أحكام حضانة الصغير:
لنا على المعالجة التشريعية لاحكام حضانة الصغير ملاحظتين تتعلق الاولى بأجرة الحضانة وتتعلق الثانية بانتهاء الحضانة وحسب التفصيل الآتي : ـ

أولاً : ـ أجرة الحضانة :

بموجب نص الفقرة ( 3 ) من المادة ( 57) تناول المشرع العراقي الاحكام الخاصة بأجرة حضانة الصغير ، حيث نصت هذه الفقرة على إنه ” إذا إختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في إجرة الحضانة قدرتها المحكمة ، ولا يحكم بأجرة الحضانة مادامت الزوجية قائمة أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي ” .
وبموجب هذه المادة تكون أجرة الحضانة واجبة على من تجب عليه نفقة الصغير ويتم تحديدها عن طريق الاتفاق بين الحاضنة وبين من تجب عليه نفقة الصغير فأذا حدث بينهما خلاف في مقدارها ، تصدت المحكمة لبيان هذا المقدار
وهذا الامر أكدته محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول ( إذا إختلف الزوجان في إجرة الحضانة قدرها القاضي في مصلحة الصغير )
وبينت الفقرة ( 3 ) الحالا ت التي تجب فيها أجرة الحضانة ، ويفهم من النص إن الحالات التي لايحكم فيها بأجرة الحضانة تتمثل بالحالات الاتية : ـ
1 ـ إذا كانت الحاضنة هي أم الصغير وكانت الزوجية بينها وبين والد الصغير قائمة .
2 ـ إذا كانت الحاضنة هي أم الصغير ،وكانت معتدة من طلاق رجعي ، وهذا ما أكدته محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول ( لايحكم باجرة الحضانة مادامت الزوجة معتدة من طلاق رجعي )
وبخلاف هاتين الحالتين تستحق الام الاجرة عن حضانة الصغير أي في حال كونها معتدة من طلاق بائن او كانت الحياة الزوجية بينها وبين والد الصغير قد إنتهت
ونرى هنا إن التفرقة بين المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن من حيث عدم إستحقاق الاجرة عن حضانة الصغير تفرقة غير دقيقة ، لان كل من المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن تبقى مستحقة للنفقة من زوجها المطلق ويدخل ضمن هذه النفقة كل ما يتعلق بالصغير من رضاع وتربية وعناية وبالتالي فان إعطاء المعتدة من طلاق بائن أجرة عن حضانتها للصغير يؤدي الى الاضرار بالمكلف بالنفقة لانه سيلزم بدفع نفقتين عن فعل واحد ، كما يؤدي الى جمع المطلقة أيضا بين نفقتين عن فعل واحد .
ولما تقدم نقترح تعديل نص الفقرة (3 ) من المادة ( 57 ) لتكون صياغتها على النحو الآتي ( إذا إختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في إجرة الحاضنة قدرتها المحكمة ولا يحكم باجرة الحضانة ما دامت الزوجية قائمة ، او كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي او بائن )

ثانياً : ـ إنتهاء الحضانة : ـ
عالج المشرع العراقي الاحكام الخاصة بانتهاء الحضانة في نص الفقرتين ( 4 و5 ) من المادة ( 57 ) حيث نصت الفقرة ( 4 ) من هذه المادة على إنه ” للاب النظر في شؤن المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير حتى إكماله الخامسة عشر ، إذا ثبت لها بعد الرجوع الى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية إن مصلحة الصغير تقضي بذلك على أن لايبيت إلا عند حاضنته ”
وبموجب هذا النص جعل المشرع العراقي حضانة النساء للصغير ذكرا كان ام أنثى تمتد حتى العاشرة من عمره وأجاز للمحكمة بعد إنتهاء هذه الفترة أن تأذن بتمديد حضانته حتى إكماله الخامسة عشرة من العمر متى ما تبين لها إن مصلحة الصغير تقضي بذلك بشرط أن لايبيت إلا عند حاضنته ، وهو الاتجاه الذي ذهبت اليه محكمة التمييز في احد قراراتها بالقول ( يبقى الصغير لدى أمه ما لم يتم العاشرة من العمر فإن أتمها وجب تمديد حضانته إذا قررت اللجنة الطبية ذلك
ويقتصر دور الاب بموجب نص الفقرة ( 4 ) المشار اليها خلال فترة حضانة النساء سواء الاصلية منها أم فترة التمديد على النطر في شؤن المحضون والاشراف على تربيته وتعليمه .

ولم يفرق المشرع في هذا النص بين الذكر والانثى حيث جعل الحضانة لكليهما عشرة سنوات وأجاز تمديدها الى الخامسة عشرة من العمر ، وقد راعى المشرع كما يبدو في فترة التمديد هذه سن البلوغ الطبيعي في العراق والذي غالبا ما يحصل في سن الخامسة عشرة بالنسبة للذكر والانثى
ونصت الفقرة (5 ) من المادة (57 ) على إنه ” إذا اتم المحضون الخامسة عشرة من عمره يكون له حق الاختيار مع من يشاء من أبويه او أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا آنست منه المحكمة الرشد في هذا الاختيار ”
وقد أخذ المشرع في هذا النص بالاتجاه الفقهي القائل بالتخيير ، وهو إتجاه فقهاء الحنابلة ، والشافعية(63 ) والمالكية والزيدية( حيث أعطى للمحضون بعد إكماله الخامسة عشرة من العمر حق الاقامة مع من يشاء من ابويه متى ما آنست منه المحكمة الرشد في هذا الاختيار وهو الاتجاه الذي أخذت به محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول ( إذا كان المحضون قد اتم الخامسة عشرة من عمره فيجب ادخاله شخصا ثالثا في الدعوى والسؤال منه عمن يختار الضم اليه من ابويه واقاربه عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره ) (666)

وجاء في قرار آخر لمحكمة التمييز ( للصغيرة حق الاختيار مع من تشاء إذا آنست المحكمة منها الرشد في هذا الاختيار )
وينتقد الدكتور أحمد الكبيسي الاتجاه الذي ذهب اليه المشرع العراقي في إجازة تمديد حضانة الصغير حتى إتمامه الخامسة عشرة من العمر ثم إعطاؤه حق الاختيار بعد هذه السن في الاقامة مع من يشاء من ابويه او احد أقاربه وعدم التمييز في هذا الحكم بين الذكر والانثى . ويرى إن في هذا الامر مسايرة للتوجه الغربي ، وابتعادا عن مفاهيم الاسرة العربية ، إذ يهون الامر من دور الاب في تربية اولاده وهم بأمس الحاجة اليه كما إن عدم التمييز في هذا الاطار بين الذكر والانثى يخالف التوجه العام الذي ذهب اليه فقهاء الشريعة الاسلامية من ان البنت لاتخير بعد إنتهاء حضانة النساء وأنما تعطى لابيها
وفي هذا المعنى يقول الفقيه إبن نجيم ( والام والجدة أحق بالصغيرة حتى تحيض لانها بعد الاستغناء تحتاج الى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك اقدر وبعد البلوغ تحتاج الى التحصين والحفظ والاب في اقوى واهدى )
ونحن نوافق الاستاذ الكبيسي في رأيه ونرى بانه كان على المشرع العراقي ان يجعل حضانة النساء للصغير ذكرا كان ام انثى تنتهي ببلوغهما العاشرة من العمر ويجوز تمديد هذه الفترة حتى بلوغ الصغير والصغيرة الخامسة عشرة من العمر وبعدها يعطى للذكر حق الاقامة مع من يشاء متى ما آنست منه المحكمة الرشد في الاختيار ، في حين تبقى الانثى لدى ابيها ما دامت غير مأمونة على نفسها ، وذلك أخذا بالاتجاه الفقهي العام في هذا الصدد .
وبناء على ما تقدم نرى انه من الافضل الاستعاضة عن نص الفقرتين ( 4 ) و(5 ) من المادة ( 57 ) بنص واحد تكون صياغته الاتية : ـ ( تنتهي حضانة النساء باتمام الصغير والصغيرة العاشرة من العمر وللمحكمة ان تأذن بتمديد الحضانة حتى اكمال الخامسة عشرة من العمر يعطى بعدها للذكر الحق في الاقامة مع من يشاء من ابويه او اقاربه متى ما آنست منه المحكمة الرشد في الاختيار ، وتعطى الانثى لابيها )

وما دمنا في إطار الكلام عن موضوع الحضانة لابد لنا من الاشارة الى مسألتين : ـ
المسألة الاولى : ـ ان المشرع العراقي لم يتطرق عند معالجته لاحكام الحضانة لمسألة منع صاحب الحق في الحضانة من له حق المشاهدة من مشاهدة المحضون فحق مشاهدة المحضون حق تراعى فيه مصلحتين : ـ
الاولى : ـ مصلحة من له حق المشاهدة في مشاهدة الصغير للاطمئنان عليه والاشراف على حسن تربيته وتعليمه ومراقبة أحواله الصحية والنفسية .
الثانية : ـ مصلحة الصغير في رؤية من تقرر حق المشاهدة لمصلحته ابا كان أم أما أم قريبا ، إذ يكون الصغير في هذه المرحلة في مفترق طرق إجتماعية وثقافية واشراف من تقررله حق المشاهدة عليه يساعده في التوحه الصحيح والبناء النفسي والعقلي الامثل
وبالتالي لايجوز له عدم إستخدام هذا الحق ولايجوز لمن بيده الصغير منعه من المشاهدة ، فهي بالنسبة للصغير حق خالص .
وفي هذا المعنى يقول الدكتور زكريا البري : ( ليس للحاضنة ان تمنع الاب من رؤية ولده ، بل يجب عليها ان تمكنه من ذلك وليس للاب ايضا ان يمنع الام من رؤية ولدها إذا انتهت مدة حضانتها بل يجب عليهما ان يتعاونا في ذلك وان يقصرا خلافاتهما على أشخاصهما وان لايتخذا من الولد وسيلة للكيد والنكاية )
وإذا كان المشرع العراقي لم يتطرق لحكم هذه المسألة فأن هناك تشريعات عربية أخرى تناولت هذه المسألة وبينت حكمها ، حيث نص المشرع المصري في المادة (20 ) من القانون رقم ( 44 ) لسنة ( 1979 ) المعدل على إنه ” …. إذا امتنع من بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضي فأن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب التنفيذ نقل الحضانة مؤقتا الى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقررها ” .
وفي حالة إمتناع من بيده الصغير عن تنفيذ حكم المشاهدة ينتقل حق المشاهدة الى من يليه من أصحاب هذا الحق .
وأوجب المشرع الاماراتي تنفيذ حكم المشاهدة جبرا على من بيده الصغير في حالة إمتناعه عن السماح بتنفيذه ، حيث نص في الفقرة ( 4 ) من المادة ( 154 ) على إنه ” ينفذ الحكم جبرا إذا إمتنع عن تنفيذه من عنده المحضون ”
ولما كانت مسألة المنع من مشاهدة المحضون كما أشرنا من المسائل المهمة فإننا نرى أن يتدارك المشرع العراقي النقص التشريعي وان يعمد إلى تضمين القانون بنص يقضي بعقوبة للحاضن الذي يمنع من له حق مشاهدة الصغير من مشاهدته وذلك بالانذار اولا ثم سحب الحضانة بصورة مؤقتة إذا تكرر المنع ثانيا ، ثم إسقاط حضانته ونقلها إلى من يليه في هذا الحق إذا تكرر المنع مرة ثالثة .
ونرى بأنه لايمكن الاخذ بالاتجاه الذي ذهب اليه المشرع الاماراتي والذي يقضي بتنفيذ حكم المشاهدة جبرا على من بيده المحضون في حالة إمتناعه عن السماح بتنفيذه ، وذلك للآثار النفسية السيئة التي يمكن يرتبها التنفيذ الجبري لحكم المشاهدة على الصغير

المسألة الثانية : ـ إن المشرع العراقي لم يتطرق للاحكام الخاصة بالانتقال بالمحضون من مكان لإخر من قبل من له حق الحضانة ، وهي المسألة التي بحثها فقهاء الشريعة بشيء من التفصيل والخلاف حيث بينوا الحالات التي يحق للام فيها الانتقال والسفر بالمحضون من مكان لإخر ، وفرقوا في هذا الصدد بين ما إذا كانت الحياة الزوجية بين الزوجين قائمة حقيقة او حكما وبين ما إذا كانت الحياة الزوجية قد إنتهت بطلاق أو فرقة
وإذا كان المشرع العراقي لم يتعرض بصورة مباشرة للاحكام الخاصة بالانتقال بالمحضون ، إلا إنه يمكن الاستدلال بنص الفقرة (4 ) من المادة ( 57 ) لاستخلاص بعض هذه الاحكام ، حيث نصت هذه الفقرة على إنه ” للاب النظر في شؤون المحضون …… على أن لايبيت إلا عند حاضنته ”
حيث يقضي أعمال هذا النص ان يكون المحضون قرب الاب ليتولى مراقبته والعناية به والاشراف عليه وان السفر بالصغير والانتقال به الى مكان آخر يفوت على الاب والصغير المصلحة من إقرار هذا الحق .
وقد جرى قضاء محكمة التمييز في العراق على منع الحاضنة من السفر بالمحضون الى بلد غير بلد الاب إذا أدى ذلك الى الاخلال بحق الاب في العناية بالمحضون ورعاية شؤونه حيث جاء في أحد قراراتها ( ليس للحاضنة ألسفر بالمحضون الى بلد آخر لغرض الاستيطان بحيث يتعذر على أب المحضون النظر في شؤنه وتربيته وتعليمه طبقا للفقرة الرابعة من المادة ( 57 ) المعدلة )
كما جرى قضاء محكمة التمييز على منع المطلقة من السفر بالمحضون الى بلد بعيد عن البلد الذي يسكنه والده إذا أدى ذلك الى تفويت حقه في رعاية المحضون والعناية به حيث جاء في احد قراراتها ( ليس للوالدة أخذ ولدها الذي في حضانتها الى المدينة التي يسكنها أهلها بعيدا عن مدينة والد الطفل الذي طلقها
. ونرى هنا بان احكام إنتقال المحضون من الاحكام الهامة التي كان الاولى بالمشرع العراقي أن يضمنها قانون الاحوال الشخصية وذلك للخلاف الفقهي في هذه الاحكام الامر الذي يصًعب مهمة القاضي عند الرجوع الى هذه الاحكام . وهو الامر الذي تناولته قوانين الاحوال الشخصية العربية بشيء من التفصيل ، كالقانون السوري ، والقانون الاماراتي ، والقانون التونسي.