اذا كان المشرع الاردني اعطى للواقف حق عزل المتولي ، ولو لم يشترط لنفسه ذلك(1). لانه بمنزلة الوكيل عن الواقف، آخذاً بقول ابي يوسف، وأن للواقف حق تغيير شروط التولية لانها خارجة عن حكم سائر الشروط ، الا ان القوانين المقارنة ، اختلفت في تحديد الجهة المختصة –عدا الواقف- بعزل المتولي ، فهي اما المحكمة الشرعية او لجنة او هيئة مختصة في دائرة الأوقاف ، ونبين ذلك على النحو الاتي : –

أولاً- المحكمة الشرعية المختصة بعزل المتولي : ان عزل المتولي –بالاصل- من اختصاص القاضي ، وحتى بعد قيام تشكيلات دوائر الأوقاف فان القوانين المقارنة –بشكل غير مطلق- ناطت اختصاص العزل بالمحكمة الشرعية ، كالقانون المصري قبل الغاء الوقف الذري والقانون الاردني (2). وحصر القانون العراقي اختصاص عزل المتولي على الوقف الذري بمحكمة الاحوال الشخصية وليس من اختصاص لجان المحاسبة في دوائر الأوقاف (3). ويكون ذلك بإقامة دعوى العزل على المتولي لدى المحكمة من قبل المأذون له نيابة عن ذوي العلاقة من المستحقين وغيرهم (4). كدائرة الوقف لانها تمتلك حق محاسبته ، ونعتقد ان الحكم الصادر يخضع للتمييز الوجوبي (5) ، ومن الافضل بالمشرع العراقي ان يحصر اقامة دعوى العزل بدائرة الوقف التي لها حق المحاسبة ، واخراج ذوي العلاقة من المستحقين او ذرية الواقف وغيرهم ، حتى يبعد القضاء عن اشغاله بدعاوى العزل الكيدية كما حدث في مصر قبل الغاء الوقف الذري . وتجدر الاشارة الى ان المشرع العراقي لم يبين صراحة الجهة المختصة بعزل المتولي على وقف العتبات المقدسة وكيفية عزله ولم نجد تطبيقاً قضائياً او قراراً لمجلس الأوقاف بهذا الخصوص . وما دام المتولي على وقف العتبات المقدسة يعين بقرار من محكمة الاحوال الشخصية المختصة عملاً بأحكام المادة الرابعة من قانون إدارة العتبات المقدسة المرقم (25) لسنة 1966، ونعتقد أن اختصاص عزله عن التولية يكون من المحكمة نفسها استناداً الى القاعدة التي تقول من ملك حق التعيين ملك حق العزل، ويكون ذلك بدعوى العزل تقيمها دائرة الوقف المختصة على المتولي التي تملك حق محاسبته . وتختص محكمة المواد الشخصية في عزل المتولي على أوقاف الطوائف غير المسلمة كافة (6).

ثانياً- اللجنة او الهيئة المختصة بعزل المتولي : اخرجت بعض القوانين المقارنة موضوع عزل المتولي من اختصاص المحكمة الشرعية واوكلته بلجان او هيئات متخصصة في دائرة او وزارة الأوقاف ، فجعل المشرع المصري –بعد الغاء الوقف الذري- عزل المتولي على الوقف الخيري – سواء كان المتولي الواقف نفسه بعد ان شرط التولية لنفسه ام الجمعية ام الهيئة ام احد افراد اسرة الواقف بعد ان نزلت وزارة الأوقاف عن التولية اليهم – من اختصاص لجنة شؤون الأوقاف في الوزارة وتعود التولية اليها (7). وفي القانون العراقي ، نصت المادة (19) من نظام المتولين بانه : (( يعزل المتولي في غير الوقف الذري بقرار من لجنة المحاسبة وتصديق مجلس الأوقاف الاعلى )) ، ويتضح من النص ان عزل المتولي على الوقف الخيري ، او المشترك ، او الوصي في الوصية التي تخرج مخرج الوقف من اختصاص لجنة محاسبة المتولين في دائرة الوقف المختصة بقرار منها ، ومصادقة مجلس الأوقاف الاعلى عليه ، عند تحقق احد اسباب العزل بناء على طلب بصيغة شكوى مقدمة ضده ، او باحالته الى اللجنة من دائرة الوقف او ديوان الأوقاف او مجلس الأوقاف ، او المحكمة ، او اللجنة نفسها . ولاهمية الموضوع ، نرى من المفيد ان نبين تشكيل لجنة محاسبة المتولين في القانون العراقي واجراءات العزل فيها والطعن في قرارها لننتهي الى بيان التكييف القانوني لها على النحو الاتي :

1.تشكيل اللجنة : تؤلف في دائرة الوقف المختصة لجنة لمحاسبة المتولين يرأسها قاض وعضوية المدير والمحاسب في الدائرة (8) ، ونعتقد انه من الاصوب ان يرأس اللجنة قاضي القضاة – رئيس القضاة في محكمة استئناف المنطقة- حماية للوقوف وتوافقاً مع الفقه الإسلامي، فضلاً عن اضافة عضو يمثل رابطة المتولين(9). الى اللجنة حتى تكون هيكليتها اقرب الى العدالة. كما يؤلف في ديوان الأوقاف مجلس أوقاف اعلى يعين اعضاؤه وتنظم اعماله بموجب نظام ديوان الأوقاف رقم 44 لسنة 1970(10).

2.اجراءات العزل في اللجنة: لدى احالة المتولي الى اللجنة للنظر في موضوع عزله، تحدد اللجنة يوماً لاجتماعها ، وتدعو المتولي ، وممثلاً عن دائرة الأوقاف للحضور امامها في الموعد المقرر، وعند عدم حضور أي منها دون عذر مقبول ، فلها ان تنظر في القضية بغيابه، وللجنة ان تسلك السبل القانونية للوصول الى الحقيقة، ثم تصدر قرارها بعزل المتولي او براءته معللاً ومعززاً بالادلة التفصيلية الكاملة(11). الطعن في قرار اللجنة: يحق لكل من دائرة الوقف والمتولي الاعتراض على قرار لجنة المحاسبة لدى مجلس الأوقاف الاعلى خلال عشرة ايام من تاريخ تبلغهما به، فاذا لم يرد اعتراض عليه، يرسل قرار اللجنة الى المجلس لا صدار قراره بالمصادقة عليه، ويكون قراره قابلاً للتنفيذ بمقتضى الفقرة(أولاً/ز) من المادة (14) من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980(12). وتجدر الاشارة الى ان قرار اللجنة عند عرضه على المجلس يكون مشفوعاً برأي الجهات المختصة في وزارة الأوقاف ومنها الدائرة القانونية، ثم يتم تداول المجلس فيه ، ويحال الى عضو محكمة التمييز للأحوال الشخصية –عضو المجلس- لدراسته ، واعطاء الرأي القانوني فيه، ثم يعرض على المجلس ثانية، ولا يكتفي المجلس بذلك احياناً، وانما يرسل لجنة لتقصي الحقائق الى دائرة الوقف المختصة، كل ذلك من اجل ان يكون قراره بمصادقة او نقض قرار اللجنة على وفق القانون والعدل والحق(13). وقد يفهم ان قرارات المجلس باته لا يجوز الطعن فيها، غير ان نص المادة (الخامسة) من نظام مجلس الأوقاف الاعلى رقم 44 لسنة 1970 أشار الى خلاف ذلك، اذ جاء في النص (( تبلغ قرارات المجلس –مجلس الأوقاف الاعلى- للديوان وذوي العلاقة، ولكل منهما الاعتراض عليها خلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ لدى الرئيس الاعلى للديوان الذي يبت في الاعتراض خلال عشرة أيام من تاريخ تسليمه الى المكتب الخاص، ويكون قراره قطعياً)).

يتضح من النص ان لديوان الأوقاف او المتولي حق الاعتراض على قرارات المجلس المتعلقة بالعزل خلال عشرة ايام من تاريخ التبليغ لدى الرئيس الاعلى لديوان الأوقاف-رئيس الجمهورية-(14). او لدى وزير الأوقاف في حالة وجود وزارة أوقاف بدل الديوان(15). التكييف القانوني للجنة : لو اردنا معرفة التكييف القانوني للجنة محاسبة المتولين، وبيان فيما اذا كانت قراراتها قضائية صادرة من جهة قضائية ام لا، فان الموضوع يقتضي بيان جملة اسس(16). متعلقة بها وهي: ان اللجنة من حيث هيكليتها يرأسها قاضٍ يعاونه عضوان يتمتعان بخبرة شرعية وحسابية، وطبيعة عملها الفصل في المنازعات التي تخص المتولين وضمن صلاحيتها على وفق قاعدة قانونية اقرها المشرع، فضلاً عن ان طبيعة النزاع-بالاصل- من اختصاص القضاء الشرعي. ومن حيث الاجراءات التي تتبعها، فهي تتبع اصول المحاكمات في عقد الجلسات ودعوة الفرقاء والاستماع الى دفوعهم وضمان حق التقاضي فيها، وسلوكها السبل القانونية التي نظمها قانون المرافعات والأوقاف من اجل الوصول الى الحقيقة، وقراراتها بعزل او براءة المتولي مسببة ومعززة بالادلة التفصيلية الكاملة وتصدر بالاتفاق او الاكثرية، وخاضعة للطعن بطريق الاعتراض عليها امام مجلس الأوقاف الاعلى، وتكون قرارات المجلس بتصديق او نقض قرارات اللجنة، ولها حجة قانونية وقابلة للتنفيذ اذا اكتسبت البتات بعدم الاعتراض عليها او اعترض ورفض من الرئيس الاعلى لديوان الأوقاف. وفي ضوء ما تقدم، نعتقد ان قرارات لجان محاسبة المتولين تعد قرارات قضائية صادرة من جهة شبه قضائية ذات اختصاص قضائي، ومجلس الأوقاف الاعلى يشبه قضاء محكمة التمييز، لانه الجهة المختصة في المصادقة او نقض قرارات اللجنة عند الاعتراض عليها. ونعتقد ان جعل عزل المتولي على الوقف الذري او العتبات المقدسة من اختصاص محكمة الاحوال الشخصية، وعزل المتولي على الوقف الخيري ، او المشترك ، او الوصي على الوصية التي تخرج مخرج الوقف من اختصاص لجنة محاسبة المتولين وتصديق مجلس الأوقاف الاعلى ، امر جدير باعادة النظر فيه من المشرع العراقي ، لان هذه التفرقة في جهة الاختصاص بالعزل لا مبرر لها فضلاً عن ان هذه الوقوف كلها تدخل في عداد ما يسمى بالوقف الملحق الذي يديره المتولي.

لذلك نعتقد ان حصر اختصاص محاسبة المتولي على الوقف الملحق بلجنة محاسبة المتولين، وحصر اختصاص عزله بمحكمة الاحوال الشخصية المختصة بناء على توصية اللجنة وتصديق مجلس الأوقاف الاعلى عند ثبوت مخالفته او تقصيره اكثر من مرة وبطلب رئيس الديوان بإقامة دعوى العزل، وليس لغيره من اصحاب العلاقة الا طلب محاسبته، هو الرأي الجدير بالتأييد.

________________________

[1]- المادة –1237/4- من القانون المدني الاردني ، تقابلها المادة –31- من قانون الوقف الذري اللبناني .

2- تراجع المادة –53- من قانون أحكام الوقف المصري ؛ والمادتان –21،23/د- من قانون الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الاردني رقم 32 لسنة 2001.

3- المادة –300/3- من قانون المرافعات ؛ والمادة –19- من نظام المتولين ؛ وبالمعنى نفسه : حكم محكمة الاحوال الشخصية في الموصل المرقم 4332/1992 في 29/12/1992 والمصدق تمييزاً بقرار محكمة التمييز العراقية المرقم 739/شخصية/ 1993 في 15/9/1994 ، غير منشورين .

4- المادة –306/1- من قانون المرافعات ؛ عبد الرحمن العلام ، شرح قانون المرافعات المدنية ، جـ4 ، منشورات الدائرة القانونية (19)، مطبعة الزهراء-بغداد،1990، ص 674 .

5- المادة –309/1 – من قانون المرافعات المدنية العراقي.

6- المادة –33- من قانون المرافعات .

7- المادة-2- من قانون الأوقاف الخيرية رقم 247 لسنة 1953 المعدلة بالقانون رقم 28 لسنة 1970 المنشور في الجريدة الرسمية بعدد21 في 21/5/1970؛ والفقرة الرابعة من المادة الثالثة لقانون تنظيم وزارة الأوقاف المصرية المرقم 272 لسنة 1959.

8- المادة –4/4- من قانون إدارة الأوقاف، وما يجري عليه العمل ان القاضي الأول في محكمة الاحوال الشخصية المختصة يكون رئيس اللجنة.

9- ان تأسيس رابطة المتولين في العراق امر جدير بالاهتمام والتأييد كما في المملكة المغربية.

0[1]- منشور في الجريدة الرسمية بالعدد 1907 في 15/8/1970.

1[1]- المادتان –(21،22)- من نظام المتولين.

2[1]- المادة –الرابعة/5- من قانون إدارة الأوقاف؛ والمادة –23- من نظام المتولين؛ وقد قررت الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة بصفتها التمييزية بقرارها المرقم 32/اداري تمييز/2002 في 22/7/2002 (غير منشور) بعدم اختصاص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة قرارات لجنة محاسبة المتولين لان القانون قد رسم طريقاً للطعن بقراراتها بالاعتراض عليها لدى مجلس الأوقاف الاعلى استناداً الى الفقرة(د) من البند (ثانياً) من المادة (7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل.

3[1]- تراجع قرارات مجلس الأوقاف الاعلى: الفقرتان(11،15) من جلسته الأولى في 4/1/1994 ؛ والفقرة (9) من جلسته العاشرة في 2/3/1997 ؛ والفقرة (1) من جلسته الثانية في 1/6/1999 ؛ والفقرتان (3،14) من جلسته الرابعة في 16/12/1999، غير منشوره .

4[1]- ان الرئيس الاعلى لديوان الأوقاف –بالاصل- هو رئيس الوزراء استناداً الى الفقرة (2) من المادة الأولى من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966، وفي حالة عدم وجود منصب رئيس الوزراء، يكون رئيس الجمهورية استناداً الى المادة الأولى من نظام ديوان الأوقاف رقم 44 لسنة 1970.

5[1]- يحل الوزير محل الرئيس الاعلى لديوان الأوقاف والوزارة محل الديوان استناداً الى المادة-الثالثة /أولاً من قانون وزارة الأوقاف المرقم 50 لسنة 1981، والمادة –22 مكررة- من نظام المزايدات والمناقصات الخاصة بالأوقاف رقم 45 لسنة 1969.

6[1]- لمزيد من التفصيل حول الاسس المطلوبة للتكييف القانوني لقرارات المجالس واللجان يراجع: د. ضامن حسين العبيدي، المجالس واللجان الادارية ذات الاختصاص القضائي في العراق، رسالة ماجستير، جامعة بغداد-كلية القانون، 1984 ، ص149-151.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .