طبيعة السرية في التحقيقات

المؤلف : موفق علي عبيد
الكتاب أو المصدر : سرية التحقيقات الجزائية وحقوق الدفاع
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تعتبر السرية إجراءاً ضروريا لضمان استجماع الأدلة وذلك لأن المتهم الذي يعرف ما يتخذ من إجراءات التحقيق قد يعمل على إفسادها ، كما إن إجراء التحقيق في حضور الجمهور من شأنه أن يشل تصرفات المحقق في استخلاص الأدلة(1). كما ان السرية إجراء نص عليه المشرع بمقتضاه يلتزم الأشخاص الذين يباشرون التحقيق أو يتصلون به بسبب وظيفتهم بالمحافظة عليه وعدم إفشائه وذلك حماية للإفراد من الإساءة لهم ولسير التحقيق في مجراه الطبيعي وفي حالة إخلالهم بذلك يقعون تحت طائلة العقاب(2).

ولما تقدمه السرية من مزايا عديدة فقد نصت عليها معظم التشريعات فقد نص عليها المشرع الفرنسي في المادة (11) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1958 حيث نصت على انه ( دون الإخلال بحقوق الدفاع ، ومالم ينص القانون على غير ذلك ،تكون إجراءات التحقيق سرية، ويلتزم كل شخص يساهم في مباشرة تلك الإجراءات بالحفاظ على السر المهني) وفقا للشروط التي تنص عليها بالمادة 226-13 من قانون العقوبات الفرنسي والتي تنص على انه ( كل إفشاء للمعلومات الخاصة بالسرية بواسطة الأشخاص الذين يودع لديهم السر كامنا بواسطة عملهم أو بسبب وظيفتهم يعاقب مرتكبه بالحبس لمدة سنة وغرامة مقدارها مائة ألف فرنك)(3).

ونص عليها صراحة المشرع المصري في المادة (75)من قانون الإجراءات الجنائية المصري حيث تنص على انه (تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار ، ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقاً للمادة 310 من قانون العقوبات ).

كما حظر نشر إخبار التحقيق بمقتضى نص المادة 193 من قانون العقوبات المصري . أما المشرع العراقي فقد نص على السرية في المادة (57)من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي حيث نصت على انه (أ- للمتهم وللمشتكي وللمدعي بالحق المدني وللمسؤول مدنياً عن فعل المتهم ووكلائهم أن يحضروا إجراءات التحقيق ، وللقاضي أو المحقق أن يمنع أيا منهم من الحظور إذا اقتضى الأمر ذلك لأسباب يدونها في المحضر على أن يبيح لهم الاطلاع على التحقيق بمجرد زوال هذه الضرورة ولا يجوز لهم الكلام إلاّ إذا أذن لهم وإذا لم يأذن وجب تدوين ذلك في المحضر . ب- لأي ممن تقدم ذكرهم أن يطلب على نفقته صوراً من الأوراق والإفادات إلا إذا رأى القاضي أن إعطاءها يؤثر على سير التحقيق أو سريته . ج- لا يجوز لغير ممن تقدم ذكرهم حضور التحقيق إلا إذا إذن القاضي بذلك).وقد عاقب المشرع العراقي كل من علم بحكم وظيفته أو مهنته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله بسر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وذلك استناداً للمادة 437 من قانون العقوبات العراقي.

كما عاقب المشرع العراقي على النشر بإحدى طرق العلانية وذلك استنادا للمادة 235 والمادة 236 من قانون العقوبات وبالتحليل القانوني لسرية التحقيقات يتضح إنها تتكون من عنصرين هما عدم السماح للجمهور بحضور إجراءات التحقيق وحظر إذاعة ما يتضمنه من محاضر وما يسفر عنه من نتائج ، وعدم السماح للجمهور بحضور التحقيق لا يتحقق إلا بمنع الجمهور من ارتياد مكانه وعدم السماح لأي فرد بالدخول سوى الخصوم ووكلائهم ، كما أن حظر إذاعة مجريات التحقيق لا يتأتى إلا بمنع الصحفيين وكافة وسائل الإعلام من الدخول أثناء التحقيق (4).

كما إن السرية المفروضة على المحقق أو المساهم في التحقيق ليست مطلقة ولا عامة إنما هي محددة ونسبية . محدودة ببعض الإجراءات أو الوقائع ،ونسبية لأن قاضي التحقيق ليس هو الوحيد الملزم بها، بل يقاسمه ويشاطره في ذلك مختلف الأشخاص الذين يشاركون في هذه الإجراءات . وسرية التحقيقات لها صفة إجرائية فتعد من الأسرار العامة إذ تشمل إجراءات اتُخِذت بصد مزاولة أعمال قضائية بعكس السر المهني الذي يعد من الأسرار الخاصة التي تتعلق بمصالح الأفراد ، فحمايته تهدف أساسا إلى تحقيق مصلحة فردية (5). وعليه ومن كل ما تقدم نصل إلى أن سرية التحقيقات ذات طبيعة قانونية إجرائية هدفها الوصول بالتحقيقات إلى الحقيقة وهي الغاية التي من اجلها اقر المشرع مبدأ السرية.
______________________
1- د. مجدي محمود محب حافظ ، الحماية الجنائية لاسرار الدولة ، ط1 ، 1991، ص122.
2- د. عويس دياب ، الحماية الجنائية لسرية التحقيق الابتدائي ، المصدر السابق ، ص84.
3- د. احمد عوض بلال ، الاجراءات الجنائية المقارنة والنظام الاجرائي في المملكة العربية السعودية ، دار النهضة العربية ، 1990 ، ص35.
4- د. عويس دياب ، الحماية الجنائية لسرية التحقيق الابتدائي ، المصدر السابق ، ص78.
5- د. آمال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون الاجراءات الجنائية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1975 ، ص388.