بحث قانوني هام عن مسؤولية الجماعات المحلية عن أخطاء موظفيها في اليمن والمغرب

(دراسة مقارنة)

إن الجماعات المحلية كهيئات معنوية عامة تعد فاعلا تنمويا هاما على الصعيد المحلي، تمارس جزء من سلطات الدولة وتتمتع بامتيازات السلطة العامة، إلا أن قيام الجماعات المحلية بدورها التنموي على الصعيد المحلي لا يتم إلا عبر جيش من الموظفين الذين تستخدمهم لإدارة المرافق العامة الجماعية، فالموظف العمومي هو الركيزة الأساسية لهذه الجماعات باعتباره المعبر عن إرادتها، وترجمة أهدافها ومخططاتها إلى واقع ملموس، غير أن السيطرة على هذا العدد الهائل من الموظفين وتهذيب سلوكهم، وتنمية روح المسؤولية فيهم، وكذا حثهم على احترام القانون عند قيامهم بواجباتهم، هي من أهم الواجبات الملقاة على عاتق السلطات المكلفة بالرقابة على هذه الجماعات، لأن الموظف العام هو من يمارس السلطات والامتيازات المتعددة الممنوحة للجماعات المحلية، وهو من يرتكب الأفعال الضارة بالغير، لذا فإن الجماعات المحلية سوف تكون ملزمة بإصلاح الأضرار التي يسببها هؤلاء الموظفين للغير، فلماذا تسأل الجماعات المحلية عن أخطاء هؤلاء الموظفون؟ وما هي حدود هذه المسؤولية؟ ولماذا لا يتحمل مرتكب الفعل الضار جريرة أفعاله؟ وما هي وسيلة المضرور لاقتضاء حقوقه التي تم الإضرار بها؟ لقد كانت هذه الأسئلة الجوهرية هي مناط هذا البحث المتواضع الذي تناولت فيه مبدأ هاما من مبادئ القانون العام، وهو مبدأ مسؤولية الجماعات المحلية عن أخطاء موظفيها الضارة بالغير.

فإذا كان الموظف العام هو من يرتكب الفعل الضار، فإن المنطق والعدل يقضيان بتحميله جريرة أفعاله، إلا أن من شأن ذلك تكبيل قدراته وإمكاناته، وهو الأمر الذي قد يدفعه إلى التردد في القيام بما تتطلبه الوظيفة من إقدام ومبادرة خوفا من الوقوع في الأخطاء، لذا حاول المشرع تأمين الموظف وجعله يعمل في جو من الطمأنينة عن طريق تحميل الجماعات المحلية جزءا هاما من الأخطاء التي تصاحب قيام الموظف بواجباته ومهامه المستهدفة للمصلحة العامة الجماعية. غير إن المشرع قد حمل الموظف المسؤولية بصفة شخصية الأفعال التي يتجاوز فيها حدود وظيفته لأغراض لا تستهدف المصلحة العامة ولا يتطلبها العمل الوظيفي، كما في حالة الأخطاء الجسيمة وكذا الأعمال القائمة على تدليس للحصول على منافع شخصية لكبح جماح هذه السلوك الخاطئ. غير إن الإشكالية تكمن في تحديد معيار واضح يحدد بواسطته نوع الأعمال التي تدخل في نطاق العمل الوظيفي وتستهدف المصلحة العامة، لكي تتحمل الجماعات المحلية المسؤولية عنها، وما يعد عملا شخصيا يتحمل الموظف المسؤولية عنه بصفة شخصية، لقد أثارت هذه الإشكالية جدلا بين الاتجاهات الفقهية والقضائية حول المعايير التي يمكن أن يسترشد بها القاضي عند نظر دعوى المسؤولية للتفريق بين كلا الخطأين الشخصي والمرفقي، فإذا كان مجلس الدولة الفرنسي هو مبدع معظم نظريات القانون الإداري بصفة عامة ونظرية الخطأ الشخص والمرفقي على وجه الخصوص، إلا أنه قد أفقد هذه المعايير التي تفرق بين كلا الخطأين أهميتها، وذلك بعد أن وسع من نطاق الخطأ المرفقي الذي تسأل عنه الدولة والجماعات المحلية ليشمل جزءا كبير من الأخطاء التي كانت تعد أخطاء شخصية، أو التي تبلغ قدرا عاليا من الجسامة، كارتكاب الموظف لجريمة يعاقب عليها القانون الجنائي وذلك بشرط أن يكون الخطأ المرتكب قد وقع أثناء أداء الوظيفة، أو بواسطة الآلات والمعدات التي وضعتها السلطة العامة بيد الموظف المسؤول، ولو تم خارج مكان أو زمان أداء الوظيفة ولم يبق من الأخطاء الشخصية التي يتحملها الموظف ويعوض عنها من ماله الخاص إلا تلك الأخطاء التي تنفصل عن الوظيفة ولا ترتبط بها بأية رابطة، ويبرز فيها الجانب الأناني في شخص الموظف من نزوات وأهواء ومطامع شخصية ونية سيئة تجاه الغير، غير أن الوضع في اليمن والمغرب ومصر يختلف عما جرى عليه الحال في فرنسا، فإذا كانت قواعد المسؤولية الإدارية في فرنسا هي من إبداع مجلس الدولة وحصيلة اجتهاداته في الميدان الإداري، فإن قواعد المسؤولية في اليمن والمغرب ومصر هي من وضع المشرع الذي حدد بنصوص واضحة حدود مسؤولية الموظف والجماعات المحلية، ففي المغرب لا تسأل الجماعات المحلية إلا عن الأخطاء المرفقية التي يرتكبها الموظف ” الفصل 79″ أما الأعمال التي توصف بالجسيمة أو تنطوي على تدليس فهي دائما أخطاء شخصية يتحمل الموظف مسؤوليتها بصفته الشخصية، ويدفع التعويض من ماله الخاص، ولا يمكن إثارة مسؤولية الجماعات المحلية عنها إلا بعد ثبوت إعسار الموظف وعجزه عن دفع التعويض المحكوم به لفائدة المضرور، إلا أنه يلاحظ عدم وجود معيار واضح لتحديد مفهوم الخطأ الجسيم، وكذا الأعمال التي تنطوي على تدليس.

وإذا كان القضاء هو من يضع الحدود الفاصلة بين مسؤولية الجماعات المحلية ومسؤولية الموظف الشخصية، غير أن الحلول القضائية لا تعطي جوابا شافيا لتحديد هذا المعيار، ففي حكم حديث للمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/2/1995، في قضية فاطمة العنصري ضد رئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير، وبعد أن أقر القاضي بفداحة الأخطاء المرتكبة من قبل قائد ورئيس بلدية القصر الكبير اللذان أعطيا أوامر شفوية لهدم منزل المدعية دون أي مبرر أو مسوغ قانوني، ودون اتباع الإجراءات التي يتطلبها القانون في مثل هذه الحالات، بل والأدهى أن منزل المدعية لا يدخل في نطاق الاختصاص المكاني للمجلس البلدي، ومع ذلك فقد اعتبرت المحكمة أن الخطأ يتحمله المجلس البلدي، لكونه ناتجا عن تنفيذ قرار غير مشروع وصادرا عن جهة غير مختصة بإصداره. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل، إذا كانت هذه الأعمال بفداحتها لا تعد أعمالا شخصية يسأل عنها مرتكبوها وإن كان المتسبب فيها رئيس المجلس البلدي، فما هو مفهوم الخطأ الشخصي في نظر المحكمة؟ لذا نأمل أن يعيد المشرع المغربي النظر في الفصل “80” من قانون الالتزامات والعقود والاكتفاء بنص الفصل “79” لتقرير مسؤولية الدولة والجماعات المحلية، لتخفيف المشقة على المضرور لإقتضاء حقوقه من قبل الدولة والجماعات المحلية مباشرة دون الحاجة إلى تلك المسطرة الطويلة المتعارف عليها حاليا، وذلك لأن القاضي عند مناقشة القضية يستطيع أن يحدد نوع الخطأ المحدث للضرر، وما إذا كان يدخل في نطاق الوظيفة أو يتجاوز حدودها وعندها يمكن تحديد نصيب كل من الجماعات المحلية أو الموظف أو كليهما معا في تحمل مسؤولية الضرر الذي أصاب الغير”هذا فيما يعود للعلاقة بين الجماعة المحلية والموظف”، أما المضرور فيجب تعويضه من قبل الجماعة المحلية المسؤولة بمجرد ثبوت الخطأ بأركانه قبل الموظف المخطئ ومن ثم يمكن للجماعة المحلية العودة على الموظف بما دفعته عنه من تعويض، وبذلك نكون قد سهلنا على المضرور مشقة رفع الدعوى على الموظف ومن ثم العودة على الجماعة المحلية في حالة ثبوت إعسار الموظف وهذا ما يطيل معاناته للحصول على حقوقه. فالموظف في الوقت الراهن لا تسمح ظروفه المادية بتحمل أعباء التعويضات التي يحكم بها القضاء” إذ أصبح من المتعارف عليه حاليا أن الموظف العمومي يعتبر من ذوي الدخل المحدود”.

أما المشرع اليمني فقد أراح المضرور وأمن حقوقه عندما اعتبر الجماعات المحلية مسؤولة عن مختلف الأخطاء المرتكبة أثناء الوظيفة أو بسببها، فالمضرور أمامه الخيار في رفع الدعوى على الجماعة المحلية أو على الموظف المخطئ أو عليهما معا لاقتضاء حقوقه، غير أنه قد أقر حق العودة على الموظف بالقدر الذي يكون فيه مساهما في إحداث الضرر دون أن يحدد معيارا واضحا لما يعتبر خطأ وظيفي تسأل عنه الجماعة المحلية، وما يعد خطأ شخصيا يسأل عنه الموظف بصفته الشخصية، كما هو الحال في المغرب. وهو ما يجعل الموظف مهددا دائما بالعودة عليه والاقتطاع من راتبه لذا نأمل أن يتدخل المشرع لتحميل الجماعات المحلية مسؤولية الأخطاء المرتكبة من قبل الموظف بصفة نهائية إلا ما كان منها منفصلا انفصالا تاما عن أداء الوظيفة لفائدة الجماعات المحلية وتظهر فيها سوء نية الموظف في إلحاق الضرر بالغير أو للحصول على منافع شخصية، أما تحميل الموظف المسؤولية عن الأخطاء الجسيمة فليس من العدل في شيء ،لأن ليس كل خطأ جسيم يستهدف الموظف من ورائه تحقيق غايات شخصية بل قد يتطلب الموقف الذي يوجد فيه الموظف ارتكاب خطأ على قدر من الجسامة وهو يؤدي مهامه وواجباته الوظيفة، ويستطيع القاضي عند نظر الدعوى أن يستشف ذلك من خلال الوقائع المعروضة عليه.
وإذا كانت المسؤولية هي جزاء الإخلال بمبدأ المشروعية وبالتالي الإضرار بالغير من قبل موظفي الجماعات المحلية، فإن المسؤولية من جهة أخرى هي الجزء المكمل لمبدأ ضمان شرعية الأعمال التي يمارسها الموظفون لحساب الجماعات المحلية، ويلعب القضاء دورا هاما في ضمان احترام هذا المبدأ من قبل أطراف العلاقة” المضرور، الموظف، الجماعة المحلية” إن الجماعات المحلية في اليمن والمغرب بإمكانها تجنب إهدار الأموال الطائلة التي تتكبدها الخزينة العامة المحلية عن طريق الارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها للأفراد، وبث الثقافة القانونية بين أطرها وموظفوها، والتربية على احترام مبدأ المشروعية في سلوكهم الوظيفي. لأن الملاحظ من خلال الدعاوى المرفوعة أمام القضائين اليمني والمغربي، أن هناك جهلا كبير بالقانون من قبل مرتكبي الأفعال الضارة، بل و الأدهي من ذلك أن تكون الأعمال غير المشروعة مرتكبة من قبل القيادات العليا في الهرم الوظيفي الجماعي، لذا فإن الهيئات العامة المكلفة بالرقابة والوصاية على الجماعات المحلية مطالبة بالرفع من مستوى الوعي الإداري والقانوني لدى هذه القيادات وموظفيها، وذلك عن طريق التكوين المستمر للأطر وموظفي الجماعات المحلية وكذا عقد الندوات والأيام الدراسية لفائدة هذه الأطر، بشكل دوري على أن يؤخذ بعين الاعتبار المستوى العلمي المتواضع لهذه الأطر الإدارية، لأن من شأن زيادة الوعي القانوني أن يقلل من الشطط في استعمال السلطات الممنوحة لهذه القيادات، وبالتالي يتم تقليص حجم المنازعات المرفوعة ضد هذه الجماعات، والتي تؤدي إلى إنهاك الميزانية العامة المحلية وهو الأمر الذي يؤدي إلى تحسين العلاقة بين هذه الجماعات والسكان، بما يعيد للمشروعية القانونية احترامها، هذا المبدأ الذي يبذل القضاء اليمني والمغربي قصارى جهدهما لفرض احترامه من قبل الجميع، غير أن أهم تحد يواجه الشرعية القانونية في المغرب هو تنكر الإدارة لأحكام القضاء التي استفحلت بشكل كبير في المدة الأخيرة وهو ما يشكل ضربة قوية للعدالة، فالإدارة تواجه الأحكام الصادرة ضدها بالتلكؤ والتسويف والمماطلة وذلك في غياب نص صريح يلزمها بالتنفيذ تحت طائلة فرض الجزاء، وإن كان القضاء المغربي قد بدأ في استخدام أسلوب الغرامة التهديدية والحجز على الأموال الخاصة بهذه الجماعات عندما تمتنع عن تنفيذ الأحكام وهو الأمر الذي بدأ في إعطاء ثماره، غير أن هذه الخطوة غير كافية، بل لابد للمشرع المغربي أن يسد هذا الفراغ بنص تشريعي صريح يفرض فيه عقوبة زجرية على كل من يتنكر لأحكام القضاء. ففرض احترام الأحكام القضائية من قبل الإدارة يرفع من قدرها ويعيد للشرعية هيبتها وقدسيتها بين الناس فهل يعي المشرع حجم الأضرار اللاحقة بالعدالة من جراء الفراغ الذي يتركه فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية ؟ وهل تعي الدولة والجماعات المحلية الأضرار اللاحقة بسلطتهما وهيبتهما من جراء تنكرهما لحجية الأحكام القضائية؟ ومدى الأضرار التي تلحقها بمبدأ الشرعية القانونية وأثر ذلك على أفراد المجتمع؟ وذلك لأن الانصياع لحكم القانون من قبل الدولة والجماعات المحلية وغيرها من السلطات العامة، لا يقل من قدر وهيبة هذه السلطات بل يرفع من شأنها داخليا وخارجيا، كما أن دفع التعويضات للأفراد لن يصيب الدولة والجماعات المحلية بالإفلاس والانهيار الاقتصادي، فالتعويضات المحكوم بها على الدولة والجماعات المحلية ليست بالحجم الذي يؤدي إلى إرهاق ميزانيتها فهي دائما غير مجزية بل لا تغطي الضرر الذي يصيب المضرور في غالب الأحيان، إذ أن القاضي الذي ينظر الدعوى المسؤولية غالبا يرجح مصلحة الخزينة العامة على حساب المضرور.

أما المشرع اليمني فقد أحسن صنعا عندما منح القاضي كافة الوسائل القانونية لفرض احترام الأحكام القضائية، وذلك عن طريق منحه حق إعطاء الأوامر والتوجيهات للإدارة، وكذا وحجز قيمة التعويضات المحكوم بها من حسابات الجهات الحكومية المركزية واللامركزية داخل البنكوك المركزية في مختلف المحافظات أو الحسابات المفتوحة لدى البنوك الأخرى، كما أن المشرع قد فرض عقوبة زجرية لكل من يعيق أو يرفض تنفيذ أحكام القضاء تصل إلى السجن لمدة عامين. فهل نحتاج إلى كل وسائل الزجر والتخويف للانصياع لأحكام القضاء؟ على هيئات وسلطات ما وجدت إلا لفرض احترام القانون، فالاستقرار الاجتماعي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام القانوني داخل المجتمع، فإذا ما اختل ميزان العدل واحترام القانون من قبل السلطة العامة، شعر أفراد المجتمع بالخوف والقلق على حقوقهم وحرياتهم، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة تهدد الانسجام الاجتماعي والأمن والسكينة العامة.

ولنا في هذا المقام مقولة للمرحوم الحسن الثاني لها مغزى كبير فقد جاء في معرض حديثه الموجه للقضاة في 13 مارس 1982″ فعدم تنفيذ الأحكام القضائية أو التماطل في تنفيذها يجر المرء إلى تفكير آخر هو انحلال الدولة “فهل نعي هذه الرسالة ؟
وفي ختام هذه الدراسة إذا كان التنظيم القانوني لمسؤولية الجماعات المحلية في اليمن والمغرب يمتاز بخصائص ومميزات متعددة تروم في مجملها للإنتصار لمبدأ الشرعية القانونية وترسيخ دولة الحق والقانون، والحد ما أمكن من الإستخدام السيء للسلطات والإمتيازات التي منحها القانون للجماعات المحلية كي تقوم بواجبها في تدبير الشأن العام المحلي على أحسن وجه، فإني من خلال دراستي لنظام مسؤولية الجماعات المحلية في اليمن والمغرب قد خلصت إلى مجموعة من التوصيات التي تعالج بعض مواطن الضعف والقصور في هذا النظامين اليمني والمغربي وهي على النحو الآتي:

· بالنسبة لنظام المسؤولية في القانون اليمني.

1- يلاحظ أن المشرع لم يحدد في المادتين 317 و 318 من القانون اليمني المدني حدود مسؤولية الجماعات المحلية والموظف، بل ترك ذلك لتقدير القضاء وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى حلول متباينة من قضية إلى أخرى، وكان الأحرى بالمشرع أن يرسم حدود مسؤولية كل طرف كما فعل المشرع المغربي في الفصل 79 و 80 من قانون الإلتزمات والعقود.
2- إن القضاء اليمني لازال يتمسك بشدة بنظرية الخطأ عند تقدرير مسؤولية الدولة والجماعات المحلية، على الرغم أن مجموعة من الأضرار التي يتعرض لها المواطنون تخرج عن نطاق نظرية الخطأ التي تثقل كاهل المضرور بعبء إثبات الخطأ في حق الدولة أو الجماعات المحلية كما هو الحال بالنسبة للحرائق التي تأتي على ممتلكات المواطنين بفعل أعمدة الإنارة المتواجدة بجوار منازل المواطنين وممتلكاتهم والتي غالبا تسبب أضرارا فادحة بالأفراد والممتلكات، فكيف يمكن لم تعرض لمثل هذه المخاطر أن يثبت أن ما أصابهم راجع إلى خطأ في تشغيل المرفق العام المحلي.
وعليه أتمنى أن تعرف نظرية المخاطر طريقها إلى التطبيق لتخفيف العبء على المواطن الضعيف للحصول على حقوقه.
3- يلاحظ أن القضاء اليمني يتردد في تعويض الأفراد عن الأضرار المعنوية ويطالب بشروط تعجيزية لإثبات هذه الأضرار، على الرغم من أن المشرع أقر هذا النوع من التعويض، لذا أتمنى أن يراجع القضاء اليمني موقفه المتشدد من تعويض الضرر المعنوي فهذه الأضرار تتعلق بالعواطف والمشاعر والآلام فكيف يمكن إثبات مثل هذا الضرر ؟ فالقاضي لديه من الحنكة ورجاحة التفكير ما يمكنه من تبين حجم الضرر المعنوي الذي أصاب المضرور في عاطفته ومشاعره.
4- إن أهم إشكالية تواجه الباحث في الحقل القانوني في اليمن تتمثل في صعوبة الحصول على الأحكام، وذلك راجع إلى عدم نشر هذه الأحكام في مجلات ودوريات من قبل وزارة العدل، وكذا تحفظ بعض رؤساء المحاكم من عرض الأحكام للباحثين والمهتمين في الشأن القانوني، لذا أتمنى أن يقوم المكتب الفني بوزارة العدل في الجمهورية اليمنية بواجبه في إصدار الأحكام بشكل دوري حتى تعم الفائدة على الجميع باحثين وقضاء.
5- وأخيرا أتمنى أن يصدر قانون المحاكم الإدارية في اليمن لتخفيف الضغط على المحاكم المدنية وحتى يتم تسليط الضوء على دعاوى المسؤولية الإدارية التي لا يزال الكثير من المواطنين يجهلون أنه بإمكانهم مقاضاة الدولة والجماعات المحلية وغيرها من السلطات العامة الأخرى التي تدبر شؤونهم اليومية، للحد من الإنتهاكات الكثيرة التي تمارسه هذه الهيئات، انتصارا لمبدأ الشرعية القانونية وترسيخا لدولة الحق والقانون والنهج الديمقراطي الذي تعيشه اليمن منذ إقرار الوحدة عام 1990.
· أما في المغرب فعلى الرغم من إقرار المشرع مسؤولية الدولة والجماعات المحلية منذ أزيد من قرن من الزمان وكذا التجربة الواسعة التي تراكمت للقضاء المغربي في ميدان المنازعات الإدارية، فإني قد لاحظت بعض القصور عند دراسة نظام مسؤولية الجماعات المحلية وهي على النحو الآتي:
1- إن الفصل بين المسؤولية الإدارية والشخصية المنصوص عليهما في الفصلين 79و80 من قانون الإلتزمات والعقود يشكل مشقة على طالب التعويض للسير في إجراءات طويلة لمتابعة الموظف بمفرده ثم متابعة الجماعات المحلية لدفع التعويض المحكومة به إذا تبين إعسار ذلك الموظف. ويمكن التخفيف من هذه المشقة بسماح المشرع للمضرور بمتابعة الجماعات المحلية مباشرة ومن ثم يمكن للجماعات المحلية أن تعود على الموظف بما دفعته من تعويض إذا تبين للقاضي أن الفعل الضار للموظف قد انطوى على تدليس أو أنه قد بلغ قدر من الجسامة.
2- إذا كان قانون إحداث المحاكم الإدارية قد رام المشرع المغربي من خلاله إلى ترسيخ دولة الحق والقانون فإن هذا القانون قد جاء ناقصا بحيث لم يأتي بمسطرة خاصة بالدعوى الإداري، كما أنه لم يأتي بضوابط قانونية لفرض احترام الأحكام الصادرة ضد الدولة والجماعات الحلية بل أحال على قانون المسطرة المدنية الذي يقيد القاضي الإداري من اتخاذ الإجراءات اللازمة لفرض هيبة وقدسية الأحكام، وعليه أتمنى أن يستدرك المشرع هذا الخلل في أسرع وقت ممكن لسد هذه الثغرة على الإدارة التي تستخدمها للتهرب من تنفيذ الأحكام القضائية.
3- أتمنى أن يتم إستكمال بنيان القضاء الإداري بإنشاء محاكم استئناف إدارية في مختلف جهات المملكة ومحكمة عليا، فتجربة المغرب الطويلة في ميدان المنازعات الطويلة تجعله مهيأ ليس فقط لأخذ بنظام المحاكم الإدارية النوعية في ظل نظام القضاء الموحد بل بالتحول إلى نظام القضاء المزدوج.