تعيين وانشاء مكتب المفتش العام بين التنظير وصراحة النصوص والأحكام القضائية
أحمد إسماعيل ربيع

تناولت بعض وسائل الاعلام وكذلك صفحات التواصل الاجتماعي موضوع تعيين وانشاء مكاتب للمفتشين العموميين بموجب أمر ديواني يحمل الرقم (47) لسنة 2019 صادر من مكتب رئيس الوزراء في 7/8/2019، حيث اثار هذا الأمر الديواني حفيظة بعض السياسيين وغيرهم من المختصين بالشؤون القانونية، وقد انصب الاعتراض على جملة من المسائل تستند إلى بعض الحجج والاسانيد، تتلخص بما يأتي:

1) قيام رئيس مجلس الوزراء بتعيين مفتشين عموميين، دون استحصال موافقة (مجلس النواب)، حيث يرون بان هذا الاجراء يشكل مخالفة دستورية بداعي بحجة ان (المفتش العام) يتقاضى راتب ومخصصات وكيل وزير، وبالتالي فانه يشغل درجة خاصة (وكيل وزير)، وان إجراءات تعيين اصحاب الدرجات الخاصة تكون باقتراح من مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب، بالاستناد للمادة (61/خامساً/ب) من الدستور التي منحت مجلس النواب صلاحية الموافقة على تعيين أصحاب الدرجات الخاصة، باقتراح من مجلس الوزراء، وكذلك نص المادة (80/خامساً) منه ايضاً التي بينت بكون مجلس الوزراء يمارس صلاحيات التوصية إلى مجلس النواب، بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات واصحاب الدرجات الخاصة، كما ذهبوا ايضاً الى ان هذا التعيين للمفتشين العموميين من دون استحصال موافقة مجلس النواب يشكل مخالفة لنص الفقرة (3) من القسم (2) من أمر سلطة الائتلاف رقم (57) لسنة 2004.

2) كما اشكل البعض على قيام رئيس مجلس الوزراء باستحداث مكاتب للمفتشين العموميين في بعض الهيئات المستقلة وهي كما جاء في الأمر الديواني – مدار البحث – (البنك المركزي العراقي، هيأة الاستثمار، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، مفوضية حقوق الانسان، المصرف العراقي للتجارة، هيأة الحشد الشعبي، جهاز الأمن الوطني)، بحجة ان انشاء هكذا مكاتب في الهيئات المستقلة يخالف أمر سلطة الائتلاف رقم (57) لسنة 2004 والذي نص بموجب الفقرة (1) من القسم (2) منه على انشاء مكتب للمفتش العمومي داخل كل وزارة من الوزارات العراقية، وبالتالي فإن انشاء مكاتب للمفتشين العموميين – بحسب وجهة نظرهم – يكون مقتصراً على الوزارات دون الهيئات المستقلة.

3) اما الاشكال الأخير، فتمثل بان الأمر رقم (57) لسنة 2004 المعدل بالأمر رقم (19) لسنة 2005 والذي عد المفتش العام بدرجة وكيل وزير – بحسب قولهم -، ومن ثم فانه بدرجة خاصة، يتعارض مع نص المادة (61/خامساً/ب) من الدستور، وبالتالي فانه يصبح ملغياً استناداً لنص المادة (13) من الدستور التي قضت بعدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور، وبأن يُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم، أو أيّ نص قانوني آخر يتعارض معه. وقد أثارت هذه الحجج والاسانيد التي طرحت اللبس وعدم الوضوح لدى الكثير من اصحاب الاختصاص وغيرهم، وانطلاقاً من ضرورة اشاعة المفاهيم القانونية الصحيحة والتفسير الدقيق للقانون، لا بد لنا ان نبيّن الاسانيد القانونية لآلية تعيين المفتش العام معززين ذلك ببعض الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا، وما استقر عليه القضاء الإداري على حد سواء، فضلاً عن الاسانيد الاخرى، بغية الوقوف على صحة الاجراءات التي اتخذها رئيس مجلس الوزراء من عدمها، وبشكل موضوعي ومن دون اجتهادات بعيدة عن صحيح القانون، وكما يأتي:

أولاً- ان الأمر الديواني الذي اصدره رئيس مجلس الوزراء قد استند في تعيين وانشاء مكاتب المفتشيين العموميين الى الأمر رقم (57) لسنة 2005 (النافذ)، والذي يهمنا من هذا الأمر الفقرتين (3) و (5) من القسم (2) منه، كونهما تشكلان ركيزة الاعتراض، حيث نصت الفقرة (3) من القسم المذكور على أن يقوم الرئيس التنفيذي في الادارة العراقية الانتقالية بتعيين المفتشين العموميين في المناصب الشاغرة، ويخضع هذا التعيين للمصادقة عليه من قبل السلطة التشريعية باغلبية اصوات اعضائها. في حال وجود شاغر في منصب المفتش العام لامانة بغداد، يتولى محافظ مدينة بغداد تعيين شخص في هذا المنصب، في حين نصت الفقرة (5) على ان يتم تعيين المفتشين العموميين في مناصبهم لفترة زمنية مدتها خمسة سنوات، ويجوز للرئيس التنفيذي للادارة العراقية الانتقالية تجديد مدة الخدمة هذه لفترة خمسة سنوات اخرى وفقا لتقديره، على ان يخضع هذا التجديد للمصادقة عليه، من قبل السلطة التشريعية باغلبية اصوات اعضائها، ويستبان من النصين المذكورين وكما هو واضح وجلي بان عمليتي (التعيين، وتجديد الخدمة) للمفتش العام تكون بترشيح من رئيس مجلس الوزراء ومصادقة (السلطة التشريعية)، غير أن الذي لم يلتفت إليه المعترضون أن الأمر رقم (57) لسنة 2004 قد جرى تعديل احكامه بموجب أمر الأمر التشريعي رقم (19) لسنة 2005 بدلالة نص الفقرة (رابعاً) منه، حيث جاء الأخير بحكم مغاير بشأن آلية تعيين المفتش العام فضلاً عن بيان الراتب والمخصصات التي يتقاضاها، حيث نصت الفقرة (أولاً) منه على ان يكون: (لرئيس الوزراء تعيين المفتش العام بناءً على ترشيح من المفوضية العامة للنزاهة) دون ان يشترط اقتران هذا التعيين بموافقة مجلس النواب، حيث ان التعديل يكون في نطاق ما تضمنه الأمر رقم (19) لسنة 2005 من أحكام ، اي بمعنى بالجهة التي تمتلك صلاحية تعيين المفتش العام، ولم يمس هذا التعديل مدة اشغال منصب المفتش العام المنصوص عليها في الفقرة (5) من القسم (2) من الأمر رقم (57) لسنة 2004، وبمعنى أكثر وضوحاً ان التعديل انصب فقط على جعل تعيين المفتش العام صلاحية حصرية بيد رئيس مجلس الوزراء فحسب، فضلاً عن موضوع اقالة المفتش العام، اما تجديد خدمته فان التعديل لم يشمله، وبالتالي فان تجديد خدمة المفتش العام تكون سلطة تقديرية لرئيس مجلس الوزراء، فان هو استعمالها يكون ملزماً باستحصال موافقة مجلس النواب على التجديد فحسب .

وأن ما يؤيد ويؤكد ما ذهبنا إليه عدد من أحكام وقرارات القضاء الدستوري والإداري في العراق ومنها:
– قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (70/اتحادية/2011) الصادر في 26/12/2011 المتعلق بالطعن بالأمر الديواني المرقم (132) في 27/4/2009 الصادر من رئيس مجلس الوزراء والقاضي بتجديد خدمة مفتش عام وزارة الصحة من دون عرض موضوع التجديد على مجلس النواب، حيث ذهبت المحكمة إلى أن الأمر التشريعي المرقم (19) لسنة 200 عد معدلاً لأمر سلطة الائتلاف رقم (57) لسنة 2004 إلاً أنه أبقى آلية تجديد خدمة المفتش العام على ما هي عليه ولم يعدلها. وحيث ان الدستور العراقي لعام 2005 قد اناط السلطة التشريعية الى مجلس النواب وذلك وفقاً للمادة (48) منه ا يقتضي عند تجديد خدمة المفتش العام من قبل رئيس مجلس الوزراء عرضه على مجلس النواب لإستحصال موافقته تنفيذاً للفقرة (5) من القسم (2) من الأمر (57) لسنة 2004…».

– فتوى مجلس شورى الدولة (مجلس الدولة حالياً) الصادرة بالعدد (58/2010) في 12/5/2010، بشأن طلب وزير العدل بيان الرأي بصدد الموقف القانوني للمفتش العام في الوزارة الذي انتهت المدة المحددة لشغله المنصب حسب أمر سلطة الائتلاف رقم (57) لسنة 2004، وهل يعتبر بقاؤه في المنصب قانوني بعد انتهاء المدة، حيث افتى مجلس الدولة بأن تعديل الأمر رقم (57) لسنة 2004 يكون في حدود ما تضمنه الأمر (19) لسنة 2005 من أحكام، أي ما يتعلق بالجهة التي تملك صلاحية تعيين المفتش العام المنصوص عليها بالفقرة (3) من القسم (2) من الأمر (57) لسنة 2004 دون أن تمس هذه التعديلات مدة أشغال المنصب المنصوص عليها في الفقرة (5) من القسم (2) من الأمر (57) لسنة 2004، لذا تكون مدة أشغال المفتش العام لمنصبه خمس سنوات، قابلة للتجديد وفقاً للآلية المنصوص عليها في الفقرة (5) من القسم (2) من الأمر (57) لسنة 2004». وكذلك القرار رقم (142/2010) في 25/11/2010 الذي ذهب إلى نفس هذا المبدأ. ويستدل من صريح فتواى مجلس الدولة بان هناك فرق ما بين حالتين الأولى تعيين المفتش العام والثانية تجديد خدمته، فالأولى تكون من صلاحية رئيس مجلس الوزراء من دون موافقة مجلس النواب على هذا التعيين، إمّا الثانية فتكون صلاحية رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على ان تقترن هذه الموافقة بمصادقة مجلس النواب.- حكم الهيئة العامة لمجلس الدولة المرقم (59/انضباط/تمييز/2008) الصادر في 21/2/2008 والقاضي بان «أمر تعيين المفتش العام والغاءه يقع ضمن صلاحية رئيس مجلس الوزراء».ثانياً- اما بخصوص الحجة القائلة بان المفتش العام هو بدرجة (وكيل وزير)، وبالتالي هو من ضمن فئات الدرجات الخاصة، باعتبار ان الفقرة (ثالثاً) من الأمر التشريعي رقم (19) لسنة 2005 قد نصت على ان (يتقاضى المفتش العام راتب ومخصصات وكيل وزارة)، ما يستلزم عرض تعيينه لموافقة السلطة التشريعية، نرى ان هذا الاتجاه يفتقر إلى السند القانوني، كوّن ان الدرجة الوظيفية ليست محل افتراض وانما ينص عليها القانون، وأن الأمر رقم (19) لسنة 2005 لم ينص على كون المفتش العام بدرجة وكيل وزير، وانما اكتفى النص بذكر تقاضيه لراتب ومخصصات وكيل وزير فحسب، ولو اراد المشرِّع ان يكون المفتش العام بهذه الدرجة أو بدرجة خاصة لنص على ذلك بشكل صريح وقطعي، كما فعلها في أوامر أخرى نذكر واحد منها على سبيل المثال أمر رقم (12) لسنة 2005 (صلاحيات رئيس المجلس الوطني المؤقت ورئيس ديوانه ومستشاريه)، حيث بيّنت المادتين (2) و(3) منه على ان يشغل كل من «رئيس الديوان والمستشارون بدرجة خاصة صنف (أ)»، وبالتالي لا يعتبر المفتش العام (وكيل وزير)، ومن ثم فإنه ليس من اصحاب الدرجات الخاصة، حيث ليس كل من يتقاضى راتب وكيل وزير يكون بدرجة وكيل وزارة، والقول بخلاف ذلك يعوزه الدليل والسند القانوني ويكون كلامه مجرد افتراض ذهني ليس الا.
وأن ما يؤيد ويؤكد ما ذهبنا إليه عدد من النصوص القانونية وأحكام وقرارات القضاء الدستوري والإداري والإدارات المختصة في العراق، ومنها:
– أن قانون الملاك رقم (25) لسنة 1960 قد عد المفتش العام بنفس الدرجة الوظيفية والراتب لدرجة المدير العام، ويمكن ملاحظة ذلك بالرجوع إلى جدول الوظائف العامة – القسم الأول منه.
– أن قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 لم يتضمن النص على كون المفتش العام من ذوي الدرجات الخاصة، بل هو يقع ضمن فئة (مدير عام)، حيث جاء بعد كل من (العميد) و (المدير العام)، ويمكن الرجوع لنص المادة (الثامنة) منه، حيث أوردت الوظائف الخاصة ضمن البند (أ)، على حين ورد كل من العميد والمدير العام والمفتش العام بتسلسلات البنود (ب) و(ج) و (د) من المادة المذكورة على التوالي.
– أن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (1077) لسنة 1981 الذي تضمن تحديد الوظائف ذات الدرجة الخاصة جاء خلواً من النص على وظيفة (المفتش العام)

إعادة نشر بواسطة محاماة نت