بحث قانوني قيم عن آثار الحيازة في الفقه المالكي والقانون المغربي – دراسة مقارنة

إن موضوع الحيازة من المواضيع التي تثير الكثير من الإشكاليات خصوصا وأن جل الملفات التي تغص بها المحاكم هي من قبيل مشاكل الحيازة خاصة العقارات، وفي هذا الموضوع سنتناول جانب هام من الحيازة، وهي الآثار المترتبة عن الحيازة فقها وقانونا، بعد توفر شروطها الأساسية، وكذا طبيعة الحيازة، هل هي سبب من أسباب نقل الملكية، أم أنها مجرد قرينة دالة على الملك؟

المطلب الأول: آثار الحيازة في الفقه المالكي:

اتفق فقهاء المالكية على أن الحيازة المتوفرة على شروطها، ومضت عليها المدة المعتبرة. فإنها تثبت الملكية للحائز، وفي ذلك يقول الإمام مالك في المدونة: “إذا كان حاضرا يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له”
وهذا ما أكده الشيخ خليل في مختصره حيث قال: “وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم أدعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينته إلا بإسكان ونحوه”
ويقول الحطاب في شرح قول خليل: “لم تسمع ولا بينته”، يعني أن الحيازة المذكورة مانعة من سماع دعوى المدعي ومن سماع بينته أيضا” .
وإذا أكسب الحائز ذلك الشيء بعقد غير مستوف للشروط المتطلبة في مثله، فلا يمكن للغير أن يطلب إبطال ذلك العقد، لأن الحائز أصبح يسند في ملكيته إلى الحيازة لا إلى ذلك العقد. وهذا يعني أن للحيازة أثرين:

أحدهما: أنها تعتبر مثبتة لحق الحائز ومسقطة لدعوى الغير في ملكية الشيء المحاز، بمعنى أن من حاز شيئا طيلة المدة المطلوبة فيه، وتوفرت له الشروط الأخرى، فإنه يصبح مالكا له ولو كان مملوكا لغيره قبل ذلك، لأن الحيازة نقلت ملكيته لهذا الحائز وأزالت ملكية المالك السابق.

وثانيهما: أنها تعتبر مطهرة للملكية من العيوب التي كانت تشوبها قبل توفر شروط الحيازة، بحيث لو فرضنا أن شخصا ملك عقارا بمقتضى عقد بيع غير مستوف لشروط البيع، ثم حاز ذلك العقار طيلة المدة المعتبرة في الحيازة وتوفرت له شروطها، فإنه يصير مالكا لذلك العقار ملكية صحيحة، ويتطهر ذلك العقد من العيوب التي شابته

فإذا كان فقهاء المالكية متفقون على أثر الحيازة من حيث إسقاط دعوى الملكية وإثبات حق الحائز، فإنهم اختلفوا حول طبيعة الحيازة هل هي سبب من أسباب نقل الملكية، أو هي مجرد قرينة دالة على الملك؟

وظهر في هذا الصدد رأيان:

“الرأي الأول: يرى أصحابه أن الحيازة ناقلة للملك ومثبتة له، ولذلك فمن حاز شيئا عقارا أو منقولا بالشرط المعتبرة في الحيازة حتى مرت المدة المطلوبة، فإنه يصبح مالكا لهذا الشيء ويسقط حق المالك السابق” .

“أما الرأي الثاني: يرى أصحابه أن الحيازة قرينة على الملك والدليل عليه، وهي بمثابة الشاهد العرفي الذي يشهد للحائز بأن الشيء المحوز له، ولذلك فهذا الشاهد العرفي لا ينقل الملك للحائز وإنما يثبته له بدعواه مع أدائه اليمين” وفي ذلك يقول ابن رشد: “مجرد الحيازة لا ينقل الملك عن المحوز عليه باتفاق، ولكنه يدل على الملك كإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك من الأشياء، فيكون القول بها قول الحائز مع يمينه” .
وهذا ما ذهب إليه الحطاب في “شرح المختصر” وابن عاصم في “التحفة”، وبناءا على ما سبق “يترتب على القول الأول أن الحائز لا يكلف بأن يحلف اليمين على أن ذلك الشيء له، بناءا على ما ذكرناه من توفر شروط الحيازة ومرور المدة المطلوبة فيها ينقل الملك إلى الحائز ويسقط حق المالك السابق كما يترتب على القول الثاني أن الحائز يكلف بأن يحلف اليمين على صدق دعواه وعلى ملكيته للشيء المحاز، ومرد هذا الاختلاف هو هل العرف ينزل منزلة شاهد فيحتاج معه إلى اليمين أو أنه ينزل منزلة شاهدين فلا يحتاج إلى اليمين” .

المطلب الثاني: آثار الحيازة في القانون:

خلافا لما يراه الفقهاء يرى فقهاء القانون أن الحيازة المتوفرة على شروطها تعتبر سببا من أسباب كسب الملكية، كما أن من حاز منقولا بحسن نية واستندت حيازته إلى سبب صحيح مع الخلو من أي عيب قد يشوب الحيازة فإن هذا الحائز يكسب ملكية ذلك الشيء المنقول، وسنقتصر في هذا المطلب على مسؤولية الحائز حسن النية وسيء النية ومسؤولية الحائز إذا حول المنقول بعمله.

أولا:مسؤولية الحائز حسن النية:

نصت المادة 103 من ق.ل.ع المغربي على أن: “الحائز عن حسن نية يتملك الثمار، ولا يلزم إلا برد ما يكون منها موجودا في تاريخ رفع الدعوى عليه برد الشيء وما يجنيه منها بعد ذلك وهو يتحمل، من ناحية أخرى مصروفات الحفظ ومصروفات جني الثمار. الحائز حسن النية هو من يحوز الشيء بمقتضى حجة يجهل عيوبها”
يتضح من هذا النص أن الحائز حسن النية هو من يحوز الشيء بمقتضى سند ناقل للملكية يجهل عيوبه. وتطبيقا لهذه المادة فالحائز حسن النية يتملك الثمار ولا يلزم إلا برد ما يكون منها موجودا في تاريخ رفع الدعوى عليه برد الشيء أو تلك التي يجنيها بعد ذلك أما الثمار الطبيعية والصناعية والمدنية التي جناها حتى تاريخ الدعوى فيحق له الاحتفاظ بها، أما إذا تعيب الشيء أو هلك وكان في حيازة حسن النية فإن هذا الأخير لا يسأل عن هلاك الشيء أو تعيبه، إلا إذا تسبب فيه .

ثانيا: مسؤولية الحائز سيء النية:

نص قانون الالتزامات والعقود على مسؤولية الحائز سيء النية في الفصلين 101 و102، وحسب مقتضى هذين الفصلين تترتب عن الحيازة مجموعة من الآثار، فمن حيث الثمار يكون الحائز سيء النية ملزما بأن يرد مع الشيء المحوز كل الثمار الطبيعية والمدنية، (الفصل 101 من ق.ل.ع) ومن حيث المصروفات يمكن له استرداد ما أنفقه لحفظ الشيء وجني الثمار، أما مصروفات رد الشيء فتقع على عاتقه. ومن حيث الهلاك والتعييب القاعدة فيه أن الحائز يتحمل تبعة هلاك الشيء وتعييبه ولو لجادت طارئ.

ثالثا: مسؤولية حائز المنقول إذا حوله بعمله:

تنجم عن الزيادة البالغة في قيمة المنقول بسبب عمل الحائز عدة آثار، نص عليها الفصل 104 من ق.ل.ع ولم يفرق فيها بين الحائز حسن النية أو سيئها. ومن بين هذه الآثار أن الحائز له الحق في الاحتفاظ بهذه الزيادة ويرد مقابلها قيمة المادة الأولية وتعويضا تقدره المحكمة مراعية فيه كل المصالح المشروعة للحائز القديم.

من خلال ذكر يتبين أن للحيازة آثار هامة وهي أنها مثبتة لحق الغير ومسقطة لدعوى الغير في ملكية الشيء المحاز.
وفيما يخص طبيعة الحيازة، يتضح أن الرأي الراجح هو أن الحيازة قرينة على الملك ودليل عليه، وأنها بمثابة الشاهد العرفي للحائز بما يحوزه، لذلك فهي تحتاج إلى يمين الحائز، وليس سببا لنقل الملكية أو لاكتسابها كما يتوهم البعض.
وبخصوص آثار الحيازة في القانون، فنجد المشرع المغربي شدد على الحائز سيء النية بخلاف الحائز حسن النية، حيث ألزم الأول بضمان هلاك الشيء ولو بحادث ولم يلزم الثاني