تزخر قواعد القانون الدولي العام بالعديد من النصوص الدولية المقررة لحماية الجامعات وسائر المؤسسات التربوية والتعليمية ، هذه الحماية مقررة استناداً إلى العديد من المعطيات القانونية والمبررات الواقعية التي تفرض تمتعها بقدر كبير من الحماية وعلى اختلاف الأشكال والصور التي تتخذها تلك الحماية ، وإذا كنا بصدد البحث عن مصادر تلك الحماية فإنها متوفرة في أحكام النصوص القانونية الوطنية والدولية على حد سواء ، والعلة التشريعية التي بموجبها تتمتع الجامعات وسائر المؤسسات ذات الطابع العلمي والتربوي بحصانة من نوع خاص ترجع إلى الطبيعية التكوينية لتلك المؤسسات والدور المحوري الذي تؤديه في حياة الأمم والمجتمعات ، فهي من جهة أطراف محايدة بعيدة كل البعد عن أي مصدر من مصادر التوتر أو الاضطراب بحكم طبيعتها المدنية البحتة ورسالتها العلمية الرصينة ، وهي في الوقت نفسه المؤسسة التي تصنع الفكر والإبداع وتنتج المعرفة الإنسانية وتبني القيم الحضارية وتؤسس معالم المدنية الحديثة لكل مجتمع من المجتمعات.

أما عن مصادر تلك الحماية فهي تظهر بشكل خاص من خلال القواعد القانونية التي تنظم الحماية الدولية الواجبة للأعيان المدنية في فترة الصراعات المسلحة الداخلية والدولية وهذا الأمر واضح من خلال أحكام القانون الدولي الإنساني الذي يحكم سلوك وتصرفات أطراف الصراع ويضع من الضوابط والقيود ما يحول دون انتهاك حرمة تلك المؤسسات أو الإساءة إليها ، ومن خلال أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يضفي المزيد من الاحترام للمؤسسات التربوية والتعليمية من خلال نهجه في التعامل مع تلك المعطيات على اعتبار أنها مرتكزات لآي عمل يستهدف النهوض بالحق في التعليم أو بالحقوق الثقافية أو الفكرية وغيرها، من جهة أخرى هناك من نصوص الحماية ما ورد النص عليه في أحكام القانون الدولي العام ضمن تصديه لبيان آليات التعامل مع المؤسسات الثقافية والعلمية والتربوية واعتبر الجامعات في منزلة رفيعة ومتقدمة من حيث الأماكن التي يجب أن تحترم وتحمى وأعطاها مكانة مساوية لمكانة المتاحف والمناطق الأثرية وأماكن العبادة من حيث أهميتها ومن حيث قدسيتها وعدم جواز الخروج عن القواعد الملزمة التي تفرض على جميع الأطراف احترامها .

أما عن ابرز المعطيات القانونية التي تبرر وضع ضوابط خاصة تكفل التعامل مع تلك المؤسسات بشكل يتناسب مع أهميتها فإنها تتلخص بما يأتي :

1. إن هذه المؤسسات تعد من المؤسسات المدنية البعيدة كل البعد عن أي نشاط يتناقض مع طبيعتها ومع طبيعة عملها وإنها تصنف في إطار القانون الدولي الإنسان من المؤسسات المدنية ذات الطابع الخاص نظراً لعدم إمكانية استغلالها في أداء مهام تخرجها عن تلك الطبيعة .

2. إنها تتمتع بجميع المعايير القانونية التي أقرتها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين أثناء الصراعات المسلحة ، هذه المعايير جميعها تتوفر في الجامعات الأمر الذي يجعلها تخضع لكل ما ورد في هذه الاتفاقية من أحكام تصون القيم العلمية لها وتحافظ عليها من أي مخاطر محدقة .

3. كما تحضى تلك المؤسسات بحماية النصوص القانونية المقررة في البروتوكول الإضافي الأول والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 والملحقان باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 .

4. وتتمتع الجامعات بالحماية القانونية المقررة بمقتضى أحكام اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح والمقررة في 14 أيار 1954 .

5. وتحضى تلك المؤسسات أيضا بالحماية القانونية المقررة في اتفاقية واشنطون الخاصة بحماية المؤسسات الفنية والعلمية لعام 1953والتي تنص مادتها الأولى على ما يأتي : ( تعتبر المؤسسات الثقافية والتربوية والفنية والعلمية أماكن محايدة ، ينبغي احترامها من قبل أطراف الصراع وحمايتها ، ويجب أن يتمتع الأفراد العاملون في تلك المؤسسات بالاحترام والحماية ) .

6. وبالإضافة إلى ذلك تبقى تلك المؤسسات محمية بموجب قواعد القانون الدولي العرفي والتي لا تزال تبسط سطوتها على سلوك أطراف النزاع في الكثير من الحالات التي يخشى معها أن يلحق ضرراً محدداً بإحدى المؤسسات التربوية أو التعليمية .

7. وأخيراً تجد نصوص الحماية مكانها أيضاً في القوانين الوطنية ونذكر على سبيل المثال نص المادة الثانية والعشرين من قانون التعليم العالي والبحث العلمي في العراق المرقم (132) لعام 1970 والتي تقضي بما يأتي : ( الجامعة حرم امن ذو حصانة وهي ارفع وأصفى مصادر المجتمع الذي أناط بها أسمى أماناته وعليها تقع مسؤولية تحقيق الأهداف السامية للتعليم العالي المقررة في هذا القانون ).

بعد هذا العرض الموجز لأبرز نصوص الحماية المقررة للجامعات في هذا المجال ، يكون من المناسب أن نحدد ابرز أشكال الحماية التي تتمتع بها تلك المؤسسات ، وفي هذا الصدد نستطيع القول بان الجامعة وكما أسلفنا حرم امن لا يجوز الإخلال بقدسيته بأي شكل من الأشكال ويعد من قبيل الإخلال بهذا الحرم ما يقع من أعمال وممارسات عسكرية لقوات نظامية وطنية أو أجنبية تجري داخل ذلك الحرم ويضاف لذلك أعمال أطلاق النار أو استخدام أي مظهر من مظاهر القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها داخل تلك المؤسسات أو حمل السلاح بشكل ظاهر لأطراف غير مرخصة بذلك أو ممارسة أي أعمال تهديد أو ترويع تستهدف الطلبة أو الأساتذة أو المنتسبين لتلك المؤسسات أو أعمال الاقتحام أو الاعتقال التي تتم داخل تلك المؤسسة أو أي صورة أخرى من الصور من شانها ان تمس المكانة الرفعية التي يجب ان تتمتع بها الجامعات بغية تمكينها من أداء رسالتها التربوية والعلمية على أتم وجه .

وأمام وضوح نصوص الحماية لا يملك أي طرف أن يرتكب من الممارسات ما يعد إخلالاً بتلك الحماية تحت أي مبرر أو مسوغ حيث لا اجتهاد في مورد النص، لأنه يكون بذلك قد خرق جميع مصادر التجريم للأفعال التي ترتكب بحق تلك المؤسسات ولأنه أقدم على تجاهل إرادة الأسرة الدولية عبر عدم التقيد بالمواثيق والأحكام التي صاغتها والتي التزمت الدول بإرادتها بالعمل على احترامها وتطبيقها .

أخيراً لابد من الإشارة إلى ابرز الأطراف الدولية المسؤولة عن تفعيل نصوص الحماية ومتابعة تطبيقها واحترامها ومحاسبة المخالفين والمنتهكين لتلك النصوص ، وفي هذا الصدد يكون المجتمع الدولي (ابتداءً بالدول ومروراً بالمنظمات الدولية وسائر أشخاص القانون الدولي ) بأسره المعني أولاً وأخيراً بالعمل من اجل تطوير وتعزيز الجهود الرامية إلى صيانة وحماية تلك المؤسسات ، ولكن هناك دور إضافي لعدد من الأطراف المعنيين بهذا الأمر أبرزهم اللجنة الدولية للصليب والهلال الأحمر فيما يخص تطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية المنظمة للقانون الدولي الإنساني ، ومنظمة اليونسكو فيما يخص تطبيق أحكام اتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية لعام 1954،

ويبقى للمجتمع الدولي عبر مؤسساته المختلفة دوراً أخر في متابعة مدى التزام الأطراف المختلفة بالحماية القانونية المقررة للجامعات ، ولا يمكن أن يتم تجاهل دور منظمات المجتمع المدني كأحد الشركاء الدائمين في العمل على الصعيدين الوطني والدولي وما تمارسه تلك المؤسسات من دور كبير في رصد كل انتهاك يصيب تلك المؤسسات ودورها في فضح تلك الانتهاكات والدفاع عن الحقوق المشروعة المقررة لصالح تلك المؤسسات وعن الضمانات القانونية الني تتمتع بها .

منقول