تقوم معظم الأنظمة القضائية في العالم على مبدأ تعدد المحاكم وانتشارها في مختلف المدن والمراكز ، وأن هذه المدن والمراكز تكون متفاوتة فيما بينها من جهات متعددة منها توافر أسباب العيش ، والطقس ، ودرجة البعد عن العاصمة مما تكون معه مدن يطمح القضاة إلى العمل فيها وأخرى لا يرغبون في العمل بها(1). وانطلاقاً من ذلك وحرصاً على المساواة الكاملة بين القضاة فقد وضعت قواعد ثابتة لنقل القضاة، لا يمكن تجاوزها ، لكي لا يكون النقل وسيلة تستغلها الحكومة للضغط على القضاة ، مما يؤثر في استقلالهم ونزاهتهم ، حيث تعمل ، أن ترك الأمر في يدها على أن تبطش بالقاضي بنقله من محكمته إلى محكمة نائية ، أو أن تجعل له ميزة خاصة بأن تبقيه دائماً في العاصمة بحسب موقعها منه، لذلك نجد أن المشرع المصري مثلاً حرص على أن يجرد الحكومة أو وزير العدل من سلطة نقل القاضي ، وجعلها في يد مجلس القضاء الأعلى ، كما أن المشرع وضع ضوابط محددة تنص في المادة 53 من قانون السلطة القضائية على أنه [لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم أو إعارتهم إلاّ في الأحوال والكيفية المبينة في هذا القانون] (2).

غير أنه يجوز نقل القضاة إلى وظائف غير قضائية إذا ثبت عدم صلاحيتهم لمنصب القضاء لأسباب غير صحية أو ثبت أن أعمالهم دون المتوسط في تقريرين متواليين من خلال التفتيش عليهم(3). ونجد أن المشرع العراقي نص في المادة 50/ثانياً من قانون التنظيم القضائي على أنه [لا ينقل القاضي قبل أن يقضي ثلاث سنوات في مكان واحد ، ولمجلس العدل نقله بقرار مسبب إذا تأيد من التقارير الصادرة من اللجان الطبية الرسمية أن حالته الصحية تقضي بنقله ، أو إذا أصبحت ظروفه الوظيفية لا تسمح له بأداء وظيفته في مكان عمله على الوجه الأكمل ، وأن بقاءه في مكانه قد يؤثر في سير العدالة] . وأن المشرع لم يُجِزْ نقل القاضي إلى وظيفة غير قضائية إلاّ بموافقته التحريرية (المادة 49/أولاً-أ) . وقد قيد المشرع الليبي نقل القضاة بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية وأن يصدر الأمر بمرسوم بناءً على اقتراح وزير العدل ، وذلك في المادة 61 من قانون نظام القضاء . وجدير بالمشرع أن يضع قواعد مستقرة لتنظيم مدد الإقامة في مختلف المناطق بما يؤمن القضاة من احتمالات النقل من حين لآخر ، مما يمنع التأثير في قضائه(4).

كذلك فعل المشرع اللبناني اذ نص في المادة 27 من قانون نظام القضاة العدليين على أن يكون نقل القاضي بموافقة مجلس القضاء الأعلى ونص في المادة 30 منه على منح إضافة الى الراتب بنسبة لا تتجاوز 15% للقضاة خارج مدينة بيروت(5). ويبدو أن المشرع العراقي لم يأخذ بمبدأ عدم جواز نقل القاضي بصورة كاملة اذ أنه حدد عدم الجواز هذا بمدة ثلاث سنوات يمكن بعدها نقله ، بل أنه ذهب إلى أكثر من ذلك عندما لم يُجِزْ بقاء أصناف من القضاة دون نقل أكثر من خمس سنوات فقد جاء في المادة 50/ثانياً [لا يجوز أن يبقى القاضي من الصنف الرابع أو الثالث أو الثاني دون نقل أكثر من خمس سنوات] .ونرى ان المشرع في العراق لم يقصد بهذا النص اقرار مبدا عدم جواز نقل القاضي حماية له بل انه كان ينظر الى رغبات القاضي في النقل ، لا اقرار المبدأ لان النص ينظر الى رغبات ومصالح جهة الحكومة في نقل القاضي لا مصلحة القاضي لذلك الزمة بالبقاء ثلاث سنوات في مكان واحد قبل ان ينقل ، وكذلك رغبته او المصلحة في نقله لمرضه او ظرفه او ان بقاءه في مكانه قد يؤثر في سير العدالة ، والعبارة الاخيرة فيها معنى اتهام القاضي والتشكيك به هذا من جهة ومن جهة اخرى فهي عبارة واسعة وفضفاضة تسمح للحكومة ان تفسرها على وفق ما تريده وهنا تكمن الخطورة لذا يجب ايجاد معالجة جديدة للنص تؤسس لمبدأ عدم جواز النقل .

__________________________

() محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص223 .

(2) د. فتحي والي ، الوسيط ، ص 163 . و د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص63.

(3) د. عبد الباسط جميعي ، المصدر السابق ، ص85 .

(4) د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص65 .

(5) د. أحمد أبو الوفا ، المصدر السابق ، ص104 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .