بحث قانوني قيم عن أبعاد السياسـة الوقائية و الزجرية في مواجهة جرائم غسيل الأموال.

تمهيد

عرفت ظاهرة غسيل الأموال اهتمامًا كبيرًا في الوقت الراهن من طــرف الـــدول و الحكومات لما لها من آثار سلبية لتزامنها مع ظاهرتين عالميتين هما التقدم الـعلمي و العولمة و ما ترتب عنهما من ثورة في مجال الاتصالات و نظم المعلومات و النقل و عولمة النظم المصرفية و الخدمات المالية، مما دعا هذه الدول و الحكومات إلى وضع سياسة وقائية للحد منها، بالرغم من أنها تصطدم ببعض العقبات مثل السرية المصرفية و الالتزامات المفروضة على البنوك بالإضافة لبعض الثغرات الموجودة في التشريعات المالية التي تساعد على ارتكاب عمليات غسيل الأموال.
و إذا ما تم الكشف عن وجود عمليات غسيل الأموال أثناء المرحلة الوقائية من طرف المؤسسات المختصة، تعمل هذه الأخيرة على تبليغ السلطة القضائية لتفعيل آلية المساءلة الجنائية و الردع اعتمادا على سياسة زجرية متكاملة تتصدى لمرتكبي هذه الجرائم.
سنعالج هذا الفصل من خلال الفرعين التاليين:
الفرع الأول: محدودية السياسة الوقائية.
الفرع الثاني: مدى فعالية السياسة الزجرية.

الفرع الأول: محدودية السياسة الوقائي
سنتناول في هذا الفرع مبحثين: الأول يتعلق بدور المؤسسات المالية في مكافحة جرائم غسيل الأموال، أما الثاني فسوف نخصصه لدور الأجهزة المتخصصة في مكافحة الظاهرة.

المبحث الأول: دور المؤسسات المالية

مما لاشك فيه، أن غسيل الأموال يعتبر جريمة بمفهومها العام، ويشكل على وجه الخصوص جريمة ذات بعد اقتصادي، لما لها من انعكاس وتأثير على الاقتصاد بشكل عــام، و على الجوانب الاجتماعية والسياسية، ومن تم كان من الضروري البحث عن الأدوات التي تستخدم في ارتكاب هذه الجريمة، والتي تساهم بشكل أو بآخر في كونها النفق أو السبيل الذي تمر فيه تلك الأموال القذرة إلى نطاق الدورة المالية للجهاز الاقتصادي في أي بلد([1]).
وإذا ما بحثنا عن هاته الأدوات والسبل، فإننا نجدها تنحصر في المؤسسات المصرفية والمؤسسات ذات الصبغة المالية في التعامل – كالشركات -، وهذا ما جعل الضرورة ملحة من أجل اتخاذ عدة إجراءات لفرض الرقابة على مثل هاته المؤسسات والتي حددتها التشريعات من خلال وضع التزمات عليها (المطلب الثاني) دون المس بخصوصية السر المصرفي (المطلب الأول).

المطلب الأول: إشكالية السرية المصرفية وغسيل الأموال

قبل الخوض في مناقشة الإشكالية المطروحة، لابد من الوقوف على ماهية السر المصرفي. في هذا الإطار يعرف السر المصرفي بأنه كل أمر أو معلومات أو وقائع تتصل بعلم البنك من خلال عملية مصرفية يقوم بها العميل و التي تتعلق بودائعه و قيمة مبالغه و التسهيلات المصرفية و القروض الممنوحة له و ضماناتهـا و الشيكـات التي يسحبها العميل على الـبنك وغيرها([2]).
و عليه فالعمليات المصرفية هي تلك العلاقات التي تجمع البنك بعملائه بحيث يقوم كل طرف منهما باحترام التزاماته تجاه الآخر، والمتمثلة بالنسبة للبنك في الحفاظ على السر المصرفي مستندة على النص القانوني تحت طائلة مقاضاتها إذا ما خرقته، حتى إذا لم تضمن عقودها مع الزبناء أو العملاء بندا صريحا ينص على المحافظة على هذا المبدأ. إلا أنه لا يجب أن يحمل تفسير المبدأ على إطلاقه بشكل يستغله العملاء كذريعة لإخفـاء أموالهـم المشبوهـة و بالتالي الإضرار بالمصالح العليا للدولة و المجتمع.
أثارت هذه الإشكالية العديد من النقاشات، حول سرية الحسابات المصرفية بالبنوك وانعكاساتها على مواجهة عمليات غسل الأموال([3])، حيث اختلفت الآراء حول هذا الموضوع وذلك بين مؤيد للسرية المصرفية ومعارض لها.
فالاتجاه المؤيد للسرية المصرفية يستند على مبدأ هام هو حماية الحق في الخصوصية للزبون، وبذلك فلكل شخص الحق في حماية حرمة حياته الخاصة بما فيها شؤونه المالية والاقتصادية كمعاملاته مع البنوك([4]). و يضيف القائلون بهذا الاتجاه بأن سرية الحسابات المصرفية لها دور إيجابي على الاقتصاد الوطني، وذلك لما يترتب عليها من جذب لرؤوس الأموال سواء المحلية أو الأجنبية، وأيضا تدعيما للثقة في الاقتصاد، وفي الجهاز المصرفي، وفي توفير مناخ اقتصادي سليم يساعد على تنميته وإصلاحه([5]).

ففي الوقت الحالي، يلاحظ أن معظم البنوك تحرص على تحقيق وتكريس قدر من السرية المصرفية وعدم تقديم المعلومات عن الزبناء إلا لمن تحددهم القوانين واللوائح بحكم طبيعة أعمالهم. وبهذا يمكن القول بأن البنوك تلتزم بموجب القواعد العامة في القانون والأعراف المصرفية، بحفظ أسرار الزبناء وعملياتهم المصرفية، ما لم يكن هناك نص في القانون أو في الاتفاق يقضي بغير ذلك)[6](.

أما الاتجاه المعارض والذي يرى في السرية المصرفية حاجزا لكشف حسابات أصحاب الدخول غير المشروعة إلا وفق شروط ومساطر دقيقة ومعقدة، من شأنه أن يساهم في استفحال عمليات غسل الأموال.
و بخصوص موقفنا فهو موقف توفيقي يجمع بين السرية المصرفية كمبدأ و الكشف عنها كاستثناء لأجهزة محددة بشكل دقيق لتأكد من مشروعية مصدر الأموال، حفاظـا على السمعـة و الثقة التي يتمتع بها العميل.
إذا تبث أن السرية المصرفية هي مبدأ قائم ومستقر في المعاملات المصرفية، مع استثناء تجاوز هذه السرية في حالات محددة بنص القانون، و هنا يمكن أن نتساءل هل يمكن استبعاد مبدأ السرية المصرفية في حالات الاشتباه بوجود غسيل أموال؟ وهل يمكن مساءلة البنوك عن عدم إبلاغها عن هاته العمليات المشبوهة إلى السلطات المختصة أم لا؟

تختلف تشريعات الدول في الإجابة على هذا التساؤل، وذلك راجع لاختلاف اتجاهاتها بخصوص مبدأ سرية الحسابات المصرفية. فبعض التشريعات تأخذ بنظام “السرية المطلقة للحسابات المصرفية” وتتمسك بالمبدأ المذكور حتى ولو ثبت وقوع عمليات غسل الأموال ومن أمثلة هذه الدول سويسرا([7]) لوكسمبورغ ولبنان([8])، و البعض الآخر من التشريعات الحديثة خففت من هذا المبدأ من خلال السماح للبنوك بالإفصاح عن المعلومات البنكية عن الزبناء وحساباتهم ومعاملاتهم وفق شروط قانونية محددة، ومن أمثلة الدول التي تبنت هذا الاتجاه التشريع الأمريكي([9])، التشريع المكسيكي([10]) والتشريع الإنجليزي والمصري([11]).

و تعتبر فرنسا أقل تشددا من باقي الدول المجاورة لها([12])، في ما يخص السرية و التـي لا تتوفر على قانون خاص يعالج السرية المصرفية كما هو عليه الحال في سويسرا. في الوقت الذي يحمي فيه القانون الجنائي الفرنسي هذه السرية، حيث يعتبر موجب التكتم أساسا متبعا في الأعمال المصرفية لدرجة أن جميع المصاريف تقيدت به محافظة على مصالحها الشخصية فكانت غايتها الحفاظ على المهنة المصرفية أشد تأثيرا من النصوص القانونية. والسائد في فرنسا هو أنه إذا كان التستر واجبا في التعامل مع المصارف تجاه الغير فلا يجوز ذلك أمام القضاء([13]).
فالسر المصرفي في فرنسا لم يكن ممنوعا على القضاء والدوائر المالية والإدارات العامة التي كان يحق لها الإطلاع على مجمل العمليات الجارية مع المصرف.

أما عن موقف المشرع المغربي من السرية المصرفية فيتجلى في المادة 13 في فقرتها الثالثة من القانون رقم 43.05 المتعلق بغسيل الأموال التي جاء فيها:”….. لا يمكن للأشخاص الخاضعين الاحتجاج بالسر المهني أمام الوحدة أو أمام سلطات الإشراف والمراقبة المكلفة من طرفها”. بهذا يكون رفع السر المهني شرطا جوهريا لتمكين السلطات المختصة من الحصول على المعلومات الكفيلة بمحاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بحيث لا يجوز للأشخاص الخاضعين لهذا القانون الاحتجاج بالسر المهني أمام الوحدة و سلطات القضائية و بنك المغرب.

ويعزز هذا التوجه، المقتضيات المنصوص عليها في القانون 34.03([14])، وخاصة المادة 79 من هذا القانون التي تنص على الإلزام بالكتمان بالسر المهني على “جميع الأشخاص الذين يشاركون بأي وجه من الوجوه في إدارة مؤسسة ائتمان أو تسييرها أو تدبيرها أو يكونون مستخدمين لديها… وبوجه عام كل شخص يدعى بوجه من الوجوه للإطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو لاستغلالها… تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في(الفصل 446 ق.ج)”، إلا أن هذا المقتضى يرد عليه الاستثناء الوارد في المادة 80 من نفس القانون والتي تنص على أنه: ” زيادة على الحالات المنصوص عليها في القانون، لا يجوز الاحتجاج بالسر المهني على بنك المغرب والسلطة القضائية العاملة في إطار مسطرة جنائية”.
وكما أوردت المادة 24 من قانون غسيل الأموال استثناءًا ثانياً، والتي تتعلق بتبادل المعلومات المرتبطة بمكافحة غسيل الأموال في إطار الاتفاقيات الدولية المنضمة إليها المملكة المغربية والمنشورة بصفة قانونية أو تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل، وفي إطار احترام المقتضيات القانونية الجاري بها العمل.

[1] – فايز الظفيري، المرجع السابق، ص 90.
1 – عصام ماجد زايد الحموري، السرية المصرفية بين الحماية القانونية و عمليات غسيل الأموال- دراسة قانونية www.arablawinfo.com مقارنة-، ص 3، مقال منشور بالموقع
2 – سعود ذياب العتيبي، أثر السرية المصرفية على مكافحة جرائم غسل الاموال، رسالة ماجستر، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، سنة 2007،ص 144.
[4]- صفوت عبد السلام عوض الله، المرجع السابق، ص 92.
2 – طلال طلب الشرفات، مسؤولية البنوك عن غسل الأموال وكيفية مواجهتها، ص 26 ، منشور بموقع
www.arablawinfo.com ، تم الولوج للموقع بتاريخ 12/06/2008 على الساعة 21h15.
. ماجد عمار، السرية المصرفية و مشكلة غسل الأموال، دار النهضة العربية القاهرة، 1990، ص: 82-83- [6]
[7] – المادة 37 من القانون الفيدرالي بتاريخ 17/11/1943 “كل شخص بصفته عضوا لجهاز مصرفي أو مستخدما في مصرف أو مدققا أو مساعد مدقق عضوا في لجنة المصارف، أفشى عن قصد بموجب التكتم الملزم به عملا بهذا القانون أو المهنة، أو حرض على ارتكاب هذه الجريمة أو حاول التحريض عليها يعاقب بغرامة لا تتجاوز 20.000 فرنك أو بحبس لا يتجاوز ستة أشهر ويمكن الجمع بين العقوبتين.
[8]- المادة 579 من قانون الصادر بتاريخ 3 أيلول 1956 من قانون العقوبات اللبناني التي تعاقب على إفشاء الأسرار من الأفراد الذين يعملون بها بحكم وضعهم أو وظيفتهم أو مهنتهم أو فنهم، دون أن يكون هناك سبب شرعي أو استعماله لمنفعة خاصة أو لمنفعة أخرى.
[9]- أصدر الكونجرس الأمريكي قانون سرية البنوك ( Bank secrecy BAS ) والمعروف بقانون عن العملة والثقافات الأجنبية، وذلك بهدف ردع غاسلي الأموال من القيام باستغلال البنوك كقنوات لغسل الأموال.
“Money Laundering: A Banker’s Guide to Avoiding Problems”, Office of the Comptroller of the Currency Washington, DC December 2002, p 9.
[10]- Jorge Anaya Ayala, ricardo Trejo, Rafael Fernadez de lara, « politicas contra el lavado de dinero aplicables a instituciones de cridito y sociedades financieras de objeto limitado », boletin Mexicano de derecho comparado, nueva serie, ano XLI, num.121 enero-abril de 2008, p 16.
[11]- طبقت مصر نظام سرية الحسابات المصرفية عام 1990 بموجب القانون رقم 205، ثم تعدل هذا الأخير بقانون رقم 97 لعام 1992بشأن سرية الحسابات في البنوك، حيث لا يجوز الإطلاع عليها إلا في حالات خاصة بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين… ثم جاء تعديل سنة 1992 في القانون رقم 97 بحيث يسمح للنائب العام أو من يفوضه بالإطلاع على حسابات أو وودائع أو أمانات أو خزائن العملاء وتؤدي كثرة الاستثناءات والتعديلات في القانون المصري إلى الكشف على حسابات العملاء بسهولة مما يوضح التردد في منح الحصانة للأموال المودعة في البنوك المصرية.
[12]- سعود ذياب العتيبي، المرجع السابق، ص 146.
[13]- فقد يتنازل الزبون عن سر المهنة الذي وضع لمصلحته ويعفي المصرف من واجب التكتم، ولكن حتى ولو رفض العميل إعفاء المصرف من الشهادة فإنه يعود للمحاكم عندئذ حق تقدير النتائج التي قد تترتب عن عدم أداء الشهادة قياسيا على القرائن التي يمكن استنباطها.
[14]- ظهير شريف رقم 1.05.178 صادر في 15 محرم 1427 (فبراير 2006) بتنفيذ القانون 34.03 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

………………………………………………………………………………………..

المطلب الثاني: التزامات المؤسسات المالية في مكافحة جرائم غسيل الأموال

فرض المشرع المغربي العديد من الالتزامات القانونية، أثناء ممارسة تلك المؤسسات المشار إليها في قانون مكافحة غسيل الأموال45.03 من خلال الفرع الثاني المعنون “بالتزامات الأشخاص الخاضعين”، وهذا ما كرسه نظيره الكويتي في المادة الثالثة من القانون رقم 35 لسنة 2002، ومما لا ريب فيه أن التطبيق السليم والجيد لهذا القانون يتطلب فرض مثل هذه الالتزامات و السهر على تطبيقها، و بالتالي كان لابد أن تمتثل هاته المؤسسات للقواعد القانونية، بحيث إن أية مخالفة لها توقع مرتكبها تحت طائلة المسؤولية الجنائية.

* نطاق الالتزامات من حيث الأشخاص والموضوع:

تنص المادة الثانية من قانون غسيل الأموال 43.05 على الأشخاص الخاضعين لهذا الأخير سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين خاضعين للقانون العام أو الخاص باستثناء الدولة([1]). وقد أثار الاستثناء ردود فعل داخل قبة البرلمان أثناء مناقشة هذا القانون، حيث أن الدولة تعتبر من الأشخاص المعنوية والتي يجب أن تخضع لهذه المقتضيات([2]).
نستنتج من هاته المادة الثانية ملاحظتين أساسيتين:
الأولى هي اتساع نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون من حيث الأشخاص الخاضعين له وذلك من خلال استعمال عبارات عامة للدلالة على ذلك« تطبق أحكام هذا الباب على الأشخاص الذاتيين وعلى الأشخاص المعنوية الخاضعين للقانون العام أو الخاص باستثناء الدولة،…». ومن هنا فالتعداد الذي ورد في الفقرة الثانية من هاته المادة يعتبر على سبيل المثال لا الحصر، حيث يمكن إضافة بورصة القيم …إلخ. أما الملاحظة الثانية هي اتساع نطاق تطبيق هذا القانون على المستوى الموضوعي للالتزامات، حيث لا تقتصر على ما ورد في الفرع الثاني « التزامات الأشخاص الخاضعين» بل تمتد لجميع التعليمات والقرارات الوزارية ذات الصلة بمكافحة غسيل الأموال، كالإلتزامات الواردة في دورية بنك المغرب رقم 36/و/2003([3]).
وفي هذا الصدد، تعتبر تعليمات بنك المغرب لها نفس الأثر والإلزام القانوني للمؤسسات المصرفية في مجال غسيل الأموال، كما تترتب عن مخالفتها نفس الجزاءات القانونية الواردة بالقانون.
فما هي الالتزامات التي يجب على البنوك أو المؤسسات المصرفية بصفة عامة احترامها؟

الفقرة الأولى: الالتزام بمبدأ «اعرف عميلك»
يعتبر هذا المبدأ من أهم الركائز التي تقوم عليها سياسة مكافحة غسيل الأموال، فهو يهدف بالأساس إلى منع استغلال أو استخدام البنوك وغيرها من المؤسسات المالية كقنوات لغسيل الأموال من جانب بعض العملاء، وما ينبغي أن تقوم به المؤسسات المالية، لا سيما البنوك، من تطوير المعايير وطرق الحصول على المعلومات عن العملاء([4]).
وفي هذا الإطار قرر البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السماح للبنوك بحرية تطوير نظامهم الداخلي للتعرف على العملاء و التعامل معهم، طالما أن هذا لا يخل بالهدف الرئيسي من تطبيق سياسة “اعرف عميلك”، شريطة توفر البرامج على بعض المعايير والمعلومات التي تمثل الحد الأدنى لأي برنامج يضعه أي بنك من البنوك الأمريكية([5]). وهو ما كرسه أيضا بنك الكويت المركزي تعليمات على البنوك تتلخص في أن يكون لها سياسة واضحة مكتوبة ومطبقة من طرف مجالس إدارتها وذلك باحترام الحد الأدنى من المعلومات والبيانات التي يجب استيفاؤها قبل الموافقة على فتح الحسابات، بما فيها هوية العميل، مهنته أو نشاطه، مصادر الدخل، الغرض من فتح الحساب، وغير ذلك من المعلومات.

إلا أنه وحسب بعض الفقه([6]) حصر مبدأ “اعرف عميلك” في فتح الحسابات أمر قاصر وضيق، حيث يجب أن يمتد هذا المبدأ أيضا لكافة التعاملات المصرفية بما فيها الودائع، منح التسهيلات والقروض، إيجار الخزائن الحديدية…

وبالرجوع للمادة الثالثة من قانون غسيل الأموال المغربي و خاصة الفقرة الثانية منها نجدها تنص على أنه « يجب على الأشخاص الخاضعين، إذا كان الزبون شخصا معنويا، التحقق بواسطة الوثائق والبيانات اللازمة من المعلومات الخاصة بتسميته وشكله القانوني ونشاطه وعنوان مقره الاجتماعي ورأسماله وهوية مسيرته والسلط المخولة للأشخاص المؤهلين لتمثيله إزاء الغير أو للتصرف باسمه بموجب وكالة».
ومن هنا يمكن أن نستشف، بأن المشرع منع على المؤسسات المصرفية فتح الحسابات للأشخاص المعنوية إلا بعد استيفاء كل إجراءات تحقيق الهوية. وهو ما أكدته المادة السادسة من منشور بنك المغرب رقم 36/و/2003 الذي أشار إلى كل هاته الشروط مع إضافة الإجراءات المتعلقة بالأشخاص المعنوية في طور الإنشاء([7])، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن جميع الأشخاص المعنوية كالمجموعات ذات النفع الاقتصادي، المجموعات ذات الفائدة العامة، الشركة مجهولة الاسم، ملزمة بأن تدلي لمؤسسات الائتمان بالعناصر المكملة لتحقيق هويتها الخاصة طبقا للنصوص المنظمة لها.
أما بخصوص الزبون كشخص طبيعي، فالملاحظ أن قانون مكافحة غسيل الأموال 43.05 لم يقم بتحديد المعلومات التي يجب على البنك أو المؤسسات المصرفية استيفاؤها قبل فتح الحساب، إلا أنه بالرجوع للمادة 5 من منشور بنك المغرب رقم 36/و/2003 نجدها تنص على كل الوثائق التي تثبت هوية الزبون والتي يمكن أن تكون صادرة عن سلطة مغربية أو أجنبية متضمنة صورته وتجب أن تتضمن:
– الاسم العائلي والشخصي
– رقم بطاقة التعريف الوطنية للمواطنين المغاربة ومدة صلاحيتها،
– رقم بطاقة التسجيل (la carte d’immatriculation )، وذلك للأجانب المقيمين ومدة صلاحيتها،
– رقم جواز السفر أو أي وثيقة تثبت هوية الأجانب الغير المقيمين بالخارج، ومدة صلاحيتها،
– العنوان بدقة،
– المهنة،
– رقم التسجيل بالسجل التجاري بالنسبة للأشخاص الطبيعية الذين يكتسبون صفة تاجر و المركز الذي تم تسجيلهم به.
و لم يكتف المشرع المغربي بفرض هذه الالتزامات على الزبناء المعتادين، وإنما أيضا العرضيين حينما نص في الفقرة الأولى من المادة الثالثة على أنه « يجب على الأشخاص الخاضعين جمع كل عناصر المعلومات التي تمكن من تحديد هوية زبنائهم المعتادين أو العرضيين».وهذا توجه يؤكد المقاربة أو السياسة الوقائية التي يعتمدها المشرع المغربي في مكافحة غسيل الأموال.
ويمكن جمع المصطلحين معا – العملاء العرضيين والعملاء الطارئين- في مصطلح واحد هو «العملاء العابرون» وهم الذين لا توجد لهم حسابات أو علاقة قائمة مع البنوك ويتقدمون بطلب خدمات ما، وإجراء عملية أو صفقة مع البنوك كتبديل العملات أو إجراء تحويل مصرفي للخارج أو استئجار خزائن حديدية وغيرها من الخدمات المصرفية([8]).
و السؤال الذي يطرح هنا هل هناك شروطا معينة تتعلق بحجم أو نوع العملية المصرفية التي يتعين على البنك أن يطبق عليها سياسة «اعرف عميلك»؟

ففي الولايات المتحدة الأمريكية قرر البنك الفيدرالي أن هذه السياسة يتعين على كل بنك أن يقوم بتطبيقها بغض النظر عن حجم العملية المصرفية، و بصرف النظر عن تكوينها وشكلها من الناحيتين المصرفية والقانونية، وعليه يجب على البنك تطبيق هاته السياسة على جميع العمليات البنكية([9]). إلا أن بعض البنوك الأمريكية أبدت مخاوفها من التطبيق الصارم لهاته القاعدة الذي قد يؤدي إلى الحد من قدرتها التنافسية في القيام بالعمليات المصرفية على المستوى الدولي في فروعها الأجنبية والذي لا يتماشى مع السرية التي يرغب فيها الزبناء في المعاملات الدولية. ورغم كل ما قيل فإن البنك الاحتياطي الفيدرالي صمم على تطبيق هاته القاعدة حتى في المعاملات الدولية حرصا على سمعة البنوك الدولية الأمريكية ودرءا للمعاملات المشبوهة.

أما في المغرب فإن المشرع قام بتحديد قيمة المبالغ التي يجب التبليغ عنها، حيث ذكر في المادة الثامنة من ق. 43.05 أنه يجب « على الشخص الخاضع القيام بدراسة خاصة لكل عملية تهم مبالغ يفوق مبلغها الفردي أو الإجمالي المبلغ المحدد من طرف الوحدة».
ولحد الآن لم تقم الوحدة بتحديد قيمة المبالغ وذلك راجع لعدم صدور نص تنظيمي يحسم في هذه النقطة.

الفقرة الثانية: التحقق من هوية المستفيد من الحساب وسلطته في تشغيله
يجعل البنك المركزي الكويتي من واجب البنوك التحقق من أن العميل الذي فتح الحساب باسمه هو المستفيد منه مباشرة. وهذا يشير إلى أنه يجب على البنك التحقق من أن العميل هو الذي يجري كل العمليات على حسابه لنفسه ولصالحه، وبعبارة أخرى، فإنه ينبغي أن يكون العميل هو المستفيد الحقيقي من الحساب المفتوح باسمه. ويسري هذا الالتزام بالنسبة إلى الحسابات الجديدة بكافة أشكالها، وكذلك بالنسبة للحسابات القائمة لدى البنوك([10]).
إلا أن الصعوبة تكمن في كيفية التحقق من أن العميل هو المستفيد من الحساب المفتوح باسمه، وكيفية التحقق من سلطة الشخص القائم بتشغيل الحساب نيابة عن العميل؟([11]).
في هذا الإطار، قرر البنك الكويتي المركزي بأنه يتعين على البنوك استيفاء إقرار من العميل عند فتح الحساب يفيد بأنه المستفيد من الحساب المفتوح باسمه([12]).

وتنص تعليمات بنك الكويت المركزي بأنه « في حالة قيام العميل بفتح حساب نيابة عن الغير، فإنه يتعين استيفاء المستندات المؤيدة لطبيعة ونطاق التمثيل القانوني »([13])، فهذا البند ينص على حالة فتح حساب باسم آخر. وذلك كأن يكون وكيلا عنه في هذا الشأن.

وفي هذا الصدد نجد المادة الخامسة من ق. 43.05 تنص على أنه يجب على البنـوك « التأكد من هوية الآمرين بتنفيذ عمليات يكون الغير مستفيدا منها:
– التحري حول الهوية الحقيقية للأشخاص الذين يتم فتح حساب أو تنفيذ عملية لفائدتهم عندما يبدوا لهم أن الأشخاص الذين طلبوا فتح الحساب أو إنجاز العملية لم يقوموا بذلك لحسابهم الخاص،
– التحري حول هوية الأشخاص الذين يتصرفون باسم زبنائهم بموجب توكيل…».
وبهذا المقتضى يجب على البنوك استيفاء جميع المستندات التي تفيد فتح حساب للغير عن طريق الوكالة، أو المستندات المؤيدة للنيابة في فتح الحساب فيها لو كان يفتح لقاصر مثلا([14])، وأيضا يجب على البنك التحقق من أن للوكيل سلطة في فتح الحساب وإدارته.
و هذه المقتضيات تنطبق على الحسابات التي يفتحها المحامون نيابة عن عملائهم، إذ يتعين على البنوك استيفاء إسم أو أسماء العملاء المستفيدين من الحسابات المذكورة مؤيدة بالمستندات القانونية اللازمة([15]).
هذا المقتضى كرسته المادة الرابعة من منشور بنك المغرب رقم 36/و/2003 التي تنص على أنه يجب على جميـع مؤسسات الائتمـان القيام بأخذ أو استيفـاء جميع المعلومات

والوثائق، سواء من المستفيدين من الحساب أو وكلائهم([16]).

الفقرة الثالثة: التزامات أخرى

أولا: عدم فتح حسابات مجهولة وبأسماء وهمية والحسابات الرقمية:
المقصود بالأسماء الصورية أن يقوم الغاسل بإيداع الأموال متسميا باسم شخص آخر له وجود في الواقع. أما المقصود بالأسماء الوهمية هو أن يقوم الغاسل بالتسمي باسم لا وجود له في الواقع. والمغزى من جمع الأسماء الوهمية والأسماء الصورية هو أنه في كلتا الحالتين يتم إخفاء الشخصية الحقيقية لمودع المال مما يحول دون التعرف على حقيقة مصدر المال محل الإيداع.
نص المشرع المصري على هذا المقتضى في المادة الثامنة من قانون رقم 80 لسنة 2002 المتعلق بمكافحة غسل الأموال بقوله « لا يجوز لها (أي المؤسسات البنكية) فتح حسابات أو ربط ودائع أو قبول أموال أو ودائع مجهولة أو بأسماء صورية أو وهمية».
ويرى بعض الفقه([17]) أن هذا الحظر الوارد بشأن الحسابات المذكورة – الذي ينتج عنه جريمة غسيل الأموال- يرتب على المؤسسات المالية التزامان، الأول يتمثل في إغلاق الحسابات القائمة عند دخول قانون مكافحة غسيل الأموال([18]) حيز التنفيذ والتي تدخل في زمرة الحسابات المجهولة أو الصورية أو الوهمية. أما الثاني يتمثل في إلزام البنوك بعدم فتح مثل هذه الحسابات في المستقبل.
وإذا كان القانون المغربي لا ينص على منع المؤسسات المالية من مسك حسابات مجهولة أو حسابات بأسماء وهمية و لم ينظم الاحتفاظ بالحسابات الرقمية، فإنه بالمقابل ألزم المؤسسات المالية بالتعرف على العملاء قبل فتح حسابات من هذا النوع ([19]).
وتجدر الإشارة إلى أنه هناك فرقا بين قاعدة سرية الحسابات المصرفية وبين الحسابات السرية. فالأولى تعني التزام البنك بالمحافظة على أسرار عملائها ومراكزهم ومعاملاتهم المالية في علاقتهم مع البنك من إطلاع الغير عليها دون مبرر مشروع أو مسوغ قانوني([20]). أما الثانية فهي تلك الحسابات التي لا هوية حقيقية لها كالحسابات المجهولة أو الغير الاسمية – الحسابات الرقمية-، وكالحسابات بأسماء وهمية أو زائفة([21]).

ثانيا: الإبلاغ عن المعاملات والصفقات المشبوهة:
امتثالا لتوصية لجنة FATF([22]) رقم 24 التي تحث على الإبلاغ عن الصفقات المالية الكبيرة أو المشبوهة إلى الأجهزة المختصة كالحكومة أو الوكالات المركزية، والتي تتجاوز مبلغا معينا، وهو ما تبنته جل القوانين الوطنية في علاقة بمكافحة غسيل الأموال.
فالمادة الرابعة فقرة الثالثة من القانون الكويتي رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال تنص على أنه يجب على البنوك و غيرها من الشركات و المؤسسات المالية « الإبلاغ عن أي معاملة مالية مشبوهة اتصل علمها بها»، ويبدو أن هذه المادة ألقت مباشرة على البنوك وغيرها من الشركات والمؤسسات المالية الالتزام بالإبلاغ عن المعاملات المشبوهة إلى الجهات المختصة بالتحقيق في جرائم غسيل الأموال وهي النيابة العامة([23]).
أما المادة الثامنة من القانون المصري المتعلق بمكافحة غسل الأموال تلزم المؤسسات المالية بإخطار الوحدة عن العمليات المالية التي يشتبه في أنها تتضمن غسل أموال والمشار إليها في المادة الرابعة من نفس القانون. وبهذا نلاحظ أن القانون المصري عكس القانون الكويتي، ضيق من دور البنوك والشركات وغيرها من المؤسسات المالية وجعله محصوراً في إرسال تقارير عن المعاملات المشبوهة إلى الوحدة التي تنشأ لدى البنوك المركزية، هاته الأخيرة تقوم إما بالتحقيق وإصدار القرارات بشأن التقارير المرسلة إليها، أو القيام بإبلاغ النيابة العامة بذلك.

بالرجوع إلى قانون 43.05 نجده قد خصص القسم الفرعي الثاني لهذا المقتضى تحت عنوان: «التصريح بالاشتباه»، حيث يلزم من خلال المادة التاسعة الأشخاص الخاضعين له التصريح بالاشتباه إلى الوحدة فورا وذلك: بشأن جميع المبالغ أو العمليات المشتبه ارتباطها بغسيل الأموال وأيضا بشأن كل عملية تكون هوية الذي أصدر الأمر بشأنها أو المستفيد منها مشكوكا فيها([24]).

إلا أن هذا الإجراء – الإبلاغ – لا يتطابق مع ما جاء في التوصية 13 التوصيات الأربعين، حيث نص على أن يكون الإبلاغ منطبقا على الأقل على الأموال المتحصلة من كافة الجرائم التي يجب تضمنيها في الجرائم الأصلية لغسل الأموال وفقا للتوصية الأولى، وهذا ما لا نجده في قانون43.05 عندما نص في المادة 574-2 على الجرائم التي ينتج عنها غسيل الأموال وهي لا تغطي الفئات العشرين للجرائم المحددة في التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي.
وقد نصت المادة 33 من نفس القانون على التصريح بالاشتباه بشأن الأفعال والعمليات بجريمة إرهابية أو إذا كان الغرض منها تمويل الإرهاب والمنصوص عليها في المادة 32.

في هذا الصدد يمكن أن نسجل على القانون المغربي أنه لا يتطابق بشأن تعريف تمويل الإرهاب مع المعايير الدولية، إذ حصر صور تمويل الإرهاب في ارتكاب عمل إرهابي دون أن يشمل استخدام الأموال بواسطة منظمة إرهابية أو بواسطة شخص إرهابي، وبهذا فالالتزام بالإبلاغ عن مثل هذه العمليات لا يغطي هو الآخر كافة صور تمويل الإرهاب.

أما الإبلاغ عن محاولة إتمام عمليات مشبوهة، فلم يتضمن التشريع المغربي أية مقتضيات في هذا المجال، وهو ما يتنافى مع التوصية 13 التي نصت على أن يكون ذلك واجبا ملزما([25]).
وتجدر الإشارة إلى أن الواقع العملي لم يشهد تقديم أي بلاغات إلى وحدة معالجة المعلومات المالية المنصوص عليها في القانون([26]).

ثالثا: الالتزام بالرقابة الداخلية:
لقد عمل البنك المركزي الكويتي على فرض مجموعة من المقتضيات تعزيزا لنظم المراقبة الداخلية من خلال مجموعة من التعليمات والتي على البنوك احترامها([27])، يمكن إجمالها فيما يلي:
أ- إعداد سياسة وإجراءات واضحة ودقيقة معتمدة من مجلس البنك تتضمن سياسة البنك بالنسبة لمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تتلاءم مع التشريعات المحلية والقرارات الوزارية ذات الصلة وتعليمات بنك الكويت المركزي في هذا الشأن، كما يجب أن تتضمن تلك السياسة تعريفا واضحا للعمليات المشار إليها وأنماطها المختلفة وطرق اكتشافها وتعقبها، بالإضافة إلى النص على الحد الأدنى من الإجراءات التي يتعين على الموظفين المعنيين القيام بها لدى اكتشاف أية حالة تثير الشبهة بأنها من تلك العمليات([28]).
ب- إبداء رأي واضح من طرف تقرير مراقب الحسابات الخارجي عن نظم الرقابة الداخلية، وذلك في تقريره، الذي يجب أن يتضمن مدى التزام البنك بالقوانين المحلية، والقرارات الوزارية، وتعليمات بنك الكويت المركزي المتعلقة بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى مدى الالتزام بسياسات وضوابط البنك في هذا الخصوص([29]).
ج- إنشاء وحدة – إدارة مستقلة ومتفرغة – تتبع لرئيس مجلس الإدارة في البنك، ويعين فيها أطر على درجة عالية من الكفاءة والخبرة في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتكون مهمة الوحدة هي التحقق من مدى التزام البنك بالقوانين والقرارات الوزارية والتعليمات الرقابية، وكذلك السياسات والضوابط والإجراءات الموضوعة من قبل البنك الخاصة بمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب([30]).

تلزم المادة 12 من قانون غسيل الأموال المغربي الأشخاص الخاضعين بوضع تدابير داخلية للحيطة والكشف والمراقبة تمكن من احترام الالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون. وفي هذا الصدد لم يرد في القانون أو أية لائحة تنفيذية أو تعليمات (دوريات)، أي ذكر لتفصيلات تلك الأنظمة الرقابية الداخلية. أما بخصوص مؤسسات الائتمان فتنص المادة 84 من القانون البنكي الصـادر في 2006 على إلزام هذه المؤسسات بالتقيد بواجب اليقظة فيما يتعلق بكل عملية يكون الداعي الاقتصادي إليها أو طابعها المشروع غير واضح.

كما أن المادة 25 من دورية المغرب المشار إليها سابقا، تطلب من مؤسسات الائتمان تحسيس أعوانها بالمخاطر التي تواجهها في حالة استعمالها لأغراض غير مشروعة([31]).
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الالتزام لا يفرض على الأشخاص الخاضعين داخل المغرب فقط، وإنما على الذين يوجدون بالخارج أيضا، وفي هذا الصدد نصت المادة الثامنة من قانون مكافحة غسيل الأموال على أنه يجب على الأشخاص الخاضعين التأكد من تطبيق الالتزامات المحددة في هذه المادة من قبل فروعهم أو المؤسسات التابعة لهم التي يوجد مقرها بالخارج، وذلك دون أن يتوقف ذلك، على مدى كفاءة تطبيق توصيات مجموعة العمل المالي في الدول الأجنبية، ما عدا إذا كان التشريع المحلي في البلد المضيف يحول دون ذلك. وفي هذه الحالة يقومون بإخبار الوحدة بذلك باعتبارها الجهة الرقابية عليهم في هذا المجال([32]).

[1]- département fédéral de justice et police, MROS, 10éme rapport annuel 2007, avril 2008, p 70.
[2] – حيث أبرز المتدخلون أنه من الضروري تحديد مفهوم “الدولة” رفعا لأي لبس أو غموض خصوصا إذا ما كان هذا الاستثناء يشمل وزارات معينة، أو مؤسسات عمومية تابعة للدولة. حيث عبرت بعض الآراء عن تخوفها من استغلال هذا الاستثناء لتمرير امتيازات وتفويتات لشخص له ارتباط أو يمارس غسل الأموال.
إلا أنه كان جواب وزير العدل حول سبب استثناء الدولة هو عدم تحديد النص للائحة حصرية للأشخاص الخاضعين، أما مؤسسات الائتمان فهي تبقى خاضعة لهذه المقتضيات ولو كانت للدولة اعتبارا لأنها شخصية معنوية مستقلة، الأعمال التحضيرية لقانون غسل الأموال، المنعقدة بالبرلمان في 19-21و 28 فبراير 2007 .
[3]- في هذا الصدد، عمل بنك المغرب، منذ دجنبر 2003، على تحديد القواعد الدنيا التي يتعين على مؤسسات الائتمان مراعاتها بمقتضى واجب اليقظة تجاه الزبناء، كلمة السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، الحملة الوطنية التحسيسية تحت شعار «الوقاية من غسل الأموال، ضمانة لاقتصاد سليم »،بنك المغرب، الأربعاء 31 أكتوبر 2007، الرباط ص 6.
[4] – Swissbanking, la suisse et sa place financière, février2006, p 6.
[5] – هذه الشروط هي: 1- تحديد الهوية الحقيقية للعميل: 2- تحديد مصدر أموال العميل أو مصادر تمويل عملياته المصرفية 3- تحديد العمليات المألوفة التي يقوم بها العميل مع البنك بصفة اعتيادية.4- مراقبة النشاط المصرفي للعميل للتأكد مما إذا كانت العمليات المصرفية التي يقوم بها تدخل في النطاق المألوف والمتوقع للنشاط العام لهذا العميل في إطار مهنته أو حرفته التجارية مثلا 5- تحديد وتعيين العمليات المصرفية للعميل والتي يظهر أنها غير متوافقة مع نشاطه العادي المألوف أو المتوقع. 6- التأكد بقدر الإمكان عما إذا كانت العملية المصرفية التي يقوم بها العميل تحيط بها الشبهات وفقا للسياسة التي يضعها البنك. جلال وفاء محمدين، مكافحة غسيل الأموال طبقا للقانون الكويتي رقم 35 لسنة 2002، سلسلة البنك الصناعي، سبتمبر 2003 ص 64.
[6] – جلال وفاء محمدين، نفس المرجع، ص 65.
[7] – المادة 6 من منشور بنك المغرب رقم 36/و/2003 تنص على أنه:
«Dans le cas de société en cours de constitution, l’établissement de crédit doit exiger la remise du certificat négatif, le projet des statuts et recueillir tous les éléments d’identification des fondateurs et des sou–SS–eurs du capital ».
[8] – جلال وفاء محمدين، المرجع السابق، ص 67.
[9] – من فتح حسابات أو قبول ودائع أو القيام بتحويل أو قبول أو سحب أوراق تجارية، أو فتح خزائن حديدية أو منح تسهيلات أو الحصول على قروض إلى غير ذلك من عمليات مصرفية أخرى.
[10] – بند رقم 5 تعليمات بنك الكويت المركزي رقم (2/رب/92/2002).
[11] – LANBELET Jean-christian, le blanchiment d’argent en suisse, séminaire d’économie national, université de Lausanne, p 48.
[12] – بند رقم 5 تعليمات بنك الكويت المركزي رقم (2/رب/92/2002).
[13]- البند 5 الفقرة 2 (تعليمات بنك الكويت المركزي).
[14]- جلال وفاء محمدين، المرجع السابق، ص 70.
3- البند رقم 5 فقرة 2 ( تعليمات بنك الكويت المركزي)
[16]- Art 4 : «préalablement à l’ouverture de tout compte, les établissements de crédit doivent avoir des entretiens avec les postulants et, le cas échéant, leurs mandataires, en vue s’assurer de leur identité et de recueillir tous les renseignements et documents utiles relatifs aux activités des titulaires des comptes et à l’environnement dans lequel ils opèrent notamment lorsqu’il s’agit des personnes morales ou d’entrepreneurs individuels… » circulaire N° 36/G/2003.
[17] – عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية ونصوص التشريع، دار الفكر الجامعي، 2006، ص 215.
[18] – قانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال.
[19]- وقد وقفت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA FATF على أن جميع المؤسسات المالية تحتفظ بحسابات لعملائها لا تفتح هذه الأنواع من الحسابات.
[20]- كما سبق التطرق إليه في المطلب الأول. ماجد عمار، المرجع السابق، ص 141.
[21]- وفي هذا الإطار نجد أن الفقه طرح عدة تساؤلات بشأن الالتزام المنصوص عليه في المادة (8/2) من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002، والذي يمنع من فتح حسابات أو ربط ودائع أو قبول أموال أو ودائع مجهولة أو أسماء صورية أو وهمية ومدى تعارض هذا الالتزام مع ما نصت عليه المادة 2 من القانون 205 لسنة 1990 في شان سرية الحسابات المصرفية، حيث حظر فتح الحسابات المجهولة أو بأسماء صورية أو وهمية.
وفي هذا الصدد نجد من نحى منحى القاعدة التي تقول النص اللاحق (قانون مكافحة غسل الأموال). ينسخ النص السابق (قانون سرية الحسابات المصرفية)، إلا أن الفريق الثاني يرى إمكانية تطبيق النصين في وقت واحد.
[22]- يطلق عليها أيضا فرقة عمل الإجراءات المالية وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية ومجموعة التدخل المالي الدولي ويرمز إليها باختصار FATF.
وتتكون عضوية اللجنة حاليا من 29 دولة ومنظمتين دوليتين هما اللجنة الأوروبية ومجلس التعاون الخليجي، ومن المتفق عليه أن تواصل اللجنة أعمالها لغاية 2004، كما أنها ستواصل وجودها وأداء مهامها بعد هذا التاريخ بشرط موافقة الأعضاء على ضرورة التمديد
[23]- المادة 5 من القانون رقم 35 لسنة 2002 «يحدد النائب العام الجهة المختصة بالنيابة العامة لتلقي البلاغات عن عمليات غسيل الأموال المنصوص عليها في هذا القانون». وحتى تاريخ هذا البحث لم يصدر من النائب العام أي قرار يحدد تلك الجهة من النيابة المختصة بتلقي البلاغات عن جرائم غسيل الأموال. جلال وفاء محمدين، المرجع السابق، ص 77.
[24]- على أن تحدد وحدة معالجة المعلومات المالية البيانات التي يجب أن يتضمنها التصريح بالاشتباه، وكذا طبيعة العمليات الخاضعة للتصريح ومبالغها الأدنى.
[25]- أما العمليات المتعلقة بالمسائل الضريبية، فلم يتم استثناء أية معاملات مالية من هذا النوع من مطلب الإبلاغ إلى الوحدة في حال الاشتباه بها. وهو ما يعني خضوعها كسائر العمليات الأخرى لهذا الالتزام بذات القدر. ما يحقق المعيار 13-4.
[26]- وذلك راجع لسبب عدم إنشاءها حتى الآن وحداثة دخول القانون حيز التنفيذ (ماي 2007)، وفي هذا الإطار أفادت بعض السلطات المغربية قبل صدور القانون، اقتصر الإبلاغ لبنك المغرب فيما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب على السلوك الطوعي لمؤسسات الائتمان المبني على الالتزام بواجب اليقظة العامة، وأن الحالات التي تم إخطار بنك المغرب بها في هذا الشأن قد تم حفظها.
3- مخلص إبراهيم مبارك، دور البنوك التجارية في الرقابة على عمليات غسل الأموال، رسالة ماجستر، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، سنة 2003 ، ص41.
[28]- تعليمات بنك الكويت المركزي، بند 14(فقرة 1).
[29]- نفس المرجع، بند 14 (فقرة2).
[30]- المرجع السابق، بند 15.
[31]- وقد تبين لفريق التقييم أن المؤسسات المالية غير مطالبة بإنشاء وحدة مستقلة للمراجعة تكون مهمتها اختبار الالتزام بالأنظمة الرقابية والسياسية والإجراءات الداخلية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، غير أن السلطات المغربية أفادت في هذا الشأن أن المادة 51 من القانون البنكي تلزم مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها بالتوفر على نظام ملائم للمراقبة الداخلية يراد به تحديد جميع المخاطر التي تتعرض لها وقياسها ورقابتها.
مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA FATF). مسودة تقرير التقييم المشترك حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، المملكة المغربية 22/10/2007 ، ص 86.
[32]- يلاحظ اقتصار التزام الفروع والشركات التابعة في الخارج على الالتزامات المحددة في المادة الثامنة فقط، وهي تتعلق بدراسة خاصة لكل عملية تضم مبالغ يفوق مبلغها الفردي أو الإجمالي المبلغ المحدد من طرف الوحدة التي تحيط بها ظروف اعتيادية أو معقدة. ولا يبدو أن لها مبررا اقتصاديا أو موضوعيا مشروعا ظاهرا. أما بقية الالتزامات المتعلقة بإجراءات العناية الواجبة، فليس هناك ما ينص على ضرورة الالتزام بها. وهو ما يؤثر ذلك بالضرورة على إبلاغ تلك الفروع والشركات التابعة لوحدة معالجة المعلومات المالية، فيما يتعلق بقدرتها على الالتزام بالمعايير المغربية في الخارج، كما لم ينص القانون أو أية أدوات ملزمة أخرى على الالتزام بالمتطلبات الأشد في حالة وجود اختلاف بين المعايير المغربية والمعايير المحلية في الخارج المتعلقة بإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.