يقصد بالنشاط الاجرامي للاشتراك:

هو النشاط الذي يأتيه الشريك، والذي يتخذ أحدى الصور التي ينص عليها القانون. ولقد حرصت أغلب التشريعات الجزائية الحديثة على تحديد صور هذا النشاط على سبيل الحصر(1). ويترتب على ذلك انه لا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها أو الاجتهاد في تفسيرها أو تطبيقها، فضلا عن أنه على المحكمة إذا ادانت المتهم بارتكاب الجريمة عن طريق الاشتراك أن تبين في قرارها وسيلة الاشتراك التي ارتكبت بها الجريمة والا فأن قرارها يكون معرضا للنقض(2). وان حصر المشرع لوسائل الاشتراك هو حرصا منه على حماية الأفراد من تعسف القاضي لو ترك الأمر في ذلك لتقديره. ومن المتفق عليه أن الجريمة من الممكن ان تقع بطريقة الامتناع، إذا كان على الممتنع التزام قانوني بالتدخل، وأمتنع مع ذلك عنـه مع قدرته عليه(3). وتبرير ذلك انـه ليس بشـرط أن ترتكب الجريمة بوسيلة معينة، بل يصح ان ترتكب سواء كانت وسيلة أرتكابها أيجابية أو سلبية. ولكن هل ينطبق هذا القول على الجريمة المغايرة، كاتفاق الشريك على جريمة معينة مع الفاعل وارتكاب الأخير جريمة مغايرة كانت نتيجة محتملة لامتناع الشريك عن التدخل ، وبعبارة أخرى هل يتصور إن تتخذ مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة في الجريمة المغايرة صورة الامتناع ؟ لقد اختلفت الآراء الفقهية حول هذه المسألة – وقد عرف الفقه الأمتناع أو (الترك) أو (السلوك السلبي) بأنه أحجام الشخص عن القيام بفعل ايجابي معين كان الشارع يتطلبه منه في ظروف معينة بشرط أن يكون في مقدور الممتنع عنه القيام به (4). وقد ظهر أتجاهان فقهيان في هذه المسألة .

الاتـجاه الأول :

يذهب هذا الاتجاه إلى القول بجواز قيام الاشتراك في الجريمة المغايرة عن طريق الامتناع، وحجتهم في ذلك أنه ليس في نصوص القانون المتعلقة بتحديد وسائل الاشتراك ما يستوجب أن تكون هذه الوسائل ايجابية، بل كل ما أشترطه المشرع هو أن تكون هذه الوسائل قد ارتبطـت بالجريمة برابطة السببية(5). بأن تكون قد مهدت لها أو سهلت تنفيذها، ومتى ما تحقق ذلك فلا يهم فيما بعد ان كانت هذه الأعمال قد أتخذت الاشتراك في الجريمة المغايرة (النتيجة المحتملة) صورة السلوك الايجابي أو السلوك السلبي(6).

الاتـجاه الثاني :

وهو الراجح فقها، ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الاشتراك لا يحصل الا بوسائل ايجابية، أما الموقف السلبي فلا يصلح ان يكون صورة من صور الاشتراك، ولو كان على عاتق الشخص التزام بالعمل الذي أمتنع عنه، ذلك ان المشرع حدد صراحة وسائل الاشتراك على سبيل الحصر، وصياغة هذه الوسائل في القانون على نحو لا يسمح بان تكون وسيلة الامتناع من بينها، والقول بغير ذلك يعني أضافة وسيلة إلى صلب النص القانوني(7). وفي تقديرنا إن الاتجاه الذي يقر بامكانية قيام الاشتراك في الجريمة المغايرة باتخاذ سلوك سلبي هو الرأي الأصح، ذلك أن الاشتراك إذا كان يتم في الغالب بوسائل ايجابية، فأن ذلك لا يعني عدم تصور قيامه بوسائل سلبية، إذ ليس في نصوص القانون ما يحول دون أن تكون وسيلة الاشتراك سلبية متى ما توافرت لهذه الوسيلة الشروط اللازمة لقيامها، وهي شرط الأحجام عن القيام بفعل ايجابي معين، ووجود واجب قانوني أو اتفاقي على عاتق الممتنع، وان يكون امتناعه اراديا لان الفعل والامتناع كلاهما من مظاهر الارادة، والامتناع ما هو الا أحد أنواع السلوك المادي الذي يقر له الفقه والتشريع الحديث بفاعلية سببية في احداث النتيجة الجرمية. ومثال ذلك أن رجل الأمن أو الحارس الليلي الذي يمتنع عمدا عن منع اللصوص من سرقة منزل أحد الأشخاص وكان من واجبه ذلك، فيقوم هؤلاء الأشخاص بقتل صاحب المنزل أضافة إلى السرقة؛ يعتبر شريكا في جريمة القتل التي هي نتيجة محتملة للسرقة لانه ساعد على الأعمال التي سهلت ارتكاب هذه الجريمة، وذلك بازالة العقبة التي كانت تعترض طريقها. ولهذا السبب وسواه ذهبت بعض التشريعات – خلافا لموقف الصمت الذي أتخذته غالبية التشريعات الجزائية – إلى وضع نصوص صريحة أقرت فيها أمكانية وقوع الاشتراك بطريقة سلبية، من ذلك مانصت عليه (م82/ف3) من قانون العقوبات السوداني و(م55/3) من قانون العقوبات القطري. واتجهت تشريعات أخرى إلى وضع نصوص عامة تقرر المساواة بين الوسائل الايجابية والوسائل السلبية من حيث صلاحية كل منهما في تحقيق الجريمة، من ذلك ما نصت عليه (م19/4) من قانون العقوبات العراقي و(م22) من قانون العقوبات البحريني. وذهبت بعض التشريعات إلى اعتبار الامتناع عن الحيلولة دون وقوع الجريمة، جرما مستقلا قائما بذاته، ومن هذه التشريعات قانون العقوبات الاردني (م474) وقانون العقوبات الفرنسي (م62،63).

أما القضاء العراقي فقد أتجه في قرارته إلى أن الاشتراك لا يحصل ألا بوسائل أيجابية، إذ جاء في قرار لمحكمة التمييز (لدى التدقيق والمداولة……لم يذكر بأنه شاهد المتهم (ح) قد أرتكب أي فعل من الأفعال الداخلة بالركن المادي للجريمة أيا كان مستواها كما ان الأدلة لم تتوفر على مشاركته بأي طريق قانوني من طرق الاشتراك في الجريمة سواء عن طريق المساعدة أو التحريض أو الأتفاق المنصب على ذات الجريمة أيا كان مداها الذي يرد معه القول بأن الذهاب الى خلاف ذلك والاتجاه إلى الادلة في هذه الحالة معناه التشبث بالاستنتاج والتأويل المعزول عن مصدره الواقعي والقانوني……ولعدم توفر الأدلة الكافية لا دانة المتهم المذكور (ح) عن التهمة المسندة إليه فقد تقرر نقض القرار الصادر بادانته وإلغاء التهمة والأفراج عنه……)(8). أما في مصر، فقد ترددت أحكام محكمة النفض بين جواز الاشتراك بطريقة الامتناع وعدم جواز ذلك، فقضت بأنه (لا جدال في أن الاشتراك في الجريمة لا يتكون الا من أعمال ايجابية ولا ينتج أبدا من أعمال سلبية(9). وذهبت في حكم آخر إلى انه (إذا أستنتجت المحكمة من سكوت الشخص المعين حارسا على الأشياء الموجودة ومن عدم معارضته لأخيه في التصرف في تلك الأشياء وان هناك اتفاقا بينه وبين الآخرين على تبديدها، فهذا الأستنتاج فضلا عن كونه مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع فأنه لا غبار عليه، لأن الاتفاق لا يستلزم حتما عملا ايجابيا من جانب الشريك بل يكفي لتحققه ان يلتزم الحارس موقفا سلبيا كما هوحاصل في هذه الصورة)(10).

موقـف الفقه الاسـلامي:

لا يختلف فقهاء الشريعة الاسلامية مع فقهاء القوانين الوضعية في تعريف الاشتراك بالتسبب وشروط هذا النوع من الاشتراك ووسائل الاشتراك ووجوب توافر علاقة السببية بين وسيلة الاشتراك ووقوع الجريمة وهي تتفق مع أحدث النظريات في القانون الجنائي. ويشترط فقهاء الشريعة لحصول الاشتراك بالتسبب ان يكون هناك اتفاق(11). أو تحريض أو أعانة (مساعدة). والتسبب قد يكون بنشاط ايجابي وقد يتحقق بدور سلبي(12). وخاصة إن الشريعة الاسلامية الغراء تتسم قواعدها بالطابع الأخلاقي والانساني، فكل من رأى ارتكـاب الجريمة فوقف متفرجا ولم يحاول منع الفاعل من ارتكاب الجريمة مع استطاعته يعتبر متسببا ويعاقب بعقوبة تعزيرية(13). فالشريعة الاسلامية توجب على الانسان أن يدافع عن نفس ومال وعرض الغير كما يدافع عن نفسه وماله وعرضه، فإذا تمكن من ذلك وامتنع وأتخذ موقفا سلبيا يعتبر متسببا بطريقة سلبية. (جاء في مباني تكملة المنهاج: لو أجتمعت جماعة على قتل شخص فأمسكه أحدهم وقتله آخر ونظر إليه ثالث، على القاتل القود (القصاص)، وعلى الممسك الحبس مؤبدا حتى يموت، وعلى الناظر إن تفقأ عيناه)(14). ومنع المجرم من تنفيذ عمل اجرامي يعد من أعمال البر التي أمر بها القرآن الكريم في قوله تعالى((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب))(15). والرسول العظيم صلى الله وعليه وآله وسلم يأمر بمناصرة الانسان لأخيه الانسان ويقول ((أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)). فإذا كان ظالما عليك أن تمنعه من الظلم، وأذا كان مظلوما عليك أن تمنع عنه الظلم. ويشترط ان يكون المتسبب قاصدا من أتفاقه أو تحريضه أو عونه وقوع جريمة معينة، فأن لم يقصد جريمة بعينها فهو متسبب في كل جريمة ما دامت كانت نتيجة محتملة لفعله(16). فمن حرض شخصا على ضرب آخر فضربه ضربة أدت لوفاته، فالشريك المتسبب لا يسأل عن الضرب فحسب، وأنما يسأل عن القتل شبه العمد، لان القتل كان نتيجة محتملة الوقوع لتنفيذ جريمة الضرب، وإذا ضربه فأحدث به أصابة أدت إلى بتر يده أو شللها فالشريك المتسبب مسؤول عن جريمة أبانة الطرف أو ذهاب معناه، لان هذا من النتائج المتوقعة للضرب.

_________________________________

1- وعلى الرغم من أتفاق هذه التشريعات على مبدأ تحديد وسائل الاشتراك ألا أنها لم تتفق فيما بينها حول صورة محددة للاشتراك، وقد أختلفت في ذلك من حيث نوع الصور التي ينص عليها كل تشريع، ومن حيث عدد الصور المنصوص عليها. فقد أجمعت قوانين العراق (م48) ومصر (م40) وليبيا (م100) والكويت (م48) على أعتبار التحريض والأتفاق والمساعدة صورا للاشتراك،، وقد أنفرد المشرع الكويتي بتقرير ثلاث صور للاشتراك اللاحق على أرتكاب الجريمة (م194).أما قوانين تونس والمغرب والجزائر فصور الاشتراك فيها هي التحريض (م42/1) جزائري والفصل (129/1) مغربي (والفصل32/اولا) تونسي، والمساعدة (م42/2) جزائري (والفصل 129/2،3) مغربي (والفصل 32/ثانيا) تونسي، والأيواء (م43) جزائري و (الفصل 129/4) مغربي و (الفصل 32/خامسا) تونسي. وتتفق تشريعات لبنان (م218،219) وسوريا(م127، 128) والاردن(م80) على أعتبار التحريض صورة مستقلة عن المساهمة الاصلية والتبعية بينما تنص على صور متعددة للمساهمة التبعية. وتتضمن قوانين السودان وقطر والبحرين صور عديدة ، منها الأغراء (م82/أولا) سوداني و(م55/1) قطري و(م138/د) بحريني، والمساعدة (م82/ثالثا) سوداني و(م55/3) قطري (م55/1) بحريني، والأتفاق (م82/ثانيا)سوداني بعبارة (يشترك…في أتفاق) ووردت نفس العبارة في (م55/2) قطري، ولم يتضمن القانون البحريني نصا مماثلا.

2- ينظر في ذلك: د. جلال ثروت، قانون العقوبات (القسم العام) ، الدار الجامعية، الاسكندرية، سنة النشر(بلا) ، ص206.، د.محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات(القسم العام) ، المصدر السابق، ص346.، نوري الحسيني، المصدر السابق، ص92.

3- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام) ، المصدر السابق، ص301.

4 ينظر في ذلك: عوض محمد، قانون العقوبات (القسم العام) ، المصدر السابق، ص313.، د.محمد صبحي نجم، المصدر السابق، ص111.

5- ينظر في ذلك: د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، المصدر السابق، ص313.، د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص641.، د. مأمون محمد سلامة، المصدر السابق، ص434.

6- J.C. Smith C.B.E and Brain Hogan LL.B، Criminal Law، Butter Worths، London، 1983، P.125.

7- ينظر في ذلك: جندي عبد الملك، المصدر السابق، ص704.، د. علي راشد، المصدر السابق، ص407.، د.محمود محمود مصطفى، المصدر السابق، ص374.

8- ينظر قرار محكمة التمييز 320/ هيئة عامة/ 1988 في 14/2/ 1989، مجلة القضاء، ع2، س45، ص105.

9- ينظر نقض مصري 28/ مايو/1945، مجموعة القواعد القانونية، ج6، رقم583 ، ص719.

10- ينظر نقض مصري 71/ ديسمبر/ 1934، مجموعة القواعد القانونية، ج3، رقم 299، ص403.

11- يفرق فقهاء الشريعة بين حالتي الأتفاق والتمالؤ (التوافق). فالتمالؤ: هو توارد خواطر أكثر من شخص على ارتكاب جريمة ما دون اتفاق فيما بينهم، ولا يعتبر المتمالئون شركاء بالتسبب، وأنما يمكن أعتبارهم شركاء بالمباشرة إذا ارتكبوا الفعل المجرم .أما الأتفاق: فيقتضي تفاهما سابقا على ارتكاب الجريمة بين الشريك المتسبب والشريك المباشر، ويقتضي اتجاه ارادتيهما واتحادهما على ارتكاب الجريمة. ينظر في تفصيل ذلك: عبد القادر عودة، المصدر السابق، ص366-367.

12- الاتفاق والتحريض وسيلتان ايجابيتان بطبيعتهما ولا يتصور القول بالاتفاق أو التحريض لمن لم يتفق ومن لم يحرض. أما الإعانة فتحتمل بطبيعتها ان تكون سلبية، كمن رأى جماعة يسرقون منزلا أو يقتلون آخر فلم يمنعهم عنه. ينظر في تفصيل ذلك: عبد القادر عودة، المصدر نفسه، ص371-372.

13- ينظر في ذلك: د.عبد الخالق النواوي، المصدر السابق، ص332.، د .احمد فتحي بهنسي، نظريات في الفقه الجنائي الاسلامي، المصدر السابق، ص79-80.، فراس عبد المنعم، الفاعل المعنوي للجريمة، المصدر السابق، ص29.

14- د.مصطفى أبراهيم الزلمي، المسؤولية الجنائية في الشريعة الاسلامية، المصدر السابق، ص184.

15- سورة المائدة، الآية الثانية.

16- ينظر في تفصيل ذلك: د.عبد العزيز عامر، المصدر السابق، ص278.، عبد القادر عودة، المصدر السابق، ص374-375.

المؤلف : منى محمد عبد الرزاق
الكتاب أو المصدر : مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .