الواقع أن كل مجتمع من المجتمعات صغيرا كان هذا المجتمع أو كبيرا ،لا بد له من حاكم يسوسه وينظمه ، ويدبر أموره ، ويرعى مصالحه ، والحاكم وحده لا يستطيع مهما أوتي من قوة أن يباشر بنفسه جميع السلطات في الدولة ، ولا بد له من أعوان يتعاونون معه في رعاية شئون الدولة و الرعية ، ويتحملون معه أعباء الحكم ، يختص كل منهم بإدارة مرفق من مرافق الدولة.

ومن هذه المرافق ، أو من هذه الولايات التي ينبغي أن يعاون فيها الرئيس ،و ينبغي أن يعاونه فيها من يصلح من الرعية، لولاية القضاء ،فيكون للرئيس حق الإنابة فيها ، أي: حق إنابة غيره ليتولى عنه تنظيمها وإدارتها نيابة عنه ،مثل وزير العدل ، أو حتى الوالي نفسه في ضَيْعته أو في مكان إدارته ، له أن يعين إذا فوَّضه الرئيس بذلك.

ونبدأ أولًا بإلقاء الضوء سريع على تعيين القضاة في النظم الحديثة في العالم: فتعيين القضاة في العصر الحديث له عدة أشكال أو عدة طرق، تختلف من مجتمع إلى اخر حسب النظام الذي تختاره لها وتراه مناسبًا لتحقيق مصالحها.

على كل حال هذه هي طرق ثلاثة لتعيين القضاة في الدول الحديثة، رغم اختلاف نظمها السياسية:

الطريقة الأولى: طريقة الانتخاب:

فقد يكون الانتخاب مباشرًا وقد يكون غير مباشر، يكون الانتخاب للقضاة مباشرًا وذلك إذا كان سيقوم به هيئات متخصصة، أو من يحملون شهاداتٍ عليا في الشريعة والقانون وبالطبع خريجي الحقوق، أو مَن تتوافر فيهم الناحية العلمية ممن يُمثّلون هؤلاء المشتغلين بالمحاماة أو القضاة، وقد يكون بواسطة هيئات عامة؛ مثل مجلس الأمة ،أو مجلس الشعب ،أو البرلمان ،أو أيَّةَ سلطة تشريعية أخرى.

وهذه الطريقة تأخذ بها بعض الدول؛ مثل “الولايات المتحدة الأمريكية”، وتأخذ بها بعض المقاطعات في “سويسرا”، وتُعرف بطريقة الانتخاب أي: سواء أكان هذا الانتخاب مباشرًا أم غير مباشر.

على أي حال هذه الطريقة لها مزايا وفيها بعض العيوب.

من هذه المزايا التي تتحقق عن طريق الانتخاب:

أن السلطة القضائية تكون مستقلة تمامًا ولها أهميتها، وتقف على قدم المساواة مع السلطتين الأخريين-أعني: السلطة التنفيذية ، والسلطة التشريعية من حيث إن كلًّا منها له استقلاله ،وله حريته، وعدم خضوعه لأي سلطان مِن هذه السلاطين الثلاثة، يعني: كل سلطة لها حريتها لا تخضع للسلطة الأخرى.

لكن هذه الطريقة فيها بعض العيوب:

منها: أن القضاة يكونون تحت رحمة الجمهور الناخبين لهم، إذا هم وعدوهم بوعود في مصالحهم انتخبوهم، إذا رأى أو رأت هذه المجموعة من الجماهير التي تنتخب هؤلاء القضاة أنهم يسيرون في غير مصلحتها، وإن كانت مصلحة الأمة، فإنهم يحجبون عنها أصواتهم في هذا الانتخاب.

أيضًا أنهم يكونون ألعوبة أحيانًا في أيدي الأحزاب السياسية ، ذلك إذا كان الانتخاب عن طريق هذه الأحزاب السياسية التي تُمثل في البرلمانات، أو في مجالس الأمم والشعوب.

أضف إلى هذا أن الانتخاب يكون لمدة محدودة، مثلًا كل ثلاث سنوات، أو كل خمس سنوات، وهذه المدة المحدودة بعد أن يكون القاضي اكتسب قليلًا من الخبرة يُعزل أو ينتخب غيره، فلا تتكون عنده الخبرة الكاملة أو الخبرة القريبة من الكمال؛ لأنه لا يمكث في هذا المنصب الهام مدة طويلة من شأنها أن تكسبه هذه الخبرة ،هذه الطريقة على أي حال بمميزاتها وعيوبها.

الطريقة الثانية: طريقة التعيين:

وإنما يكون عن طريق السلطة التنفيذية، يعني: عن طريق الرئيس ، فهي طريقة التعيين لا تكون إلا عن طريق السلطة التنفيذية.

وهذه الطريقة لها أيضًا بعض المميزات ولها بعض المثالب والعيوب.

فمن مميزاتها:

أنها تُعطي فرصة لتحقيق الخبرات ،بالإضافة إلى أن الذين يختارهم السلطان أو قاضي القضاة ،تكون لديهم خبرات وكفايات ودراسات علمية ، السلطة التنفيذية تختارهم بعد علم وخبرة بهم، وتقلدهم هذه المناصب.

لكن مع هذا فإن هناك بعض العيوب في هذه الطريقة؛ من أهمها:

أن السلطة التنفيذية قد تتعمد -أحيانًا- تخطِّي بعض أصحاب الكفايات كما هو مشاهد وملاحظ، أو أن القضاة كثيرًا ما يتأثرون بأهواء الحكام من رجال السلطة التنفيذية، رغم ما يحيط به القضاء نفسه من ضمانات الاستقلال ، لكننا بشر، فقد يميل بعض القضاة إلى مجاملة من اختاروه وعينوه من رجال السلطة التنفيذية مجاملةً، أو أن يقع تحت ضغوط منه ،فيضعف؛ وإما خوفًا أو توجسًا من احتمالات المستقبل أن يفصل ، أو أن لا يرقَّى ، أو ما إلى ذلك من الأغراض. على أي حال هذه طريقة ثانية.

الطريقة الثالثة: هي الطريقة التي تجمع بين الانتخاب والتعيين:

يعني: يكون الانتخاب من بعض الرجال يُسمون “المحلفين” لكن أغلب القضاة سيكونون بالتعيين، ويضم إليهم بعض الرجال الذين يُطلق عليهم لفظ “المحلفين” فيضافون إلى مَن اختارتهم السلطة التنفيذية ،فيكون القضاء خليطًا من المعينين ومن المنتخبين أيضًا ،وهذا ما تسعى إليه بعض الأمم أو الدول ،رغبةً منها في تحقيق أقصى ما يمكن من النزاهة والعدل والحرية والاستقلال لرجال القضاء ،وذلك لما لهذا المنصب ولما هذه الهيئة من الأهمية في حياة الناس و المجتمع القائم على المبادئ لأنها هي التي تُحقق فض النزاعات ، وتنهي الخصومات، وتوصل الحق إلى أصحابه.

بقلم الاستاذ عمرو صالح

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .