طبيعة قواعد الاثبات من المبادئ العامة في الاثبات

تربط قواعد الاثبات بكل فروع القانون الخاص، فهي تطبق على مصادر الحق كافة، سواء في ذلك الحقوق الشخصية او الحقوق العينية او الحقوق الذهنية (الفكرية) وسواء أكانت هذه الحقوق مدنية ام تجارية، ولكنها ترتبط بعلاقة متميزة مع القانون المدني من ناحية وبقانون المرافعات من ناحية اخرى، وتنقسم قواعد الاثبات الى قواعد موضوعية تتعلق بعبء الاثبات ومحل الاثبات وطرق الاثبات، وقواعد اجرائية تتعلق باجراءات الاثبات، ولاشك في ان قواعد الاثبات الاجرائية تعد من النظام العام، فهي وضعت لخدمة العدالة وتحقيقها وتتصل بنظام التقاضي ومن ثم يجب على القضاة والخصوم الالتزام بها على حد سواء ولا يجوز مخالفتها او المساس بها (1). أما القواعد الموضوعية في الاثبات فاختلفت الآراء بصددها وذلك كما يأتي :

الرأي الأول : لا تتعلق قواعد الاثبات الموضوعية بالنظام العام، لان الخصومة تمس مصالح الافراد الخاصة الذين لهم الحق في التنازل عنها.

الرأي الثاني : تعد قواعد الاثبات كلها من النظام العام، لانها قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو التنازل عنها، لان المصلحة العامة تتطلب ان يقوم الجهاز القضائي بوظيفته بدون اتفاقات للخصوم تعرقل مسيرة هذا الجهاز.

الرأي الثالث : تنقسم قواعد الاثبات الموضوعية الى قسمين :

قسم يتعلق بالنظام العام، وهذا يشمل القواعد الخاصة بسلطة القاضي في الاثبات كسلطة القاضي في توجيه اليمين في حالات محددة. وقسم آخر من قواعد الاثبات الموضوعية لا يتعلق بالنظام العام، وهذه القواعد هي قواعد تتضمن قيودا على حرية الاثبات ولا تتصل بسلطة القاضي في الاثبات، كالقواعد التي تجيز الاتفاق على الاثبات بشهادة الشهود في حالات يستلزم فيها القانون الاثبات بالكتابة، ونحن نؤيد الراي الثالث (2). وقضت محكمة النقض المصرية في قرارات عديدة، ان قواعد الاثبات ليست من النظام العام، ويجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة او ضمنا (3). وفي قانون الاثبات العراقي نجد ان المادة (77/ثانيا) تنص على أنه (اذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسة الاف دينارا او كان غير محدد القيمة، فلا يجوز اثبات هذا التصرف او انقضائه بالشهادة ما لم يوجد اتفاق او قانون ينص على خلاف ذلك)(4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- توفيق حسن فرج ص44. محمد لبيب شنب. دروس في نظرية الالتزام. القاهرة 1974 – 1975 فقرة 3 ص9. احمد ابو الوفا. التعليق على نصوص قانون المرافعات الجديد وقانون الاثبات. الاسكندرية 1969 ص1038.

2- استاذنا العامري ص32. العبودي. أحكام. ص134 – 135.

3- انظر أنور طلبة، ص242 و ص560 – 565.

4- المادة (28/أ) بيانات اردني والنصاب هو مائة دينار.

صيانة القضاء من العبث من المبادئ العامة في الاثبات

يكفل القانون حق الالتجاء الى القضاء، وذلك للأهداف الاجتماعية والاقتصادية المبتغاة منه، ومن ثم فاذا ما استخدم حق الالتجاء الى القضاء بطريقة تنأى به عن هذا الهدف، سواء كان ذلك بسوء نية او اهمال جسيم عد صاحبه متعسفا في استعماله وتحمل كل ما يترتب على هذا التعسف من آثار قانونية (1). ونصت المادة (5) من قانون الاثبات على ان القضاء ساحة للعدل ولاحقاق الحق مما يقتضي صيانته من العبث والاساءة ويوجب على المتخاصمين ومن ينوب عنهم الالتزام بأحكام القانون وبمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة والا عرض المخالف نفسه للعقوبة، فمن واجب الخصم الالتزام بحسن النية في مباشرته اجراءات التقاضي سواء كانت ذلك في اتخاذ اجراء او الامتناع عن اتخاذ اجراء، لان مبدأ حسن النية أكد مكونات المركز القانوني للخصم (2). فكل طلب او دفع يتعلق بأدلة الاثبات يجب ان يكون بعيدا عن الكيد والتعسف، لأن سوح القضاء أكرم من تكون ميدانا لكيد الخصوم او تعسفهم (3). لذلك نصت المادة (37) من قانون الاثبات على انه اذا انتهت المحكمة الى ثبوت صحة السندات ورفضت الادعاء بالتزوير حكم على مدعي التزوير بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينارا تستحصل تنفيذا ولا يخل ذلك بحق المتضرر في طلب التعويض، اما اذا ثبت بعض ما ادعاه فلا يحكم عليه بشيء، ونصت المادة (51) من قانون الاثبات على انه اذا انتهت المحكمة الى ثبوت صحة السندات يحكم على من انكره بغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينارا تستحصل تنفيذا ولا يخل ذلك بحق المتضرر في طلب التعويض، اما اذا اثبت بعض ما ادعاه فلا يحكم عليه بشيء. كما ان قانون المرافعات رقم (83) لسنة 1969 في المادة (63/1) منه ناط ضبط الجلسة وادارتها برئيسها، وله في سبيل ذلك ان يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها فان لم يمتثل وتمادى كان للمحكمة ان تحكم عليه على الفور بحبسه اربعا وعشرين ساعة او بتغريمه مبلغا لا يتجاوز عشر دنانير، ويكون حكمها بذلك باتا، دون اخلال بما نص عليه في القوانين الاخرى، وللمحكمة، ولو من تلقاء نفسها، ان تقرر شطب العبارات الجارحة او المخالفة للآداب او النظام العام من اللوائح او من آية ورقة من أوراق المرافعات (م 65 مرافعات) وألزمت المادة (50) من قانون المحاماة رقم (173) لسنة 1965، المحامي ان يسلك تجاه القضاء مسلكا محترماً يتفق وكرامة القضاء وان يتجنب كل ما يؤخر حسم الدعوى وان يتحاشى كل ما يخل بسمير العدالة، ولاشك في ان المحامي خير مساعد للقاضي، لذلك يجب عليه ان يكن الاحترام لجميع القضاة، وان يعمل بمقتضى شرف المهنة وتقاليدها وان يبتعد عن اي تصرف من شأنه تضليل القضاة (4) والابتعاد عن كل صيغة أو اجراء او دفع كيدي لا مقص دمن ورائه، سوى تأخير حسم الدعوى (5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-النداوي. مدى سلطة المحكمة المدنية في تعديل نطاق الدعوى ص20.

2-للتوسع في موضوع مبدأ حسن النية انظر الدكتور عبدالجبار ناجي. مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود. بغداد، مطبعة الرسالة 1975 وخاصة الصفحات 1 – 24.

3-النداوي. شرح قانون الاثبات ص 67.

4-ابراهيم نجيب سعد. القانون القضائي الخاص. ج1. منشأة المعارف. الاسكندرية 1974 ص340. الدكتور عبدالباقي محمود مسؤولية المحامي عن اخطائه المهنية. بغداد، دار الحرية للطباعة 1979 ص 202.

5-طه ابو الخير. حرية الدفاع. الاسكندرية، منشأة المعارف 1971 ص 666.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .