التعويض عن اساءة استعمال الحق في القانون المصري – اجتهادات قضائية

الطعن 2845 لسنة 59 ق جلسة 23 / 11 / 1995 مكتب فني 46 ج 2 ق 238 ص 1219

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم زغو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد القادر سمير، إبراهيم الضهيري، حسين دياب وفتحي قرمة نواب رئيس المحكمة.
——–
– 1 قوة الأمر المقضي . نظام عام ” القواعد المتعلقة بولاية المحاكم”.
قضاء المحكمة الابتدائية برفض الدفع بعدم الاختصاص ولائياً . أثره . اكتساب الحكم الابتدائي حجية الشيء المقضي فيه . صيرورة ذلك الحكم نهائياٍ حائزاً لقوة الأمر المقضي تعلو اعتبارات النظام العام.
إن ما تثيره الطاعنة من عدم اختصاص القضاء العادي ولائيا بنظر دعوى التعويض عند إلغاء القرار التأديبي من الجهة المختصة، أيا ما كان وجه الرأي فيه، فإن الحكم الابتدائي الذي قضى برفض الدفع المبدى منها في هذا الخصوص هو حكم حائز لقوة الأمر المقضي لعدم استئنافه من الطاعنة إذ اقتصر استئنافها على ما قضى به الحكم المستأنف في موضوع الدعوى لما كان ذلك وكان نطاق الطعن لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الاستئناف فإن هذا النعي يكون قد انصب على الحكم الابتدائي ومن ثم فهو مقبول ولا يغير من ذلك أن يكون هذا الاختصاص من النظام العام إذ أن قوة الأمر المقضي تعلو على اعتبارات النظام العام.
– 2 تعويض ” التعويض عن اساءة استعمال الحق”. مسئولية “المسئولية عن اساءة استعمال الحق”.
إساءة استعمال الحق . مناطه . معيار الموازنة بين مصلحة صاحب الحق وبين الضرر الواقع على الغير . معيار مادى دون النظر للظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور .
لما كان الأصل حسبما تقضي به المادة 4 من القانون المدني أن “من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر” باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل وحددت المادة 5 من ذلك القانون حالاته على سبيل الحصر….. وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسرا أو عسرا إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب.
– 3 تعويض ” الخطأ الموجب للتعويض”. محكمة الموضوع ” سلطتها بالنسبة للمسئولية التقصيرية “. مسئولية” المسئولية التقصيرية : أركانها . الخطأ”. نقض ” سلطة محكمة النقض”.
تكييف الفعل بأنه خطأ من عدمه . خضوع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض.
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تكييف الفعل المؤسس عليه التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض.
– 4 عمل “نظام التأديب في القطاع العام”.
حق التأديب المقرر لجهة العمل على العاملين بها حق يهدف الى حسن سير العمل لا تقوم به المسئولية المدنية إلا إذا أقام العامل الدليل على انحرافها في استعمال هذا الحق .
النص في المادة 80 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام”…..” يدل على أن حق التأديب المقرر لجهة العمل على العاملين بها حق أصيل يهدف إلى حسن سير العمل ومن ثم فلا تقوم المسئولية المدنية على تلك الجهة بمجرد إلغاء الجزاء التأديبي الصادر منها بل يتعين أن يقيم العامل الدليل على انحرافها في استعمال هذا الحق.
———-
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنة الدعوى رقم 420/1985 عمال شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بأن تؤدى إليه مبلغ عشرين ألف جنيه وقال بيانا لها إنه من العاملين لدى الطاعنة وقد نسبت إليه خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بأن قام باستخراج 163 تذكرة مفتوحة بدون حجز إلى عمان رغم أن التعليمات تمنع ذلك ثم قام بتشغيل رحلة إضافية لحاملي هذه التذاكر دون أن يكتمل العدد اللازم لتغطية تكاليف هذه الرحلة وتمت إحالته إلى النيابة الإدارية فرأت مجازاته إداريا عن هذه المخالفات فأصدرت الطاعنة قرارها رقم 130/1982 بخفض أجره في حدود علاوة وتحميله بقيمة 14 تذكرة التي قامت الرحلة بدون شغل أماكنها وإذ طعن في هذا الجزاء أمام المحكمة التأديبية المختصة صدر الحكم بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار ولما كانت هذه الإجراءات الصادرة من الطاعنة قد أصابته بأضرار مادية وأدبية فقد أقام دعواه بطلب التعويض عنها. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ودفعت الطاعنة بعدم الاختصاص الولائى بنظر الدعوى وبتاريخ 31/12/1986 حكمت المحكمة برفض الدفع وبإلزام الطاعنة أن تؤدى للمطعون ضده مبلغ ثمانية آلاف جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية.
استأنفت الطاعنة ذلك الحكم بالاستئناف رقم 319/104 ق القاهرة فيما قضى به في موضوع الدعوى كما أقام المطعون ضده الاستئناف رقم 329 لسنة 104 ق وبعد أن أمرت المحكمة بضم الاستئناف الثاني للأول ليصدر فيهما حكم واحد قضت بتاريخ 17/5/1989 بتأييد الحكم المستأنف.
طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

————-
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون – وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى تأسيساً على أن المحكمة التأديبية تختص بنظر طلب التعويض عن قرارات التأديب عند الحكم بإلغائها إلا أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه أيا ما كان وجه الرأي فيما تثيره الطاعنة من عدم اختصاص القضاء العادي ولائيا بنظر دعوى التعويض عند إلغاء القرار التأديبي من الجهة المختصة فإن الحكم الابتدائي الذي قضى برفض الدفع المبدي منها في هذا الخصوص هو حكم حائز لقوة الأمر المقضي لعدم استئنافه من الطاعنة إذ اقتصر استئنافها على ما قضى به الحكم المستأنف في موضوع الدعوى لما كان ذلك وكان نطاق الطعن لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الاستئناف فإن هذا النعي يكون قد إنصب على الحكم الابتدائي ومن ثم فهو غير مقبول ولا يغير من ذلك أن يكون هذا الاختصاص من النظام العام إذ أن قوة الأمر المقضي تعلو على اعتبارات النظام العام.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون – وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن مؤدى نص المادة 163 من القانون المدني – المنطبق على وقائع الدعوى – هو ثبوت الخطأ في جانب المدعي عليه والمقصود بذلك هو إخلاله بواجب قانوني – وإذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعنة لم تخل بأي التزام قانوني نحو المطعون ضده ولم يقم الدليل على تعسفها معه وإنما اقتصر دورها بالنسبة له على إحالة مذكرة مدير عام المبيعات لديها والتي تضمنت حصر المخالفات المنسوبة للمطعون ضده إلى النيابة الإدارية التي انتهت إلى ثبوتها في حقه وأوصت بمجازاته إداريا عنها ثم أصدرت الطاعنة قرار الجزاء فإنها لا تكون قد تعسفت في استعمال حقها ومن ثم لا يتوافر في جانبها الخطأ الموجب للمسئولية المدنية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان الأصل حسبما تقضي به المادة 4 من القانون المدني أن “من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر” باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل وحددت المادة 5 من ذلك القانون حالاته على سبيل الحصر بقولها “يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:-
أ- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
ب- إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
جـ- إذا كانت المصالح التي يرمي إلي تحقيقها غير مشروعه”. وذلك درأ لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية شعارا غير أخلافي لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدى وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاه في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسرا أو عسرا إذ لا تتبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تكييف الفعل المؤسس عليه التعويض بأنه أخطأ أو نفى هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض لما كان ذلك وكان النص في المادة 80 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام على أن “كل من يخالف الواجبات أو يرتكب المحظورات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يجازى بإحدى الجزاءات المنصوص عليها في المواد التالية ….” يدل على أن حق التأديب المقرر لجهة العمل على العاملين بها هو حق أصيل يهدف إلى حسن سير العمل ومن ثم فلا تقوم المسئولية المدنية على تلك الجهة بمجرد إلغاء الجزاء التأديبي الصادر منها بل يتعين أن يقيم العامل الدليل على انحرافها في استعمال هذا الحق على ما سلف بيانه. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد استخلص من مجرد إلغاء الجزاء الموقع على المطعون ضده الخطأ الموجب لمسئولية الطاعنة مدنيا دون أن يعن ببحث مدى توافر إحدى صور التعسف في استعمال الطاعنة لحق التأديب فإنه يكون مشوباً بالقصور الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .