الطعن 1032 لسنة 31 ق جلسة 26 / 2 / 1962 مكتب فني 13 ج 1 ق 49 ص 187 جلسة 26 من فبراير سنة 1962

برياسة السيد/ محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى.
————-
(49)
الطعن رقم 1032 سنة 31 القضائية

(أ – ب – ج) مواد مخدرة. حكم “تسبيبه. ما لا يعيبه”.
(أ) جريمة إحرازها. أركانها. الركن المادي وهو الإحراز. الركن المعنوي وهو القصد الجنائي العام. ما يوفره: علم المحرز بحقيقة المادة المضبوطة. التحدث في الحكم استقلالا عن القصد الجنائي. متى لا يلزم؟ إذا كان ما أورده الحكم يكفى للدلالة على قيامه.
(ب) استظهار قصد الإتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي. غير لازم.
(ج) نقل المواد المخدرة. هو أحد الأفعال المؤثمة في المادة 38 من القانون 182 لسنة 1960 لا ينطوي ذلك على قصد خاص.
استبعاد الحكم قصد الإتجار والتعاطي في حق المتهم، واستطراده إلى فرض آخر هو نقل المخدرات. ذلك لا يعيب الحكم: متى كان قد قال في ذلك قولا مقبولا لا تناقض فيه.
(د – هـ) إثبات “بوجه عام” “شهود”. نقض “أسبابه” “ما لا يقبل منها”.
(د) حرية المحكمة في استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة من مجموع الأدلة المطروحة عليها. عدم تقيدها في ذلك بدليل بعينه.
(هـ) شهود. أخذ المحكم بشهادة شاهد. مفاده: أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. غير جائزة.

—————-
1 – لا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالا عن القصد الجنائي في جريمة إحراز المواد المخدرة، بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه.
فإذا كان يبين من مدونات الحكم أن المحكمة قد اطمأنت للأسباب السائغة التي أوردتها إلى توافر الركن المادي لجريمة إحراز المخدر في حق المتهم وإلى علمه بكنهه وبحقيقة المادة المضبوطة، فإن ذلك مما يتوافر به القصد الجنائي العام في هذه الجريمة.
2 – لا تستلزم المادة 38 من قانون المخدرات رقم 182 لسنة 1960 قصدا خاصا من الإحراز، بل تتوافر أركانها بتحقق الفعل المادي والقصد الجنائي العام – وهو علم المحرز بحقيقة الجوهر المخدر – دون تطلب استظهار قصد الإتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
3 – متى كان الحكم قد أبان في وضوح صلة المتهم بالجوهر المخدر وعلمه بحقيقته واستبعاده قصد الإتجار أو التعاطي في حقه، ثم استطرد إلى فرض آخر هو نقل المخدر لحساب آخرين، فإن ذلك لا يعيب الحكم طالما أن النقل في حكم المادة 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 هو فعل مادى من قبيل الأفعال المؤثمة التي ساقتها المادة من “حيازة أو إحراز أو شراء أو تسليم أو “نقل” أو إنتاج أو فصل أو صنع للجواهر المخدرة” ولا ينطوي على قصد خاص – ومن ثم يكون هذا الاستطراد من الحكم غير مؤثر في حقيقة الواقعة التي استخلصها وانتهى إليها بما لا تناقض فيه.
4 – استخلاص الواقعة من أدلتها وعناصرها المختلفة من حق محكمة الموضوع التي لها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد 5 – متى أخذت محكمة الموضوع بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز جواهر مخدرة “أفيونا” في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و33/ ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند أ من الجدول رقم 1 المرفق. فقررت بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمواد 37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والجدول أ الملحق بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة عشر سنوات وبتغريمه 500 جنيه ومصادرة المواد المخدرة والسيارة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض … الخ.

المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه إذ استبعد قيام قصد الإتجار أو التعاطي الشخصي في حق الطاعن ذكر أنه ليس ببعيد أنه كان ينقل المخدر لحساب آخرين وهو أمر مبناه الفرض والاحتمال لم يدلل الحكم على ثبوته ويحمل في طياته تجريحا لأقوال رجال الشرطة في تحرياتهم التي لم يكشفوا عن مصدرها وفى أقوالهم في التحقيقات وأمام المحكمة التي نسبوا فيها عملية النقل تارة إلى الطاعن وأخرى إلى استخدام سيارته، وفى جمع الحكم بين هذه الواقعة المفترضة وبين استبعاد القصد الخاص من إحراز المخدر ما يصم تدليله بالتهاتر. هذا إلى أن الحكم لم يدلل كذلك على توافر ركن العلم بحقيقة الجوهر المخدر في حق الطاعن الذى أنكر منذ البداية علمه – ليس فقط بحقيقة المادة التي يحويها صندوق الكرتون الذى وجد به المخدر – بل وجود الصندوق ذاته – وكان من المتعين على الحكم أن يرد على هذا الدفاع وأن يمحصه وخصوصا أن ظروف الدعوى تنفى قيام هذا العلم في حق الطاعن إذ تضاربت أقوال ضابط المباحث والكونستابل في شأن مكان ضبط الصندوق من السيارة ودلت معاينة النيابة لهذه السيارة وأقوال أحد شهود النفي وأقوال الطاعن نفسه على أن المادة المخدرة قد دسها شخص معين بالاسم في التحقيقات وهو محمد على الإسكندراني والذى لم يستدع لسماع أقواله، أو أنها دست بمعرفة شخص آخر مجهول. كما قصر الحكم في الرد على ما أثاره الطاعن من أنه يجهل قيادة السيارات وأن الذى كان يقود السيارة المضبوطة هو الميكانيكي محمد على الإسكندرانى إذ اعتمد الحكم في القول بأن الطاعن هو الذى كان يقود السيارة المذكورة قبل ضبطها على أقوال ضابط المباحث التي لا دليل عليها بل إن واقع الحال ينفيها بل أن الضابط ذاته هو الذى قاد السيارة عقب الضبط إلى قسم الشرطة كما أكد شاهد النفي في التحقيق جهل الطاعن قيادة السيارات وثبت أنه لا يحمل رخصة قيادة، ولا ينال من دفاع الطاعن بمجرد عدم استدلال الشرطة على الميكانيكي سالف البيان مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في أن الملازم عزت توفيق ضابط مباحث قسم روض الفرج علم من تحرياته أن المتهم فرحان محمد على “الطاعن” سيقوم بتهريب كمية كبيرة من المخدرات بسيارته الملاكي رقم … مصر فاستأذن النيابة في ضبطه وتفتيش سيارته وأذنت له النيابة بذلك قبيل الساعة الرابعة مساء يوم 22/ 1/ 1959 وفى الساعة 11 و45 دقيقة مساء ذلك اليوم تربص الضابط للسيارة بزمام دائرة القسم الذى يعمل به وكان يرافقه الكونستابل فكرى زكى وشاهدا المتهم يقود السيارة ففتشاها ووجدا على الكرسي الخلفى صندوق كرتون بفتحه وجد به كميات كبيرة من مادة الأفيون وبجانبها كمية من الشيح لتغطى رائحة الأفيون ولما سأل الضابط المتهم عن مصدرها أنكر علمه بها وتبين من التحليل أن المخدر المضبوط أفيون زنته 4983 جراما. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه أدلة مستمدة من أقوال الضابط والكونستابل ومن تقرير المعمل الكيماوى وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز المخدر بغير قصد الإتجار أو الاستعمال الشخصي التى دين الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الموضوعي ففنده في قوله “وبما أن المتهم (الطاعن) أنكر التهمة ولم يجرح شهادة شاهدي الإثبات بما يضعف من قيمتها في إقناع المحكمة بصحة التهمة المسندة إليه، وقد ادعى أن الصندوق الذى وجد به المخدر كان موضوعا في الشنطة الخليفة للسيارة ولم يقدم أى دليل على ذلك، وعلى فرض صحته فهو لا يغير من الأمر شيئا ما دام المخدر قد وجد بداخل السيارة المملوكة له والتي كان يقودها وقت الضبط. كما ادعى المتهم أنه يجهل قيادة السيارات وأن الذى كان يقودها هو الميكانيكي محمد على كان يجرى إصلاحها بورشته قبل ضبطها ولم يقدم أى دليل على صحة هذا الدفاع ولم يرشد عن هذا الميكانيكي عندما سئل عن عنوانه ولم يدع أن بينه وبين هذا الميكانيكي خصومة تدعوه إلى ترك هذه الكمية الكبيرة من المخدرات الغالية الثمن في سيارة المتهم ساعة الضبط ليتحمل مسئولية حيازتها، وقد علم البوليس بأن المتهم بأن المتهم سيهرب المخدرات بسيارته واستأذن النيابة في ضبطه في الساعة الثالثة مساء يوم 22/ 7/ 1959 ولم يتم ضبط السيارة إلا قبيل منتصف الليل، وقد ادعى المتهم أنه استلم السيارة من مكان إصلاحها في الساعة الثامنة مساء يوم الضبط فكيف وصلت هذه المعلومات إلى البوليس قبل استلام المتهم السيارة وقت ضبطه بها وفى هذا ما يهدم دفاع المتهم من أساسه” وخلص الحكم من ذلك إلى أنه لم يثبت للمحكمة أن إحراز المتهم “الطاعن” للمخدر كان بقصد الإتجار أو التعاطي الشخصي وليس بعيد أنه كان ينقل المخدر إلى أسيوط لحساب آخرين”. وانتهى إلى إعمال حكم المادتين 37 و38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها الذى صدر في أثناء سير المحاكمة لما جاء في نصوصه من عقوبات أخف بوصفه القانون الواجب التطبيق عملا بالمادة الخامسة من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أن المحكمة قد اطمأنت للأسباب السائغة التي أوردتها إلى توافر الركن المادي لجريمة إحراز المخدر في حق الطاعن وإلى علمه بكنهه وبحقيقة المادة المضبوطة بما يتوافر به القصد الجنائي العام في هذه الجريمة، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالا عن هذا الركن بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف – كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة – ما يكفى للدلالة على قيامه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في تصوير الحادث مردودا بأن استخلاص الواقعة من أدلتها وعناصرها المختلفة من حق محكمة الموضوع التي لها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه، ومتى أخذت محكمة الموضوع بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى وأثبتها في حق الطاعن على صورة تخالف دفاعه وذلك في منطق سائغ ودلل على ثبوت إحراز المخدر في حق الطاعن بركنيه المادي والمعنوي وهو ما يكفى لحمل قضائه بإدانة الطاعن بالتطبيق للمادة 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 التي لا تستلزم قصدا خاصا من الإحراز، بل تتوافر أركانها بتحقيق الفعل المادي والقصد الجنائي العام وهو علم المحرز بحقيقة الجوهر المخدر دون تطلب استظهار قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي. ولا يعيب الحكم بعد أن أبان في وضوح صلة الطاعن بالجوهر المخدر المضبوط وعلمه بحقيقته واستبعاده قصد الإتجار أو التعاطي الشخصي في حقه أن يستطرد إلى فرض آخر وهو نقل المخدر لحساب آخرين طالما أن النقل في حكم المادة 38 سالفة البيان هو فعل مادى من قبيل الأفعال المؤثمة التي ساقتها المادة من “حيازة أو إحراز أو شراء أو تسليم أو نقل أو إنتاج أو فعل أو صنع للجواهر المخدرة” ولا ينطوي في ذاته على قصد خاص، ومن ثم يكون هذا الاستطراد من الحكم غير مؤثر في حقيقة الواقعة التى استخلصها وانتهى إليها بما لا تناقض فيه. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .