1. النظام القانوني الاردني للملكية الفكرية وموقع المنافسة غير المشروعة منه.

تحكم موضوعات الملكية الفكرية وفق النظام القانوني الاردني العديد من التشريعات ، فينظم قانون حماية حق المؤلف رقم 22 لسنة 1992 (1) وتعديله لاعوام 1998 (2) و1999 (3) و2001 (4) ونظام ايداع المصنفات الصادر بموجبه رقم 4 لسنة 1994 (5) ، الحماية القانونية للمصنفات الادبية والفنية وضمنه وبموجبه تحمى برامج الحاسوب وقواعد البيانات , ويتصل بالملكية الادبية والفنية بشكل مباشر قانون مراقبة المصنفات المرئية والمسموعة رقم 8 لسنة 1997 (6) ونظام رقابة المصنفات المرئية والمسموعة رقم 19 لسنة 1998 الصادر بموجب القانون (7) ،

وضمن مسعى الاردن لاستكمال تشريعات الملكية الفكرية انفاذا لمتطلبات عضوية منظمة التجارة العالمية تم سن قانون حماية التصاميم للدوائر المتكاملة رقم 10 لسنة 2000 (8) ، وبذلك امتدت قواعد الحماية في القانون الاردني الى البرمجيات وقواعد المعلومات والدوائر المتكاملة من بين مصنفات المعلوماتية .

اما الملكية الفكرية الصناعية ، فان براءات الاختراع تخضع لاحكام قانون براءات الاختراع رقم 32 لسنة 1999 (9) المعدل بموجب القانون المؤقت رقم 71 لسنة 2001 (10) والى نظام براءات الاختراع رقم 97 لسنة 2001 (11) الصادر بموجب القانون ، وقانون براءات الاختراع قانون جديد سن ليحقق التوائم مع متطلبات عضوية الأردن في منظمة التجارة العالمية .

اما العلامات التجارية فتخضع للقانون رقم 33 لسنة 1952 (12) المعدل بالقانون رقم 34 لسنة 1999 (13) والى نظام العلامات التجارية رقم 1 لسنة 1952 (14) المعدل بموجب النظام رقم 37 لسنة 2000 (15) ، اضافة الى قانون علامات البضائع رقم 19 لسنة 1953 (16).

والى جانب هذه التشريعات الرئيسة فان المؤسسة التشريعية سنت ابتداء من مطلع العام 2000 حزمة تشريعات الملكية الصناعية التي استكملت بموجبها الالتزامات المقررة على الاردن بحكم عضويته في منظمة التجارة العالمية ، وهذه التشريعات تشمل قانون الرسوم الصناعية والنماذج الصناعية رقم 14 لسنة 2000 (17) الذي صدر بموجبه نظام الرسوم الصناعية والنماذج الصناعية رقم 52 لسنة 2002 (18) ، وقانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية رقم 15 لسنة 2000 (19) ،

وقانون المؤشرات الجغرافية رقم 8 لسنة 2000 (20) ، وقانون حماية الاصناف النباتية الجديدة رقم 24 لسنة 2000 (21) الذي صدر بموجبه مؤخرا نظام نظام تسجيل الاصناف النباتية الجديدة رقم 76 لسنة 2002 (22) ، وبالتالي اكتمل عقد تشريعات الملكية الفكرية التي تتطلبها اتفاقية تربس (طبعا بعد استكمال الانظمة بموجب القوانين المشار اليها اعلاه التي لم يصدر لها انظمة تنفيذية لغاية الان ومنها قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية مدار البحث) ، وهذه الطائفة – اضافة لقانون تسجيل الاسماء التجارية رقم 30 لسنة 1952 (23) – تعد التشريعات المباشرة الناظمة للملكية الفكرية في الاردن.

والى جانب هذه التشريعات فان الاردن عضو في المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( وايبو ) وهو مصادق ومنضم الى اتفاقيتين فقط من بين اتفاقياتها المعروضة فيما تقدم ، هما اتفاقية باريس الخاصة بالملكية الصناعية ( انضم اليها الاردن عام 1972 ) ، واتفاقية بيرن المتعلقة بالملكية الفنية والادبية التي انضم اليها الأردن حديثا عام 1999 .

وعلى الصعيد الاقليمي فالاردن عضو في الاتفاقية العربية لحماية حق المؤلف . ومع دخول الأردن عضوية منظمة التجارة العالمية بمصادقة المنظمة على بروتوكول الانضمام بتاريخ 17/12/1999 (24) والتزامه باتفاقياتها البالغة 28 اتفاقا ، فانه ملزم من بينها باتفاقية تربس المتعلقة بالملكية الفكرية ، وجرى استكمال الآليات الدستورية للمصادقة على هذه الاتفاقيات مما يجعلها جزءا من النظام القانوني الاردني .

والى جانب تشريعات الملكية الفكرية المباشرة (وطنية او دولية) فان نظام الملكية الفكرية يتاثر بجملة تشريعات على نحو غير مباشر كقوانين المواصفات والمقاييس وقوانين الجمارك والقوانين التنظيمية لوزارة الصناعة والتجارة ووزارة الثقافة ، طبعا بالاضافة الى قوانين منع الاحتكار(المنافسة) وحماية الانتاج الوطني.

من هنا فان نظام الملكية الفكرية في الأردن ، نظام متشعب الموضوعات ، ينطوي على حقوق والتزامات ، تنتقل من النطاق الوطني الى النطاقين الاقليمي والدولي ، وبسريان اتفاقية تربس تعدو الالتزامات اكثر دقة وتحت الرقابة ان جاز التعبير ، ولانه نظام يتعلق بالمصنف وما يتصل به من حق وما يرد عليه من اعتداء فهو نظام تنظيمي اداري وحقوقي وفوقهما نظام ينطوي على قواعد المساءلة الجزائية التي تتباين تبعا للمصنف المحمي .

ولانه كذلك ، فانه نظام يتصل أيضا بقواعد التقاضي المدنية والجزائية المقررة في النظام القانوني الاردني ولاتصاله بواحد من اهم موضوعات الاقتصاد الجديد ، اقتصاد المعلوماتية في عصر الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات ، فانه يتعلق بنظام التكنولوجيا وسياساتها وتحديدا النظام القانوني لنقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية ، وهو لذلك يمس عناصر نظام الاستثمار والانتاج الوطني ، ونظام الادارة والجودة والمقاييس ، ونظام الانشطة التجارية في بيئة تحرير التجارة واقتحام سوق الخدمات ، ونظام الاداء الصناعي بالنسبة للصناعة الوطنية وعناصر تطويرها وحمايتها .

بعد هذا الاستعراض السريع ، نجد النظام القانوني للمنافسة غير المشروعة في الاردن يجد موضعه الرئيس والمباشر في قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية رقم 15 لسنة 2000 ، غير انه يتاثر بمجموعة تشريعات على نحو مباشر ، هي قانون العلامات التجارية وقانون علامات البضائع وقانون الاسماء التجارية ، وبالطبع يتاثر بما هو مقرر في اتفاقية باريس وكذلك اتفاقية تربس – كما سنرى – باعتبارهما جزءا من النظام القانوني الاردني ، واما منازعات المنافسة غير المشروعة وتبعا لطبيعة دعاويها فانها تتاثر بالنظام القانوني للقرارات المستعجلة وطعونها المقررة في قانون اصول المحاكمات المدنية وبما هو مقرر في الاردن من قواعد عامة بشان دعاوى المسؤولية المدنية والتعويض عن الاضرار المادية والمعنوية الناشئة عنها المقررة في القانون المدني.

2. محل المنافسة غير المشروعة (25) وما تستهدفه انشطتها

المحل التجاري وعناصره المستهدفة بانشطة المنافسة غير المشروعة

بالرغم من بعض الاختلافات غير الجوهرية لدى الفقه في تعريف المحل التجاري (26) فانه يمكننا القول ان ثمة اتفاق على تحديد عناصر المحل التجاري انعكس بدوره على تشريعات القانون التجاري في تناولها للمحل ، فهي وان لم تكن قد ضمنت التشريع تعريفا للمحل او المؤسسة التجارية فانها في غالبيتها حددت عناصره على نحو يتفق مع رؤية الفقه بشانه (27).

وقد ذهب رأى الى ان المحل التجاري هو ” مجموع أموال مادية ومعنوية تخصص لمزاولة مهنة تجارية ” (28) . وفي تعريف اخر فأن المتجر ” مجموعة من أموال منقول مادية أو معنوية تالفت معاً ورتبت بقصد استغلال مشروع تجاري أو الحصول على عملاء “(29) .

وثمة تعريف ثالث يبرز اهمية عنصر الاتصال بالعملاء ، باعتباره الهدف من تآلف العناصر الأخرى المادية والمعنوية ، فالمحل التجاري وفق هذا الرأى ” مال منقول معنوى يشمل أتصال التاجر بعملائه واعتيادهم التردد على المتجر نتيجة عناصر الاستغلال ” (30) .
والمحل التجاري على ما استقر عليه الرأى -بعيدا عن التناقضات غير الجوهرية في التعريف -يتمثل بمجموع عناصر منقولة مادية ومعنوية ، يجمعها التاجر وينظمها ليستغلها في ممارسة نشاطه التجاري ، وحقه في الاتصال بعملائه أهم هذه العناصر (31).

وقد قالت محكمة النقض المصرية بشان المتجر ” انه يشمل عناصر مادية وأخرى معنوية ، والمقومات المعنوية هى عماد فكرته وأهم عناصره ، ولا يلزم توافرها جميعاً لتكوينه بل يكتفى بوجود بعضها ، ويتوقف تحديد العناصر التى لا غنى عنها لوجود المحل التجاري على نوع اتجاري التى يزاولها (32) ”
واذا كانت العناصر المادية للمتجر تتمثل بالبضائع والموجودات والمهمات ، فان العناصر المعنوية تتخذ اهمية بالغة في تكوين المتجر الى حد تركيز الفقه والقضاء عليها كاساس ومقوم وجود المتجر او المحل التجاري او المؤسسة التجارية ، وتتمثل العناصر المعنوية بعنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية ، وهما لدى بعض الفقه كما سنرى مختلطين معا كعنصر واحد ويمثلان اهم عناصر المتجر قاطبة ، كما تشمل هذه العناصر العنوان التجاري والاسم التجاري وعناصر الملكية الادبية والصناعية المختلفة المتقدم عرضها في الفصل التمهيدي .

ولان عنصرا الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية هما الابرز والاهم من بين العناصر المعنوية للمؤسسة التجارية ، فانهما بحق محل وموطن الاعتداءات الرئيسة التي تستهدفها انشطة الممارسة غير المشروعة ، فاساس فكرة المنافسة غير المشروعة – بل حتى المشروعة منها – وغرضها ومنحاها ، السعي لاستقطاب زبائن المنشآت والمؤسسات المماثلة ، وتكون غير مشروعة ان تعدت الوسائل العادية والمقبولة والاخلاقية الى وسائل غير مشروعة ، كوسم المنتجات بعلامات تجارية شبيهة تحدث بالنتيجة لبسا في ذهن الزبون ، او استخدام اسم تجاري مشابه ، او اشاعة المعلومات الكاذبة عن صاحب منشأة مماثلة لجر زبائنه ،

او استخدام بيانات كاذبة فيما يقدم من منتجات وخدمات للتاثير على الزبائن ، او غير ذلك من انشطة سنرى صورها فيما ياتي ، وكما نرى فان الجامع المشترك بين هذه الوسائل وغيرها من الوسائل غير المشروعة ، من حيث ما تستهدفه ومن حيث الغرض ، هو التاثير على العملاء والمساس بالسمعة التجارية للمنشأة المستهدفة ، لهذا نقف تاليا على هذين العنصرين .

اولا :- الاتصال بالعملاء
المقصود بالاتصال بالعملاء مجموع الاشخاص الذين اعتادوا التعامل مع المحل التجاري ، وهو عنصر شخصى وثيق الصلة بصاحب المتجر ، ويقوم على ثقته التى يضعها عملاؤه فيه لصفات شخصية تتصل به كأمانته ولباقته في تعامله معهم وارضائهم بتحقيق رغباتهم . وحق اتصال التاجر بعملائه أهم عناصر المتجر ، والاساس الذى تقوم عليه باقى عناصره(33).

ويشترط لتوافر عنصر العملاء ان يبدأ أتصالهم بالمحل فعلا ، أى أن يكون للعملاء وجود فعلى ، ولا يكفى أن يكون وجودهم محتملا ، ولا يعنى ذلك أن للتاجر حقا على عملائه ، اذ لهم الحرية المطلقة في التعامل معه والاعراض عنه والاتجاه الى غيره من التجار ، وانما مناط حق التاجر في الاتصال بعملائه حماية يقرها القانون له اذا ما استهدف هذا الحق لاعتداء غير مشروع ، كأن يعمد الغير الى اجتذاب هؤلاء العملاء وصرفهم عن التعامل مع التاجر عن طريق الاساءة لسمعته ، كأن يطلق عنه شائعات تسئ اليه وتجعل عملاءه يعرضون عنه وعن شراء سلعته ، وتتمثل الحماية القانونية في حقه في رفع دعوى المنافسة غير المشروعة التي سنقف لاحقا على عناصرها ومتطلباتها .

ثانيا :- السمعة أو الشهرة التجارية :
اذا كان الحق في الاتصال بالعملاء عنصر شخصى وثيق الصلة بشخص التاجر ، فان السمعة التجارية عنصر عينى مرتبط بالمحل التجارى ذاته وما يتميز به من صفات وخصائص تمكنه من اجتذاب العملاء . مثال ذلك : حسن موقع المحل التجاري ، ووسائل الراحة التى يهيئها لعملائه ، وجمال عرض البضائع فيه وحسن تنسيقها . ويؤكد أهمية السمعة التجارية للمحل أن العملاء يعتادون شراء سلعهم من محال تجارية لا يعرفون أصحابها معرفة شخصية ، وقد يتغير مالك المحل دون أن يؤثر ذلك على صلتهم بالمحل واعتيادهم الشراء منه .

والاتصال بالعملاء والسمعة التجارية عنصران متكاملان ، رغم دقة التفرقة بينهما ، وفي حكم حديث لمحكمة النقض المصرية قررت ” ان شهرة المحل هو مجموع العناصر التى تعمل مجتمعة على تحقيق ارباح للمنشأة تفوق الارباح العادية للمنشآت المماثلة ، وهى بهذه المثابة تشكل جزءاً من أصول المنشأة وتحتمل النقصان او الانقضاء ، وتقدير زيادة ربح المنشأة عن التقدير العادى لمثيلاتها من المنشآت الاخرى هو من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة ” (34).

وفي حكم آخر قضت محكمة النقض ” أن شهرة المحل التجارى تتكون من جملة عناصر تعمل على اجتذاب العملاء ويدخل ضمن مقومات الترخيص بادارة المحل ” (35) .

مما تقدم يظهر جليا ان عنصرا الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية – سواء توحدا كعنصر واحد ام استقلا من حيث تكييف طبيعتهما – فانهما اهم عناصر المتجر بل يشكلان العنصر الوحيد الاجباري والالزامي في فكرة وجود المتجر على نحو ما نصت عليه صراحة المادة 34 من قانون التجارة المصري الجديد رقم 17 اسنة 1999 ، المقتدية بقرارت محكمة النقض المستقرة في هذا الشان(36) ، فقد نصت المادة المذكورة على انه :-

” 1- المتجر مجموعة من الاموال المنقولة تخصص لمزاولة تجارة معينة ويجب ان يتضمن عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية .
2- يجوز ان يتضمن المتجر عناصر معنوية اخرى كالاسم التجاري والسمة التجارية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية والحق في الايجار وحقوق الملكية الادبية والفنية وحق المعرفة وترخيص الاستغلال الصناعي .

3- ويجوز ان يتضمن المتجر البضائع والاثاث والالات والاجهزة والمعدات وغيرها من المهمات اللازمة لاستغلال المحل التجاري “

وهذا النص المستحدث في القانون التجاري المصري يبرز بشكل جلي اهمية عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية ، فبقية العناصر مما يجوز وجودها ويمكن تخلفها دون اثر على وجود المحل التجاري ، في حين لا يقوم المحل التجاري دون هذين العنصرين المهمين ، واذا كانت العناصر الاخرى المذكورة مما تتوفر الحماية القانونية لها بموجب التشريعات الخاصة المنظمة لها كحماية العلامات التجارية بموجب قوانين العلامات التجارية وحماية الاسماء التجارية بموجب قوانين الاسماء التجارية وهكذا ، او حماية العناصر المادية بنصوص القوانين الجزائية والمدنية العامة ، كحماية الالات والموجودات من انشطة الاعتداء ،

كالسرقة والاتلاف والتدمير وغيرها ، وحمايتها بنصوص المسؤولية المدنية العامة او تطبيقات الحماية الخاصة المقررة في القوانين المدنية ، فان من بين عناصر المحل بل واهمها كما قلنا ( اي الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية ) مما لا تحميه غير دعوى المنافسة غير المشروعة مدار البحث ، ولهذا كان محل هذه الدعوى الانشطة التي تستهدف بنتيجتها هذين العنصرين حتى لو وجهت المسلكيات غير المشروعة او الاعتداءات الى بقية عناصر المتجر او المؤسسة التجارية .

تعريف ومفهوم المنافسة غير المشروعة

يمكن تعريف المنافسة غير المشروعة – بوجه عام – بانها استخدام التاجر لطرق منافية للقوانين او العادات او الشرف (37) .

ويقصد بالتنافس تزاحم التجار أو الصناع على ترويج أكبر قدر من منتجاتهم أو خدماتهم من خلال جذب أكبر عدد من العملاْء ، ويحقق التجار هذه الغاية مستندين الى حرية المنافسة فيما بينهم و حرية الاختيار لدى جمهور المستهلكين ، واذا تحقق هذا التنافس بشرف وامانة اي وفقا لاحكام القانون والعادات التجارية والاتفاقات الخاصة ، ادى ذلك الى تحقيق مزايا اقتصادية عديدة ابرزها انخفاض الاثمان وارتفاع القيمة الحقيقية للنقود ، وتحقيق جودة عالية للسلع والخدمات وبالتالي الى ازدهار التجارة و رفاهية واضحة للجمهور(38).

ولما كان التجار او الصناع المتماثلين في مهمتهم يعرضون بضائعهم وخدماتهم لذات الجمهور ، فان زيادة عملاء احدهم لا بد ان يقابلها نقص في عملاء الاخرين ، وحتى يكون جذب عملاء الاخرين مشروعا بالرغم من ان ذلك يقابله ضرر بالنسبة للتجار المنافسين ، فانه يتعين تنظيم هذا التنافس بحيث لا يسمح للتجار تجاوز حدود حرية المنافسة بافعال مخالفة للقانون بمعناه الواسع ، وتتضح مخالفة افعاله للقانون من خلال استخدام الشخص لوسائل تؤثر على حرية اختيار الجمهور(39).

والحقيقة ان الفقه بوجه عام ، وفقه القانون التجاري بوجه خاص – في حدود مراجع الدراسة المشار الى غالبيتها في هذا المبحث – لم يتوسع في تعريف المنافسة غير المشروعة باكثر مما عرضناه اعلاه ، وردد في ذلك ما قاله القضاء المصري والمقارن بشانها منذ اواخر القرن التاسع عشر في بعض الاحكام المحدودة التي سنقف عليها فيما ياتي ، ومرد ذلك تركيز الفقه على صورها ، وذات الموقف نجده ايضا في غالبية التشريعات المقارنة قبل موجة تعديلاتها الاخيرة خلال السنوات الاخيرة في عقد التسعينات ، حتى لا نكاد نجد تعريفا في احدها للمنافسة غير المشروعة بل نجد عرضا لما يعد صورا من صورها وما يدخل في مفهومها ، والاداة القانونية الوحيدة التي حددت مفهوما عاما للمنافسة غير المشروعة منذ قدم تمثلت في اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883 حيث جاء في المادة 10 مكررة – ثانيا منها :- :-

(( 1 – تلتزم دول الاتحاد بأن تكفل لرعايا دول الاتحاد الأخرى حماية فعالة ضد المنافسة غير المشروعة.
2 – يعتبر من أعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع العادات الشريفة في الشؤون الصناعية أوالتجارية.

3 – ويكون محظورا بصفة خاصة ما يلي :

أ- كافة الأعمال التي من طبيعتها أن توجد بأية وسيلة كانت لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.

ب- الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
ج- البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها. )))

وحديثا ، كرست اتفاقيات التجارة الدولية ( Wto ) وتحديدا اتفاقية تربس المتقدم الاشارة اليها ، نفس المفهوم للمنافسة غير المشروعة عندما احالت الى تحديد المقصود منها وصورها الى ما ورد في المادة 10 مكررة من اتفاقية باريس – المتقدم نصها – وفي ذلك نصت الفقرة (1) من المادة الثانية من اتفاقية تربس على انه :-

(( فيما يتعلق بالاجزاء الثاني والثالث والرابع من الاتفاق الحالي تلتزم الدول الاعضاء بمراعاة احكام المواد 1-12 و19 من معاهدة باريس ( 1967 ) )) ،

وبالتالي فان اتفاقية تربس – كما قلنا – احالت من ضمن ما احالت الى احكام المواد المنظمة للمنافسة غير المشروعة في اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية ومنها المادة 10 (مكررة-ثانيا) ، وتجدر الاشارة الى ان المقصود بمعاهدة باريس 1967 وثيقة معاهدة باريس لحماية الملكية الصناعية بصيغتها المقررة عام 1967 بموجب وثيقة استوكهولم الصادرة بتاريخ 14 تموز 1967 .

وهذا المفهوم العام الوارد في الفقرة 2 من المادة 10 مكررة من اتفاقية باريس ، هو الذي درجت القوانين الاخيرة المشرعة بعد اتفاقيات التجارة الدولية على تضمينه تشريعات المنافسة غير المشروعة ، ونجد قانونا الاردني قد ردد نفس المفهوم واورد نفس الصور تقريبا ، فقد نصت المادة 2 من قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية الاردني مدار البحث على انه :-

(( أ . يعتبر عملا من اعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية اوالتجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي :
1. الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .

2. الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
3. البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .

4. أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج او تحدث لبسا فيما يتعلق بمظهره الخارجي او طريقة عرضه او قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج او طريقة احتسابه .

ب. اذا كانت المنافسة غير المشروعة متعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء اكانت مسجلة ام غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور فتطبق في هذه الحالة احكام الفقرة أ من هذه المادة .

ج. تسري الاحكام الواردة في الفقرتين (أ) و (ب) من هذه المادة على الخدمات حسب مقتضى الحال. ))

اما في القانون المصري ، فبرغم وجود السوابق القضائية التي ترجع لمطلع القرن العشرين ، فان تنظيم المنافسة غير المشروعة تشريعيا قد تم لاول مرة في قانون التجارة الجديد لعام 1999 ، حيث نصت المادة 66 منه على انه :-

يعتبر منافسة غير مشروعة كل فعل يخالف العادات والاصول المرعية في المعاملات التجارية ، ويدخل في ذلك على وجه الخصوص الاعتداء على علامات الغير او اسمه التجاري او على براءات الاختراع او على اسراره الصناعية التي يملك حق استثمارها ، وتحريض العاملين في متجره على اذاعة اسراره او ترك العمل عنده وكذلك كل فعل او ادعاء يكون من شانه احداث اللبس في المتجر او في منتجاته او اضعاف الثقة في مالكه او في القائمين على ادارته او في منتجاته .

كل منافسة غير مشروعة تلزم فاعلها بتعويض الضرر الناجم عنها وللمحكمة ان تقضي – فضلا عن التعويض – بازالة الضرر وبنشر ملخص الحكم على نفقة المحكوم عليه في احدى الصحف المحلية .

ويلاحظ على النص المصري انه استند في مفهومه وصور المنافسة غير المشروعة الى ما ورد في قررات محكمة النقض المصرية منذ مطلع القرن العشرين ، بمعنى انه استند الى الواقع المصري اكثر من اخذ المفهوم المقرر في اتفاقية باريس برغم تقارب الصور ، وهذا يعكس سياسة تشريعية صائبة تستند الى الواقع المحلي اكثر من التحديد المقارن للمسألة محل التنظيم .

وبمحاولة المقارنة ما بين مفهوم المنافسة غير المشروعة لدى الفقه ، ومفهومها في المدونات القانونية – كاتفاقية باريس واتفاقية تربس والقانون الاردني والقانون المصري – نجد المدونات القانونية تركز على مخالفة السلوك للعادات الشريفة والاصول المرعية في التجارة ، في حين يمتد المفهوم لدى الفقه الى مخالفة السلوك للقوانين واللوائح والعقود والعرف والعادات (40) ،

فهو لدى الفقه اكثر اتساعا ، اما في المدونات فيكاد ينحصر بالعادات والاصول التجارية والصناعية المرعية ، والحقيقة ان هذا الخلاف له ما يبرره ، فالقوانين في غالبيتها – عدا اتفاقية باريس – جاءت لاحقة لبحوث المنافسة غير المشروعة لدى الفقه وجاءت لاحقة لمفهومها الذي انشأه القضاء او لنقل الاجتهاد القضائي في فرنسا ، وتبعه في ذلك القضاء الانجلو امريكي ، وكذا القضاء العربي وتحديدا المصري كما سنرى لاحقا ، ولهذا لم تكن غالبية الموضوعات التي تتناولها انشطة المنافسة غير المشروعة محل تنظيم تشريعي .

وبالنسبة لاتفاقية باريس فهي في متنها تنظم حماية بقية العناصر من الممارسات التي تودي الى اللبس والخداع ، كالعلامات التجارية وعلامات المنشأ والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع وغيرها .

أما وقد نظمت تشريعيا كافة اوجه الاعتداء على العلامات التجارية وعلى الاسماء التجارية وعلى بقية عناصر المؤسسة التجارية وكذلك بقية مسائل الملكية الفكرية ، وقررت عقوبات وجزاءات ومسؤوليات عن هذه السلوكيات ، فان ما بقي بعيدا عن التنظيم هو مجموع الممارسات التي لا تعد بذاتها مخالفة لقاعدة تشريعية ،

ففي حقل العلامات التجارية مثلا ، يعد استخدام نفس العلامة تقليدا موجبا للمسؤولية ، لكن ما هو ليس محلا للتنظيم التشريعي في قانون العلامات التجارية استخدام التاجر علامته التجارية المسجلة والقانونية والتي اكتملت عناصر حمايتها ولم تكن محل اعتراض او ليست محل دعوى شطب وترقين ، لكنها في الوقت ذاته تعتمد على عناصر وتستخدم بطريقة تحدث لبسا مع علامة تجارية اخرى هي ايضا مسجلة وقانونية مستوفية لشرائطها ،

ففي هذه الحالة فان المخالفة ليست مخالفة لقاعدة قانونية بل هي مخالفة للممارسات الشريفة والاصول المرعية في التجارة التي تمنع الشخص من ان يستخدم عناصر علامة تجارية على منتجاته تحدث لبسا مع منتجات تاجر آخر لجهة استقطاب عملاء التاجر الاول .

ولهذا يقال في الوقت الحاضر ان قانون المنافسة غير المشروعة هو القانون الاحتياطي عندما لا تتوفر النصوص التشريعية في القوانين المنظمة لحماية عناصر المؤسسة التجارية او لحماية الملكية الفكرية ، فهو يعمل كلما استحال تطبيق التشريعات الاخرى ، سيما وان ممارسات المنافسة غير المشروعة تستهدف العملاء والسمعة وهي ليست محل تنظيم في التشريعات القانونية المعنية (41).

ومع هذا ثمة جانب من صور المنافسة غير المشروعة – كما سنرى تفصيلا فيما ياتي – تخالف قواعد عقدية واخرى تخالف التزامات قانونية لم تقرر لها التشريعات نصوص مسؤولية ، سواء مدنية او جزائية – في وقت تعترف بان مخالفتها اخلال بالتزام قانوني ، وبالتالي من المتصور ان تدخل صور المنافسة غير المشروعة في نطاق مخالفة القانون والعقد والعرف ولا تقف عند العادات المرعية في التجارة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فان افعال المنافسة غير المشروعة متى ما احدثت ضررا بالمنشأة المستهدفة خالفت القانون الذي يحظر اي مساس ضار بالاخرين.

ومن جهة ثالثة ، ثمة نظريات فقهية حول مفهوم ونطاق القانون – لا مجال للخوض فيها هنا – تعتبر كل ممارسة تخالف الاصول الشريفة او تتنافى مع الاخلاق مما يدخل في نطاق مخالفة القانون باعتباره الاداة العادلة لحماية الافراد والمصالح من كل ما لا يقبله العقل ويأباه الخلق ، واذا كنا لسنا بصدد هذا النقاش ، فان ما يمككنا قوله ان ما خفف من اثر الخلاف (النظري وليس الواقعي) حول نطاق ومفهوم المنافسة غير المشروعة ، هو تحديد صورها في غالبية القوانين ، وكذا تدخل الفقه والقضاء في تحديد قائمة هذه الممارسات وما يتفرع عنها وما يمكن قياسه عليها ، وهو ما يسهل التعامل معها بعيدا عن هذا الخلاف ، خاصة ان اساس الدعوى فيها جميعا اساس واحد كما سنرى لدى بحث اساس دعوى المسؤولية عن المنافسة غير المشروعة (42).

وحيث ان المقام هنا بحث مفهوم المنافسة غير المشروعة فمن المفيد التمييز من حيث المفهوم بين المنافسة غير المشروعة والمنافسة الممنوعة ، وهي مسالة تعرض لها فقه القانون التجاري مبكرا.

فقد تقدم ان المنافسة تعتبر امراً ضروريا ومطلوبا في ميدان النشاط التجاري متى كانت في حدودها المشروعة ، اما اذا انحرفت عن هذه الحدود بأن تحولت الى صراع بين التجار يحاول كل منهم جذب عملاء غيره من التجار والحاق الضرر بهم بوسائل غير مشروعة ، فانها تصبح شرا واجب المحاربة ويكون ضررها اكبر من نفعها ، فاذا استخدم التاجر اساليب غير مشروعة من أجل التأثير على عملاء غيره من التجار واجتذابهم ، عن طريق تقليد علامات وبيانات غيره من التجار ، او استخدام اسمائهم التجارية ،

أو التشهير بسلعهم والتقليل من مزاياها او اهميتها ، فان هذه الاساليب تعتبر من قبيل المنافسة غير المشروعة ، وهي تختلف عن المنافسة الممنوعة التي تقضي بحظر القيام بنشاط معين اما بمقتضى نص في القانون واما بمقتضى اتفاق بين الطرفين . فالمنافسة تمتنع في حالة المنافسة الممنوعة ، سواء اكانت الاساليب التي اتبعها المنافس مشروعة ام غير مشروعة (43) فليس هناك حدود لحرية المنافس في حالة المنافسة الممنوعة ، وانما الغاء كامل لهذه الحرية ، سواء بمقتضى نص في القانون او بمقتضى اتفاق بين الطرفين(44).

ومن امثلة المنافسة الممنوعة قانونا ما نصت عليه قانون الشركات الاردني من منع الشريك في شركة التضامن من ممارسة ذات النشاط الذي تزاوله الشركة الا بموافقة الشركاء .

فاذا قام الشريك بمنافسة الشركة دون باقى الشركاء ، فانه يكون قد خالف القانون ولا يدخل عمله ضمن اعمال المنافسة غير المشروعة ، وانما من قبيل المنافسة الممنوعة قانونا ، اما اذا حصل على موافقة الشركاء فانه يجوز له مزاولة الاعمال التي تقوم بها الشركة ومنافستها ومنافسة غيرها من التجار الذين يزاولون ذات الاعمال ، ولكنه اذا اتبع في منافسته هذه طرقا غير مشروعة تعرض للجزءات والمسؤوليات عن المنافسة غير المشروعة .

فالشريك في الفرض الاول ممنوع من ممارسة اعمال الشركة ، فلا يجوز له منافسة الشركة في هذه الاعمال ، سواء اكانت الاساليب التي اتبعها في هذه المنافسة مشروعة ام غير مشروعة . اما في الفرض الاخر فالشريك غير ممنوع من منافسة الشركة انما يمتنع عليه ان يستخدم اساليب غير مشروعة في منافسة الشركة .

ولا تقتصر المنافسة الممنوعة على الحالات التي يمنع فيها الشخص من ممارسة النشاط التجاري بمقتضى نص في القانون ، وانا تشمل ايضا المنافسة الممنوعة بمقتضى اتفاق بين الطرفين ، ومن امثلة ذلك الاتفاق في عقد بيع المتجر على منع البائع من ممارسة تجارة مماثلة في ذات المكان الذي يقع فيه متجر البائع ، بل ان الفقه واحكام القضاء قد استقرت على ان بيع المتجر يقتضي بذاته ، وبغض النظر عن مشروعية الطرق التي يلجأ اليها البائع في المنافسة والتعرض للعملاء بتنفيرهم او جذبهم ، امتناع البائع عن افتتاح تجارة جديدة مماثلة لموضوع نشاط المتجر المبيع (45).

وهذا الالتزام ينشأ على البائع دون حاجة الى النص عليه في عقد البيع ، وذلك تطبيقا لحكم القواعد العامة التي تلزم البائع بعدم التعرض للمشتري ، فاذا قام البائع بافتتاح متجر جديد يمارس تجارة مماثلة لموضوع نشاط المتجر المبيع ، اعتبر عمله غير مشروع ويكون مخالفاً لالتزامه بالضمان ، اذ يعتبر هذا العمل من جانب البائع تعرضا للمشتري يتنافى مع مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود ، ويتحقق هذا التعرض بحرمان البائع من بعض عملاء المتجر وانصرافهم الى متجر البائع الجديد ، في حين ان المشتري دفع ثمنا قد يكون عاليا ، لعملاء المتجر ، على اساس ان العملاء يشكلون العنصر الجوهري الذي يدور معه المتجر وجودا وعدما (46).

غير ان التزام البائع بعدم منافسة المشترى والامتناع عن فتح متجر جديد يجب الا يكون عاما ودائما والا اعتبر خروجا على حرية التجارة وحرية العمل ، وهما من النظام العام باعتبرهما حقوق دستورية ، لذا يتعين ان يكون المنع مقيدا بنوع التجارة ومحددا من حيث الزمان والمكان بالقدر اللازم لحماية مشتري المتجر من تعرض البائع الذي يفقده جزءا من عملاء المتجر . فاذا كان المنع محددا من حيث الموضوع ومن حيث الزمان او المكان وكان معقولا ، وهو ما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ، فانه يكون صحيحا ، اما اذا كان التحريم عاما شاملا لكل انواع التجارة او كان مقيدا بتجارة معينة ولكنه غير محدد من حيث الزمان والمكان فان هذا المنع يكون باطلا بطلانا مطلقاً (47) .

صور المنافسة غير المشروعة

ان اول ما يتعين الاشارة اليه في هذا المقام هو ان صور المنافسة غير المشروعة او اعمال المنافسة غير المشروعة احد شروط دعوى المنافسة غير المشروعة بل اهمها ، وبدونها ليس ثمة منافسة غير مشروعة ابتداء ، لانها تمثل السلوك الخاطيء المنشيء للمسؤولية ، وقد درج فقه القانون التجاري على تناولها ضمن بحثه لشروط دعوى المنافسة غير المشروعة التي نتناولها لاحقا ، وحيث نعرضها في هذا المقام فاننا لن نعود لايرادها لدى بحث الشروط ، وسنكتفي في المقام المشار اليه الى ذكر الشرط والاحالة في تفصيلاته الى هذا المطلب .

وقد تقدمت الاشارة الى ان افعال المنافسة غير المشروعة – من حيث صورها – لا يمكن ان تدخل تحت حصر دقيق ، فهي تتغير بتغير طبيعة الانشطة وادوات العمل ، كما انها تتاثر بالعادات المرعية في مجتمع التجارة المعني ، وبما يبتكره التجار من وسائل للتاثير على العملاء . وقد اجتهد الفقه في وضع تقسيمات متباينة لطوائف صور المنافسة غير المشروعة معتمدا على الحالات التي نظرها القضاء وما يمكن ان يستفاد من مفهوم المنافسة غير المشروعة بذاته ، اضافة الى التحديد الوارد في المدونات القانونية التي سبق بيانها . ونعرض تاليا لتصنيف افعال المنافسة غير المشروعة لدى الفقه والمدونات القانونية ثم نقف تفصيلا على صور المنافسة غير المشروعة وفق القانون الاردني .

4-1 تصنيف اعمال المنافسة غير المشروعة فقها وتشريعا

ثمة ثلاث تقسيمات رئيسة لدى الفقه لطوائف اعمال المنافسة غير المشروعة(48) :-

الاول :- ينطلق من انها جميع الافعال المخالفة للقانون ، لا في معناه الضيق وانما في معناه الواسع الذي يستوعب العادات التجارية والعقود الخاصة المنظمة للتنافس ، وعلى ذلك فان هذا الرأي يصنف افعال المنافسة غير المشروعة في فئات ثلاث هي :-

الممارسات المخالفة للقانون واللوائح ، كاذاعة وقائع مختلفة او ادعاءات كاذبة (خلافا للمادة 435 عقوبات اردني) (49) وكتصريف التاجر لبضائعه باعتبارها تخص شخصاً اخر (مادة 37 من قانون العلامات الاردني) (50) ، وكاستعمال علامة تجارية تخص الغير دون ترخيص من الاخير او استعمالها على وجه مخالف للترخيص بما يلحق الضرر بمالكها خلافا لحكم قانون العلامات التجارية ، او كاستعمال الاسم او العنوان التجاري الخاص بالغير خلافا لاحكام قانوني التجارة والاسماء التجارية .

الافعال المخالفة لعادات التجارة ، وهي التي لا يشكل اتيانها خطأ منصوصاً عليه في تشريع عادي او فرعي ولكنها مخالفة لعادة تجارية ، كتلك التي تستهدف تقويض او افساد مشروع منافس في معركة تنافسية شريفة ، ومن امثلتها اشاعة اسرار صناعة ( عندما لا يتوفر تشريع للاسرار التجارية والصناعية ) ، او افعال صرف العمال لدى المنافسين ، او ازالة واتلاف الرموز الملصقة ببضاعة تاجر او تمزيق ملصقاته لتحويل الطلب عنه , او استخدام عامل كان يعمل لدى تاجر منافس للحصول على عملاء واسرار محله بهدف افنائه مادياً ، ويعتبر من قبيل الافعال المخالفة للعادات التجارية استعمال شكل خارجي مشابه لشكل محل منافس ، او تقليد دعاية واعلانات يقوم بها تاجر منافس (51).

الافعال المخالفة للاتفاقيات الخاصة (52) . ومن قبيل ذلك الشروط المانعة من اقامة نفس التجارة او المانعة من العمل في نفس النشاط ، واوضح مثال عليها ان يتفق رب العمل عادة مع من يطلع من عماله على اسرار مهنته او مع من يعرف منهم عملاء محله التجاري على منع ذلك العامل من منافسة صاحب العمل او الاشتراك في عمل ينافسه بعد انتهاء عقد العمل، وكما يمتنع على العامل منافسة رب العمل بعد انقضاء العقد فانه يمتنع على العامل ايضاً ان يباشر ذات تجارة رب العمل او تجارة مشابهة لها اثناء العقد المبرم بينهما وذلك سواء باشر العامل التجارة بنفسة او بواسطة الغير او بالاشتراك مع غيره (53).

الثاني :- وهذا الراي يطرح افعال التنافس في سبع حالات تتمثل في :-
التشابه في المظهر .
التجانس .
انتحال جودة مزورة .
عدم تنفيذ التزامات المترتبة على بيع المحل التجاري .
الاعلان والنشر .
البيع للتصفية .
اغتصاب الاسم المهني (54) ،
ويضيف رأي اخر الى ما تقدم حالة ثامنه تشتمل على مختلف الافعال التي لا نجد لها مكانا في هذا التصنيف(55) .

الثالث :- ويمثل موقف غالبية الفقه العربي مؤسسا على تقسيمات الفقه المصري المبكرة ، ومن خلاله يقسم الفقه افعال التنافس بالنظر الى اثرها الى ثلاث حالات تتمثل في :-

اعمال من شأنها احداث الخلط واللبس بين المؤسسات المنتجات .
ادعاءات غير مطابقة للحقيقة .

اعمال تهدف الى بث الاضطراب في مشروع منافس او في السوق (56).
واما تفسير هذا الاختلاف في التصنيف فانه يرجع الى اختلاف التصور بين الفقهاء والشراح حول اساس التصنيف ، فمنهم من ينظر اليه من خلال الوسيلة المستخدمة ، ومنهم من يعتد بالاثر ، ومنهم من يعتد بالقاعدة التي تمت مخالفتها ، او بطبيعة الفعل .

ومن وجه نظرنا فان التقسيم الاول اعلاه يعد الاكثر شمولية لاعتماده على مصدر القاعدة التي يمكن مخالفتها وبالتالي يتصور احاطته بمختلف الصور ، وهذا لا يعني عدم صلاحية التقسيم الثالث ، بل هو تقسيم صالح وقال به الفقه التجاري الغالب ، لكن امام تطور التجارة ووسائل عمل التجار قد تظهر ممارسات لا يمكن اسنادها للصور الواردة ضمن هذا التقسيم التي تركز على طبيعة الفعل ذاته.

واما تقسيم المدونات القانونية – الاتفاقيات والقوانين – فانه كما اسلفنا لا يخرج عن التحديد الوارد في المادة 10 مكررة من اتفاقية باريس السابق عرض نصها والتي اوردت ثلاث صور غير حصرية لاعمال المنافسة غير المشروعة ، ووفقا لهذا الاتفاقية فان افعال المنافسة غير المشروعة ( غير الحصرية ) تشمل :-
1- كافة الأعمال التي من طبيعتها أن توجد بأية وسيلة كانت لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.

2- الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
3- البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها.

وبتدقيق هذه الصور الثلاث نجدها تقارب الى حد بعيد الصور التي قال بها الفقه العربي الغالب ، حيث تتطابق الطائفتين الاولى والثانية الواردتين في اتفاقية باريس مع الطائفتين الاولى والثانية التي قال بهما الفقه الغالب اما الطائفة الثالثة الواردة في اتفاقية باريس فتتوزع الافعال التي تنطوي تحتها تحت نطاق الطائفتين الثانية والثالثة مما قال به الفقه .

هذه هي تقسيمات الفقه والقانون لافعال المنافسة غير المشروعة ، وسنقف على المقصود من كل طائفة والامثلة التي تندرج تحت كل منها ونحن بصدد تناول الصور التي اوردها القانون الاردني مدار البحث .

4-2 صور المنافسة غير المشروعة وفق احكام القانون الاردني

سبقت الاشارة الى ان احكام المنافسة غير المشروعة في قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية الاردني قد استندت الى التنظيم الوارد في اتفاقية باريس ، وتحديدا من حيث معيار تحديد افعال المنافسة غير المشروعة ، لكن بوقوفنا على نص المادة الثانية من هذا القانون نجدها قد اضافت الى الصور -غير الحصرية- المقررة في اتفاقية باريس ثلاث صور سنجد انهما لا تستقل في مفهومهما عن الصور الاصلية الواردة في الاتفاقية والقانون ، ذلك ان المادة الثانية من القانون الاردني مدرا البحث تنص على انه :-

(( أ . يعتبر عملا من اعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية اوالتجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي :

1. الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
2. الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
3. البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .
4. أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج او تحدث لبسا فيما يتعلق بمظهره الخارجي او طريقة عرضه او قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج او طريقة احتسابه .

ب. اذا كانت المنافسة غير المشروعة متعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء اكانت مسجلة ام غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور فتطبق في هذه الحالة احكام الفقرة أ من هذه المادة .
ج. تسري الاحكام الواردة في الفقرتين (أ) و (ب) من هذه المادة على الخدمات حسب مقتضى الحال. ))

وبالتالي ووفقا لهذا النص فان صور المنافسة غير المشروعة ( غير الحصرية ) تتمثل بما يلي :-

اولا :- الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
هذه الطائفة من الاعمال (المنصوص عليها في البند 1/أ من المادة 2 المتقدمة ) تطابق الطائفة الاولى المقررة في اتفاقية باريس وكذا الطائفة الاولى التي قال بها فقه القانون التجاري الغالب .

وهذه الاعمال من شأنها احداث الخلط او اللبس حول التاجر او منتجاته او نشاطه بحيث يترتب على ذلك انصراف العملاء عن المحل التجاري الى محل التاجر مرتكب الاعمال ، والمثال على ذلك استعمال اسم تجاري لتاجر اخر ، او تقليد علامة تجارية ، او الرسوم النماذج الصناعية ، كذلك وضع بيانات غير صحيحة على المنتجات ، واستعمال وسائل الدعاية والاعلان التي يستخدمها تاجر اخر . (57)

وبالرجوع الى التطبيقات القضائية بشان هذه الطائفة من الاعمال ، نجد ان كتب الفقه – المعتمدة كمرجعيات في هذا الفصل – قد اوردت العديد من تطبيقات القضاء المصري لما يعد افعالا من شانها ان تحدث خلطا ولبسا مع نشاط المنافس ، من ذلك ان يطلق المنافس على محله اسما تجاريا (58) او عنوانا تجاريا سبق لمحل اخر استعماله ، او ان يقلد المنافس المظهر الخارجي لمحل منافسة كما اذا قلد طريقة التغليف (59) او انشأ (فترينة) عرض البضاعة على نمط (الفترينة) التى انشأها منافسة ، او كما اذا طلى المحل التجارى بنفس اللون او وضع فيه علامات او زخارف مميزة يكون قد سبق لمنافسة استخدامها .

كذلك قد يقلد المنافس العلامات التجارية (60) والرسوم والنماذج الصناعية او يضع على بضاعته البيانات التي يضعها تاجر اخر على بضاعته (61) الى غير ذلك من الاساليب التى توقع العملاء في اللبس فيختلط عليهم الامر بالنسبة للمحلات المتنافسه او البضاعة التى تتجر فيها هذه المحلات .

ثانيا :- الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
هذه الطائفة من الاعمال (المنصوص عليها في البند 2/أ من المادة 2 المتقدمة ) تطابق الطائفة الثانية المقررة في اتفاقية باريس وكذا الطائفة الثانية التي قال بها فقه القانون التجاري الغالب .

وهى اعمال يقصد بها النيل من سمعة التاجر المنافس (62) او الطعن في شخصيه او التنديد بضعف ائتمانه وعدم ملاءته . كذلك قد يقصد من هذه الاعمال الحط من قيمة البضاعة التى يبيعها تاجر اخر او الادعاء بانها مغشوشة او لا تتضمن العناصر الواجب توفرها فيها او انها غير صالحة للاستعمال او ضارة ، الى غير ذلك من الاساليب التي يترتب عليها انصراف العملاء عن المحل الذى اعتادوا عليه او عن استعمال السلعة التى يتجر فيها .
ويتوصل التاجر المنافس الى تحقيق غرضه بوسائل مختلفة كتوزيع المنشورات او النشر في الصحف او المجلات او تقديم المذكرات الى الجهات الادارية المختلفه الى غير ذلك من اساليب الاذاعة والنشر، لكن لا تعتبر الاعمال المتقدمة من قبيل القدح والذم والتحقير المعاقب عليه جنائيا الا اذا كان من شأنها المساس بشرف المجنى عليه او اعتباره او اذا استوجبت احتقاره بين مواطنية .

ثالثا :- البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .

هذه الطائفة من الاعمال (المنصوص عليها في البند 3/أ من المادة 2 المتقدمة) تطابق الطائفة الثالثة المقررة في اتفاقية باريس وتدخل غالبية تطبيقاتها ضمن نطاق الطائفة الثالثة التي قال بها فقه القانون التجاري الغالب.

ووجه التفريق بينها وبين الطائفة الثانية المتقدمة انها بيانات وادعاءات لا توجه الى منتجات او منشأة تاجر منافس بل تنصب على ما ينتجه التاجر نفسه ، فقد يورد على منتجاته انها (صنعت في كذا) (صنعت بترخيص من كذا) ، او انها صنعت باستخدام وسائل التصنيع الفلانية وهي ليست كذلك ، او الزعم انها صالحة للاستخدام خلافا للحقيقة ، او بايراد بيان غير صحيح بالنسبة لكمية المادة الموجودة داخل الوعاء او الغلاف من حيث عدد الوحدات او الوزن ، الى ما ذلك من ادعاءات يقصد منها اسباغ صفة ووصف غير حقيقين في كيفية صناعة المنتج او خصائصه او صلاحيته للاستعمال ، وتؤدي مثل هذه البيانات والادعاءت الى تضليل الجمهور الذي قد ينكب على سلعة معينة لتوفر خاصية فيها ظنا منه انها كذلك ،

وابرز الامثلة الشائعة على هذا النوع من الادعاءت ، البيانات التي ترد على كثير من المنتجات الغذائية بانها منتجات طبيعية وهو ادعاء غير صحيح ، او البيانات التي تفيد انها خالية من الدسم او قليلة الدسم وهي ليست كذلك ، او البيانات الواردة على علب السجائر بشان نسب النيكوتين والقطران في حين انها لا تتطابق مع الحقيقة .

ويورد الفقه الغالب (63) تطبيقات هذه الطائفة تحت عنوان الانشطة التي تستهدف احداث الاضراب في السوق المنافس ، ومنها ان يوزع التاجر اعلانات او نشرات يذكر فيها مزايا مبالغ فيها للسلع التي يبيعها او ان هذه السلع تحتوى على عناصر لا وجود لها في الحقيقة ، لان ذلك ينتج له اجتذاب عملاء الغير الذين يتحولون اليه جريا وراء صفات غير صحيحة او عناصر لا وجود لها في السلعة مما يحدث الاضطراب في سوق السلعة . او قد يلجأ الى انتحال القاب او صفات لا وجود لها بقصد اجتذاب العملاء كما اذا اعلن انه حاصل على مداليات او جوائز او درجات فخرية (64) او اية يقوم بتوريد السلعة الى جهة رسمية او غير ذلك مما يكون له في العادة تأثير على العملاء الذين يتعاملون مع المحلات التجارية المشابهة فينصرفون عنها اليه ، كما قد يبيع التاجر المنافس السلعة بتخفيض كبير او بخسارة من اجل اجتذاب عملاء الغير(65) ،

كذلك قد ينشر التاجر قائمة بالاسعار التي يبيع بها السلعة ويعقد مقارنة بين هذه الاسعار والاسعار التى يجرى التعامل عليها في السوق ، وذلك حتى يصرف العملاء عن منافسيه ويجتذبهم اليه ، الى غير ذلك من الاعمال التي لا يقتصر اثرها على منافس معين بل يكون من شانها احداث الاضطراب العام في سوق سلعة او سلع معينة .

رابعا :- أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج او تحدث لبسا فيما يتعلق بمظهره الخارجي او طريقة عرضه او قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج او طريقة احتسابه .

هذه الطائفة لم يرد لها ذكر بهذه الكيفية في اتفاقية باريس كما ان الفقه لم يوردها كطائفة مستلقة عن بقية الطوائف الاخرى بل تضمنتها تطبقات الطائفتين الاولى والثالثة اعلاه ، وقد ورد النص عليها ضمن البند 4/أ من المادة 2 المتقدم نصها .

وبوقوفنا على مضمون هذه الفقرة من النص نجدها تبحث في الممارسات التي تحدث لبسا – وهي المنصوص عليها في البند 1/أ من ذات المادة ( الطائفة الاولى اعلاه ) او التي تؤدي الى تضليل الجمهور المنصوص عليها في البند 3 /ج من ذات المادة ( الطائفة الثالثة اعلاه ) ، ولا نجد فيها جديدا رغم وجود اشارتين توحيان بجديد ، الاولى ان تكون الممارسة منصبة على شهرة المنتج ، والثانية ، ان تنصب انشطة احداث اللبس على المظهر وطريقة العرض وان تنصب انشطة التضليل على التلاعب بسعر المنتج او طريقة احتسابه .

وبراينا ان هذه الاضافات لا تجعل من هذه الممارسات مختلفة عن تلك التي عالجهما البندين 1 و 3 من الفقرة ( أ ) من ذات المادة ، فاحداث اللبس الذي عالجه البند (1) ينطوي على معيار عام ينسحب على كل سلوك يرد على اي عنصر من عناصر النشاط ، فالبند 1 ينص على اللبس الحاصل ” مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري

” وبالتالي ينحسب الى شهرة المنتج والى طريقة العرض والمظهر الخارجي للمنتج المنصوص عليها في البند 4 . كما ان البند 3 يتحدث عن كل ادعاء او بيان يحدث تضليلا لدى الجمهور ، والسعر المنصوص عليه في البند 4 من قبيل البيانات ، وكذلك الشان بالنسبة للبيان حول طريقة احتساب السعر . وبراينا ان المشرع لم يكن موفقا اذ اورد نص البند 4 ، وكان يمكن ان رغب التركيز على ما تضمنه من عناصر ان يوردها ضمن التحديدات الواردة في البندين 1 و 3 اللذين يعالجان الصورتين المتضمنتين في البند 4 ، وليس من مبرر للتركيز على السعر او المظهر الخارجي او طريقة العرض وترك عناصر اخرى كثيرة تتعلق بالمنتج ، خاصة ان الصور جميعا الواردة في المادة هي من قبيل الامثلة وليست صورا حصرية(66).

خامسا :- المنافسة غير المشروعة المتعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء اكانت مسجلة ام غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور.
وهذه الصورة ايضا ، المنصوص عليها في الفقرة ب من المادة 2 المتقدم نصها ، تثير التساؤل حول مبرر ايرادها ايضا ، وما اذا كانت تتضمن جديدا غير ما ورد في الصور المتقدمة ، خاصة انها تعالج الممارسات غير المشروعة التي تستهدف العلامات التجارية في وقت تعد هذه الممارسات اهم واوضح تطبيق من تطبيقات الطائفة الاولى المنصوص عليها في البند 1 من الفقرة ( أ ) .

فكما اسلفنا فان الفقه ومدونات القانون متفقة على ان اول طائفة من طوائف الافعال غير المشروعة تلك المتعلقة بالاعمال التي تستهدف احداث اللبس لدى الجمهور ، وان اهم تطبيق من تطبيقات هذه الطائفة استخدام علامات الغير او تقليدها او استخدام علامات تتقارب او تتشابه معها ، وكذلك الامر بالنسبة للاسماء التجارية والعناوين التجارية والرسوم والنماذج الصناعية وغيرها ، فلماذا اذن يعود المشرع في هذه الفقرة ويكرس فكرة عدم مشروعية الافعال التي تستهدف العلامات التجارية وتحدث تضليلا لدى الجمهور .

قد يقول قائل ان موجب النص التركيز على ان الممارسة تعد غير مشروعة حتى لو استهدفت علامة غير مسجلة ، وبراينا انه قول غير دقيق ، ذلك ان العلامة المسجلة قد نظمت قواعد حمايتها من الانشطة غير القانونية بموجب قانون العلامات التجارية الذي اشترط التسجيل لدعوى التعويضات ، فيكون قانون المنافسة قد شرع في الاساس لحماية العلامات التجارية – من ضمن ما يحميه – من زاويتي ،

الاولى حماية العلامات غير المسجلة التي يمتنع على صاحبها رفع دعوى التعويض ، وهو هنا يخدم العلامات المشهورة بوجه خاص وان كان لا ينحصر بها .

والثانية انه يوفر فرصة اقامة دعوى الحماية عندما لا تتيح نصوص قانون العلامات التجارية مثل هذه الحماية بصدد علامة مسجلة وهذا الغرض يتحقق بما هو مقرر في البند (1) من الفقرة (أ) من ذات المادة ، اضافة الى ان العلامة التجارية احد عناصر المنشأة وتتعلق بنشاط التاجر التجاري والصناعي ، كما ان التركيز على العلامة التجارية في فقرة مستقلة ( الفقرة ب ) يثير التساؤل حول اسباب عدم التركيز مثلا على براءات الاختراع او الرسوم الصناعية او غيرها من مصنفات الملكية الفكرية ، فجميعها عناصر في منشأة التاجر ان وجدت .

وقد يقول آخر ان غرض النص التركيز على الممارسات التي تحدث تضليلا لدى الجمهور والتي قد لا تكون انشطة التقليد او استخدام نفس العلامة بل محاكاتها او محاكاة بعض عناصرها. وبراينا ان هذا القول غير دقيق ايضا ، لان معيار المنافسة غير المشروعة فيما يستهدف العلامات التجارية – ايا كان الفعل – يرتكز على احداث التضليل لدى الجمهور وخلق اللبس في ذهنه وهذا ما نص عليه البند 1 من الفقرة (أ) من ذات المادة مما لا يحتاج تكرارا وتاكيدا . عوضا عن ان معيار احداث التضليل في ذهن الجمهور هو ما كرسته سائر الاحكام القضائية بخصوص العلامات التجارية سواء تعلق النزاع بتسجيل علامة او بترقينها او بدعوى المسؤلية الجزائية عن التلقيد او الاستعمال غير القانوني او غيرها من منازعات.

وبراينا ان ايراد هذا النص غير مبرر بحال من الاحوال ، واذا اردنا ان نصل لحقيقة ايراده مع ان ذلك ليس مطلوبا منا ولا هو دورنا ، لقنا ان المسالة ببساطة ان المشرع قد نص لاول مرة في قانون العلامات التجارية المعدل عام 1999 على العلامة المشهورة ،

في وقت يشترط القانون تسجيل العلامة لدعوى التعويضات وغالبية هذه العلامات غير مسجل في الاردن ، وخشية من ان يثار موضوع التسجيل في مواجهة دعوى المنافسة غير المشروعة المتعلقة بعلامة تجارية مشهورة ، اورد المشرع هذا النص ، فلم يكن موفقا فيه ، لانه محل معالجة كاملة وشمولية في نص البند 1 من الفقرة (أ) من ذات المادة ،

كما ان العلامة التجارية المشهورة وطلبات الجهات الاجنبية بشان حمايتها لا تبرر هذا النص غير اللازم ، فالاصل ان قانون المنافسة غير المشروعة يتعلق بحماية العناصر التي لا تنظمها القوانين الاخرى والمتصلة بالمؤسسة التجارية ، وما دام ان قانون العلامات التجارية وفر الحماية المدنية والجزائية والادارية والتحفظية للعلامات المسجلة فان قانون المنافسة غير المشروعة يوفر الحماية التي تضمنها للعلامات غير المسجلة او ضد الانشطة التي لا يمكن الاعتماد على نصوص قانون العلامات التجارية بشانها لتوفير الحماية للعلامة مسجلة .

سادسا :- المنافسة غير المشروعة المتعلقة بعلامة الخدمة .
وهذه الصورة المنصوص عليها في الفقرة (ج) من ذات المادة لا تستقل عن الصور المتقدمة ، اذ ان محل الممارسة هو علامات الخدمة ، وحيث ان قانون العلامات التجارية الاردني بعد تعديله للتواؤم مع التزامات الاردن بموجب اتفاقيات التجارة الدولية تضمن النص على حماية علامات الخدمة بذات الاحكام المقررة للعلامات التجارية(67) ،

وحيث ان علامة الخدمة تتعلق بمحل استخدام العلامة التجارية حيث لا ترد على المنتجات وانما تتعلق بادوات ومواد تقديم الخدمة كالمراسلات والاوراق والاعلانات ، فانه لم يكن ثمة ضرورة لافراد نص خاص لتطبيق مفهوم المنافسة غير المشروعة على علامات الخدمة ، لانها عنصر من عناصر المشاريع التجارية وواحدة من عناصر الملكية الفكرية وتعامل على قدم المساواة مع العلامات الجارية ، ولا نجد مبررا من افردها بنص خاص الا ربما لان مفهومها جديد على النظام القانوني ويريد المشرع تاكيد شمولها بذات الحماية ،

وحتى هذا المبرر ليس دقيقا رغم انه قد يكون وجيها ، لانه ان صح ذلك فانه كان يتعين النص على الانشطة التي تستهدف العلامات الجماعية (68) وغيرها من انواع العلامات التي تضمنها – لاول مرة – قانون العلامات التجارية الاردني ، ومن جديد نؤكد ان نص البند (1) الذي جاء مطلقا يمتد في اطلاقه الى كافة عناصر المنشأة المادية والمعنوية ومن ضمها علامات الخدمة وغيرها.

بقي ان نشير في هذا المقام الى ان القانون الاردني لم يتضمن النص على بعض الممارسات التي يصفها بعض الفقه بانها تستهدف الاعتداء على التنظيم الداخلي لمشروع منافس (69) ، ويردها جانب من الفقه على انها ممارسات تخالف التزامات تعاقدية ( وقد سبق الاشارة اليها اعلاه ) . وهذه تحديدا الممارسات التي تستهدف عمال المنافس ، فيكون الاعتداء على التنظيم الداخلى لمحل تجارى منافس من قبيل المنافسة غير المشروعة لانه يهدف الى تخلف المشروع عن سد حاجات العملاء وصرفهم عن استمرار التعامل معه ، من ذلك ان يسعى التاجر المنافس الى ان يحرض العمال والمستخدمين الذين يعملون في محل منافس على الاضراب او على ترك العمل حتى يحدث الاضطراب في سير المحل بقصد احداث الفشل او التخلف ،

كذلك يعد منافسة غير مشروعة اغراء العمال الذين يعملون في محل منافس على ترك العمل من اجل استخدامها في محله اذا كان لوجودهم عنده تاثير على اجتذاب العملاء(70) . وعدم ايراد اية صورة لا يعني عدم امكان اقامة الدعوى بشانها لان الصور المقررة في القانون هي من قبيل الامثلة وليست بيانا حصريا بما يعد من قبيل المنافسة غير المشروعة .

5. العلاقة بين قواعد المنافسة غير المشروعة وقواعد الحماية المقررة في صور الملكية الصناعية الاخرى وما يشتبه بها .

تعرضنا فيما تقدم في اكثر من موضع الى العلاقة بين احكام المنافسة غير المشروعة وبعض عناصر الملكية الفكرية ، كالعلامات التجارية مثلا ، كما اشرنا بايجاز الى امكان حدوث الخلط بين احكام المنافسة غير المشروعة وبين ما ينظمه قانون المنافسة المؤقت رقم 49 لسنة 2002 المتعلق بحقيقته بمنع الاحتكار ، ولغايات توضيح هذه العلاقة وفض بعض التشابك بين هذه العناصر فاننا نقف بايجاز على العلاقة بين المنافسة غير المشروعة والعلامات التجارية والعلاقة بين المنافسة غير المشروعة وعلامات البضائع وفيه نشير ايضا الى مسائل المؤشرات الجغرافية لتعلقها بمصدر ومنشأ البضاعة واخيرا نتناول العلاقة ما بين المنافسة غير المشروعة واحكام المنافسة التجارية او منع الاحتكار .

5-1 المنافسة غير المشروعة والعلامات التجارية

العلامة التجارية هي اي اشارة ظاهرة يستعملها او يريد استعمالها اي شخص لتمييز بضائعه او منتجاته او خدماته عن بضائع او منتجات او خدمات غيره (71).ويحق لاي شخص يرغب في تمييز منتجاته او بضائعه او تمييز خدماته التقدم لتسجيل علامة تجارية خاصة بصنف او اصناف من البضاعة او بخدمة او خدمات مما يقدمه للجمهور وفق التصنيف المعتمد لدى مسجل العلامات التجارية ، ويشترط لتسجيل العلامة التجارية ان تكون ذات صفة فارقة من حيث الاسماء او الحروف او الارقام او الاشكال او الالوان او غير ذلك او اي مجموعة منها وقابلة للادراك عن طريق النظر(72)
وتعني لفظة ( فارقة ) ان العلامة التجارية موضوعة على شكل يكفل تمييز بضائع صاحبها عن بضائع غيره من الناس (73).

وكما اسلفنا فان النظام القانوني للعلامات التجارية في الاردن يحكمه قانون العلامات التجارية رقم 33 لسنة 1952 المعدل ليتفق مع متطلبات اتفاقية تربس المتقدم بحثها بموجب القانون رقم 34 لسنة 1999 . وقد نظم هذا القانون انواع العلامات التجارية ، وشروط تسجيلها ، والعلامات غير الجائز تسجيلها ، واجراءات ومتطلبات التسجيل والحماية ، وكذلك نظم الاعتراض على تسجيل العلامات التجارية امام مسجل العلامات التجارية بعد نشرها في الجريدة الرسمية ،

واجراءاته وبيناته وصلاحيات المسجل بشأنه ، كما نظم الاستئناف (الطعن) بشان القرارات الصادرة عن المسجل لدى محكمة العدل العليا ، وكذلك نظم دعوى شطب العلامة التجارية او ترقينها واجراءات ذلك والطعون التي ترد على هذه القرارات ، ونظم ايضا احكام نقل الملكية وترخيص استخدام العلامات التجارية من قبل اصحاب الحقوق عليها ، وقرر الاطار القانوني للمسؤولية عن اي اعتداء على العلامات التجارية عبر اقرار مسؤوليات جزائية ومدنية اضافة الى منح صاحب الحق في العلامة مكنة طلب اتخاذ اجراءات تحفظية ووقتية .

اذن فان قانون العلامات التجارية ينظم الاطار القانوني لحمايتها ، ويثور التساؤل ، لماذا اذن يتدخل قانون المنافسة غير المشروعة – كما راينا اعلاه – لينص على حظر المنافسة غير المشروعة التي تتعلق بعلامات تجارية او علامات الخدمة ، الا يكفي قانون العلامات التجارية لتوفير الحماية ؟؟

تقدم ان اهم صور المنافسة غير المشروعة الممارسات التي من شانها ان تحدث لبسا مع منشأة احد المنافسين او بضاعته او نشاطه التجاري او الصناعي ، وقلنا ان اهم تطبيق على احداث اللبس استخدام العلامات التجارية للمنافسين او علامات تشابهها ، وقلنا ايضا ان المشرع الاردني افرد نص الفقرة ب من المادة 2 من قانون المنافسة غير المشروعة للعلامات التجارية فقرر ورود المنافسة غير المشروعة سواء تعلقت الممارسة بعلامة مسجلة ام غير مسجلة .

وفي الوقت نفسه نجد قانون العلامات التجارية قد ارتكز في كثير من قواعد الحماية على حظر استعمال او تسجيل العلامات التي تنطوي على منافسة غير مشروعة او تلك التي تضلل الجمهور او تحدث لبسا لديه ، وبيان ذلك ما يلي :-

قررت الفقرة 6 من المادة الثامنة من قانون العلامات التجارية الباحثة في حظر تسجيل علامات معينة ، بعدم جواز تسجيل ” العلامات المخلة بالنظام العام او الآداب العامة او التي تؤدي الى غش الجمهور او العلامات التي تشجع المنافسة التجارية غير المحقة او التي تدل على غير مصدرها الحقيقي ” . وقررت الفقرة 10 من ذات المادة عدم جواز تسجيل ” العلامة التي تطابق علامة تخص شخصا آخر سبق تسجيلها لنفس البضائع التي يراد تسجيل العلامة من اجلها او لصنف منها او العلامة التي تشابه تلك العلامة الى درجة قد تؤدي الى غش الغير” .

وقضت الفقرة 12 من المادة نفسها بعدم جواز تسجيل ” العلامة التجارية التي تطابق او تشابه او تشكيل ترجمة لعلامة تجارية مشهورة وذلك لاستعمالها لتمييز بضائع متشابهة او مماثلة للبضائع التي اشتهرت بها ويكون من شانها ايجاد لبس مع العلامة المشهورة او لاستعمالها لغير هذه البضائع بشكل يحتمل ان يلحق ضرراً بمصلحة مالك العلامة التجارية المشهورة ويوحي بصلة بينه وبين هذه البضائع …”

وسندا لهذه الاحكام فانه يمتنع ابتداء تسجيل علامة قد تودي الى لبس وتحدث منافسة غير مشروعة ، فان تقدم احد بتسجيلها يملك مسجل العلامات في وزارة الصناعة والتجارة رفض تسجيلها (م 11 علامات) وطبعا يكون قراره قابلا للاستئناف (الطعن) لدى محكمة العدل العليا .

وان قبل المسجل طلب تسجيلها ونشرها ، يملك اي شخص الاعتراض على هذا التسجيل (وفق احكام المادة 14 علامات) امام مسجل العلامات التجارية الذي يصدر قراره بعد نظر الاعتراض وبيناته ، ويكون قراره قابلا للاستئناف لدى محكمة العدل العليا ايضا . وبالتالي فان اول خط حماية مقرر في قانون العلامات ضد استخدام العلامات على نحو يؤدي للمنافسة غير المشروعة هو حظر التسجيل او الاعتراض عليه عبر ما يعرف بالاعتراضات على العلامات التجارية.

واستثناءا على قاعدة حظر تسجيل العلامات المطابقة او المشابهة باسم اكثر من شخص ، اجازت المادة 18 من قانون العلامات التجارية للمسجل ان يقبل تسجيل العلامة التي يستعملها شخص بطريق المزاحمة ( المنافسة ) المشروعة مع ان شخصا آخر يستعملها (74) ، واجازت له ان يسجلها باسم الشخصين او اكثر ان توفر موجب لذلك ، واجازت للمسجل ايضا ان يقبل تسجيل علامات متشابهة لذات البضاعة او ذات الصنف باسم اكثر من شخص وجعلت قراره هذا خاضعا للاستئناف (الطعن) امام محكمة العدل العليا.

ويتعين ان يكون واضحا ان هذه المادة استثنائية في حكمها تتعلق بحالات يتقدم فيها اكثر من شخص لتسجيل ذات العلامة او علامات متشابهة مع ادعاءات او وقائع تتعلق بسلامة استعمال هذه العلامات دون اي منافسة غير مشروعة ، والمسجل في هذه الحالة وفي ضوء ما قدم له يملك رفض تسجيل كل العلامات المطلوب تسجيلها او تسجيلها ضمن قيود وشروط ويملك ان يسجل العلامة باسم اكثر من شخص ، لكنه في كل ذلك محكوم بان لا يسجل علامات تحدث تضليلا لدى الجمهور او تشجع على منافسة غير مشروعة على نحو ما استقر عليه قضاء محكمة العدل العليا الاردنية .
وفي ذلك قضت محكمة العدل العليا الاردنية :-

” اذا كانت العلامة التجارية المطلوب تسجيلها لا يوجد علامة اخرى مماثلة لها مستعملة ومعروفة في الاردن اضافة الى ان الفكرة الاساسية والمظهر الرئيسي للعلامة المطلوب تسجيلها عن بضائع مختلفة تماما عن بضائع المعترض من حيث استعمالاتها فان من شان ذلك ان ينفي الالتباس بين البضاعتين وينفي وجود المنافسة غير المشروعة التي تؤدي الى غش الجمهور ويكون من حق مسجل العلامات التجارية الموافقة على تسجيل العلامة المطلوب تسجيلها باسم اكثر من شخص عملا بالمادة (18) من قانون العلامات التجارية التي تجيز تسجيل العلامة التجارية لاكثر من طالب واحد اذا لم تؤد الى منافسة غير شريفة” (75)

وقضت بالمقابل ” اذا كانت الشركة مالكة العلامة التجارية تملكها ايضا بطريق الاستعمال في الاردن بحيث اصبحت معروفة لدى المستهلك الاردني وان العلامة المطلوب تسجيلها تتكون من كلمة تتشابه من حيث النطق علامة الشركة المستانف عليها كما ان هناك تشابها في مظهر الكلمتين وان العلاج الذي يحمل ايا من هاتين العلامتين يصرف بدون وصفة طبية كما ان كل علاج منهما يستعمل لمرض يختلف عن المرض الذي يستعمل له العلاج الاخر، فان ذلك كله يشكل تشابها من شانه ان يؤدي الى غش الجمهور بالمعنى المنصوص عليه في المادة الثامنة من قانون العلامات التجارية. وان طلب تطبيق حكم المادة 18 من قانون العلامات التجارية التي تجيز تسجيل العلامة التجارية باسم اكثر من شخص، هو طلب غير وارد ما دام انه قد ينشا غش للجمهور من جراء استعمال العلامة من قبل اكثر من شخص. “(76)

وقد استقر قضاء محكمة العدل العليا الاردنية في قضائها المتعلق بهذه المادة ( م 18 علامات ) – سواء فيما اجازت تسجيله من علامات باسم اكثر من شخص او فيما رفضت تسجيله – على ان مناط صحة الاجراء ان لا يتم تسجيل علامات قد تحدث تضليلا للجمهور او تودي لمنافسة غير مشروعة (77).

نظمت الفقرة 5 من المادة 25 من قانون العلامات التجارية طلب شطب او حذف العلامة التجارية او ترقينها فقضت ” ان كل طلب يقدم لحذف علامة تجارية من السجل بسبب عدم وجود ما يسوغ تسجيلها بمقتضى احكام المواد 6 او 7 او 8 من هذا القانون او بسبب ان تسجيل تلك العلامة تنشا عنه منافسة غير عادلة بالنسبة لحقوق الطالب في المملكة الاردنية الهاشمية يجب ان يقدم خلال خمس سنوات من تسجيل تلك العلامة” .

وتعد دعوى او طلب الترقين اهم تطبيق لفكرة المنافسة غير المشروعة بل هي في الحقيقة ترتكز عليها ، لان الفرض هنا ان شخصا قد قام بتسجيل علامة تجارية على نحو صحيح واستكملت اجراءت تسجيلها باسم شخص معين ، في وقت يتقدم شخص آخر ويدعي ان ذات العلامة او علامة شديدة الشبه بها مسجلة سابقا باسمه، وان استخدام العلامة المطلوب حذفها يحدث منافسة غير مشروعة ويودي لتضليل الجمهور.

وفي ذلك قضت محكمة العدل العليا :- ” يتبين من نصوص المواد 34 ، 25 /5 من قانون العلامات التجارية رقم 33 لسنة 1952 انه لمستعمل العلامة التجارية السابقة الذي اصبحت العلامة مميزة لبضائعه الحق في ترقين العلامة التجارية المسجلة باسم شخص اخر اذا توافرت الشروط التالية: 1. اذا ثبت ان هنالك تشابها بين العلامتين من شانه ان يؤدي الى غش الجمهور.2. اذا كان استعمال العلامة الاولى سابقا لتاريخ وتسجيل العلامة المطلوب حذفها.3. اذا لم يمر على تسجيل العلامة المطلوب ترقينها مدة خمس سنوات” (78)

وقضت ايضا :- ” لمستعمل العلامة التجارية التي اصبحت مميزة لبضائعه الحق في ترقين العلامة التجارية التي سجلت باسم شخض اخر اذا ثبت ان هناك تشابها بين العلامتين من شانه ان يؤدي الى غش الجمهور واذا كان استعمال العلامة الاولى سابقا لتاريخ تسجيل العلامة المطلوب حذفها ولم يمض على تسجيل العلامة المطلوب ترقينها مدة خمس سنوات وذلك طبقا للمادة 34 والمادة 25/5 من قانون العلامات التجارية رقم 33 لسنة 1952 وعليه وبما ان المستدعية تملك نفس العلامة التجارية ومسجلة باسمها في الخارج واستعملت هذه العلامة استعمالا سابقا لتاريخ تسجيل العلامة التجارية باسم المستدعى ضدها كما انها استعملت هذه العلامة في الاردن اذ كانت ترد اليها منتوجاتها وباستمرار حتى اصبحت هذ العلامة معروفة شكلا ومميزة لبضائعه ومشهورة ورائجة ومستقرة في اذهان الجمهور في الاردن.

وبما ان العلامتين متطابقتين تماما في الاسم حرفا ولفظا ولذات الاصناف ومن شان هذا التطابق ان يؤدي الى غش الجمهور وبما انه لم يمض على تسجيل العلامة المطلوب ترقينها مدة خمس سنوات فيكون قرار مسجل العلامات التجارية بترقين العلامة التجارية المسجلة باسم المستدعى ضدها متفقا واحكام القانون.” (79)

نظمت الفقرة أ/1 من المادة 26 من قانون العلامات التجارية القاعدة العامة بشان حق استعمال العلامة التجارية ، فقصرته على صاحب العلامة المسجلة ومنحته حق منع الغير من استعمال علامات مطابقة او مشابهة ، حيث قضت بانه ” يقتصر الحق في استعمال العلامة التجارية المسجلة تسجيلاً قانونياً على مالكها وله الحق في منع الغير من استعمال علامات مطابقة او مشابهة لها لدرجة يحتمل ان تؤدي الى اللبس دون موافقة مسبقة منه ويفترض احتمال حدوث لبس في حالة استعمال علامة تجارية مطابقة على منتجات مماثلة.” وبذلك قررت هذه المادة معيار التطابق او التشابه بانه ذلك التشابه او التطابق الذي يحدث لبسا ، وافترضت قيام حالة الالتباس عند استخدام العلامة المطابقة .

كما نظمت الفقرة ب/1 من ذات المادة الحكم الخاص بالعلامات المشهورة ، فقضت انه ” اذا كانت العلامة التجارية مشهورة وان لم تكن مسجلة فيحق لمالكها ان يطلب من المحكمة المختصة منع الغير من استعمالها على منتجات او خدمات مماثلة او غير مماثلة شريطة ان يدل الاستعمال لهذه العلامة على صلة بين تلك المنتجات او الخدمات وبين العلامة المشهورة واحتمال ان تتضرر مصالح صاحب هذه العلامة نتيجة هذا الاستعمال ويفترض احتمال حدوث لبس في حالة استعمال علامة تجارية مشهورة مطابقة على منتجات مماثلة “.

وبالوقوف على حكم هذه المادة فاننا نجدها قد اجازت لمالك العلامة المشهورة التقدم من المحكمة بطلب منع استعمال نفس علامته غير المسجلة على بضائع او خدمات مشابهة ، او استعمالها على بضائع وخدمات غير مشابهة ان امكن ربطها بالعلامة المشهورة او احدثت لصاحبها ضررا ، وقررت ان اللبس مفترض ان استخدمت نفس العلامة المطابقة على منتجات مماثلة للمستخدمة عليها العلامة المشهورة .

ويلاحظ ان هذه المادة تجيز نوعا من الحماية القضائية للعلامات المشهورة غير المسجلة لكنها ماية محصورة بطلب منع الاستعمال ، فقانون العلامات التجارية في المادة 34 منه يشترط لرفع دعوى التعويض عن الاعتداء على العلامات التجارية ان العلامة تكون مسجلة في المملكة (80) ، ويجيز في ذات المادة لصاحب العلامة التجارية ( مشهورة ام غير مشهورة ) ان يتقدم من المسجل بطلب ابطال علامة تجارية مسجلة في الخارج وجرى تسجيلها في الاردن خلافا لاحكام الفقرات 6و7 و10 و12 من المادة 8 من ذات القانون ( انظر نص المادة 34 في الهامش 100) ، ويخضع قرار المسجل هذا للطعن امام محكمة العدل العلبيا خلال 60 يوما .

وبالرجوع الى الفقرات المشار اليها من المادة 8 نجد ان الفقرة 6 – السابق ايراد نصها في البند 1 اعلاه – تتعلق بتسجيل علامات مخالفة للنظام العام والاداب او تؤدي لتضليل الجمهور او تشكل منافسة غير مشروعة او لا تدل على مصدرها الحقيقي ، ونجد الفقرة 7 تتعلق بالعلامات التي تتضمن بيانات تستعمل عادة في التجارة ولا تنطوي على صفة فارقة (81) ، ونجد الفقرة 10 – المتقدم بيان نصها – تتعلق بتسجيل علامات تطابق او تتشابه مع علامات الغير وتحدث غشا لدى الجمهور ، ونجد الفقرة 12 – المتقدم بيان نصها ايضا – تتعلق بتسجيل علامات تجارية مشهورة. وبالتالي فان مالك العلامة المشهورة غير المسجلة في الاردن يملك – وفق نص المادة 34 من قانون العلامات – ان يتقدم من المسجل بطلب ابطال العلامة التجارية التي سجلت في الاردن والتي تطابق او تشابه او تشكيل ترجمة لعلامته التجارية المشهورة او لاستعمالها لتمييز بضائع متشابهة او مماثلة للبضائع التي اشتهرت بها ويكون من شانها ايجاد لبس مع العلامة المشهورة او لاستعمالها لغير هذه البضائع بشكل يحتمل ان يلحق ضرراً بمصلحة مالك العلامة التجارية المشهورة وعلى نحو يوحي بصلة بينه وبين هذه البضائع” وقرار المسجل في هذا الشان يخضع للاستئناف (الطعن) لدى محكمة العدل العليا ،

كما يملك صاحب العلامة التجارية المشهورة – وفقا للمادة 26/1/ب مدار البحث – ان يتقدم من المحكمة المختصة (وهي هنا محكمة البداية صاحبة الولاية العامة عندما لا يسند الاختصاص لمحكمة اخرى) لطلب منع الغير من استعمال علامته ذاتها ، طبعا الى جانب حقه بطلب الشطب او الترقين وفق حكم الفقرة 5 من المادة 25 من القانون كما اوضحناه في البند 3 اعلاه ، ولكنه ووفق قانون العلامات التجارية ، وتحديدا احكام المواد 34 المشار اليها اعلاه و38 و39 التالي بيان حكمهما ، وباستثناء الطرق الثلاثة هذه ، لا يملك صاحب العلامة التجارية المشهورة ان يقيم دعاوى قضائية (مدنية او جزائية) ما لم تكن علامته مسجلة في الاردن .

اما صاحب العلامة التجارية غير المشهورة وغير المسجلة في الاردن ، فانه لا يملك غير التقدم بطلب ابطال تسجيل علامته المسجلة في الخارج ان خالف تسجيلها في الاردن احكام الفقرات 6 و 7 و9 فقط من المادة 8 من قانون العلامات التجارية المتقدم بيان حكم كل منها . ولا يملك منع الغير من استعمالها بدعوى يقدمها لمحكمة البداية ، لان الفقرة ب/1 من المادة 26 مدار البحث حصرت هذا الحق بصاحب العلامة التجارية المشهورة .

نظمت المادة 38 من قانون العلامات التجارية المسؤولية الجزائية عن الاعتداء على العلامات التجارية (82) ، فجرمت تزوير او تقليد العلامات التجارية المسجلة في الاردن واستعمال علامات الغير التجارية دون حق ، او بيع او العرض للبيع او اقتناء بضاعة تحمل علامات تجارية مزورة او مقلدة او مستعملة دون حق ، ووفق هذا النص فان تسجيل العلامة التجارية محل الحماية اساس لقيام المسؤولية الجزائية وتحريك دعواها.

نظمت المادة 39 من قانون العلامات التجارية اجراءات الحماية الوقتية او التحفظية (83) ، فاجازت لصاحب الحق الذي اعتدي على علامته التجارية وفي معرض دعواه المدنية او الجزائية ، وكطلب فيها او طلب سابق لها – اي كطلب مستعجل يستلزم اقامة الدعوى الموضوعية في مدة ثمانية ايام تالية له – ان يطلب وقف الاعتداء او حجز البضاعة او اتخاذ الاجراءات لحفظ الدليل الذي يخشى زواله ، وذلك وفق احكام وشروط نظمتها المادة المذكورة ، اهمها وما يعننيا في هذا المقام ، ان الطلب الوقتي او التحفظي او المستعجل يكون بصدد علامة تجارية مسجلة وفق قانون العلامات التجارية الاردني .

اذا ، فان قانون العلامات التجارية الاردني يكفل حماية قانونية شمولية للعلامات التجارية المسجلة ويكفل حماية قانونية محددة للعلامات التجارية المشهورة غير المسجلة ( الطرق الثلاث المتقدم بيانها في البند 5 اعلاه ) ، واطارا ضيقا لحماية العلامات غير المسجلة محصور بطلب ابطال تسجيل ما يتعارض معها ان توفر فيه حالات منع محددة ( ايضا البند 5 اعلاه ) . فما الذي يتبقى بعد ذلك من حالات لا تمتد لها حماية قانون العلامات التجارية ؟؟؟

ان العلامات التجارية غير المسجلة في الاردن – مشهورة او غير مشهورة – تفتقر في ظل احكام قانون العلامات التجارية للحماية المدنية امام القضاء الاردني المتمثلة بدعوى التعويض جراء الاعتداء وبالطلبات الوقتية المستندة اليها كوقف الاعتداء ، وكذلك تفتقر للحماية الجزائية المنظمة ضمن احكام المادة 38 والطلبات الوقتية المؤسسة عليها ايضا . كما ان العلامات التجارية غير المشهورة وغير المسجلة تفتقر لامكان رفع دعوى عدم الاستعمال لان حكمها المقرر في القانون محصور بالعلامات التجارية المشهورة ، وكذلك تنحصر طلبات ابطال تسجيل العلامة غير المشهورة بالاسباب التي نظمتها الفقرات 6 و 7 و10 من المادة 8 من القانون على نحو ما اوضحنا اعلاه ، وكلا العلامتين ، مشهورة او غير مشهورة ، تتطلب توفر التشابه بينها وبين العلامة التي يطلب شطبها او ترقينها وفق المادة 25/5 من القانون .

وتفتقر العلامات التجارية المسجلة في ضوء احكام قانون العلامات التجارية الى الحماية المدنية عندما يحصل اعتداء مصدره استخدام علامة اخرى مسجلة ومستوفية لشرائط الحماية ايضا ، لكنها مشابهة او يمكن ان تحدث اللبس رغم ذلك ، وفي هذه الحالة ايضا لا تتوفر الحماية الجزائية لاننا لسنا امام حالة تقليد او تزوير او استعمال غير محق ، كما ان هذه الحالة تصبح دون اي نوع من الحماية ان كانت قد انقضت السنوات الخمس لترقين العلامة ، فلا يعود ثمة اية وسيلة لمنع الاعتداءات من مستخدم العلامة المشابهة.

وتعد هذه المناطق هي مناط النقص في حماية العلامات غير المسجلة في نطاق قانون العلامات التجارية ، ولهذا يتدخل قانون المنافسة غير المشروعة ليتيح رفع دعوى التعويض عن الاضرار والطلبات الوقتية بوقف الاعتداء وحجز البضائع والمواد وحفظ الدليل ، فيما يتصل بالاعتداء على العلامات التجارية غير المسجلة ، مشهورة كانت ام غير مشهورة ، وترتكز الدعوى المدنية هذه على التشابه واحداث اللبس وتحقيق حالة تضليل وغش الجمهور وبالتالي تحقيق مفهوم المنافسة غير المشروعة .

كذلك فان قانون المنافسة غير المشروعة يتدخل بالنسبة للعلامات ان كانت مسجلة او غير مسجلة فيما لا ينطبق فيه نصوص الحماية الادارية والمدنية والمستعجلة المقررة في قانون العلامات التجارية ، وينحصر الوضع هنا بشان وجود عناصر تشابه لم تنجح معها دعاوى الاعتراض او لم تمارس بشانها دعاوى الترقين او انقضت مدة الترقين ، ومع ذلك يتوفر بالنسبة لها ومن ناحية الاستعمال حالة من حالات المنافسة غير مشروعة ، او تحقق بشانها حالة الترقين التي تنحصر نتيجتها بشطب العلامة ، لكنها لا تتيح دعوى التعويض عن استخدام العلامة فيتدخل قانون المنافسة ليتح دعوى التعويض جراء ما حدث من حالة التباس وما تحقق من ضرر فتحقق معه المنافسة غير المشروعة .

ومع ذلك يبقى قانون المنافسة غير المشروعة بعيدا عن توفير الحماية الجزائية للعلامة غير المسجلة تماما كما هو الشان في قانون العلامات التجارية .

واذا كان نطاق قانون العلامات التجارية من حيث الحماية يوفر حماية ادارية (بما يصدره المسجل من قرارات وما يمارسه من صلاحيات) ويوفر مرجعية قضائية للطعن في القرارات الادارية ونتائج الاعتراض والترقين والشطب والابطال (اختصاصات محكمة العدل العليا) ، ويوفر حماية مدنية تتمثل بدعاوى منع الاستعمال والتعويض والاجراءات الوقتية على ذمة هذه الدعاوى التي تمتد لوقف التعدي والحجز على البضائع والمواد واجراءات حفظ الادلة (اختصاصات محكمة البداية) ، ويوفر الحماية الجزائية في مواجهة انشطة الاعتداء الجرمي على العلامات (صلاحيات محكمة الصلح) ، فان قانون المنافسة غير المشروعة محصور بالحماية المدنية التي تتيحها دعوى التعويض ومنع التعدي على مقتضى نص المادة 3 منه التي نبحثها لاحقا على نحو تفصيلي ، اضافة الى الحماية الوقتية والمستعجلة على ذمة هذه الدعوى . وهذا النطاق من الحماية المدنية يسد نقصا حاصلا في قانون العلامات التجارية على نحو ما اوضحنا اعلاه .

بقي اخيرا ان نشير الى ان مفهوم المنافسة غير المشروعة بذاتها – بعيدا عن حكم قانونها الخاص وعن اننا امام دعوى منافسة غير مشروعة – فانها تمثل معيارا مركزيا ورئيسا من معايير الحماية المتصلة بدعاوى ومنازعات العلامات التجارية الادارية والمدنية المحكومة بقانون العلامات التجارية فالطعن مثلا بقرار المسجل رفض تسجيل علامة ما او قراره بحذفها او شطبها ،

او قراره بقبول تسجيل علامة رغم الاعتراض وبعد ان اصدر قراره برد الاعتراض ، ينظر امام محكمة العدل العليا التي تقف على مدى توفر الشابه من عدمه ، خاصة اننا في هذه الحالات لا نكون امام حالة تطابق الا في احوال رفض تسجيل علامة تجارية لانها تطابق علامة تجارية مشهورة مسجلة في الخارج ، وتبحث المحكمة في مدى توفر حالة التشابه ، فان توفرت عللت تاييد عدم التسجيل او قررت عدم التسجيل خلافا لراي المسجل استنادا الى احتمال حدوث غش للجمهور او التباس لديه او حالة تضليل له او استعمال ينشأ عنه منافسة غير مشروعة ، بمعنى ان المنافسة غير المشروعة مرتكز تعليل لقرارات القضاء عند رفض التسجيل او اتخاذ القرارات فيما يعرض على القضاء من طعون في قرارات المسجل . فاذا انتفى التشابه بين العلامتين ، انتفت فكرة وجود المنافسة غير المشروعة ( المحصورة في هذا الفرض باستخدام العلامات وبزعم التشابه ) .

وفي ذلك قضت محكمة العدل العليا الاردنية ” لا تجيز احكام المادة الثامنة من قانون العلامات التجارية تسجيل علامة تؤدي الى غش الجمهور او تشجع المنافسة غير المشروعة او التي تدل على غير مصدرها الحقيقي، وان معيار تحقق التشابه في علامتين تجاريتين ان تكون الفكرتان الرئيسيتان للعلامتين واحدة وان يكون المظهر الاساسي لهما متشابها سواء اكان التشابه بالنسبة للنظر او السمع، وبما ان التشابه في جزء جوهري بقطع النظر عن التفاصيل الجزئية بين العلامتين من شانه ان يؤدي الى غش الجمهور اذ لا يفترض في المستهلك ان يفحص العلامات التجارية فحصا دقيقا، فيكون رفض مسجل العلامات تسجيل العلامة التجارية (النجاد ريم البوادي) المميزة بصورة غزال كبير لانها تشابه العلامة التجارية المسجلة باسم الشركة التجارية الفلسطينية وهي صورة غزال والتي سبق تسجيلها لنفس البضائع او لصنف منها الى درجة تؤدي الى غش الجمهور موافقا للقانون. “ (84)

وقضت ايضا ” ان الاسبق في استعمال العلامة التجارية هو صاحب الحق في ملكية هذه العلامة ، لان الملكية تتقرر للطرف الذي يثبت اسبقيته في استعمال العلامة ، ولو كان الطرف الاخر قد سبقه في تسجيلها او كان قد تقدم بطلب بهذا الخصوص .

ومن حق مسجل العلامات التجارية منع تسجيل أي علامة تشجع المنافسة غير المحقة عملا بالمادة (6/8) من قانون العلامات التجارية التي تحضر تسجيل العلامات المخلة بالنظام العام او الآداب العامة او التي تؤدي على غش الجمهور او العلامات التي تشجع المنافسة التجارية غير الملحقة او التي تدل على غير مصدرها الحقيقي “.(85)

وثمة عشرات القرارات التي ترتكز في نتيجتها على فكرة المنافسة غير المشروعة تطبيقا للنصوص التي سبق بيانها في صدر هذا المطلب (86).
واما معيار التشابه فانه ووفق ما استقر عليه قضاء محكمة العدل العليا منذ اول احكامها حتى الان يتمثل بوجوب التشابه في مجموع عناصر العلامتين التجاريتين .

وفي هذا تقول محكمة العدل العليا منذ اول قراراتها ” المسائل التي لها تاثير في تقرير مسالة التشابه في العلامات التجارية هي : الفكرة الاساسية التي تنطوي عليها العلامة التجارية ومظاهرها الرئيسية ونوع البضاعة والاشخاص الذي يحتمل ان يكونوا مستهلكين .

وتعتبر العلامة انها تؤدي الى الغش سواء اكان الالتباس قد وقع في النظر اليها او في سماع الاسم الذي يطلق عليها . ولا يفترض ان المستهلك عند شراء البضاعة يفحص العلامة التجارية فحصاً دقيقاً وخصوماً اذا كان المستهلك من الطبقة الجاهلة .” (87)

وقد قضت محكمة العدل العليا في احكامها الحديثة نسبيا ” ان التشابه المحظور في قانون العلامات التجارية هو التشابه في مجموع العلامة لا في جزء من اجزائها فقط وعليه وبما ان علامة الشركة الامريكية المسجلة مكونة من كلمة (ترل Trill) ) ومن رسم يتالف من عصفورين تحتهما حبوب طعام للطائر الطيب وطعام لطائر الكناري بالالوان في حين العلامة المطلوب تسجيلها تتكون من عدة كلمات ( Hilal – Trill – Solution) وحيث ان هناك اختلاف بينهما في اللفظ والرسم والشكل وفي عدد الكلمات واختلاف الاحرف التي كتبت بها والوانها وحجم الحروف وشكلها والتصميم مما ينفي احتمال وقوع الغش … عدا عن ان المستهلك لا يطلب البضاعة التي تحمل ايا من العلامتين باسم Trill وانما يطلبها باسمها الكامل ومن الواضح ان كل علامة تحمل اسما يختلف عن الاسم الاخر فيكون بالتالي القرار الصادر عن مسجل العلامات التجارية برفض الاعتراض المقدم من المستدعي على طلب تسجيل العلامة (hilal – Trill – Solution) متفقا واحكام القانون. (88)

وقد صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز قرار تضمن معايير التشابه بين العلامات والمعتبرة عند تقرير وجود التعدي ، فقضت الهيئة العامة بتاريخ 27/2/ 2002 بانه ” لتوضيح ما اذا كانت المدعى عليها قد استعملت العلامة التجارية العائدة للمدعية او قلدتها فانه لا بد من تحديد العناصر الرئيسة لتقرير مسالة التعدي والتشابه بين العلامة المسجلة العائدة للمدعية والعلامة المستخدمة من المدعى عليها وهي :

أ . الفكرة الاساسية التي تنطوي عليها العلامة التجارية المسجلة .
ب. المظاهر الرئيسة للعلامة التجارية وليس تفاصيلها الجزئية .
ج. نوع البضاعة التي تحمل العلامة .
د. احتمال وقوع التباس بينها وبين العلامة الاخرى عن طريق النظر اليها او سماع اسمها .
هـ عدم افتراض ان المستهلك عند شراء البضاعة يفحص علامتها التجارية فحصا دقيقا او يقارنها بالاخرى .
و. ان العبرة للجزء الرئيسي في العلامة التجارية .
حيث ان محكمة الاستئناف سواء عند مناقشتها لاسباب الاستئناف او في الخبرة التي اعتمدتها كبينة في الدعوى لم تعتمد على هذه الاسس والعناصر لتقرير فيما اذا كان هناك أي تعدي على العلامة التجارية Value Plus فاليوبلس التي تملكها تملكها المدعية وبالتالي يكون قرارها المطعون فيه قد جاء مخالفا للقانون واسباب التمييز تكون واردة عليه وداعية الى نقضه . ” (89)

5-2 المنافسة غير المشروعة وعلامات البضائع .

ينظم علامات البضائع في النظام القانوني الاردني – كما اشرنا في الفصل التمهيدي اعلاه – قانون علامات البضائع رقم 19 لسنة 1953 ، وهو قانون قديم وضع في اطار استكمال احكام قانون العلامات التجارية لعام 1952 .

وقانون علامات البضائع المكون من 18 مادة يعالج في حقيقته مسألتين فقط ، الاولى ما يسمى بالوصف التجاري الزائف للبضائع ، والثاني تزوير العلامة التجارية او استعمالها خلافا للقانون ، وتنصب احكامه على تنظيم المسؤولية الجزائية عن هذين الفعلين وما يتفرع عنهما وتنظيم مسائل مصادرة البضائع التي تستعمل عليها العلامات المزورة او الشبيهة للمزورة او الوصف التجاري الزائف .

اما الوصف التجاري الزائف فيعرفه القانون بانه ” كل وصف تجاري غير صحيح من وجهة جوهرية يتعلق بالبضائع التي استعمل لها وتشمل كل تغيير في الوصف التجاري سواء اكان ذلك اضافة او محواً او غير ذلك اذا اصبح الوصف من جراء ذلك التغيير غير صحيح من وجهة جوهرية ولا يمنع كون الوصف الزائف علامة تجارية او جزءاً من علامة تجارية اعتباره وصفاً تجارياً زائفاً ” (م 2 من القانون).

ويحد القانون مفهوم (الوصف التجاري) بانه ” كل وصف او بيان او اية اشارة اخرى مما يشير مباشرة او غير مباشرة الى رقم البضائع او مقدارها او مقياسها او وزنها ، او الى المكان او البلاد التي صنعت او انتجت فيها البضائع او استخرجت منه ، اوطريقة صنع البضائع او انتاجها ، او المواد المؤلفة منها البضائع ، او كون البضائع تتمتع بامتياز او بحق طبع لا يزال معمولاً به ويعتبر استعمال اي رقم او كلمة او علامة مما يؤخذ عادة حسب العرف التجاري دليلاً على امر من الامور المذكورة اعلاه بانه وصف تجاري ايفاء للغاية المقصودة من القانون.” ( م2 ايضا من قانون علامات البضائع).

ومن المهم في هذا المقام الاشارة الى ان العلامة التجارية في مفهوم واحكام هذا القانون ووفقا لتعريفها الوارد في المادة الثانية منه تشمل العلامات التجارية المسجلة بمقتضى قانون العلامات التجارية النافذ ، والعلامات التجارية المحمية قانوناً في اي بلد تسري عليها احكام المادة (41) (90 ) من قانون العلامات سواء اكانت تلك العلامة مسجلة ام غير مسجلة. وبالرجوع الى نص المادة 41 النافذ نجد انه يتعلق بحق الاجنبي الذي ينتمي الى دولة عضو باتفاقية ثناية او دولية موقعة مع الاردن ان يتقدم خلال ستة اشهر من تاريخ تسجيل علامته في الخارج لتسجيل علامته في الاردن بحيث يعتبر تاريخ طلبه نفس تاريخ طلبه في الخارج ، لكن النص يمنع الاجنبي من اقامة اية دعوى مدنية او جزائية لحماية علامته الا بعد اكتمال تسجيلها في الاردن .

وبالتالي يعيدنا هذا النص الى ان فكرة الحماية الجزائية المقررة في القانون ترتبط بالعلامة المسجلة ، في وقت كان النص السابق للمادة نفسها قبل تعديلها محصور بالحماية المدنية ( اي وجوب التسجيل للحماية المدنية ) ، وبالتالي فان نص المادة 2 من قانون علامات البضائع من حيث تعريفه للعلامة التجارية يحدث جدلا لدى قراءته مع نص المادة 41 من قانون العلامات ، فالنص يورد صراحة عبارة ((سواء اكانت تلك العلامة مسجلة ام غير مسجلة ))

في حين نجد نص المادة 41 يتطلب التسجيل لتحريك الدعوى المدنية او الجزائية ، وقد يحتج البعض ان ما ورد في قانون علامات البضائع صريح من حيث توفير الحماية وفق احكامه للعلامة المسجلة وغير المسجلة ، وان الاحالة للمادة 41 محصور بتحديد العلامة محل الحماية بانها العائدة لشخص ينتمي الى دولة ترتبط مع الاردن باتفاقية دولية فقط ، لكن بالمقابل قد يرد القول ان هذا النوع من الحماية لعلامات الاجنبي محصور بقيد المادة 41 من قانون العلامات التي اوجبت اكتمال التسجيل وفق القانون الاردني وانها فقط منحت الاجنبي حق التمسك بتاريخ تقديم طلبه في الخارج كتاريخ لتقديم طلبه للمسجل الاردني .

ويصبح الجدل اكثر عمقا اذا ما تم التمسك بان تنظيم تزوير وتقليد العلامة التجارية واستعمالها على نحو غير محق منظم صراحة بموجب قانون العلامات التجارية ( م 38 من القانون السابق بيانها ) ، وانها اولى بالتطبيق من قانون علامات البضائع .

وعلى كل الاحوال فان دعاوى تزوير وتقليد العلامات التجارية تعتمد في الواقع العملي على قانون العلامات التجارية ونصوصه دون وجود ما يمنع من الاستناد لقانون علامات البضائع بشانها .

وتنطبق احكام الوصف التجاري الزائف على استعمال اية ارقام للبضائع او كلمات او علامات او اشارات او خليط منها سواء اكانت تشمل علامة تجارية او لم تشمل من شانها ان تحمل على الاعتقاد بان البضائع هي من مصنوعات او تجارة شخص هو غير الشخص الذي يتعاطى صنعها او الاتجار بها ( المادة 2/2 من القانون ) . ويقع ضمن مفهوم الوصف التجاري الزائف ايضا استعمال اي اسم زائف لشخص او الحروف الاولى من اسم زائف لشخص للبضائع وعلى البضائع التي استعمل لها اسم زائف لشخص او الحروف الاولى من اسم زائف لشخص كما لو كان ذلك الاسم او تلك الحروف وصفاً تجارياً ” ( المادة 3/2 من القانون ) .

وتمثل المادة الثالثة من القانون مرتكزه الاساسي واطاره العام ، اذ قررت معاقبة كل من زور علامة تجارية ، او استعمل للبضائع استعمالاً باطلاً علامة تجارية او علامة اخرى قريبة الشبه من علامة تجارية بصورة تؤدي الى الانخداع ، او استعمل للبضائع اي وصف تجاري زائف ، او تسبب في اجراء احد الافعال المتقدمة بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة او بغرامة لا تزيد على مائة دينار او بكلتا هاتين العقوبتين ما لم يثبت انه قد فعل ذلك بدون قصد الاحتيال.

ويعاقب بذات العقوبة كل من باع بضائع او اشياء استعملت لها علامة تجارية مزورة او وصف تجاري زائف او عرضها للبيع او احرزها بقصد البيع او لاية غاية من غايات التجارة او الصناعة او استعمل استعمالاً باطلاً اية علامة تجارية او علامة قريبة الشبه من علامة تجارية اخرى بصورة تؤدي الى الانخداع ما لم يثبت انه لم يكن لديه حين وقوع الجرم المسند اليه ما يدعوه للاشتباه بصحة تلك العلامة التجارية او العلامة الاخرى او الوصف التجاري وانه اتخذ جميع الاحتياطات المعقولة لاجتناب ارتكاب اي جرم خلافاً لهذا القانون او قام بما فعله بنية حسنة ” ( المادة 3 من القانون )

وحددت المادة الخامسة الحالات التي تدخل في نطاق تزوير العلامة التجارية والتي تتمثل بقيام الشخص بصنع تلك العلامة التجارية او اية علامة قريبة الشبه منه بصورة تؤدي الى الانخداع بدون موافقة صاحبها ، او اذا زور اية علامة تجارية حقيقية سواء بتغييرها ام بالاضافة اليها ام بتشويهها او بغير ذلك.

اما المادة السادسة فحددت الحالات التي يعتبر فيها الشخص انه قد استعمل علامة تجارية او وصفاً تجارياً للبضائع وهي :- استعمالها للبضائع ذاتها ، او استعمالها لاي غطاء او رقعة او بكرة او شيء آخر تباع او تعرض فيه البضائع او تحفظ فيه لاجل البيع او التجارة او الصناعة ، او وضع اية بضائع باعها او عرضها للبيع او احرزها لاجل بيعها او للاتجار بها او صنعها او غطاها او لفها في اي غطاء او رقعة او بكرة او شيء آخر استعملت له علامة تجارية او وصف تجاري ، او استعمل علامة تجارية او اي وصف تجاري آخر باية صورة تحمل على الاعتقاد ان تلك العلامة التجارية او الوصف التجاري قد استعمل لتسمية البضائع او وصفها. كما يعتبر الشخص انه استعمل للبضائع علامة تجارية استعمالاً باطلاً اذا استعمل تلك العلامة التجارية او علامة قريبة الشبه منها بصورة تؤدي الى الانخداع بدون موافقة صاحبها .

وبرجوعنا لقانون المنافسة غير المشروعة وحالاتها المقررة في المادة 2 السابق بيانها في المبحث الاول من هذا الفصل ، نجد ان قانون المنافسة غير المشروعة اعتبر من قبيل ذلك البيانات والادعاءات التي من شانها ان تحدث تضليلا لدى الجمهور ، وسبق بيان مفهوم هذه الصورة بانها تشمل ” البيانات او الادعاءات المتعلقة بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال “ وهذه من المسائل التي اشير فيما تقدم الى شمول الوصف التجاري لها ان كانت بيانات غير صحيحة . وتقوم صور وتطبيقات حالتي تزوير العلامة التجارية واستخدامها على نحو مجرم ، وفكرة استعمال الوصف التجاري الزائف في قانون علامات البضائع ايضا ، على ما تحدثه من خداع للجمهور .

اذن ثمة مناطق اتفاق بين كلا القانونين لكن ثمة افتراق في نوع الحماية ، فقانون علامات البضائع وان كان ينظم الوصف التجاري الزائف الذي هو بطبيعته ادعاءات وبيانات تخالف الحقيقة او وهمية لا وجود لها او مما يتحقق معه تضليل الجمهور وينظم تزوير واستعمال العلامات التجارية بشكل غير قانوني ، فانه يقرر المسؤولية الجزائية عن ذلك وفق محددات منضبطة على هدي النصوص الجزائية بوجه عام ولا تغطي المسؤوليات الجزائية المقررة فيه كافة صور المنافسة غير المشروعة ومفهومها العام المنظم في قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية ، في حين ينظم قانون المنافسة غير المشروعة المسؤولية المدنية عن هذه الافعال وغيرها .

ومع ذلك نتسائل ، اليست الحماية المدنية متوفرة ومتاحة بالنسبة لذات الافعال التي يقررها قانون علامات البضائع من خلال دعوى الادعاء بالحق الشخصي ؟؟

ما من شك ان النظام القانوني الاردني يوفر الحق في دعوى التعويض الناشئة عن الافعال الجزائية محل المساءلة المنظمة في قانون علامات البضائع ، وتخضع احكام مثل هذه الدعوى التابعة للدعوى الجزائية ان قدمت امام المرجع الجزائي المختص او مستقلة عنه امام المرجع المدني المختص تبعا لقيمة الادعاء في هذه الحالة ان قدمت بعد اقرار المسؤولية الجزائية .

بقي اخيرا ان نشير الى ان ما يقرره قانون علامات البضائع من مسؤولية عن تزوير وتقليد العلامة التجارية يطابق قريبا ما هو مقرر في قانون العلامات التجارية عن ذات الفعل من حيث الوصف العام للجرم والعقوبة ، وان كان قانون علامات البضائع توسع في تحديد المقصود بتزوير العلامة التجارية ، طبعا الى جانب التوسع في بيان حالات الاستعمال وترتيب مسؤولية من يتعامل ببضائع موسومة بعلامات مزورة او مستعملة دون حق ، اضافة الى بيان حالات الاعفاء من العقاب لمن لا يتوفر لديه قصد الاحتيال او الخداع .

ومع هذا نتساءل لماذا ينظم تقليد وتزوير العلامات التجارية بموجب نصين في تشريعن مختلفين ؟ ولماذا لا يكون موضع التزوير بذاته محل تنظيم تشريعي واحد؟؟

واما المسؤولية الجزائية عن الوصف التججاري الزائف فان مناط تنظيمها الوحيد هو قانون علامات البضائع ويستقل بها ، مع وجود بعض التطبيقات بشان الادعاءات الكاذبة في قانون العقوبات على نحو ما اشرنا لدى بحث صور المنافسة غير المشروعة المخالفة للقانون فيما تقدم في صدر هذا الفصل .

5-3 المنافسة غير المشروعة وقانون المنافسة الاردني الجديد .
اقر المشرع الاردني مؤخرا قانون المنافسة المؤقت رقم 49 لسنة 2002 (91) ، ويهدف هذا القانون على نحو ما جاء صراحة في المادة 3/أ منه الى ” ترسيخ مبدا قواعد السوق وحرية الاسعار وفق الضوابط المنظمة لحرية المنافسة الهادفة الى ازدهار النشاط الاقتصادي في المملكة وحماية مصلحة المستهلك ” وتسري احكامه على جميع انشطة الانتاج والتجارة والخدمات في المملكة كما تنصرف احكامه الى أي انشطة قتصادية تتم خارج المملكة وتترتب عليها اثار داخلها .” ( المادة 3/ب) .

وقد جاء هذا القانون لغايات تغطية ما يعرف بمسائل منع الاحتكار ، وتنظيم ما يعرف بانشطة التركز الاقتصادي الناشئة عن مشروعات الاندماج والاكتساب وغيرها .

واما الموضوعات الرئيسة التي ينظمها هذا القانون فتتمثل ببيان الممارسات المخلة بالمنافسة ، وبيان حالات اساءة استغلال وضع مهيمن تتمتع به مؤسسة في السوق ، وبيان الممارسات المخلة بنزاهة المنافسة . وينظم القانون الاطار المقبول لانشطة التركز الاقتصادي واجراءت قبولها ، ثم يبين دور الجهة المختصة بمسائل المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة من حيث التحقيق في المخالفات وتلقي الشكاوى وتقديم التقارير للقضاء ، وينظم المسؤوليات القانونية عن مخالفة احكامه ، والاطار القضائي والتحقيق الذي يتولى نظر دعاوى المنافسة .

فقد نظمت المادة 5 من هذا القانون الممارسات المخلة بالمنافسة ، حيث قررت ” حظر أي ممارسات او تحالفات او اتفاقيات صريحة او ضمنية ، تشكل اخلالا بالمنافسة او الحد منها او منعها وبخاصة ما يكون موضوعها او الهدف منها تحديد اسعار السلع او بدل الخدمات او شروط البيع وما في حكم ذلك . وتحديد كميات انتاج السلع او اداء الخدمات .وتقاسم الاسواق على اساس المناطق الجغرافية او كميات المبيعات او المشتريات او العملاء او على أي اساس اخر يؤثر سلبا على المنافسة .

او اتخاذ اجراءات لعرقلة دخول مؤسسات الى السوق او لاقصائها منه . او التواطؤ في العطاءات او العروض في مناقصة او مزايدة ” ولا يعتبر من قبيل التواطؤ تقديم عروض مشتركة يعلن فيها اطرافها عن ذلك مند البداية على ان لا تكون الغاية منها منع المنافسة باي صورة كانت .ولا تسري عملية الحظر على الاتفاقيات ضعيفة الاثر التي لا تتجاوز الحصة الاجمالية للمؤسسات التي تكون طرفا فيها نسبة (10%) شريطة ان لا تتضمن تلك الاتفاقيات احكاما بتحديد مستوى الاسعار وتقاسم الاسواق “

اما المادة 6 فنظمت حالات اساءة استغلال الوضع المهيمن ، فقضت في هذا الشان بانه ” يحظر على أي مؤسسة لها وضع مهيمن في السوق او في جزء هام منه اساءة استغلال هذا الوضع للاخلال بالمنافسة او الحد منها او منعها بما في ذلك تحديد او فرض اسعار او شروط اعادة بيع السلع او الخدمات . والتصرف او السلوك المؤدي الى عرقلة دخول مؤسسات اخرى الى السوق او اقصائها منه او تعريضها لخسائر جسيمة بما في ذلك البيع بالخسارة . والتمييز بين العملاء في العقود المتشابهة بالنسبة لاسعار السلع وبدل الخدمات او شروط بيعها وشرائها .

وارغام عميل لها على الامتناع عن التعامل مع مؤسسة منافسة لها . والسعي لاحتكار موارد معينة ضرورية لممارسة مؤسسة منافسة لنشاطها او لشراء سلعة او خدمة معينة بالقدر الذي يؤدي الى رفع سعرها في السوق او منع انخفاضه . ورفض التعامل ، دون مبرر موضوعي ، مع عميل معين بالشروط التجارية المعتادة .

وتعليق بيع سلعة او تقديم خدمة بشراء سلعة او سلع اخرى او بشراء كمية محددة او بطلب تقديم خدمة اخرى “

ونجد المادة 8 من القانون تنظم الممارسات المخلة بنزاهة المعاملات التجارية ، فتقرر على كل منتج او مستورد او تاجر جملة او مقدم خدمة حظر فرض حد ادنى لاسعار اعادة بيع سلعة او خدمة ، بصورة مباشرة او غير مباشرة ، . وومنعهم من ان يفرضوا على طرف اخر او يحصل ايا منهم منه على اسعار او شروط بيع او شراء خاصة غير مبررة بشكل يؤدي الى اعطائه ميزة في المنافسة او الى الحاق الضرر به .

وقضت ايضا بانه يحظر على أي مؤسسة اعادة بيع منتج على حالته بسعر اقل من سعر شرائه الحقيقي مضافا اليه الضرائب والرسوم المفروضة على المنتج ومصاريف النقل ان وجدت اذا كان الهدف من ذلك الاخلال بالمنافسة ، ولا يشمل هذا الحظر المنتجات سريعة التلف والتنزيلات المرخص بها لاي بيع يتم لتصفية الاعمال او تجديد المخزون باسعار اقل .

وبالوقوف على الممارسات التي يحظرها قانون المنافسة نجدها جميعا ما يتصل بالممارسات التجارية البحتة المتصلة بالنشاط والتي تستهدف احتكار سلعة او خدمة معينة او السيطرة على السوق وفرض واملاء الشروط التعاقدية التعسفية مع الاطراف الاخرى ، وبذلك فان هذه الممارسات تفترق عن تلك التي ينظمها قانون المنافسة غير المشروعة والتي تستهدف عناصر الملكية المعنوية للمؤسسة التجارية او المحل التجاري ، ومع هذا يتفق القانونان في انهما يحظران انشطة تهدف الى التاثير على الزبائن بشكل مباشر او غير مباشر ،

لكن اثرها بالنسبة لقانون المنافسة يمتد الى السوق كله بكل مؤسساته والى قطاع بعينه تستهدفه هذه الممارسة ، في حين تنصب انشطة الممارسة غير المشروعة في غالبيتها الى التاثير على منشأة منافس بعينه ، وفي حالات محدة الى التاثير على سوق السلعة بوسائل لا تستهدف السيطرة والتركيز والاحتكار للسلعة ذاتها او للنشاط المعين (92).

واما من حيث نطاق المسؤولية ، فان قانون المنافسة غير المشروعة كما اوضحنا في غير موقع ينظم الدعوى المدنية المتعلقة بالضرر الناشيء عن المنافسة وما يتصل بها من طلبات ، في حين نجد ان قانون المنافسة المؤقت قد اقام اطارا قانونيا للمسؤوليات المدنية والجزائية عوضا عن تحديد للجهات التحقيقية وجهات المسؤوليات والصلاحيات الادارية والجهة القضائية المختصة .

فوفقا للمادة 16 من قانون المنافسة المؤقت ، فان محكمة البداية المختصة ( ومؤقتا تكون محكمة عمان العاصمة لمدة سنتين ثم يسند الاختصاص لمحاكم البداية المختصة ) تنظر في القضايا المتعلقة بأي مخالفة لاحكام المواد (5) و (6) المتقدم بيانها ، اضافة الى مخالفات الماديتن 9 و10 المتعلقيتن بتنظيم اجراءات الموافقة على مشروعات التركيز الاقتصادي ، في حين لم يرد في هذا النص ذكر للمادة 8 المتعلقة بالممارسات المخلة بنزاهة المعاملات التجارية مع انه قرر لها في المادة 22 عقوبة الغرامة التي تصل الى عشرين الف دينار من هذا القانون ، وقد قررت المادة 20 من ذات القانون ايقاع عقوبة الغرامة على من يخالف احكام الماديتن 5 و 6 المشار اليهما اعلاه ، وتصل الغرامة المفروضة الى (5%) من اجمالي مبيعات السلع او اجمالي ايرادات الخدمات لمرتكب المخالفة او الى خمسن الف دينار ان لم يكن اجمالي المبعيات محددا .

كما قررت المادة 16 ذاتها ان هذه الدعاوى يقيمها أي من الجهات المشار اليها في الفقرة (أ) من المادة (17) من هذا القانون . وهذه الجهات هي وزير الصناعة والتجارة بتنسيب من مدير مديرية المنافسة في الوزارة او بناء على طلب أي جهة رسمية اخرى ، والمؤسسات من القطاع الخاص وجمعيات حماية المستهلكين المرخصة ، وأي تجمع لخمسة مستهلكين متضررين على الاقل ، وغرف الصناعة والتجارة ، والجمعيات المهنية والنقابية ، والهيئات التنظيمية القطاعية .

ويشمل اختصاص المحكمة – وفقا لذات المادة – قضايا التعويض المترتبة على تلك المخالفات ويخصص للنظر في قضايا الممارسات المخلة بالمنافسة ضمن محكمة البداية المختصة قاض او اكثر من ذوي الاختصاص ممن تلقوا تدريبا خاصا على ان يتم تعيينهم بقرار من المجلس القضائي . كما يمثل النيابة العامة في قضايا المنافسة التي تقع ضمن اختصاص محكمة البداية مدع عام متخصص .

ووفقا للمادة 18 من القانون تصدر المحكمة بنتيجة المحاكمة قرارا يتضمن بصورة خاصة بيان مدى مخالفة الممارسات المعروضة عليها لاحكام القانون . والامر بازالة المخالفة ضمن مدة تحددها المحكمة او فرض شروط خاصة على المخالف في ممارسة نشاطه حسب مقتضى الحال . وايقاع العقوبة المقررة على المخالفين . وللمحكمة ان تامر بنشر قرارها او ملخص عنه على نفقة المخالف في صحيفتين يوميتين محليتين على الاقل . ويجب ان يتضمن نص القرار سردا للوقائع وتحليلا للممارسات وتاثيرها على سير اليات السوق وتوازنها وكذلك درجة خطورتها . كما يتخذ الوزير الاجراءات اللازمة التي تكفل تنفيذ قرارات المحكمة المتعلقة بالاوامر والشروط الخاصة لممارسة النشاط التي قد تفرضها المحكمة ، وتكون القرارات الصادرة عن المحكمة في القضايا المتعلقة بالمنافسة خاضعة للطعن لدى محكمة الاستئناف والتمييز .

6. دعاوى ومنازعات المنافسة غير المشروعة في القانون الاردني

بعد ان تبينا فيما تقدم المقصود بالمنافسة غير المشروعة وصورها وعلاقتها باطر الحماية القانونية الاخرى المقررة في التشريعات الاردنية ذات العلاقة ، ننتقل لبحث منازعات المنافسة غير المشروعة التي نظمها قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية ، وبالرجوع للقانون نجد ان كافة منازعات المنافسة غير المشروعة او لنقل اطار الحماية القانوني من انشطة المنافسة غير المشروعة قد جرى تنظيمه في مادة واحدة هي المادة الثالثة من هذا القانون والتي تنص على ما يلي :-

(( أ. لكل ذي مصلحة المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر نتيجة أي منافسة غير مشروعة .

ب. لصاحب المصلحة عند اقامة دعواه المدنية المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة او في اثناء النظر في هذه الدعوى ان يقدم طلبا الى المحكمة المختصة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات التالية :

1. وقف ممارسة تلك المنافسة .
2. الحجز التحفظي على المواد والمنتجات ذات العلاقة اينما وجدت .
3. المحافظة على الادلة ذات الصلة .
ج. 1. لصاحب المصلحة قبل اقامة دعواه ان يقدم طلبا الى المحكمة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات المنصوص عليها في الفقرة ب من هذه المادة دون تبليغ المستدعى ضده وللمحكمة اجابة طلبة اذا اثبت ايا مما يلي :

– ان المنافسة قد ارتكبت ضده .
– ان المنافسة اصبحت وشيكة الوقوع وقد تلحق ضررا يتعذر تداركه .
– انه يخشى من اختفاء الدليل على المنافسة او اتلافه .
2. اذا لم يقم صاحب المصلحة دعواه خلال ثمانية ايام من تاريخ اجابة المحكمة لطلبه فتعتبر جميع الاجراءات المتخذة بهذا الشان ملغاة .
3. وللمستدعى ضده ان يستانف قرار المحكمة باتخاذ الاجراءات التحفظية لدى محكمة الاستئناف خلال ثمانية ايام من تاريخ تبلغه او تفهمه له ويكون قرارها قطعيا .

4. للمستدعى ضده المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر اذا ثبت ان المستدعي غير محق في طلبه باتخاذ الاجراءات التحفظية او انه لم يقم دعواه خلال المدة المقررة في البند 2 من هذه الفقرة .
د. للمدعى عليه المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر اذا ثبت بنتيجة الدعوى ان المدعي غير محق في دعواه .

هـ. للمحكمة ان تستعين في جميع الاحوال بذوي الخبرة والاختصاص .
و. للمحكمة ان تقرر مصادرة المنتجات موضوع المنافسة غير المشروعة والمواد والادوات المستعملة فيها بصورة رئيسة وللمحكمة ان تقرر اتلاف أي منها او التصرف بها في أي غرض غير تجاري . ))

ووفقا لهذا النص فان دعوى المنافسة غير المشروعة الرئيسية هي دعوى التعويض عن الضرر الناجم عن المنافسة غير المشروعة ، كما يملك مدعي الحق التقدم بطلب اتخاذ اجراءات تحفظية سابق على دعواه المدنية الموضوعية او ضمنها ، كما يملك المتضرر من الاجراءات التحفظية ان تبين انها غير محقة ، وكذلك المدعى عليه في حال رد دعوى المدعي ، اقامة دعوى التعويض عن الضرر جراء النزاع الموضوعي والطلبات التحفظية.

6-1 دعوى التعويض عن الضرر جراء المنافسة غير المشروعة

الاساس القانوني لدعوى التعويض عن الضرر جراء المنافسة غير المشروعة

اشرنا في غير موضع مما تقدم الى ان الرأي الرجح في الفقه وفي القضاء يرى في دعوى المنافسة غير المشروعة انها دعوى مسؤولية عادية اساسها فعل المنافسة غير المشروع ، باعتبار ان الفعل غير المشروع يعتبر خطأ يلزم من ارتكبه بتعويض من لحقه ضرر من هذا الفعل وفقا للقواعد العامة في المسؤولية عن العمل غير المشروع .

غير ان البعض من الفقه لا يؤيد تأسيس دعوى المنافسة غير المشروعة على أحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع ، وانما حاول ان يجد لها اساسا قانونياً يتفق وطبيعتها الخاصة .

وعلى ذلك يذهب هذا البعض – كما سنرى تاليا – الى ان الاحكام العامة لدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع تقتضي لقيام المسؤولية توافر ثلاثة شروط ، هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، وان هذه الشروط وان كانت مطلوبة ايضا لتقرير المسؤولية في دعوى المنافسة غير المشروعة ، غير ان لها معنى قد يختلف في بعض الاحيان عن المعنى المطلوب في دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع ، حيث لا ينحصر حق المحكمة فقط في اقرار التعويض بل قد تقضي بوقف الاعتداء او تقييد الممارسة وهو ما يخرجها عن نطاق دعوى المسؤولية المدنية عن الفعل غير المشروع . ووفقا لهذه النتيجة فان هذا الجانب من الفقه سعى للتوصل الى اساس قانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة بعيدا عن المسؤولية المدنية ( التقصيرية ) ، وقد اختلف فيما بينه في تحديد ومضمون هذا الاساس .

فذهب جانب من الفقه الى ان اساس دعوى المنافسة غير المشروعة هو حماية ما يتمتع به التاجر من حق ملكية على متجره .

وعلى ذلك فان اي اعتداء على عناصر هذا الحق يعتبر منافسة غير مشروعة توجب المساءلة القانونية ، لان من شأن هذا الاعتداء تحويل عملاء المتجر وجذبهم الى غيره من المتاجر الى التي تزاول ذات النشاط . وعلى ذلك فان هذه الدعوى ، التي تهدف الى منع الاعتداء الذي وقع على المتجر في الماضي ومنع استمرار هذا الاعتداء في المستقبل ، اقرب الى دعوى الملكية منها الى دعوى المسؤولية المدنية ، فهي تقترب من دعوى الحيازة او من دعوى الاستحقاق التي تحمي حق الملكية على الاشياء المادية (93) .

ويذهب هذا الجانب من الفقه في تاييده لهذا الرأي ، الى ان دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع ، تقتضي وجود الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر في حين ان دعوى المنافسة غير المشروعة قد تثبت رغم عدم وجود خطأ او ضرر ، وفي بعض الاحيان يصعب اثبات العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، بل ويتعذر ذلك في بعض صور المنافسة غير المشروعة ، الامر الذي يباعد بين دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع ودعوى المنافسة غير المشروعة .

وفي رد الفقه الغالب على هذا الراي (94) ، يرون ان الرأي الذي لا يؤيد تأسيس دعوى المنافسة غير المشروعة على احكام المسؤولية عن العمل غير المشروع ، يستند الى ما يتمتع به مالك المتجر من حق ملكية على عملائه ، غير ان التاجر لا يتمتع بحق ملكية على عملائه بحيث يكون من حقه منعهم من التعامل مع التجار الاخرين او منع التجار من التعامل معهم ، وأن هؤلاء العملاء من حقهم اختيار من يتعاملون معه ، كما أن لهم الحق في الانصراف عنه الى غيره من التجار متى شاءوا .

ثم أن احكام القضاء لا تكتفي بمجرد الاعتداء على عنصر العملاء ، بل تستلزم ان يكون المعتدي قد ارتكب خطأ . كما أن المنافسة غير المشروعة قد تقوم دون أن يكون اعتداء حال مباشر على عنصر العملاء كما ولو قام تاجر بتحريض أحد العمال لترك العمل في متجر منافسه والالتحاق في متجره لمجرد الانتفاع بمهارته الفنية ، فهذا العمل يشكل منافسة غير مشروعه مع انه لا يعتبر اعتداء على عنصر العملاء بشكل مباشر .

واذا كانت دعوى المنافسة غير المشروعة تختلف في بعض احكامها عن دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع ، فان هذا الاختلاف لا يفيد انها دعوى عينية كما يرى البعض وان كانت في بعض الاحكام تقترب من الدعوى العينية (95) .

ويذهب جانب آخر من الفقهاء المنكرين لتاسيس الدعوى على المسؤولية التقصيرية الى ان دعوى المنافسة غير المشروعة ليست الا جزاء للتعسف في ممارسة حرية التجارة ، فاذا كانت المنافسة في ميدان النشاط التجاري تعد من الحقوق التي تقرها التشريعات التجارية ، لا سيما في الدول التي تأخذ بمبدأ الاقتصاد الحر ، غير ان هذا الحق يجب الا يكون مطلقا ، وانما له حدود لا يمكن ان يتعداها دون ان يمس حقوق التجار الاخرين الذين يمارسون ذا ت النشاط او دون ان يعد اعتداء على المصلحة العامة .

لذا تعتبر هذه الدعوى من قبيل الجزاء على التعسف في استعمال حق ممارسة التجاره ، فاذا قام التاجر بفعل يتنافى مع العادات والاصول الشريفة المرعية في المعاملات التجارية ، فانه يكون قد اساء استعمال حقه في ممارسة النشاط التجاري (96).

ويؤخذ على هذا الرأي ” أن احكام دعوى المنافسة غير المشروعة لا يمكن ان تعتبر تطبيقا لاي واحد من المعايير المأخوذ بها في نظرية التعسف في استعمال الحق ، ولا يمكن ان يصدق عليها اظهر معيار للتعسف في استعمال الحق وهو معيار قصد الاضرار ، وذلك لان قصد الاضرار بالغير يكمن في صميم كل منافسة ولو كانت منافسة مشروعة “(97) .

وعلى هذا لم تنجح مساعي جانب من الفقه لايجاد اساس لدعوى المنافسة غير المشروعة يخالف ما سارت عليه أحكام القضاء من تكيف دعوى المنافسة غير المشروعة بأنها دعوى مسؤولية عن العمل غير المشروع ، وهو الراي الذي استقر عليه غالبية فقه القانون التجاري المقارن ،

اما عربيا فاننا لم نجد في كافة مراجع القانون التجاري المعتمدة في بحثنا رايا يخالف هذا الراي او يشير الى من يخالفه، وتعدو المسالة بالنسبة لنا في الاردن وكذلك بالنسبة لمصر ، مجرد جدال نظري لم يعد له من وزن بعد ان حسم النص التشريعي هذا الخلاف ، فاذا ما رجعنا الى نص المادة 3/أ من قانون المنافسة غير المشروعة المبسوط في صدر هذا الفصل ، نجده يتحدث عن دعوى التعويض عن الضرر تكريسا لطبيعة هذه الدعوى واساها باعتبارها دعوى تعويض عن فعل غير مشروع ، ونجد هذا الاقرار التشريعي فيما قررته صراحة الفقرة الثانية من المادة 66 من قانون التجارة المصري الجديد لعام 1999 التي عكست ما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية بشان اساس وطبيعة هذه الدعوى وعلى نحو ما اوردناه في الفصل الاول من احكام في هذا الشان ، ، فقد جاء في النص المذكور :-

” كل منافسة غير مشروعة تلزم فاعلها بتعويض الضرر الناجم عنها وللمحكمة ان تقضي – فضلا عن التعويض – بازالة الضرر وبنشر ملخص الحكم على نفقة المحكوم عليه في احدى الصحف المحلية . ” وبذلك يوضح النص ان الحكم بالتعويض عن الفعل الضار او غير المشروع لا يمنع الحكم بازالة الضرر ونشر الحكم على نفقة المحكوم عليه .

وبالتالي تطبق على دعاوى المنافسة غير المشروعة احكام دعوى المسؤولية المدنية مع مراعاة طبيعتها الخاصة التي تجعل منها نوعا خاصا من دعاوى المسؤولية تختلف في بعض احكامها من دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع (98).

وهذه الطبيعة الخاصة تتأتى من طبيعة الحق الذي تهدف الى حمايته والذي يتطلب وجود منافسة بين تاجرين ، فاذا كان صحيحا أن دعوى المنافسة غير المشروعة كدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع تقتضي لقيام مسؤولية المدعى عليه ان يصدر من جانبه خطأ وأن يلحق بالمدعى ضرر وان تتوافر علاقة السبببية بين الخطأ والضرر ، فصحيح ايضا ان طبيعة الحق الذي تهدف الى حمايته دعوى المنافسة غير المشروعة يجعل من المتعذر تطبيق بعض الاحكام الخاصة بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع على دعوى المنافسة غير المشروعة ، فهذه الدعوى الاخيرة تهدف الى حماية عنصر الاتصال بالعملاء كمنقول معنوي له قيمته المالية .

ويقصد بهذا العنصر مجموعة الاشخاص الذين اعتادوا التعامل مع المتجر بصورة مستمرة ومتجددة ، سواء أكان ذلك بصورة دائمة بسبب المزايا التي يتمتع بها مستغل المتجر كمهارته او امانته او حسن معاملته للعملاء ، او بصورة عابرة بسبب بعض المزايا الخاصة بالمتجر ذاته كمظهره الخارجي او موقعه الذي يجلب اليه العملاء العابرين .

فطبيعة الحق الذي تهدف الى حمايته دعوى المنافسة غير المشروعة يجعل من المتعذر في بعض الاحيان تقدير قيمة الضرر على وجه الدقه والقطع ، ولذلك جرت المحاكم – كما تقدم – على تعويض جزافي لا يراعى في تحديده أن يساوي قيمة الضرر .

كما ان اثبات الضررمن جانب طالب التعويض عن فعل المنافسة غير المشروعة قد يصعب في بعض الاحيان ايضاً ، لذا فان المحاكم – كما سنرى – لا تتطلب اثبات الضرر الفعلي ، بل تستلخص وقوعه من قيام وقائع من شأنها عادة الحاق الضرر بالمدعي ، أضف الى ذلك أن المحاكم لا تشترط لرفع دعوى المنافسة غير المشروعة أن يكون الضرر محققا ، بأن يكون قد وقع فعلا اوسيقع حتماً ، انما تكتفي بمجرد احتمال وقوع الضرر . كما ان اثبات العلاقة السببية بين فعل المنافسة والضرر ليس بالامر اليسير في جميع صور المنافسة غير المشروعة ، الامر الذي اقتضى – كما سنرى – خروجا على بعض احكام القواعد العامة في هذا الشأن .

اما بالنسبة لشرط الخطأ فان هناك اختلاف في تحديد معنى الخطأ في دعوى المنافسة غير المشروعة عن المعنى المطلوب في دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع ، نظرا لاختلاف المعيار الذي يحتكم اليه في هذا الشأن . وقد استقر الرأي في الفقة وفي القضاء وجوب الاحتكام الى العادات المهنية المتبعة في التجارة لتحديد معنى الخطأ في دعوى المنافسة غير المشروعة ، وهي عادات تختلف من العادات المدنية التي يحتكم اليها لتحديد معنى الخطأ في دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع (99).

يتضح من كل مما تقدم ان دعوى المنافسة غير المشروعة نوع خاص من دعاوى المسؤولية تختلف في بعض احكامها اختلافا ظاهرا عن تلك التي تخضع لها دعوى المسؤولية المدنية عن العمل غير المشروع ، ومع ذلك فانها تخضع للقواعد العامة التي تحكم هذه الدعوى الاخيره في كل ما لا يتعارض مع الحق الذي تهدف الى حمايته (100).

واما عن اساس دعوى المسؤولية عن المنافسة غير المشروعة في الاردن ، فان النص مدار البحث يتفق مع الاساس القانوني المتقدم بيانه ، وبالتالي فان الاساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة في الاردن لا يختلف عن الاساس الذي اخذ به الرأي الغالب في الفقه وفي القضاء في تكيفه لهذه الدعوى بانها دعوى مسؤولية عن الفعل الضار تطبق عليها احكام هذه الدعوى مع مراعاة طبيعتها الخاصة التي تجعل منها نوعا خاصا من دعاوى المسؤولية تختلف في بعض احكامها عن دعوى المسؤولية عن الفعل الضار ، وذلك بالاستناد الى احكام القانون المدني الاردني والقوانين الخاصة التي تحكم عنصر المتجر في الاردن .

لكن وكما يعلم القانونيون في الاردن ، فان ثمة خلاف في اساس المسؤولية المدنية وعناصرها بين ما يقرره القانون المدني الاردني وبين ما تقرره القوانين المدنية العربية الاخرى ، فالمادة 256 من القانون المدني الاردني تنص على ان ” كل اضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضار ” ولا تشترط هذه المادة لقيام المسؤولية وقوع خطأ من جانب الفاعل وانا تكتفي بوقوع الفعل الضار ، مما يعني أن المنافسة التي تقع بين تاجرين اذا الحقت ضررا باحدهما ، فان التاجر الذي قام بفعل المنافسة يلزم بتعويض الضرر الذي لحق بالتاجر الاخر ، سواء اكانت الوسائل التي اتبعا التاجر مشروعة ام غير مشروعة .

لكن هذه النتيجة وبحق لا تتفق مع المادة 61 من القانون المدني الاردني التي تنص بقولها ” الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر “ فالتاجر الذي ينافس غيره من التجار بوسائل مشروعة لا يضمن ما ينتج عن ذلك من ضرر للتجار الاخرين ، لانه يستعمل حقه في منافسة غيره استعمالا مشروعا . فالمنافسة بين التجار تعد امراً ضروريا اذا كانت في اطارها السليم الذي تقرها جميع التشريعات والقول بغير ذلك يؤدي كما يرى بعضهم – بحق – الى موقف غريب ، فالقانون يقرر الحقوق للافراد من ناحية ثم يصادرها من ناحية اخرى باقامته المسؤولية اذا ادى استعمال الحق الى الحاق الضرر بالغير “(101) .

اضف الى ما تقدم ان قانون المنافسة غير المشروعة الذي يحكم هذه الدعوى في الاردن بوصفه قانونا خاصا ، نظم في المادة الثانية – السابق بحثها – الافعال التي يعد ارتكابها من قبيل المنافسة غير المشروعة ، وهذه الافعال هي الاخلالات التي تمثل ركن الخطأ المنشيء للمسؤولية ، ويشترط لقيام مسؤولية التاجر عن المنافسة غير المشروعة ارتكاب اي من الوسائل غير مشروعة في هذه المنافسة ، وفعل المنافسة غير المشروع يعد خطأ من جانب التاجر يعرضه للمساءلة القانونية اذا الحق هذا الفعل ضرراً بالتجار الاخرين وقامت العلاقة السببية بين هذا الفعل والضرر ، وهذه النتيجة تجعل وجوب توفر الخطأ امر لازم لقيام المسؤولية التي تنشيء الحق في التعويض ، ولهذا ،

وبراينا فان التنظيم الخاص لدعوى المنافسة غير المشروعة ، وطبيعة المسؤولية مدار البحث ، تجعل من هذه الدعوى تطبيقا خاصا لدعاوى المسؤولية التقصيرية تخرج في نطاقها عن الاطار المقرر في المادة 256 من القانون المدني فيما يتعلق بشرط الخطأ تحديدا .

شروط الدعوى والمحكمة المختصة بنظرها

لما كانت دعوى المنافسة غير المشروعة تستند الى ذات الاساس الذي تقوم عليه دعوى المسئولية التقصيرية فان شروط ممارسة الدعويين واحدة ، وعلى ذلك يتعين ان يقوم الشخص بعمل من اعمال المنافسة غير المشروعة ، وان يترتب على هذا العمل ضرر للغير وان توجد علاقة سببية بين الضرر والعمل غير المشروع الذى اتاه المنافس (102).

الشرط الاول :- ارتكاب عمل من اعمال المنافسة غير المشروعة ( الخطأ )
وهذا الشرط يستوجب – كما يتفق الفقه (103) – ان تقوم حالة المنافسة ، وان تحصل هذه المنافسة باعمال غير مشروعة .
ويستوجب قيام حالة المنافسة توفر شروط معينة .

فمن ناحية لا يكون العمل من اعمال المنافسة الا اذا كان حاصلا لمصلحة نشاط على حساب نشاط اخر وهو ما يستوجب وجود النشاطين وقت القيام بالعمل ، وعلى ذلك اذا سعى شخص الى صرف بعض العملاء عن المحل التجارى الذي اعتادوا التعامل معه دون ان يكون له نشاط يمارسه ويريد اجتذاب هؤلاء العملاء اليه فلا توجد حالة المنافسة ذلك انه ولما كان المقصود من المنافسة غير المشروعة اجتذاب العملاء الذين اعتادوا التعامل مع محل اخر فلا توجد المنافسة اذا لم يكن هناك تاثير على العملاء ، كما اذا كان احد المحلين يتجر في سلعة مختلفة عن السلعة التي يتجر فيها المحل الاخر فلا يتصور قيام المنافسة في هذه الحالة لعدم اجتذاب عملاء على الاطلاق ، لانه لا مانع من ان يكون عملاء احدى التجارتين هم عملاء التجارة الاخرى .

في حين توجد المنافسة اذا كانت التجارتان متماثلتين ، لان العملاء يمكنهم الاستغناء باحدى التجارتين عن الاخرى ، كما يكون تحويل بعض العملاء من التعامل مع محل تجارى الى محل اخر من قبيل المنافسة غير المشروعة .

لكن لا يشترط ان يكون التماثل كاملا بين النشاطين ، بل يكفي ان يكون النشاطان متقاربين بحيث يمكن لاحدهما تأثير في عملاء الاخر ، كما اذا كان احد المحلين عبارة عن مصنع لانتاج وبيع سلعة معينة وكان الاخر عبارة عن محل للاتجار في هذه السلعة (104).

كذلك لا يشترط لوجود المنافسة ان يتعلق التماثل بمجموع النشاط الذى يقوم به كل واحد من الطرفين فلا مانع من ان يكون النشاط الذى يمارسه احدهما اكثر تنوعاً من النشاط الذى يمارسة الاخر . ومع ذلك توجد المنافسة بصدد نوع النشاط المشترك بينهما على اعتبار ان هناك تمائلا بالنسبة لقدر ادنى من النشاط المشترك الذى يقوم به الطرفان ، من ذلك ان المنافسة غير المشروعة توجد بين المحلات الكبيرة والمحلات الصغيرة بالنسبة لنوع النشاط المشترك بينهما بالرغم من ان المحلات الكبيرة تمارس اوجه نشاط اخرى مختلفة(105).

اما العنصر الثاني للشرط الاول ، فهو وجوب ان تقوم او تتم حالة المنافسة عن طريق اعمال غير مشروعة تنطوى على مخالفة القوانين او اللوائح او اعمال تتضمن الاخلال بالنزاهة والشرف، وهي الاعمال التي بحثناها تفصيلا لدى تناول صور المنافسة غير المشروعة وعرضنا فيها تقسيمات الفقه للاعمال غير المشروعة ، وما قرره قانون المنافسة غير المشروعة الاردني بشانها ، ولا نعود لتكرار هذا البحث ، ونحيل القاريء الكريم الى المبحث الاول من الفصل الاول الذي عرضنا فيه هذا الموضوع على نحو تفصيلي .

واذا كان يشترط لرفع دعوى المنافسة غير المشروعة ان يكون المدعى عليه قد اتى افعالا من شأنها التاثير في عملاء محل اخر او اجتذابهم ، فقد ثار السؤال لمعرفة ما ذا كان يشترط ان يكون المدعى عليه سئ النية ، ام يكفي ان يكون قد قام بعمل من اعمال المنافسة غير المشروعة ولو لم تكن لديه نية الاضرار بمنافسه .

وقد استقر القضاء الفرنسي (106) في اول الامر على انه لا محل لاعتبار العمل من قبيل المنافسة غير المشروعة اذا لم يكن الشخص الذى قام به سئ النيه لان الغاية من المنافسة احراز التفوق ولو على حساب المنافس الاخر ، وهو ما ينطوى على قصد الاضرار به ، غير ان القضاء عدل عن ذلك وحجته في هذا الشأن ان دعوى المنافسة غير المشروعة تستند الى قواعد المسئولية المدنية (107) .

فاذا نتجت المنافسة من الاخلال باحكام العقد فان قواعد المسئولية التعاقدية هى التى تسرى ، واذا نتجت المنافسة من الفعل الضار دون اخلال بالتزام تعاقدى سابق ، فان احكام المسؤولية التقصيرية هى التى تسرى ، وسواء طبقت قواعد المسؤولية التعاقدية او المسئولية التقصيرية ، فمن المقرر ان المسئولية تترتب عند وقوع الخطأ بصرف النظر عما اذا كان هذا الخطأ متعمدا او مجرد اهمال ، لذلك لا محل للتفرقة بين الخطأ الذى يولد عن سوء النية لدى المتنافس وبين مجرد الاهمال الذى لا يتضمن قصد الاضرار ما دام ان هذه الدعوى تستند الى ذات الاساس الذي تستند اله دعوى المسئولية المدنية بصفة عامة.

وعلى ذلك تكون المنافسة غير المشروعة هى التى تنتج من اعمال استقر العمل في الحياة التجارية على اعتبارها اعمالا غير مشروعة ، واذا كان صحيحا ان اتيان هذه الاعمال يكشف في اغلب الاحيان عن سوء قصد من اتاها ، غير ان البحث عن ذلك ليس له اهمية في تقدير العمل او تطبيق الجزاء الذى يترتب عليه ، متى ثبت ان العمل من اعمال المنافسة غير المشروعة .

الشرط الثاني :- حصول الضرر جراء المنافسة غير المشروعة .
تهدف دعوى المسئولية المدنية الى تعويض الضرر الذى اصاب المضار ، ولذلك يعتبر الضرر شرطا لازما للحكم بالتعويض ، وقد اشرنا اعلاه الى ان الرأي السائد في الفقه والقضاء المقارن يذهب الى ان دعوى المنافسة غير المشروعة تستند الى نفس الاساس الذى يقوم عليه دعوى المسئولية المدنية ، ولذلك فان كثيرا من احكام القضاء ( التي سبق ايرادها بعضها اعلاه ) تعتبر الضرر شرطا من الشروط الموضوعية اللازمة للمسئولية في حالة المنافسة غير المشروعة ، غير ان هذه الاحكام لا تتشدد في تقدير الضرر اللازم فلا تستوجب ان يكون ماديا بل يمكن ان يكون ادبيا كما انها لا تستلزم ان يكون الضرر حالا بل يمكن ان يكون مسقبلا ، كذلك لا اهمية لما اذا كان الضرر كبيرا او صغيراً بل يوجد الضرر ولو كان تافها .

ومع ذلك فقد ذهبت احكام قضائية مقارنة اخرى الى ان دعوى المنافسة غير المشروعة لا تتوقف على وجود الضرر ، كما اذا كان من شأن العمل الذى قام به التاجر المنافس احداث الخلط بين محله التجارى ومحل اخر مملوك لمنافسة ، ففي هذه الحالة لا يشترط حصول ضرر لمن يتأذى من هذا العمل ، بل يكون له في كل الاحوال ان يطلب من القضاء ازالة العمل الذى تسبب في احداث الخلط دون ان يتوقف ذلك على اثبات ان ضرراً ما قد اصابه . وبالمثل يحصل ان يكون من شأن اعمال المنافسة احداث اضطراب عام في السوق يتأذى منه التجار الذين يتجرون في سلعة معينة دون ان يترتب على هذه الاعمال اجتذاب عملاء محل معين ، ففي هذه الحالة يكون لكل تاجر ان يرفع دعوى المنافسة غير المشروعة لاجبار المنافس على الكف عن اعمال المنافسة غير المشروعة دون ان يكلف باثبات اي ضرر .

ولذلك ذهب البعض الى انه يكفى ان يكون الضرر محتمل الوقوع (108).
غير ان بعض الشراح يرى بحق انه لا محل للخلط بين دعوى المنافسة غير المشروعة ودعوى المسئولية المدنية وان كانت الدعويان متجاورتين ، فدعوى المسئولية المدنية تهدف الى تعويض الضرر فحسب ، في حين ان دعوى المنافسة غير المشروعة لا تقتصر على تعويض الضرر ان وجد ، ولكنها تهدف ايضا الى حماية التجارة من اعمال المنافسة غير المشروعة بالنسبة الى المستقبل كذلك يجوز رفع دعوى المنافسة غير المشروعة ولو لم يكن هناك اى ضرر اصاب التاجر اذا كان يخشى من وقوع هذا الضرر في المستقبل . ولذلك تكون دعوى المنافسة غير المشروعة وظيفة وقائية الى جانب وظيفتها المتعلقة بتعويض الضرر ، ويكون للقاضي فى احوال ان يحكم بالكف عن الاستمرار في اعمال المنافسة ، لكن لا يكون للمدعى طلب التعويضات الا اذا اثبت ان ضرراً ما قد اصابه وبالقدر اللازم لجبر هذا الضرر .

وعلى ذلك يكون الضرر شرطا لطلب التعويض ولكنه لا يلزم لتأسيس دعوى المنافسة غير المشروعة في حال طلب وقف التعدي (109).

الشرط الثالث :- رابطة السببية :
يشترط في المسئولية المدنية ان توجد رابطة سببية بين الخطأ والضرر . فما دام ان دعوى المنافسة غير المشروعة تستند الى نفس الاساس الذى تقوم عليه دعوى المسئولية المدنية ، لذلك يجب ان تقوم رابطة السببية بين افعال المنافسة غير المشروعة والضرر الذى اصاب المدعى .

غير انه توجد حالات لا يترتب فيها على اعمال المنافسة غير المشروعة اى ضرر للمدعى بحيث يكون المقصود من دعوى المنافسة الحكم بازالة الوضع غير المشروع بالنسبة الى المستقبل ، وفى هذه الحالات تفترق دعوى المنافسة غير المشروعة عن دعوى المسئولية المدنية التى يكون الغرض منها تعويض الضرر . لذلك لا يكون هناك محل للكلام عن رابطة السببية في دعوى المنافسة غير المشروعة الا في الحالات التى نشأ فيها للمدعى ضرر من الاعمال غير المشروعة .

احكام دعوى المنافسة غير المشروعة :-
تقام دعوى المنافسة غير المشروعة بموضوع التعويض عن الضرر جراء المنافسة امام المحكمة المختصة ، وهي وفق القانون الاردني المحكمة المختصة تبعا لقيمة المطالبة موضوع الدعوى ، وفي الغالب يتصور ان تكون محكمة البداية هي المختصة باعتبار ان مثل هذه الدعاوى تتجاوز الاضرار فيها الحد الاعلى المقرر لاختصاص محكمة الصلح القيمي ( ثلاثة آلاف دينار) .
ومتى ما تحققت المحكمة من قيام المنافسة وتبينت وقع الاعمال غير المشروعة من احد الجانبين على الجانب الاخر فانها تقضي بتعويض المضرور عما اصابه من ضرر مادي ومعنوي جراء المنافسة ، ويخضع تقدير الضرر وعناصره للاحكام العامة المقررة في المواد 266 (110) و 267 (111) من القانون المدني الاردني .

وللمحكمة سندا لحكم الفقرة (و) من المادة 3 من قانون المنافسة غير المشروعة ” ان تقرر بنتيجة الحكم مصادرة المنتجات موضوع المنافسة غير المشروعة والمواد والادوات المستعملة فيها بصورة رئيسة ، وللمحكمة ان تقرر اتلاف أي منها او التصرف بها في أي غرض غير تجاري ” ، ومن المعروف ان المصادرة – بوجه عام – تتعلق بالمواد الجزائية في معرض ايقاع المسؤولية عن افعال جرمية استخدم في ارتكابها ادوات جرمية ، غير ان الخروج عن هذا الاصل يرجع الى ان المنافسة غير المشروعة في احوال العلامات التجارية وبيانات البضاعة غير الصحيحة تنطوي على وجود منتجات او ادوات انتاج او عدد او نحو ذلك ، كما في حالة البضائع الموسومة بعلامة تحدث اللبس او بيان يضلل الجمهوزر ، فان هذه المواد لا يمكن ابقاؤها وبنفس الوقت هي ليست حقا للمدعي ، وبالتالي فان الطبيعة القانونية تطلب اجازة المصادرة والاتلاف متى ما قامت المسؤولية .

كما منح قانون التجارة المصري ( السابق بيان حكم المادة 66 منه ) للمحكمة حق الحكم بازالة التعدي ونشر القرار في صحيفة محلية على نفقة المحكوم عليه .

وحيث اجازت المادة 3 للمدعي طلب اجراءات تحفظية من ضمنها وقف التعدي والحجز ، فان اقرار المسؤولية قد يستتبع تثبيت الاجراء كجزء من الحكم الموضوعي ، وحيث سنقف على الاجراءات التحفظية في المبحث التالي فاننا نترك مسائلها لذلك المقام منعا للتكرار .

بقي ان نشير هنا ان الواقع العملي لنزاعات المنافسة غير المشروعة اظهر مشكلات عملية حقيقة تتمثل ابتداء في انطواء بعض صور النزاع على جانب فني بشان مدى قيام حالة التنافس غير المشروع من عدمه ، كما في حالة البت بوجود تشابه في العلامات التجارية واستخدام لها على نحو يحدث اللبس ، وبالرغم من ان قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني يتيح للمحكمة اللجوء للخبرة في كل نزاع بشان المسائل الفنية التي يتطلب راي اهل الفن والخبرة فيها ، فان قانون المنافسة غير المشروعة قد كرس هذه الصلاحية في الفقرة (هـ) من المادة 3 مدار البحث بقولها ” للمحكمة ان تستعين في جميع الاحوال بذوي الخبرة والاختصاص ” وهذا التاكيد على صلاحية هي اصلا موجودة يبرره اهمية الخبرة في هكذا نوع من الدعاوى ، بل لا نبالغ ان قلنا ان الخبرة تعد الركيزة الاساسية ، لا لبيان التعويض فقط – رغم صعوبته على نحو ما سياتي – ولكن لبيان موقف اهل الخبرة من المسائل الفنية المتصلة بقيام حالة المنافسة غير المشروعة ابتداء .

واما المسالة لاخرى التي تعترض دعاوى التعويضات فتتمثل بصعوبة تقدير قيمة الضرر ، وتستعين المحكمة في ذلك باهل الخبرة . ولا تقضى المحكمة بالتعويض الا عن الضرر الذى وقع بالفعل حتى صدور الحكم فى الدعوى . ويكون استمرار الشخص فى القيام باعمال المنافسة غير المشروعة بعد صدور الحكم عليه فى دعوى المنافسة خطأ جديد من جانبه يستوجب تعويض الضرر الذي ينشأ عنه المضار .

6-2 الطلبات التحفظية.
ما هي الطلبات الوقتية التي يملك المدعي طلبها من المحكمة وهو بصدد دعوى منافسة غير مشروعة ( المطلب الاول ) وهل ثمة اختلاف بين هذه الطلبات التحفظية او قيود ترد عليها من حيث الاجراءات والمتطلبات غير المقررة بشان الطلبات المستعجلة ، وماذا عن الطعن بها ( المطلب الثاني).

الطلبات التحفظية المتاحة في دعاوى المنافسة غير المشروعة .

تقرر الفقرة (ب) من المادة 3 من قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية الاردني ان لصاحب المصلحة عند اقامة دعواه المدنية المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة او في اثناء النظر في هذه الدعوى ان يقدم طلبا الى المحكمة المختصة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات التالية :

1. وقف ممارسة تلك المنافسة .
2. الحجز التحفظي على المواد والمنتجات ذات العلاقة اينما وجدت .
3. المحافظة على الادلة ذات الصلة .
وسندا لهذا النص ، فان الاجراء التحفظي الذي يملكه المدعي يتمثل بواحد من ثلاث اجراءات ، فقد يتقدم بطلب ( سنقف على شروطه وممتطلباته تاليا ) يطلب فيه وقف الممارسة غير المشروعة ، وقد يطلب الحجز التحفظي على المواد والمنتجات ذات العلاقة اينما وجدت ، وقد يطلب اجراءت تهدف الى المحافظة على الادلة ذات الصلة .

اما طلب وقف المنافسة غير المشروعة ، فمثله ان يطلب وقف المدعى عليه من بيع المنتجات التي تحدث اللبس مع منتجات المدعي ، او البضائع والخدمات التي تنطوي وتتضمن ادعاءات وبيانات من شانها تضليل الجمهور ، او وقف استخدام العلامة التجارية المشابهة او انتاج مواد تحملها .

وهذا الطلب يثير مشكلات جمة ، اهمها واولها ان دعوى المدعي الموضعية سترتكز على وجود منافسة غير مشروعة ، وسيقدم على حصول فعل المنافسة غير المشروعة بيناته ، فكيف يمكن للقاضي ( قاضي الامور المستعجلة ان كان الطلب مستقلا قبل الدعهوى او حتى معها قبل دعوة الخصم ، وقاضي الموضوع ان كان قدم الطلب خلال الدعوى ) ان يقضي بوقف الممارسة كاجراء وقتي دون ان يدخل في صلب الموضوع او يطال ويمس اصل الحق ؟؟

واما طلب الحجز التحفظي ، فانه لا يصل الى وقف الانتاج او منع تقديم الخدمة ، لكنه يمتد الى طلب حجز البضائع والمواد وادوات الانتاج التي تستخدم في افعال المنافسة غير المشروعة ، وهو كاجراء قضائي مستعجل وتحفظي يخضع لما يخضع له الحجز التحفظي من احكام مقررة في قانون اصول المحاكمات المدنية ، لكن السؤال الصعب ، اليس الحجز التحفظي عادة يكون بصدد ادعاءات بحقوق محددة المقدار ثابتة اقرب ما تكون لاحتمال الحكم بشانها لصالح مدعيها ، فكيف يكون ذلك في حالة المنافسة غير المشروعة التي تنطوي ابتداء على منازعة حول ما اذا نافس فلان فلان وما اذا كانت المنافسة اصلا غير مشروعة ؟؟ اليس المنافسة كفعل ضار او غير مشروع تتطلب ثبوت الفعل الضار ؟؟ اليس مثل هذا الثبوت يتجاوز ظاهر البينة التي يعتمد عليها القاضي عادة في اقرار الحجز التحفظي او رفضه ؟؟ الا يتطلب اقتحام البينة وترجيحها والدخول في صلب الموضوع ؟؟ هل هذا مما يملكه قاضي الامور المستعجلة ؟؟

واما الطلب الثالث فانه يتحدد من حيث محتواه تبعا لكل حالة على حده ، والفرض ان ثمة هناك ادلة على وجود حالة منافسة غير مشروعة يخشى ان لا تكون متوفرة في وقت نظر القاضي بينات الاطراف ، فيهدف الطلب الى حفظ هذه الادلة ، كالاستماع لشاهد يخشى تغيبه او اجراء كشف اثبات حالة او نحوه .

التساؤلات المتقدمة حول الاجراءت التحفظية وغيرها هي ما ستكون مدار بحث في المطلب التالي في معرض تناول اجراءات ومتطلبات الطلبات التحفظية . .

اجراءات ومتطلبات الطلبات التحفظية في دعاوى المنافسة غير المشروعة والطعن بها .

بالرجوع الى نص الفقرة ج/ 1 من المادة 3 مدار البحث نجدها تنص على انه ” لصاحب المصلحة قبل اقامة دعواه ان يقدم طلبا الى المحكمة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات المنصوص عليها في الفقرة ب من هذه المادة دون تبليغ المستدعى ضده وللمحكمة اجابة طلبة اذا اثبت ايا مما يلي :

– ان المنافسة قد ارتكبت ضده .
– ان المنافسة اصبحت وشيكة الوقوع وقد تلحق ضررا يتعذر تداركه .
– انه يخشى من اختفاء الدليل على المنافسة او اتلافه .
ونقف امام عبارة اذا اثبت ، لنسال سؤالا بديهيا وابتدائيا ، هل يملك قاضي الأمور المستعجلة إصدار قرار بالإجراء المستعجل في دعوى المنافسة غير المشروعة دون ثبوت حالة المنافسة غير المشروعة في حدود ما قرره نص المادة 3 من القانون ؟؟ وهل ورود هذه العبارة في الفقرة ( ج ) يجعلها متطلبة ايضا عندما يقدم الطلب وفقا للفقرة ب ( اي ضمن الدعوى وليس سابقا لها ومستقلا عنها )

الأصل التنافس الحر المشروع بين المنشِآت التجارية والصناعية وتقييدها باي اجراء وقتي او مستعجل لا مكان له دون ثبوت حالة التنافس غير المشروع ..

ان النظام القانوني للمنافسة والأسرار التجارية ، ينطوي على خصائص مميزة ، سواء في تحديده للمفاهيم او تبيانه لنطاق وموجب القواعد التي تحكم موضوعاته ( كما في المادة 2 التي حرصت على تبيان ماهية الممارسات غير المشروعة ) ، وهو تشريع يوصف بانه اداة تكريس معيار التوازن بين الحق في العمل والاستثمار والاتجار الحر ، وبين وجوب الممارسة المشروعة والعادلة لحماية قواعد السوق وحماية مؤسساته وحماية المستهلك معا (112) ، والامثلة على هذا الدور كثيرة ليس المقام عرضها ، وما يعنينا من بينها ، ان القانون كان حريصا على تقييد الاجراءات الوقتية المستعجلة بقيد موضوعي هام ، وهو ثبوت اي من الصور المحددة حصرا لغايات تبرير الاجراء الوقتي ، وعند عدم ثبوتها ، ينتفي اساس القرار بالاجراء الوقتي كوقف الممارسة او الحجز التحفظي .

فوفق صريح النص ، ولخصوصية منازعات المنافسة ، فان الاجراء الوقتي التحفظي لا يتحقق وجوده ، دون ثبوت اي من الحالات الثلاثة المحددة حصرا في الفقرة ج/1 المتقدمة ، فالمنافسة- المبررة لإجراء مستعجل – يتعين :-
ان يثبت ارتكابها .

او يثبت انها أصبحت وشيكة الوقوع مع احتمال حصول الضرر غير القابل للجبر.
او ان واقعة دعوى المنافسة تقوم على دليل يخشى اختفاؤه ،
وهي ليست مجرد حالات يتصورها القاضي في حدود لائحة الدعوى او يقدر هو انها متحققة ، بل انها ووفق صريح النص يتعين ثبوتها ، واشتراط (ثبوتها) يعني توفر بينات صالحة تظهرها وان القاضي وقف على هذه البينات ، ومن باب اولى انه استند الى توفر اية حالة ليصدر قراره المستعجل فان لم يتصد القرار لذلك كان منطويا على مخالفة صريحة للنص.

ومرد هذا القيد على الإجراءات الوقتية في هكذا دعاوى ، مبررات تتفق مع طبيعة منازعات المنافسة غير المشروعة ومع دور التشريع في تنظيم المنافسة ، والاهم الخشية من تحول التشريع نفسه اداة لهدر قواعد التنافس الحر الشريف ، وتحوله اداة في يد من يهدف الى تعطيل المنشآت المنافسة دون حق .

فمسائل المنافسة غير المشروعة ذاتها ، اقوال واقوال مضادة لا تحسم الا في ظل قضاء موضوعي يحكمها ويزنها ويدقق فيها على نحو عميق ومحكم ، لان اية مؤسسة ناجحة ستجد الكثير من الحاسدين والحاقدين الذين لا يتورعون عن قول ما يريدون وربما اصطناع ما يرونه مناسبا للطعن في المنشأة المنافسة ، ولادراك المشرع مبلغ الكيد في هكذا منازعات ، والحاجة الى الاحتكام لقضاء يحسم المسائل المثارة ، وادراكه ايضا ان المنافسة غير المشروعة حتى عند تحققها مما يزول اثرها بالحكم القضائي الموضوعي الذي ينهي المنافسة غير المشروعة ، فقد ضيق الإجراءات الوقتية وقيدها .

وفي هذا الصدد ، ومما يعزز وجوب تبيان الاسانيد وتعليل الحكم المستعجل على نحو خاص في دعاوى المنافسة غير المشروعة ، ان المادة 2 من ذات القانون الذي اعتمد عليه في اصدار القرار المستأنف ( قانون المنافسة غير المشروعة ) حددت المراد بالمنافسة غير المشروعة وبينت حالاتها ، فجاء فيها :-
((يعتبر عملا من اعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية او التجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي .. ))
ويستفاد من هذا التحديد ان القول بقيام او تخلف حالة المنافسة غير المشروعة ، والحكم باي من الإجراءات الوقتية او التحفظية تبعا لها ، يستلزم تبين حالة المنافسة غير المشروعة ذاتها ، ولا يتم التبين هذا بغير طريق التوضيح لمصدره ، وبغير وسيلة التعليل والتسبيب للقول به .

شرائط القرار المستعجل بوجه عام وتطلب عدم مساسه بالحق بشكل خاص
ان القضاء المستعجل يحظر عليه وهو بصدد ولايته ودوره ان يطال في قراراته اصل الحق او يقضي بما يعد حكما في الموضوع او فصلا في الدعوى. وفي ذلك قضت محكمة الاستئناف بقرارها رقم 205/2001 تاريخ 18/9/2001 ان :-

(( مسالة وقف تنفيذ القضية الاجرائية تسند الى مقولة مفادها ان التبليغات التي حررت بها باطلة ، وهي ذات الواقعة التي ترتكز عليها الدعوى الموضوعية مما يعني ان البحث بها يستلزم المساس بالموضوع الذي لا يملك قضاؤنا المستعجل التصدي له )))

كما ان دعوى المنافسة غير المشروعة لا يمكن في ضوء موجب النص القانوني التثبت من حالة المنافسة فيها دون الوقوف على البينات ووزنها وترجيحها ، وفي هذا خروج من نطاق اختصاص القضاء المستعجل وتعد على اختصاص القضاء العادي (113).

ان القرارات المستعجلة ، وايا كان موضوعها ، تقوم ، وفق ما استقر عليه القضاء و سندا للقانون وما استقر عليه الفقه ، الاردني والمقارن ، على ثلاثة شروط أساسية مجتمعة ، لا تقوم ان تخلف اي شرط منها ، وهي :- شرط الاستعجال . وشرط عدم المساس باصل الحق . وشرط التقيد بقواعد الاختصاص الولائي (114) .

ومما قضت به محكمة الاستئناف الاردنية بشان شرط الاستعجال انه :- (( يشترط لاختصاص قاضي الامور المستعجلة بنظر دعوى الكشف المستعجل لاثبات الحالة المنصوص عليها في المادة 3/32 من قانون اصول المحاكمات المدنية الخوف من فقد وضياع معالم واقعه يحتمل ان تكون محل نزاع امام القضاء فان كانت لا تتغير حالها اثناء رؤية الدعوى فانها تخرج عن اختصاص قاضي الامور المستعجلة .

والاستعجال هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده . فان فقد الطلب صفة الاستعجال صار قاضي الامور المستعجلة غير مختص نوعياً للنظر بالطلب .ويجب ان يكون قرار قاضي الامور المستعجلة معللاً ومسبباً ومذكوراً به مدى توافر ركن الاستعجال من عدمه بناء على قناعته المتاتية من استعراضه لظاهر الاوراق والمستندات . (115)

ومما قضت به ايضا بشان عدم جواز المساس باصل الحق :- (( يحكم قاضي الامور المستعجلة مع عدم المساس باصل الحق في عدة امور منها الكشف المستعجل لاثبات الحالة وفي اي مسالة من المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بحسب احكام المادة 32 من قانون الاصول المدنية .

اذا كان الطلب يمس اصل الحق فان على قاضي الامور المستعجلة اصدار القرار برد الطلب لعدم الاختصاص وليس رفض الطلب ثبوت الحالات الموجبة للطلب التحفظي تنسحب على نوعيه
يثور التساؤل بشان ما اذا كانت الفقرة ج/1 من المادة 3 تغاير في حكمها – من حيث تطلب ثبوت اي من الحالات الثلاث الواردة فيها لغايات الطلب التحفظي – ما هو مقرر في الفقرة ب من ذات المادة التي لم تنص على هذه الحالات رغم ان كلتا الفقرتين تتعلقان بتقديم طلب تحفظي ، الاولى منهما (الفقرة ب) تتحدث عن الطلب التحفظي ضمن الدعوى الموضوعية ، اما الثانية (ج/1) فتتعلق الطلب السابق للدعوى والمستقل عنها .

ولتوضيح الفكرة هنا ، فان الفقرة (ب ) من المادة 3 مدار البحث تنص على انه ” لصاحب المصلحة عند اقامة دعواه المدنية المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة او في اثناء النظر في هذه الدعوى ان يقدم طلبا الى المحكمة المختصة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات التالية : 1. وقف ممارسة تلك المنافسة .

2. الحجز التحفظي على المواد والمنتجات ذات العلاقة اينما وجدت .

3. المحافظة على الادلة ذات الصلة .” في حين تنص الفقرة ج/1 من ذات المادة على انه :- ” لصاحب المصلحة قبل اقامة دعواه ان يقدم طلبا الى المحكمة مشفوعا بكفالة مصرفية او نقدية تقبلها لاتخاذ أي من الاجراءات المنصوص عليها في الفقرة ب من هذه المادة دون تبليغ المستدعى ضده وللمحكمة اجابة طلبة اذا اثبت ايا مما يلي : ان المنافسة قد ارتكبت ضده .

ان المنافسة اصبحت وشيكة الوقوع وقد تلحق ضررا يتعذر تداركه . انه يخشى من اختفاء الدليل على المنافسة او اتلافه .”
والملاحظ على هذين النصين ان الفقرة ب التي اجازت الاجراء التحفظي عند اقامة الدعوى او خلال نظرها لم تتطلب ثبوت الحالات الثلاث التي اوردتها الفقرة ج الباحثة في الطلب التحفظي السابق على الدعوى .

وهذا الوضع يحتمل تفسيرين ، الاول ان هناك فعلا اختلاف بين الفرضين ، ففي حالة تقديم الطلب التحفظي مستقلا عن الدعوى وسابق لها ، فانه يشترط تقديم بيناته ولهذا فان القاضي سينظر في البينة الخطية والشخصية بل قد يجري بينة فنية من اجل التوصل الى ما يطلبه نص الفقرة ج / 1 وهو ان يثبت ان المنافسة غير المشروعة قد ارتكبت او انها وشيكة الحدوث او ان الدليل اصبح في خطر ويخشى زواله . في حين ان الطلب المقدم على ذمة الدعوى وضمن لائحتها او خلال نظرها يكون جزءا من الادعاء المقدم عليه كامل البينة ، فالقاضي في هذا الفرض ينظر ظاهر الاوراق ويتخذ قراره بشانها .

اما التفسير الثاني ، ففيه يكون المطلوب في الحالتين ان لا يصدر القاضي قراره بشان الاجراء التحفظي الا بعد ان يتثبت من تتوفر اي من الحالات المنصوص عليها في الفقرة ج /1 ، بمعنى ان القاضي وسواء نظر الطلب سابقا على الادعاء الموضوعي او معه ، فان عليه ان ينظر في البينة للتوثق مما اذا ثبت فعلا اي من الحلات الثلاث ، واساس هذا التفسير اننا في الحالتين امام نفس الاجراء التحفظي ، فلا يعقل ان يسمح للقاضي مرة ان يصدر فيه قرار دون ان يتثبت من توفر اي من مبرراته ، وهي الحالات المنصوص عليها في الفقرة ج ، في حين انه في الحالة الاخرى ملزم بهذا التثبت ، فالاجراء واحد ومتطلبات الاجراء الواحد تنطبق عليه ولا وجه او مبرر او موجب للتفريق بينهما .
ونحن اذ نقف مع الراي الثاني فلانه يتفق مع طبيعة الامور وطرائق التفسير التي تابى ان يكون للقرار التحفظي ذاته منهجين في التعامل ، لا لشيء فقط الا لان طالبه قدمه مرة بشكل مستقل عن الدعوى وفي الثانية قدمه مع الدعوى ، فهو في الحاليتن اجراء واحد يستند الى واقعة واحدة ويسنده سبب واحد .

الطعن في القرار التحفظي

تنص الفقرة ج/3 من المادة 3 مدار البحث على انه ” وللمستدعى ضده ان يستانف قرار المحكمة باتخاذ الاجراءات التحفظية لدى محكمة الاستئناف خلال ثمانية ايام من تاريخ تبلغه او تفهمه له ويكون قرارها قطعيا ”
وبالتالي فان القرار التحفظي – شانه شان بقية القرارات المستعجلة – قابل للاستئناف لدى محكمة الاستئناف خلال ثمانية ايام من تاريخ تبلغه . ومتى ما اصدرت محكمة الاستئناف حكمها في الطلب اصبح القرار قطعيا لا يقبل الطعن بالتمييز .

ولكن يثور تساؤل هام في هذا المقام . هل يقبل القرار الصادر عن الاستئناف الطعن بالتمييز بعد الحصول على اذن على مقتضى الحكم الذي يقرره قانون الاصول المدنية بعد تعديله عندما اجاز الطعن في القرارات المستعجلة بموجب اذن خطي من رئيس محكمة التمييز .

اننا نرى ان ما يحكم الدعوى وما يحكم اصدار كافة القرارات فيها هو قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية . وهذا القانون قانون خاص فيما يتصل بالاحكام المنصوص عليها فيه بخصوص الطلبات المستعجلة ، وبالتالي لا تكون الدعوى محكومة باحكام قانون اصول المحاكمات المدنية من هذه الجهة ، فالقرار المميز غير صادر بالاستناد لقانون الاصول ولا تنطبق احكامه عليه .

وحيث ان ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز ان ورود نص خاص في قانون خاص بشان احكام الطعن يوجب ان يقدم هذا النص الخاص في التطبيق على النص العام الوارد في قانون اصول المحاكمات ، وحيث ان النص صريح وقاطع الدلالة بان احكام محكمة الاستئناف في هذا الشان قطعية فان القرار الصادر عن الاستئناف لا يكون قابلا للتمييز بحال من الاحوال.

وفي هذا فاننا نجد عشرات الاحكام الصادرة عن محكمة التمييز والتي اوجبت عدم تطبيق قانون اصول المحاكمات عند تعلق الامر بنص خاص ورد في قانون خاص ، وهذه التطبيقات طالت الاحكام الصادرة بموجب قانون الاجراء وقانون ضريبة الدخل وقوانين النقابات وقانون التجارة البحرية وغيرها الكثير ، واكدت فيها محكمة التمييز المبدأ العام ، واعملته كلما ورد نص خاص في هذه القوانين .

ففي نطاق اقرار المبدأ العام قضت محكمة التمييز في هذا الصدد في قرارها رقم 183/1990 تاريخ 19/12/1991 منشور في مجلة نقابة المحامين ص 1083 سنة 1992 ما يلي :- (( ان طرق الطعن المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات المدنية لا تسري الا على الاحكام الصادرة بمقتضاه وفي الدعاوى وفي الدعاوى المقامة وفقا لاحكامه ما لم يرد نص خاص بخلاف ذلك ))

وقضت ايضا في قرارها رقم 170/90 ص 1509 سنة 1991 بما يلي :- (( ان القرارات الصادرة عن اية جهة رسمية سواء اكانت جهة قضائية او ادارية بموجب صلاحيات او سلطات خاصة او استثنائية قررها قانون خاص لا تخضع لطرق الطعن والمراجعة الا اذا اجاز ذلك نفس القانون الذي انشا هذه الصلاحية الخاصة)

اما في نطاق تطبيق محكمة التمييز لهذين المبدأين بشان الطعن تمييزا في القرارات الصادرة استنادا لقوانين خاصة ، فانها قضت في قرارها رقم 812 /1999 المنشور في المجلة القضائية ص 77/4 سنة 1999 )) بما يلي :- (( من الرجوع الى احكام المادة 5 من قانون الاجراء رقم 21 لسنة 1952 نجد انها اجازت استئناف القرارات التي يصدرها رئيس الاجراء ومن بينها قرارت الحبس [فقرة 1/و] وقد اعتبر القرار الذي تصدره محكمة الاستئناف وفق ما جاء بالمادة 5/3 من نفس القانون من القرارات النهائية والتي لا يجوز الطعن بها بالتمييز . وحيث ان الطعن انصب على قرار غير قابل للتمييز فنقرر رد التمييز شكلا – )) وقضت ايضا في قرارها رقم 2157/99 المجلة القضائية ص 163 /10 سنة 1999 :- (( ان القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف هي قرارات نهائية وغير قابلة للتمييز طبقا للمادة 5/3 من قانون الاجراء )) (117)

اما النص العام الذي ورد في قانون اصول المحاكمات المدنية الذي يجيز التقدم بطلب الاذن لتمييز القرارات المستعجلة (م 176) (118) فهو ليس مناط التطبيق كما أوضحنا ، كما ان هذا النص لم يعدل او يلغ النص الخاص الوارد في قانون المنافسة غير المشروعة ، ولو اراد المشرع اذ عدل قانون الاصول المدنية لهذه الجهة ان يسري حكمه على سائر القوانين الخاصة لنص صراحة على ذلك كما فعل مثلا في المادة 171 من القانون التي جاء فيها (على الرغم مما ورد في أي قانون اخر …. )

وبالتالي فان حكم المادة 176 لم يعدل او يلغ النصوص الخاصة في القوانين الخاصة التي تحكم ذات المسالة ، ولا يرد القول ايضا ان قانون الاصول المدنية قد جاء في تعديله لاحقا على قانون المنافسة لان هذا لا يغير من وجهة الامر شيئا وفق قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين ، بل ووفق قرارات محكمة التمييز نفسها ،

اذ المسلم به والثابت ان حكم القانون الخاص سواء اكان سابقا او لاحقا للنص العام هو الواجب التطبيق ما لم يرد صراحة في النص العام ما يمنع انطباق القواعد الخاصة ، وهو الامر الذي تطبقه محكمة التمييز بشان نصوص الطعن الواردة في القوانين الخاصة على نحو ما اوردنا اعلاه ، وفي هذا قطع (الديوان الخاص بتفسير القانون) الأمر في قراره رقم 17/193 الصادر بالاجماع بتاريخ 11/6/1973 بقوله :-

(( …. من المبادئ القانونية المسلم بها انه اذا جاءت قواعد قانونية عامة بعد قواعد قانونية خاصة فان القواعد العامة لا تلغي القواعد الخاصة او تعدلها الا بالنص الصريح . ))

وفي الواقع العملي ، فقد منح رئيس محكمة التمييز اذنا بتمييز القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في دعوى المنافسة المشروعة المقامة من مصنع ( دخان فايسروي ) ضد مصنع ( دخان ميركوري)، وهي الدعوى التي اشرنا لها فيما تقدم ، ورغم ان محكمة التمييز بالنتيجة ردت التمييز موضوعا الا اننا نرى ان منح الاذن – ومع الاحترام – جانب الصواب اذ خالف صريح النص المتقدم واحكام محكمة التمييز المستقرة وقرار ديوان التفسير المشار اليه.

6-3 دعاوى التعويض عن الطلبات غير المحقة وعن دعاوى المنافسة غير المشروعة الموضوعية غير المحقة

تنص الفقرة ج/4 من المادة 3 من قانون المنافسة غير المشروعة على ان :-
” للمستدعى ضده المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر اذا ثبت ان المستدعي غير محق في طلبه باتخاذ الاجراءات التحفظية او انه لم يقم دعواه خلال المدة المقررة في البند 2 من هذه الفقرة. ” .

كما تنص الفقرة (د) من ذات المادة على ان ” للمدعى عليه المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر اذا ثبت بنتيجة الدعوى ان المدعي غير محق في دعواه . “

وبالاستناد الى هذين النصين فان الجهة المدعى عليها في الدعوى ( المستدعى ضدها في الطلب ) الحق في اقامة دعويين للمطالبة بالتعويض ان كانت الجهة المدعية ( المستدعية ) غير محقة فيما اتخذته من اجراءات قضائية بحقه :-

الاولى :- دعوى التعويض عن الاجراء التحفظي المستعجل
والفرض هنا ان الجهة المدعية قد تقدمت بطلب مستعجل لاتخاذ اجراء تحفظي من بين ما اجاز لها القانون طلبه ، اما كطلب سابق للدعوى الموضوعية او مقدم معها او خلالها – وذلك لوقف الممارسة او ايقاع الحجز او طلبات حفظ الدليل ، فصدر القرار النهائي برد هذا الطلب ، بمعنى ان الجهة المستدعية ( الجهة المدعية ) لم تكن محقة في طلبها . فانه وفي هذه الحالة – مع مراعاة ان المستدعي يكون قد تقدم بكفالة العطل والضرر وفق نص الفقرة ب من ذات المادة المتقدم بيانها – فان لمن وجه الطلب ضده ان يقيم دعواه للتعويض عما لحقه من ضرر جراء الاجراء المؤقت .

ونفس الحق ينشأ للجهة المستدعى ضدها ان اتخذ شخص صفة المستدعي في طلب سابق للدعوى الموضوعية ثم لم يقم دعواه خلال الايام الثمانية اللاحقة لتاريخ اجابة طلبه من قبل المحكمة .

ولا ينتظر المستدعى ضده انتهاء النزاع الموضوعي ، اذ له فور صيرورة قرار رد الطلب قطعيا او ثبوت عدم اقامة المستدعي دعواه بعد الايام الثمانية ان يباشر الادعاء مطالبا بالتعويض عما لحقه من اضرار جراء القرار المستعجل .
ولا تكون المطالبة في هذه الحالة متصلة بموضوع الدعوى الاصلي ، اذ هي مطالبة عن الضرر الناشيء جراء القرار التحفظي فقط ، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر دعاوى العويض عن الضرر وفق احكام القانون الاردني ، وما سبق لنا بيانه بشان القواعد العامة لدى بحث دعوى التعويض عن المنافسة .

وفي الواقع العملي ، فان الاردن شهد اقامة دعوى تعويض واحدة عن الضررالناشيء عن طلب مستعجل تقرر رده بقرار نهائي رغم ان الدعوى الموضوعية لا تزال قائمة ، بل اصبحت كلتا الدعويين تنظران معا ، ذلك ان المصنع المنتج لسجائر (فايسروي) اقام دعوى موضوعية بقيمة مليون ونصف الدينار كتعويض عن منافسة غير مشروعة ادعى ان مصنع سجائر ميركوري باشرها ضده في الاردن ، وطالب في ذات لائحة الدعوى بايقاع الحجز التحفظي على بضائع ومنتجات ومواد انتاج سجائر (ميركوري) اينما وجدت ،

فصدر القرار المستعجل بايقاع الحجز ، وتم فسخه عن طريق الاستئناف ، ثم تحصل المدعي (المستدعي) على اذن لتمييزه ، فقررت محكمة التمييز في النتيجة رد التمييز موضوعا وتصديق قرار الاستئناف ، وبذلك نشأت الحالة التي نظمتها الفقرة ج/4 من المادة 3 ، وسندا لها اقام المصنع المنتج لسجائر (ميركوري) دعوى التعويض بمبلغ خمسة عشر مليون دينار ضد مصنع سجائر (فايسروي) . ولا تزال كلتا الدعويين منظورتان .

واذا اخذنا دعوى التعويض المذكورة كنموذج لهذا النوع من الدعاوى ، فانه بالرجوع للائحتها نجدها قد بينت على تحقق وحصول الضرر المادي والمعنوي جراء صدور قرار الحجز واستمرار حجز البضائع وادوات الانتاج مدة اسبوعين تقريبا ،

وان الضرر المادي تمثل بالخسائر الناجمة عن عدم بيع المنتجات محسوبة حسب عائدات بيع المصنع للسنة السابقة ولذات مدة الايام التي حظر فيها البيع جراء الحجز ، وكذلك الخسائر الناجمة عن وقف الانتاج وعن قيمة البضائع نفسها التي حجزت وضبطت لدى التجار وفي الاسواق ، كما شملت المطالبات الكسب الفائت ، وتركزت الدعوى بشكل واضح على الاضرار المعنوية التي لحقت المدعى عليها وما مس اعتبارها وسمعتها ومركزها المالي جراء شيوع العلم قرار الحجز وتناقله في الصحف المحلية ولدى القطاعين الصناعي والتجاري .

الثانية :- دعوى التعويض عن الضرر جراء الدعوى الموضوعية .

وكأي دعوى اخرى ، فان للمدعى عليه وفق حكم الفقرة (د) من المادة 3 من قانون المنافسة غير المشروعة ، متى ما تم رد دعوى المدعي بقرار قطعي وتبين انها غير محقة ، ان يقيم دعوى التعويض عن الاضرار المادية والمعنوية التي لحقت به بسبب الدعوى الموضوعية نفسها .

وبالطبع لا يوجد ما يمنع ان تقام الدعوى من المدعى عليه للمطالبة بالتعويض عن الاضرار جراء الطلب المستعجل والدعوى الموضوعية معا وفي دعوى واحدة .

وهذه الدعوى – كما قلنا بشان سابقتها – تخضع لذات احكام وشروط دعوى التعويض عن الضرر المقررة في القانون الاردني ، وتمتد فيها المطالبات الى عناصر الضرر المادي المتحقق من خسارة وكسب فائت ، والى الضرر المعنوي المتصل بالمساس بالسمعة والمكانة والاعتبار المالي ، ومنعا من التكرار بشانها فاننا نحيل القاريء الكريم الى ما سبق بيانه بهذا الخصوص .

7. الخاتمة والنتائج والتوصيات
تناولنا في هذا البحث موضوع المنافسة غير المشروعة وفقا لاحكام قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية رقم 15 لسنة 2000 ، ووقفنا فيه ابتداء على موقع المنافسة غير المشروعة من نظام الملكية الفكرية الاردني ، وهو وان كان مدخل الدراسة التمهيدي الا انه كان ضروريا لفض الاشتباك بشان التداخل في مفاهيم هذين النظامين ، ثم وقفنا على المقصود بالمنافسة غير المشروعة وصورها على هدي ما قررته المادة 2 من القانون وما قررته اتفاقية باريس لحماية المليكة الصناعية واتفاقية تربس للملكية الفكرية ،

وفي ضوء مواقف الفقه واحكام القانون المقارن . ثم وقفنا على العلاقة ما بين قانون المنافسة غير المشروعة واكثر القوانين صلة بالموضوع ، وكانت اهمية هذه الوقفة تحديد طريق واضح امام المحامي عندما يعرض عليه نزاع يتصل بالمنافسة او العلامات التجارية او بيانات البضائع او يتعلق بمارسات التجارة غير النزيهة كالاحتكار والتركيز الاقتصادي خلافا للقانون .
ووقفنا بعد ذلك على احكام دعاوى ومنازعات المنافسة غير المشروعة من حيث طبيعتها وشروطها واساس كل منها في ضوء ما قررته المادة 3 من القانون .

النتائج :-
وقد ظهر من كل ذلك جملة من النتائج التي من شانها اضاءة جوانب هامة ورئيسة في الموضوع مدار البحث ، تتمثل بما يلي :-
ان قانون المنافسة غير المشروعة يتعلق بالاساس بحماية عناصر الملكية المعنوية للمتجر او المؤسسة التجارية او المنشأة او المشروع التجاري ، وتنصب الحماية في الاساس على المحافظة على عنصر العملاء واتصالهم بالمنشأة التي بذلت جهودا لكسبهم .

ان اكثر منازعات المنافسة غير المشروعة وضوحا تلك التي تتصل بانشطة احداث اللبس مع منشآت الغير عبر عديد من الصور اهمها استخدام العلامات التجارية المشابهة ، وفي هذا الشان فان قانون المنافسة غير المشروعة يعمل كقانون مكمل لاطر الحماية الادارية والمدنية والجزائية التي نظمها قانون العلامات التجارية ، كما انه يعمل بالتوازي مع قانون علامات البضائع بشان الادعاءات غير الحقيقة او التي تستهدف تضليل الجمهور وترتكز على الوصف التجاري للبضاعة وما يتصل بخصائصها وكمياتها واسعارها وغير ذلك من بيانات .

ان قانون المنافسة المؤقت الذي جرى سنه مؤخرا يتصل بتنظيم انشطة منع الاحتكار والممارسات التجارية غير غير النزيهة التي تستهدف السوق كله لجهة احتكار سلعة او خدمة او تحقيق مركز مهيمن ، في وقت تتعلق اطر الحماية المقررة في قانون المنافسة غير المشروعة بعناصر منشأة معينة يجري المساس بها لاجتذاب زبائنها والحاق الضرر بها .

ان نطاق الحماية المقرر في قانون المنافسة غير المشروعة محصور بالحماية المدنية متمثلة بدعوى التعويض عن الاضرار المادية والمعنوية ، وهي دعوى مسؤولية مدنية تتميز فيها عناصر واركان المسؤولية ، الخطأ والضرر وعلاقة السببية ، وهي فيما يستفاد من تنظيمها التشريعي في القانون الخاص بها توجب البحث عند التقاضي في عنصر الخطأ المتمثل بالافعال غير المشروعة ، وفي ذلك خروج على القاعدة العامة المقررة بشان دعوى المسؤولية المدنية في النظام القانونين الاردني التي تكتفي بعنصر الضرر وتوجب تبعا له ضمان وجبر هذا الضرر.
ان الاجراءت الوقتية التحفظية في دعاوى المنافسة غير المشروعة ، تفترق عن مثيلاتها من الاجراءات ، فهي اجراءات تتصل بحالات لا بد من ثبوتها قبل الفصل في الطلب المقدم بشان هذه الاجراءات ، كما انها اجراءات يقف الطعن فيها عند حد قرار محكمة الاستئناف ولا يمتد الى الطعن تمييزا باذن كبقية القرارات المستعجلة سندا لصريح النص القانوني ، وباعتبار قانون المنافسة قانونا خاص تطبق احكامه – وان لم يكن لاحقا لتعديل قانون الاصول – على ما يتعلق بقواعد الطعن .
ان المدعى عليه في دعوى المنافسة يملك ان اتخذت في مواجهته اجراءات تحفيظية وجرى ردها ان يقيم دعواه بالتعويض عن الضرر الحاصل جراء الاجراء التحفظي دون حاجة لانتظار نتيجة الدعوى الموضوعية ، كما يملك ان يقيم دعواه الموضوعية للمطالبة بالتعويض عندما يجري رد دعوى المدعي ويستبين انها غير محقة .
وعلى ذلك وفي ضوء هذه النتائج فاننا نوصي بما لي : –

اعادة النظر في الصور التي تضمنتها المادة 2 من قانون المنافسة غير المشروعة في ضوء الوقائع العملية لمثل هذه الدعاوى والافادة من السوابق القضائية المصرية ونص المادة 66 من قانون التجارة المصري لعام 1999 .
اعادة النظر بقانون علامات البضائع وتحديدا فيما يتعلق بالتشابك الحاصل في الحماية الجزائية من انشطة تزوير وتقليد العلامات ، ويمكن اعادة تنظيم الوصف التجاري الزائف في نطاق قوانين المؤشرات الجغرافية او غيرها من قوانين الملكة الفكرية ، او حتى تنظيمها ضمن قانون المنافسة غير المشروعة باعتبارها تتصل ببيانات البضائع والادعاءات غير الصحيحة بشانها .
اجراء الدراسات الشمولية والابحاث القانونية في الموضوعات الرئيسة والفرعية للمنافسة غير المشروعة ونقل التكنولوجيا لما لهذه الموضوعات من اهمية بالغة ولما يحتمل ان تثيره من جدل بشان الاحكام القانونية المتصلة بها .