تجاوز القضاء لأحكام الدستور.. وتساؤلات في الحصانة القضائية
لا قيمة إلزامية لقرار «الدستورية» عن السؤال لأنه لم يفسر نزاعات فعلية دراسة بقلم: أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
أستاذ القانون العام
كلية الحقوق – جامعة الكويت
القبس23-4-2005

رحم الله شيخ القانونيين العرب العلامة الدكتور عبدالرزاق السنهوري، الذي يعتقد الكثيرون انه من فقهاء القانون الخاص، وهو من فقهاء القانون العام واساتذته، لكنه ابدع في مجال القانون الخاص والعام على حد السواء. فقد انصب جل اهتمامه في احدى دراساته القيمة على موضوع «الانحراف التشريعي» فهو تعقب وناقش وتصدى لأشكال وصور «تجاوز السلطة التشريعية» – البرلمان – لاختصاصاتها بصورة صارخة الى الحد الذي تصل معه الى مرحلة وصفها «بالانحراف في ممارسة التشريع»(1)، ولم يكن يدور في خلد الفقيه الفذ ان يصبح القضاء يوما هو المتجاوز لأحكام الدستور وبصورة جسيمة وصارخة، والا لما تردد في خوض غمار هذا الموضوع بحثا ودراسة(2).

فهل يمكن ان يتصور احد قيام القضاء بإصدار احكام وتفسيرات تخرج بصورة مباشرة على احكام الدستور؟ وهل يختلف اثنان ان مناط اختصاص القضاء هو حماية الدستور والالتزام بأحكامه وليس الخروج عليه؟ وهل يتصور احد ان يتحول القضاء الى سلطة تشريعية مستخدما الاحكام القضائية او التفسيرات وسيلة لبلوغ ذلك؟ وهل يدور في خلد احد ان تصبح احكام القضاء اداة لتنقيح الدستور وتعديله باتجاه يخالف صريح احكامه وتفريغه من جوهر مضامينه؟ وفي ضوء ذلك كله، وقبله وبعده، هل القضاء بمنأى عن النقد واظهار الخطأ والتجاوز والفساد في استدلالاته واحكامه؟ وهل الحصانة القضائىة تمنع ذلك؟

لا شك لدينا ان عنوان هذه الدراسة ينطوي على حساسية بالغة، ويثير حفيظة المبالغين في الافراط في اضفاء القدسية على القضاء، وفرض طرق التنزيه الذي لا يتفق مع الطبيعة البشرية وحقائقها وأخطائها، وهو ما قصدناه ايضا بالتساؤلات المطروحة في هذه الدراسة ادراكا منا لجوهرية اثارتها رغم حساسية التعامل معها في ظل دول العالم الثالث «المتخلف» خلافا للدول المتقدمة، وقد سبق ذلك بقرون عديدة حديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، الذي جسد فيه ان القضاة اقرب للخطأ منهم الى الصواب، واوضح جسامة مسؤوليتهم وتغليط اخطائهم بقوله «قاضيان في النار وقاض في الجنة»(3) فمن بين كل ثلاثة قضاة هناك اثنان مخطئان.

اداء «الدستورية»

الا ان هذه الدراسة وان كان قد فرضها واقع صدور قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 3 لسنة 2004 للمادة 99 من الدستور الصادر يوم الاثنين الموافق 11/4/2005، الا انها دراسة متصلة بجهود سابقة انعكست بدراسات علمية متعمقة بما يحمله ذلك من محاذير ويفرضه واجب الجرأة في الرأي والجسارة في طرق شتى الموضوعات دون تردد، ففي عام 1999 اصدرت الكتاب المعنون «اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي»(4) وضعت فيه تقييما لأداء المحكمة الدستورية ونقدا لاتجاهاتها التي خرجت عن مناط اختصاصها فأصبحت متجاوزة للدستور بتقريرها الواقع بدلا من ابطاله حماية للدستور الذي هو سبب وجودها واختصاصها، فضلا عن انكارها للعدالة بتفلتها عن ممارسة اختصاصها، ثم في دراسة أخرى بشأن اتجاهاتها في الطعون الانتخابية 1997(5)، وثالثة عن حماية الحياة الخاصة 1992(6)، وجميعها دراسات نقدية لأحكام القضاء واتجاهاته الخاطئة.

واليوم اجد لزاما علي استمرارا في تلك الجهود، ان اتناول هذا الموضوع، خصوصا مع صدور القرار التفسيري للمادة 99 في 11/4/2005، الذي شكل خروجا صارخا على احكام الدستور ونصوصه الصريحة.

سأتناول هذه الدراسة في مبحثين رئىسيين على النحو التالي:

المبحث الأول: القيمة الدستورية لأحكام القضاء التي تتجاوز الدستور

المطلب الأول: تجاوزات الدستور في قرار المحكمة التفسيري الصادر في 11/4/2005.

المطلب الثاني: القيمة الدستورية لقرار المحكمة الدستورية بتجاوز الدستور.

المبحث الثاني: الحصانة القضائىة حدودها واساس نقد القضاء والأحكام.

المطلب الاول: حدود الحصانة القضائىة.

المطلب الثاني: الأساس الدستوري والقانوني لنقد الأحكام القضائىة.

المبحث الأول: القيمة الدستورية لأحكام القضاء التي تتجاوز الدستور.

من المسلمات القانونية ان جوهر وظيفة القضاء هو قيامه بممارسة اختصاصاته كما رسمها الدستور ونظمتها القوانين، ولذا فإن احكام القضاء، بما في ذلك احكام المحكمة الدستورية تتجرد من قيمتها وطبيعتها الالزامية، لتصبح عملا ماديا بحتا انتهت اليه المحكمة الادارية العليا في مصر، في تجاوز المحكمة العليا هناك في تفسير احكام الدستور (7)،

متى ما جاءت على خلاف المبادئ الدستورية الصريحة، او انها جاءت بلا اساس دستوري او قانوني يحملها على الصحة والارتباط بأحكام الدستور التي وجدت اساسا لحمايته وصيانة احكامه ومنع الخروج عليها، لا فرض الواقع بعلاته على الدستور بما يشكل تعديلا وتنقيحا لأحكامه، ويمثل تجاوزا صارخا عليها، وعليه نركز في هذا المبحث على بيان التجاوزات التي جاءت بقرار المحكمة التفسيري، وقيمة هذا القرار في ضوء تجاوزه للدستور.

اوجه التجاوزات

المطلب الأول: تجاوزات الدستور في قرار المحكمة التفسيري الصادر في 11/4/2005.

نحاول في هذا المطلب ان نشخص وبصورة محددة أوجه التجاوزات الدستورية التي وقعت فيها المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم 3 لسنة 2004 الصادر في 11/4/2005 الخاص بتفسير المادة 99 من الدستور، ويمكن لي ان اوجز تلك المخالفات لأحكام الدستور والخروج على احكامه بالامور الآتية:

اولا: تجاوز المحكمة لمبادئ الفصل بين السلطات بممارستها سلطة التشريع

ان اول تجاوز صارخ وصريح تضمنه قرار المحكمة الدستورية «القرار التفسيري» محل الدراسة هو تعديها على مبدأ الفصل بين السلطات، اذ انطوى افتئاتها على حدود اختصاص السلطات الدستوري، فالدستور وبنص صريح في المادة 50 فيه قرر مبدأ الفصل بين السلطات، مع عدم جواز تنازل اي منها لاختصاصها، والمواد 51، 52، 53 منه تتابعا رسمت حدود اختصاص كل منها، فالتشريع بيد السلطة التشريعية، والتنفيذ بيد السلطة التنفيذية، والسلطة القضائىة تتولاها المحاكم، وهو توزيع وتحديد دقيق وتحديد لوظيفة كل سلطة من السلطات الثلاث لم يشأ الدستور ان يتركها للاستنتاج والاجتهاد من خلال نص المادة 50 منه فقط، وانما افرد كل سلطة من هذه السلطات بمادة دستورية خاصة يبين حدود اختصاص ووظيفة كل منها،

حتى تكون الحدود الدستورية لممارسة الاختصاص هي المرجعية والقول الفصل لأي حالة او وضع يخالف ذلك بل ان الدستور في المواد 108، 163 منه حرم وحظر تدخل اي سلطة في اعمال السلطة الاخرى امعانا منه في تأكيد جوهرية مبدأ الحدود الدستورية، واعتباره ركيزة اساسية في حماية المبادئ الدستوري الخاصة بالفصل بين السلطات، وبمطالعة قرار المحكمة التفسيري الخاص في المادة 99 الصادر في 11/4/2005، وما جاء في حيثياته ومنطوقة نجد،

دون طول عناء او مشقة انه انطوى في سابقة خطيرة للاحكام القضائية على ممارسة التشريع، وهو البادي من محاولة القضاء ان يحل نفسه محل السلطة التشريعية بمناسبة تصديه لمنازعة، حول فهم تفسير نص من نصوص الدستور، وهي المنازعة التي يجب ان تفصل فيها المحكمة الدستورية باستخدام التسبيب القانوني بأصوله وادواته وصولا للمنطوق الذي يعلن حقيقة المعنى الذي قصده النص باستخدام وسائل التفسير الداخلية او الخارجية مع التزام ضوابطها (انظر في ذلك مؤلفنا اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي) (8)،

لكن الذي جاء في القرار التفسيري محل هذه الدراسة انما جاء ليتولى وضع قواعد واحكام قانونية تحكم حدود السؤال البرلماني، ومتسلسلة ومتلاحقة بطريقة القواعد والصياغة التشريعية، فاصبحنا امام تشريع من وضع القضاء، يشمل في ثناياه 8 بنود قانونية، وهذا محض افتئات على الاختصاص التشريعي وتجاوز صارخ لاحكام الدستور خلافا للاختصاص القضائي الذي يأتي باحكام او قرارات قضائية تستند الى حكم المنازعة المطروحة بوقائعها وملابساتها المحددة لا الافتراضات المطلقة والتساؤلات المحضة بنصها، وهو الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه المحكمة، حيث انها تابعت اسلوب الاسئلة التفصيلية التي توضع امام المشرع عادة،

والتي اوردتها الحكومة في مذكراتها، دون ارتباطها بالنص المطلوب تفسيره، وهو ما قاد المحكمة بصورة معيبة الى وضع احكام هي في حقيقتها نصوص تشريعية وهو ناتج عن عدم قدرة المحكمة التعامل مع تلك الاسئلة بما هو مناسب قضائيا وانسياقها الى اسلوب الاجابات المنعكسة في احكام وبنود تشريعية، فاصبحنا في واقع الامر امام ممارسة للتشريع في تحديد اجراءات السؤال واسلوبه وموضوعاته وتوقيته وغيرها من المسائل التي عادة ما تأتي بالتشريع، وليست في الاحكام القضائية،

بل ان المحكمة وهي تلج الى ذلك انما تناولت وتصدت لنصوص قانون اللائحة الداخلية وعدلت عليها او غيرت فيها اضافة او الغاء، وهو الميدان الخاص بالعملية التشريعية التي تمكنت الحكومة من ان تسحب المحكمة الى ولوجه خلافا للدستور، وهذا الانسياق خطأ جسيم ارتكبته المحكمة فتدخل في حدود ومنطقة التشريع فحلت نفسها محل مجلس الامة في التصدي لهذا الاختصاص المقرر بنصوص صريحة في الدستور،

ومن ثم تكون قد جاءت بقرار يتجاوز احكام الدستور ونصوصه الصريحة، وعليه تصبح نتيجته الطبيعية ان يعتبر هذا «القرار التفسيري» خروجا على الدستور لا يكتسب اي قيمة قانونية ولا يترتب عليه اثر بما يضحي معها عملا ماديا منعدم الاثر، لان مناط اعمال احكام المحكمة الدستورية – مثل غيرها من المحاكم – هو التزامها باحكام الدستور والحفاظ عليها وعلى وجه التحديد في شأن الحدود والتوزيع الدستوري لاختصاص كل سلطة من السلطات الثلاث، وهي منطقة تخطي الاختصاص التي وقعت المحكمة الدستورية في قرارها المذكور في نطاقها الامر الذي يصم قرارها المشار اليه بتحوله للعمل المادي فاقد القيمة القانونية، كما توصلت للنتيجة ذاتها المحكمة الادارية العليا في مصر في حكمها الذي سبق ان اشرنا اليه عام 1977.

المادة 173

ثانيا: الحجية للأحكام الخاصة بعدم الدستورية دون قرارات التفسير

حددت المادة 173 من الدستور وبصورة قاطعة ان ما يكتسب الحجية المطلقة، وله القيمة الالزامية على الكافة من سلطات اخرى ومحاكم ادنى هو فقط الحكم القضائي الذي تصدره المحكمة الدستورية لتقرر فيه عدم دستورية القانون او اللائحة (التشريع) فقط، اما ما تصدره من قرارات اخرى فهو امر لم تتعامل معه المادة 173 من الدستور اطلاقا، لانها تفترض عدم وجوده، فالتفسير لاحكام ونصوص الدستور لم يقرر الدستور بنص المادة 173 ولم يضف عليه اي قيمة قانونية في الالزام،

وقد قرر حق المحكمة في تفسير الدستور في قانون المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973، وتمت المنازعة في ذلك فقررت المحكمة الدستورية في قرار لها صادر عام 1986 حقها في تفسير الدستور ذلك استنادا الى تفسير مارسته المادة 173 قبل ان يكون لها هذا الحق فهي نصبت من نفسها الخصم والحكم وقررت لنفسها الاختصاص، ومع ذلك ورغم التحفظات على هذا القرار الذي فصلته المحكمة الدستورية لنفسها فانها قد قررت في ثناياه ان يكون ذلك مرتبطا بمنازعة قائمة، حدثت بين السلطة التشريعية والتنفيذية، او بين السلطة التنفيذية بعضها البعض،

وان يتم ذلك على وقائع محددة، وحتى هذه الضوابط والشروط التي حددتهاالمحكمة الدستورية في قرارها الصادر عام 1986 لم تلتزم بها وهي تصدر قرارها في تفسير نص المادة 99 في الطعن رقم 3 لسنة 2004 مما يفقد هذا القرار ايضا ولسبب آخر اي قيمة قانونية يكتسبها وتحقق له الالزام.

وفي جميع الاحوال فان قيمة التفسير من الناحية الدستورية انه يكشف عن رأي او اتجاه في فهم الدستور في شأن موضوع معين او واقعة محددة، ويكتسب قيمته في اظهار هذا الرأي على ذلك النحو فقط، للبت في النزاع القائم فلا يصلح قاعدة قانونية مستمرة لمنازعات واختلافات مماثلة حيث ان كلا منها سيحتاج حتما لرأي جديد من المحكمة الدستورية في شأن الواقعة، وتظل قيمته محدودة ايضا بقبول مجلس الامة (السلطة التشريعية) له واعتباره تفسيرا سائغا ومتوافقا مع الدستور ومبادئه واحكامه من جهة، والمستقر من العرف الدستوري الملزم من جهة اخرى.

لا اثر قانونيا

ولذا فإنه يختلف عن الحكم بعدم الدستورية الذي له حجية مطلقة، وفي ضوء ذلك فإن قرار تفسير الدستور اذا جاء خلافا لما هو مقرر في احكام الدستور ومتجاوزا لها فإنه يفقد قيمته ليهبط من مراتب العمل القانوني ليهوي الى ادنى مراتب الاعمال والتصرفات المادية التي لا ترتب اثرا قانونيا، ولا تكتسب اي قيمة الزامية لمخالفتها لاحكام الدستور، وهو الحكم الذي يمكن اسقاطه على قرار المحكمة رقم 3 لسنة 2004 بتفسير المادة 99 من الدستور الذي هو عمل مادي لا قيمة له قانونيا على وجه الاطلاق.

نوايا الحكومة

ثالثا: تجاوز المحكمة للدستور بحظر مجلس الأمة من ممارسة اختصاصات سياسية مقررة له في الدستور.

ان المحكمة الدستورية وهي تتصدى لتفسير نص المادة 99 من الدستور في قرارها الصادر بتاريخ 11/4/2005 لم تكن تنظر نزاعا مرتبطا بواقعة محددة وهذا في حد ذاته تجاوز منها في ارتباط موضوع التفسير باختصاصها فهي قبلت نظر طلب التفسير على الرغم من ان الحكومة بمذكراتها وبمستشاريها في المكتب الفني في وزارة العدل والدولة لشؤون مجلس الوزراء، تعمدوا عرض الموضوع على المحكمة دون وقائع محددة، وانما بجملة من الافتراضات والتساؤلات العامة والمرسلة وهو سبب للتشكيك في نوايا الحكومة ومصداقيتها في قبول المبادئ الدستورية، ومحاولة تنقيحها ما استطاعت الى ذلك سبيلا.

ومن هنا خلافا لقرارها التفسيري الخاص بالمادة نفسها الصادر عام 1982 الذي كان بمناسبة واقعة محددة تتعلق بأسرار المرض وواجب الحفاظ على الحق في الخصوصية، قامت المحكمة بمجاراة هذا الطلب رغم بنائه الشكلي المرفوض، وعدم قيامه على واقعة موضوعية محددة تبرر التفسير، من خلال تقديمها اجابات عن تساؤلات وافتراضات، وهو عمل لا يجوز للقضاء ولوجه اساسا لأنه من اعمال التشريع، وهو ما قاد الى ان تقوم المحكمة بتحديد موضوعات تخرج عن نطاق السؤال البرلماني رغم انها جزء لا ينفصل عن موضوعات السؤال البرلماني واختصاصات المجلس بحكم صريح بنصوص الدستور وندلل على ذلك بما يلي:

القضايا الخارجية

1- أخرجت المحكمة بقرارها التفسيري من نطاق السؤال البرلماني ما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة، ويمس المصالح العليا للدولة، وفي ذلك افتئات على الحق الرقابي السياسي لمجلس الأمة من جهة، واختصاصه التشريعي ايضا من جهة اخرى والمقررين بنصوص الدستور.

فتعيين السفراء وقبولهم وايفاد ممثلي الدولة خارجيا مقرر في نص المادة 74 من الدستور للسلطة التنفيذية بواسطة المرسوم الاميري، وهذه الادوات وموضوعاتها تخضع لرقابة مجلس الامة فيما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية، فيمكن للمجلس ان يسأل عن اسباب اختيار سفير في دولة ما، وقبول سفير مثلا عمل في اسرائيل او ضمن استخبارات العراق ايام صدام ويجعل ذلك اساسا لاثارة المسؤولية السياسية لوزير الخارجية، او ربما رئيس الحكومة،

من خلال السؤال البرلماني، وهو موضوع يتصل باختصاص رقابي اصيل مقرر في الدستور الكويتي لمجلس الأمة بحكم اختصاصه الرقابي المقرر في المواد (55،74،99،100،101، 104،114) من الدستور، فهل تملك المحكمة الدستورية سلطة تقيد الاختصاصات السياسية المقررة صراحة في نصوص الدستور، بل انه وابعد من ذلك فإن نص المادة 70 من الدستور والخاصة بالاتفاقيات الدولية الزمت الحكومة عند ابرامها لاتفاقيات تتعلق بشؤون الدولة التي لا تخضع لسلطة مجلس الأمة التشريعية، ان تقوم بابلاغها لمجلس الأمة بعد ابرامها مع ما يناسب من بيان،

ومن حق كل عضو في مجلس الأمة ان رأى ان ذلك البيان المصاحب للاتفاقية ناقص او مبهم او مخف لأمور اخرى ان يوجه في شأنها اسئلة برلمانية لكونها تدخل في صلب اختصاص المجلس رغم انها من ضمن السياسة الخارجية، بل وربما اكثر المسائل حساسية سياسية واتصالا بالمصلحة العليا في الدولة، وهو ما لا يجوز حجبه عن مجلس الأمة لأنه اختصاص مقرر له في الدستور، وهذا موضوع الخروج الصارخ ايضا الذي اتسم به قرار المحكمة الدستورية في استبعاد قضايا السياسة الخارجية من نطاق السؤال البرلماني المقرر لأعضاء المجلس،

بل انه من الأهمية بمكان ان نشير الى ما هو اعمق وأدق واكثر حساسية في شأن السياسة الخارجية، والذي جعله الدستور من اختصاص المجلس، وهو ان المجلس هو صاحب الاختصاص في التصديق على الاتفاقيات الخارجية التي تمس حقوق المواطنين (مثل الاتفاقيات الامنية – تبادل المجرمين) او اراضي الدولة (مثل الحدود الجغرافية وترسيمها – والمياه الاقليمية) والثروات الطبيعية (مثل النفط وغيره) او التي تمس السيادة والتجارة والملاحة، او التي تحمل الدولة اعباء مالية او تمس القوانين فكل هذه الاتفاقيات رغم حساسيتها في العلاقات الخارجية لا يمكن ان تكون مشروعة في الكويت وفقا لنص المادة 70 من الدستور، الا اذا صدرت بقانون من قبل مجلس الامة، وعليه فإن السؤال البرلماني عنها او اي اتصالات بشأن ترسيم الحدود،

والعلاقات السيادية للدولة يجب ان يتاح لعضو مجلس الامة ان يمارس اختصاصه بشأنها، فمن اين اتت المحكمة الدستورية الموقرة بمبدأ حظر السؤال البرلماني الخاص بالسياسة الخارجية اذا كان هذا الحظر يصطدم بنصوص الدستور الصريحة ولا يمكن ان يوجد الا على اشلائه وبعد تنقيحه او تعديله، اليس هذا بالخروج الصارخ من المحكمة الدستورية على احكام الدستور، واقحاما لنفسها في مجالات وموضوعات لا تدخل في مناط اختصاصها وهي حماية الدستور وليس اهداره.

لا شروط سرية

واخيرا، فإن المادة 70 ايضا وبصياغة محبكة ومقصودة فيما يتعلق بدور مجلس الامة في السياسة الخارجية نصت صراحة على عدم جواز تضمين الاتفاقية لشروط سرية تناقض شروطها العلنية، التي فحصها مجلس الامة ووافقها عليها، وهو ما يعني ان من ادق اختصاصات عضو مجلس الامة عند ممارسة حق السؤال البرلماني، هو امكانية توجيهه لبيان ما اذا كان يمكن ان تكون هناك شروط سرية خلافا للشروط المعلنة رغم ما يقد يكون في ذلك من حساسية على المصلحة العليا – ولكن مجلس الامة احدى السلطات الثلاث المناط بها الحفاظ على المصلحة العليا، فمصلحته واحاطته ومتابعته للامور الخارجية من خلال السؤال البرلماني،

وسيلته الطبيعية في الحفاظ على المصلحة العليا المؤتمن عليها بحكم القسم الدستوري المقرر في المادة 91 من الدستور صراحة، فهل يعقل ان تقرر المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري ان تقدير المصلحة العليا قاصر على الحكومة رغم ان الدستور اعتبره من اساسيات البر في اليمين الدستوري لاعضاء مجلس الامة، وهذا ايضا يبرز كيف ان المحكمة الدستورية قد تجاوزت احكام الدستور وخرجت عن مبادئه بقرارها الصادر في 11/4/2005.

قداسة وهمية

2- حظرت المحكمة الدستورية على السؤال البرلماني ان يتناول شؤون السلطة القضائية، وهو تجسيد لفكرة قدسية القضاء الوهمية، وهذا شكل آخر من خروج المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري للمادة 99 الصادر في 11/4/2005 عن احكام الدستور، ذلك ان المحظور على مجلس الامة بصريح نص الدستور التدخل في سير العدالة عبر التأثير على القضاء لاصدار احكام باتجاه معين او آخر وهو المقرر صراحة في نص المادة 163 من الدستور،

اما عدا ذلك من موضوعات تتصل بمرفق العدالة او القضاء فإنه تدخل في نطاق الاختصاص التشريعي او الرقابي السياسي لمجلس الامة، فمجلس الامة هو من يراقب التزام الحكومة بتنفيذ احكام القضاء، وهو من يتدخل تشريعيا لرد القضاء الى جادة الصواب، عندما تبدأ بعض الاتجاهات القضائية غير الحميدة بالظهور، فيكون التشريع وسيلته الى ذلك، وهو ايضا يضع قوانين تنظيم السلطة القضائية ويرتب المحاكم على انواعها واختصاصاتها وهو من ينشئ قضاء اداريا متخصصا ومجلسا للدولة بواسطة التشريع، وهو المسؤول عن وضع التشريعات التي تضمن للقضاء استقلاليته وحيدته ونزاهته،

بما في ذلك وضع احكام التفتيش على القضاة واحوال عزلهم، وامام هذا الكم الهائل من الاختصاص التشريعي فان السؤال البرلماني يمثل وسيلة جوهرية له في تبين وجه الخلل في بطء البت في الاحكام القضائية عن طريق طلب البيانات والاحصائيات الخاصة بالاحكام، وعدد القضاة، وطبيعة تأهيلهم، كل ذلك حتى يتولى دوره التشريعي بصورة صحيحة تتفق مع احكام الدستور، فهل يمكنه ذلك اذا حظر عملية السؤال عن القضاء، الجواب بالتأكيد لا، وهو وجه الخروج الصارخ لقرار المحكمة الدستورية التفسيري المشار اليه. بل اليس مجلس الامة من يضع الميزانية ويراقب تنفيذها، فكيف يستطيع ان يلبي متطلبات القضاء المالية،

ويكون له مصادره المستقلة لحماية القضاء من تدخل السلطة التنفيذية، وتأثيرها اذا لم يكن بمقدوره التوصل بنفسه مباشرة لمثل هذه المعلومات بواسطة السؤال البرلماني، وهل يعقل ان تكون الحكومة ملمة ومطلعة وشريكة في ادارة مرفق العدالة ويتم حظر ذلك على مجلس الامة، اليس ذلك هو عين اهدار فكرة استقلال القضاء بجعله يدور في فلك سلطة أخرى (التنفيذية) مع حرمان السلطة التشريعية من التأكد من عدم تأثيرها عليه، خصوصاً ان للحكومة اختصاصاً مباشراً في تعيين القضاة بأداة المرسوم، وكذلك في إحالتهم للتأديب وفي شؤونهم المالية والادارية وغيرها من الاختصاصات المقررة في قانون السلطة القضائية الصادرة عام 1990.

وأمام قصر الدستور للحظر على السلطتين من التأثير على أعمال القضاء على نحو ما سبق ان بيناه، يصبح أي توجه خلاف ذلك خروجاً على أحكام الدستور، وهو العيب الجسيم الذي لحق القرار التفسيري بالمحكمة الدستورية.

رابعاً: خروج المحكمة الدستورية على الدستور بحظر طلب بيانات ووثائق

ان السؤال البرلماني يهدف للحصول على بيانات يتأكد من خلالها العضو من صحة واقعة، أو خلل يشوب عمل وزارة من الوزارات، أو السياسة العامة للدولة والقبول برد الوزير المجرد مسألة لم يقبل بها الدستور، ولذا فإنه في المادة 114 منه، أعطى المجلس، باعتبار ان ذلك جزء من اختصاصه الرقابي، حق طلب الوثائق والبيانات، وأقر الدستور والقانون الخاص بلائحة المجلس جزاء جنائياً في حالة الامتناع عن تقديم البيانات والوثائق وذلك في نص المادتين 8 و9 منه.

والسؤال البرلماني أداة رقابة تستلزم ممارستها الحصول على البيانات للنهوض بكامل الاختصاص الرقابي، ومن ثم فإن حجب ذلك عن اعضاء مجلس الأمة وتبرير ذلك بعبارات مرسلة لإقحام المصالح العليا أو السرية دون مبرر، أو بطريقة الصياغة التشريعية يكشف الخطأ الفادح الذي وقع فيه قرار المحكمة الدستورية التفسيري لمخالفته صريح احكام الدستور. وعليه فإنه لا حجية أو قيمة لمثل هذا القرار الذي بني في وجوده على مخالفة احكام الدستور واهدار قيمتها.

خامساً: إفراط المحكمة في تجاوز أحكام الدستور بوضع تفسير آخر للنص ذاته

إن المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري الصادر في 11/4/2005 لتفسير نص المادة 99 من الدستور جاء متجاوزاً أحكام الدستور بصورة صارخة ايضاً، حينما قبلت المحكمة طلب تفسير المادة الدستورية 99 التي كان قد سبق لها تفسيرها بمناسبة واقعة معينة في الحكم التفسيري رقم 1 لسنة 1982، والمحكمة كذلك تدخل في حومة المخالفة لفكرة المبادئ الدستورية المستقرة، والتي وضعت بمناسبة واقعة محددة، وحينما تتصدى للموضوع ذاته وبمبرراته نفسها، وتحت ستار طلب التفسير الذي قصدته المحكمة بأسئلة مرسلة وافتراضية،

لا ترتبط بوقائع محددة، وهو ما يدفع للتساؤل عن سبب استجابة المحكمة لمثل هذا الطلب رغم انه لم يأت بجديد يستحق نظره، ولم ينصب على واقعة محددة والتي هي مناط اختصاص القضاء بصورة عامة، وكذلك القضاء الدستوري بصورة خاصة، وانما ساير التوجهات الافتراضية للحكومة، ليحمل في ثناياه اجابات جاءت بطريقة سن التشريعات وهو ما يشكل خروجا صارخا على اختصاص المحكمة من الفصل في المنازعات الى وضع القواعد التشريعية لمواجهة احتمالات وافتراضات لم تقع وهو دور التشريع وليس القضاء، والامر الاكثر جسامة هو اقرار المحكمة بتجاوز احكام الدستور بوضع تفسير آخر يناقض تفسيرها السابق (الخاص بالمادة ذاتها)،

(دون مستجدات او وقائع محددة)، بل وبالاتيان بمبادئ وضوابط وقيود تخالف احكام الدستور، فهل هذا جائز، بالطبع لا خصوصا ان الحكم التفسيري الصادر في 1982 كان محمولا على اسبابه التي بررت تفسير حكم المادة 99 من الدستور من حيث المنازعة بين الحكومة والمجلس وارتباطه بواقعة محددة وهو الذي يعتبر موافقا لاحكام الدستور خصوصا ان التفسير لاحكامه استثناء لا يجوز التوسع فيه.

ممارسة التشريع

المطلب الثاني: القيمة الدستورية لقرار المحكمة الدستورية بتجاوز احكام الدستور.

بعد ان تناولنا في المطلب الاول من هذا المبحث اوجه التجاوزات على احكام الدستور التي تضمنها حكم المحكمة الدستورية وقد اشرنا الى اهمها دون تناولها جميعها، فانه من الاهمية بمكان ان نبحث في هذا المطلب ما القيمة الدستورية، لقرار المحكمة الدستورية المتجاوز لاحكام الدستور، نقول وبالله التوفيق ان قرار المحكمة الدستورية وقد حاد عن جادة الصواب حينما جاء ليمارس التشريع بدلا من مجلس الامة،

وليضع قواعد واحكاماً تشريعية بدلا من الاحكام والقرارات القضائية، وحيث انه تجاوز في ذلك العديد من الاحكام الدستورية مثل الفصل بين السلطات (المواد 50، 51، 52، 53) ومبدأ التوزيع الدستوري لاختصاص السلطات (المواد 51، 52، 3، 79، 166) من الدستور وغيرها، كما انه تجاوز اختصاصات مجلس الامة في الرقابة السياسية وقلصها بالمخالفة لصريح نصوص الدستور (70، 74، 99، 114)، وكذلك نقضه لاحكام الدستور الخاصة بالاختصاص التشريعي لمجلس الامة في شؤون القضاء واتصال ذلك بوظيفته الرقابية، فأمام مجمل تلك التجاوزات على احكام الدستور من قبل المحكمة الدستورية، فضلا عن تناولها للتفسير لمادة سبق تفسيرها بقرار اخر دون وقائع محددة او مستجدات في شأنه خلافا لاحكام الدستور،

فان قرار المحكمة الدستورية التفسيري الصادر في 11/4/2005 يشكل انحرافا من قبل القضاء في ممارسة اختصاصه بعيدا عن احكام الدستور وهو ما يترتب عليه ان يتجرد ذلك القرار من كل قيمة قانونية له، بحسبان انه اقيم على اساس نقض صريح لاحكام الدستور واعماله يعني اهمال الدستور واسقاطه بغير الاسلوب والطريقة المحددة لتعديله وهي المقررة باجراءات مشددة وبأسلوب الجمود وفقا لما قررته المادة 174 من الدستور، ولا يمكن اعمال قرار المحكمة الدستورية في تفسير احكام الدستور.

لا قيمة للقرار التفسيري

اذا كان ذلك يهدر الدستور نفسه، ذلك ان مناط واساس وسبب وجود المحكمة الدستورية والمستندة الى نص في الدستور ذاته، وهو المادة 173 هو قيامها من اجل الحفاظ على الدستور وحمايته من شطط التشريعات المخالفة، فكل ما يأتي خلافه فهو مردود ومشجوب حسب نص الدستور والمذكرة التفسيرية له، وهو ما يعني بالضرورة وحتما عدم اكتساب القرار التفسيري للمحكمة اي قيمة تذكر لانه جاء خلافا للدستور وبعيدا عن اختصاص المحكمة.

ذلك ان المحكمة الدستورية لا يستمد اختصاصها في تفسير الدستور من الدستور ذاته ومن قرر لها هذا الاختصاص (هي نفسها) في حكمها التفسيري رقم 3 لسنة 1986 والذي جعلته من اختصاصها، وعلى الرغم من تحفظها على ذلك، فانه حتى بقرارها المشار اليه قد قيد حقها في التفسير بارتباط ذلك بوقائع معينة نشأ بخصوصها خلاف تحت قبة مجلس الامة بين الحكومة والمجلس، او بين الحكومة بعضها البعض، ليكون ذلك مدخلا وسبيلا للتفسير باعتبار ان التفسير وفي جميع الاحوال هو استثناء ولذا فانه لا يجوز القياس عليه او التوسع فيه،

وحيث ان المحكمة الدستورية هي قرارها التفسيري الاخير الصادر في 11/4/2005 تفتقد للشرائط الدستورية للتفسير الصحيح والتي تحمل قرارها التفسيري على اسبابه نظرا لانطوائه على حالات خروج صارخة على احكام الدستور، ولانه جاء انسياقا من المحكمة الدستورية وراء افتراضات واحوال ومسائل مرسلة، وليست منازعات حقيقية قائمة، ولانه صادم تفسيرا صحيحا في شكله ومضمونه وأساسه صدر في خصوص المادة ذاتها (المادة 99) في عام 1982 بما كان ينبغي على المحكمة الدستورية معه رفض طلب التفسير وليس الانسياق وراء طلباته الافتراضية وارسالاته،

فإن ذلك كله يترتب عليه ان يتجرد قرار المحكمة الدستورية رقم 1 لسنة 2004 التفسير الدستوري الصادر في شأن المادة 99 من الدستور بتاريخ 11/4/2005 من أي قيمة قانونية وتزول معه طبيعته الالزامية، لما أوردته من إخلال بأحكام الدستور الصريحة، وانعدام ارتباطه بأحكام الدستور، وانعزاله عن مناط اختصاص المحكمة الدستورية في أداء مهامها وهو حماية الدستور والحفاظ عليه والولوج في منطقة اهدار احكامه والخروج عليها، وبصورة تناقض فكرة الاستثناء في الاختصاص التفسيري، حينما تصدت للموضوع ذاته مرة أخرى،

محولة الاستثناء الى أصل، ونقض احكام الدستور الصريحة واقرارات تفسيرية سابقة خصوصاً مع ممارسة المحكمة لاختصاص التشريع، بما يصبح معه هذا القرار التفسيري هو والعدم سواء، إذ ان أعماله يعني اهدار الدستور وتنقيح احكامه واهماله وهو ما لا يمكن القبول به، أو الأخذ به، فيصبح ذلك القرار ضرباً من ضروب الآراء الدستورية التي لا تكتسب أي قيمة ملزمة من الناحية القانونية.

حدود الحصانة القضائية
المبحث الثاني
الحصانة القضائية..
حدودها وأساس نقد
القضاء والأحكام

يعتبر تناول القضاء بالنقد والتقييم والبحث والدراسة من الموضوعات الحساسة خصوصاً في دول العالم الثالث، ومنها الكويت، على خلاف الوضع في الدولة الديموقراطية الحقة والمتقدمة.

وتختلط دائماً فكرة النقد والتقييم بموضوع الحصانة القضائية، التي يتم تداولها وترويجها بصورة خاطئة عن قصد أو عن غير قصد، فتغدو تلك الحصانة هي والقدسية كأنهما صنوان لحقيقة واحدة من شدة الافراد في اسلوب تداولها، وهي مسألة لا وجود لها في ارض الواقع أو التنظيم القانوني والدستوري الا في حدود عدم جواز توجيه الاتهام بصورة مباشرة الى اشخاص القضاة أو مباشرة عمل من شأنه التأثير في سير العدالة في قضية منظورة أمام القضاء.

أما ما عدا ذلك فإنه مجال أوسع من قبل أهل الاختصاص، والمشرعين القائمين على وضع الدساتير، ومن القضاة أنفسهم العاملين في القضاء أو المتقاعدين، فضلاً عن عموم الناس، ولهذا الموضوع اساسه الدستوري والقانوني، وايضاً حدوده وضوابطه وعليه سنتناول ذلك في هذا المبحث لبيان معنى ذلك في مطلبين اثنين، ولكن قبل ذلك اود ان اشير الى حدود الحصانة البرلمانية سبق لي وان اقترحته ليكون موضوعاً لندوة حوارية علمية تقيمها مجلة الحقوق، وقد تم وضعها ضمن برنامج موضوعات المجلة الحوارية منذ عام 2001 نظراً لأهمية هذا الموضوع.

جهة تحقيق خاصة

المطلب الأول: حدود الحصانة القضائية

هل يتمتع القضاء والقضاة بحصانة محددة؟ الجواب نعم.. ألا وهي الحصانة القضائية، وهذه الحصانة ذات شقين اجرائي يمنع معه اخضاع القاضي لاجراءات التحقيق والمحاكمات القضائية إلا من قبل جهة تحقيق خاصة، ومحكمة استئناف خاصة (حسبما هو وارد في قانون تنظيم القضاء)، وذلك لعدم تعريض الاجراءات القضائية للقضاة للعلانية التي تمس مكانته القضائية المهنية في تسييره لمرق العدالة والقضاء قبل ثبوت ادانته.

كما ان لهذه الحصانة بعداً آخر يتعلق بعدم جواز توجيه اتهام لشخص القاضي الذي يصدر حكماً معيباً بطريق النشر العلني فقط، مع امكان توجيه مثل هذا الاتهام له بالشكوى لرؤساء المحاكم أو لإدارة التفتيش القضائي، كما انه لا يجوز ان يتم النشر عن قضية منظورة امام القضاء بهدف وقصد التأثير على القضاء لإصدار حكم باتجاه محدد او منعه من ذلك، بحيث يصبح النشر وسيلة ضغط او تأثير مباشر، وذلك كله وفقا لما هو مقرر في المادتين (164 و147) من قانون الجزاء.

اما ما عدا ذلك فإن القضاء والقضاة في احكامهم واتجاهاتهم ليس له اي حصانة من النقد والتقييم والخضوع للدراسة والنقد والبحث، بل ان ذلك يعد احد اسباب الاباحة، اذا نشر مقال يهدف الى نقد القضاء او الاحكام الصادرة ما دام يتم بصورة موضوعية دون تعرض لأحوال الاتهام الشخصي للقضاء او التأثير عليهم في قضية منظورة امامهم.

وتتسع مساحة ومجال النقد حينما تكون ممارسة هذا النقد من اهل الاختصاص من اساتذة القانون او من المحامين او غيرهم والذي يتم ممارسته في نطاق التعليق والتعقيب القانوني والفني على الاحكام او اتجاهات القضاة، ومن هذا الباب الواسع تتنوع مجالات نقد القضاة وتختلط معها فكرة حرية الرأي وفكرة الحرية الاكاديمية، ومن ثم تضحي فكرة الحصانة القضائىة محدودة النطاق ضيقة المساحة، لاكما يتم تداولها في النقاشات التي تدور بين الناس او بعض اهل الاختصاص،

من الميل الجانح الى وضع القضاة بمنزلة القدسية التي تصل الى المبالغة المقتربة من التأليه او اعتبارهم كأنهم اشخاص يتمتعون بالصحة المجردة عن الاخطاء البشرية الطبيعية او التهويل من هذه الحصانة الى مرحلة عدم قبول نقد القضاة بصورة مطلقة او ذكر عيوب الاحكام، وبعض الممارسات القضائىة الخاطئة وكشف عيوبها، حتى ان هذا الامر يصل في المبالغة احيانا الى درجة افتراض ان العدالة والنزاهة سمة ملاصقة وملازمة لمجرد ذكر كلمة القضاء او القضاة،

وهذا امر لم يقل به احد من الاقدمين والمحدثين، او ليس على نحو ما اشرنا اليه وجدنا ان الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد قال «قاضيان في الجنة وقاض في النار» وهو ما يبرز جسامة مسؤولية القضاة من جهة او ان نسبة اخطائهم تطغى وتفوق نسبة صحة احكامهم وسلامتها واتسامها بالعدالة، حيث ان 6.66% منهم يخطئون و3.33% منهم يصيبون.

وهو ما دفع الانظمة التشريعية تسليما بهذه الحقيقة ان تأتي مراحل المحاكم على درجات لإعطاء ضمانات اكبر نحو الاقتراب من الحق والعدالة، وهو الامر المستحيل، وتؤكد ذلك الاحكام المتناقضة التي تصدرها المحاكم العليا ذاتها في الموضوع ذاته ولعل من امثلتها الحاضرة، القرار التفسيري محل هذه الدراسة الذي اصدرته المحكمة الدستورية خلافا لحكمها السابق وبما ينقض اسسه وبصورة معيبة، مما يعني ان النقد والتقييم موجود والحصانة المفروضة للقضاء غير موجودة.

المطلب الثاني: الأساس الدستوري والقانوني لنقد الأحكام القضائية

ان نقد الاحكام القضائية والتعليق على اتجاهات القضاء واخضاعها للدراسة والبحث والتقييم يجد اساسه في الدستور وعلى وجه الخصوص المادة 36 منه والتي تنص على «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما، وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون».

وهذا الأساس الدستوري يكمله نص المادة 37 من الدستور، وذلك كله من باب الحريات الفكرية التي يجب ان يتمتع بها الإنسان، كما يكمل هذا النص حكم المادة 45 من الدستور التي تقرر «لكل فرد ان يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه». وهو الخطاب الذي للفرد ان يختار وسيلته وطريقته ومكان ابدائه سواء كان ذلك بالمخاطبة المباشرة مع السلطة المعنية أو بنشر انتقاداته أو ملاحظاته وتقييماته عن أعمالها وادائها في الجرائد والمجلات وغيرها من وسائل النشر المختلفة.

الخاتمة

في نهاية هذه الدراسة المختصرة، التي أوضحنا فيها ان قرار المحكمة الدستورية رقم 3 لسنة 2004 والخاص بتفسير المادة 99 من الدستور ليس له أي قيمة الزامية أو حجية قانونية أو دستورية باعتبار انه قد هبط الى مصاف الأعمال المادية البحتة التي لا تكتسب اي قيمة، ولا تولد اي آثار قانونية لكونه جاء خروجا على احكام الدستور الصريحة والواضحة دون اعتبار لمبدأ سمو الدستور والحفاظ على مكانته، وهو المبدأ الذي يعلو فيه الدستور مكانة على كل السلطات التشريعية والتنفيذية، وكذلك قطعا السلطة القضائية بما فيها المحكمة الدستورية، فجميعها ملزمة بالانصياع لأحكامه والاهتداء بمبادئه والنزول عند صريح نصوصه.

ولعل هذه المناسبة تدفعنا للتذكير بما ينبغي التذكير به من تمسك بأهداب الدستور ومبادئه الراسخة، ومعالجة كل الانحرافات والتجاوزات والممارسات الخاطئة للسلطات وفقا لمنهج المشروعية الدستورية، ومن ضمن ذلك نؤكد على أهمية إصلاح وتعديل التشريعات الخاصة بالسلطة القضائية في الأمور الموجزة الآتية:

1 ـ تعديل قانون السلطة القضائية بما يضمن استقلالها عن السلطة التنفيذية في جميع المسائل والموضوعات الاجرائية والإدارية والمالية والتنظيمية وغيرها.

2 ـ تعديل قانون تنظيم السلطة القضائية بما يحقق ارساء فكرة ضمان استقلال السلطة القضائية في تنظيمها الداخلي وفي علاقة المحاكمة بعضها ببعض، وذلك عن طريق تعديل القانون لفصل الرئاسات الثلاث، ونعني بذلك ان يصبح رئيس مجلس القضاء الأعلى شخصا مختلفا عن رئيس محكمة التمييز، كما يصبح للمحكمة الدستورية رئيسا ثالثا مختلفا عن الاثنين الأوليين، وذلك اهتداء واقتداء بما هو معمول به في القانون المقارن في الدول المختلفة نظرا لأهمية ذلك وحيويته.

3 ـ تعديل قانون المحكمة الدستورية بما يؤدي الى النص على ضرورة تشكيلها من مستشارين متفرغين لأعمالها ومهامها ولا يؤدون اي وظائف قضائية أخرى، كما يكون من المتخصصين في القضاء الدستوري والإداري نظرا للطبيعة المتخصصة لهذه المحكمة، بالإضافة الى جعل تشكيلها يمازج بين العنصرين القضائي والسياسي بتمثيل السلطتين الأخريتين مع ابقاء الأغلبية لرجال السلطة القضائية، وذلك وفقا لما اشارت اليه المذكرة التفسيرية في تفسيرها لنص المادة 173 من الدستور في هذا الخصوص نظرا لاختلاط الاعتبارات الدستورية والقانونية والسياسية في أعمال هذه المحكمة الخاصة.

4 ـ تعديل قانون المحكمة الدستورية بحجب أحقية المحكمة الدستورية في تفسير نصوص الدستور بصورة مستقلة دون ان يكون ذلك مرتبطا بالفصل في منازعة تتعلق بعدم دستورية القوانين أو اللوائح كما تقرر المادة 173 من الدستور صراحة.

وختاما، نقول ان مجلس الأمة مطالب ضمن حقه في ممارسة اختصاصاته ان يضع آلياته وتوجهاته في كيفية التعامل مع حالات تفسير نصوص الدستور كما يفهمها وفقا لما سار عليه في مناسبات عديدة سابقة بحيث يلجأ الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية فيه لتضع تأصيلها وفهمها لحدود التفسير الخاص بمواد الدستور الذي قد تصدره المحكمة الدستورية في خصوص المواد حينما تتجاوز حدود الدستور وتتولى وضع قواعد قانونية افتراضية أو احتمالية دون ان يكون ذلك تصديا منها لمنازعة وواقعة محددة، كما حدث في تفسيرها رقم 3 لسنة 2004 الخاص في المادة 99 من الدستور، ويكون هذا الموضوع هو بداية تأصيلها الدستوري والقانوني لسلطة تفسير الدستور وأحكامه.

والله ولي التوفيق والسداد
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الـهـوامـــش

(1) انظر الدراسة القيمة للدكتور عبدالرزاق السنهوري «مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية» مجلس مجلس الدولة، السنة الثالثة، 1952، ص1-116.

(2) سبق للمحكمة العليا المصرية ان تجاوزت احكام الدستور، وبتاريخ 15/3/1977 في حكمها الذي تناول تفسير المادتين 94 و96 من الدستور المصري الذي اعتبرته المحكمة العليا في مصر عملا ماديا بحتا لمخالفته لأحكام الدستور ولا يكتسب اي حجية في حكمها بالطعن رقم 340 س ص23.

(3) انظر في ذلك الامام جلال الدين بن ابي بكر السيوطي «الجامع الصغير»، دار الكتب العلمية، بيروت 1990، الطبعة الاولى، حديث رقم 6004، ص372.

(4) د. محمد المقاطع «دراسة في اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي» مطبوعات جامعة الكويت، 1999.

(5) د. محمد المقاطع «اتجاهات القضاء الدستوري في الطعون الانتخابية» مجلة الحقوق

(6) د. محمد المقاطع «حماية الحياة الخاصة في مواجهة الحاسب الآلي» مطبوعات جامعة الكويت، 1992.

(7) انظر في ذلك في حكم المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 340/س ق 23 بتاريخ 9/4/1977 منشور في مجموعة مبادئ المحكمة الادارية العليا 65 ـ 80 الجزء الثالث، ص 2183، والمحكمة العليا في مصر هي المحكمة الدستورية، قبل ان يعدل قانونها لتصبح تحت اسمها المعروف اليوم بالمحكمة الدستورية العليا.

(8) دراسة في اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي، مرجع سبق ذكره.

احتراماً لحكم الدستور وحفظاً لأصول النظام
الأمير ليس هو الأسرة الحاكمة

اعكف هذه الايام على انهاء دراسة شاملة حول مسارات اصلاح النظام السياسي والدستوري ، واضع فيها اليد على مواضع الخلل الكبير الذي لحق ذلك النظام شاملاً فيها :-

·اصلاح النظام الانتخابي
·التزام الدستور بفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء
·اصلاح النظام البرلماني وموقع الاسرة الحاكمة فيه
·مظاهر ضعف السلطة التنفيذية
·التفويض غير الدستوري لرئاسة الوزراء واثارة السلبية
·اصلاح مجلس الامة وعوامل تراجع سلطاته
·الانتهاكات الدستورية للسلطتين
·تجربة الوزراء المنتخبين في ميزان الدستور

لكن الخلط غير المبرر، الذي مارسته الحكومة بقصد محاصرة وتجاوز احكام الدستور وحرية الرأي وتقييد الحريات العامة ، واجهاض الممارسة الديمقراطية الكويتية ،من خلال قرار رسمي من قبل مجلس الوزراء تتم بناء عليه احالة الزميل محمد عبدالقادر الجاسم المحامي الى النيابة العامة بتهمة كيدية على اقوال لا يجرمها القانون ولا يعاقب عليها ، واسباغ سمة التجريم من خلال نسبة ” جريمة اخرى ” اليه على مسمع ومرأى الجميع يحتم علينا كشف ذلك الخلط المقصود ، لأنه يعمد لتكميم الأفواه ومصادر الحريات ، ويعود بالبلد الي سمة الدولة البوليسية لا الدولة القانونية ( الدستورية ) ويهدف الي اشاعة الرهبة والخوف بصورة تنذر بضيق الصدر في النقد والرأي الآخر ، واتخاذ ذلك وسيلة لمحاصرة الديمقراطية والتراجع عن قيمتها الاساسية وقواعدها الدستورية الراسخة .

حكمة تحييد الأسرة الحاكمة ومبرراتها في النظام الدستوري

بعد تلك المقدمة المهمة، انتقل الى موضوع هذه المقالة وابدأها باقتباس هذه العبارة من المذكرة التفسيرية للدستور ” تعمد ترك ماتضمنته الدساتير الملكية عادة من نص على ان (( لا يلي الوزارة احد اعضاء البيت المالك )) أو (( احد من الاسرة المالكة )) يؤدي الى جواز تعيين اعضاء الاسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الامة .

وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظرا لما هو معروف من عدم جواز ترشيح انفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة ، ونأيا بالاسرة الحاكمة من التجريح السياسي الذي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية .

و اود من الجميع ان يركزوا على الحكمة الدستورية المرجوة من منع اعضاء الاسرة الحاكمة من ترشيح انفسهم للانتخابات وهي :

·الحرص على حرية الانتخابات
·نأيا بالاسرة الحاكمة من التجريح السياسي
و اوضح من ان تلك الحكمة تقتضي من منطوق عبارة المذكرة التفسيرية ابتعاد اعضاء الاسرة الحاكمة عن الانتخابات بأي صورة من الصور ناخبين او مرشحين او مساندين او محاضرين حتى يكون القرار في اختيار نواب الامة شعبيا خالصا نظرا لما ذلك من اثار ونتائج دستورية مهمة سنوضحها لاحقا دون ان يكون للاسرة دور مؤثر بصورة سلبية او ايجابية غي اجواء الانتخابات او مساراتها وعلى الاخص وهو الاهم والاخطر نتائجها وبغير ذلك تغدو الانتخابات (( غير حرة )) ولم تتحقق لها اجواء الحرية في الاختيار التي قررها الدستور .

واذا فقدت الانتخابات احدى اهم مقوماتها وركائزها وهي انها فير حرة نتيجة التدخلات فيها والتأثير في نتائجها ستنتفي الحكمة التي ارادها الدستور بابعاد اعضاء الاسرة الحاكمة عن الانتخابات الا وهي تعريضهم للتجريح السياسي عبر النقد او النصح او القدح او الفضح لتصرفاتهم او غيرها تبعا لطبيعة دورهم في الانتخابات وتأثيرهم في اجوائها .

وقد يظن البعض ان هذه الحكمة حديثة الوجود في ظل دستور الكويت الحالي الصادر عام 1962 م وهذا وهم ولابد من ازالته فهذه القاعدة قديمة في الكويت منذ عام 1921 حيث نشأت عرفا دستوريا في ظل وثيقة عام 1921 التي قررت ان عضوية مجلي الامة من ابناء الاسرة ووجهاء الكويت وجاءت تلك العضوية قاصرة على الكويتيين دون ابناء الاسرة ثم ترسخ ذلك العرف عبر المجالس الادارية المنتخبة في الثلاثينات وهي مجلس التعليم ، مجلس الصحة ، مجلس الاوقاف ، مجلس المعارف والمجلس البلدي ، حيث الترشيح والانتخابات لعضوية تلك المجالس كانا قاصرين على الكويتيين دون ابناء الاسرة الحاكمة على مدة عشرة انتخابات تمت لتلك المجالس في الفترة من عام 1930 وحتى عام 1938 .

وقد توج هذا العرف بنص دستوري صريح في ظل دستور عام 1938 الذي قرر صراحة منع ابناء الاسرة الحاكمة من الترشيح لعضوية مجلس الامة التشريعي الذي اجريت له الانتخابات مرتين متعاقبتين ولم يكن من مرشحيه ولا من ناخبيه احد من ابناء الاسرة الحاكمة وقد تكرر هذا المبدأ ايضا في ظل مشروع الدستور المقر من قبل مجلس الامة التشريعي عام 1938 ثم انتقلت هذه القاعدة الى دستور فترة الانفصال الصادر عام 1961 حيث اقتصرت العضوية فيه بطريق الانتخاب للكويتيين دون ابناء الاسرة الحاكمة الذين شاركوا في عضوية ذلك المجلس بصفتهم وزراء معينين فقط ومع ذلك فقد تركوا قرار التصويت على الدستور واقراره حقا شعبيا خالصال حينما امتنعوا من التصويت تأكيدا منهم للعرف والنصوص الدستورية المستقرة وقد جاء نص المذكرة التفسيرية للدستور الحالي للكويت متوجا لتلك الاعراف والنصوص ومؤكدا عليها حينما قرر ابعاد ابناء الاسرة الحاكمة عن الانتخابات مرشحين او ناخبين او بأي صفة تحقيقا للحكمة الدستورية السابقة متمثلة بـ :-

·حرية الانتخابات
·و نأيا بأعضاء السرة من التجريح السياسي
وقد تعاقبت الانتخابات تلو الاخرى منذ عام 1963 وحتى يومنا هذا ولم يحدث خروج على هذا المبدأ الدستوري المهم الا من حالات فردية تغلب عليها طابع الاعلان السياسي اكثر منه ترشيحا انتخابيت حقيقا ، ولا تؤثر في ذلك المبدأ الدستوري المستقر في شيء .

غير ان الانتخابات البرلمانية في الكويت ومنذ التحرير بدأت تشهد دورا واضحا لبعض ابناء الاسرة الحاكمة وبروز ظاهرة مساندتهم لبعض المرشحين بطرق عديدة خروجا على المبدأ الدستوري من جهة ، وتجاوز لمبدأ حياد الاسرة في علاقتها بمختلف فئات الشعب حماية لموقع الاسرة من التجريح السياسي وهو مااخذت تظهر بوادر نقده وفضحه وتجريحه من قبل مختلف فئات الشعب في فترات الانتخاب او في غيرها لاعادة الامور الى نصابها وهو مسلك وبكل اسف زاد في مظاهره واشكاله في الانتخابات الحالية وهو مادفع معظم المرشحين والتكتلات السياسية والكتّاب والمثقفين الى التحذير منه ومن اثاره السلبية وانها تشكل ظاهرة مرفوضة تؤثر في موقع الاسرة وحيادها .

مركز الامير الدستوري يختلف عن الاسرة الحاكمة
ان منصب سمو الامير ومسند الامارة كما قررته المادة 54 من الدستور هو فقط من له صفة الصيانة الدستورية بما لايجوز معه المساس بها وفي ذلك تقرر المادة 54 مايلي (( الامير رئيس للدولة وذاته مصونة لا تمس ))

وهو موقع يعطي سمو الامير ومسند الامارة موقع الصفة الرمزية لوحدة الدولة والشعب والالتقاء عليها وينأى بسموه من النقد المباشر لشخصه او جعله موضعا للمساءلة السياسية لان الامير في النظام الدستوري الكويتي لا يباشر سلطات دستورية الا بواسطة وزرائه وهم من يتحملون المسؤولية السياسية بدلا منه وفقا للمبادئ الراسخة في النظام البرلماني الكويتي والانظمة البرلمانية المماثلة وهو المبدأ الذي استنادا اليه وانطلاقا منه بنيت المنظومة الدستورية والقانونية في الكويت بابعادها المختلفة في اطار مبادئ الدستور وخضوع الجميع لقواعده حكاما ومحكومين وفقا للطبيعة المتوازنة للنظام البرلماني الذي تبناه الدستور.

اما الاسرة الحاكمة فان تصرفات اعضائها ليست لها صفة الحصانة الدستورية لافي جوانبها الشخصية ولا في ادوارها وممارساتها السياسية فيقدر التصرف وطبيعة وموقع المسؤولية او الممارسة او شكل الاختصاص والعمل يتولد حق النقد وتكون له مبرراته في مواجهتهم وهم في ذلك لا يختلفون في شيء عن بقية ابناء الشعب الكويتي كافة في خصوص هذا الامر اللهم الا انهم يحظون بموقع (( الاسرة الحاكمة )) بما لها من مكانة واحترام في نفوس الكويتيين وبقدر التفهم المتبادل بينهما لكل في موقعه ومهامه الدستورية دون ان يضفي ذلك على ابناء الاسرة اي حصانة اضافية ويجعلهم خارج نطاق النقد او التجريح او المساءلة بسبب دواعيها ومبرراتها والادوار والمهام التي تسند اليهم وعليه فكلمها قل دورهم كان ذلك احفظ لهم مما يقلل دخولهم في دائرة النقد والتجريح .

ومن هنا فانه لابد من ان تؤكد انه ليس صحيحا من الناحية الدستورية تعمد الخلط بين مركز الامير وصفته وموقعه واختصاصه وارتباط ذلك بمسند الامارة من جهة ودور الاسرة الحاكمة بافرادها على اختلاف مواقعهم واوجه نشاطهم في الحياة الخاصة او العامة ومحاولة اظهار ان نقد الاسرة او احد اعضائها انه مساس بالامير وخروج على النصوص الدستورية والقانونية المقررة بان (( ذات الامير مصونة لا تمس )) وهي محاولة لاتسندها النصوص الدستورية اطلاقا بل حتى الاحكام القانونية فلا يوجد في القانون الكويتي مايقرر تلك الحصانة لابناء الاسرة الحاكمة بل ان نقدهم ومحاسبتهم والتجريح بتصرفاتهم ليس مما يدخل في نطاق التجريم القانوني اطلاقا الا ماكان جريمة تقع في مواجهة اي واحد منهم شأنه في ذلك شأن اي فرد من ابناء الشعب الكويتي وليس بصفته وانتسابه للاسرة الحاكمة فقط اذ ان ذلك فضلا عن عدم تقرير النصوص القانونية له فانه مناهض لفكرة المساواة المقررة في المادة 29 من الدستور اللهم الا في حقهم وقدرتهم في ان يتقلدوا منصب الامارة مستقبلا بعد استكمال كافة الشروط والاجراءات الدستورية المقررة في المادة 4 من الدستور وقانون توارث الامارة .

اما ماعدا ذلك فهم وابناء الشعب سواء في خضوعهم للنقد والتوجيه والمساءلة تبعا لتصرفاتهم ومواقعهم حينما يكون ذلك مبررا.

بناء على كل ما تقدم فإن محاولة توجيه التهمة للزميل محمد عبد القادر الجاسم المحامي , عما قاله في الندوة الإنتخابية من نقد ونصح للاسة الحاكمة مما لا يدخل في نطاق التجريم القانوني وانا اشهد باعتباري كنت محاضرا مشا ركا له في تلك الندوة, ان ما قاله لم يمس سمو الامير في شيْ ولم ينل من مسند الامارة, وهو مايعني ان من يتحمل وزر هذا الخلط المعتمد هو مجلس الوزرتء الذي اتخذ قرار الاحالة .

ويكفي الاطلاع على نص المادة (25) منالقانون رقم 31 لسنة 1970 التي اتخذ اساسا لتوجيه الاتهام لنتبين حجم الخلط حيث تقرر هذه المادة (( يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 5 سنوات كل من يطعن علنا او في مكان عام يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول او الصياح او الكتابة او الرسوم او الصورة او اي وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر في حقوق الامير او سلطته او عاب في ذات الامير او تطاول على مسند الامارة )).

ولعمري ان قيام مجلس الوزراء باختيار هذا المسلك , لهو تجاوز لاحكام الدستور , واساءة مباشرة للنظام الديموقراطي المقرر في المادة السادسة من الدستور ,ولطبيعة النظام البرلماني الكويتي يتحمل مجلس الوزراء وزرها الآني والمستقبلي وتداعياتها على الحياة الدستورية والسياسية , ويجب على كل كويتي مخلص ان يتمسك بالدستور في موجهته ويرفع صوته عاليا .

حماية للمكتسبات الدستورية المستقرة , ومنعا من السير نحو الدولة البوليسية بدلا من الدولة القانونية ,والتقهقر والتراجع في التجربة الدستورية .

ان الحرص على تطوير النظام الدستوري وتكريسه يجب ان يكون دائما هو القاسم المشترك للكويتيين حكاما ومحكومين وهو ما يدفعنا الي دعوة الجميع لمراجعة اي منهج خاطئ ويخرج على احكام الدستور , وفي هذا الوقت بالذات الذي يعيش فيه البلد اعراس الديموقراطية واجواء الانتخابات البرلمانية والتي يجب ان تحوفهما ركائز الشريعة الدستورية وبحبوحة الحرية السياسية بعيدا عن الانفعال او ضيق الصدر من قبل جميع الاطراف .
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد