دور المحكمة الاتحادية العليا في ضمان وحدة واستقرار البلاد

من مهام المحكمة الاتحادية العليا في العراق فض المنازعات بين حكومات الأقاليم والحكومة الاتحادية وعلى وفق ما جاء في الفقرة (رابعاً) من المادة (93) من الدستور التي جاء فيها الآتي (الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية) فضلاً عن نص الفقرة (أولا) من المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 التي جاء فيها الآتي (الفصل في المنازعات التي تحصل بين (الحكومة الاتحادية) وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية)

ويقصد بالنزاع وجود خصومة بين الطرفين ناجمة عن الاختلاف في وجهات النظر تجاه موضوع معين ويتعذر عليهم الوصول إلى فهم مشترك أو حل مناسب للمشكلة موضوع النزاع أو كما يسمى حل النزاع ودياً فإذا تعذر على الطرفين المتخاصمين لهم اللجوء إلى القضاء الدستوري لإعطاء الحل المناسب في ضوء الأحكام الدستورية النافذة وفي الفترة الراهنة حصل خلاف بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية على موضوع الاستفتاء الذي أجرته سلطة الإقليم للوقوف على رأي سكان الإقليم في الانفصال عن العراق واخذ الموضوع مديات بعيدة وخطيرة من جراء عدم وجود فهم مشترك أو مساحة مشتركة بين الطرفين يقفون عندها بينما الأمر سار إلى التنافر في المواقف حتى وصل إلى حد الاحتراب الداخلي،

لذلك سعى أهل الحكمة وأهل الحل والعقد من الطرفين إلى وجود أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان بحيث لا يكون فيها غالب ومغلوب وإنما فيها توافق مبني على أسس دستورية فكان اللجوء إلى الممارسة الدستورية في عرض الأمر على المحكمة الاتحادية العليا في العراق لان موضوع الانفصال يرى الكثير فيه من الخطورة التي ستؤثر على امن واستقرار البلد،

فضلاً عن العواقب المحتملة في تفكك النسيج الاجتماعي العراقي، والمتابع لهذا الأمر لاحظ ردود الأفعال التي ظهرت من خلال هذا النزاع، لكن بعد أن عرض النزاع على المحكمة الاتحادية العليا وهي الهيأة القضائية العليا في العراق التي تتولى الفصل في اخطر الملفات التي يتعرض لها البلد فكان لقراراتها التي أصدرتها الأثر الكبير في إطفاء جذوة الاحتراب والتخاصم وخلق أجواء ودية مشتركة مبنية على أسس دستورية تكون الأساس في فض النزاع ،

في قراراتها التي اتخذتها تجاه الأزمة ما يزيدنا فخراً بوجود قضاء دستوري ومحكمة دستورية مؤتمنة على المبادئ الدستورية التي وردت في الدستور العراقي الذي صوت عليه الشعب العراقي بأغلبيته وتعد الحارسة على امن واستقرار البلد والمتابع لردود الأفعال الدولية والمحلية سيجد بان الخصوم ذاتهم قد قبلوا بما صدر عن المحكمة الاتحادية العليا والتزموا بقراراتها وأعلنوا ذلك صراحةً

على الرغم من قناعتهم بصحة مسعاهم لكن أسلوبهم المتحضر تجاه إدارة الأزمات في البلاد دفعهم الى إعلان القبول بقرارات المحكمة الاتحادية العليا بوصفها ذات طبيعة ملزمة للجميع وهذا القبول من طرفي الخصومة سواء في حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية نال استحسان وقبول الأمم المتحدة والدول الكبرى والدول الإقليمية المحيطة بالعراق بل إن بعض السياسيين في الدول الكبرى تغنوا بهذه القرارات من خلال الإشادة بها لأنها وفرت للجميع الفرصة للعودة إلى أحضان البلد الواحد وحسم النزاعات بالطرق الحضارية والدستورية

وأسهمت كثيراً في ضمان وحدة البلاد واستقراره السياسي والاقتصادي والأمني كما أعطت هذه القرارات وهذا القبول من أطراف الخصومة الانطباع لدى الدول الصديقة للعراق إلى مضاعفة الجهد للنهوض بالعراق ودعمه في محاربة الإرهاب والفساد وما قامت به المحكمة الاتحادية ليس بالجديد أو المستغرب لان من يهتم بالقضاء الدستوري على وجه الخصوص والشأن السياسي العام سيجد إنها أسهمت كثيراً في صياغة شكل الدولة العراقية وأرست أسسها الدستورية من خلال العديد من القرارات المهمة.

وفي الختام احيي وبكل فخر جهد المحكمة الاتحادية العليا في نزع فتيل الأزمة التي عصفت بالبلد واعدة الأشقاء من أبناء العراق الواحد إلى طاولة الوحدة العراقية والحوار البناء والحضاري، وأتمنى على القائمين على أمر البلاد من السياسيين أن يجعلوا من هذه الأرضية المشتركة التي وفرتها تلك القرارات سبيل لإعادة الحوار والعمل المشترك تجاه النهوض بالعراق والارتقاء به من اجل تحقيق الرفاهية للشعب العراقي بكل قومياته وأطيافه ومذاهبه من أقصى العراق إلى أقصاه.
القاضي
سالم روضان الموسوي