حق التولية على الوقف قد يثبت للواقف أو للموقوف عليه او القاضي او للمشروط له التولية ، الا ان اساس ثبوت هذا الحق ومداه يختلف لكل منهم ، وهذا ما سنوضحه على النحو الاتي :

اولاً- حق الواقف في تولية الوقف

ثار خلاف بين الفقهاء المسلمين حول اساس ثبوت حق الواقف في تولية وقفه . فذهب ابو يوسف من الحنفية الى ان التولية تثبت اصلاً للواقف (1). سواء اشترطها لنفسه أم لم يشترطها (2)، لانه لا يمكن ان تكون التولية منه وبشرطه لغيره ولا تكون له ، فهو اولى واحق واحن على وقفه من غيره (3)، واساس ذلك -عند ابي يوسف – ان الوقف ينشأ بمجرد القول كالعتق . اما الرأي الراجح عند محمد من الحنفية ، ان اساس ثبوت التولية للواقف إشتراطه التولية لنفسه في وقفيته وبعد تسليم الوقف الى متولي التسجيل ، لانه يشترط القبض في صحة الوقف كالصدقة، فان لم يشترط لا تكن التولية له بعد اخراج الوقف من يده ، لانه صار اجنبياً
عنه(4). واتفق الشافعية والحنابلة والجعفرية ، على ان التولية تثبت للواقف بشرطه في وقفيته، اما اذا لم يشترطها لنفسه او لغيره ، فقد اختلفوا في ذلك على النحو الاتي :

للشافعية في هذه المسألة ثلاثة اقوال :

الأول : إنها للواقف لان الوقف كان ملكه ، والثاني : أنها للموقوف عليه لان التولية تلحق لمن يملك المنافع ، والثالث : انها للقاضي لانه صاحب الولاية العامة (5)، ومبنى الاختلاف يكمن في ملك رقبة الوقف ، أهي للواقف ام للموقوف عليه ام لله تعالى ، والراجح عند الشافعية ان حق التولية للقاضي لان ملك الوقف لله تعالى (6) . واتفق الحنابلة والجعفرية ، على ان التولية لا تكون للواقف عند عدم اشتراطها لنفسه او لغيره ، لانه اصبح اجنبياً عن الوقف ، وانما تكون للموقوف عليه اذا كان شخصاً معيناً او اشخاصاً محصورين ، لانه يملك حق الانتفاع في الوقف ، وتكون للقاضي اذا كان الموقوف عليه جهة عامة كالمساجد والقناطر ، او لا يمكن حصرهم كالفقراء ، لانه ولي من لا ولي له (7). واساس ذلك ، ان رقبة الوقف ملك للموقوف عليه وذهب المالكية الى ان الوقف لا يصح الا بالحيازة ، فاذا شرط الواقف التولية لنفسه وحصل التسليم والحيازة صح الوقف والتولية لنفسه ، واذا لم يحصل بطل الوقف ، فاشتراط الواقف التولية لنفسه يصح بالقدر الذي لا يتعارض مع التسليم والحيازة(8). اما اذا اشترط الواقف التولية للموقوف عليه او لاجنبي صح الشرط ، واذا لم يشترط فان التولية للموقوف عليه اذا كان معيناً محصوراً اهلاً ، والا فالتولية للقاضي لان له الولاية العامة (9). ويبدو لي ان قول ابي يوسف –وهو الرأي الراجح عند الحنفية وعليه الفتوى والعمل في المحاكم- جدير بالتأييد، لان الواقف اقرب الناس واعرفهم باغراض وقفه ويحرص على بقائه (10).

ثانياً- حق الموقوف عليه في تولية الوقف

يذهب الرأي الراجح عند الحنفية (11). والشافعية (12). الى عدم احقية الموقوف عليه بالتولية على الوقف مطلقاً اذ لم يشترط الواقف التولية لاحد ولم يوص بها، لانه كالأجنبي عن الوقف عند الحنفية ، ولان ملك الوقف لله تعالى عند الشافعية . وذهب المالكية والحنابلة والجعفرية ، الى انه اذا لم يشترط الواقف التولية لنفسه او لغيره او لم يوصِ بها وكان الموقوف عليه آدمياً معيناً محصوراً اهلاً ، فتكون التولية له لانه يملك رقبة الوقف ومنفعته عند المشهور من الحنابلة والجعفرية ، ويملك المنفعة في الوقف عند المالكية (13). ونميل الى تأييد رأي الحنفية والشافعية ، لان تولية الموقوف عليه للوقف ، يُمكنه من ان يعجل في الحصول على منفعة الوقف بزيادة استغلاله وقلة اعماره ، مما يؤثر في استحقاق الموقوف عليه الذي يليه ، ويتنافى مع غرض الوقف في التصدق بالمنفعة على وجه التأبيد .

ثالثاً- حق القاضي في تولية الوقف

حق القاضي في التولية الخاصة على الوقف مستمد من حقه في الولاية العامة، لانه ولي من لا ولي له(14). وليس بوصفه صاحب ولاية خاصة كما في الواقف – عند من يرى ذلك – او الموقوف عليه – عند من يرى ذلك – او المشروط له التولية. وذهب الحنفية والشافعية، الى ان حق القاضي في التولية الخاصة على الوقف زيادة على توليته العامة، تكون عند عدم اشتراط التولية لاحد او الايصاء بها(15). وذهب المالكية والحنابلة والجعفرية، الى ان حق القاضي في التولية الخاصة على الوقف، يكون عندما لم يشترط الواقف التولية لاحد او لم يوصِ بها وكان الموقوف عليه غير معين او معين غير محصور او غير آدمي(16). ونتفق مع رأي الحنفية والشافعية الذي ينسجم مع الرأي القائل بعدم احقية الموقوف عليه بالتولية على الوقف .

رابعاً- حق المشروط له في تولية الوقف

يتفق فقهاء المسلمين على حق الواقف في اشتراط التولية لنفسه او لغيره (17). وهو شرط واجب الاتباع، لان شرط الواقف كنص الشارع(18). اما الموقوف عليه-لمن اعطى له حق التولية- فلا يحق له اشتراط التولية لغيره، وانما له حق نصب وكيل عنه(19). اما القاضي، فان آلت التولية الخاصة اليه زيادة على توليته العامة، فانه لا يستطيع القيام بها لكثرة الاعمال والمهام المكلف بها، وسيكلف من له كفاية ليقوم مقامه في إدارة شؤون الوقف، ومن الافضل ان ينصب من يصلح من اولاد الواقف او اقاربه، لانهم اشفق على وقف ابيهم من لاجنبي(20).ومع ذلك فان للقاضي نصب اجنبي من غير اولاد الواقف ان رأى مصلحة الوقف في ذلك في حالة انعدام الشرط من الواقف(21). والذي نميل اليه، ان القاضي بصفته متولياً خاصاً على الوقف زيادة على توليته العامة، لا يحق له ان يشترط التولية للغير، وانما ينيب عنه غيره ليقوم مقامه في إدارة الوقف لانشغاله، ويعتبر في حكم المتولي(22).

اما موقف القانون المقارن من الحق في تولية الوقف

فقد كان مذهب أبي يوسف هو المعمول به في القضاء المصري قبل صدور قانون احكام الوقف ذي الرقم 48 لسنة 1946م، وبعد صدور القانون المذكور، فان التولية للواقف او لمن اشترطها له، فان لم يشترط وكان الوقف ذرياً، فتكون التولية للمستحقين لغلة الوقف، ولا يولى اجنبي اذا كان فيهم من يصلح للتولية، اما اذا قسمت المحكمة الوقف او كان للمستحق نصيب مفرز، وجب اقامة كل مستحق متولياً على حصته، ولو خالف ذلك شرط الواقف. اما اذا كان الوقف على جهة بر، فالتولية لمن شرط له، ثم لمن يصلح من ذرية الواقف واقاربه، ثم لوزارة الأوقاف، وهذا الترتيب في الصلاحية –أي لمن يصلح للتولية- فان لم يوجد من يصلح للتولية من المشروط له، تنصب المحكمة من يصلح من ذرية الواقف واقاربه، فان لم يوجد فلوزارة الأوقاف(23). اما بعد الغاء الوقف الذري بالقانون 180 لسنة 1952، فقد استقرت التولية على الوقف الخيري لوزارة الأوقاف بحكم القانون ما لم يشترط الواقف التولية لنفسه، واذا كان الوقف على جهة بر جمعية او هيئة، جاز لوزارة الأوقاف ان تنزل عن التولية لها، واذا كان الوقف ضئيل القيمة او الريع او كان على جهة بر خاصة كدار ضيافة او لفقراء الاسرة جاز لها ان تنزل عن توليتها الى احد افراد اسرة الواقف، اما اذا كان الواقف غير مسلم والمصرف على جهة بر غير إسلامية كانت التولية لمن تعينه المحكمة ما لم يشترط الواقف التولية له او لوزارة الأوقاف(24). اما المشرع الاردني، فقد جعل التولية على الوقف الذري للواقف او لمنصوبه، ثم لمنصوب المحكمة(25).

اما التولية على الوقف الخيري، فقد جعلها في الاصل لوزارة الأوقاف كمتولٍ عام، الا اذا اشترط الواقف التولية لغير الوزارة فعندئذٍ يكون متولياً خاصاً(26). والمشرع العراقي جعل التولية للواقف او لمن اشترط له التولية في الوقفية او على ما يقتضيه التعامل، فاذا كانت التولية غير مشروطة لاحد ولا جارياً فيها تعامل قديم، فتكون لوزارة الأوقاف(27). واتجه القضاء العراقي الى جعلها للأصلح من اقارب الواقف(28). ولا يمكن ان يكون الوقف مضبوطاً مع وجود احد من ذرية الواقف(29). ويبدو ان القضاء العراقي، اخذ بمذهب الحنفية، في ان لا يجعل المتولي من غير اهل الواقف، الا اذا لم يجد فيهم من يصلح لذلك، لانهم اشفق من غيرهم على وقف ابيهم ومن قصد الواقف نسبة الوقف اليه(30). وهو اتجاه جدير بالتأييد، ونظر دقيق مستقيم. وابقى المشرع العراقي- بعد صدور قانون الأوقاف رقم 64 لسنة 1966 النافذ حالياً- جعل التولية الى المشروط له بوقفية او بتعامل ثابت بحكم، وتكون لديوان الأوقاف في الوقف الذي لم تشترط التولية عليه لأحد أو انقطع فيه شرط التولية(31).

______________________

[1]- زين الدين بن ابراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، حققه وعلق عليه احمد عزو عناية الدمشقي ، جـ5 ، دار احياء التراث العربي – بيروت ، 1422هـ-2002م.

2- الشيخ نظام الدين وجماعة من علماء الهند ، الفتاوى الهندية ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص 418.

3-المرغيناني ، الهداية مع شرح فتح القدير ، جـ5 ، المصدر السابق ، ص 61.

4- فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ومعه حاشية الشلبي ، تحقيق احمد عزو عناية ،جـ4 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، 1420هـ-2000م ، ص 269.

5- ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ، الحاوي الكبير وهو شرح مختصر المزني ، تحقيق وتعليق علي محمد معوض و عادل احمد عبد الموجود ، جـ7 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، 1419هـ-1999م ، ص 533 ؛ ولمزيد من التفصيل يراجع : ابو زكريا يحيى النووي ، روضة الطالبين ، جـ4 ، المصدر السابق ، ص 410.

6- شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني ، مغني المحتاج الى معرفة معاني المنهاج ، دراسة وتحقيق وتعليق ، علي محمد معوض وعادل احمد عبد الموجود ، جـ3 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، 1421هـ-2000م ، ص 552 ؛ د. مصطفى الخن و د. مصطفى البغا وعلي الشربجي ، الفقه المنهجي على مذهب الامام الشافعي ، المجلد الثاني ، دار العلوم الانسانية – دمشق ، 1417هـ-1996م ، ص 237.

7- موفق الدين عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي ، المقنع مع حاشيته ، جـ2 ، المطبعة السلفية ومكتبتها ، دون مكان وسنة طبع ، ص 324 ؛ محمد بن صالح العثيمين ، الشرح الممتع على زاد المستقنع ، المجلد الرابع ، مجموعة شركات فجر للطباعة – القاهرة ، 2002م ، ص 573 ؛ ابو القاسم الموسوي الخوئي ، منهاج الصالحين –المعاملات- ، جـ2 ، مطبعة الاداب – النجف ، 1392هـ-1972م ، ص 275؛ محمد بحر العلوم، بلغة الفقيه ، تحقيق وتعليق حسين محمد تقي بحر العلوم ، جـ3 ، مكتبة العلمية العامة – النجف الاشرف ، 1396هـ،ص262.

8- شهاب الدين ابو الفضل العسقلاني (ابن حجر) ، فتح الباري بشرح البخاري ، جـ6 ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده – مصر ، 1378-1959م ، ص 312-313.

9- محمد بن عبد الله الخرشي ، حاشية الخرشي على مختصر خليل ، جـ7 ، المصدر السابق ، ص 386-387 ؛ محمد بن عرفه الدسوقي ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، جـ5 ، المصدر السابق ، ص475-476.

0[1]- د. محمد مصطفى الشلبي ، أحكام الوصايا والأوقاف ، الدار الجامعية –بيروت ، ط4،1402هـ-1982م، ص 399

1[1]- برهان الدين الطرابلسي ، الاسعاف في أحكام الأوقاف ، المصدر السابق ، ص 54.

2[1]-شمس الدين الشربيني ، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج ، جـ3 ، المصدر السابق ، ص552.

3[1]- المصادر السابقة نفسها والمشار اليها في هامش رقم (1) اعلاه ورقم (3) من الصفحة السابقة .

4[1]- ابو بكر بن محمد شطا الدمياطي، اعانة الطالبين على حل الفاظ فتح المبين،ج3،دار احياء التراث العربي- بيروت،1422هـ-2001م،ص298.

5[1]- المصادر السابقة نفسها والمشار اليها في هامش رقم (3،4) من الصفحة السابقة.

6[1]- المصادر السابقة نفسها والمشار اليها في هامش رقم (1) من الصفحة السابقة ورقم (3) من ص43.

7[1]- يراجع: ص 42-44 من هذه الرسالة.

8[1]- ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار،ج6، المصدر السابق، ص735.

9[1]- مرعي بن يوسف المقدسي، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى،ج2، المصدر السابق، ص313؛ منصور بن يونس البهوتي، شرح منتهى الارادات، ج2،المصدر السابق، ص504-505.

20- الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية، المجلد الثاني، ص413.

21- شمس الدين السرخسي، المبسوط، مطبعة السعادة-مصر، من دون سنة طبع، ص44.

22- اعتبر القضاء العراقي المتولي منصوب القاضي وكيله، له عزله بجنحة او دون جنحة، يراجع: قرار مجلس التمييز الشرعي المرقم 187 لسنة 1939، اشار اليه، محمد الهاشمي، القضاء بين يديك، مطبعة النجاح-بغداد،1957، ص312-313.

23- تراجع: المواد –(46-49)- من قانون أحكام الوقف المصري رقم 48 لسنة 1946.

24- تراجع: المادتان-(2،3)- من قانون النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر المصري رقم 247 لسنة 1953؛ قرار محكمة النقض المصرية (طعن رقم 13 لسنة 40ق جلسة 4/2/1976 س 27 ص386)، اشار اليه حسن الفكهاني و عبد المنعم حسني، الموسوعة الذهبية،ج6، المصدر السابق،ص709.

25- المادة-1248- من القانون المدني الاردني.

26- المادة -23- من قانون الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني رقم 32 لسنة 2001.

27- المادة –24- من نظام توجيه الجهات في 23/تموز/1923؛ المادة الاولى من قانون الاوقاف رقم 27 لسنة 1929.

28- يراجع حكم المحكمة الشرعية الجعفرية في بغداد المرقم 479/1946 في 16/12/1946، منشور في المجموعة الرسمية لمقررات المحاكم، تصدرها لجنة نشر مقررات المحاكم لوزارة العدل، العدد الأول، السنة الثانية، مطبعة الحكومة-بغداد، 1947،ص135.

29- يراجع: قرار مجلس التمييز الشرعي السني المرقم 302/1947 في 1/9/1947، منشور في مجلة القضاء، المصدر السابق، الاعداد(2-3-4-5)، السنة الخامسة، 1947، ص418-420.

30- ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار، ج6،المصدر السابق، ص637-638.

[1]3- المادتان- (الأولى/6-أ،الثانية)- من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966؛ المادة الاولى من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .