لكي يتمكن المشرع من تحقيق العدالة الضريبية المنشودة لابد من الأخذ بمبدأ شخصية الضريبة ، أي أن تراعي الضريبة أو الأصح قانون الضريبة الظروف الشخصية للمكلف ومركزه المالي ، وبعبارة أخرى أن يأخذ قانون الضريبة بالظروف المحيطة بالمكلف وصولاً الى معرفة مدى قدرة المكلف على تحمل عبء الضريبة وهذا الأمر يتطلب الأخذ بالدخل الحقيقي أساساً لوعاء ضريبة الدخل بوصفه المعيار الصحيح لمعرفة قدرة المكلف على تحمل عبء الضريبة والذي يقع عبء اثباته على السلطة الضريبية وليس على المكلف بها . لذلك لابد من توضيح للدخل الحقيقي والدخل الحكمي وكما يأتي :-

أولاً:- الدخل الحقيقي

يقصد بالدخل الحقيقي (ما يعود على المكلف فعلاً من استغلاله الأموال التي يملكها أو ما يعود عليه من مكاسب فعلية نتيجة لعملة وجهده)(1) . وطالما أن ضريبة الدخل لا تستوفي من الدخل الإجمالي وإنما من الدخل الصافي (الدخل الخالي من الشوائب) فإذا لم يتحقق الدخل الصافي لا يمكن تصور وجود ضريبة على الدخل لعدم وجود الدخل أصلاً أما في حالة وجود خسائر فإنها تدور للسنوات التالية وهذا النهج سارت عليه معظم التشريعات الضريبية(2) . ويستطيع المشرع الضريبي الوصول الى الدخل الحقيقي كأساس لتقدير وعاء الضريبة في حالات عدة أهمها :-

1-حالة تقديم كشف التقدير الذاتي (الأفراد) :-

أسلوب الإقرار في تقدير الدخل هو الطريقة العادية والشائعة في معظم الدول(3) ، وتعد هذه الطريقة أكثر عدالة من الطريقة الادارية أو ما تسمى بالتقدير الإداري على أساس أن خير من يعرف دخل المكلف بالضريبة عند رقمه الصحيح هو المكلف ذاته ، فهي الطريقة التي تقرر المادة الخاضعة للضريبة تقديراً صحيحاً كما أنها تسمح بأخذ العناصر التي تحقق شخصية الضريبة كلها ، ويعد الالتزام بتقدير الاقرار من أهم الالتزامات القانونية إذ يحدد القانون المكلفين الملزمين بتقديم التقارير كما يحدد نطاقها ويرتب أثرها وحجتها في تقدير الدخل ، ولا ريب في أنه أقدر من غيره على معرفة حاله وتحديد دخله(4) . وقد الزم المشرع الضريبي العراقي المكلف ذاته سواء أكان مسجلاً أم غير مسجل أن يقدم تقريراً قبل اليوم الأول من حزيران من السنة التقديرية إذا لم يطلب تقديمه بإخطار خطي أو إحدى وسائل النشر(5) . واستناداً الى نص المادة (27) من قانون ضريبة الدخل العراقي يتضح أن الدخل الحقيقي يعتمد أساساً لتقدير وعاء الضريبة على أحد القرارين الآتيين :-

أ-قرار السلطة المالية بقبول الإقرار المقدم من المكلف كما هو دون إجراء أي تعديل.

ب-قرار السلطة المالية بالموافقة على تعديل الإقرار المقدم من قبل المكلف بناء على طلب المكلف(6) .

2- حالة وجود حسابات أصولية ومنتظمة :-

الزم المشرع الضريبي العراقي بعض الأشخاص بمسك السجلات التجارية لأغراض ضريبة الدخل(7). إذ تعد الدفاتر التجارية من وجهة نظر ضريبة الدخل سجلات حسابية يوجبها القانون أو طبيعة النشاط وهي التي تبين مقدار الأرباح والخسائر وسائر البيانات التي يوردها المكلف في إقراره السنوي كما توضح مقدار الموجودات التجارية والصناعية .

والوصول الى الدخل الحقيقي يعتمد أساساً لتقدير وعاء الضريبة على أحد القرارين الآتيين :

أ-قرار السلطة المالية بالاستناد الى حسابات المكلف دون إجراء أي تعديل .

ب-قرار السلطة المالية الصادر بالاستناد الى حسابات المكلف معدلة بعد موافقة الأخير على هذا التعديل .

أما موقف القضاء الأردني من أن يكون الدخل الحقيقي وعاء للضريبة فيتمثل من خلال القرارين الآتيين(8). :-

_قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 337/85 والذي جاء فيه : (… وحيث ان الوقائع التي اعتمدها المقدر لاتؤدي الى النتيجة التي توصل اليها بخصوص الدخل عن أعمال التعهدات والحفريات الاخرى فيكون قد فرض ضريبة على دخل مفروض افتراضاً وليس دخلاً حقيقياً).

_قرار محكمة التمييز رقم 724/92 والذي جاء فيه (وحيث ان اجتهاد محكمتنا قد استقر على انه لا يجوز للمقدر أو الوزير أو الموظف المفوض من قبله فرض الضريبة على دخل مفترض افتراضاً وليس دخلاً حقيقياً ) .

وعموماً فان الاخذ بالدخل الحقيقي هو الذي يحقق العدالة الضريبية ويحول دون مغالاة السلطة المالية الى محاباة الخزينة على حساب الأفراد وإلى المبالغة في التقدير .

ثانياً :- الدخل الحكمي :-

إذا كان الأصل ان المشرع الضريبي يتخذ من الدخل الحقيقي أساساً لوعاء الضريبة إلا أنه يمكن للمشرع أن يتخذ من الدخل الحكمي وعاء لها استثناء ، إذ ان القاعدة العامة تقضي بأن تقدير دخل المكلف في سنة معينة لا ينسحب الى سنة تالية ومفاد هذه القاعدة هو استقلال كل سنة مالية عن غيرها من السنوات السابقة أو اللاحقة بايراداتها ومصروفاتها . فكل سنة مالية تعد وحدة زمنية قائمة بذاتها منفصلة تماماً عن غيرها من السنوات فيما يتعلق بفرض الضريبة وحسابها(9) ، وبناء على ذلك لا يجوز تقدير الدخل في سنة اعتماداً على دخل سنة أو سنوات سابقة لأن وعاء ضريبة الدخل يتحدد من واقع الدخل الفعلي الذي يحققهُ المكلف خلال السنة التي يتم بشأنها الحساب . ومع ذلك فقد يلجأ المشرع إلى الأخذ بتقدير السنة السابقة استثناءاً للأسباب الآتية :-

1- صعوبة التقدير :-

إن انعدام المعلومات المتوافرة أو قلتها عن دخل المكلف يؤدي الى صعوبة إجراء التقدير وكذلك عدم تجاوب المكلف مع السلطة المالية بامتناعه عن تقديم المعلومات عن دخله، أو تقديم معلومات متناقضة أو عدم امساك المكلفين للدفاتر التجارية أو فقدان المستندات التي تثبت حقيقية الدخل الفعلي .

2-محاولة إيجاد نوع من الاستقرار في العلاقة بين المكلف والسلطة المالية(10) :-

إن لجوء السلطة المالية الى تقدير السنوات السابقة يعطي للمكلف التصور الواضح والعلم بمقدار الدخل والضريبة للسنة التقديرية ، أي تحقق مبدأ اليقين مما يحول دون الطعن في التقدير واستقرار العلاقة بين المكلف والسلطة المالية .

3- أسباب متعلقة بالسلطة المالية :-

قد تلجأ السلطة المالية الى التقدير الحكمي وذلك للتخفيف من ضغط العمل الذي تتعرض له السلطة المالية خصوصاً أمام قلة ملاكها المتخصص من ناحية وعدم تعاون المكلف معها من ناحية اخرى(11) .

4-الاستقرار في حصيلة الضريبة :-

ان الاعتماد على التقدير الحكمي يحقق استقراراً في حصيلة الضريبة مما يجعل السلطة المالية تعتمد على حصيلة ثابتة . إن التقدير الحكمي يعد استثناء على قاعدة استقلال السنوات الضريبية لذا يجب عدم التوسع بهذا الاستثناء ، مما يتوجب توافر عدة شروط مجتمعة لتطبيق هذا الاستثناء وهي :-

1-وحدة المكلف :-

أي أن يكون المكلف بالنسبة إلى السنة التي يتم التحاسب بشأنها (السنة التقديرية الحالية) هو نفسه في السنة السابقة (السنة التقديرية السابقة) أما إذا تغير المكلف لتنازله عن المشروع الى مكلف آخر أو تغير الوضع القانوني بتحول المشروع الفردي الى شركة مساهمة أو شركة محدودة أو بالعكس فان اعتماد طريقة التقدير الحكمي غير جائزة لتغير المكلف الذي خضع لتقدير الدخل.

2-وحدة النشاط :-

أي ان يكون المكلف قد مارس النشاط ذاته في السنة التقديرية الحالية والسنة التقديرية السابقة وإن شرط وحدة النشاط يفرض وحدة نوع النشاط لا كميته أو حجمُه ، بمعنى استمرار المكلف بمزاولة نوع معين من النشاط في السنة التقديرية الحالية والسنة التقديرية السابقة دون الاعتماد على تغير حجم النشاط بالزيادة أو النقصان(12) .أما في حالة تغيير نوع النشاط في السنة التقديرية الحالية والسنة التقديرية السابقة فلا يجوز عندئذ إجراء التقدير الحكمي . وخير مثال على ذلك قيام المكلف بتغيير نشاطه من بيع الألبسة الى مزاولة نشاط التوسط في شراء العملات الأجنبية ، أما في حالة استمرار المكلف بمزاولة النشاط ذاته إلا أن حجم المبيعات قد تغير بالزيادة أو النقصان ، فان وحدة النشاط متحققة ومن ثم فان إجراء التقدير الحكمي يصبح موافقاً للقانون .

3-صعوبة إجراء التقدير بطرائق أخرى :-

إن من التزامات السلطة المالية هو التحري وجمع الأدلة عن مقدار دخل المكلف الحقيقي وعلى المكلفين تقديم البيانات والمعلومات عن حقيقة دخولهم فإذا تعذر الوصول الى مقدار الدخل واستحالة تقديره بطريقة ثانية ، جاز اللجوء الى التقدير الحكمي(13) . وأخيراً وليس آخراً لابد من الإشارة الى موقف المشرع الضريبي العراقي من التقدير الحكمي إذ نص على ما يأتي ( …إلا ان للسلطة المالية أن تتخذ دخل السنة السابقة أساساً للتقدير إذا تعذر العلم بمقدار الدخل كلهُ أو بعضه)(14) . إذ يتضح من خلال النص السابق أن المشرع الضريبي العراقي لا يلزم السلطة المالية بالأخذ بالتقدير الحكمي وإنما ترك الأمر جوازياً . وكذلك فإن الاستثناء الى تقديرات السنة السابقة ينحصر بمقدار الدخل الذي تم تقديره في السنة السابقة دون أن يشمل مقدار الضريبة للسنة ذاتها أي أن المشرع الضريبي العراقي قد ابتغى تحقيق العدالة الضريبية . إذ قد يتكبد المكلف في السنة المالية الحالية نفقات للحصول على الدخل أكثر من تلك النفقات المعروفة في السنة السابقة .

لذا فليس من العدالة الاعتماد على النفقات المعروفة في السنة السابقة والاستناد الى مقدار الضريبة للسنة ذاتها ، في حين أن النفقات للسنة الحالية أكثر منها ومن ثم فان مقدار الضريبة لسنة القياس سيكون منخفضاً جداً عن مقدار الضريبة للسنة السابقة . كما ساوى المشرع الضريبي العراقي فيما بين المكلفين عندما أجاز التقدير الحكمي للمكلفين سواء الشخص الطبيعي أم المعنوي . وقد أيد القضاء العراقي الأخذ بالتقدير الحكمي في الكثير من قراراته(15) .

________________________

[1]- د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل العام) مصدر سابق ، ص114 .

2- المادة (10) من قانون ضريبة الدخل العراقي المرقم 113 لسنة 1982 المعدل

المادة (10) من قانون ضريبة الدخل الاردني المرقم (57) لسنة 1985 المعدل

المادة (28) من قانون ضريبة الدخل المصري المرقم (187) لسنة 1993 الملغي والمادة (29) من القانون المصري الجديد المرقم (91) لسنة 2005 .

المادة (12) من قانون ضريبة الدخل السوري المرقم (24) لسنة 2003

3- المشرع الفرنسي : اعتمد المشرع بالأساس على طريقة الاقرار واستثناء طريقة التقدير الإداري وطبقاً لطريقة الإقرار يلزم المشرع المكلف بتقديم إقرار يعين فيه الدخل الذي حققه خلال السنة .

انظر : –د. سالم الشوابكة (قرار تقدير ضريبة الدخل وطرق الطعن به) مصدر سابق ، ص190 وما بعدها.

أما المشرع المصري فقد الزم المكلف بتقديم إقرار مبيناً فيه الايرادات والتكاليف الانتاجية وصافي الأرباح والخسائر عن السنة السابقة انظر المادة (9) من قانون ضريبة الدخل المصري المرقم 157 لسنة 1981 الملغي والمادتين (14،15) من القانون المصري الجديد المرقم 91 لسنة 2005 وبنفس الاتجاه انظر :

المادة (29) من قانون ضريبة الدخل الاردني المرقم (57) لسنة 1985 المعدل .

المادة (13 ، 14) من قانون ضريبة الدخل السوري المرقم (24) لسنة 2003 .

4- د. عبد القادر حلمي (الضريبة العامة على الإيراد) ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1959 – 1960 ، ص205 .

5- الفقرة (2) من المادة (27) من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ .

6- بالرجوع الى قانون ضريبة الدخل العراقي نرى أنه جاء خالياً من النص على حق المكلف في تعديل إقراره ولكن يمكن الاستئناس بآراء الفقهاء .

الرأي الأول :- يرى د. حبيب المصري أنه من حق مقدم التقرير في تعديله بالنقصان خلال المدة المحددة لتقديم التقرير بشرط وجود أسباب تقتنع بها السلطة المالية .

الرأي الثاني :- يرى د. صالح عجينة أنه للمكلف حق التعديل بشرط أن يكون ذلك خلال المدة المحدودة لتقديم التقارير وحقه هذا مطلق دون ذكر أية أسباب لكون الضريبة ليست محل اتفاق بين المكلف والسلطة المالية ، ولأن من حق الأخيرة عدم قبول الاقرار وتقدير المكلف إدارياً يحق للمكلف عدم الالتزام بتقريره الى أن يلتزم بالضريبة قانوناً (رأي د. صالح عجينة) .

الرأي الثالث :- يرى أنه حق المكلف يبقى قائماً مادام الاتفاق لم يتم بينه وبين السلطة المالية بتوقيعه على استمارة التوقيع … وهذا الرأي الذي نحن نؤيده يتفق مع رأي الهيئة العامة لضريبة الدخل ويتلاءم ونية المشرع في استقرار الأوضاع القانونية . انظر في ذلك :

– د. حبيب المصري (ضرائب الدخل في مصر) القاهرة ، 1945 ، ص218 ؛ د. صالح عجينة (ضريبة الدخل في العراق) مصدر سابق، ص ص 471-472 .

7- المادة (1) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل المرقم 2 لسنة 1985 .

8- مشار اليهما في :

– جهاد سعيد حصاونة (مطرح الضريبة على الدخل في التشريع الضريبي الاردني / دراسة تحليلية) ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الحقوق ، الجامعة الأردنية ، منشورة في كتاب نقابة المحامين ، مطبعة التوفيق ، عمان ، 1995 ، ص 21-22.

9- د. هشام صفوت العمري (اتجاهات المشرع العراقي في ضريبة الدخل) ، مصدر سابق ، ص268 .

0[1]- د. محمود رياض عطية (الوسيط في تشريع الضرائب) مطبعة المشاعر ، بت ، بم ، ص516 .

1[1]- علي مجاهد شاهين (الثقافة الضريبية / الربط الحكمي ، تحديد الإيراد) ، بت ، بم ، ص9

2[1]- أحمد محمود حسني (قضاء النقض الضريبي) دار المعارف ، الاسكندرية ، 1986 ، ص240 .

3[1]- علي مجاهد شاهين (الثقافة الضريبية) مصدر سابق ، ص9 ؛ د. محمود رياض عطية (الوسيط في تشريع الضرائب) مصدر سابق ، ص530 .

4[1]- الفقرة (2) المادة (3) من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ .

5[1]- القرار (37) هيئة تمييزية / 1998 في 8/9/1998 غير منشور والذي جاء في حيثياته (( ان اللجنة لاحظت أن تقديراته لا تتناسب مع المحلات المجاورة والضريبة المتحققة عليهم ، كما لاحظت واتخذت تقديرات عام 1996 والذي وافق عليها المميز لغرض اتخاذها أساساً لتقدير الضريبة لعام 1997)) . كذلك القرار (42) . لجنة استثنافية الثانية / 1996 بتاريخ 26/12/1996 غير منشور والذي جاء في حيثياته (( يجوز النـزول أو الصعود على تقديرات السنة السابقة على نفس المصدر وذلك على ضوء الوضع الاقتصادي السائد)) .

المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : الدخل في التشريع الضريبي العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .