ان المشرع قد يرتب على صدور حكم جنائي بادانة الموظف اثرا ينهي علاقته الوظيفية وذلك بعقوبة تبعية او تكميلية وان ترتيب هذا الاثر قد يكون وجوبيا او جوازيا فضلا عما تضمنته بعض التشريعات من نصوص يمكن بموجبها انهاء هذه العلاقة بعقوبة جنائية اصلية كما في فرنسا والمغرب وسوريا، على ان ترتيب هذا الاثر قد يكون منصوصا عليه في القوانين الجنائية وقد تنص عليه قوانين التوظيف والتاديب ، وفيما عدا ذلك تتمتع جهة التاديب بسلطة تقديرية في انهاء العلاقة الوظيفية انضباطيا طبقا لما تراه في الفعل الذي ارتكبه الموظف ومدى صلاحيته للاستمرار في الوظيفة كل ذلك تحت رقابة القضاء وطبقا لما هو محدد لها في القانون … ولكن قد يحدث ان الادارة تقوم من جانبها بانهاء العلاقة الوظيفية تنفيذا منها للحكم الجنائي الذي رتب القانون عليه ذلك الانهاء كاثر من اثاره بعقوبة تبعية او تكميلية وذلك قبل صيرورة هذا الحكم نهائيا ثم يحكم نتيجة للطعن فيه بنقضه الامر الذي يثير موضوع كيفية تدارك الاثار التي ترتبت خلال الفترة المحصورة بين تاريخ انهاء العلاقة الوظيفية الذي نصت بعض القوانين على ان سريانه يبدا من تاريخ صدور الحكم الجنائي(1) ابتداء وبين تاريخ الغائه بالاستئناف او بالنقض. واثر الطعن في حكم الادانة على تنفيذه. ان ذلك سيكون موضوع بحثنا ، حيث سنتناوله في مطلبين، الاول ونبحث فيه الموضوع في القانون المقارن اما الثاني فنبحث فيه الموضوع في القانون العراقي.

المطلب الاول : في القانون المقارن

ان قواعد واصول الطعن في الاحكام الجنائية تحددها قوانين الاجراءات الجنائيـة فتبين احوال الطعن ومدده ومن يحق لهم ذلك، ويعد الطعن تمييزا في الاحكام الجنائية من اهم ضمانات المحكوم عليه في مواجهة الحكم الجنائي والاثار التي تترتب عليه ومنها الاثر المنهي للعلاقة الوظيفية.اما عن اثر الطعن تمييزا في تنفيذ الحكم الجنائي فنجد ان اغلب قوانين الاجراءات العربية ينص صراحة على ان الاصل عند تنفيذ الاحكام الجزائية وجوب ان تكون نهائية رغم النص في حالات اخرى على وجوب تنفيذ البعض منها بمجرد صدورها من محاكم اول درجة. ومن القوانين التي نصت على هذه القاعدة القانون المغربي والتونسي والجزائري والليبي والسوري واللبناني(2) . وهذه القوانين تتفق مع القانون الفرنسي الذي يمنع تنفيذ الاحكام الجزائية (والمدنية) ما لم يكتسب الحكم الدرجة الباتة أي يحوز حجية الشيء المحكوم به، فلا يعود قابلا لاي طريق من طرق الطعن(3) وقد كتب الاستاذان (بوزا) و(بيناتيل) في هذا الشان ما يلي (لكي يكون لطرق الطعن الفاعلية التامة، نص الشارع على ان تكون لها اثر معلق (واقف)… وبصورة عامة يقف تنفيذ الاحكام خلال ميعاد الطعن وخلال المدة التي تنظر المحكمة هذا الطعن إلى ان تبت فيه نهائيا).(4) وقد ايد جانب من الفقه هذا الاتجاه بوصفـه امرا يستلزمه المنطق اطمئنانا على صواب القرار الجزائي من جهة وعدم تعريض حقوق الافراد وحرياتهم للتهديد بالسلب او التقييد قبل هذه المرحلة من جهة اخرى.(5) وفي مجال التاديب لا يوجد في القانون الفرنسي نص يحدد الحالات التي تتقرر فيها حجية الحكم الجنائي الصادر بالادانة امام جهة التاديب كما هو الشان في قانون الاجراءات الجنائية، غير انه من المقرر فقها وقضاء انه في حالة صدور حكم جنائي سابق بالادانة تكون لهذا الحكم حجية الشيء المقضي به، وهو بهذا الوصف يلزم السلطة الادارية من حيث (تقريره للوجود المادي للوقائع المؤثرة)، فلا تستطيع تبعا لذلك ان تنقض هذه الحجية بانكار الوجود المادي لتلك الوقائع .وانما تملك ان تتمسك بهذا التقدير الثابت في الحكم لفرض عقوبة انضباطية مستندة في ذلك على ان الحكم الجنائي قد اكد وجود الوقائع المؤثرة حتى قبل صيرورته نهائيا أي حتى لو كان مطعونا فيه بالاستئناف او بالنقض.(6) غير ان جهة التاديب لا تستطيع- على النقيض من ذلك- ان تستند على حكم الغي في الاستئناف او يكون قد نقض.(7) وهكذا نجد ان الطعن بالاستئناف او بالنقض لا يمنع جهة التاديب من اعمال سلطتها في انهاء العلاقة الوظيفية انضباطيا بالاستناد على الوقائع نفسها التي اكد الحكم الجنائي (غير النهائي) وجودها الا ان الغاء هذا الحكم بالاستئناف او النقض يمنع سلطة التاديب من ذلك. وعليه فان الغاء هذا الحكم يكون مانعا من باب اولى من فرض أي عقوبة تبعية او تكميلية على المحكوم عليه لانه يصبح عدما والعدم لا يرتب أي اثر. اما خلال الفترة بين صدور الحكم الجنائي بالادانة ابتداء وبين الغائه بالاستئناف او النقض فان الادارة لا يمكنها انهاء العلاقة الوظيفية حتى لو كان من مقتضى الحكم ذلك بوصفه عقوبة اصلية او تبعية او تكميلية لان قانون الاجراءات يمنع تنفيذه قبل صيرورته نهائيا كما بينا. اما المشرع الكويتي فقد تبنى على ما يبدو الحل الفرنسي وهذا يعني عدم جواز تنفيذ الحكم الجزائي الا بعد ان تغلق في وجه المحكوم عليه جميع ابواب الطعن.(8)

واما في مصر فان القاعدة التي نصت عليها المادة (469) من قانون الاجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 المعدل تختلف عن تلك التي وردت في القانون الفرنسي والقوانين العربية التي اشرنا اليها حيث لا يترتب بمقتضاها على الطعن بطريق النقض ايقاف التنفيذ، الا اذا كان الحكم صادرا بالاعدام. والحكمة من ايقاف تنفيذ الحكم الصادر بالاعدام هنا واضحة، وفيما عدا هذه الحالة لا يترتب على الطعن بالنقض أي اثر من ناحية تنفيذ العقوبة لانه ليس من المصلحة تعليق تنفيذ حكم نهائي على الفصل في طعن غير عادي فيه.(9) وقد تباينت احكام القضاء الاداري في مصر بشان الموقف من اثر الطعن في انهاء العلاقة الوظيفية. ففي حكم لمحكمة القضاء الاداري في القضية رقم (1318) في 5/1/1954 نجد ان المحكمة اشترطت ان يكون الحكم نهائيا حتى يمكن ترتيب اثره المتمثل في فصل الموظف بقوة القانون حيث جاء في هذا الحكم (ان الحكم في جناية الذي يترتب عليه الفصل بقوة القانون هو الحكم النهائي الذي يكون قد فات فيه ميعاد الطعن بالنقض، ولذلك قضى بان القرار الصادر بفصل الموظف المحكوم عليه في جناية قبل انقضاء ميعاد الطعن بالنقض- على فرض صدوره ممن يملكه- هو قرار مبتسر فضلا عن انه مخالف للقانون اذ كان يجب قبل النظر في فصل الموظف المذكور من وظيفته- للحكم عليه في جريمة- انقضاء ميعاد الطعن بالنقض في الحكم الجنائي. ولا يعفي من هذا القول بان الطعن بالنقض طريق غير عادي ولا يترتب عليه وقف اثار الحكم، اذ ان هذا القول مبني على خطا في الفهم، فالمادة 469 اجراءات جنائية نصت على انه لا يترتب على الطعن بطريق النقض ايقاف التنفيذ الا اذا كان الحكم صادرا بالاعدام، فمدلول هذه المادة يقتصر على تنفيذ الحكم نفسه أي توقيع العقوبة ولا يمكن ان يتعدى إلى الاثار التي يمكن ان تترتب على الحكم. واذا صدر قرار بفصل هذا الموظف قبل انقضاء ميعاد الطعن بالنقض فان هذا القرار يعتبر قرارا معدوما يجوز الطعن فيه وسحبه دون التقيد بالمواعيد المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة)(10) ولكن المحكمة نفسها عادت عن هذا النظر فقضت في حكم اخر لها بانه (لا يمنع الطعن بالنقض في الحكم من ترتيب اثره الخاص بانهاء الخدمة وذلك لكون الطعن بالنقض طريقا غير عادي لا يوقف اثار الحكم)(11) وفي تقديرنا المتواضع ان ما استقرت عليه محكمة القضاء الاداري في حكمها هذا هو الاكثر انسجاما مع نص المادة 469 من قانون الاجراءات الجنائية المصري. ولكن الادارة اذا كانت قد رتبت اثار الحكم الجنائي ولم توقف تنفيذ هذه الاثار على الرغم من الطعن فيه فانهت العلاقة الوظيفية للموظف كاثر للحكم الجنائي عليه بالادانة فان عليها تحمل النتائج التي يمكن ان يسفر عنها النظر في هذا الطعن. فقد قضي بانه وان كان الطعن بالنقض طريق طعن غير عادي الا ان الحكم الصادر من محكمة التقض بالغاء الحكم المطعون فيه يعيد الدعوى لحالتها الاولى واثر ذلك انه لا يجوز اعتبار المتهم محكوما عليه. بل هو متهم فقط إلى ان يصدر في امره قضاء جديد ويتعين معاملته على هذا الاساس.(12) وقد رتب ديوان الموظفين في مصر على هذا النظر انه اذا صدر حكم محكمة النقض ناقضا للحكم الذي ادان الموظف يعتبر قرار الفصل باطلا من اساسه لانعدام سبب وجوده وبالتالي فان جميع الاثار التي ترتبت على قرار الفصل تعد باطلة ويتعين على المصلحة التي اصدرت هذا القرار المعدوم سحبه ولا تتقيد في هذا بمواعيد سحب القرارات الادارية، ونتيجة لذلك تعد عودة الموظف إلى عمله امتدادا لخدمته الاصلية ويعود الحال إلى ما كان عليه فيما لو لم يصدر قرار الفصل كما يعد الموظف في الخدمة التي فصل منها ويصرف اجره عنها، ولا يعترض على ذلك بان الموظف لم يقم خلال مدة الفصل بعمل الوظيفة لان انقطاعه من العمل كان بسبب خارج عن ارادته ولا دخل له فيه.(13) وقد قضت بهذا المعنى المحكمة الادارية العليا في القضية رقم 36 في 27/6/1959 حث قالت (ان صدور قرار بفصل موظف للحكم عليه قضائيا هو في حقيقته اجراء منفذ لمقتضى هذا الحكم مما لا معدى فيه من انزال هذا الاثر القانوني دون ان يكون للادارة أي سلطة في هذا الشان وينبني على ذلك انه اذا نقض الحكم الذي صدر قرار الفصل تنفيذا لمقتضاه وقضي ببراءة الموظف كان قرار الفصل معدوما، وكأن لم يكن، ولا تلحقه اية حصانة، ولا يزيل انعدامه فوات الطعن فيه لانه عدم والعدم لا يقوم ،وساقط والساقط لا يعود).(14) مما تقدم يتضح ان الاثار التي تترتب على الغاء الحكم الجنائي الذي يرتب اثرا من شانه انهاء العلاقة الوظيفية للموظف لا تختلف عن الاثار التي تترتب على الالغاء القضائي للانهاء الانضباطي للعلاقة الوظيفية من حيث ان كلا منهما يؤدي بالنتيجة إلى الغاء قرار الانهاء باثر رجعي كانه لم يكن قد صدر الامر الذي يحتم على الادارة معالجة جميع الاثار التي ترتبت على ذلك من حق الموظف بالعودة إلى وظيفته واستحقاقه لراتبه …ومع اقرارنا للادارة وجهة التاديب بسلطة انهاء العلاقة الوظيفية عندما يكون من مقتضى الحكم الابتدائي ترتيب هذا الاثر الا اننا نفضل بتواضع لو ان الادارة في بعض الحالات تتريث حتى يفصل القضاء الجنائي بحكم نهائي في موضوع الجريمة الجنائية، فلا تتعجل وترتب اثارا على حكم جنائي غير نهائي وذلك تفاديا لما قد يحدثه ذلك من هزات في نطاق الوظيفة العامة ، وعليه نجد من المفضل ان يترك ذلك لتقدير جهة التاديب فتقدر الامور وفقا لظروف كل حالة وبذلك تقل حالات انهاء العلاقة الوظيفية تاسيسا على حكم ابتدائي قد تكون نتيجة الطعن فيه الالغاء وحينئذ تتحمل الادارة نتائج تقديرها.

المطلب الثاني : في القانون العراقي

نصت المادة (282) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل على ان الاحكام الجزائية تنفذ فور صدورها وجاها او في حالة اعتبارها بهذه المنزلة باستثناء احكام الاعدام واحكام الحبس الصادرة في المخالفات ،ونصت المادة (256) منه على انه (لا يترتب على الطعن تمييزا في الاحكام والقرارات وقف تنفيذها الا اذا نص القانون على ذلك).ففيما يتعلق بعقوبة الاعدام فان القانون العراقي يتفق مع التشريعات العربية التي نظمت احكام هذه العقوبة وذلك بعدم جواز تنفيذها قبل ان تصادق عليها جهة معينة وهي رئيس الدولة(15) وهذا ما جرى عليه الحال في سوريا والاردن والبحرين والجزائر، اما القانون الليبي فقد اوجب مصادقة الامانة العامة لمؤتمر الشعب العام على هذه العقوبة.(16) ويفرض المشرع شروطا كثيرة لتنفيذ هذه العقوبة لا مجال للخوض فيها.(17) اما عقوبة الحبس الصادرة في المخالفة فيؤجل تنفيذها في القانون العراقي لحين اكتساب الحكم الدرجة النهائية على ان يقترن ذلك بالزام المحكوم عليه بان يقدم كفيلا يضمن حضوره اذا اكتسب الحكم الابتدائي الدرجة النهائية لكي تنفذ العقوبة بحقه والانفذت عليه العقوبة فورا.(18) يتضح مما تقدم ان القاعدة العامة في قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي هي تنفيذ الاحكام الجنائية الوجاهية او التي تعد كذلك فور صدورها الامر الذي يعني ان الطعن (كاصل عام) في الحكم الجنائي الصادر بالإدانة لا يوقف تنفيذ هذا الحكم سواء اكان هذا الطعن قد قدم إلى محكمة الجنايات بصفتها التمييزية ام إلى محكمة التمييز ام إلى الهيئة العامة لمحكمة التمييز عند الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي.(19) وقد جاءت احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية منسجمة مع اتجاه قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 الملغي بشان ترتيب الاثر المنهي للعلاقة الوظيفية حيث نصت المادة (السابعة والعشرون/ب) من القانون الاخير على انه (… يعتبر مبدا العزل والفصل بموجب هذه المادة والمادة السابقة من تاريخ صدور الحكم البدائي) ومعلوم ان هاتين المادتين تعالجان الاثار المترتبة على صدور حكم جنائي بحق الموظف بعد احالته إلـى المحاكم المختصة عن جريمة جنائية. لذلك وتطبيقا لهذه القاعدة قرر مجلس الانضباط العام ان انهاء العلاقة الوظيفية للموظف بوصفه اثرا للحكم عليه جنائيا انما يسري من تاريخ صدور الحكم الابتدائي حيث جاء في قراره المرقم 17/1982 الصادر في 3/4/1982 ما يلي (…وعليه فان تاريخ فصله من دائرته يكون بالنسبة للمحكوم بالسجن المؤبد او المؤقت من يوم صدور الحكم عليه بنص المادة –96- من قانون العقوبات التي اوردها قرار مجلس قيادة الثورة رقم 997 في 30/7/1978. اما حالة المحكوم عليه بالحبس فيقتضي لمعالجتها الرجوع إلى المادة السابعة والعشرين من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 التي تقضي بان على الوزير ان يامر بفصل الموظف المحكوم لمدة الحبس ويعتبر مبدا الفصل من تاريخ صدور الحكم البدائي)(20). وهناك قرارات اخرى اصدرها المجلس بهذا المعنى ومنها قراره المرقم 60/63 في 4/6/1963(21) وقراره المرقم 105/63 في 18/9/1963.(22) وعلى الرغم من ذلك نجد ان المشرع علق تنفيذ انهاء العلاقة الوظيفية بحق الموظف على صدور قرار من سلطة التاديب(23) او الوزير(24) الامر الذي يعني ان العلاقة الوظيفية لا تنقطع بمجرد صدور الحكم الجنائي الا بصدور قرار من سلطة التاديب او الوزير.(25) وقد قررت محكمة التمييز (الهيئة العامة الثانية) ان خدمة الموظف المحكوم بالاعدام مستمـرة لحين تنفيذ العقوبة بحقه رغم ان قانون العقوبات نص في المادة 98 منه على ان حكم الاعدام يستتبعه بحكم القانون من يوم صدوره إلى وقت تنفيذ الحكم حرمان المحكوم عليه من تولي الحقوق والمزايا المنصوص عليها في المادتين (96 و 97) ومنها الحرمان من تولي الوظائف العامة. وقد استندت المحكمة في حكمها على ان قرار العزل قد صدر بحق الموظف بعد تنفيذ حكم الاعدام وان ذلك يعني انه كان في الخدمة بتاريخ وفاته.(26) اما قانون الانضباط رقم 14 لسنة 1991 فقد سار على النهج نفسه حيث نصت المادة (8/سابعا) على ان (الفصل ويكون بتنحية الموظف … على النحو الاتي: ب.مدة بقائه في السجن اذا حكم عليه بالحبس او السجن عن جريمة غير مخلة بالشرف وذلك اعتبارا من تاريخ صدور الحكم عليه…).

واذا كان القانون قد نص على ترتيب هذا الاثر من تاريخ صدور الحكم الجنائي صراحة بالنسبة لعقوبة الفصل الا انه لم يفعل ذلك بالنسبة لعقوبة العزل ولكن يفهم من سياق النص ان المشرع اراد بذلك ان ينفذ العزل ايضا ابتداء من تاريخ صدور الحكم الجنائي حيث نصت المادة (8/ثامنا) على ان (العزل ويكون بتنحية الموظف… في احدى الحالات الاتية… ب.اذا حكم عليه عن جناية ناشئة عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية) وبذلك لم يشترط المشرع ان يكون هذا الحكم قد اكتسب الدرجة النهائية كما انه لم يعلق تنفيذ الاثر المنهي للعلاقة الوظيفية بالعزل او الفصل على صدور قرار من الادارة كما كان قد فعل في القانون السابق. خلاصة ما تقدم انه لما كانت الاحكام كقاعدة عامة تنفذ من تاريخ صدورها وان انهاء العلاقة الوظيفية كاثر يترتب على الحكم الجنائي بادانة الموظف عن جريمة جنائية يسري بحقه ابتداء من تاريخ صدور هذا الحكم فان الطعن في الحكم الجنائي لا يوقف تنفيذ هذا الاثر في القانون العراقي ويبقى الانهاء ساريا بحق الموظف لحين البت في الطعن(27) فان صودق حكم الادانة على وفق المادة (259/أ/1) اصول استمر في ترتيب اثاره من تاريخ صدوره بما في ذلك الاثر المنهي للعلاقة الوظيفية اما اذا الغي الحكم على وفق ما ورد في المادة (259/أ/6) وجب على الادارة اعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم ابتداء ومنح الموظف جميع حقوقه بما في ذلك حقه في العودة إلى الوظيفة … اما اذا قررت محكمة التمييز غير ذلك فينبغي اعادة ترتيب الحال بما ينسجم مع حكم محكمة التمييز في ضوء ما يطرأ من متغيرات على وصف الجريمة او تخفيف العقوبة وغير ذلك مما لا يدخل في نطاق بحث هذا المطلب، ولكن ما اردنا الاشارة اليه هو ان الادارة في العراق تكون ملزمة باعمال اثر الجريمة الجنائية المنهي للعلاقة الوظيفية ابتداء من تاريخ صدور حكم الادانة وعليه فانها لا تملك أي سلطة تقديرية في هذا الشان ومع ذلك فانها تتحمل وزر الغاء هذا الحكم بان عليها ان تعيد الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم الابتدائي وهذا في تقديرنا المتواضع سيخلق مزيدا من المتاعب للادارة والموظف على حد سواء خصوصا اذا ما تذكرنا ان هناك بعض الحالات يترتب فيها الاثر المنهي للعلاقة الوظيفية بالفصل عند الحكم على الموظف جنائيا بالحبس لمدة 24 ساعة وهذا يعكس مدى سعة هذه المتاعب عند التطبيق لذا نرى بتواضع لو تمنح الادارة قدرا من السلطة بحيث يمكنها في حالات معينة تخضع لتقديرها ان تتريث في اعمال اثار الحكم الجنائي الصادر بادانة الموظف لحين اكتسابه الدرجة القطعية ضمانا لاستقرار المراكز القانونية الذي ينعكس على حسن سير المرافق العامة وانتظام واستمرار عملها دون عراقيل ويمكن عندئذ اخضاع تقديرها هذا لرقابة القضاء ضمانا لتحقيق الغاية المتوخاة من منح هذه السلطة في التقدير.

_________________

1- المادة (السابعة والعشرون/ب) من قانون الانضباط العراقي رقم 69 لسنة 1936.

2- د. ضاري خليل محمود/ مجموعة قوانين الاجراءات الجنائية العربية/ ج1/ مطبعة العمال المركزية/ بغداد 1984 ص79.

3- د. عبد الوهاب حومد/ الوسيط في الاجراءات الجزائية الكويتية/ جامعة الكويت 1982 ص255-256.

4- المصدر نفسه ص256.

5- د. ضاري خليل محمود/ مجموعة قوانين الاجراءات الجنائية العربية/ مصدر سابق ص79.

6- حكما مجلس الدولة الفرنسي الصادران في 14/5/1948 و8/8/1959. اشار اليهما د. محمد عصفور: جريمة الموظف العام واثرها في وضعه التاديبي/ دار الجيل للطباعة 1963ص256.

7- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 3/3/1954. ص256.

8- د. عبد الوهاب حومد: الوسيط في الاجراءات الجزائية الكويتية/ جامعة الكويت 1982ص356.

9- د. رؤوف عبيد/ مبادئ الاجراءات الجنائية في القانون المصري/ الطبعة التاسعة/ مطبعة نهضة مصر/ القاهرة 1972 ص769.

10- الحكم اشار اليه د.محمد عصفور /جريمة الموظف العام واثرها في وضعه التاديبي/ مصدر سابق ص24-25 علما ان العبارات المحصور بين شارحتين ليست من صلب الحكم.

11- حكمها في القضية 3958 في 8/5/1957/ اشار اليه د. علي احمد حسن اللهيبي: اثر العقوبات وانقضائها على المركز القانوني للموظف/ رسالة دكتوراه/ كلية النهرين للحقوق /بغداد 2003ص109.

12- د. محمد عصفور/ جريمة الموظف العام واثرها في وضعه التاديبي/ مصدر سابق ص25.

13- المصدر نفسه ص25-26.

14- المصدر نفسه ص26.

15- المادة (285/ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل. علما ان هذا المبدا منصوص عليه في مختلف الدساتير العراقية، راجع المادة (26/11) من القانون الاساسي الصادر عام 1925 والمادة (57) من دستور 1970 المؤقت) الا ان مشروع دستور 1990 شذ عن ذلك حث لم يجعل عرض هذه الاحكام على رئيس الدولة الزاميا (المادة الثامنة والتسعون من المشروع).

16- د. ضاري خليل محمود: مجموعة قوانين الاجراءات الجنائية العربية/ ج1/ الاصول العامة/ المكتب العربي لمكافحة الجريمة/ مطبعة العمال المركزية/ بغداد 1984ص83-84.

17- لمزيد من التفاصيل راجع عبد الامير العكيلي/ اصول الاجراءات الجنائية في قانون اصول المحاكمات الجزائية/ ج2/ مطبعة المعارف/بغداد 1974 ص361 وما بعدها.

18- المادة (282) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 971 المعدل.

19- عبد الامير العكيلي/ مصدر سابق ص335.

20- منشور لدى د. عبد الرسول الجصاني/ فتاوى مجلس شورى الدولة/ ص133-134.

21- منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني/ العدد الثالث/ السنة الثانية 1963 ص135.

22- منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني/ العددان الاول والثاني/ السنة الثالثة 1964 ص160.

23- المادة (السادسة والعشرون/ب) من قانون الانضباط رقم 69 لسنة 1936.

24- المادة (السابعة والعشرون) من قانون الانضباط رقم 69 لسنة 1936.

25- ان ذلك لا يعني ان انهاء العلاقة الوظيفية يسري ابتداء من تاريخ قرار سلطة التاديب او الوزير وانما يسري باثر رجعي من تاريخ صدور الحكم الجنائي. انظر قرار مجلس الانضباط العام رقم 105/63 في 18/9/1963 المشار اليه في هذه الصفحة.

26- قرار الهيئة في الاضبارة رقم 145/77 في 30/7/977. منشور في مجلة القضاء/ العددان الثالث والرابع/ السنة الثانية والثلاثون/ تموز-كانون الاول 1977 ص334-336.

27- المادة (256) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل.

المؤلف : مهدي حمدي الزهيري
الكتاب أو المصدر : اثر الجريمة التي يرتكبها الموظف العام في انهاء علاقتة الوظيفية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .