تترتب على التاجر مسؤولية مدنية وجزائية عن إخلاله بتنظيم دفاتره التجارية، لذا سنتناول هذه المسؤولية في الفقرتين الآتيتين:

أولاً- المسؤولية المدنية:

يسأل التاجر مدنياً تجاه الغير الذي أصابه ضرر بسبب الإخلال بتنظيم الدفاتر التجارية، وتتحدد مسؤولية التاجر المدنية على وفق القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية(1)، ولكي تقوم مسؤولية التاجر تجاه الغير فلابد من وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، وخطأ التاجر يتمثل في مخالفة القواعد القانونية الخاصة بتنظيم الدفاتر التجارية (2)،والتلاعب (الغش) في قيود الدفاتر التجارية من أجل إخفاء حقيقة المركز المالي للتاجر والتمويه على مراقب الحسابات، كإعطاء معلومات غير صحيحة عن أصول المحل التجاري أو عن وفرة أرباحه التجارية لحمل الغير على الأقدام على شرائه أو للحصول على اعتماد مالي من أحد المصارف، ويتم ذلك من خلال تقديم ميزانية غير صحيحة تظهر أرباح التاجر على غير حقيقتها أو تظهر الديون المعدومة في جانب الأصول بالرغم من انقطاع الأمل في تحصيلها (3)، ويعتبر الالتباس الوارد عن قصد في الحسابات بمثابة التصريح الكاذب أما التفاؤل الزائد فلا يعتبر كذلك (4)، ويقاس خطأ التاجر في تنظيم حساباته بمعيار موضوعي هو سلوك التاجر المعتاد (الحريص) الموجود في الظروف ذاتها، ولابد من توافر الضرر والذي يكون نتيجة لخطأ التاجر في تنظيم حساباته، فقد يقدم الغير على شراء المحل التجاري معتقداً بوفرة أرباحه التجارية بناءاً على بيانات غير صحيحة تضمنتها الحسابات الختامية فيصيبه ضرر من جراء ذلك أو يفتح أحد المصارف اعتماداً مالياً للتاجر لا يستطيع تسديده فيما بعد بسبب سوء حالته المالية، أو يقدم الغير على الاكتتاب بأسهم أو سندات الشركة بناء على البيانات الواردة في حساباتها الختامية التي تظهر الوضع المالي على غير حقيقته، وعلى المدعى أن يقيم الدليل على خطأ التاجر إذ لا توجد قرينة لصالح المتضرر على خطأ التاجر،الضرر الذي أصابه من جراء خطأ التاجر في تنظيم حساباته، والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. وفضلاً عن مسؤولية التاجر التقصيرية تجاه الغير فأن الإخلال بتنظيم الدفاتر التجارية من شأنه أن يعرض التاجر إلى جزاءات مدينة منها، عدم قدرة التاجر على الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحته في مواجهة الغير، ولكن هذا الجزاء لا يعدو أن يكون إلا جزاءاً نظرياً لأن القضاء يتمتع بحرية واسعة في تقدير حجية الدفاتر التجارية سواء كانت منتظمة أم غير منتظمة، كما أن التاجر يستطيع أن يستند إلى قيود دفاتره غير المنتظمة في مواجهة الغير إذا كان هذا الأخير قد تمسك بها، وللتاجر أن يثبت عكس ما ورد في دفاتر خصمه المنتظمة بطرق الإثبات كافة ولو لم يكن لديه دفاتر تجارية (5)، وكذلك فإن المادة (28/1 ،29/1) من قانون الإثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979 قضت صراحةً بأن قيود الدفاتر الإلزامية وغير الإلزامية لايجوز أن تكون حجة لصاحبها على الغير، وعلاوة على ذلك تلتزم المحكمة برد طلب الصلح الواقي من الإفلاس الذي يتقدم به التاجر المتوقف على أداء ديونه التجارية، إذا لم يقدم تأييداً لطلبه دفاتره التجارية الإلزامية المنظمة حسب الأصول للسنتين السابقتين على تقديم الطلب(6)، أو من بدء احترافه للتجارة إذا كانت المدة تقل عن ذلك(7)، وهذا يعتبر من قبيل الجزاء المدني.

ثانياً- المسؤولية الجزائية:

قد يسأل التاجر جزائياً عن الإخلال بتنظيم الدفاتر التجارية حيث يتعرض لعقوبات جزائية وردت في تشريعات عدة، فعلى وفق قانون التجارة يتعرض التاجر لعقوبة تتمثل بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على ألف دينار إذا خالف الأحكام الخاصة بمسك الدفاتر التجارية سواء كان شخصاً طبيعياً أم معنوياً (8)، وفي قانون ضريبة الدخل يتعرض التاجر الذي يخالف أحكام نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل لعقوبة تتمثل بغرامة بنسبة تتراوح بين 10% و25% من الدخل المقدر قبل تنزيل السماحات المقررة قانوناً على أن لا يقل مبلغ الغرامة عن خمسمائة دينار(9)، كما يتعرض التاجر لعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة إذا ثبت أمام المحكمة المختصة، إنه قدم عن علم بيانات أو معلومات كاذبة أو ضمنها في تقرير أو حساب أو بيان بشأن الضريبة أو أخفى معلومات كان ملزماً ببيانها قاصداً بذلك الحصول على خفض أو سماح من مقدار الضريبة التي تفرض عليه، أو أعد حساباً أو تقريراً أو بياناً كاذباً أو ناقصاً مما يجب إعداده أو تقديمه على وفق قانون ضريبة الدخل أو ساعد أو حرض أو أشترك في ذلك(10). فضلاً عن ذلك فأن المادة (58) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 تنص على أن: ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على السنتين من يثبت أمام المحاكم المختصة أنه أستعمل الغش أو الاحتيال للتخلص من إداء الضريبة المفروضة أو التي تفرض بموجب هذا القانون كلها أو بعضها)). ويلاحظ على هذا النص أن المشرع العراقي استعمل عبارة (الغش أو الاحتيال) مما يتبادر إلى الذهن أنه أعطى الغش معنى مغايراً للاحتيال بالرغم من أن غاية الاحتيال هو الغش أي أن قصد المكلف من استعمال الطرق الاحتيالية هو إيهام الإدارة الضريبية وإيقاعها في الغلط، لذا فإن النص يعتبر معيباً من حيث الصياغة اللغوية(11)، وكذلك فإن النص لم يحدد الطرق الاحتيالية كما فعل المشرع المصري في المادة (178) من قانون الضرائب رقم (157) لسنة 1981 والتي تنص على أن: ((يعاقب… كل من تهرب من أداء إحدى الضرائب المنصوص عليها في هذا القانون باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية الآتية: 1- تقديم الممول الإقرار الضريبي السنوي بالاستناد إلى دفاتر أو سجلات مصطنعة مع تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت بالدفاتر أو السجلات أو الحسابات أو المستندات الحقيقية التي أخفاها عن مصلحة الضرائب. 2- تقديم الممول الإقرار الضريبي السنوي على أساس عدم وجود دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات مع تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت بما لديه فعلاً من دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات أخفاها عن مصلحة الضرائب. 3- اتلاف أو اخفاء الدفاتر أو السجلات أو المستندات قبل انقضاء الأجل المحدد لتقادم دين الضريبة. 4- توزيع أرباح على شريك أو شركاء وهميين بقصد تخفيض نصيبه من الأرباح. 5- إخفاء نشاط أو أكثر مما يخضع للضريبة.)). لذا يمكن عد الوسائل الاحتيالية الواردة في النص المصري أهم تطبيقات للاحتيال المنصوص عليه في المادة (58) من قانون ضريبة الدخل.وعلى وفق قانون الشركات فإن الشركة تتعرض لعقوبة تتمثل بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار إذا لم تهيأ السجلات الواجب مسكها قانوناً(12)، كما ويتعرض أي مسؤول في الشركة، عندما يعطي عن عمد بيانات أو معلومات غير صحيحة إلى جهة رسمية حول نشاط الشركة أو أسهم أعضائها أو حصصهم أو كيفية توزيع الأرباح، لعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف أو بالعقوبتين معاً(13).أما في قانون العقوبات فيتعرض التاجر لعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا دون قيوداً غير صحيحة أو أغفل تدوين قيوداً صحيحة في الدفاتر التي يوجب القانون مسكها والتي تخضع لرقابة السلطات العامة مما يؤدي إلى إيهام تلك السلطات وإيقاعها في الغلط(14)، وكذلك يعتبر التاجر مفلساً بالتقصير لعدم مسكه الدفاتر التجارية الإلزامية أو كانت دفاتره الإلزامية ناقصة أو غير منتظمة بحيث لا يعرف منها حقيقة ماله وما عليه، ومن شأنه ذلك أن يعرضه لعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار(15)، ويمكن إعتبار التاجر مفلساً بالتدليس إذا أخفى دفاتره التجارية أو بعضاً منها أو أتلفها أو غير فيها أو استبدلها بغيرها وتبعاً لذلك أشهر إفلاسه، ومن شأن ذلك أن يعرضه لعقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن سنتين(16).

_________________

1- انظر المادة (186) وما بعدها من القانون المدني العراقي.

2- انظر المادة (17) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984، وكذلك المواد ( 7/1 ،2) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985.

3- د. محمد كامل أمين ملش، الشركات، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1957.،ص408.

4- نعوم سيوقي المحامي، مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة في الشركة المساهمة، مجلة القضاء، نقابة المحامين العراقية، العدد الأول والثاني، السنة الثامنة عشرة، 1960،ص72.

5- د. طالب حسن موسى، مبادئ القانون التجاري، الطبعة الأولى، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974، ص142-143

6- انظر المواد (752،749،744) من قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة 1970 الملغي.

7- د. عزيز عبد الأمير العكيلي، أحكام الإفلاس والصلح الواقي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997، ص326.

8- المادة (38)من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984.

9- البند (3) من الفقرة (1) من المادة (56) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982.

10- المادة (57) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 .

11- طالب نور عبود الشرع، الجريمة الضريبية، رسالة دكتوراه، كلية القانون – جامعة بغداد، 2000، ص70 .

12- المادة (216) من قانون الشركات رقم (21) لسنة 1997 .

13- المادة (218) من قانون الشركات.

14- المادة (296) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 .

15- المادة (470) من قانون العقوبات .

16- المادة (468) من قانون العقوبات .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .