النظريات التي تحكم فرض ضريبة الدخل على الأشخاص المعنوية (شركات الأموال) إن أهم القضايا التي يثيرها موضوع فرض الضريبة على دخل الأشخاص المعنوية ممثلة بشركات الأموال هو الاختلاف في مواقف التشريعات تجاهها ، إما بالنظر إليها بوصفها شخصاً مستقلاً عن الأشخاص المكونين له (المساهمين) ، أو متحد معهم اتحاداً لا يقبل التفرقة، وإن هذا الاختلاف يرجع في أصوله إلى مدى تأثر كل تشريع بالنظريات المختلفة التي صاحبت تطور طبيعة المشروعات واختلاف النظرة إليها باختلاف الأنظمة الاقتصادية التي سادت العالم(1) ، ومن هنا فقد تنازعت تحكيم هذه الضريبة نظريتان كان لكل منهما دور في النظم التي أخذت بها:

أولاً. نظرية (الدمج) .

ثانياً. نظرية الفصل .

أولاً. نظرية (الدمج) :

تتخذ هذه النظرية بالنسبة إلى التشريعات التي تعتنقها اسم (النظام المتكامل)(2). وهي تقوم على النظر في معاملة الشركة إلى ذمة واحدة تتكون من ذمة الشركاء (المساهمين وذمة الشخص المعنوي (الشركة)، فليس هناك استقلال بينهما من حيث النتيجة بالنسبة إلى الدخل ، وعليه فإن هؤلاء يسألون عن دين الضريبة على اعتبار انهم المستفيدون أولاً وأخيراً من أرباح الشركة(3).ويجد أنصار هذه النظرية حجتهم في(4).

-أن تصور وجود الشركة من غير مالكين هو أمر غير ممكن ، وإن وجودها كشخصية معنوية مستقلة هو أمر شكلي يُحتمه القانون ليس إلاّ ، ولهذا فإن الأرباح التي تحققها الشركة تعود في حقيقتها إليهم وستنال منها الضريبة متى كان المساهمون خاضعين لها.

-أن الأخذ بهذه النظرية من شأنه أن يحقق عدالة الضريبة لأنه يمنع كل ما يمكن أن يثيره فرض الضريبة على دخل الشركة مرة وهو في يدها ومرة أخرى وهو في يد المساهمين من ازدواج ضريبي(5).واقعي (اقتصادي).

لكن هذه النظرية لم يكتب لها الاستمرار حيث وجهت إليها انتقادات شديدة دفعت أغلب الدول إلى العزوف عنها لأنها أنكرت الشخصية المعنوية للشركة والأثر المهم الذي يترتب عليها وهو استقلال الذمة المالية للشركة ، وهذا يجافي واقع ما استقر عليه الوضع في التشريعات المعاصرة، كما أن الازدواج الذي تسعى هذه النظرية إلى تلافيه هو غير موجود من الناحية القانونية لأنه يتطلب اتحاد صفة المكلف في الضريبة الأولى والثانية ، ومن الناحية القانونية تختلف هذه الصفة لأنها في الضريبة الأولى (الشركة) وفي الضريبة الثانية (المساهم)(6).كل هذه الانتقادات دفعت إلى التوجه نحو نظرية أخرى أكثر قبولاً هي:

ثانياً. نظرية الفصل :

وهي تتخذ بالنسبة إلى التشريعات التي تعتنقها اسم (النظام المنفصل) ، وتقوم على فصل الذمة المالية للشركة عن ذمم المساهمين (مالكيها) بحيث يكون التزام هؤلاء بدفع الضريبية منفصلاً عن التزام الشخص المعنوي الممثل بالشركة في دين الضريبة، فالشركة لها حق حيازة الأصول المادية وغير المادية ، وملزمة بسداد ديونها إزاء الغير ، ولهذا فهي بالضرورة يجب أن تعامل بصورة مستقلة عن مساهميها(7).ولهذه النظرية مبرراتها المنطقية التي تتمثل بـ(8):

-ما يرتبه الاستقلال في الذمة المالية من نتائج كثيرة أهمها حجم العائد الذي يأتي من التزام الشركة بدفع الضريبة نظراً إلى سعة حجم الوعاء وعدم إثقاله بسماحات أو أعباء شخصية كتلك التي يتحملها الشخص الطبيعي لأنها تراعى فيه دون الشركة.

-أنها تجنب الوقوع في الازدواج الضريبي من الناحية القانونية فقط ، أما من الناحية الواقعية فهي كسابقتها لا توجد حلاً للازدواج الضريبي لان بعض النظم وإن أخذت بها إلاّ أنها تكرر فرض الضريبة مرتين ، مرة قبل التوزيع ومرة بعدها ، وهذا يحقق الازدواج وان اختلفت المسميات. ومع هذا تتجه أغلب التشريعات إلى الأخذ بهذه النظرية في المجال العملي انطلاقاً من اعتدادها بالوجود المتميز للشركة بوصفها شخصاً معنوياً ، واتفاقاً مع المبررات التي تساق لفرض الضريبة على دخل الشركات من النواحي الاقتصادية والمالية والإدارية(9).

أما في ما يتعلق بمشكلة الازدواج الضريبي فقد تلجأ إلى معالجته باتباع حلول معينة ، تتمثل في إيراد الإعفاءات الضريبية وما تقرره اتفاقيات منع الازدواج الضريبي . وقد أخذ قانون ضريبة الدخل العراقي بنظرية الفصل عندما ميّز الشخص المعنوي عن الفرد ، وأورد تعريفه(10). ثم تقريره فرض الضريبة على دخل الشركة بصورة مستقلة عن أرباح المساهمين(11). فيها من خلال النص صراحة على “تحقق الضريبة على دخل الشركة قبل دفع أي شيء منه لأصحاب الأسهم..” في المادة (4) منه ، كما إنه كان أكثر توفيقاً من بقية التشريعات في معالجة الازدواج الضريبي الناشئ عن الأخذ بها عندما قرر استبعاد الأرباح التي يحصل عليها المساهمون من نطاق الخضوع للضريبة نهائياً بمقتضى النص المذكور، ومن قبله المادة (2) من هذا القانون التي جاءت في معرض بيانها للإيرادات التي تشكل وعاء الضريبة ، وعلى وجه الخصوص ما تعلق بالأرباح التي لا تعفى من الضريبة ولا تخضع لأية ضريبة في العراق ، إذ قررت هذه المادة اعتبار حصة الربح التي يحصل عليها المساهم دخلاً خاضعاً للضريبة لأغراض هذه المادة إذا كانت الشركة قد نزلت الضريبة عنها ، لكنه استثنى من ذلك حالة هي إذا وزعت الحصة إحدى الشركات ذات المسؤولية المحدودة غير المعفاة بموجب قانون تنمية الاستثمار الصناعي عندئذٍ تتخذ أساساً لاحتساب التصاعد في نسب الضريبة على مدخولات المساهم الأخرى. ويجد هذا الإعفاء حكمته في تحقيق مصلحة المساهمين أولاً لمنع دخولهم من التعرض للضريبة مرتين ، كما أنه يتقرر لتوجيه الاستثمار في شركات تنال دعم ومؤازرة الحكومة لأنها تستثمر أموالها من قطاعات تتفق وخطط تنمية البلاد ، وخاصة الشركات المساهمة(12). وعلى الرغم من أن المشرع العراقي أحسن فعلاً بإيراد هذا الإعفاء الذي جنبه الكثير من الإشكاليات كما يؤكد الفقه المالي(13). إلاّ أنّ المأخذ الوحيد عليه حسب الرأي الذي نؤيده هو أن مكان هذه الفقرة ليس ضمن المادة الثانية ، بل ضمن إحدى فقرات المادة (15) التي بينت الوضع بالنسبة إلى هذه الأرباح(14). أما في القانون الأردني فقد سار توجه المشرع الأردني هو الآخر تجاه هذه النظرية بذات الصورة التي اخذ بها القانون العراقي(15). لكنه لم يفعل كما فعل هذا الأخير بالنسبة إلى الأرباح الموزعة ، فبعد أن كان يتخذ مسلكاً يتفق معه ويعفي فيه هذه الأرباح من الخضوع لضريبة الدخل تلافياً للازدواج الضريبي كلياً(16). عاد فألغى هذا الإعفاء مقرراً معالجتها بإخضاعها لضريبة توزيع بنسبة 10% من الأرباح والحصص الموزعة إلا إذا كانت تتخذ شكل أرباح وحصص لزيادة رأس المال معتبراً إياها ضريبة مقطوعة ونهائية لا يجوز ردها أو تقاصها ، ويعتبر في حكم هذه الأرباح تحويلات الشركات الأجنبية العاملة في المملكة للخارج ، والمبالغ التي يسحبها الشريك في الشركة سلفاً أو قروضاً أو ما شابه ذلك(17). كما سار المشرع المصري على ذات النهج(18). وسايره في ذلك القضاء المصري في العديد من أحكامه التي أكدت تمتع الشركة بالشخصية المعنوية المستقلة عن أشخاص المساهمين فيها وجعل أموالها خاصة بها ومستقرة في ذمتها لا في ذممهم(19). اما عن الازدواج الضريبي فقد جاء المشرع المصري بحل لم يعتد به في كل أنواع الشركات ، بل قصره على تلك الشركات المساهمة المصرية وحصراً التي يكون الغرض منها استثمار أموالها في الأسهم والسندات ، في حكمة تنطلق من رغبة المشرع في تشجيع هذا النوع من الشركات لأهميتها وتأثيرها في نمو الاقتصاد المصري ، ويشترط لقيام هذا الإعفاء(20).

-أن تكون نسبة 90% من مجموع أموال الشركة المتمتعة بالإعفاء مستثمرة في الأسهم والسندات حصراً أياً كان شكلها.

-أن تكون هذه الإيرادات قد أديت عنها فعلاً الضريبة النوعية الخاصة بها وأعفيت منها بمقتضى القانون.

-يكون الإعفاء بالنسبة إلى أرباح السنة التي حصلت فيها الشركة المستثمرة على هذه الإيرادات، ويكون الإعفاء محدداً بمقدار الأرباح الموزعة أو الإيراد المتحصل من الأسهم والسندات أيهما أقل .

_______________________

[1]- صادق محمد حسين الحسني ، مصدر سابق ، ص 6 .

2- يتقرر هذا التكامل حسب ما هو معمول في بعض الدول أما بشكل كلي أو جزئي ، ويتحدد في كل صورة بعدة طرق ، في تفاصيل ذلك انظر : د. حسن محمد كمال ، د. سعد عبدالمنعم ، مصدر سابق ، ص ص15-19.

3- Masgraue R. :Public Finance in Theory and Practice، 5th ed.، McGraw-Hill book company. Tokyo، 1984، PP. 373-374.

4- د. فاضل شاكر الواسطي ، اقتصاديات المالية العامة ، ط الأولى ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1973 ، ص203 .

– د. إسماعيل خليل إسماعيل ، المحاسبة الضريبية ، مصدر سابق ، ص554.

5- يقصد بالازدواج الضريبي “فرض نفس الضريبة ، أو ضريبة أخرى مشابهة لها أكثر من مرة على نفس الشخص ونفس المال” ، د. محمد وديع بدوي ، دراسات في المالية ، دار المعارف بمصر ، 1966، ص228.

6- د. محمد وديع بدوي ، مصدر سابق ، ص229.

7-Kath Nightingale: Taxation.، 4th ed.، ashford colour press Ltd، London، 2002،
PP. 29-30.

8- د. فاضل شاكر الواسطي ، مصدر سابق ، ص203.

– د. حسن محمد كمال ، د. سعيد عبدالمنعم ، شركات الأموال ، مصدر سابق ، ص 14 .

9- انظر ما سبق ، ص ص (32-33).

0[1]- انظر نصوص الفقرات (4،5،6) من المادة الأولى من هذا لقانون.

[1]1- أيدت هذا التوجه أيضاً قرارات الهيئة العامة للضرائب ، على سبيل المثال ردت لجنة التدقيق الثالثة اعتراض المستأنفين المتمثل بأن شراء المساهم موجودات الشركة لا يشكل ربحاً لها بعدم إمكانية الفصل بين ذمة المساهم المالية وذمة الشركة على اعتبار أنها شخص واحد ، واعتبرته غير وارد قانوناً لأن هذه الأرباح تخضع للضريبة سواء رسا البيع على المساهم أو غيره لانفصال ذمة الشركة كشخص معنوي عن ذمة المساهمين فيها، القرار المرقم 345 في 25/8/1981 ، الكتاب السنوي الصادر عن القسم القانوني في الهيئة العام للضرائب التابعة لوزارة المالية 1985 ، جـ2، قرارات لجنة التدقيق وديوان ضريبة العقار ، ص46.

2[1]- الازدواج الضريبي ، دائرة الأبحاث والإحصاء (مديرية الميزانية العامة) ، مجلة المالية ، العددان 1،2، السنة (4) ، 1977 ، ص114.

3[1]- د. هشام صفوت العمري ، الضرائب على الدخل ، مطبعة الجاحظ ، بغداد ، 1989 ، ص17.

4[1]- د. عادل فليح العلي ، المالية العامة والتشريع المالي ، مصدر سابق ، ص269.

5[1]- انظر الفقرات (6،7) من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل الأردني النافذ.

6[1]- كان البند 5 من الفقرة ب/م7 من قانون ضريبة الدخل الأردني النافذ ينص على هذا الإعفاء.

7[1]- م 17 مكرر من المصدر السابق .

8[1]- تدل على ذلك المعاملة المتميزة التي قررها المشرع المصري للشركات بإفراد جزء خاص بها من قانون ضريبة الدخل هو الكتاب الثاني منه .

9[1]- قرار محكمة النقض المصرية في الطعن المرقم 220 لسنة 35 ق. جلسة 28/2/1973 نقلاً عن: قيصر جعفر يحيى ، إقليمية الضريبة …. ، مصدر سابق ، ص 12 .

20- الفقرة 4 / المادة 120 .

المؤلف : زينب منذر جاسم الوائلي
الكتاب أو المصدر : ضريبة الدخل على الاشخاص المعنوية
الجزء والصفحة : ص63-67

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .