الأصل إن وفاء الدين من قبل الحائز يكون اختيارياً ، أي إن الحائز وبإرادته يقوم بوفاء ديون الدائنين المرتهنين في حالة مطالبتهم له بوفاء الدين . ولكن يلاحظ ان هناك حالات يجبر فيها الحائز على الوفاء بالدين المضمون بالرهن في حالة مطالبة الدائنين له. وتوجد هناك ثلاث حالات يكون فيها وفاء الدين واجباً على الحائز ، وهذه الحالات هي:-

الحالة الأولى :- تتحقق هذه الحالة إذا كان في ذمة الحائز مبلغ بسبب تملكه للعقار المرهون ، وكان مستحق الأداء وكافياً للوفاء بجميع ديون الدائنين المسجلة حقوقهم على العقار. ففي هذه الحالة يحق لكل دائن مرتهن أن يجبر الحائز على الوفاء بحقه على شرط أن يكون الحائز قد سجل سند ملكيته (1). وبذلك فان هذه الحالة تتحقق إذا كان في ذمة الحائز مبلغ مدين به ، كما لو اشترى العقار المرهون ولم يدفع ثمنه بعد . وكان هذا المبلغ مستحق الأداء وكافياً للوفاء بجميع ديون الدائنين المرتهنين. على شرط أن يقوم الحائز بتسجيل سند ملكيته.

الحالة الثانية :- وتتحقق هذه الحالة. عندما يكون المبلغ المترتب في ذمة الحائز اقل من ديون الدائنين المرتهنين ، بحيث يكون غير كاف ٍ للوفاء بالديون المستحقة ومغايراً لها. وان يكون غير مستحق الأداء ، ولكن يلاحظ بان الحائز لا يجبر على الوفاء بالدين في هذه الحالة إلا في حالة اتفاق جميع الدائنين المرتهنين على مطالبة الحائز بدفع الدين(2). فإذا تم الاتفاق بين الدائنين يجبر الحائز على دفع الدين المترتب في ذمته. والسبب في اشتراط موافقة جميع الدائنين هو إن قيام الحائز بوفاء ديون الدائنين المرتهنين يؤدي الى المساس بحقوقهم. لأنه إذا كان ما يلتزم الحائز به اقل من حقوقهم، فانهم يتعرضون الى خطر عدم الحصول على حقوقهم كاملة ، وإذا كان التزامه غير مستحق الأداء كان عليهم الانتظار لحين حلول اجله ، وإذا كان ما يلتزم به الحائز يغاير حقوقهم اضطروا الى قبول الوفاء بغير ما اتفق معهم على الوفاء به وبالتالي فان اتفاق الدائنين في هذه الحالة يعني قبولهم لأي من المخاطر السابقة(3). ولكن يلاحظ في نطاق هذه الحالة ، أنه من الناحية العملية لا يمكن أن ينعقد اجماع الدائنين على الاكتفاء بما تبقى من مبلغ في ذمة الحائز ، إذ يبقى أمل كل دائن . بان يتم بيع العقار بالمزاد العلني لعله يباع بمبلغ يزيد على المبلغ المتبقي في ذمة الحائز.

الحالة الثالثة :- تتحقق هذه الحالة إذا اشترط المالك السابق للعقار المرهون على الحائز أن يقوم بدفع ثمن الشراء الى الدائنين المرتهنين . وبذلك يحق للدائنين المرتهنين إجبار الحائز على الوفاء بالدين(4). وبذلك إذا تحققت واحدة من تلك الحالات فان الدائنين المرتهنين يحق لهم إجبار الحائز على الوفاء بالدين ، ويبدو إن الحكمة من إجبار الحائز على الوفاء بالدين المضمون بالرهن ترجع الى إن الحائز لا زال مديناً بسبب تملكه العقار المرهون ، وسيان عنده أن يدفع ثمن العقار للمدين الراهن الذي باعه العقار المرهون أو للدائنين المرتهنين المسجلة حقوقهم على العقار المرهون . وقد أشار القانون المدني المصري الى الحالتين الأولى والثانية من حالات الوفاء الجبري للدين في المادة ( 1063/ 1 ،2) إذ نصت بالقول ((1. إذا كان في ذمة الحائز بسبب امتلاكه للعقار المرهون مبلغ مستحق الأداء حالاً يكفي لوفاء جميع الدائنين المقيدة حقوقهم على العقار، فلكل من هؤلاء الدائنين أن يجبره على الوفاء بحقه بشرط أن يكون سند ملكيته قد سجل . 2. فإذا كان الدين الذي في ذمة الحائز غير مستحق الأداء حالاً أو كان أقل من الديون المستحقة للدائنين ، أو مغايراً لها ، جاز للدائنين إذا اتفقوا جميعا ً أن يطالبوا الحائز بدفع ما في ذمته بقدر ما هو مستحق لهم ، ويكون الدفع طبقاً للشروط التي التزم الحائز في اصل تعهده أن يدفع بمقتضاها وفي الأجل المتفق على الدفع فيه))(5). فإذا تحققت أحدى هاتين الحالتين ، فان الحائز يجبر على الوفاء بالدين ويلاحظ بان المادة ( 1063/ 1) مدني مصري تنص صراحة لتحقق الحالة الأولى من حالات الوفاء الجبري أن يكون سند ملكية الحائز قد سجل والغرض من التسجيل حتى لا يستجد بعد الوفاء دائنون آخرون . كذلك يتضح من خلال الفقرة الثانية من هذه المادة ، إن الحائز يجبر على الوفاء بالدين في حدود الشروط التي اتفق عليها مع سلفه (( البائع للعقار المرهون )) وفي الأجل المتفق على الدفع فيه. ويلاحظ بان الحالة الثالثة من حالات الوفاء الجبري قد اخذ بها المشرع المصري، وطبق عليها إحكام الاشتراط لمصلحة الغير(6). ويجب الملاحظة ، الى انه في حالة تحقق أي حالة من حالات الوفاء الجبري فان الحائز يفقد صفته كحائز ، ويصبح مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدين ، ومن ثم لا يحق له مباشرة إجراءات التطهير أو التخلية (7). وذلك لان هذه الوسائل ممنوحة للحائز. وإذا امتنع عن الوفاء بالديون جاز للدائنين أن ينفذوا على أمواله الأخرى بعد أن أصبح لهم حق الضمان العام على هذه الأموال . وقد أشارت المادة ( 1063 / 3) مدني مصري الى ذلك بقولها (( وفي كلتا الحالتين لا يجوز للحائز أن يتخلص من التزامه بالوفاء للدائنين بتخليه عن العقار …..)). أما في القانون المدني العراقي، فيمكن تطبيق الاشتراط لمصلحة الغير(8) على الحالة الثالثة من حالات الوفاء الجبري، فإذا اشترط المالك السابق للعقار المرهون على الحائز أن يقوم بدفع ثمن الشراء الى الدائنين المرتهنين كان من حق هؤلاء إجبار الحائز على الوفاء لهم . وهذا ما نصت عليه المادة ( 152/ 2) مدني عراقي بقولها ((2-ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد يستطيع أن يطالبه بوفائه ما لم يتفق على خلاف ذلك ……)). ويلاحظ ان القانون المدني العراقي لم ينص صراحة على الحالتين الأولى والثانية من حالات الوفاء الجبري على الرغم من ان القانون المدني العراقي أشار الى إمكانية جبر المدين على التنفيذ الجبري في المادة ( 246 / 1) منه . إذ نصت (( يجبر المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً )) ولكن لا يمكن تطبيق هذا النص إلا على الحالة الأولى من حالات الوفاء الجبري . والذي يكون هناك مبلغ مستحق الأداء في ذمة الحائز بسبب تملكه العقار المرهون وكان كافياً للوفاء بديون الدائنين المرتهنين. أما بالنسبة الى الحالة الثانية من حالات الوفاء الجبري . فلا يمكن تطبيق نص المادة ( 246 / 1) مدني عليها. وذلك لان المبلغ المتبقي في ذمة الحائز اقل من ديون الدائنين المرتهنين وغير مستحق الأداء ، ولا يجبر الحائز على دفعه إلا إذا اتفق جميع الدائنين على إجبار الحائز على الدفع لهم . وهذا ما لم تشر إليه المادة أعلاه فضلاً عن ذلك. فان الكثير من التشريعات المدنية تتضمن نصا ً مشابهاً لنص المادة ( 246 /1) مدني عراقي(9) ، ومع ذلك تشير الى حالات الوفاء الجبري للدين من قبل الحائز . ولأجل ذلك نقترح على المشرع العراقي إضافة فقرة ثالثة الى المادة ( 1307) مدني عراقي. لتصبح بالشكل الآتي ((3- إذا كان الدين الذي ترتب في ذمة الحائز غير مستحق الأداء أو كان غير كاف ٍ للوفاء بالديون المستحقة أو مغايراً لها ، جاز للدائنين المرتهنين إذا اتفقوا جميعاً إجبار الحائز على الوفاء بالدين المترتب في ذمته وفي الميعاد المحدد للوفاء به)) .

______________________

– انظر، د.سعيد سعد عبد السلام ، الوجيز في الحقوق العينية التبعية ، مصدر سابق، ص403. د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط ،ج10، مصدر سابق، ص417418.

2-انظر، د.شمس الدين الوكيل، مصدر سابق، ص336. أنظر كذلك، احمد سلامه ، دروس في التأمينات المدنية ، مصدر سابق،ص250. د.محمد كامل مرسي باشا، شرح القانون المدني، التأمينات الشخصية والعينية، تنقيح المستشار محمد علي سكيكر والمستشار معتز كامل مرسي ، منشأة المعارف بالاسكندرية، 2005، ص216.

3- انظر، د.جلال محمد ابراهيم، الحقوق العينية التبعية، مطبعة الاسراء، بلا مكان وسنة طبع، ص283.

4- انظر، د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، الجزء الاول، الطبعة الثانية ،تنقيح المستشار احمد المراغي، منشأة المعارف بالاسكندرية،2004، ص465. سمير عبد السيد تناغو، مصدر سابق، ص268.

5- تقابلها المادة (914) مدني جزائري (مطابق) والمادة (1008/1 ،2) مدني كويتي (مطابق).

6-انظر، د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط ، ج10، مصدر سابق،ص633.

7- انظر، محمد علي امام ، مصدر سابق، ص 361. أنور طلبه، مصدر سابق، ص757. أنظر كذلك ، في الفقه والقضاء الفرنسي ،

Planiol. Ripert et Becque،op،cit،p.502;civ. 27 avril 1874 7 287; civ-6 novembre 1945.D.1946-1-36. أشار اليه ، احمد سلامه ، التأمينات المدنية ، مصدر سابق، ص30.

8- يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير إذاابرم شخصان عقداً واشترط احدهما فيه على الاخر حقاً لشخص ثالث يتلقاه عن العقد مباشرة ، فلا يمر في ذمة المشترط .انظر، د.عبد المجيد الحكيم ، الاستاذ عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، مصدر سابق، ص145.

9- انظر المادة (203/1) مدني مصري ، إذ نصت ((1- يجبر المدين بعد اعذاره طبقاً للمادتين 219و 220 على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً)).انظر كذلك ، المادة (204) مدني سوري (مطابق) والمادة (249) من قانون الموجبات والعقود اللبناني .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .