فسخ الصفقات العمومية

الدولة كشخص عام مكلفة بتسيير الشؤون العامة لمواطنيها ، والسهر على راحتهم وأمنهم ، إلا أنه ونظرا لتعدد المشاريع التي يتم برمجتها ، وما تتطلبه من موارد بشرية وتنظيمات معقدة ، فإنها (الدولة) تتفادى احتكار الأشغال وتعتمد على أساليب مختلفة لإدارة المرافق العامة ، وذلك بالدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد والمؤسسات ، هذه الأخيرة التي يمكن أن تكون ذاتية أو معنوية عامة أو خاصة ، كما أن الدولة يمكن أن تلجأ للتعاقد مع أفراد ومؤسسات أجنبية [1]، وجدير بالذكر أن العقود التي تبرمها الإدارة ليست من طبيعة واحدة بل تنقسم إلى قسمين:

-عقود الإدارة التي تخضع للقانون الخاص (contras de droit privé de l’administration ) حيث تنزل الإدارة منزلة الخواص ، ويختص القضاء العادي بالمنازعات التي تنشأ بينها والمتعاقد [2]. .

-عقود الإدارة التي تخضع للقانون العام،وهي ما يعرف بالعقود الإدارية (contrats administratifs) هذه الأخيرة يمكن تعريفها بأنها كل عقد يبرمه شخص معنوي بقصد تسييرا لمرفق العام أو تنظيمه .

وإذا كانت شروط العقد الإداري تتمثل أساسا في :

– ،تضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ؛

– -وان تكون الإدارة ظرفا في العقد ؛

– وأن يتصل العقد بتسيير مرفق عام ، فإن الصفقة تعتبر عقد إداريا بقوة القانون [3].

ونظرا لكون الإدارة تظل محتفظة بكامل صفاتها الأصلية ، وبجميع اختصاصاتها كسلطة عامة تعمل لتحقيق الصالح العام ومكلفة قانونا بتنظيم المرافق العامة ، فإن هذه الصلاحيات التي تملكها الإدارة ، قد تجعلها تلجأ في بعض الأحيان إلى بعض التصرفات ، التي من شأنها الإضرار بمصالح المتعاقد معها ، حيث يجد هذا الأخير نفسه مضطرا للاحتماء من هذه السلطة بجهة أخرى قد تكون جهة الإدارة نفسها ، أو لجن مستقلة ، أو باللجوء إلى القضاء الإداري ، كملجأ أخير يضمن مساواة الجميع أمام القانون .

وهكذا وأمام تنامي لجوء الإدارة إلى التعاقد عبر إبرام الصفقات العمومية ، فإن المشرع عمد على إصدار قانون خاص بهذا الموضوع ، ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 14/10/76 [4]، إلا أنه ونظرا للمشاكل التي كانت تعاني منها الصفقات في إطار هذا المرسوم ،فقد تم تنظيم الموضوع مجددا بمقتضى المرسوم رقم482-98-2 المؤرخ في 30/12/ 1998المتعلق بشروط وأشكال إبرام صفقات الدولة ، وكذا المرسوم رقم 1087-99-2 والمتعلق بدفتر الشروط العامة المطبقة على صفقات الأشغال الصادر في 04/05/2000 [5] وغيره من المراسيم و المناشير المتعلقة بالموضوع .

و لأن موضوعنا يتعلق بالمنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد ، فإنه يمكن لنا التساؤل عن أهم المنازعات التي يمكن أن تنشأ عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد ، إلا أنه قبل أن نتطرق لهذه المنازعات ، فإنه لابد من توضيح الجهة المختصة للنظر في هذه النزاعات ، لذلك ارتادينا تقسيم عرضنا إلى مبحثين وذلك على الشكل التالي:

· المبحث تمهيدي : الاختصاص البت في النزاعات الناشئة بعد إبرام العقد

· المبحث الأول: المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد

· المبحث الثاني : المنازعات المتعلقة بانتهاء الصفقة

المبحث التمهيدي: اختصاص البت في النزاعات الناشئة بعد إبرام الصفقة العمومية

إن المتعامل مع الإدارة يجد نفسه أمام عقد غير عادي ، الشيء الذي به إلى التساؤل عن إمكانية إعمال إرادته لحل النزاع الذي قد ينشأ بينه وبين الإدارة صاحبة المشروع عن طريق التحكيم ( المطلب الأول ) أم أن هذه الإمكانية لا يمكن اللجوء إليها في ظل الصفقة العمومية باعتبارها عقدا إداريا بقوة القانون وبالتالي فإنه يجد نفسه مضطرا للجوء إلى القضاء (المطلب الثاني) .

المطلب الأول : مدى إمكانية اللجوء إلى التحكيم

أمام الدور الكبير الذي أصبح يلعبه التحكيم في المعاملات الوطنية أو الدولية ، يطرح التساؤل عن مدى قانونية الاتفاق على التحكيم في الصفقة العمومية [6]؟ وتظهر أهمية هذا التساؤل بالنظر إلى مركز الإدارة ، المتمثل في كونها أحد أشخاص القانون العام ، هذه الأخيرة التي تستطيع باعتبارها صاحبة السلطة والمصلحة العامة أن تحصل على حقوقها بإصدار أي قرار ترى فيه مصلحة عامة لمرافقها [7].

الفقرة الأولى: استبعاد الصفقات العمومية من مجال التحكيم

لقد أثيرت إشكالية تضمين عقد الصفقة العمومية شرط اللجوء إلى التحكيم في العديد من البلدان ، فبمقتضى الفصل 306 من ق م م نص المشرع صراحة على عدم إمكانية الاتفاق على التحكيم في النزاعات المتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام .

إلا أنه وبغض النظر عن هذا النص القانوني فإن بعض المؤسسات العمومية تنص في كناش التحملات المتعلق ببعض صفقاتها على إلزامية اللجوء إلى التحكيم ، كما هو الأمر بالنسبة للمادتين 16 و26 من كناش التحملات للمكتب الوطني للسكك الحديدية ، وعقدة التسيير التي تربط إحدى الشركات بجماعة الصخور السوداء بالدار البيضاء ، والمتعلقة بجمع النفايات المنزلية حيث تنص عل ما يلي : كل النزاعات التي تحصل أتناء تنفيذ العقد تعرض على لجنة تحكيمية يرأسها عامل عمالة عين السبع الحي المحمدي ومكونة من رئيس جماعة الصخور السوداء و مسير [8] .

أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فالتحكيم غير مشروع كذلك في المنازعات المتعلقة بالدولة والهيئات والمؤسسات العامة إلا انه بالنسبة للمشروعات التجارية والصناعية العامة فيمكن الترخيص لحل نزاعاتها بالتحكيم بمقتضى مرسوم [9] ، وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ عندما اعتبر أن : إدراج شرط التحكيم بالعقود الإدارية يعد باطلا ، وإدراجه لا يعد عائقا في اللجوء إلى القضاء الإداري مباشرة .

الفقرة الثانية : التحكيم كوسيلة لفض النزاع

إذا كان قانون المسطرة المدنية يضع قاعدة عامة مفادها عدم إمكانية اللجوء إلى التحكيم كلما تعلق الأمر بعقود يحكمها القانون العام فإنه بالرجوع إلى مرسوم 30/12/1998 والمتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها نجد الفصل الثاني ينص على انه : يمكن الحيد عن مقتضيات هذا القانون فيما يتعلق بالصفقات العمومية المبرمة في إطار الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها المغرب مع هيئات دولية أو دول أجنبية إذا نصت هذه الاتفاقية أو المعاهدة صراحة على تطبيق شروط وأشكال خاصة بإبرام الصفقات .

و الملاحظ ان هذه المادة تتعلق بالصفقات التي تبرم مع طرف أجنبي ، حيث يجوز في هذه الحالة اللجوء إلى التحكيم ، ولعل المشرع ابتغى من وراء ذلك حل بعض المشاكل والمتعلقة أساسا بالقانون الواجب التطبيق ، وكذا التزاما منه باتفاقية نيويورك المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي ، وقد سارت العديد من الدول في نفس المنحى كما هو الشأن بالنسبة للمشرع التونسي ، الذي اعتبر في حكم ان الدفع ببطلان شرط التحكيم في العقد المبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية و إحدى الشركات الفرنسية لا يعتد به على اعتبار أن التحكيم يعد صحيحا وملزما حتى مع وجود نص تشريعي يضع قيدا على ذلك [10] .

المطلب الثاني : اختصاص المحاكم في المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية

سنتطرق في هذا المبحث للجهة المختصة نوعيا للبت في النزاع (الفقرة الأولى ) وما يطرحه هذا الموضوع من إشكالات (الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : الاختصاص النوعي

إذا كان المشرع قد أجاز سواء للمتعاقد أو لغيره اللجوء إلى الطعن لإلغاء القرارات المنفصلة [11] عن العملية العقدية ، فإنه مباشرة بعد التعاقد يطرح السؤال عن الجهة المختصة للنظر في المنازعات التي قد تنجم عن عقد الصفقة ، خاصة أن الإدارة ونظرا للامتيازات التي تتمتع بها والمستمدة أساسا من مهمتها المتمثلة في الحفاظ على المصلحة العامة ، قد تعمد إلى إصدار قرارات تضر بمصلحة الطرف المتعاقد .

بالرجوع إلى المادة 8 [12] من القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية نجدها تسند الاختصاص للمحاكم الإدارية كلما كان النزاع ناشئا عن عقد إداري ، وبما أن الصفقة العمومية عقد إداري بقوة القانون ، فإن النزاعات الناشئة عن هذا العقد يدخل في الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية ، أي القضاء الشامل بالمحاكم الإدارية ، وهذا الاختصاص يمتد ليشمل جميع المنازعات المتعلقة بالإجراءات التي تتخذها جهة الإدارة بعد التعاقد حتى ولو انصب النزاع على إلغاء قرار اتخذته الإدارة المتعاقدة أثناء تنفيذ العقد وأساس ذلك أن ما تصدره الإدارة م قرارات تنفيذا للعقد مثل القرارات الصادرة بتوقيع أي من الجزاءات العقدية أو فسخ العقد أو إنهائه [13] ، وتكون المنازعات المتولدة عن تلك القرارات والإجراءات هي منازعات حقوقية تدخل في نطاق القضاء الشامل دون قضاء الإلغاء ، ويترتب عن ذلك أن كل نزاع نشأ عن علاقة تعاقدية بين الإدارة والمتعاقد معها يخضع للقضاء الشامل ، وقد تم تكريس هذا المبدأ من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية حيث اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط [14] أن : المنازعة حول قيام الإدارة بفسخ عقد إداري هي منازعة تنصب حول العقد ، وبالتالي يبقى القضاء الشامل هو المختص بالنظر فيها ، وأن القرار الإداري القاضي بفسخ عقد الصفقة هو قرار متصل بالعقد الإداري لا منفصل عنه ، وبالتالي لا يجوز تقديم دعوى الإلغاء في مواجهته نظرا لوجود دعوى موازية ، وقد ذهبت نفس المحكمة في اجتهاد آخر [15] إلى : عدم قبول طلب إلغاء قرار صادر عن الإدارة في إطار تنفيذ العقد معللة حكمها بأنه : حيث إن القرار المطعون فيه لا يعتبر قرارا منفصلا ، وإنما متصل ، وما دام النزاع ينحصر حول تنفيذ بنود العقد ، الشيء الذي يتعين معه على الطاعن تقديم دعواه في إطار القضاء الشامل …..

وبما أن اختصاص القضاء الإداري للبت في منازعات الصفقات العمومية شامل لكل ما يتعلق بتكوين العقد أو تنفيذه أو إنهائه ، فإنه يشمل كذلك المنازعات المتفرعة عن هذا العقد ، ومن بينها المنازعات التي يمكن رفعها في إطار طلبات استعجالية ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش [16] أن : اختصاص القضاء المستعجل الإداري رهين بانعقاد الاختصاص في الأصل للمحكمة الإدارية الذي هو فرع منها ، وفي نفس المنحى اتجهت المحكمة التجارية بالرباط [17] حيث ذهبت إلى : أن الصفقات العمومية موضوع عقود إدارية تختص بها المحاكم الإدارية ، وتبعا لذلك لا يكون القضاء التجاري المستعجل مختصا بإصدار أوامر وقتية ، اما بالنسبة لاختصاص قاضي المستعجلات الإداري في النزاعات الناشئة عن عقد الصفقة ، فإنه وما دام القانون المحدث للمحاكم الإدارية قد أحال بخصوص الموضوع على مقتضيات المسطرة المدنية فإن القضاء المغربي أكد على ذلك من خلال العديد من المناسبات حيث اتجه إلى : اعتبار النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية والصفقات العمومية لايختص بالنظر فيها قاضي المستعجلات الإداري إذا كان البت فيها فيه مساس بالجوهر ، وذلك تطبيقا للمواد 7و19 من القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية والفصل 152 من ق م م .

الفقرة الثانية : الإشكالات المرتبطة بالاختصاص النوعي

بمقتضى المادة 72 من مرسوم 30/12/1998 فإن الإدارة يمكنها القيام مباشرة باقتناء توريدات تسلم في الحال أو إنجاز أشغال أو خدمات في حدود مائة ألف درهم 100.000.00 درهم وبرسم سنة واحدة مع إمكانية رفع هذا المبلغ بقرار يتخذه الوزير الأول بعد استطلاع رأي الوزير المكلف ، وهذا الأسلوب من التعاقد طرح إشكالات قانونية حول الجهة القضائية المختصة نوعيا للبت في النزاع الناشيء بين الإدارة و المقاول أي التعاقد عبر سندات الطلب ، وهكذا فقد اتجهت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في إحدى قراراتها [18] إلى انه : بما أن العقد لا تتوفر فيه مقومات الصفقة العمومية ، وبما أن قيمة المعاملة قد حددت مبدئيا في 90.481.75 درهم ، وبما أنه رخص للإدارات والجماعات الحق في إبرام تعاقدات في إطار القانون الخاص وعن طريق سندات الطلب ، فإنه رغم الهدف المتوخى من وراء التعاقد و المتمثل في المصلحة العامة فإن الاختصاص ينعقد للقضاء العادي طبقا للقانون الخاص وليس لجهة القضاء الإداري ، إلا أن هناك اتجاه آخر للقضاء الإداري المغربي يرى أن مجرد تنصيص الفصل الثاني يمن المرسوم المشار إليه أعلاه على استبعاد العقود التي تبرمها أي إدارة طبقا لشكليات القانون العادي من نطاق تطبيقه ، يعني أن لجوء الإدارة إلى التعاقد عبر سندات الطلب من اجل اقتناء توريدات أو إنجاز أشغال تعدو وبامتياز من مواضيع الصفقات العمومية لا يخرج النزاع من اختصاص القضاء الإداري ، وفي هذا الصدد اتجهت الغرفة الإدارية [19] إلى : انه ورغم عدم إبرام الأشغال – التي تعدت قيمة 100.000.00 درهم في الشكل و الإطار الذي حدده مرسوم 30/12/1998 فإن ذلك لا ينزع عنه صبغة العقد الإداري ، إذ يكفي الاعتماد على مقتضيات المرسوم لاعتبار موضوع ند الطلب عقدا إداريا ، والنزاع بشأنه ينعقد للقضاء الإداري .

وفي اعتقادي المتواضع فإن الرأي الأخير حري بالتأييد ، على أساس أن التعامل مع الإدارة هو من الخطورة بمكان ، لهذا السبب أوجد المشرع المحاكم الإدارية التي تراقب سلطة الإدارة في مختلف تصرفاتها ، و أن منح الإدارة لإمكانية إبرام صفقات دون اللجوء إلى المسطرة المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية كان له ما يبرره ، إذ أن استمرارية المرفق والسرعة تقتضي تجاوز المساطر، إلا أن هذا لا ينبغي أن يتم على حساب المتعاقد ، الذي قد لا يسعفه القضاء العادي في الكثير من الأحيان في الحصول على حقوقه خاصة خلال مرحلة التنفيذ ، على خلاف القضاء الإداري الذي حدت قراراته واجتهادا ته من الامبالات التي اتخذتها الإدارة لسنوات عدة تجاه أحكام القضاء .

المبحث الأول : المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد

كما سبقت الإشارة فإن المنازعات الناشئة عن الصفقة العمومية ينعقد اختصاص البت فيها للقضاء الشامل حيث يملك القاضي سلطات تمكنه من الحكم بتعويض الضرر الناشيء عن تصرفات الإدارة وعن إلغاء بعض القرارات التي وقعت بمقتضاها إجراءات على المتعاقد رافع الدعوى فالإدارة باعتبارها صاحبة المشروع تسهر على تنفيذه بالكيفية التي تراها محققة للمصالح العامة وقد تختلف في ذلك مع المقاول المتعاقد مما قد ينتج عنه عدة منازعات تحتاج إلى حل قضائي ، فإذا كان الهدف الأساسي من إبرام الصفقة العمومية هو بتحقيق المصلحة العامة بالنسبة للإدارة فإن الطرف المتعاقد معها يهدف بالمقابل إلى إشباع رغبته الاقتصادية بحصوله على الربح دون التفريط في رأسماله فإن هذا التعارض في المصالح هو ما يؤدي إلى إخلال احد طرفي العلاقة التعاقدية بالتزاماته سواء تعلق الأمر بالإدارة ( المطلب الثاني ) أو المقاول ( المطلب الثالث ) إلا انه قبل التطرق لبعض مظاهر الإخلال بالالتزامات من الجانبين معا فإنه لابد من إلقاء نظرة عن أهم النصوص القانونية التي قد يقع بشأنها الإخلال فالنزاع ( المطلب الأول ) .

المطلب الأول : النصوص المنظمة للمراسلات والآجال والإجراءات

كما هو معلوم فإن دفتر الشروط الخاصة يحدد بالنسبة لكل صفقة أجل التنفيذ ، وهذا الأجل الذي ينبغي على المقاول أن يتقيد به باعتباره من أهم الالتزامات الملقاة على عاتقه وفي جميع الأحيان فإن اجل تنفيذ الصفقة لا يخرج عن إحدى الصور الثلاث :

الصورة الأولى : أن يتم التعاقد على تنفيذ الأشغال في مدة معينة وهذه هي الطريقة الغالبة في تحديد اجل الصفقات1

الصورة الثانية : أن يتم الاتفاق على أن أجل تنفيذ الصفقة ينتهي بانتهاء الأشغال وكمثال على ذلك أنه إذا كانت الأشغال المتفق على إنجازها تتعلق بتشجير مكان معين فإن هذه الأشغال تنتهي بانتهاء بتشجير آخر شجرة .

الصورة الثالثة : أن يتم الاتفاق أن الأشغال تنتهي بانتهاء بعض المنشآت أو أجزاء منها وهي ما يسمى بالصفقات المحددة بأجل جزئي [20].

على أنه ومهما كانت طبيعة أجل تنفيذ الصفقة فإن كل أجل قرر في العقد لصاحب المشروع أو المقاول فإنه ينطلق من اليوم الموالي ليوم حدوث الفعل أو الواقعة المنشئة للأجل ، كما أن هذا الأخير يعبر عنه بالأيام والشهور [21] .

أما بالنسبة للمراسلات التي تتم بين صاحب المشروع والمقاول فإن هذا الأخير كما ينص على ذلك دفتر الشروط الإدارية العامة يوجه وثيقة إلى صاحب المشروع أو السلطة المختصة أو الوزير ، كما يجب عليه أن يقوم بإيداعها لدى المرسلة إليه داخل الأجل المحدد في حالة تحديده ، وهذا الإيداع يتم بواسطة رسالة مضمونة تفيد الاستلام ، كما أن الإيداع يتم مقابل وصل ، والتاريخ المحدد في الوصل أو الإفادة بالاستلام يعتبر الوسيلة المتبثة كلما ثار نزاع بشأن الآجال .

المطلب الثاني : الإخلال بالالتزام من جانب الإدارة

إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين المعمول بها في المجال القانون الخاص ، لا يمكن للمتعاقد أن يحتج بها كلما تعلق الأمر بصفقة عمومية ، فنظرا لكون هذا لنوع من العقود ينبني على فكرة استمرار المرفق العمومي فإن الإدارة وتحقيقا لهذه الغاية ، يمكنها أن تتدخل لتعديل حجم الأشغال إما بالزيادة أو النقصان بحسب الأحوال وكلما استدعت حاجة المرفق إلى التعديل [22]، إلا انه ينبغي التمييز بين حالتين :

الحالة الأولى : عندما تعمد الإدارة المتعاقد معها إلى التعديل قبل البدأ في تنفيذ الأشغال ، والتعديل في هذه الحالة يعتبر بمثابة صياغة جديدة للصفقة وفي هذا الصدد اتجهت المحكمة الإدارية بأكادير [23] إلى القول بأن : إجراء تعديلات على الصفقة قبل الشروع في تنفيذها يعتبر صياغة جديدة للصفقة في مواصفاتها وشروطها الفنية ويستلزم إعادة النظر في الالتزامات الناشئة عن الاتفاق الأصلي .

الحالة الثانية : عندما تلجأ الإدارة المتعاقدة إلى التعديل بعد بدأ الأشغال ، وحتى لا تبقى سلطة الإدارة مطلقة فقد حدد كناش الشروط الإدارية العامة [24] النسب التي يجب على الإدارة التقيد بها في التعديل ، وهذه النسب تحدد انطلاقا من الحجم الأولي للأشغال ، فطبقا للمادة 53 من دفتر التحملات الإدارية العامة ، يجب التمييز بين وضعيتين :

· الوضعية الأولى : التقليص من حجم الأشغال بنسبة لا تتجاوز % 25 ، فالمتعاقد في مثل هذه الحالة عليه مواصلة الأشغال ، وطلباته الرامية إلى الحصول على تعويض تكون غير مسموعة .

· الوضعية الثانية : عندما تفوق نسبة التقليص % 25 ، والمتعاقد في هذه الحالة له الحق في فسخ الصفقة ، إذا لم يتم بعد البدأ في الأشغال و إلا فيمكن للمتعاقد متى طلبت منه ذلك الإدارة إبرام ملحق الصفقة عن المبلغ الجديد للصفقة ، والإدارة ليس لها الحق في تحديد ثمن الأشغال الإضافية بإرادتها المنفردة ، بل لا بد من التشاور مع المتعاقد لإعداد الثمن الجديد ، وفي حالة عدم الاتفاق بين الطرفين فإن التعديل المقترح من طرف الإدارة يبقى ساري المفعول في حين يبقى من حق المتعاقد اللجوء إلى القضاء لفحص النزاع والتأكد من جدية التعديل المقترح ، وإعادة التوازن المالي للعقد لتعويض المتعاقد عن الأضرار التي تلحق بمركزه التعاقدي ، أو تلك التي تقلب الظروف المالية للعقد [25] .

ومن المنازعات التي قد تنشأ كذلك نتيجة تصرفات الإدارة نجد إمكانية اتخاذها إجراءات من شأنها الإساءة إلى مركز المتعاقد معها ، وهو ما يسمى بنظرية فعل الأمير [26] وفي هذه الحالة فإن المقاول المتعاقد من حقه اللجوء إلى القضاء من أجل الحصول على تعويض يجبر الضرر اللاحق به نتيجة المساس بالتوازن المالي للعقد، وفي هذا الإطار اتجهت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى أن : قيام السلطة المحلية بالزيادة في أسعار الرسوم والمكوس المفروضة على التجار و الحرفيين للدخول إلى السوق الأسبوعي خارج إطار العقد مع ما يترتب عن ذلك من مقاطعتهم للسوق وحصول أضرار للمكتري المتعاقد مع الإدارة يقتضي تعويضه تعويضا كاملا وفق نظرية الأمير [27] .

من المنازعات التي قد تنشأ أيضا أثناء تنفيذ العقد نجد المنازعة المتعلقة بالاتفاق على إنجاز المقاول لأشغال إضافية لم يتم الاتفاق عليها في العقد الأصلي للصفقة ، إلا أنه وما دام هناك عرض خاص بالموضوع فسنكتفي بالنزاعات السالفة الذكر، خاصة أمام صعوبة الإحاطة بكافة صور المنازعات التي يمكن أن تعرض على القضاء .

المطلب الثالث : إخلال المتعاقد بالتزاماته

بعد المصادقة على الصفقة من طرف الجهة المختصة ، فإن دور الإدارة لا ينتهي عند هذا الحد ، وإنما يبقى من حق الإدارة التوجيه والمراقبة ، هذه التي تنصب بالأساس على كيفية تنفيذ المقاول لالتزاماته سواء من حيث الكم أو الكيف أو الأجل ، وبالإضافة إلى هذا الحق ، فإن لها الصلاحية أيضا لتوقيع الجزاءات كلما لم يحترم المتعاقد تعهداته .

فقد منح القانون للإدارة إمكانية اللجوء إلى فسخ الصفقة تلقائيا ، كلما تبث إخلال أو تماطل من جانب المتعاقد معها ، لكن وحتى يتم توقيع هذه الجزاءات لابد من سلوك إجراءات معينة :

أولا : لابد للإدارة من إجراء معاينات للوقوف على الإخلالات المرتكبة من طرف المقاول ، وذلك بواسطة فنيين واختصاصيين في موضوع الصفقة ، وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حيث اعتبرت أن : اعتماد المدعى عليها على انتفاء محضر التسليم النهائي للأشغال قصد التملص من الأداء رغم وجود شهادة المهندس المنتدب من طرفها تفيد انتهاء الأشغال وفق المواصفات المعمول بها في ميدان المعمار يجعل الادعاء بعدم احترام التقنيات الواردة في سند الطلب غير صحيح [28]، وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة ارتأت أنه: يتبين من وثائق الملف ان سير إنجاز الأشغال عرف تعثرا وإخلالات استلزمت إجراء معاينات من طرف الإدارة وتحرير محضر بخصوص كل الأطراف لرصد الإخلالات والمخالفات .

وتعتبر من قبيل الإخلالات بالتنفيذ توقف المقاولة عن أداء الأشغال الملزمة بها ، ولو بسبب عدم أداء الإدارة لمقابل الأشغال المنجزة ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش في إحدى أحكامها : أن المتعاقد مع الإدارة لا يسوغ له أن يمتنع عن الوفاء بالتزاماته حيال المرفق العام بحجة أن تم إجراءات إدارية قد أدت إلى إخلال الإدارة بالوفاء بأحد التزاماتها قبله ، ويتعين عليه –المقاول- أن يستمر في التنفيذ ثم يطالب الإدارة بالتعويض إن كان لذلك مقتضى [29].

وقد يحدث في بعض الأحيان ألا يقوم المقاول بأداء التزاماته نتيجة لقوة قاهرة ،وفي هده الحالة يجب على المقاول الذي يتضرع بحالة القوة القاهرة أن يوجه بمجرد ظهور مثل هذه الحالة وخلال أجل أقصاه سبعة أيام إلى صاحب المشروع تبليغا بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار تتضمن وصف العناصر المكونة للقوة القاهرة ن ونتائجها المحتملة على المشروع ، على أنه إذا استمرت حالة القوة القاهرة لمدة ستين يوما على الأقل ، أمكن لصاحب المشروع تلقائيا أو بطلب من المقاول فسخ الصفقة ، على أنه للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تحديد حالة القوة القاهرة ، وفي هذا الصدد اتجهت المحكمة الإدارية بمراكش …………………………..

إلا أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ألغت الحكم ونفت وجود القوة القاهرة معللة قرارها بما يلي : أن المقاول لم يتخذ التدابير اللازمة لضمان السلامة والنظافة الصحية خاصة ما يتعلق بتزويد الورش بفرق للتنظيف وصيانة شبكة المجاري.

وفي نفس الاتجاه صارت المحكمة الإدارية بالرباط حيث اعتبرت : أنه لا يعد من قبيل القوة القاهرة دفع المقاول بتوقف القوة الكهربائية الضرورية بالمنطقة لإنجاز المشروع موضوع العقد لأن المتعاقد يجب عليه قبل الإقدام على التعاقد مع الإدارة ، واحتلال ملكها ، القيام بجميع الدراسات اللازمة والتأكد من إمكانية تجسيد مشروعها على الصعيد الميداني [30].

ثانيا: من الضمانات الأساسية التي منحها المشرع للمتعاقد:

* ضرورة توجيه إنذار إليه من قبل الإدارة صاحبة المشروع حتى بعد اكتشاف المخالفة ، وهو ما اعتبره القضاء الإداري إجراءا شكليا لا تعفى منه الإدارة إلا إذا وقع التنصيص على ذلك في عقد الصفقة ، إذ أن مهمة القاضي الإداري تتجلى بالأساس في مراقبة سلامة الإجراءات الشكلية ، وكذا الأسباب المعتمدة لاتخاذ الجزاءات ، وهو ما جسدته المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الآتي : …. وكلما قامت الإدارة صاحبة المشروع بسلوك هذه الإجراءات فإن لها الخيار إما القيام مباشرة بفسخ العقد ووضع حد للعلاقة ومصادرة الكفالة ، وهنا يبقى من حق المتعاقد اللجوء إلى القضاء الإداري لمراقبة سلامة الإجراءات المتخذة من طرف الإدارة و المطالبة بالتعويض [31].

* الإنبات : وبما أن المقاول لا يعتبر مخلا بالتزاماته إلا إذا تبت هذا الإخلال فقد ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إلى : الاستناد إلى تقرير لجنة المراقبة الذي يعتبر من صنع الإدارة لا يشكل دليلا كافيا على إخلال المقاول بالتزاماته إزاء الإدارة [32]. وفي نفس الصدد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط إلى : أن الادعاء بكون الجهة المدعى عليها لم تنفذ التزاماتها التعاقدية ، وعدم إرفاق الطلب بأي إجراء لإثبات هذا الادعاء يستتبعه رفض الطلب بسبب افتقاده لعنصر الإثبات [33].

كانت هذه بعض صور المنازعات التي يمكن أن تنشأ أثناء تنفيذ العقد ، والتي يكون المتسبب فيها إما الإدارة أو المقاول ، ويبقى التساؤل عن صور المنازعات التي يمكن أن تنشأ عن انتهاء عقد الصفقة .

المبحث الثاني:المنازعات المتعلقة بإنهاء الصفقة

إن عقد الصفقة العمومية ينتهي بصفة طبيعية بمجرد انتهاء الأشغال وأداء الإدارة المتعاقدة المقابل النقدي [34] ، الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين بعد أن تقوم الإدارة المعنية بإنجاز محضر تسليم الإشغال ، إلا أنه في بعض الحالات قد تتعنت الإدارة بحجة أو بأخرى عن أداء المقابل النقدي ، فما هو الاتجاه الذي سار عليه القضاء في هذه الحالة ( المطلب الثاني ) خاصة أن الإدارة قد تحتج بعدم احترام شروط التعاقد ، ويتعلق الأمر بمصادقة الإدارة المختصة على الصفقة حتى يتمكن المقاول من بدأ الأشغال ( المطلب الثالث )

المطلب الأول : شروط البدء والانتهاء من التنفيذ

إن الصفقة العمومية لا تعتبر قائمة إلا بعد المصادقة عليها من طرف الجهة المختصة ، وكثيرة هي النزاعات التي تنشأ نتيجة تخلف هذا الشرط أو عدم توصل المقاول بقرار المصادقة أو غيرها من الحالات ، فماذا نعني بالمصادقة ؟

إن مصادقة الجهة المختصة على الصفقة العمومية على الصفقة العمومية هي بمثابة قبول الإدارة المعنية على تنفيذ العقد وفق الشروط المتفق عليها في دفتر الشروط الخاصة ، وجدير بالذكر أنه بعد المصادقة على الصفقة ، فإن المقاول لا يمكنه الشروع في الأشغال المتفق عليها إلا بناء على أمر بالخدمة يصدره صاحب المشروع والذي يجب تسليمه داخل أجل أقصاه 60 يوما الموالية لتاريخ تبليغ المصادقة على الصفقة ، على انه يمكن أن يكون نفس الأمر بالخدمة الذي يبلغ المصادقة على الصفقة يأمر كذلك بالشروع في تنفيذ الأشغال ، وفي هذه الحالة يجب أن ينصرم أجل خمسة عشر يوما ما بين تاريخ تبليغ الأمر والبداية الفعلية للأجل التعاقدي للتنفيذ ما لم ينص على خلاف ذلك في دفتر الشروط الخاصة .

وتفاديا لأي نزاع بشأن البدأ في الأشغال فإن المادة 9 من مرسوم 4 ماي 2004 اشترطت أن يكون الأمر بالخدمة كتابيا وموقعا من طرف صاحب المشروع كما يجب أن يكون مؤرخا و مرقما ومسجلا ، وفي حالة ما إذا رأى المقاول أن الشروط الواردة في الأمر بالخدمة تفوق التزاماته عليه تحت طالة سقوط الحق أن يوافي صاحب المشروع في شأنها بملاحظاته المكتوبة ومعللة داخل أجل 10 أيام من تاريخ تبليغ الآمر بالخدمة ، إلا إذا أمر صاحب المشروع بخلاف ذلك [35]، وهذا الامتياز ينبع أساسا من طبيعة المرفق الذي يعهد إلى الإدارة الحفاظ عليه ، ولنفس الغرض فإنه من الشروط الأساسية للدخول في الصفقة العمومية ضرورة تكوين الضمان المنصوص عليه في المادة 12 من مرسوم 4 ماي 2004 السالف الذكر ، وهنا يجب التمييز بين الضمان المؤقت الذي يجب تقديمه من قبل أي متعاقد وبين الضمان النهائي الذي يقدم من قبل نائل الصفقة والذي يعتبر بمثابة رصيد لتامين الالتزامات التعاقدية للمقاول إلى حين التسليم النهائي للأشغال [36]، إلا أنه قد يتم الاتفاق في دفتر الشروط الخاصة على استحقاق المقاول لجزء من الضمانة في حالة التسليم المؤقت لجزء أو عدة أجزاء من المنشأة المراد إنجازها ن كما يمكن لصاحب المشروع في حالة الاتفاق إرجاع جزء من الضمان النهائي في حدود النسبة المقررة لهذا الغرض في دفتر الشروط الخاصة ، والتي تطابق حصة الأشغال المنجزة والمسلمة ، على أنه يمكن إعفاء المتنافسين وأصحاب الصفقات من تكوين الضمانات ، وذلك طبقا للتشريع والتنظيم الجاري بهما العمل .

ولابد من الإشارة إلى أنه بعد تنفيذ المقاول لالتزاماته تنتهي الصفقة بالتسليم ، وهنا ينبغي التمييز بين التسليم المؤقت والتسليم النهائي ، فقبل التسليم المؤقت للأشغال المنجزة من طرف المقاول لا بد من التأكد من المنشآت المنفذة القيام بالمعاينات [37]، ليتم بعد ذلك إعداد محضر من قبل صاحب المشروع يوقعه المقاول وفي حالة رفضه يشار إلى ذلك في المحضر .

وجدير بالذكر ان التسليم لا يكون نهائيا إلا بعد مرور سنة من تاريخ محضر التسليم المؤقت ، وخلال هذه الفترة يخضع المقاول لالتزام الضمان المنصوص عليه في المادة 67 من مرسوم 4 ماي 2004 ، على أنه يجب على صاحب المشروع في حال اكتشافه أي عيوب أو شوائب ان يوجه إلى المقاول بعد 10 أيام من تاريخ التسليم المؤقت على أبعد تقدير قوائم مفصلة عن هذه الشوائب باستثناء تلك الناجمة عن الاستعمال أو الأضرار الناتجة عن فعل الغير أو إسراف في الاستعمال ، ويضرب للمقاول أجل شهرين لإصلاحها وفق الشروط المضمنة في الصفقة ، وبعد التحقق من أن الأشغال قد أنجزت بدقة وبعد انصرام اجل شهرين يسلم صاحب المشروع للمقاول محضرا عن التسليم النهائي للأشغال ، أما إذا لم يقم المقاول بإصلاح الشوائب أو العيوب داخل الأجل المحدد ، أمكن لصاحب المشروع الإعلان عن التسلم النهائي مع إسناد الأشغال التي لم يقم المقاول بتنفيذها إلى أي مقاولة من اختياره (صاحب المشروع) على نفقة المقاول .

وبتنفيذ الالتزامات من طرف المتعاقد والإعلان عن التسليم النهائي ، تنتهي الصفقة ، إلا أنه قد تنشأ أثناء انتهاء الصفقة مجموعة من النزاعات فماذا عن طبيعة ونوع هذه النزاعات ؟

المطلب الثاني : تعنت الإدارة في أداء مقابل الصفقة

إن أداء مقابل الصفقة يجب أن يكون حسب الاتفاق ، إما بأداء دفعة مقدمة على أن يحصل المقاول على الباقي كلما تقدم في المشروع ، أو أن يتم الاتفاق على استحقاق المقاول لمقابل الصفقة بعد إنجاز المقاول للأشغال المتفق عليها ، إلا أنه في هذه الحالة يحصل أن يقوم المقاول بتنفيذ التزاماته تم تمتنع الإدارة عن الوفاء بعلة أو بدونها ، ففي هذه الحالة يجد المقاول نفسه مضطرا للجوء إلى القضاء ، خاصة إذا لم تجد الطرق الحبية نفعا ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط : [38] * أن عدم إدلاء الجماعة المدعى عليها بما يثبت أداءها للدين العالق بذمتها بموجب عقد الصفقة أو بإدلائها بما يفيد سحبها لهذا العقد أو إلغائها له يجعل مبلغ الدين المذكور المطالب به تابتا ويتعين أداءه لفائدة المدعية *، وفي نفس الاتجاه سارت نفس المحكمة حيث قضت بأن : * إنجاز صفقة عمومية لفائدة إدارة عمومية ، وإنجاز محضر التسليم دون تحفظ يجعل مقابل الصفقة مستحق الأداء لفائدة المقاولة * [39]

وبالإضافة إلى حق المقاول في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بمقابل الصفقة ، فإن من حقه كذلك المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء تماطل الإدارة عن أداء هذا المقابل ، وهو ما كرسته المحكمة الإدارية بالرباط عندما اعتبرت : * لا يمكن للمقاولة المتعاقدة مع الإدارة أن تتحمل وزر الإجراءات الشكلية الإدارية المعقدة من أجل الحصول على مستحقاتها المالية ، مما يبرر الحكم لفائدتها التعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء التأخير في الأداء * [40]

ومن المنازعات التي قد تثار كذلك عند انتهاء الصفقة ، تلك المتعلقة بأداء الإدارة المتعاقدة لقيمة الأشغال الإضافية أو التغييرات التي قد تطرأ على العقد بما في ذلك من إثبات الاتفاق على هذه الأشغال ، إلا أنه نظرا لكون العرض القادم سيتطرق لهذه المنازعات فإننا سنقتصر على حكم واحد صادر عن إدارية مراكش اعتبرت فيه أن [41]: * من حق المدعية بعد إنجاز الأشغال المطلوبة ( الأشغال الإضافية ) المطالبة بمستحقاتها التي تبقى دينا بذمة البلدية المتعاقدة ، وتستحق تعويضا عن التماطل بعد ثبوت إنذارها للبلدية ومطالبتها بأداء مستحقاتها عن طريق البريد المضمون*

المطلب الثالث : احتجاج الإدارة بعدم احترام شكليات التعاقد

إن قيام الرابطة العقدية بالنسبة للنفقات العمومية يقتضي المرور بعدة مراحل بدءا من إجراء المناقصة –أو الطريقة المعتمدة لإبرام الصفقة – إلى ضرورة احترام الشروط التي يفرضها القانون لتوفير السلامة الذاتية للصفقة ، ومن بين هذه الشروط توفر المصادقة المطلوبة قانونا لقيام العقد ، ولهذا الشرط مجموعة من الإشكالات على الصعيد العملي فقد يحدث أن يقوم المقاول بالأشغال المتفق عليها ، لتمتنع الإدارة المستفيدة من هذه الأشغال من أداء مقابل الصفقة بحجة عدم مصادقتها على العقد ، هذه المصادقة التي تعتبر شرطا ضروريا ليبدأ المقاول بتنفيذ الأشغال ، كما قد يحدث أن يصادق على الصفقة موظف غير مختص ، كل هذا يجعلنا نتساءل عن موقف القضاء المغربي وكذا المقارن من هذه الإشكالات ؟

بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي المغربي نجد أن القضاء الإداري يذهب إلى أنه يمكن للمقاول متى بدأ في تنفيذ العقد وصرف مبالغ مالية أفقرت ذمته المالية ، تم امتنعت الإدارة من أداء المقابل النقدي للصفقة بحجة عدم المصادقة على الصفقة ، فإنه يمكن للمقاول في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء من أجل مطالبة الإدارة المعنية بالتعويض على أساس نظرية الإثراء بلا سبب المعمول بها قانون الالتزامات والعقود ، إلا أنه بشرط حتى يستحق المقاول هذا التعويض أن تنتج عن الأشغال التي قام بها فائدة للإدارة .

كما أن المقاول له الحق في حالة إنجازه لأشغال خارجة عن نطاق الصفقة الأصلية ، وهو ما يسمى بالأشغال الإضافية للصفقة ، فإن المقاول له الحق في التعويض على أساس نظرية الثراء بلا سبب إلا أنه نظرا ، إلا أنه ما دام كما قلت أعلاه أن هناك عرضا خاصا بالموضوع فلن نخوض في الإشكالات التي يطرحها الموضوع .