دور القضاء في حماية الحقوق و الحريات
القاضي د. محمد عبد طعيس
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ان الحقوق والحريات الأساسية للأنسان هي حقوق فردية مشتقة من حاجات الأنسان وطاقاتة ، والتي يجب ان تحترم ويتمتع بها كل البشر بحكم آدميتهم دون تمييز بين أحدهم والأخر بسبب الجنس او الاصل او اللون او اللغة او الفكر او العقيدة ، وهذه الحقوق والحريات ليست ميزه او منحة من أحد بل أقرت في اسمى وأرفع تشريع سماوي بقوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .

لذلك أضفت الشرائع السماوية والوضعية كافه جملة من الحقوق الاساسية التي تحافظ على كرامة الفرد وأنسانيته وتمنع كل وسائل القهر والتعسف التي يتعرض لها، بأعتباره اللبنه الاساسية في بناء المجتمع السليم ،ويعد اهم تقدم أخلاقي في هذا العصر تأطير هذه المبادىء والحقوق ضمن المواثيق والعهود الدولية ودساتير البلدان وتشريعاتها الوطنية ،لكن ذلك التدوين والتنظيم لايوفر الضمانات الجدية لصيانة كرامة الانسان وحرياته امام سطوة وجبروت الدولة ونفوذ سلطاتها التشريعية والتنفيذية ، الأمر الذي يستلزم وجود حتمي لسلطة ثالثة تمارس الرقابة على السلطتين المذكورتين لتشكل حائط الصد والردع لأي مساس بالحقوق الدستورية والقانونية للانسان وهي السلطة القضائية التي انيط بها هذا الدور واخذت على عاتقها حماية الحقوق والحريات الاساسية للأفراد عن طريق فرض رقابتها الدستورية على مايصدر من خرق لتلك الحقوق من السلطة التشريعية او من خلال تصديها لأي تعد على حقوق المجتمع من السلطة التنفيذية او من الغير، وسنتناول ذلك بمزيد من البيان .

اولآ :- حماية الحقوق والحريات من تدخل السلطة التشريعية
ان اسمى هدف لأي دستور اوتشريع هو ضمان حقوق الانسان ، ولا سبيل لهذا الضمان الا عن طريق سلطة عليا تتولى الرقابة والحفاظ على المبادئ الدستورية وحسن تطبيقها ، بحيث يمتنع المشرع العادي عن انتهاك تلك المبادئ اثناء عملية تشريع القوانين ، ولهذا انشأ مايعرف بمبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، الأمر الذي يستلزم البحث في طبيعة هذه الرقابة والسبل المتبعة في الحصول عليها.

1- الرقابة القضائية على دستورية القوانين .
يمكن تلمس هذه الرقابة في وجوب خضوع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للرقابة القضائية للتأكد من مطابقتها وامتثالها للنصوص الدستورية ، ويرتكز مفهوم تلك الرقابة الى ما يتمتع به الدستور من اعلوية باعتباره يشكل قمة الهرم القانوني في الدولة .
ان الاعتراف للقضاء بسلطة البحث في دستورية القوانين يعد من الامور المنطقية التي تضمن عدم مخالفتها للدستوراو مساسها بحقوق الأفراد ، لذلك ان منح الرقابة الدستورية للقضاء لم يكن محل اجماع لدى الكافة، فقد تباينت الدساتير في النص على الجهة التي تتولى مهمة تلك الرقابة ، فهناك نمط من الدساتير التي لم تتطرق نصوصها لتلك الرقابة ، في حين هناك نمط ثان من الدساتير التي اناطت مهمة الرقابة على دستورية القوانين بالمحكمة العليا باعتبارها اعلى المحاكم العادية في الدولة ، فمثلاً نص الدستور السوداني الانتقالي لعام (1985) في المادة (125) على ان المحكمة العليا حارسة الدستور وتختص بالنظر في مسائل معينة منها الرقابة على دستورية القوانين وحماية الحقوق والحريات التي كفلها الدستور .وكذلك جاء نص المادة (93) من دستور جمهورية العراق الصادر عام 2005 بأن( تختص المحكمة الأتحادية العليا بالرقابة على دستوريةالقوانين والانظمة النافذه) ومع كون المحكمة الأتحادية أحدى مكونات السلطة الأتحادية بموجب نص المادة (89) وكونها هيئة قضائية مستقلة بموجب المادة (92) من الدستور نفسه ،تكون الرقابة على دستورية مايصدر عن السلطة التشريعية هي رقابة قضائية.

اما النمط الثالث والاخير من الدساتير فاناط مهمة الرقابة للمحكمة الدستورية العليا ، فمثلاً نصت المادة (175) من الدستور المصري لعام (1971) على ان (المحكمة الدستورية العليا تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين) .

وكذلك نصت المادة (87) من الدستور العراقي المؤقت لعام (1968) على انشاء محكمة دستورية عليا تتولى البحث في دستورية القوانين ، وقد انشأت تلك المحكمة بالقانون رقم (159) لسنة (1968) وقد الغي هذا القانون بالغاء سنده الدستوري اي دستور (1968) وذلك بصدور دستور عام (1970) .

ونجد ذات الاتجاه في نص المادة (137) من دستور النمسا الصادر عام (1920) والمعدل عام (1929) التي تضمنت اقامة محكمة للنظر في دستورية القوانين اطلق عليها (محكمة القضاء الدستوري) .

واياً كانت الاتجاهات الدستورية في تحديد الرقابة على دستورية القوانين فاننا نتفق والرأي الذي يحصر الاختصاص بتلك الرقابة في محكمة دستورية خاصة وذلك للاسباب الاتية : –
أ‌- ان حصر الرقابة على دستورية القوانين بمحكمة دستورية خاصة من شأنه ان يضفي على موضوع الرقابة اهمية كبيرة ويمنحها مزيداً من الاحترام من جانب المشرع العادي .
ب‌- ان المحكمة الدستورية تتألف من قضاة يتمتعون بالكفاءة والخبرة في بحث القضايا الدستورية التي تؤهلهم لاداء اعمالهم بصورة سليمة ويؤدي تخصصهم هذا الى سرعة حسم الدعاوى واصدار الاحكام في صحة القوانين العادية .
ج- ان بعض اوجه الرقابة على دستورية القوانين وهي رقابة الغاء القانون المخالف للدستور تتطلب اناطة المهمة بمحكمة خاصة وليس بمحكمة عادية للنتيجة اعلاه .
ولاهمية تلك المحكمة في ضمان حقوق الانسان وحرياته نعتقد بضرورة ان تتضمن الدساتير نصوصاً صريحة تنيط مهمة الرقابة بمحكمة دستورية عليا .
2- السبل المتبعة في الرقابة القضائية على دستورية القوانين .
يذهب فقهاء القانون الدستوري الى تصنيف الوسائل المتبعة في تلك الرقابة الى نوعين :
الاول : يعرف بالرقابة عن طريق الدعوى الاصلية (رقابة الالغاء) ، والثاني : يعرف بالرقابة عن طريق الدفع (رقابة الامتناع) .

النوع الاول : رقابة الالغاء
تتجسد هذه الرقابة في التخويل الممنوح من قبل المشرع الدستوري للهيئات العامة والافراد في رفع دعوى مبتدئة امام محكمة مختصة ووفقاً لشروط معينة يطالب فيها الغاء القانون المخالف للدستور ، وان هذه الرقابة تؤدي الى الغاء القانون المخالف للدستور اذا ثبت للقاضي عدم دستوريته ، ومن ثم يكون لقرار الالغاء حجية مطلقة تجاه الجميع مما يؤدي الى حسم النزاع حول دستورية القانون بصورة نهائية .

والجدير بالذكر ان رقابة الالغاء يشترط لاجل ممارستها ان تتضمن الدساتير نصوصاً تجيزها ، اما اذا لم توجد هذه النصوص فلا يمكن ممارسة الرقابة القضائية عن طريقها وانما عن طريق اخر هو طريق الدفع بعدم دستورية القانون .

وان رقابة الالغاء قد تكون سابقة على صدور القانون (فتجيز لرئيس الجمهورية مثلا او لاية جهة اخرى تنص عليها الدساتير الحق في احالة مشروع القانون الى المحكمة قبل اصداره للبحث في مدى مطابقته لاحكام الدستور .

ونجد هذا الاتجاه في دساتير كل من بنما والاكوادور وايرلندا ، والواقع ان رقابة الالغاء اللاحقة هي الاشيع في الدساتير التي تأخذ برقابة الالغاء ، والشيء المهم الذي لابد من ذكره هو ان عدد الدساتير التي تمنح الافراد الحق في رفع دعوى الالغاء قليل جداً بحيث تحصر ممارسة هذه الرقابة بالهيئات العامة فقط .

وفي الوقت الذي تنص فيه بعض الدساتير على منح الافراد الحق في رفع دعوى الالغاء تصدر قوانين تسلب الافراد هذا الحق فلا تبيح لهم رفع هذه الدعوى امام المحكمة الدستورية .

ومن الدساتير التي منحت هذا الحق للأفراد هو الدستور السوداني لعام (1985) حيث أشار في المادة (32/1) الى منح الافراد الحق في حماية حقوقهم الدستورية بصورة مباشرة وعن طريق رفع الدعوى امام المحكمة العليا لحماية اي من الحقوق المقررة بموجب هذا الدستور او تطبيقها ، وللمحكمة العليا ان تصدر من الاحكام ماتراه مناسباً لكفالة تلك الحقوق .

وكذلك منح الدستور الاسباني لعام (1931) الافراد وبشكل واسع حق الطعن بالقوانين المخالفة للدستور ، واعطى هذا الحق لكل مواطن ولو لم يمسه ضرر من القانون محل الطعن . وان النتيجة المترتبة ازاء ممارسة دعوى الالغاء تتطلب منح الافراد دوراً مباشراً في ممارسة تلك الوسيلة لحماية حقوقهم الدستورية ، ذلك ان حرمانهم من ممارسة ذلك الحق يتعارض مع النصوص الدستورية التي تجعل حق التقاضي مكفولاً للجميع ، وعليه يجب ان تتضمن الدساتير نصوصاً تمنح الافراد الحق في رفع الدعوى ضد القوانين المخالفة للدستور وذلك للمبررات الآتية :-

أ‌- ان هدف النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات هو ضمان تلك الحقوق من الانتهاك ، والافراد ادرى من غيرهم بحالات تعرض حقوقهم للانتهاك وهذا من شأنه ان يؤكد الدور الايجابي للافراد في ممارسة شؤونهم ، مما يبعث في نفوسهم الرضا والاحساس المطمئن بالعدالة .

ب‌- ان حصر الحق في رفع تلك الدعوى بالهيئات العامة ، قد يجعل رقابة الالغاء غير فعالة لان بعض هذه الهيئات قد تجد ان من مصلحتها عدم اثارة الطعن بالقوانين المخالفة للدستور .

ت‌- ان منح الافراد ذلك الحق ينسجم مع ما نصت عليه الاتفاقات الدولية في تأكيد اهمية دور الافراد في حماية حقوقهم فقد نصت المادة (الثامنة) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام (1948) على ان (لكل شخص الحق في ان يلجأ الى المحاكم الوطنية لانصافه من اعمال فيها اعتداء على الحقوق الاساسية التي يمنحها له القانون) .

النوع الثاني : الرقابة عن طريق الدفع (رقابة الامتناع)

تتجسد هذه الرقابة في الدفع الذي يتقدم به امام المحكمة العادية احد الافراد باعتباره طرفاً من الخصومة ، يطلب فيه عدم تطبيق قانون معين على النزاع المعروض امامها لكونه غير دستوري وعندما تقتنع المحكمة بصحة الدفع المذكور تمتنع عن تطبيق القانون على الواقعة محل النزاع ، ولكنها لاتتعرض للقانون نفسه بالالغاء وهذا بدوره يشكل الفارق بين النوعين من الرقابة القضائية موضوعي البحث .

ويشير بعض الفقهاء الى ان ممارسة اسلوب الدفع بعدم الدستورية لايحتاج الى نص دستوري حيث يؤكد ان عدم تنظيم الدستور للرقابة القضائية على انه قبول لها بواسطة الدفع الفرعي .

ان هذه الوسيلة وان كانت لاتشترط مدة معينة للدفع بعدم دستورية قانون ما ، لان بأمكان الافراد ممارسة ذلك الدفع في اي وقت يرون فيه عدم دستورية القانون المطبق عليهم ، الا انها تكاد تكون غير مجدية بسبب اختلاف وجهات نظر المحاكم حول دستورية القانون ، وهذا الاختلاف يؤدي الى تعدد الاوضاع القانونية ، ومن ثم الى افتقاد النظام القانوني للثبات والاستقرار .

ولقد مارس القضاء الامريكي دوراً كبيراً في استخدام اسلوب الرقابة عن طريق الدفع ومن الجدير بالذكر ان هناك نمطاً من الدساتير اتبع طريق الرقابة عن طريق الدفع مقرونة برفع دعوى الالغاء ، ونجد هذا الاتجاه في نص المادة (99/3) من دستور الامارات العربية المتحدة لعام (1971) حيث تختص المحكمة الاتحادية العليا (يبحث دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموماً اذا ما احيل اليها هذا الطلب من اية محكمة من محاكم البلاد اثناء دعوى منظورة امامها ، وعلى المحكمة المذكورة ان تلتزم بقرار المحكمة الاتحادية العليا بهذا الصدد) .

ويشير بعض الفقهاء الى ان الدساتير المنتهجة هذا الاتجاه تجعل للحكم الصادر من المحكمة العليا بعدم الدستورية قوة الغاء القانون المخالف للدستور وتكون للحكم حجية مطلقة تجاه الجميع ، ويشيرون كذلك الى ضرورة نشر الاحكام الجديدة بنفس الطريقة التي تنشر بها القوانين العادية . الا انه يلاحظ ان هذا الاتجاه قد يؤدي الى تأخير حسم الدعوى والذي يتجسد برفع الدعوى امام محكمة عادية ، والتي بدورها ترفعها الى محكمة عليا للنظر في دعوى الالغاء .

ونخلص الى ان النتائج المترتبة على استخدام كل من وسيلتي الرقابة يختلف اثر الحكم بعدم الدستورية باحتلاف الوسيلة المتبعة في الرقابة وكما ذكرنا فاذا كانت الوسيلة المتبعة هي دعوى الالغاء فالنتيجة هي الغاء القانون المخالف للدستور والمتفق عليه يكون الالغاء من تاريخ نشر حكم المحكمة وليس باثر رجعي من تاريخ صدور القانون ذلك ان الاعتبارات العملية تقتضي استقرار المعاملات وحماية الحقوق والمراكز التي نشأت في ظل القانون قبل الكشف عن عيب مخالفته للدستور .

اما مايتعلق بنتيجة ممارسة دعوى الامتناع فان المحكمة تمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور في الدعوى المعروضة امامها فقط ، في حين قد ترى محكمة اخرى ان القانون سليم ولاشائبة فيه وتطبقه على الواقعة المعروضة امامها وكذلك فان للمحكمة الاولى الحق في العدول عن حكمها الصادر بعدم دستورية القانون وتطبق القانون في قضية اخرى معروضة امامها .

وفي ضوء ذلك يمكن الاستنتاج بان طريقة رقابة الالغاء يكون فيها ضمان الحقوق والحريات اقوى منه بطريق الامتناع .
ثانيآ : حماية الحقوق والحريات من تدخل السلطة التنفيذية.
ان السلطة التنفيذية بما تملكه من صلاحيات واسعة لتنظيم حقوق الافراد وحرياتهم قد تنتهك هذه الحقوق والحريات بما تصدره من تعليمات واوامر وما تتخذه من اجراءات ولذلك بات من الضروري حماية الحقوق والحريات عن طريق القضاء ويرتكز مفهوم هذه الحماية الى مراقبة اعمال الحكومة والادارة عن طريق جهتين رئيسيتين هما :-
1 – القضاء العادي .
2 – القضاء المزدوج .
1 – القضاء العادي :
ويتجسد ذلك باناطة مهمة الرقابة بجهة واحدة وهي السلطة القضائية على اختلاف محاكمها ، وعلى رأسها محكمة التمييز او محكمة النقض او المحكمة العليا حسب النظام المتبع في الدول وتكون ولاية السلطة القضائية في هذا المجال ولاية كاملة في الفصل في الخصومات القضائية التي تنشأ بين الافراد ، او تلك التي تنشأ بين الادارة والافراد ، وهذا المنحى ينسجم مع القواعد العامة التي تقر ولاية المحاكم على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما ذلك الحكومة الا ماأستثني بنص خاص.

الا ان اناطة مهمة الفصل في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها بالقضاء العادي يتعارض مع ازدياد نشاط الادارة نتيجة تدخل الدولة في ميادين كانت قاصرة على نشاط الافراد ، الامر الذي دعى الى ضرورة الاخذ بنظام القضاء المزدوج وضرورة انشاء محاكم ادارية تختص في الفصل في تلك المنازعات .

2 – القضاء المزدوج :
ويقصد بذلك ان تختص جهتان قضائيتان احداهما جهة القضاء العادي وتختص بالمنازعات الناشئة بين الافراد ، وجهة القضاء الاداري التي تختص في الفصل بالمنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها بوصفها سلطة عامة ، او المنازعات التي ينص القانون على اختصاصها بها . وتتألف جهة القضاء الاداري من مجموع المحاكم الادارية على مختلف انواعها وعلى رأسها مجلس الدولة .

وقد سارت عدة دول على ذلك النهج ومنها فرنسا ومصر ، فمثلاً نصت المادة (172) من الدستور المصري لعام (1971) على ان (مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل في المنازعات الادارية وفي الدعاوى التأديبية ، ويحدد القانون اختصاصاته الاخرى) . وفي العراق نجد ان المادة (السابعة/ ثانياً/أ) من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم (106) لسنة (1989) نصت على تشكيل محكمة تسمى محكمة القضاء الاداري في مجلس شورى الدولة ، وكذلك اجازت تلك المادة تشكيل محاكم اخرى للقضاء الاداري في مراكز المناطق الاستئنافية ببيان يصدره وزير العل على اقتراح من هيئة الرئاسة في مجلس شورى الدولة .

وحددت الفقرة (هـ) من المادة المذكورة اختصاص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر من المواطنين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي بعد نفاذ هذا القانون .

وبعد صدور الدستور الحالي الصادر عام 2005 جاء نص المادة (101) منه بأنه (يجوز بقانون انشاء مجلس دولة ، يختص بوظائف القضاء الاداري والأفتاء والصياغة وتمثيل الدولة،وسائر الهيئات العامة امام القضاء الا مااستثني بقانون ).

ونعتقد بنجاعة هذا الاتجاه حيث ان اتباع اسلوب القضاء المزدوج يعد اكثر فعالية في حماية الحقوق والحريات من خلال مايقدمه القضاء الاداري من ضمانات مهمة في هذا المجال ومنها اختصاصه بدعوى الغاء القرارات الادارية المعيبة ، والدعاوى التاديبية .

ثالثآ : الاستثناءات الواردة على خضوع القوانين لرقابة القضاء .
انتهجت بعض التشريعات في معظم الدول مسلكآ يورد ضمن احكامه استثناءات تتعلق بعدم خضوعها للرقابة القضائية وقد تسوغ هذا الاتجاه مقتضيات الصالح العام على حد تعبير بعض الفقهاء الا ان النصوص المانعة من حق التقاضي او التي تقصر مهمة الطعن فيها بلجان ليس لها صفة قضائية تتعارض مع النصوص الدستورية التي تضمنتها كافة دساتير العالم التي تؤكد ان حق التقاضي مضمون للناس كافة ومثال ذلك مانصت عليه المادة (العاشرة) من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة (1979) : (لاينظر القضاء في كل مايعتبر من اعمال السيادة) وكذلك ما سلكه القضاء في الولايات المتحدة الامريكية من ان (القرارات التي تصدرها الادارة بابعاد اجنبي قبل دخوله الى الاراضي الامريكية لاتخضع للرقابة القضائية) . ونظراً للاهمية المترتبة على حق التقاضي في حماية الحقوق والحريات نجد ان بعض الدساتير لم تجز تحصين اي عمل من اعمال الدولة من الخضوع لرقابة القضاء فمثلاً نصت المادة (19 )من الدستور العراقي النافذ بأن حق التقاضي حق مصون ومكفول للجميع ) ونصت المادة (26) من دستور السودان الانتقالي لعام (1985) على ان (حق التقاضي مكفول للجميع ، ويكون لاي شخص الحق في اللجوء الى المحاكم ذات الاختصاص ولاحصانة لاي عمل من اعمال الدولة من الرقابة القضائية) .

وكذلك نجد ان هذا الدستور قد منح حق التقاضي اعلوية على باقي الحقوق الاخرى في حالة تعرض البلاد لحالة الطوارئ ، فقد نصت المادة (134/1) من الدستور المشار اليه على ان (يجوز للمجلس العسكري الانتقالي او رأس الدولة حسب مقتضى الحال بالتشاور مع مجلس الوزراء اذا قام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية او سلامة الوطن او اي جزء منه او يهدد اقتصاده ان يعلن حالة الطوارئ في كل البلاد او في اي جزء منها حسب مقتضى الحال وان يتخذ من الاجراءات مايقتضيه مواجهة ذلك الخطر بما في ذلك تعليق كل او بعض الحقوق الواردة في هذا الدستور على انه لايجوز المساس بحق اللجوء الى القضاء وتكون لتلك الاجراءات صفة القانون . وكذلك سلك المشرع الدستوري المصري هذا الاتجاه ونص على حظر تحصين اي عمل او اقرار اداري من رقابة القضاء .

ان الدساتير التي وصفها بعض الفقهاء بانها دساتير يمكن التقاضي بموجبها لانها ضمنت هذا الحق في مواجهة كل اعمال الدولة تشكل انموذجاً يجب ان تقتدي به كافة الدساتير . هذا من جانب ، ومن جانب اخر فان النصوص التي تمنع القضاء من صلاحية النظر في الطعن في اعمال الدولة هي نصوص غير دستورية باتفاق اغلب الفقهاء .

وعليه يجب حصر الاستثناءات التي تؤدي الى تضييق ولاية القضاء في حدود ضيقة جداً بحيث لاتؤثر في المبدأ العام المؤكد لخضوع كافة اعمال الدولة للرقابة القضائية .

ولاشك ان عدم حصر الاستثناءات يتعارض مع مبدأ سيادة القانون الذي يتجسد في خضوع الحكام والمحكومين للقانون .
ونخلص من خلال عرضنا لمفهوم الدور المناط بالقضاء في الحفاظ على الحقوق والحريات الاساسية (الرقابة القضائية) ان هذه الرقابة هي الضمان الفعال والمهم لحقوق الانسان وحرياته ضد تجاوز سلطات الدولة حدود وظائفها الموكلة اليها ، او اساءة استعمال تلك السلطات .

ان القضاء هو الركيزة الاساسية لاقامة العدل بين الناس نظراً لما يتصف به من حيدة واستقلال ، وما متبع في القضاء من علنية الجلسات وتسبيب للاحكام وكل ذلك مما يبعث الشعور بالاطمئنان بالعدل بين الافراد .

وقد اجمع الفقهاء على ان الرقابة القضائية تعد من الوسائل الفعالة لحماية الحقوق والحريات و هي التي تحقق ضمانة حقيقية للافراد ، اذ تعطيهم سلاحاً بمقتضاه يستطيعون الالتجاء الى جهة مستقلة تتمتع بضمانات حصينة من اجل الغاء او تعديل او التعويض عن الاجراءات التي تتخذها السلطات العامة المخالفة للقواعد القانونية المقررة .

ولكي يؤدي القضاء دوره الفعال هذا ومن ثم لكي تضمن الحقوق والحريات يجب ان تكون الهيئات القضائية منظمة تنظيماً دقيقاً ، بحيث يتمتع اعضاؤها بجميع الحصانات المقررة للقضاة ، والا يكون سلطان عليهم لغير الدستور والقانون ، وان تتولى مهمة الرقابة على دستورية القوانين (محكمة دستورية خاصة) وكذلك يجب ان تكون دعوى الغاء القانون المخالف لاحكام الدستور في متناول جميع الافراد وليس حصرا على الهيئات والمؤسسات العامة مع ضرورة الاخذ بفكرة تخصيص قضاء مستقل للنظر في القضايا او المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها وعدم تحصين أي قرار اداري من الطعن امام القضاء وخضوع كافة اعمال الدولة لرقابة القضاء والتسليم بغير هذا يعني سلب الافراد اهم ضمانة فعالة لحماية حقوقهم ،حيث ان القوانين والقرارات والآوامر التي لاتخضع لرقابة القضاء قد تمس بصورة مباشرة حقوق الافراد وحرياتهم .