– اثبات مصدر الحق :

ان السبب المنشئ للحق المدعى بوجوده او زواله او وصفه، وهو محل الاثبات، فالاثبات لا يرد على الحق ذاته ولكنه يرد على المصدر المنشئ له او المؤدي الى زواله او الحاق وصف به، سواء كان هذا المصدر تصرفا قانونيا او واقعة مادية (1). فمحل الاثبات هو الحق المدعى بوجوده او زواله او الحاق وصف به، ولكن الحق فكرة مجردة تستعصي عقلا على الاثبات، لذلك لابد من نقل محل الاثبات من الحق المدعى به الى مصدر هذا الحق سواء كان هذا المصدر تصرفا قانونيا او واقعة مادية، فاذا كان مصدر الحق هو العمل غير المشروع، فان فكرة الخطأ، فكرة مجردة لا يمكن اثباتها في ذاتها، لذلك لابد من نقل محل الاثبات من هذه الفكرة الى الوقائع والاعمال التي يمكن ان يستدل منها على تحقق فكرة الخطأ، فالمدعي عندما يريد اثبات وجود حق له، سواء كان الحق شخصيا او عينياً، فهو يثبت مصدر هذا الحق، وقد يكون المصدر تصرفا قانونيا، كالعقد وقد يكون عملا ماديا كالكسب دون سبب، فبثبوت هذا المصدر يثبت وجود الحق كنتيجة قانونية مترتبة على ثبوت المصدر، وقد ورد في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري (يتعين ان يقام الدليل على كل واقعة او انكرت صحتها، والجوهري في هذا الصدد هو ان الاثبات يرد على الواقعة القانونية ذاتها بوصفها مصدرا للحق او الالتزام، دون هذا الالتزام او ذاك الحق، وعني عن البيان ان تفصيل هذه الفكرة اشكال بأغراض الفقه منه بأغراض التقنين) وعندما تليت المادة 526 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة وانصها : (على الدائن اثبات الالتزام وعلى المدين اثبات التخلص منه) فذكر الدكتور عبدالرزاق السنهوري امام اللجنة ان المقصود بعبارة (اثبات الالتزام) هو (اثبات مصدر الالتزام)(2).

____________________

1- تناغو. نظرية الالتزام. فقرة 450 ص619.

2- السنهوري. الوسيط ج2 فقرة 33 – 35 ص46 – 48. تناغو. نظرية الالتزام. فقرة 451 – 452 ص620 – 622 مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج2 ص349-350.

 – اتخاذ اجراءات الاثبات والعدول عنها

نظراً لما للقاضي من دور ايجابي في الاثبات، بغية الوصول الى الحقيقة، فقد اجازت المادة (17 / اولا) من قانون الاثبات، للمحكمة ان تقرر، من تلقاء نفسها او بناء على طلب الخصم، اتخاذ اي اجراء من اجراءات الاثبات تراه لازما لكشف الحقيقة. وهذا النص مثال بارز على الدور الايجابي للقاضي في الاثبات الذي اخذ به قانون الاثبات، ذلك ان الخصومة ليست ملكا للخصوم وانما ينبغي النظر إليه على أنها ظاهرة مرضية في البنيان الاجتماعي، يجب ان تسعى الدولة لعلاجها واجتثاث اسبابها بطريق سليم عادل وعاجل، وان تتظافر الجهود لتحقيق هذه الغاية ولأنه امر يهم المجتمع بأسره (1). واذا اتخذت المحكمة قرارا باتخاذ اي اجراء من اجراءات الاثبات، فليس هناك ما يمنع من ان تعدل عن قرارها هذا، مع بيان اسباب العدول في محضر الجلسة، وذلك لفسح المجال واسعا امام القاضي لكي يلعب دورا ايجابيا في تسيير اجراءات الاثبات وقد قضت محكمة النقض المصرية : (لمحكمة الموضوع ان تعدل عما أمرت به من اجراءات الاثبات على ان تبين أسباب هذا العدول متى رأت أنها أصبحت غير منتجة بعد آن وجدت فيها استجد في الدعوى بعد صدور الحكم بهذا الاجراء ما يكفي لتكوين عقيدتها، اذ ان من العبث وضياع الجهد والوقت الاصرار على تنفيذ اجراء اتضح انه غير مجد وهو ما تستقل به محكمة الموضوع)(2). ولا شك ان تثبيت اسباب العدول عن اجراءات الاثبات في محضر الجلسة او كان الحكم الصادر في موضوع الدعوى لم يتضمن في أسبابه صراحة او دلالة اسباب العدول فان ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه (3). ومع ذلك قضت المحكمة النقض المصرية، ان المشرع لم ينص على جزاء البطلان في هذه الحالة وان ما ورد في المادة (9) اثبات مصري (تقابل المادة 17 / ثانيا من قانون الاثبات) يعتبر نصا تنظيميا لا تستتبع مخالفته بطلان الحكم (4). وأخيراً للمحكمة الا تأخذ بنتيجة اي اجراء من اجراءات الاثبات بشرط ان تبين اسباب ذلك في حكمها (م 17 / ثالثا. اثبات). وان اغفال ذكر اسباب عدم الاخذ بنتيجة اجراءات الاثبات في الحكم، يجعل الحكم قابلا للطعن فيه لقصور اسبابه، لان عدم الاخذ بنتيجة اجراء الاثبات يتعلق بدفاع جوهري قد يكون من شأنه ان يتغير به وجه الرأي في الدعوى (5). اما اذا كانت الاسباب التي ذكرت في الحكم غير حقيقية او غير سائغة فان هذا الحكم يكون مشوبا بالقصور في الاسباب وبالخطأ في الاسناد مما يستوجب نقضه (6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الدكتور آدم وهيب النداوي. مدى سلطة المحكمة المدنية ص44.

2-نقض مدني مصري في 6/12/1978 رقم القرار لسنة 144 لسنة 45 القضائية مصطفى مجدي هرجة ص137 وانظر نقض 13/12/1962. الطعن 27 س27ق. أنور طلبه ص 339 – 340. ونقض 20/4/1981 الطعن 432 س 48 ق ونقض 14/12/1981 الطعن 1437 س 47 أنور طلبه ص 382.

3-محمد عبداللطيف ج1 ص64.

4-نقض مدني مصري 29/10/1979 مشار إليه في مرقس. أصول الاثبات ج2 ص36 هامش 120.

5-ابو الوفا. ص74.

6-مرقس. اصول الاثبات ج2 فقرة 255 ص36-37.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .