
وإذا كان صندوق المقاصة قد عرف تاريخيا تجاذبات سياسية حيث وجهت له انتقادات عنيفة من قبل العديد من المكونات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابية، فإن الظرفية الاقتصادية التي شهدها العالم في نهاية 2007 وبداية سنة 2008 وما ميزها من ظهور للأزمة الغذائية العالمية؛ والأزمة البترولية العالمية؛ والمتمثلتين أساسا في الارتفاعات المهولة التي عرفتها أسعار الحبوب الذي ارتفع بنسبة 3,50 % والمواد النفطية التي ارتفعت هي الأخرى بنسبة تفوق 1,46 %.

ومن هنا فالموضوع يطرح أهمية كبرى في دراسته خصوصا وأن الأمر يتعلق بجهاز يلعب دورا حساسا في الاستقرار الاجتماعي بضمان استقرار الأسعار وحماية المستهلك ، كما أن له تداعيات مالية واقتصادية على ميزانية الدولة. كما أن دراسة الموضوع تقتضيه الحاجة خصوصا وأنه بقي بعيدا عن التناول الأكاديمي والعلمي بالرغم من النقاش السياسي الصاخب الذي يثيره.

ثم إن أهمية الدراسة تجد سندها كذلك في الرغبة في الكشف عن ميكانيزمات اشتغال آليات المقاصة ببلادنا، ودور هذا النظام في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، والتدخل للحيلولة دون إخضاعها للمتغيرات الدولية المرتبطة بتقلبات أسعار المواد الأساسية ، وبالإكراهات الخارجية الاقتصادية الداخلية التي ترتهن إلى حد كبير بالتحولات المناخية وبروز ظاهرة الجفاف كظاهرة بنيوية في المغرب.

ومن هنا وبالنظر لأهمية الموضوع، فهو من جهة أخرى يطرح مجموعة من الإشكالات تتعلق أساسا حول مدى نجاعة نظام المقاصة في الصمود أمام الأزمة الاقتصادية العالمية لتأمين الحماية الاجتماعية والقدرة الشرائية للمواطنين، وهل اللجوء إلى ضخ أموال طائلة في ميزانية المقاصة لدعم الاستهلاك أو مواجهة العجز الغذائي والطاقي هو السبيل الوحيد لمعالجة إشكالية ارتفاع الأسعار أم أن النظام الحالي بحاجة إلى إصلاح عميق يحد من تبعيته المطلقة للعوامل الخارجية ويدعم استقراره المالي ؟ وما هي الطبقات الأكثر استفادة من هذا النظام ؟ وما هي وسائل تنظيمه وهياكله ؟ ثم ما افاق تجاوز هده الاختلالات ؟…

لمعالجة هدا الموضوع وايجاد حلول لهده الاشكاليات سنعمل على تقسيمه الى مبحثين اْساسيين .
المبحث الأول : نظام المقاصة بالمغرب ومجالات الدعم.
المبحث الثاني : اختلالات صندوق المقاصة ومداخل الإصلاح.

المبحث الأول : نظام المقاصة بالمغرب ومجالات الدعم

على خلاف ما قد يبدو، فإن نظام المقاصة ليس مرادفا لصندوق المقاصة، حيث إن هذا الأخير مؤسسة عمومية مكلفة بتدبير الجزء الأكبر من النظام من خلال دعم المواد الطاقية، ومادة السكر، في حين توكل مهمة دعم أخرى مخصصة للدقيق الوطني للقمح الطري إلى المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني( ).
وعليه سنتناول في إطار هذا المبحث نظام المقاصة (المطلب الأول)، على أن نخصص (المطلب الثاني) الحديث عن مجالات الدعم لنظام المقاصة.

المطلب الأول : الإطار القانوني والتنظيمي لنظام المقاصة

سنحاول في هذا المطلب استعراض الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بصندوق المقاصة (الفقرة الأولى) وبالمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : صندوق المقاصة

أولا : التنظيم الإداري لصندوق المقاصة

أنسد المشرع في ظهير 1977 مهام تسيير صندوق المقاصة إلى مجلس إداري يتألف من رئيس الحكومة بصفته رئيسا، وعضوية كل من وزير المالية، ووزير الداخلية ووزير الأشغال العمومية والمواصلات، والوزير المكلف بالتجارة والصناعة العصرية والمناجم والبحرية التجارية ووزير الشغل والشؤون الاجتماعية ووزير الفلاحة والإصلاح الزراعي، والسلطة الحكومية المكلفة بالتخطيط والتنمية الجهوية والسلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الاقتصادية، ويجتمع المجلس مرتين في السنة على الأقل، واستثناء كلما دعت الضرورة لذلك.
ويقم المجلس بما يلي :
 تحديد العمليات التي يجب أن تستفيد من مساعدة الصندوق.
 العمليات التي يجب أن تكون موضوع اقتطاعات لفائدته.
 تحديد مبلغ الإعانات المالية الواجب منحها ومبلغ الاقتطاعات الواجب تطبيقها.
 حصر الميزانية والحسابات والبت في تخصيص النتائج وفقا للتعليمات الحكومية( ).
يلاحظ أن المشرع حافظ على اختصاصات رئيس الحكومة (الوزير الأول) للوصاية على الصندوق. كما خوله حق اتخاذ التدابير اللازمة فيما بين دورتي المجلس الإداري، وذلك في حالة الاستعجال أو القوة القاهرة( ).
وكما أن لرئيس الحكومة صلاحية إدخال تغيرات خلال السنة المالية على ميزانية الصندوق أو على بيان تقديرات الاستغلال الخاص بالصندوق ويعرض هذا التغيير على مصادقة وزير المالية.
ويدير شؤون صندوق المقاصة مدير يعين بظهير، يتولى هذا الاخير تنفيذ مقررات المجلس الإداري، ومقررات رئيس المجلس الصادرة فيما بين دورتي المجلس الإداري، ويقوم المدير بتدبير الصندوق ويأذن للقيام بجميع العمليات والأعمال العمومية ولدى الخواص، كما يمكنه رفع الدعاوى القضائية لفائدة الصندوق…
ويتولى المدير التسيير الإداري للصندوق سواء تعلق الأمر بتدبير المصالح والوحدات الإدارية للصندوق، أو فيما يتعلق بتسيير شؤون الموظفين الموضوعين تحت سلطته.

ثانيا : هيكلة صندوق المقاصة

بالرغم من الوظائف المهمة التي أوكلها المشرع لصندوق المقاصة على مستوى تأمين الحاجيات الأساسية للمستهلكين وحماية قدرتهم الشرائية، إلا أنه بالرجوع إلى بنية هذا الجهاز يتبين ضعف هيكلته الإدارية وعدم ارتقائها إلى مستوى الخدمات التي يؤديها هذا الصندوق، فهو لا يتوفر سوى على أربعة مصالح إدارية تعمل إلى جانب المدير :
 مصلحة الشؤون الإدارية والمالية، وتهتم بالتسيير الإداري والمالي للموظفين. وبعمليات المحاسبة والسهر على تنفيذ ميزانية تسيير الصندوق.
 مصلحة التصفية الأولى، وتتكفل بالتصفية المالية لملفات المقاصة المتعلقة بالسكر.
 مصلحة التصفية الثانية، وتباشر تصفية ملفات المقاصة المتعلقة بالمواد البترولية، وعباد الشمس، حيث تقوم بمتابعة عمليات المقاصة مع الشركات المعنية وتسهر على متابعة تطورات الفارق بين السعر الحقيقي وسعر السوق.

 مصلحة التدقيق الداخلي، وتتولى مهمة الافتحاص الداخلي للصندوق ومراقبة سير نظام المقاصة.
ويشكل ضعف البنية الإدارية للصندوق وعدم مسايرتها للتحديات الجديدة التي أصبحت تواجه الصندوق من أهم الإكراهات التي تحول دون نجاعة تدخلاته خصوصا أمام قلة الموارد البشرية التي تشتغل في هذه المؤسسة والتي تناهز حوالي 30 موظفا( ).
وقد كان هذا المشكل من أهم الملاحظات التي أثارها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2006( ).

الفقرة الثانية : المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني

أولا : اختصاصات المكتب

يعتبر المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني ومكتب التسويق والتصدير والمطاحن والقطاعات الوزارية المكلفة بالمالية والفلاحة من أهم المتدخلين في قطاع الحبوب، لكن المشرع أوكل إلى المكتب المهني للحبوب والقطاني اختصاصات دعم الدقيق والقيام بعمليات المقاصة المتعلقة بهذه المادة.

أنشئ المكتب في سنة 1937 وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويشتغل تحت الوصاية المشتركة لوزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة الاقتصاد والمالية. وتتحد مهامه حسب المادة 2 من قانون رقم 94.12 المتعلق بالمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني وبتنظيم سوق الحبوب والقطاني، وفي تتبع حالة تزويد البلاد بالحبوب والقطاني ومشتقاتها، كما يقوم المكتب في الظروف الاستثنائية بعمليات شراء هذه المواد وبيعها واستيرادها وحيازتها ونقلها وتحويلها، وذلك بعد استشارة كافة الفاعلين والأطراف المتدخلة، وتكلفه الحكومة في هذا الإطار بالقيام بالعمليات الخاصة بالاستيراد والتصدير لهذه المواد. كما خول المشرع للمكتب حق دراسة التدابير التشريعية والتنظيمية الكفيلة بتنظيم سوق الحبوب والقطاني والمنتجات المتأتية من تحويل الحبوب والمنتجات الثانوية المشتقة منها.

ويتبين أن المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، هو المخول قانونيا بمتابعة ومراقبة مدى تغطية كميات الحبوب والقطاني للحاجيات الداخلية؛ أي أنه يحرص على إقامة تأمين التوازن بين العرض والطلب فيما يتعلق بهذه المنتجات.
وفي هذا السياق وبهدف تأمين التزويد السوق الوطني من هذه المواد، أوكل المشرع للمكتب مهام تكوين مدخرات احتياطية من الحبوب وحفظها، بحيث يقوم بعمليات التخزين لهذه المنتجات لتغطية شهرين على الأقل من حاجيات السوق الداخلية ويقوم المكتب بإدارة واستغلال مخازن حفظ الحبوب القائمة بالموانئ وتطوير وإحداث وحدات أخرى لتسلم الحبوب مع الأخذ بعين الاعتبار التدخلات الموكولة للهيئات الأخرى للقانون العام أو الخاص.

وتوخيا لحكامة جيدة للقطاع، يقوم المكتب بضبط وتسيير نظام الإعلام حول أسواق الحبوب وتطوير المعطيات والإحصائيات المتعلقة بذلك، كما يقوم بتقديم المساعدة التقنية والمعلومات الضرورية للمتدخلين في سوق الحبوب والقطاني ومشتقاتها في مختلف مجالات أنشطتهم والمساهمة في تحديث المنشآت، والمساعدة لإنجاز برامج التكوين المهني، بالإضافة إلى التشجيع على تأسيس الجمعيات المعنية الكفيلة بتسيير الحوار بين المتدخلين والإدارة أي التشجيع على تكثل المهنيين والجمعيات في إطارات واتحادات حتى يسهل على الإدارة الحوار مع المتعاملين معها.

ثانيا : هيكلة وتنظيم المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني

يدير المكتب بواسطة مجلس إدارة يتألف نصف أعضائه من ممثلي الدولة ومدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي، والنصف الآخر من ممثلي جامعة الغرف الفلاحية واتحادات تعاونيات تسويق منتجات الحبوب والقطاني، وتجار هذه المواد، وتعين الإدارة ممثلي المنظمات المهنية وفق اقتراحات هذه الأخيرة( ).
ويسير المكتب مدير يعين بظهير، ويقوم بتنفيذ مقررات المجلس الإداري وينفذ جميع الصلاحيات الضرورية لتدبير شؤون المكتب.
وتتكون هيكلة المكتب الوطني للحبوب والقطاني مما يلي :
 ملحق الإدارة المكلفة بالشؤون العامة.
 قسم المراقبة العامة والتدبير.
 قسم المفتشية العامة.
 قسم الشؤون القانونية والمنازعات.
 قسم التمويل.
 قسم التسويق.
 قسم الموارد البشرية والشؤون الإدارية.
 قسم الدراسات والإعلام.
 قسم المالية والمحاسبة.
 المركز المعلوماتي.
 قسم المحاسبة في ميدان التصفية.
كما للمكتب عدة مكاتب جهوية وإقليمية.
ومما سبق يطرح التساؤل التالي ,ما هي اهم مجالات الدعم وتطور الموراد المالية لنظام للمقاصة بالمغرب.

المطلب الثاني : مجالات الدعم وتطور الموراد المالية للمقاصة

سنتناول في هذا المطلب دور صندوق المقاصة في دعم المواد الاستهلاكية الأساسية (الفقرة الأولى) ثم سنعرض التطور الذي عرفته ميزانية الصندوق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : دور صندوق المقاصة في دعم بعض المواد الأساسية

أسند المشرع لصندوق المقاصة اختصاص تنفيذ السياسات الحكومية لتثبيت الأثمان، ومن أجل هذه الغاية منح القانون لهذه الهيئة وحدها القيام بجميع العمليات المتعلقة باستقرار الأثمان ولاسيما القيام بتمويلها وإنجاز أو جمع الاقتطاعات المتعلقة بها، كما أوجب إشراكه في الدراسات والمقررات الخاصة بالعمليات المتعلقة بالأهداف التي ينشدها.
وإذا كان هذا القانون قد أعطى للصندوق وحده القيام بعمليات المقاصة، فإنه بالرجوع إلى اختصاص المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني الذي أنشئ سنة 1937( ) يتبين أن المشرع أوكل كذلك لهذا المكتب مهام القيام بالموازنة فيما يتعلق بالحبوب، كما نجد أن المكتب الشريف للفوسفاط منحه المشرع هو كذلك في سنة 1980، حق القيام بعمليات المقاصة فيما يتعلق بالأسمدة، وفي هذا الإطار يطرح العديد من الباحثين إشكالية انسجام النصوص القانونية، فبعد أن منح المشرع حق احتكار عمليات المقاصة لصندوق المقاصة لضمان استقرار الأثمان، عاد وأعطى من جديد لهيئات أخرى حق القيام بهذه العمليات بالنسبة لبعض المواد( ).

وإذا كان صندوق المقاصة يقوم في البداية بدعم العديد من المواد الأساسية، فإنه كان يخضع باستمرار لضغوطات سواء كانت خارجية كضغوطات صندوق النقد الدولي، أو داخلية كضغوطات بعض اللوبيات أو المضاربين…

وبالرجوع إلى النصوص القانونية المؤطرة لعمليات الدعم؛ نجد أن الدولة تدعم المواد التالية :
 الدقيق الوطني للقمح اللين.
 القمح اللين الموجه للدقيق الممتاز.
 الدقيق الممتاز عند خروجه من المطحنة وبدون تلفيف.
ويتم دعم هذه المواد عن طريق المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، بينما يدعم صندوق المقاصة المواد التالية :
 السكر عند خروجه من المصفاة.
 المواد البترولية وتشمل الغازوال، البنزين، الفيول الموجه للصناعة.
 الغاز البوطان ويشمل قنينة الغاز من فئة 12 كلغ ومن فئة 3 كلغ وقنينات أخرى تستعمل في المطاعم والفنادق …
ويعتمد نظام الدعم على تسديد الدولة للفارق بين الثمن الحقيقي والثمن الذي تباع به هذه المواد في الأسواق أي أن المستهلك يقتني هذه المواد بسعر اقل من السعر الحقيقي، فيما يتكفل صندوق المقاصة بتسديد الفارق وبالتالي فإن أسعار هذه المواد تكون محددة من قبل الدولة.
ولابد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الحكومة حددت كذلك بمقتضى قرار وزاري قائمة المنتوجات والخدمات المنظمة أسعارها.

الفقرة الثانية : تطور ميزانية صندوق المقاصة

تتكون موارد صندوق المقاصة من الاقتطاعات لفائدة الصندوق، ومن إعانات الدولة المالية، وتسبيقات الخزينة والهيئات العمومية أو الخصوصية، والمتحصلة من الغرامات الإدارية المقبوضة لفائدته، وكذا المتحصل في الاقتراضات بواسطة سندات لحاملها، بالإضافة إلى جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن تخصص له وكذا الهبات والوصايا…
وتجري على الصندوق جميع المقتضيات القانونية المتعلقة بالمراقبة المالية التي تطبقها الدولة على المؤسسات العمومية.
وقد عرفت مالية صندوق المقاصة تطورات متلاحقة ارتبطت أساسا بالارتفاعات المتواصلة لأسعار المواد الأساسية سواء بفعل عوامل موضوعية داخلية كالجفاف والفياضانات…، أو بفعل عوامل خارجية المتمثلة أساسا في ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية خصوصا إذا علمنا أن المغرب يستورد معظم حاجياته الأساسية من الخارج.
فهده الاكراهات و غيرها,ثم مداخل الإصلاح المنتهجة هو ما سنعالجه في المبحت الثاني

المبحث الثاني : اختلالات صندوق المقاصة ومداخل الإصلاح

سنرصد هذا المبحث لمختلف أوجه الاختلالات التي يعرفها نظام الدعم في المغرب (المطلب الأول)، ثم سنتطرق في المطلب الثاني إلى مجال الدعم ومداخل إصلاح نظام المقاصة بالمغرب والإجراءات المواكبة له.

المطلب الأول : اخلالات صندوق المقاصة

إن هذا النظام يعرف عدة اختلالات ومنها تعميم الاستفادة من الدعم دون التمييز بين الفقراء والأغنياء، ثم اختلالات مرتبطة بالظرفية الاقتصادية العالمية وكذا إشكالية تدبير نظام الدعم وإيصاله إلى المستهدفين، خاصة المعوزين ثم غياب المتابعة وعدم استعمال الأنظمة المعلوماتية وكذا صعوبة المراقبة وتعدد هيئات الرقابة وغياب التنسيق بينها( ).
وسنتطرق إلى اختلالات قانونية واقتصادية ومالية في الفقرة الأولى، على أن نخصص الفقرة الثانية للاختلالات المرتبطة بالاستهداف والحكامة.

الفقرة الأولى : اختلالات قانونية واقتصادية ومالية

تتعلق هذه الاختلالات على مستوى النصوص القانونية والتنظيمية وكذا تبعية الاقتصاد للسوق الدولية وأخيرا صعوبة التحكم في السوق الدولية.

أولا : اختلالات قانونية وبنيوية

تتجلى الاختلالات القانونية فيما يلي :
1. تشتت النصوص القانونية المنظمة لصندوق المقاصة من 4 ظهائر و6 مراسيم و12 قرارا و14 دورية، ما ينجم عنه كثيرة التأويلات المتباينة التي تصل إلى حد التنازع فيها بينها.
2. غياب مدونة خاصة ما يؤدي إلى اختلال وعدم انسجام ووضوح النصوص القانونية ثم إضعاف عمليات المقاصة وعمليات المراقبة المرتبطة بها، مما يفسح المجال للتلاعب والمضاربة.
3. تقادم النصوص وعدم مسايرة الحركة الاقتصادية.
4…
أما الاختلالات البنيوية فتتمثل في :
1. استفادة عدة متدخلين بتعدد العلميات من إنتاج وتوزيع وتسويق وغيره عوض دعم المستهلك مباشرة.
2. صعوبة المراقبة بالنظر إلى تعدد هيئات الرقابة وغياب التنسيق في ما بينها.
3. استفادة البترول المكرر والغير مكرر على حد سواء وبنفس النسبة دون تمييز( ).

4. أداء غرامات التأخير الناجمة عن تفريغ حمولة البواخر إلى شركات النقل رغم أن هذه التكلفة يجب أن تتحملها الشركات المستوردة.
5…

ثانيا : اختلالات اقتصادية ومالية

1. الاختلالات الاقتصادية :
وتتجلى في الأساس في الاختيارات الاقتصادية التي أدت إلى تبعية مفرطة للاقتصاد العالمي إذ يستورد المغرب 50 % من القمح الطري، و98 %من الطاقة…، ما يجعله رهينا بتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية.
وهكذا فمثلا بالنسبة للقمح فإن سبب ارتفاع الأسعار ناتج عن التقلبات المناخية العالمية وللصراعات الجيوسياسية ثم تزايد الطلب العالمي على هذه المادة وكذلك كثرة المضاربة …
ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للمغرب بسبب التخلي عن زراعة الحبوب لضعف مردوديتها ثم لكثرة الجفاف، كما نجد سيادة فكرة استيراد القمح أقل تكلفة من إنتاجه( ).
كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع ثمن الطن من 180 إلى 400 دولار سنة 2008، وبالنسبة للمغرب فإن فاتورة استيراد القمح ارتفعت بأكثر من 143 % وهو ما دفع الحكومة إلى التعجيل بإخراج استراتيجية مخطط المغرب الأخضر.

2. الاختلالات المالية :
ترجع أساسا إلى صعوبة التحكم في الغلاف المالي المخصص للمقاصة أمام الاضطراب الذي تعرفه الأسواق العالمية نتيجة الارتفاعات المهولة لأسعار المواد الأساسية والبترولية بالخصوص.
ولقد كانت الدولة بين خيارين اثنين :
إما عكس هذه الارتفاعات على المستهلك.
أو خيار دعم ميزانية صندوق المقاصة.
هذا الأخير هو ما تبنته الدولة واستطاعت أن تحد من الانعكاسات السلبية لارتفاع الأسعار عموما.
غير أن هذا الخيار كان له انعكاس على المستوى المالي إذ انتقلت ميزانية صندوق المقاصة من 4 ملايير إلى 35 مليار سنة 2002.
إن هذا الرقم الأخير حسب بعض الإحصائيات يوازي ميزانية الدولة في الاستثمار ككل، كما كان يمكن بواسطته بناء 125 سد أو بناء 6 موانئ من حجم ميناء طنجة المتوسطي( ).

الفقرة الثانية : اختلالات الاستهداف والحكامة

أولا : اختلالات الاستهداف

يقصد بذلك ضعف استفادة الفئات المعوزة والفقيرة من الدعم الذي تقدمه الدولة، وفي المقابل تستفيد الفئات الأكثر يسرا بنسبة عالية من الدعم، وهو ما يطرح إشكالية عدالة نظام المقاصة ويتجلى ذلك فيما يلي :

1. غياب الإنصاف :
إذ لا يفرق نظام الدعم بين الفقير والغني، وبذلك فالتشخيص يبين مثلا أن 20 % من سكان المغرب الميسورين يستفيدون من 75 % من دعم المحروقات في حين أن 20 % من الفئات الأكثر فقرا تستفيد فقط من 1 % من الدعم( ).

2. اختلالات في الاستهداف الجغرافي :
يرجع السبب في التوزيع العشوائي دون مراعاة المعايير المرتبطة بالهشاشة والفقر، فمثلا في إحدى قرى إقليم الحاجب لا تستفيد كل أسرة فقيرة سوى بـ 8 أكياس من الدقيق في السنة، فحين تستفيد كل أسرة فقيرة في إحدى المناطق بالبيضاء بـ 85 كيس( ).

3. الاستعمالات المهنية للمواد المدعمة :
يتجلى هذا الاختلال بوضوح من خلال التزايد المضطرد للاستعمالات غير المنزلية لبعض المواد المدعمة كغاز البوطان مثلا الذي بدأ يستعمل لأغراض مهنية في القطاع الفلاحي وغيره مما جعل نسبة الدعم ترتفع من 5 % إلى 10 % سنة 2007.

ثانيا : ضعف الحكامة

تتمثل أهم اختلالات حكامة صندوق المقاصة في :

1. ضعف المراقبة :
تتضح من خلال عدد ملفات الدعم التي تصل إلى 3200 ملف سنويا موزعة على عدد من الشركات المستفيدة، فحين لا يتجاوز عدد أعضاء وحدة المراقبة التابعة لصندوق المقاصة 7 أشخاص ما يستحيل معه القيام بالمراقبة ويؤدي بالتبعية إلى إمكانية التلاعب والغش …
وفي ذلك لاحظ المجلس الأعلى للحسابات عدم إنجاز أية تقرير للمراقبة مما يستنتج معه عدم إجراء أية مراقبة( ).

2. غياب الشفافية :
من جملة الانتقادات التي تعرض لهما المجلس الإداري ما يلي :
ـ التأخر في انعقاد اجتماعات مجلس الإدارة.
ـ عدم استغلال شبكة المعلومات رغم التوفر عليها.
ـ غياب بنك المعلومات والأرشيف.
ـ غياب نظام أساسي لمستخدمي الصندوق.
ـ عدم الالتزام بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية بشأن عمليات التوظيف.

المطلب الثاني : مداخل إصلاح نظام المقاصة بالمغرب

بعد تعالى الأصوات بضرورة إصلاح نظام المقاصة ثم إعادة النظر في تركيبة بعض المواد المدعمة، وترشيد توزيع مواد أخرى على المستفيدين كما تمت صياغة استراتيجيات مواكبة في المجال الفلاحي( ) والطاقة لتقليص التبعية للأسواق العالمية ومحاولة رفع الإنتاج الوطني وغيره.

الفقرة الأولى : إصلاحات للتخفيف من عبء نظام المقاصة

تتجلى هذه الإصلاحات في إعادة النظر في تركيبة أسعار المواد البترولية (أولا) ثم نهج إجراءات للتخفيف من ارتفاع أسعار الدقيق وإعادة النظر في خريطة توزيعه (ثانيا).

أولا : إعادة النظر في تركيبة أسعار المواد البترولية
قامت الدولة ابتداء من 16 فبراير 2009 بنهج إصلاحات للنهوض بصناعة التكرير وضخ استثمارات مهمة لتحديث مصانع لسامير بالإضافة إلى إدخال مواد نفطية نظيفة إلى السوق الوطنية …
وقد جاءت هذه التركيبية بالأهداف التالية :
ـ ضمان مستمر ودائم للسوق الوطنية من هذه المواد بأحسن كلفة.
ـ تشجيع المنافسة بين الفاعلين في هذا القطاع.
ـ تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع.
ـ التحكم في الغلاف المالي المخصص لدعم هذه المواد.
عموما هذه الإجراءات أسفرت عن نتائج إيجابية إذ تم حذف بعض مكونات مجال الدعم.

ثانيا : إجراءات للتخفيف من ارتفاع أسعار الدقيق وإعادة النظر في خريطة توزيعه

1. إجراءات لضمان استقرار أسعار الخبز
بالإضافة إلى الدعم الذي يصل إلى 2 مليار درهم تدخلت الدولة سنة 2007 لتخفيض الرسوم الجمركية على استيراد مادة الدقيق.
وبعد ارتفاع ثمن الدقيق الممتاز قامت الدولة بالتعليق الكلي للرسوم الجمركية على استيراد القمح اللين، كما تحملت الفارق بين سعر الاستيراد والثمن الجديد.
بالإضافة إلى ذلك فالدولة تتحمل الدعم السنوي العادي المحدد في 143 درهم في القنطار الواحد …

2. إعادة النظر في خريطة توزيع الدقيق المدعم :
تجاوزا للاختلالات السابقة تمت إعادة النظر في توزيع حصص الدقيق( ) ومراجعة عملية التوزيع غير العادلة في ذاتها بالاعتماد على خريطة الفقر وعلى عدد الفقراء وعلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا على المسافة الموجودة بين مراكز التوزيع والجماعة.
وقد أسفر هذا الإصلاح عما يلي :
ـ كل الجماعات المعنية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية استفادت من الحصص مقابل 50 % سابقا.
ـ ارتفعت النسبة الممنوحة للجماعات المعنية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من 14 % إلى 26 %من إجمالي الحصة المدعمة.
ـ استفاد العالم القروي من 66 % من الحصة العامة مقابل 46 %سابقا.
ولتحقيق هذه الأهداف، فإن الحكومة أطلقت مخطط المغرب الأخضر الذي يروم خلق أزيد من مليون مقاولة فلاحية وإطلاق موجة جديدة من الاستثمارات. كما تراهن على ضمان استقرار الإنتاج الفلاحي رغم التقلبات المناخية، وكذلك خلق ما بين مليون ونصف مليون فرصة عمل إضافية، ولهذه الأهداف تمت مثلا خوصصة أراضي صوديا وصوجيطا.

الفقرة الثانية : استراتيجية النجاعة الطاقية

بسبب حجم فاتورة استيراد الطاقة التي تصل إلى 98 %، وبسبب تزايد استهلاك الكهرباء نتيجة التعميم الشبه كلي للوسط القروي والدينامية الاقتصادية، ما يؤدي إلى تزايد الطلب على موارد الطاقة، ولمواجهة هذه الإشكاليات قامت الحكومة بما يلي :
ـ توزيع 22 مليون من المصابيح ذات الاستهلاك المنخفض.
ـ تطوير الطاقة الريحية والشمسية والإنتاج الكهرومائي( ).
ـ تطوير واستغلال الصخور النفطية.
ـ استكشاف واستغلال الطحالب والنباتات الزيتية.
ـ إنتاج الكهرباء بواسطة النفايات العضوية.
-…

انتهى ولله الحمد

لائحة المراجع

1. الرسائل :
عبد الجبار الرشيدي : نظام المقاصة بالمغرب بين الظرفية الاقتصادية العالمية وضرورات الإصلاح، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، السنة الجامعية 2009 ـ 2008.
المقالات :
محمد قزيبر : نظام المقاصة في المغرب وانعكاسه، جريدة المساء العدد 1692، 2012.
المراجع باللغة الفرنسية :
– Bekkali Abdeslam ; la B.I.R.D. : Le FMI et la politique de compensation des prix au Maroc, revue de droit et d’économie université Mohamed Ben Abdellah, Fès n° 11985.
– Charradi El Fadili Najwa ; Caisse de compensation et structure de consommation de production, Afrique Orient, avril 1994.
– Cherradi El Fadili Najawa ; L’énergie solaire au Maroc, mémoire pur l’obtention du diplôme d’étude cohérence en sciences 1992.

القوانيـن :
ـ ظهير شريف بمثابة رقم 403 بتاريخ 19 شتنبر 1977 المتعلق بإعادة تنظيم صندوق المقاصة، الجريدة الرسمية عدد 3388 مكرر بتاريخ 10 أكتوبر 1977.
ـ قانون رقم 12.94 المتعلق بالمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني وتنظيم سوق الحبوب والقطاني، الجريدة الرسمية عدد 4312 بتاريخ 21 يونيو 1995.
مواقــع :
– www.asdae.com
– www.Medi1TV.com

التصميم
تقدم 1
المبحث الأول : نظام المقاصة بالمغرب ومجالات الدعم 3
المطلب الأول : الإطار القانوني والتنظيمي لنظام المقاصة 3
الفقرة الأولى : صندوق المقاصة 3
الفقرة الثانية : المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني 6
المطلب الثاني : مجالات الدعم وتطور الموراد المالية للمقاصة 9
الفقرة الأولى : دور صندوق المقاصة في دعم بعض المواد الأساسية 9
الفقرة الثانية : تطور الميزانية صندوق المقاصة 11
المبحث الثاني : اختلالات صندوق المقاصة ومداخل الإصلاح 12
المطلب الأول : اختلالات صندوق المقاصة 12
الفقرة الأولى : اختلالات قانونية واقتصادية ومالية 12
الفقرة الثانية : اختلالات الاستهداف والحكامة 15
المطلب الثاني : مداخل إصلاح نظام المقاصة بالمغرب 17
الفقرة الأولى : إصلاحات للتخفيف من عبء نظام المقاصة 17
الفقرة الثانية : استراتيجية النجاعة الطاقية 19
المراجع 20
الفهرس 21