من هي الجهة المختصة بمحاسبة المتولي على الوقف الذري ؟
إن الموضوع محل النقاش هو تنازع بين قانونين نافذين كلاهما يمنح اختصاص محاسبة المتولي إلى جهة تختلف عن الجهة الأخرى حيث جاء المادة (4) من قانون إدارة الأوقاف بان دائرة الاوقاف تتولى محاسبة متولي الوقف الذري بينما الفقرة (4) من المادة (300) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل نصت على ان محكمة الاحوال الشخصية تتولى محاسبة وعزل متولي الوقف الذري، وهذا ادى الى تعارض النصين واثر بشكل سلبي على التطبيقات القضاية اذ انها تباينت في تعيين جهة الاختصاص ولاهمية الموضوع سارعاض له على ىوفق الاتي:

أولاً : آلية فك التنازع والتعارض بين القوانين

لابد ن مراعاة قواعد التنازع في الاختصاص الداخلي عند البحث في التعراض بين القوانين حيث إن قانون المرافعات من القوانين المتعلقة بالنظام العام لأنه أصبح المرجع لكافة قوانين المرافعات والإجراءات إذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة وعلى وفق ما جاء في أحكام المادة (1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الآتي (يكون هذا القانون هو المرجع لكافة قوانين المرافعات والإجراءات إذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة) ويقول المرحوم عبدالرحمن علام في شرح هذه المادة ان امتداد هذا القانون في نفاذه وشموله لا يثنيه شيء او قواعد قانونية إجرائية أخرى مبثوثة في ثنايا القوانين[1] ، حيث توجد قوانين موضوعية ليست خالصة للإجراءات والشكليات تعرضت في غضون نصوصها لبعض الإجراءات تعرضاً ناقصاً او غامضاً ويشير المرحوم العلام الى ان لجنة كتابة قانون المرافعات قد خلصت إلى ان عبارة او لفظ ( كافة قوانين المرافعات والإجراءات) تشمل كافة قوانين الإجراءات كما يشمل القواعد الواردة في ثنايا القوانين[2]، كما يشير المرحوم القاضي صادق حيدر الى ان قانون المرافعات يعتبر هو العمود الفقري في هيكل النظام القانوني وهو القانون الام الذي يهتدي به القضاة وهو القانون الذي يسد وجهة النقص اذا ما افتقدت القوانين الأخرى إلى نص كما يوضح الغامض فيها وهو الأصل وغيره من القوانين هو الاستثناء[3] ، والقاضي مدحت المحمود قد اوضح بان تطبيق قانون المرافعات المدنية على بقية الاجراءات المنصوص عليها في القوانين الاخرى يقصد به حالة الغموض في تلك القواعد او النقص فيها وليس وجود نص صريح يتعارض مع نص في قانون المرافعات[4] لذلك فانه يسري على الوقائع التي نظمها في أحكامه أثناء فترة سريانه لان نص المادة (10) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها الآتي (لا يعمل بالقانون إلا من وقت صيرورته نافذاً فلا يسري على ما سبق من الوقائع إلا إذا وجد نص في القانون الجديد يقضي بغير ذلك أو كان القانون الجديد متعلقاً بالنظام العام أو الآداب) وفي هذه المادة قد وردت الإشارة بشكل أوضح بان إن أي قانون أخر إذا كانت فيه أحكام تتعلق بالقواعد الإجرائية وتحديد الاختصاص فان ما ورد في قانون المرافعات هو المعول عليه وهو الواجب التطبيق عند حصول التنازع بينهما وما يعزز هذا الاتجاه ما ذكره المرحوم القاضي عبدالرحمن العلام عندما أشار إلى إن الأحكام المغايرة لنصوص قانون المرافعات الجديد تعتبر ملغية بغير حاجة إلى نص خاص يقرر إلغائها ومعتمداً على نص المادة (323) مرافعات المشار إليها في أعلاه[5]، وأكدت هذا الاتجاه الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية بقرارها العدد 21/هيئة عامة/2018 في 27/6/2018 حيث اعتبرت الصلاحيات الممنوحة لها قد اعتبرت معطلة بعد ان صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 104 لسنة 1988 الذي نقل هذه الصلاحيات الى محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية وتكون المواد (272و275و274) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل تكون معطلة وعلى وفق ما جاء في قرار محكمة التمييز الاتحادية المشار إليه في أعلاه وعلى وفق الآتي (وبموجب الفقرة ثانياً من القرار 104 لسنة 1988 فان الاختصاصات التي عقدت لمحكمة التمييز في المواد (272و275و274) الأصولية فيما يتعلق بالأحكام والقرارات الصادرة مـن محاكم الجنح والأحداث في دعاوى الجنح قد انتقلت بحكم القانون الى محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية لاسيما وان المشرع العراقي فـي الفقرة (خامساً) من القرار 104 لسنة 1988 قد نص صراحةً على عدم العمل بأي نص يتعارض وأحكام القرار أعلاه وما يترتب على ذلك فان المواد أعلاه الواردة فـي قانون أصول المحاكمات الجزائية وقدر تعلق الأمر باختصاص محكمة التمييز بنظر طلب إعادة المحاكمة بخصوص الأحكام والقرارات الصادرة من محاكم الجنح والأحداث فــي دعاوى الجنح تعتبر معطلة وفقاً لهذا المنع القانوني اللاحق لصدور قانون أصول المحاكمات الجزائية)[6] لكن في ما يتعلق بموضوع محاسبة المتولي فان من يعالج موضوع محاسبة متولي الوقف الذري أصبحنا امام نصين نافذين الأول ما جاء في قانون المرافعات المدنية وهو الأحدث لأنه صدر عام 1969 حيث جعل الجهة المختصة في محاسبة المتولي على الوقف الذي هي محكمة الاحوال الشخصية بالنسبة لأوقاف المسلمين ومحكمة المواد الشخصية بالنسبة لأوقاف غير المسلمين وعلى وفق ما جاء في الفقرة (4) من المادة (300) من قانون المرافعات التي جاء فيها ( تختص محكمة الأحوال الشخصية بالأمور التالية 4- التولية على الوقف الذري ونصب المتولي وعزله ومحاسبته وترشيح المتولي في الوقف الخير او المشترك) بينما وجد نص في قانون مازال نافذ وهو نص الفقرة (1) من المادة (4) من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل وهو اقدم في الصدور والنفاذ من قانون المرافعات المدنية حيث جاء في نص تلك الفقرة الاتي (يراقب الديوان الأوقاف الملحقة ويحاسب متوليها ويستوفي 10% من مجموع وارداتها…) وفي الفقرة (4) أشار إلى إن الجهة التي تحاسب هذا المتولي هي لجنة محاسبة المتولين المشكلة برئاسة قاضي وعضوية مدير من ديوان الأوقاف ومحاسب في المديرية المعنية، وبذلك فان هذا النص أصبح يتقاطع مع النص الأحدث في الصدور الوارد في المادة (300/4) من قانون المرافعات لان النص الوارد في قانون ادارة الأوقاف أشار الى منح الصلاحية إلى ديوان الأوقاف لمحاسبة المتولي على الأوقاف الملحقة والوقف الذري هو احد هذه الأوقاف الملحقة لان نص (7) من المادة (1) من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل قد عرفت الوقف الملحق بأنه الوقف الذي يديره متولٍ مشروط صرف غلته الى او جزء منها على المؤسسات الخيرية والدينية ويشمل الوقف الذري الذي يديره المتولي ومشروط صرف غلته الى من يعينهم الواقف من ذريته أو غيرهم لذلك فان قانون ادراة الأوقاف قد حدد الجهة التي تحاسب المتولي على الوقف الذري وهي لجنة محاسبة المتولين المشكلة في ديوان الأوقاف بينما قانون المرافعات قد اعتبر الاختصاص منعقد إلى محكمة الأحوال الشخصية على وفق ما تقدم ذكره وان قضاء محكمة التمييز الاتحادية في بعض قراراته أشار إلى إن الاختصاص ينعقد الى لجنة محاسبة المتولين وان نص المادة (4) من قانون إدارة الأوقاف ما زال نافذ مع وجود نص المادة (300) من قانون المرافعات المدنية وعلى وفق ما جاء في قرار الهيئة المدنية الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية العدد 109/ هيئة مدنية موسعة/2011 في 25/12/2011 الذي جاء في بعض حيثياته الآتي (أن المادة الأولى من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل عرفت الوقف الملحق- هو الذي يديره متول ومشروط صرف غلته أو جزء منها على المؤسسات الدينية والخيرية ويشمل الوقف الذري الذي يديره متول ومشروط صرف غلته الى من عينهم الواقف من ذريته او غيرهم..) وان الفقرة (2) من المادة الرابعة نصت على (على متولي الأوقاف الملحقة ان يقدموا حساباتهم خلال شهر نيسان ومايس وحزيران من كل سنة لتدقيقها وتصديقها من قبل الديوان واذا لم تقدم خلال المدة المذكورة دون عذر مشروع يضع الديوان برد على الموقوفات من غير انذار وتعاد اليهم بعد ان يتم تدقيق الحساب) كما إن المادة الثالثة عشرة من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970 نصت على (على المتولي ان يقدم الى دائرة الوقف حسابات الوقف من وراد ومصروف لكل سنة ماليةخلال الاشهر الثلاثة الاولى من السنة التالية ويتبين من نصوص الأحكام المشار إليها انفاً ان دائرة الوقف لها الحق بأقامة الدعوى ضد اي متول تظهر من حساباته او تصرفاته ما يشكل ضرراً للوقف)[7] لذلك فإننا أصبحنا أمام تنازع في القانون الواجب التطبيق هل هو قانون إدارة الأوقاف أم قانون المرافعات وكلاهما نافذ وان تطبيقات القضاء تتأرجح بين اعتبار اللاحق ينسخ السابق وبين بقاء كلا النصين عاملين تجاه محاسبة المتولي، لذلك لابد من الرجوع إلى قواعد فك الاشتباك والتنازع بين قانونين نافذين

ثانياً : صور التنازع بين القوانين

إذا ما تعارض نصان نافذان يعالجان موضوع واحد فان من القواعد التي يعتمدها المطبق للقانون سواء كان قاضي او لجنة يرأسها قاضي قاعدتين الأولى قاعدة اللاحق ينسخ السابق والثانية الخاص يقيد العام وفي النقطة موضوع البحث سأبين مدى انطباق تلك القاعدتين على الواقعة أعلاه وعلى وفق الآتي:

القاعدة الأولى : اللاحق ينسخ السابق: إن تلك القاعدة تعني بان القانون الأحدث يلغي القانون الأقدم عندما يحصل تقاطع بينهما بمعنى وجود نصين متشابهين من حيث الحكم والدلالة في قانونين نافذين فان القانون الأحدث بالصدور زمنياً من حيث النفاذ هو المعول عليه ويستبعد حكم النص السابق لأنه بمثابة الحكم المنسوخ بالحكم النص الجديد وهذا هو جوهر اللاحق ينسخ السابق ويقضي على آثاره ويعمل بالنص الناسخ دون المنسوخ وفي مجال فقه الشريعة الإسلامية يتطابق ذلك المفهوم مع القواعد في فقه القانون حيث يجمع الفقهاء بان المنسوخ هو المتقدم والناسخ هو المتأخر الدال على رفع حكم السابق ويعرفه بعض الفقهاء بأنه إلغاء أو تعديل الحكم الثابت في نص سابق بانتهاء وارتفاع أمده أو زمانه سواء كان الحكم وضعي أو تكليفي ويشير الفقهاء إلى إن أساس النسخ في الحكم الشرعي هو المصلحة فالحكم المنسوخ يرتبط بمصلحة وقت نزوله فقدر الشارع انه بانتهاء المصلحة ينتهي الحكم ويصار إلى حكم آخر[8]والنسخ قد يكون صريح وقد يكون ضمنياً بمعنى انالمشرع يشرع حكماً معارضاً لحكم سابق دون نص صريح على نسخ الحكم الأول ولا يمكن الجمع بينهما، فيكون حكم التشريع اللاحق ناسخاً ضمناً للحكم السابق[9] أما فيما يتعلق بالتعارض بين نصين قانونين نافذين فان مقتضى الحال إن كلا النصين ينطبقان على واقعة معينة وواحدة مثال ذلك موضوع بحث هذه النقطة المتعلقة بمحاسبة المتولين، ونحن أمام تعارض كلي وليس جزئي لأنه من المستحيل التوفيق بين النصين لذلك يتم اللجوء إلى قاعدة اللاحق ينسخ السابق والنص القديم يعتبر ملغى ضمناً بصدور ونفاذ القانون الجديد ويرى احد الكتاب بان المشرع طالما اظهر رغبتين في نصوص متناقضة فيعمل بالرغبة الجديدة والأحدث في الظهور[10]، وفي تطبيقات القضاء العراقي قرار لمحكمة التمييز الاتحادية قضت فيه بان محاسبة المتولي على الوقف الذري تكون من اختصاص محكمة الاحوال الشخصية واستندت في حكمها الى نص المادة (300/4) من قانون المرافعات المدنية وفي هذا المعنى بأنها أكدت على ان نص قانون المرافعات هو المعول عليه والمعمول به ومنها ما جاء في قرارها العدد 544/ هيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية/2009 في 15/2/2009 ان محكمة الأحوال الشخصية قد ردت دعوى المحاسبة التي أقامها ديوان الوقف على المتولي وطلب عزله كونه لم يسدد الحسابات على اعتبار ان الوقف خيري وتكون محاسبته من دائرة الأوقاف على وفق قانون إدارة الأوقاف ونظام المتولين بينما محكمة التمييز وجدت بان بعض العقارات الواقعة تحت تصرف المتولي مؤشر في قيدها بأنها وقف ذري لذلك فان محكمة التمييز الاتحادية نقضت القرار حيث وجدت ان الاختصاص ينعقد لمحكمة الأحوال الشخصية فيما يتعلق بمحاسبة المتولي على الوقف الذري وتكون قد أخذت بمبدأ اللاحق ينسخ السابق، بينما في قرار آخر بالعدد 109/هيئة مدنية موسعة/2011 في 25/12/2011 اعتبرت إن النص الوارد في قانون إدارة الأوقاف ما زال نافذاً، وفي ذات القرار أشارت إلى إمكانية ان يكون الاختصاص مزدوج لمحكمة الأحوال الشخصية ولجنة محاسبة المتولين المشكلة في دائرة الأوقاف عندما نوهت في القرار أعلاه إلى إمكانية استعانة المحكمة بدائرة الأوقاف لمحاسبة المتولي، وهذا تباين في التطبيق سببه الالتباس في النصوص القانونية النافذة.

القاعدة الثانية: الخاص يقيد العام: أما في ما يتعلق بقاعدة الخاص يقيد العام فان بعض الكتاب اتجهوا إلى أن قانون إدارة الأوقاف هو القانون الواجب التطبيق على موضوع محاسبة المتولي لأنه قانون خاص وجاء لتنظيم موضوع محدد وتبرز أهمية هذا المبدأ في حالة ورود أحكام قانونية في تشريع عام وآخر خاص حيث تكون الأولوية لتطبيق كل ما ورد فيه نص في القانون الخاص وما لم يرد فيه نص في القانون الخاص يتم الاحتكام فيه إلى ما ورد في القانون العام أو الشريعة العامة، وهو مبدأ واجب الاحترام والتطبيق، ويرى شراح القانون بان هذه القاعدة تكون فاعلة وعاملة في حالة صدور تشريعين يحكمان مسألة واحده ومع ذلك يظل كلا التشريعين سارياً ..فهل نحن بصدد إلغاء أي بمعنى هل نطبق الحكم الذي جاء به القانون الجديد ونترك ما جاء به القانون القديم مع أن كلاهما سارياً فيكون الرأي باننا لسناً اما حالة إلغاء ولا يمكن القول بذلك والسبب أن القانون الجديد بمثابة (الخاص) والقانون القديم بمثابة (العام) وهناك قاعدة قانونية يعرفها القانونين تسمى (الخاص يقيّد العام في حكمه) ويضربون مثلاً على ذلك بان القانون المدني ينظم عقد العمل وفي ذات الوقت قانون العمل ينظم عقد العمل أيضا ولو عرضنا واقعة (استحقاق العامل للأجرة) فأي القانونين نقدم في التطبيق؟ فان جوابهم بان يقدم (قانون العمل) على (القانون المدني) باعتباره قانون خاص استناداً لقاعدة (الخاص يقيّد العام) وعلى العكس إذا لم نجد في قانون العمل ما يحكم واقعه قد نظمها القانون المدني فأننا في هذا الحال نقدم القانون المدني للتطبيق على الواقعة على اعتباره (القواعد العامة واجبة التطبيق) لذلك فان التعارض القائم بين قاعدة قانونية قديمة تضع حكماً خاصاً وبين قاعدة قانونية جديدة تضع حكماً عاماً فان الحكم القديم الخاص يبقى سارياً باعتباره استثناء من القاعدة العامة[11].، لكن ما يعيق تطبيق هذه القاعدة هو نوعية النصوص القانونية المتعارضة لان من شروط تطبيق هذه القاعدة ان كون كلا النصين يتعلقان بموضوع واحد لا بموضوعين مختلفين لذلك لابد من معرفة طبيعة هذه النصوص، بالنسبة لقانون إدارة الأوقاف هو قانون خاص بموضوع الوقف وكيفية إدارته ومن يتولى مسؤولية الرقابة والمحاسبة على المتولين على الأوقاف بينما قانون المرافعات هو من القوانين الإجرائية التنظيمية التي تنظم كيفية حصول الأفراد على حقوقهم بواسطة المحاكم وهو الذي يبين هذه الكيفية ويحدد إجراءاتها[12]، وحيث ان قانون المرافعات أو الإجراءات المدنية فيه من القواعد ذات الصلة بالنظام العام والتي لا تتعلق بالخصوم وحدهم ولا يجوز لهم التصرف بها فإنها تبقى مرعية، وتطبق قواعده ونصوصه فوراً على جميع الإجراءات الواردة فيه بما فيه الاختصاص النوعي للمحاكم ويسمى بالأثر الفوري لقوانين الإجراءات ولا يوجد استثناء على هذه القاعدة[13] ، وخلاصة القول ان موضوع محاسبة المتولي الواردة في المادة (4) من قانون ادارة الاوقاف هي قواعد إجرائية وليست موضوعية لأنها تبين آلية المحاسبة عبر لجنة يرأسها قاضي فنكون اما نصين في موضوع واحد كلاهما يتعلق بالية وإجراءات المحاسبة الاول بين بان دائرة الأوقاف مختصة والآخر بين ان محكمة الأحوال الشخصية هي المختصة وعند هذا الحال يمكن ترجيح نص على نص باعتبار احدهم عام وهو قانون المرافعات الذي يعد مرجع لكافة قوانين الإجراءات والآخر خاص باعتباره ينظم حالة واحدة تتعلق بإجراءات محاسبة المتولي وعلى وفق هذه الرؤية يمكن اعتبار ان قانون ادراة الأوقاف يقيد قانون المرافعات لكن لنا وجهة نظر مختلفة عن ذلك سأبينها لاحقاً.

ثالثاً : موقف القضاء العراقي

ان موقف القضاء العراقي يبدوا انه ما زال متارجحاً بين نفاذ النصين وانطباقهم على محاسبة المتولي على الوقف الذري حيث وجدنا عدة قرارات لمحكمة التمييز الاتحادية تؤكد على ان الاختصاص ينعقد لمحكمة الاحوال الشخصية دون سواها ومنها ما اشر تاليه سلفا محكمة التمييز الاتحادي

رابعاً : الرأي الراجح

بعد الوقوف عند هذه النقطة التي ما زالت وستبقى تثير الجدل الفقهي عند التطبيق ارى بان ارأي الراجح هو سريان نص الفقرة (4) من المادة (300) من قانون المرافعات المدنية وان نص المادة (4) من قانون إدارة الأوقاف معطلة وأشاطر فيها ما ذهب اليه الدكتور محمد رافع الحيالي عندما أشار إلى إن الاختصاص لمحكمة الأحوال الشخصية لان القانون اللاحق يلغي السابق أو يعدله[14] وذلك لعدة أسباب اعتقد بصحتها وعلى وفق الآتي :

1. إن قانون المرافعات المدنية صدر في عام 1969 بينما قانون إدارة الأوقاف كان قد صدر في عام 1966 لذلك فانه أقدم بالصدور وان الجديد يعطل أحكام القديم ان تعارضت الأحكام وكما أسلفت فان نص المادة (323) من قانون المرافعات المدنية كانت صريحة عندما اشارت الى الغاء كل نص قانوني يتعارض صراحة او ضمناً او دلالة مع احكام هذا القانون وعلى وفق النص الاتي (يلغى قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 88 لسنة 1956 وتعديلاته و ذيله رقم 40 لسنة 1963 وكذلك يلغى كل نص في قانون السلطة القضائية والقوانين الأخرى يتعارض صراحة أو دلالة مع احكام هذا القانون وتبقى التعليمات الصادرة بموجب القانون السابق نافذة إلى ان تلغى أو تعدل بتعليمات أخرى) وفي هذا تفعيل لقاعدة اللاحق ينسخ السابق.

2. إن موضوع الفقرة (4) من المادة (300) قانون المرافعات المدنية حددت الاختصاص لمحكمة الأحوال الشخصية في محاسبة متولي الوقف الذري التي جاء فيها الآتي (تختص محكمة الأحوال الشخصية: ….التولية على الوقف الذري ونصب المتولي وعزله ومحاسبته وترشيح المتولي في الوقف الخير او المشترك) بينما الفقرة (1) من المادة (4) من قانون إدارة الأوقاف قد جعلت من دائرة الأوقاف هي المختصة بمحاسبة المتولي على وفق النص الاتي (يراقب الديوان الأوقاف الملحقة ويحاسب متوليها ويستوفى 10% من فضله وارداتها مقابل ذلك ويقيم الدعوى لمنع تحويل الوقف إلى ملك تجاوزا ( ويذكر إن الأوقاف الملحقة تشمل الوقف الذري على وفق تعريف قانون إدارة الأوقاف للوقف الملحق في الفقرة (7) من المادة (1) من قانون إدارة الأوقاف التي جاء فيها الآتي (الوقف الملحق – هو الذي يديره متول ومشروط صرف غلته أو جزء منها على المؤسسات الدينية والخيرية ويشمل الوقف الذري الذي يديره متول ومشروط صرف غلته إلى من عينهم الواقف من ذريته أو غيرهم . وكذلك الوصية بالخيرات التي تخرج مخرج الوقف)

3. إن استمرار المحاسبة من دائرة الأوقاف منذ تشريع قانون إدارة الأوقاف ولغاية الآن لا يعني تعطيل النص القانوني وإنما هو مخالفة للنصوص القانونية النافذة. لان تكرار المخالفة والاعتياد عليها لا يعني إضفاء المشروعية عليها.

لذلك ارى بان الاختصاص ينعقد لمحكمة الأحوال الشخصية لكن بقاء النصوص على ما عليه الان سيبقى يولد لنا اجتهاد متباين يعتمد على تفسير المطبق للقانون وكيفية تعامله معها واصبحت الحاجة ماسة لتدخل تشريعي يوضح بشكل صريح الجهة المختصة بذلك وارى ان يمنح الاختصاص الكلي للمحاسبة إلى محكمة الأحوال الشخصية لانها تتصف بالحياد كونها محكمة من ضمن تشكيلات القضاء الذي هو مستقل ومهمة تتعلق بتطبيق القانون فقط وتنتهي علاقته بانتهاء الدعوى او القضية بينما ترك الأمر إلى لجنة محاسبة المتولين فانه يبقي احد الأطراف بموقف ومركز قانوني أقوى من الآخر لان احد أطراف المحاسبة هو ديوان الوقف وفي نفس الوقت يكون عضوين من لجنة محاسبة المتولين هم من منتسبي الديوان ويرشحهم رئيس الديوان وان الطعن في قرارات لجنة محاسبة المتولين تكون أمام ديوان الوقف وهذا الحال يعدم فرصة المساواة عند التقاضي ويؤدي إلى غلبة موقف خصم على خصم آخر في ذات القضية، بينما إذا كان الأمر أمام المحكمة فان الطعن سيكون أمام محكمة التمييز الاتحادية.

القاضي

سالم روضان الموسوي

[1] عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ ج 1ـ طبع 2 عام 2008 ـ توزيع المكتبة القانونية ـ ص 17

[2] عبدالرحمن العلام ـ مرجع سابق ـ ص 24

[3] القاضي صادق حيدر ـ شرح قانون المرافعات المدنية دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة السنهوري في بغداد عام 2011 ـ 12

[4] القاضي مدحت المحمود ـ شرح قانون المرافعات المدنية وتطبيقاته العملية ـ الطبعة الرابعة المنقحة بيروت عام 2019 ـ منشورات دار الرافدين ـ ص11

[5] عبدالرحمن العلام ـ مرجع سابق ـ ص 717

[6] القرار منشور في الموقع الالكتروني لمجلس القضاء الاعلى على الرابط الآتي https://www.hjc.iq/qview.2408/

[7] القرار منشور في موقع مجلس القضاء الاعلى الالكتروني على الرابط الآتي https://www.hjc.iq/qview.1785/

[8]القاضي ابن البراج ـ المهذب ـ منشورات مؤسسة النشر الإسلامي في قم ـ طبعة عام 2003 ـ ج2 ـ ص 597

[9]الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والاسلامي ـ منشورات جامعة بغداد طبعة عام 1979 ـ ص144

[10]الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص126

[11]للمزيد انظر الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص 139

[12]القاضي صادق حيدر ـ مرجع سابق ـ ص 12

[13]الدكتور عبده جميل غصوب ـ الوجيز في قانون الإجراءات المدنية دراسة مقارنة ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع طبعة بيروت الاولى عام 2011 ـ ص32

[14]محمد رافع الحيالي ـ مرجع سابق ـ ص 143

إعادة نشر بواسطة محاماة نت