– العقد القابل للإبطال:

وتُرسي المادة (179) الأساس الذي يقوم عليه نظام العقد القابل للإبطال، قاضية بأن ذاك الأساس يتمثل في أن العقد القابل للإبطال ينعقد وينتج آثاره، ويظل كذلك ما لم يقض بإبطاله. فإذا قضي بإبطاله صار عدمًا، واعتُبر كذلك من وقت إبرامه، فالعقد القابل للإبطال هو عقد توافرت له كل أركانه فلا يوجد بالتالي ثمة ما يحول دون انعقاده وإنتاج آثاره، كل ما في الأمر أن خللاً أصاب منه أحد أركانه، هو ركن الرضاء، وهذا الخلل ليس من الجسامة بحيث يؤدى بذاته وبمجرده إلى انهيار العقد. ولكن من شأنه أن يخول للمتعاقد، الذي يريد القانون حمايته منه، الرخصة في إهدار العقد.

وحكم المادة (179) أمر مسلم، وقد آثر المشروع مع ذلك أن ينص عليه، لأنه يتمثل لب نظام العقد القابل للإبطال وأساسه. وتعرض المادة (180) لإبطال العقد القابل للإبطال، وهو مصير من بين اثنين، لا بد لهذا العقد أن يلقى أحدهما، فهو إما أن يُعمل فيه سيف الإبطال، فيبطل، وإما أن يزول عنه عيبه الذي كان الإبطال يتهدده بسببه، فتتدعم صحته، ويدخل في زمرة العقود تامة السلامة.

والمادة (180) إذ تعرض للإبطال، كمصير قد يلقاه العقد القابل له، تمنع في فقرتها الأولى، المحكمة من أن تقضي به بغير أن يطلبه منها المتعاقد الذي قرره القانون لصالحة وحماية له. وتجيء المادة (180) في فقرتها الثانية، قاضية بأنه إذا قام سبب الإبطال، وتمسك به من تقرر لصالحه، تعين على المحكمة القضاء به، ما لم يسمح لها القانون بغيره، كما هو الشأن في الاستغلال (المادة 159 من المشروع)، فإبطال العقد لا يدخل، كأصل عام، في رحاب سلطة القاضي التقديرية.

ويعرض المشروع في المادة (181) لإجازة العقد القابل للإبطال قاضيًا بأنها تطهره من العيب الذي انتابه، وقصد بها تطهيره منه، طالما أنها صدرت ممن له الحق في إجرائها، وهو المتعاقد الذي يقرر القانون وقوع العقد قابلاً للإبطال لمصلحته، وشريطة أن تكون صحيحة في ذاتها، باعتبارها تصرفًا قانونيًا وأن تجيء من صاحبها على بينة من العيب الذي يراد بها تطهير العقد منه. والإجازة لا تعدو أن تكون نزولاً عن حق التمسك ببطلان العقد ممن يملكه. وهي تصرف قانوني يمكن له أن يصد من جانب واحد، هو المتعاقد الذي يقرر القانون الإبطال لصالحه فهي تقع صحيحة دون لزوم صدور الموافقة عليها من المتعاقد الآخر. والإجازة قد تكون صريحة، كما أنها يمكن لها أن تكون ضمنية بأن يُستدل عليها من ظروف الحال، شريطة أن يكون هذا الاستدلال قاطعًا في إفادته قصد المتعاقد تطهير العقد من العيب الذي شابه، والنزول بالتالي عن حق طلب الإبطال بسببه. فالنزول عن الحق لا يُفترض، ولا يتوسع في الأخذ بما يدل عليه.

وقد حرص المشروع على أن ينص على أن الإجازة تطهر العقد من العيب الذي انصبت عليه، إذ قد يكون العقد مشوبًا بأكثر من عيب، وقابلاً للإبطال بسببها جميعًا، فتصدر الإجازة بالنسبة لعيب منها، فلا يتطهر إلا منه وحده، ويبقى قابلاً للإبطال بسبب غيره، مما لم ترد الإجازة في شأنه بدوره. وغني عن البيان أن إجازة العقد القابل للإبطال، وإن كان من شأنها أن تدعم صحته بإزالة الحق في طلب إبطاله، إلا أنها لا ترفع أصل العيب الذي انتاب العقد عدم مشروعيته، إن كان متصفًا بها، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإكراه والتدليس، ولا تحول بالتالي دون إمكان الرجوع على أساس المسؤولية التقصيرية، إذا توافرت مقوماتها، وذلك ما لم يتضح غيره من قصد المتعاقد الذي صدرت منه الإجازة.

ولم يشأ المشروع أن يساير التقنينات في الدول المختلفة، ومن بينها التقنين المصري وغيره من تقنينات الدول العربية الأخرى التي استوحته – وقانون التجارة الكويتي من زمرتها – في النص على أن أثر الإجازة يستند إلى التاريخ الذي يتم فيه العقد، دون إخلال بحقوق الغير، إذ أن هذا الحكم، وإن أمكن أن يكون له ما يبرره في صدد إجازة العقد الموقوف وفق ما يقضي به الفقه الإسلامي، وفي صدد العقد غير النافذ في حق شخص معين، والذي يحصل منه إقراره، تحت ظل القانون المعاصر، إلا أنه يقع خاليًا من أي مضمون بالنسبة إلى إجازة العقد القابل للإبطال، فهذا العقد ينعقد، ويقوم صحيحًا منتجًا آثاره، من تاريخ إبرامه، كل ما هنالك أن الإبطال يتهدده، فإذا جاءت الإجازة، رفعت عنه خطر الإبطال. وهي لا ترفعه بالضرورة إلا للمستقبل. أما بالنسبة إلى الماضي، فلا حاجة للعقد إليها، إذ أنه كان صحيحًا منتجًا آثاره قبلها، ومن ثم فهي لا تضيف إليه جديدًا في هذه الفترة.

والعقد القابل للإبطال عقد مجهل المصير، فقد يستمر قائمًا منتجًا آثاره، وقد ينقضي ويزول بأثر رجعي يستند إلى تاريخ إبرامه، ومن ثم فهو عقد حائر قلق، ومن شأن ذلك عدم الاستقرار والاضطراب في صدده، وفي صدد العقود الأخرى التي تترتب عليه، فيضار بذلك المتعاقد الذي يثبت الإبطال إضرارًا به، كما يضار غيره من الأشخاص الذين يتلقون الحق عنه، أو يريدون أن يتلقوه منه. من أجل ذلك أراد المشروع، بالحكم الذي أورده في المادة (182) أن يتيح لكل ذي مصلحة، سواء أكان هو المتعاقد الآخر أم غيره، وسيلة تمكنه من التعرف على قصد المتعاقد الذي يترخص له في إبطال العقد أو إجازته حتى يدبر أمره على ضوئه. وتتمثل هذه الوسيلة في القيام بإعذار من له حق طلب الإبطال بوجوب إبداء رغبته بالتمسك بهذا الحق أو تركه، وذلك خلال لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ومن غير أن يكون لهذا الإعذار أي أثر بالنسبة إلى المدة المقررة لسقوط الحق في الإبطال على نحو ما تقرره المادة (183) من المشروع فإذا لم يبدِ صاحب الحق في طلب الإبطال رغبته في التمسك بحقه هذا، خلال ميعاد الإعذار، اعتُبر سكوته عن الرد بمثابة إجازة العقد.

على أنه لا يعتد بالإعذار الموجه إلى من له حق طلب الإبطال بسبب الغلط أو التدليس إلا بعد تكشفهما، مع ملاحظة أن الإعذار نفسه قد يكون السبيل إلى هذا التكشف، فتبدأ فترة إبداء الرغبة في إبطال العقد أو إجازته، حتى في هذه الحالة، من وقت توجيه الإعذار، ولا يعتد بالإعذار، في حالة الإكراه، إلا إذا كان قد وجه بعد انقطاعه. كما أنه لا يعتد بالإعذار الذي يوجه إلى ناقص الأهلية نفسه، ما لم يكن قد زال عنه النقص في أهليته. وحكم المادة (182) قد يتمثل تجديدًا، بالنسبة إلى التقنينات الرسمية في الدول المختلفة، وهو حكم تقتضيه المصلحة، وقد استوحاه المشروع من أعمال لجنة تنقيح القانون المدني الفرنسي (المادة 8 من المشروع الابتدائي للنصوص الخاصة ببطلان التصرفات القانونية، أعمال لجنة تنقيح القانون المدني الفرنسي لعام 1946/ 1947).

هذا والعقد القابل للإبطال، كما يزول بالإجازة عيبه الذي يقع مهددًا بالإبطال بسببه، يزول عنه هذا العيب أيضًا بالتقدم أو بمرور الزمان. فالحق في طلب إبطال العقد لا يثبت لصاحبه إلا إلى أجل محدد، حتى إذا ما انقضى هذا الأجل دون مباشرة ذاك الحق، سقط حق الإبطال وزال، وتدعمت بالتالي صحة العقد وتأيدت. والحكمة من تقرير سقوط حق طلب الإبطال بمرور الزمان هو الرغبة في عدم ترك العقد القابل للإبطال مجهل المصير إلى وقت بالغ الطول، استقرارًا للمعاملات، ثم إن عدم تمسك المتعاقد بحقه في الإبطال، بعد أن يتبينه خلال الفترة التي يحددها القانون، يمكن أن تُعتبر منه قبولاً للعقد، وبالتالي إجازة إياه. وقد تغايرت القوانين، في البلاد المختلفة، في شأن المدة التي تُحدد لسقوط الحق في طلب إبطال العقد، فهذه المدة تتراوح في ظل التقنينات المختلفة، بين سنة وعشر.

وقد ارتأى المشروع أن يبقي على ما ذهب إليه قانون التجارة الكويتي الحالي، فحدد مثله، في الفقرة الأولى، مدة سقوط حق الإبطال بثلاث سنوات، تبدأ من وقت زوال سبب الإبطال. وقد حرص المشروع على أن يتحفظ، في شأن تحديد مدة سقوط الحق في الإبطال بمرور الزمان، مقررًا إعمال هذا الحكم، ما لم يقضِ القانون بخلافه، فقد يحدد القانون مدة أخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإبطال على أساس الاستغلال (المادة 161 من المشروع). وإذ تقرر المادة (183) في فقرتها الأولى، سقوط الحق في طلب إبطال العقد، إذا لم يتمسك به صاحبه، خلال ثلاث سنوات فإن من شأن ذلك أن يمتنع، بفوات تلك المدة، التمسك بالإبطال عن طريق الدعوى وعن طريق الدفع كليهما.

وتحدد الفقرة الثانية من المادة (183) بدء سريان مدة سقوط الحق في طلب الإبطال، في حالة نقص الأهلية من يوم اكتمالها، وفي حالة الغلط أو التدليس من يوم انكشافه، وفي حالة الإكراه من يوم زواله، وهو نفس الحكم الذي تقرره التقنينات في الدول المختلفة، ومن بينها قانون التجارة الكويتي الحالي. وتأتي الفقرة الثالثة من المادة (183) فتضع حدًا أقصى للتمسك بإبطال العقد في جميع الحالات، محددة إياه بخمس عشرة سنة من تاريخ إبطال العقد، وهكذا يجوز التمسك بإبطال العقد خلال ثلاث سنوات، يبدأ سريانها على نحو ما تقرره الفقرتان الأولى والثانية، أو خلال خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد، أي المدتين تنقضي أولاً.

– العقد الباطل:

أما العقد الباطل فإنه عدم، ومن ثم فهو لا ينتج بذاته أثرًا ما وهو الحكم الذي تقرره المادة (184) وكذلك يجوز لكل ذي مصلحة، سواء أكان أحد المتعاقدين أو من الغير، أن يتمسك بالبطلان. فمن يتمسك بالبطلان لا يفعل أكثر من أن يطلب أن يعمل في مواجهته بالأمر الواقع، وهو ذاك المتمثل في عدم قيام العقد أصلاً.

ولا يقف الأمر عند حد ثبوت الحق في التمسك بالبطلان لكل ذي مصلحة بل إنه يتوجب أيضًا على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولو لم يُطلب منها القضاء به، ففضلاً عن أن البطلان يعني العدم، فإن إعمال عقد باطل، لم تتوافر له أركانه، بإنفاذ آثاره، يتنافى مع النظام العام. وترسي المادة (185) القاعدة المستقرة بأن العقد باطل لا يتصحح بالإجازة فالعقد الباطل عدم، ولذلك لا تلحقه الإجازة، فلا يمكن للإجازة أن تجعل من العدم شيئًا صحيحًا، فمؤدى الإجازة النزول عن حق التمسك بالبطلان، والبطلان الذي يلحق العقد الباطل يمس النظام العام، فلا يسوغ النزول عن حق التمسك به.

وإذا كانت الإجازة تمتنع عن العقد الباطل، فلا يوجد بطبيعة الحال، ثمة ما يمنع من إعادة إبرامه، بعد تلافي سبب البطلان. على أن هذا يقتضي من جديد توافق إرادتي طرفي العقد كليهما، فلا تكفي إرادة أحدهما، بخلاف الحال لو أن الإجازة كانت ممكنة. وحكم المادة (185) أمر مسلم في كل القوانين العصرية، كما أنه أمر مسلم في الفقه الإسلامي، وقد تضمنه قانون التجارة الكويتي في المادة (137) كما تضمنه القانون المصري (المادة 141) وغيره من قوانين بلادنا العربية الأخرى التي أخذت عنه. وتقرر المادة (186) قاعدة مستقرة أخرى هي أن العقد الباطل لا يتصحح بمرور الزمان فالعقد الباطل عدم، والعدم لا يصير شيئًا بفوات الزمن، ولكن إذا كان البطلان الذي يلحق العقد لا يزول عنه بمضي الزمن، فإن دعوى البطلان ذاتها تسقط بخمس عشرة سنة من تاريخ العقد.

ولكن سقوط دعوى البطلان لا يعني أن العقد أصبح صحيحًا، فهو لا زال باطلاً، كل ما في الأمر أن دعوى البطلان تقع غير مقبولة، فلا تسمع إذا ما رفعت بعد 15 سنة من تاريخ إبرام العقد، وهكذا نصبح هنا أمام عقد باطل، دون أن يكون من الممكن تقرير بطلانه عن طريق الدعوى. وإذا كان من شأن سقوط دعوى البطلان بمضي الزمان أن يمتنع بطلان العقد عن طريقها، فإنه يمكن التمسك بهذا البطلان عن طريق الدفع، مهما طال الزمن.

وإذا كانت بعض التقنينات، كالتقنين الإيطالي (المادة 1302) ومشروع القانون الفرنسي الإيطالي (المادة 227) والمشروع الأولي لتنقيح القانون المدني الفرنسي (المادة 27 من مشروع النصوص المتعلقة ببطلان التصرفات القانونية – أعمال لجنة التنقيح لعام 1946/ 1947) قد حرصت على أن تنص على أن سقوط دعوى البطلان بمرور الزمان لا يمنع من التمسك بالبطلان على سبيل الدفع ممن يطالب بتنفيذ العقد، فإن المشروع لم يرَ ضرورة أن يسير على نفس النهج، اعتبارًا منه بأن الحكم يصل في وضوحه وجلائه إلى حد أنه يمكن الوصول إليه بغير ما عناء، استخلاصًا من طبيعة البطلان ذاتها، المتمثلة في اعتبار العقد عدمًا، والمشروع في ذلك يساير قانون التجارة الكويتي والقانون المصري وغيرهما من أغلب قوانين البلاد المختلفة التي قنعت بالنص على سقوط دعوى البطلان بالتقادم، دون أن يمنع ذلك الفكر القانوني من أن يصل في سهولة ويسر إلى أن سقوط هذه الدعوى لا يمنع من التمسك بالبطلان على سبيل الدفع. وحكم المادة (186) أمر مسلم في الفكر القانوني المعاصر، تشريعًا وفقهًا وقضاءً، كما أنه لا يتعارض مع الفقه الإسلامي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .