نظراً للدور المهم الذي تضطلع به الملكية، فقد أولى لها القانون حماية خاصة وبوسائل مختلفة أهمها:

أولاً: دعوى الحيازة: (Actions Possessoires) التي تحمي المالك بصفته حائزاً وهي ثلاث دعاوى: دعوى الاسترداد، ودعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة. وهذه الدعاوى في مجال الملكية تعادل فكرة التنفيذ العيني في مجال الالتزام(1).

ثانياً: دعوى التعويض: (Actions En Dommages – Interets) وأساسها المسؤولية التقصيرية. فإذا ما ارتكب شخص خطأ أضر بالشيء المملوك كان للمالك أن يرجع بالتعويض عليه. وهذه الدعوى في مجال الملكية تعادل فكرة التنفيذ بطريق التعويض في مجال الالتزام.

ثالثاً: دعوى الإنكار: (Action Negatoire) وهي التي يقيمها المالك ضد من يدعي أن له على الشيء حق انتفاع أو حق إرتفاق على خلاف الحقيقة(2).

رابعاً: دعوى الاستحقاق: منح القانون المالك دعوى خاصة هي دعوى الاستحقاق يمكن أن يرفعها المالك الحقيقي ضد الحائز مطالباً برد الشيء الذي يملكه إليه. ولما كانت دعاوى الحيازة تتعلق بموضوع الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وكذلك دعوى التعويض محلها النظرية العامة للالتزامات. وإن دعوى الإنكار لا تحمي حق المالك في ذاته. وإنما تنفي عنه إدعاء حق عيني آخر(3). وبذلك تبقى دعوى الاستحقاق التي سنتناولها بالشرح لكونها ترد اعتداء الأفراد على حق الملكية.

أولاً: دعوى الاستحقاق.

ويقصد بدعوى الاستحقاق: تلك الدعوى العينية التي تحمي حق الملكية عند الاعتداء عليه. فهي تمنح لمالك الشيء – عقاراً كان أم منقولاً – لتمكينه من استرداده من حائزه الذي يضع يده عليه دون وجه حق. ومن أهم خصائص دعوى الاستحقاق ومميزاتها أنها دعوى ملكية لكونها تقررت لحماية حق الملكية فهي دعوى عينية وليست دعوى شخصية، وكذلك تتميز دعوى الاستحقاق عن سائر الدعاوى الأخرى عينية كانت أم شخصية بعدم سقوطها بالتقادم، فهي تبقى قائمة ما دامت الملكية دائمة، ولأن حق الملكية لا يسقط بالتقادم لعدم استعماله فإن دعواه لا تسقط بالتقادم مهما طالت(4). واصعب مسألة في دعوى الاستحقاق هي مسالة إثبات الملكية، فإذا تمكن المالك تجاوز تلك الصعوبة وأمكنه من إقامة الدليل القاطع على ملكيته للعقار استرده. ويترتب على ذلك بعض الآثار(5).وفيما يأتي سنتعرض لإثبات الملكية العقارية التي تثار بصددها هذه الدعوى، ثم لآثار استرداد العقار.

أ – إثبات حق الملكية.

تتطلب دعوى الاستحقاق إثبات الملكية. وعبء إثبات الملكية عبء ثقيل، إذ لا يكفي أن يثبت الشخص السند الذي يدعي به الملكية نحو عقد البيع مثلاً الذي تملك به. وإنما يجب عليه أن يثبت أن البائع له كان مالكاً وأن من نقل الملكية للبائع كان مالكاً، وهكذا إلى ما لانهاية. ومن الصعوبة بمكان أن يسير مثل هذا الإثبات بسهولة إذ لابد أن يتعثر في بعض مراحله(6). ويقع عبء الإثبات على من يدعي انه مالك لعقار ما فعليه إثبات حقيقة ما يدعيه، فإن لم يتمكن من الإثبات ترفض دعواه. وتقوم الحيازة، بدور هام فيما يتعلق بعبء الإثبات، فهي قرينة على الملكية. وهي بافتراضها الملكية تجعل الحائز في مركز المدعي عليه الاستحقاق، أما خصمه فيكون مدعياً ويقع عليه عبء الإثبات غير أنّ قرينة الملكية المقامة استناداً إلى الحيازة ليست قرينة قاطعة، وإنما هي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس من مدعي الملكية(7).

ب – طرائق إثبات الملكية.

نشير فيما يأتي بشيء من الإيجاز، إلى كل من طرائق الإثبات القطعية وطرائق الإثبات الظنية في دعوى الاستحقاق:

1- طرائق الإثبات قطعية الدلالة.

هناك ثلاث طرائق ذات دلالة يقينية وهي:

أ-السجل العيني: تستوجب حماية تنظيم وضمان استقرار الملكية العقارية ضرورة خضوعها من حيث اكتسابها وتداولها إلى نظام معين يجعل ملكية العقار ذات دلالة يقينية قاطعة وهذا النظام هو نظام السجل العيني، فبما له من حجة قانونية كاملة، فإنه يقدم دليلاً قاطعاً على ثبوت الملكية. وقد أدخل نظام السجل العيني في مصر بالقانون رقم 142 لسنة 1964 ولكنه لم يطبق حتى الآن. ويطبق هذا النظام في بعض البلاد العربية مثل العراق، وسوريا، ولبنان(8).

ب-التقادم المكسب للملكية: وهو طريقة ذات دلالة يقينية قاطعة لأثبات ملكية العقار. فإذا أثبت أنه حائز للعقار حيازة قد استوفت شروطها هو وسلفه من قبله مدة خمس عشرة سنة متواليات دون انقطاع فقد تملك العقار بالتقادم. وهو حجة على الكافة وبما فيهم مالك العقار الحقيقي، وبذلك يعد التقادم من الأدلة القاطعة على ثبوت الملكية(9).

ج-الحيازة إذا استوفت شرائطها: ولاسيما إذا كانت حيازة مستمرة لا انقطاع فيها هادئة لا إكراه فيها، علنية واضحة لا لبس فيها ولا غموض. فعند ذلك يمكن أن تكون هذه الحيازة قرينة قانونية لإثبات الملكية، ولكنها قرينة غير قاطعة تقبل إثبات العكس. ولكن على أية حال فهي طريق لإثبات الملكية ذو دلالة يقينية(10).

2-طرائق إثبات ظنية الدلالة.

إن أهم ما يميز طرق الإثبات ظنية الدلالة بأنها لا تقدم دليلاً يقينياً حاسماً على الملكية، وإنما تقدم احتمالات يرجح معها ثبوت الملكية وهذه الطرائق هي:

أ – سند التملك: وهو سند صادر عن الخصم يفيد ثبوت الملكية له. مثل عقد البيع، أو عقد هبة، أو وصية. وغير ذلك من التصرفات القانونية الصادرة من مدعي الملكية. دون اعتبار ما إذا كان قد صدر من مالك أو من غير مالك، فسند الملكية بهذا المعنى مجرد قرينة تفيد احتمالاً راجحاً بثبوت الملكية لمن صدر له. فدلالته ظنية وليست قاطعة في تقدير القاضي. إذ لا يشترط أن يكون مسجلاً أو غير مسجل، أو أن يكون ناقلاً للملكية. إذ يجوز أن يكون كاشفاً عن الملكية لا ناقلاً لها. مثل عقد الصلح أو عقد القسمة. إلا أنه يشترط في سند الملكية لا مكانية التمسك به أن لا يكون صادراً من الشخص نفسه والذي يرغب في الاستناد إليه. فلا يجوز للشخص أن يصطنع دليلاً لنفسه(11))

ب – قرائن أخرى أقل قوة: فمن كلف العقار باسمه يستطيع أن يتخذ من ذلك قرينة قضائية على أنه هو المالك إلى أن تقوم قرينة أقوى منها. ومن القرائن الدالة على الملكية أيضاً، الضرائب العقارية، فمن يدفع هذه الضرائب تكون دليلاً على أنه هو المالك. لكن يمكن نفيها بقرينة أقوى منها. وقد تكون خرائط حدود الملكية وبياناتها – على الرغم من أنها مجرد مستندات إدارية لا حجية لها في ثبوت الملكية بين الأفراد – قرينة قضائية في حالة عدم وجود دليل آخر. وتعد الحيازة المستوفاة لشروطها قرينة، تنفى بقرينة أقوى منها(12).

ج – آثار استرداد العقار.

في حالة نجاح المدعي في دعوى الاسترداد في إثبات دعواه، وأقام الدليل القاطع أو الراجح على ملكيته للعقار، قضي له بأحقيته فيه، وألزم المدعي عليه – حائز العقار – بتسليمه للمدعي الذي اصبح مستحقاً له قانوناً. وعلى ذلك إذا كان المدعي عليه في دعوى الاستحقاق قد اشترى العقار من غير مالكه ودفع له الثمن، فلا يحق له الرجوع بهذا الثمن على المدعي الذي حكم له باستحقاق العقار، فلكونه ليس طرفاً في عقد البيع، فلا يلتزم بالضمان، وإنما يكون رجوع المدعى عليه بالثمن وبضمان الاستحقاق على من باع له العقار، أعمالاً للقواعد العامة في ضمان المبيع(13). ويسترد المدعي العقار خالياً من أية أعباء أو قيود أو ارتفاقات قررها المدعي عليه أثناء حيازته للعقار. فالملاحظ أنَ دعوى الاستحقاق تحمي حق الملكية في ذاته. وتوفر حماية كبيرة لهذا الحق، وأهمها عند استرداد العقار خالياً من أية أعباء أو قيود أو ارتفاقات قررها المدعي عليه أثناء حيازته للعقار.

_______________________

1- د. حسن علي الذنون – شرح القانون المدني العراقي – الحقوق العينية الأصلية – شركة الرابطة للطبع والنشر المحدودة – بغداد – 1954 – ص 198. وأنظر كذلك د. رمضان أبو السعود – الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني – الدار الجامعية للطباعة والنشر – بيروت – 1985 – ص639.

2- د. صلاح الدين الناهي – مصدر سابق – ص 214.

3- د. محي الدين إسماعيل علم الدين – مصدر سابق – ص 218 و ص 219.

4- د. ابراهيم الدسوقي أبو الليل – الحقوق العينية الأصلية – أحكام حق الملكية – ج1 – ط1 – مطبوعات جامعة الكويت – الكويت – 1990 – ص 70 ، ص 72.

5- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 601.

6- د. محي الدين إسماعيل علم الدين – مصدر سابق – ص 220.

7- د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل – مصدر سابق – ص 76.

8- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 603. وأنظر كذلك د.إبراهيم الدسوقي أبو الليل –مصدر سابق– ص 77.

9- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 603.

10- د. محي الدين إسماعيل علم الدين – مصدر سابق – ص221.

11- د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل – مصدر سابق – ص 80 د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 605.

12- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص 606. د. محي الدين إسماعيل – علم الدين – مصدر سابق – ص 221.

13- د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل – مصدر سابق – ص 84. وأنظر كذلك د. صلاح الدين الناهي – مصدر سابق – ص220.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .