التقليد :

عرفت المادة (274) من قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة 1969 التقليد على انه ((صنع شئ كاذب يشبه شيئاً صحيحاً)). يراد بالتقليد (( اصطناع لشيء صحيح ليشابهه في صورة شئ اخر بحيث يخدع به جمهور المطلع عليه ))(1). وعرف التقليد على انه (( اصطناع لختم او اثره تقليداً للاشياء الصحيحة أي مشابهة لها في شكلها الخارجي ))(2). كما عرف التقليد على انه (( الاصطناع الكلي لشئ معين حدده القانون وجرم تقليده دون اذن من السلطات المختصة ، ويتحقق باي فعل او وسيلة ينشا من خلالها الجاني شيئاً يشبه في ظاهره الشيء الذي جرم القانون تقليده أي الختم او اثره ))(3). فالتقليد يراد به (( اصطناع لختم او اثره تقليداً للاشياء الصحيحة أي مشابهة لها في الشكل والتي يشملها القانون بحمايته وبمعنى اخر اعطاء الشئ او الختم المصطنع شكله المقرر له قانوناً او عرفاً لو كان صحيحاً ودون اذن من السلطات المختصة ))(4). والسؤال الذي يطرح هنا هو هل ان التقليد يقتصر على نفس الالة المعدنية او الخشبية أي الختم نفسه ام يمتد ليشمل الاثر الذي تحدثه تلك الآلة ؟ والاجابة على هذا السؤال واضحة ومحددة فالتقليد متصور في الحالتين اذ من الممكن ان يتم تقليد الالة المحدثة للاثر باصطناعها فضلاً عن امكانية تقليد اثر تلك الالة دون تقليد الالة نفسها ، فالتقليد قد ينصب على الختم أي الالة نفسها او على اثرها الذي تحدثه وعلى هذا اجماع الشراح والفقه(5).

والتقليد لا يشترط به ان يكون متقناً بحيث ينخدع به الخبير او الفاحص المدقق بل يكفي ان يكون هناك تشابه بين الختمين المقلد والصحيح يسمح للختم بالتعامل أي امكانية انخداع الجمهور به . فاذا لم يتوافر في الختم المقلد تشابه بينه وبين الصحيح يسمح له بالتعامل أي انه لم ينخدع به احد سواء اكان يعرف القراءة والكتابة ام لا يعرفها . فلا يتحقق في هذه الحالة التقليد لان التقليد لا يتحقق ما لم يتوافر تشابه بين الختم المقلد والصحيح ينخدع به جمهور المطلع عليه . فاذا كان التقليد واضحاً لدرجة عدم انطلائه على احد فلا يتوافر ولا يتحقق التقليد في هذه الحالة . فالعبرة بالتقليد باوجه الشبه لا باوجه الخلاف متى تحقق بين الختمين قدر من التشابه يسمح للختم المقلد بالتعامل يعتبر التقليد قد تحقق . فالتقليد لا يعني الاتقان التام للشئ المقلد اذ ما قارناه بالشئ الصحيح والاصلي وانما يعني مجرد تحقق تشابه يسمح للجمهور بالتعامل بالختم المقلد على اساس كونه ختماً حقيقياً وصحيحاً(6). ولا يشترط ان يكون الانخداع بالختم المقلد قد حصل او تم فعلاً بل يكفي ان يكون هناك تشابه بين الختم المقلد والصحيح تتحقق بتوافره امكانية انخداع الجمهور بالختم المقلد على اساس أنه ختم حقيقي(7). فمتى تحقق التقليد توافر وتحقق السلوك الاجرامي وبالتالي قيام الجريمة أي جريمة تزييف الأختام . فالتقليد يعد جريمة في ذاته ، حتى ولو لم يستعمل الجاني الختم المقلد(8). اما بالنسبة للمعيار الذي يمكن ان يتخذ لغرض تحديد امكانية انخداع الجمهور بالختم المقلد من عدمه فهو معيار الشخص المعتاد . فعلى المحكمة او القاضي ان يتخذ هذا المعيار من اجل تحديد امكانية توافر انخداع الجمهور من عدمه ، وتقدير توافر التقليد من عدمه مسالة موضوعية تدخل في نطاق السلطة التقديرية للقاضي(9)، فتقدير تحقق التشابه من عدمه وبالتالي التقليد مسالة موضوعية مرجعها لقاضي الموضوع(10)، الذي له بهذا الصدد الاستعانة بأهل الخبرة لتقدير وجود التشابه بين الختم الصحيح والختم المزيف(11).

___________________

1- د . عبد الرحيم صدقي ، التزوير والتزييف ، دراسة تحليلية انتقادية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1994 ، ص 106 .

2- د . رؤوف عبيد ، جرائم التزييف والتزوير في القانون المصري ، ط2 ، 1954، ص 31 .

3- د . مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار الفكر العربي ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1981 ، ص 335

4- المستشار فرج علواني هليل ، جرائم التزييف والتزوير ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية، 1993 ، ص 110

5- د . رؤوف عبيد ، المصدر السابق ، ص 31؛ المستشار فرج علواني هليل ، المصدر السابق ، ص111 ؛ د. عبد الرحيم صدقي ، المصدر السابق ، ص110 .

6- د . محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، ط7 ، مطبعة جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1975 ، ص121.

7- د . عبد الرحيم صدقي ، المصدر السابق ، ص 111 .

8- (( وفي ذلك السياق ذهبت محكمة جنايات نينوى الى ان وجود الختم المزيف لدى المتهم يكفي لإدانته وان لم يستعمله)) . انظر : قرار محكمة جنايات نينوى المرقم (1949/ج/2001) الصادر في 2/12/2001 غير منشور .

9- (( وقضت محكمة النقض المصرية بانه متى كانت المحكمة قد انتهت في منطق سليم الى عدم توافر ركن التقليد لان العلامة التي وضعت على اللحوم لا يمكن ان ينخدع بها احد سواء من يعرف القراءة والكتابة ومن لا يعرفها وهو من الواقع الذي استيقنته المحكمة بنفسها في الدعوة بما لها من سلطة تقديرية ، فانه لا يقدح في سلامة هذا التقدير ان يكون الخبير الفني قد راى غير ما رأته المحكمة 0 نقض 3 مارس سنة 1958 مجموعة احكام النقض س9 رقم 64 ص 222، ادوار غالي الدهبي ، الجرائم المخلة بالثقة العامة في قانون العقوبات الليبي ، ط1، المكتبة الوطنية ، بنغازي ، ليبيا ، 1972 ، ص 74 )) .

10- د . عبد الرحيم صدقي ، المصدر السابق ، ص 107 .

11- انظر : قرار محكمة جنايات نينوى المرقم (1871/ج / 2001 الصادر في 12/11/2001) غير منشور .

التزوير :

التزوير لغة ، كلمة مشتقة من الزور ، والزور من ابرز معانيه واهمها الكذب فالتزوير يعني الكذب ولكن ليس المقصود من ذلك كل كذب ، بل الكذب المجرم فقط . فالكذب المجرم الذي يعد تزويراً لا بد ان يكون واقعاً بشكل تحريري أي بالكتابة فضلاً عن كونه مجرماً لكي يُعد تزويراً يعاقب عليه القانون(1). وهذا التعريف اللغوي يلتقي مع اغلب التعاريف القانونية الواردة في نصوص المواد القانونية ومنها نص المادة (443) من قانون العقوبات السوري اذا جاء فيها ((التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة …..)) . كما اورد قانون العقوبات العراقي تعريفه للتزوير في المادة (286) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ، اذ نصت على (( التزوير هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او أي محرر اخر باحدى الطرق المادية او المعنوية التي بينها القانون تغييراً من شانه احداث ضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الأشخاص))(2)، فالمقصود من التزوير هو تغيير الحقيقة بقصد الغش . او إدخال تغيير بالاضافة او الحذف او التعديل(3)على شئ صحيح في الاصل فالتزوير هو السلوك الذي بمقتضاه يغير الجاني من حقيقة الختم (4). او بمعنى اخر هو (( إدخال تغيير بالاضافة او الحذف او التعديل على ختم صحيح في الاصل ، سواء تعلق التغيير بالكتابة التي يحملها او بالرموز او الاشارات ، ويهدف الجاني من وراء التزوير الى جعل الختم المزور محققاً مصلحة له ما كان يحققها لو ظل على اصله صحيحاً ))(5).

وقد برزت في مجال موضوع تزوير الأختام خلافات فقهية بين فقهاء القانون الجنائي مؤداها انه هل من المتصور ان تزور الأختام ؟ نقسم فقهاء القانون الجنائي إلى عدة جوانب ، فالجانب الاول يرى ان التزوير لا يسهل تصوره في الأختام ، فمغزى تزوير الأختام غير واضح وغير مفهوم وتقليد الأختام اسهل على كل حال من تزويرها ، كما انه من الصعوبة تزوير الأختام او كيف يتم هذا التزوير . ويستشهد اصحاب هذا الراي ان بعض المشرعين (6) اختار لتغيير الحقيقة في الأختام لفظ ” التقليد او قلد”(7) ولم يتطرق للفظ التزوير(8). ويعتبرون هذا تأكيد على انطباق فعل التقليد دون التزوير على تزييف الأختام(9). ويذهب اتجاه او جانب ثان الى ان التزوير لا يمكن تصوره سوى على الاوراق والمحررات لذلك لا يمكن تصوره في مجال تزييف الأختام سوى على اثر الختم دون آلته المحدثة له ، لان هذا الاثر يسهل ويتصور تزوير وتغيير الحقيقة فيه بالإضافة او الحذف او التعديل ولا يمكن او من الصعوبة تصور حدوث هذا التغيير في الحقيقة على آلة الختم المحدثة للاثر لصعوبة ادخال التغيير عليه بالتعديل او الاضافة او الحذف ويكون تقليد الالة اسهل من تزويرها (10). أما الرأي الاخير فيرى ان التزوير من الممكن تصور وقوعه على الأختام سواء على اثر الختم او الآلة المحدثة له ، وان صعوبة وقوع التزوير على نفس الالة المحدثة للختم من عدمه اعتبار لا يحول دون القول بالعقاب اذا ما وقع التزوير بالفعل ، فالتزوير ينصرف الى كل من الختم واثره ، ويرد أصحاب هذا الرأي على أصحاب الرأي الاول والذي يحتج اصحابه بإيراد لفظ التقليد في بعض مواد القوانين التي تعاقب على تزييف الأختام دون ذكر لفظ التزوير بقولهم انه لا محل للاحتجاج بذلك ، لان هذه المواد ما اختلف فيها سوى نطاق ومدى الحماية المقررة لمحل الجريمة والذي اختلف اللفظ المستخدم في المادة باختلافه ، فضلاً عن ان المواد التي تعاقب على تزييف الأختام واضحة وصريحة في ذكرها لفعل التزوير ومنها المادة (275) من قانون العقوبات العراقي والمادة (206) من قانون العقوبات المصري وغيرها ، وما دام التقليد يقع على الختم او الالة المحدثة له فكذلك التزوير اذ لا يوجد مبرر للتفريق بين الحالتين بغير وجود مفرق من نص القانون او المادة التي تعاقب على التزييف(11).

ويتضح لنا ان الرأي الثالث والأخير هو الرأي الراجح والاصوب ذلك لانه من المتصور وقوع التزوير على الختم او اثره ، ولا مبرر للتفريق بين التقليد والتزوير ما دام المشرع قد حددهما كفعلين مكونين للركن المادي لجريمة تزييف الأختام ودون ان يفرق بينهما وكان اتجاه المشرع العراقي في هذا الجانب حسناً ولكن اتجاه المشرع المغربي كان افضل من ذلك باتخاذه لفظ التزييف في الأختام ليشتمل على كل فعل يقع على الأختام واثارها ويغير الحقيقة فيها او يتلافى بهذا اللفظ التعداد والاختلاف في الالفاظ والتي قد تؤدي الى عدم وقوع فعل من الافعال التي تغير حقيقة ختم او اثره تحت طائلة العقاب ، ففعل التزوير الذي يقع مثلاً على الأختام التي ذكرتها المادة (208)(12) من قانون العقوبات المصري لا يعتبر مجرماً لان المشرع اورد لفظ التقليد دون التزوير واستبعده في هذه الحالة من التجريم وبالتالي من العقاب . من ذلك يتبين لنا ان التزوير في الأختام متصور كما هو الحال بالنسبة للتقليد ، ويستوي ان يحدث على الختم او اثره ، وتغيير الحقيقة في الختم يجب ان يكون في البيانات الثابتة للختم(13).

__________________

1- المحامي هاني بيطار ، الخصائص المميزة لجريمة التزوير واهم المسائل التي تطرحها ، مجلة المحامون السورية ، العدد الاول ، السنة الرابعة والاربعون ، 1979 ، ص8 .

2- يلاحظ ان تعريف التزوير ورد في المادة (286) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 والتي تضمنت جريمة تزوير المحررات ، فعرف المشرع العراقي التزوير في حالة تزوير المحررات دون وضع تعريف عام للتزوير . ولكن يمكن الاهتداء بهذا التعريف لفهم معنى التزوير بشكل عام .

3- (( الفقهاء متفقون على ان التزوير هو تغيير الحقيقة بالاضافة او التعديل او بالحذف . ولهذا يختلف التقليد عن التزوير فالأخير يحتاج الى المهارة تفوق مهارة التقليد . فالمزور لديه جانب من التفنن الذي يعتمد على موهبة شخصية بخلاف المقلد الذي يقتصر دوره على نقل الواقع الحقيقي دون اجتهاد او موهبة خلاقة وكما هو وبلا تحريف او تغيير )) ، د . عبد الرحيم صدقي ، التزوير والتزييف ، دراسة تحليلية انتقادية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1994 ، ص 109 .

4- د . مأمون محمد سلامة ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار الفكر العربي ، مطبعة جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1981 ، ص 335 .

5- المستشار فرج علواني هليل ، جرائم التزييف والتزوير ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1993ص 112 .

6- المستشار فرج علواني هليل ، المصدر السابق ، ص 112 .

7- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات المصري المرقم (58) لسنة 1937 ، اذ نصت المادة 208 منه على ” كل من قلد ختماً … ” .

8- هناك بعض التشريعات لم تذكر حتى لفظ التقليد او التزوير ومنها المغربي اذ اورد لفظ التزييف ليشتمل على فعلي التزوير والتقليد وكان هذا الاتجاه هو الافضل لشموله اللفظين المكونين للسلوك الاجرامي بلفظ واحد وهو التزييف وهذا واضح في نص الفصل (342) اذ نص على ” من زيف خاتم الدولة …… الخ ” .

9- كما ان هناك بعض التشريعات اوردت لفظي التزوير والتقليد كفعلين مكونين للسوك الاجرامي وبالتالي للركن المادي لجريمة تزييف الأختام ودون ان يكون هناك أي فرق في ذكر التقليد دون التزوير في حالة اختلاف محل الجريمة ، ومن هذه التشريعات قانون العقوبات العراقي اذ نصت المادة (275) ” من قلد او زور … الخ ” فاشتملت على لفظي التقليد والتزوير ، ليشتمل السلوك الاجرامي الذي يعاقب عليه قانون العقوبات العراقي في جريمة تزييف الأختام على فعلي التقليد والتزوير للاختام ، وعلى عكس بعض التشريعات التي اوردت لفظ التقليد دون التزوير في مواد معينة من قوانينها العقابية ، فضلاً عن ان بعض التشريعات اوردت لفظي التقليد والتزوير في مادة معينة وتذكر التقليد دون التزوير في مواد اخرى ومن هذه التشريعات المصري ويتضح ذلك في نصوص المواد التي تضمنت العقاب على تزييف الأختام وهي المادة (206) من قانون العقوبات المصري المرقم (58) لسنة 1937 ، اذ نصت على ” كل من قلد او زور …… خاتم الدولة” والمادة (208) اذ نصت على ” كل من قلد ختماً …… الخ ” فيختلف اللفظ باختلاف محل الجريمة .

10- د. رؤوف عبيد ، جرائم التزييف والتزوير في القانون المصري ، ط2 ، 1954 ص31 .

11- د. حسن الفكهاني ، الموسوعة الجنائية الاردنية ، ج2 ، الدار العربية للموسوعات، 1979، ص393 .

12- الأختام التي تحميها هذه المادة من التزييف هي الأختام غير الحكومية ، ومن هذه الجهات الشركات المأذونة من الحكومة او احد البيوت التجارية.

13- ” قد يحدث احياناً ان يقوم الجاني بتغيير بعض بيانات الختم ، كبيان التاريخ والساعة على بعض الأختام الحكومية ، وهذا التغيير لا يعد تزويراً للختم ولا تقليداً له ، لانه اقتصر على البيانات الغير ثابتة للختم والتي يجب تغييرها بتغيير التواريخ والمواقيت فهي في هذه المثابة لا تعد من اجزاء الختم الثابتة ، وانما هي اشبه بالكتابة المعروفة التي قد يدخل عليها التزوير فيما اذا ظهر اثر هذا التغيير على المحرر الذي ينطبع عليه الاثر المزور ويكون تغيير الحقيقة في هذه الصورة مقصوراً على هذا البيان المزور وحده ، ولا ينصرف الى ذاتية الختم ولا اصله ويعتبر تزويراً في المحرر نفسه ” ، محمود ابراهيم اسماعيل ، شرح قانون العقوبات المصري في جرائم الاعتداء على الاشخاص وجرائم التزوير ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، 1946، ص161.

المؤلف : انس محمود خلف الجبوري
الكتاب أو المصدر : جريمة تزيف الاختام

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .